البر والوفاء للوالدين للشيخ فوزي محمد ابوزيد
الحمد لله رب العالمين، إلهٌ واحدٌ أحد، فردٌ صمد، لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد.
وأشهد أن لا إله إلاَّ الله، وحده لا شريك له، فتح لنا أبواب القرب من حضرته،
وسخر لنا لننال الأرزاق كل الكائنات العالية والسافلة في بريته، وجعلنا بفضل الله لو عملنا بما أمرنا مرزوقين، وبكتاب الله عزَّ وجلَّ لو نفَّذناه فيما بيننا في الدنيا والآخرة سعداء وفائزين، وجعلنا بسنة النبي صلى الله عليه وسلم لو مشينا على هديه دائماً وأبداً مرفوعين الرأس عالين بين ربوع العالمين أجمعين.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، وصفيُّه من خلقِهِ وخليله، نثر لنا أحكام كتاب الله، وبيَّنها لنا بياناً صريحاً واضحاً حتى لا نضِّل ولا نذِّل في هذه الحياة. ما ترك شيئاً يُقربنا إلى الله إِلاَّ ودلَّنا عليه، ولا ترك أمراً يُباعد بيننا وبين الله إلا وحذَّرنا منه.
اللهم صلِّي وسلِّم وبارك على هذا النَّبِيِّ الكريم، سيدنا محمد، الذي قال لنا في شأنه ربُّنا العظيم: "وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا" (7الحشر).
صلَّى الله عليه وعلى آله الطيبين، وعلى صحابته المباركين، وعلى كلِّ مَنْ اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين .. آمين، يا ربَّ العالمين.
إخواني جماعة المؤمنين:
يدور في أذهاننا أجمعين سؤالٌ يحتاج إلى جواب!! لماذا حالُنا يختلف عن حال المسلمين الأولين؟
وقد كانوا في أرغد عيشٍ، وأسعد حال، وأهنأ بال!! وأصبحنا في قلاقل لا حصر لها، ومشاكل لا عدَّ لها، وأمورٍ يضيق اللسان والنطق عن ذكرها، مع أن إِلهَنَا وإِلهَهُمْ واحد، ونبيَّنا ونبيَّهم واحد، وكِتَابَنَا وكِتَابَهُمْ واحد، فَلِمَ الفَرْقُ بيننا وبينهم؟!!!
الفرق - يا جماعة المؤمنين - أنهم آمنوا ثم عَلِِموا، ثم عَمِلُوا بما عَلِمُوا، فكان معهم عناية الله ورعاية الله، لأن الله قال لكل المؤمنين - منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلَّم إلى يوم الدين قال لهم ولنا أجمعين: "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ " (97النحل).
تعالوا معي اليوم نذكر باباً واحداً، فتحه لهم الله فولجوه ودخلوه، ونحن وأبناؤنا في مجتمعنا على وشك أن نَسُدَّه ونُغلقه، هذا الباب فيه سِعَةٌ للأرزاق، وفيه زِيَادَةٌ في العُمرِ في طاعة الكريم الخلاق، وفيه دعاءٌ لا يُردُّ لمن قام بذلك وكان أهلاً لذلك!! وهو بابٌ سهلٌ ويسير، والأمر فيه غيرُ شاقٍّ ولا عسير!! اسمعوا معي فيه قول البشير النذير صلى الله عليه وسلَّم:
"ما من مسلم له أبوان، فيصبح وهو محسن إليهما إلا فتح له بابان من الجنة، ولا يمسي وهو محسن إليهما إلا فتح له بابان من الجنة، ولا سخط عليه واحد منهما فرضي الله عز وجل عنه حتى يرضى ِ" (البيهقي والدارقطني عن ابن عباس رضي الله عنهما)
برُّ الوالدين، والإحسان إليهما، كان سَمْتَ الأولين، وكان شِيمَةَ مجتمعات المؤمنين أجمعين، منذ بعثة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلَّم إلى يوم الدين، لأن الله عزَّ وجلَّ عندما قضى أن نعبده ونُوَّحده عزَّ وجلَّ، كان الأمر التالي مباشرة لذلك هو القيام بحقوق الوالدين:
"وَقَضَى رَبُّكَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا" (23الإسراء).
