الإسلام والعلم د. محمد عامر
العناصر
1- المقدمة
2- الحث على طلب العلم .
3- فضل طالب العلم .
4- علموا الناس ولو شيئاً يسيرا .
5- ابليس مع العلماء .
6- العالم عالماً حتى ولو كان عبداً .
7- قلة العلم قد تكون سببا في الموت .
8- العلم ميراث النبوه .
9- وأما الأخر فأعرض فأعرض الله عنه
10- العلم أساس نهضتنا .
11-. رسالة الى الطلاب .
المقدمة
الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد
فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات
ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل
شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده
حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان
إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
أما بعد
يقول الله تعالى في محكم آياته وهو أصدق القائلين :
(يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) المجادلة: 11.
وقال تَعالى : ﴿فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآَنِ
مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه :
١١٤
وهذا لقمان يوصي به ابنه: (يا بني جالس العلماء وزاحمهم بركبتيك فان الله يحيي
القلوب بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل السماء).
عباد الله
_____
لقد حثّ الله سبحانه وتعالى على العلم ، وبين منزلة العلم والعلماء ، والثواب
العظيم عند الله تعالى ، فقال سبحانه: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قِيلَ
لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجَالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللَّهُ لَكُمْ وَإِذَا
قِيلَ انشُزُوا فَانشُزُوا يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ
أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ) [ المجادلة:
11.
وذم الله تعالى الجهل والجاهلين ، وحذر منه ، وبيّن أنه سبب إعراض المعرضين
عن دعوة الأنبياء والمرسلين ، وأن الناس لجهلهم كذبوا بهم ، يقول الله تعالى مخبراً
عن قول نوح لقومه: ( وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ
عَلَى اللّهِ وَمَآ أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ
وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْمًا تَجْهَلُونَ) [ هود: 29
ولَقد وردت فِي القرآن الكريم آيات عديدة للتحذير مِن مَخاطِر الجَهل، ومِنها
قول الله سبحانه وتعالي: ( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَاماً) الفرقان
63،
فلا يخفى على عاقل أن العلم أفضل مكتسب ، و أشرف منتسب، وأطيب ثمرة تجتني، به
يتوصل إلى معرفة الحقائق ، ويتوسل به إلى نيل رضى الخالق، وهو أفضل نتائج العقل وأعلاها
، وأكرم فروعه وأزكاها، لا يضيع أبداً صاحبه، ولا يفتقر كاسبه، ولا تنحط مراتبه. ونور
زاهر لمن استضاء به،
والعلم هو الصاحب في الغربة ، والمؤنس في الخلوة ، وهو الشرف في النسب ، قال
الله تعالى: (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ
دَرَجَاتٍ ) المجادلة 11
الحث على التعلم
________________
عن ابن مسعود وابن عمر رضي الله عنهم: {لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله
مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله القرآن فهو يقوم به آناء الليل وأطراف
النهار} وفي رواية أخرى {رجل آتاه الله الحكمة فهو يتعلمها ويعلمها الناس}.
والرسول عليه الصلاة والسلام يقف للأمة ويقول:{من سلك طريقاً يتلمس فيه علماً،
سهل الله له به طريقاً إلى الجنة} فقم يا طالب العلم، وقم يا أيها الشاب، وقم أيها
المتجه في ركب الصحوة واجلس في حلق الذكر، وزاحم العلماء بالركب، فإن الملائكة تظلك
بأجنحتها، وتضع لك الأجنحة رضاً بما تصنع، وطريقك ميسور مسهل إلى الجنة.
وقل لـبلال العزم من قلب صادق أرحنا بها إن كنت حقاً مصلياً
توضأ بماء التوبة اليوم مخلصاً به ترق أبواب الجنان الثمانيا
ويقول عليه الصلاة والسلام: {بلغو عني ولو آية} رواه مسلم وغيره، يقول: (بلغوا
عني) والبلاغ لا يأتي إلا بالعلم، فالله الله ولو آية، الله الله ولو حديث، ليكون لك
موقف يوم القيامة، لتشرب من الحوض المورود الذي طوله شهر وعرضه شهر، وعدد آنيته عدد
نجوم السماء، من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً، وأول ما يشرب منه من بلغ الرسالة
إلى الناس.
والرسول عليه الصلاة والسلام يتحدث عن العلم فيثني عليه كثيراً فيقول: {الدنيا
معلونة ملعون ما فيها، إلا ذكر الله وما والاه أو عالم أو متعلم}رواه الترمذي وابن
ماجة بسندين حسنين، ويقول عليه الصلاة والسلام: {إن معلم الناس الخير يستغفر له كل
شيء حتى الحيتان في البحر، وحتى النملة في جحرها} هذا الحديث رواه الترمذي وغيره وسنده
حسن.
إلى أحاديث أخرى يستفيض فيها صلى الله عليه وسلم في ذكر العلماء وطلبة العلم،
وهو يقول في حديث أبي الدرداء عند الترمذي:{من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً، سهل الله
له به طريقاً إلى الجنة} ثم يقول عليه الصلاة والسلام: {وإن الملائكة لتضع أجنحتها
لطالب العلم رضاً بما يصنع، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يخلفوا درهماً
ولا ديناراً، وإنما خلفوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر} رواه الترمذي وغيره بأسانيد
حسنة.
ويدعو صلى الله عليه وسلم إلى التعليم، فيقول: في حديث علي رضى الله عنه المتفق
عليه: {لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم} فهداية الرجل الواحد إنما
هو بالعلم.
فضل طالب العلم
وصحَّ عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: « من سلك طريقاً يطلب فيه علماً، سلك
الله له به طريقاً إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاء لطالب العلم، وإن العالم
يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، حتى الحيتان في البحر، وفضل العالم على العابد
كفضل القمر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورّثوا
ديناراً ولا درهماً، إنما ورّثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر ».
مقتطفات من كتب السير
1------ علموا الناس ولو شيئا يسيرا
_________________
وفي سنن أبي داود أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه جمع أهل الكوفة، فلما اجتمعوا
عليه قال لهم: يا أيها الناس! انظروا إليَّ، فنظروا فقام وتوضأ، فلما انتهى قال: هكذا
رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ.
أبو الحسن علي بن أبي طالب يتوضأ ويقول للناس: هكذا رأيت رسول الله صلى الله
عليه وسلم يتوضأ، فهل عز علينا -يا طلبة العلم- أن ندعو الناس في القرى والضواحي، وأن
نجلس بين أيديهم، ونتوضأ كما توضأ الرسول عليه الصلاة والسلام، ونقول: هكذا توضأ الرسول
عليه الصلاة والسلام، أليس بعلم , والله ربما يكون وضوءك مرة واحدة أمام جمع من الناس
، أو قرية من القرى، خير من رسائل الدكتوراه أو كتاب من الكتب
2-------- ابليس مع العلماء
__________
وقال المزني: روي عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: "إن الشياطين
قالوا لإبليس: يا سيدنا ما لنا نراك تفرح بموت العالم ولا تفرح بموت العابد، والعالم
لا نصيب منه والعابد نصيب منه؟ قال: أنطلقوا، فأنطلقوا إلى عابد فأتوه فقالوا: نريد
أن نسألك، فقال إبليس: هل يقدر ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟ فقال هذا الجاهل الذي
تعبَّد لله بالجهل فقال: لا أدري، فقالوا: أترونه كفر في ساعة؟ ثم جاوزوه إلى عالم
في حلقته يُضحك أصحابه ويحدّثهم، فقالوا: نريد أن نسألك، فقال: سلوا، فقالوا: هل يقدر
ربك أن يجعل الدنيا في جوف بيضة؟ فقالوا: نعم! قالوا: كيف؟ فقال: يقول كن، فيكون! فقال
إبليس: أترون هذا أم العابد؟؟ العابد لا يعدوا نفسه، وهذا -أي العالم- يفسد على عالمَ
كثيرة -أي بتعليمه للناس". والعلماء أخي الكريم، هم الأعلام على طريق الهدى، وهم
كالنجوم يُهتدى بهم؛ وقد قال تعالى { وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ
}. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل العلماء: « فضل العالم على العابد كفضل
القمر في ليلة البدر على سائر الكواكب »، وشتان، شتان بين القمر وسائر الكواكب.
3--- -العالم عالماً حتى ولو كان عبداً
__________________
. روى مسلم أن نافع بن الحارث أتى عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه وهو بعفسان،
وكان قد أستعمله على أهل مكة فقال له: "من أستخلفت على أهل الوادي؟" فقال:
"أستخلفت عليه بن أبجه" فقال: "من ابن ابجه؟" قال: "رجل من
موالينا"، فقال عمر: "أستخلفت عليهم مولى؟" فقال: "إنه قارئ لكتاب
الله، عالم بالفرائض" فقال عمر: "ألا إن نبيكم صلى الله عليه وسلم قال:
« إن الله يرفع بهذا العلم أقواماً ويضع به آخرين »". وقال سفيان بن عيينة:
"أرفع الناس منزلة عند الله من كان بين الله وبين عباده، وهم الأنبياء والعلماء".