فكانت العناية بالوالدين، والحرص على رعايتهما وطاعتهما، والحرص على الخير الذي ينال به برَّهما، هو الأمر المباشر بعد طاعة الله جلَّ في عُلاه كما نصَّ على ذلك كتاب الله، وبيَّنَ النبيُّ صلى الله عليه وسلَّم على ما يعود على المرء المسلم من البِرِّ،
فقال صلى الله عليه وسلَّم:
(مَنْ أَرَادَ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، وَيُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِه أي: يُؤخر عمره فَلْيَبِرّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ) (رواية احمد عن انس رضي الله عنه)
عبادةٌ سهلةٌ ويسيرة، جعلها النبي هي العبادة التي بها فَتْحُ الأرزاق لأمة النَّبِيِّ، وبها طول الأعمار بلا تعبٍ ولا مرضٍ ولا عناء ،
ناهيك عن قوله صلى الله عليه وسلَّم:
(ثلاث دعوات لا ترد: دعوة الوالد لولده، ودعوة الصائم، ودعوة المسافر) (البيهقي عن ابي هريرة رضي الله عنه)
دعاؤهما مستجاب، إذا دعوا للمرء في أي أمرٍ أجابهم الكريم الوهاب عزَّ وجلَّ.
وقد كان صلى الله عليه وسلَّم حريصاً على تربية أبنائه على هذه القيم الكريمة، حتى في أمسِّ حاجات المسلمين، فعندما دعا داعيه إلى الجهاد، وطالب الشباب إلى الخروج إلى الجهاد، جاءه رجلٌ شابٌ وقال: يا رسول الله إنِّي أريد أن أجاهد معك، فقال صلى الله عليه وسلَّم: (هل أحد أبويك حي؟ قال: نعم، وقد تركتهما يبكيان. فقال صلى الله عليه وسلَّم - وهو الرحمة المهداة: (ارجع إليهما وأضحكهما كما أبكيتهما، وفيهما فجاهد) (البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)
فجعل الجهاد في سبيل الوالدين كالجهاد في سبيل الله، لأنه اعترافٌ بالجميل، وتربية للقيم الأصيلة الإسلامية التي تدعو المؤمن إلى الاعتراف والإقرار لكلِّ مَنْ أسدى إليه نعمة، أو فعل معه معروفاً، أن يكافئه بما يليق بذلك.
وحكى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم لصحابته عن واحدٍ مِنْ أمته، آمَنَ بالنَّبِيِّ وكان في بلاد اليمن وكان وحيد أمه بعد أن مات أبوه، وكلما استأذنها أن يذهب إلى المدينة ليلقى رسول الله، تقول له: وتتركني لِمَنْ يا أويس؟!! فَيَبْقَى بجوارها حرصاً على برِّها!! قال في شأنه النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(خَيْرُ التَّابِعِينَ أُوَيْسٌ القِرَنِيّ، رجلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَن، آمَنَ بِي وَلَمْ يَرَنِي، مَنَعَهُ مِنْ المَجِيءِ إِلَىَّ بِرُّهُ بأمِّه، يَدْخُلُ فِي شَفَاعَتِهِ يَوْمَ القِيَامَةِ أَكْثَرَ مِنْ رَبِيعَةَ ومُضَر) (1)
وهما أكبر عائلتين أو قبيلتين في الجزيرة العربية. عَرَفَ له النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلَّم ذلك وعرَّف به، لأن الواجب على الابن أن لا ينهض إلى عملٍ مهمٍ من مهمِّات حياته إلا بعد استئذان الوالدين، لا ينبغي أن يسافر إلى أيِّ جهة إلا بعد إذنهما، ولا ينبغي أن يتزوَّج إلا بعد أَخْذِ موافقتهما.