وقف الزهري على عبد الملك بن مروان فقال له: "من أين قدمت؟" قال: "قدمت
من مكة"، قال: "ومن خلفت يسودها؟" قال: "عطاء بن أبي رباح"
فقال: "أمن العرب هو أم من الموالي؟" قال: "من الموالي" قال:
"فبمَ سادهم؟" قال: "بالديانة والرواية"، ثم سأله عن اليمن ومصر
والشام وأهل الجزيرة والبصرة، وهو يذكر له السادة، ويسأله من العرب هم أم من الموالي،
فيقول "من الموالي"، فذكر طاووس بن كيسان ويزيد بن أبي حبيب والحسن البصري،
ثم ساله عن الكوفة فقال "إبراهيم النخي، أمن العرب هو؟" قال "نعم من
العرب" فقال عبد الملك: "ويلك! فرذجت عني، والله ليسودن الموالي على العرب
في هذا البلد"، فقال له: "يا أمير المؤمنيين، إنما هو دين من حفظه ساد".
حقاً!! "إنما هو دين من حفظه ساد".. و يا له من دين لو أن له رجال.
. ما الفخر إلا لأهل العلم إنهـم ....... على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقد كلّ امرئ ما كان يحسنه ....... والجــاهــلون لأهل العلم أعداء
ففــز بعلــم تعــش حياً به أبداً ....... الناس موتى وأهل العلم أحيـاء
"الناس موتى وأهل العلم أحياء"
.
4------ - قلة العلم قد يكون سبباً في الموت
____________________
ويظهر هذا لما هلك صاحب الشجة، الذي سأل أصحاب النبي صلي الله عليه وسلم حين
أصابته شجة في رأسه وكانوا في البرد هل له رخصة في التيمم ؟ ، فقالوا: لا نجد لك رخصة
عن الغسل. فاغتسل فمات، فذُكِر ذلك للنبي – صلى الله عليه وسلم – فقال: «قَتَلُوهُ
قَتَلَهُمُ اللهُ، ألَّا سَأَلُوا إِذْ لَمْ يَعْلَمُوا، فَإِنَّمَا شِفَاءُ الْعِيِّ
السُّؤَالُ» لذلك قالنبي صلي الله عليه وسلم ( فقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد
) أخرجه ابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما..
5--- العلم ميراث النبوة
__________
عن أبي هريرة أنه مر بسوق المدينة ، فوقف عليها ، فقال : ” يا أهل السوق ، ما
أعجزكم ” قالوا : وما ذاك يا أبا هريرة ؟ قال : ” ذاك ميراث رسول الله صلى الله عليه
وسلم يقسم ، وأنتم هاهنا لا تذهبون فتأخذون نصيبكم منه ” قالوا : وأين هو ؟ قال :
” في المسجد ” فخرجوا سراعا إلى المسجد ، ووقف أبو هريرة لهم حتى رجعوا ، فقال لهم
: ” ما لكم ؟ ” قالوا : يا أبا هريرة فقد أتينا المسجد ، فدخلنا ، فلم نر فيه شيئا
يقسم . فقال لهم أبو هريرة : ” أما رأيتم في المسجد أحدا ؟ ” قالوا : بلى ، رأينا قوما
يصلون ، وقوما يقرءون القرآن ، وقوما يتذاكرون الحلال والحرام ، فقال لهم أبو هريرة
: ” ويحكم ، فذاك ميراث محمد صلى الله عليه وسلم
” . ”
6- وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه
________________________
فواجب على كل مسلم أن يتعلم العلم الشرعي الذي يقوم به دينه ، ثم يبلغه بعد
ذلك ، قال تعالى : " فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر ل لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات
" [ محمد 19 .
وأخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه ، أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم بينما هو جالس في المسجد والناس معه ، إذ أقبل ثلاثة نفر ،
فأقبل اثنان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وذهب واحد ، قال : فوقفا على رسول الله
صلى الله عليه وسلم ، فأما أحدهما فرأى فرجة في الحَلْقَة فجلس فيها ، وأما الآخر فجلس
خلفهم ، وأما الثالث فأدبر ذاهباً ، فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
" ألا أخبركم عن النفر الثلاثة ؟ أما أحدهم فآوى إلى الله فآواه ، وأما الآخر
فاستحيا فاستحيا الله منه ، وأما الآخر فأعرض فأعرض الله عنه " .