وقد ظهرت ظاهرة غير إسلامية في هذا الزمان، يزعُم الشابُ أنه يحبُّ فلانة، ويعرضها على أبويه فيرفضانها، فيُصِّر على رأيه ويتزوجها وإن لم يأذن الوالدين!! مع أن هذا مخالف لصريح الدِّين وما أمرنا به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلَّم.
لقد بلغ الأمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان ابنه عبد الله قد تزوَّج زوجة وكان عبد الله من العابدين فشغلته زوجته عن العبادة، فقال له عمر: طَلِّقْهَا. فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلَّم وقال له: إن عمر يأمرني أن أُطَلِّقَ زوجتي، قال له صلوات ربي وتسليماته عليه : (أَطِعْ أَبَاكَ) (رواه احمد عن بن عمر رضي الله عنهما).
وإن كان ذلك الأمر لا يستقيم للجميع، لأن الذي يأمر قد يأمر عن هوىً أو عن أمرٍ دفين، غير الصدق والعدالة التي كان عليها عمر بن الخطاب صاحب النبيِّ الأمين صلى الله عليه وسلم ورضي الله تبارك وتعالى عنه.
لا ينبغي أن يسافر إلا بعد استئذانهما، ولا أن يتزوج إلا بموافقتهما، ولا يعمل عملاً مهماً كان في حياته إلا بعد أخذ رضائهما، لقول النبي صلى الله عليه وسلَّم:
(رضا الله في رضا الوالد، وسخط الله عزَّ وجلَّ في سخط الوالد) (رواه البيهقي عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما)
الذي يُرضي أباه إنما يُرضي الله، مادام أبوه من كُمَّلِ المؤمنين بالله الذين يقومون بالعمل الصالح ابتغاء وجه الله عزَّ وجلَّ.
وما بَرَّ ابنٌ أبويه إلاَّ ووجد خير ذلك في دنياه، ناهيك عما أجَّله الله عزَّ وجلَّ له في أُخراه!!
فإذا أطاع الإنسان والديه يجد ذلك في حياته الدنيا، في سعة الأرزاق، وفي جمال الطباع والأخلاق، ناهيك عن برِّ الأبناء لقوله صلى الله عليه وسلَّم:
(برِّوا آباءكم تبركم أبناؤكم) (الدارقطني والمنذري عن جابر والسيوطي عن ابي هريرة رضي الله عنه )
ولذا قيل يا رسول الله: أي العمل أحبُّ إلى الله؟ قال: (الصلاة لوقتها، قيل: ثم ماذا؟ قال: برُّ الوالدين) (البحاري ومسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه).
أو كما قال، ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ربِّ العالمين، الذي أكرمنا وكرَّمنا بالانتساب إلى هذا الدِّين، وجعلنا من عباده المسلمين.
وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له، شهادة نرجوه أن يُثبِّتنا على النُّطق بها في الدنيا، وعلى الخروج بها عند الموت، وعلى لقاء الله عزَّ وجلَّ بها يوم نلقاه.
وأشهد أن سيدنا محمداً عَبْدُ الله ورسولُه، الصفِّي التقيِّ النقيِّ، الذي علَّم العالم كلَّه قيمُ السماء وأخلاق القرآن.
اللهم صلِّي وسلِّم وبارك على سيدنا محمد، الذي كان قرآناً يمشي بين الناس بأخلاقه وهُداه، وكان دواءً شافياً لجميع الخَلْقِ بما ينطقه من فاه، وكان أسوة طيبةً لكل من يريد رضا الله من هذه الأمة المُجْتَبَاة.
صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وكل من اهتدى بهديه إلى يوم الدين، وعلينا معهم أجمعين، آمين يا ربَّ العالمين.
إخواني جماعة المؤمنين:
اعلموا علم اليقين أن أكبر الكبائر التي يقع فيها المسلم بعد الشرك بالله عزَّ وجلَّ هي عُقوق الوالدين، وعقوقهما يعني:
عصيانهما، وعدم طاعتهما، ومخالفة أمرهما في المعروف، وجفائهما وعدم الامتثال لهما، وعدم تكليف الإنسان نفسه بخدمتهما، أو زيارتهما إن كان بعيداً عنهما، وتفضيل الرجل لزوجته وأبنائه على أمِّه وأبيه، واستئثاره بما فتح الله به عليه من مالٍ، وشُحّه على الإنفاق على أمه وأبيه، كل هذا من العقوق. قيل يا رسول الله: أي الذنوب عند الله أعظم؟ قال: (الإشراك بالله، قيل: ثم ماذا؟ قال: عقوق الوالدين) (من حديث البخاري ومسلم عن أبي بكرة رضي الله عنه)
والذي يعقُّ الوالدين:
أولاً: لابد أن يقتصُّ الله عزَّ وجلَّ منه في الحياة الدنيا، لأن هذا الذنب لا يؤخر للآخرة وإنما يُعجَّل وقعه في حياته الدنيا.
ثانياً: يُحرم من النظر إلى وجه الله عزَّ وجلَّ يوم القيامة.
ثالثاً: يُحرَّم عليه دخول الجنة، قال صلى الله عليه وسلَّم:
(ثلاثة لا ينظرُ الله عز وجل إليهم يوم القيامة: العاقُّ لوالديه، والمرأةُ المترجِّلة، والدَّيُّوث، وثلاثة لا يدخلون الجنةَ: العاقُّ لوالديه، والمدمن الخمر، والمنَّان بما أعطى) (رواه النسائي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما).
فالعقوق يمنع الإنسان يوم القيامة من النظر إلى وجه الله، ويُحرِّم عليه دخول الجنة، لأنه وقع فيما يُغضب الله جلَّ في عُلاه، ناهيك عن أن هذا الغضب يُعجِّل له بسخط الله عزَّ وجلَّ وعقابه في هذه الحياة!!
لقد قصَّ رسول الله صلى الله عليه وسلَّم قصِّة رَجُلٍ من بني إسرائيل، وكان من العابدين، قال فيه صلى الله عليه وسلَّم: (لم يتكلَّم في المهد إلا عيسى بن مريم، وغلام جُريج الراهب، قيل: يا رسول الله، وما جريج، قال: كان رجلاً عابداً في بني إسرائيل، بَنَي صومعةً بعيدة عن الناس وتفرَّغ فيها لعبادة الله عزَّ وجلَّ، وكان هناك راعي بقر يأوي إلى جوار صومعته، وتأتيه امرأة مِنْ بَنِي إسرائيل، وجاءت أم جريج لزيارته، فنادت عليه ليفتح لها الباب وقالت: يا جريج، فقال في نفسه: أمي وطاعة ربِّي؟ هل أقطع الصلاة لأردُّ عليها؟ آثر أن يطيع الله، فنادت عليه مرةً ثانية فلم يجبها، فنادت عليه مرةً ثالثة، فلم يُجبها، فقالت: لا أماتك الله حتى ترى وجوه المومسات).
دعتْ عليه بهذه الدعوة وانصرفت، وحملتْ المرأة التي تأتي إلى الراعي من الراعي، وَجِيء بها إلى الملك بعد أن وضعت طفلاً، وقال لها الملك: من أبو هذا الغلام؟ قالت: جُريج، قال الملك لها: الراهب؟ قالت: نعم، فأمر بهدم صومعته، وأن يؤتى به في أحباله حتى ينظر في أمره، فجاء جريج وقد كتَّفوه بالحبال، فنظر إلى المومسات وتبسَّم، فقال الملك: إن هذه تزعُم أن هذا الطفل ابنك، قال: أين الطفل؟ فجاءوا به إليه، فقال: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي، ونطق وهو في المهد – صبيًّا!! فقال له الملك: نبني لك الصومعة بالذهب؟ قال: لا، قال: بالفضة؟ قال: لا، ابنوها كما كانت، فقال له الملك: وإنِّي سائلك: لماذا تبسَّمت عندما نظرت إلى المومسات؟ قال: لأنِّي تحققت أن الله أجاب دعوة أمي فيّّّّّ (البخاري ومسلم عن ابي هريرة رضي الله عنه).