.أقول ماتسمعون واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله على ما أعطى واجزل نحمده تبارك وتعالى حمد العارفين الشاكرين الطالبين
لمزيد فضله والصلاة على إمام العارفين وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـ العلم أساس نهضتنا
____________
: وفي ظل تعاليم الإسلام السمحة وحضارته الوارفة وترغيبه في طلب العلم وتكريمه
للعلماء نبغ المسلمون في العلوم كلها والتمسوا المعرفة من الشرق والغرب فترجموا كتب
العلوم الفارسية واليونانية وغيرها وشجع الخلفاء على هذه الحركة العلمية ، حتى كان
الخليفة المتوكل يعطي حنين بن إسحاق أشهر المترجمين وزن ما يترجمه ذهباً. ولم يقتصر
المسلمون على الترجمة، بل تابعوا البحث والدراسة، والتعديل والتطوير ، حتى ابتكروا
وطوروا وسبقوا غيرهم . ففي ظل إدراك المسلمين لحقيقة العلم وقيمته :ـ برز أبو بكر الرازي
أول من عمل عملية إزالة الماء من العين. وظهر ابن سينا الذي كان كتابه الطبي (القانون)
يدرس في جامعتي (كمبردج، وأكسفورد) وغيرهما من مشاهير الأطباء كثيرون . وبرع جابر بن
حيان في علم الجبر، واكتشف كثيرا من أسرار الكيمياء. وسبر العرب علم الفلك ، فكانوا
أول بناة للمراصد الفلكية في العالم، وأول صانعي المناظير [التليسكوبات] فضلا عن تقدمهم
في فنون الهندسة المختلفة. ومحاولة الطيران في السماء التي كان أول من فكر فيها عباس
بن فرناس. إن العلم الذي تنهض به أمتنا هو كل علم نافع ، سواء كان من علوم الشريعة
أو من علوم الطبيعة أقصد كل العلوم التي يحتاجها الناس في حياتهم كالطب والهندسة والزراعة
والكيمياء وعلم الأحياء وعلم الفيزياء وعلم الإحصاء وسائر العلوم التي تعد من المقومات
الأساسية للنهضة الحضارية ، العلوم التي توجَّه الإنسان وتأخذ بيده وتيسر له القيام
بمهمته في الوجود.
ولله القائل :ـإذَا مَـا الْجَهْـلُ خَيَّـمَ فِي بِـلادٍ *** رَأَيْتَ أُسُودَهَا
مُسِخَـتْ قُـرُودَا
ولله در القائل أيضا :ـ الْعِلْـمُ يَرْفَـعُ بَيْتًـا لا عِمَـادَ لَهُ
*** وَالْجَهْلُ يَهْدِمُ بَيْتَ العِزِّ وَالشَّرَفِ
ولله در أحمد شوقي أمير الشعراء :ـ
إنِّي نَظَرْتُ إِلَـى الشُّعُوبِ فَلْمْ أَجِدْ *** كَالْجَهْلِ دَاءً لِلشُّـعُـوبِ
مُبِيـدًا.
رساله الى الطلاب
فيا أيها الآباء الكرام:
_________________
حتى يقع العلم مواقع نافعة في قلوب أبنائكم ازرعوا فيهم احترام المعلم أيا كان
ذلك المعلم وأينما كان ذلك العلم من علم شرعي أو غيره مما تحتاجه البشرية، فالأدب مفتاح
العلم وأساس الطلب، إن المعلم والطبيب كليهما لا ينفعان إذا لم يكرما.
إن تقدير المجتمع للمعلم وللطبيب وللمهندس ومن يفتى الناس فى دينهم وغيرهم ممن
ينفعون الناس له أثر عظيم، لا لذات الشخص فحسب، وإنما لشرف المهمة التي يؤديها، والرسالة
التي يحملها، وشجعوا أبناءكم على الدراسة وطلب العلم وتابعوهم من أول يوم للدراسة.
ورسالة أخيرة لأبنائنا الطلاب: ها قد عدتم إلى مقاعد الدراسة، فكيف بدأتم هذا
العام؟ هل جددتم النية وأخلصتموها لله جل وعلا في طلب العلم؟ هل تتذكرون يوم أن تسعوا
كل صباح إلى أماكن الدراسة قول النبي صلى الله عليه وسلم (من سلك طريقاً يلتمس فيه
علماً سهل الله له به طريقاً الجنة)؟ هل تستحضرون تقوى الله في طلبكم للعلم والله يقول
﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾
[البقرة: 282]، ما مدى أدبكم مع معلميكم وأساتذتكم؟ ما مبلغ الأدب فيكم مع زملائكم؟
فالأدب مفتاح العلم، والاحترام والتقدير أساس الطلب.
لا تحسبن العلم ينفع وحده ♦♦♦ ما لم يتوج ربه بخلاقِ
أخي الطالب: ما نوع الزملاء والأصدقاء الذين تختارهم لرفقتك وصحبتك في المدرسة
وفى الشارع والحي ؟ هل هم من النوع المرضي في دينه وخلقه وجديته وحسن هدفه، أم هم من
النوع الضائع في دينه الممقوت في خلقه عديم الجدية والهدف ؟ ألا ففر من المجذوم فرارك
من الأسد، وتذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول (المرء على دين خليله) ويقول أيضا
(المرء مع من أحب) ويقول (لا تصاحب إلا مؤمناً ولا يأكل طعامك إلا تقي) ولذا قال جماعة
من السلف: اصحب من ينهضك حاله، ويدلك على الله مقاله، وقالوا: من لم يتحمل ذل التعليم
ساعة بقى في ذل الجهل أبدا.
عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ
اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.
هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ،
فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا
محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.