فمع كثرة عبادته، وانفراده بالعبادة لله، إلا أن دعوة الأم استجابها الله عزَّ وجلَّ، حتى نَعْلَمَ عِلْمَ اليقين أنَّ برَّ الوالدين هو العمود الذي ينبغي أن نتمسَّك به لحلِّ مشاكلنا في هذه الحياة.
جماعة المؤمنين: نحن نحتاج في هذا الوقت إلى تلقين أبنائنا وبناتنا - قبل أن يفلت الزمام من أيدينا، وقد أوشك - على البِرِّ بالآباء، وعلى البِرِّ بالأمهات، وعلى الواجب عليهم نحوهم.
أتدري أخي المسلم: لو كنت تُصلي في منزلك، ونادت الأم أو الأب عليك، ما الذي ينبغي عليك أن تفعل؟ هذه قضية أثارها الفقهاء السابقون أجمعون. فقالوا: إن كنت في صلاة نافلة، ينبغي عليك أن تقطع الصلاة لتجيب نداء الأم أو الأب، لأن الصلاة نافلة وإجابة الأب أو الأم فريضة، ينبغي أن لا تتخلَّف عنها، وقال الإمام أبو حنيفة: فلو كانت فريضة والوقت مازال فيه مُتسَّع، فيجب أن تقطع الفريضة وتُجيبهما ثم تستأذنهما حتى لا تفوتك الفريضة فتُصلِّي الفريضة بعد ذلك. وإذا كان الوقت لا يسمح، فعليك أن ترفع صوتك بالصلاة حتى يسمعا ويتيقنا ويعلما أنك تصلي لله عزَّ وجلَّ.
يا مَنْ يستجيب لزوجته ويرفض نداء أمه: أما علمت أن طاعة الأم فريضة، وطاعة الزوجة لا ينبغي أن تكون إلا إذا طابقت شرع من يقول للشيء كن فيكون؟
هذه أمورٌ ينبغي أن نتدبّرها جليًّا، وأن نَعِيَهَا جيداً.
قضية إلهية قرآنية تشريعية ينبغي أن نقف عندها أجمعين، نُرشد حتى من حولنا من الحيارى، ولا ندع ابناً يرفع صوته على أبيه ونحن حُضور، فما بالكم بمن يرفع يده على أبيه، والذي يَسُبُّ ويشتم أمَّه وأباه، والذي يُسيء إليهما في المعاملة ويبكيهما؟ وقد قال صلى الله عليه وسلَّم:
(بُكَاءُ الوالدين من العقوق) (البخاري عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)
إذا أغضبتَ أحدَ الوالدين حتَّى بَكَى، فقد وصلت إلى درجة العقوق التي جعلته يبكي من فعلك ومن تصرفك، لا بد من أن تنال رضاهما حتى يرضى عنا الله عزَّ وجلَّ..... ثم الدعاء
***********************************************
(1) روى الإمام مسلم عن أسير بن جابر، قال: ((لما أقبل أهل اليمن، جعل عمر -رضي الله عنه- يستقرئ الرفاق فيقول: هل فيكم أحد من قَرَن، فوقع زمام عمر أو زمام أويس فناوله - أو ناول أحدهما الآخر- فعرفه، فقال عمر: ما اسمك؟ قال: أنا أويس. قال: هل لك والدة؟ قال: نعم. قال: فهل كان بك من البياض شيء؟ قال: نعم، فدعوت الله فأذهبه عني إلا موضع الدرهم من سرتي لأذكر به ربي. قال له عمر: استغفر لي. قال: أنت أحق أن تستغفر لي، أنت صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقال عمر: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن خير التابعين رجل يقال له أويس، وله والدة وكان به بياض، فدعا الله، فأذهبه عنه إلا موضع الدرهم في سرته)، فاستغفر له، ثم دخل في غمار الناس فلم ندر أين وقع. قال: فقدم الكوفة. قال: فكنا نجتمع في حلقة، فنذكر الله، فيجلس معنا فكان إذا ذكر هو، وقع في قلوبنا، لا يقع حديث غيره)). فذكر الحديث.