خطورة الشائعات للشيخ أحمد أبو عيد











الحمد لله الذي تفرد بجلال ملكوته، وتوحد بجمال جبروته وتعزز بعلو أحديته، وتقدس بسمو صمديته، وتكبر في ذاته عن مضارعة كل نظير، وتنزه في صفائه عن كل تناه وقصور، له الصفات المختصة بحقه، والآيات الناطقة بأنه غير مشبه بخلقه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، شهادة موقن بتوحيده، مستجير بحسن تأييده
يا واحد في ملكه أنت الأحد      **    ولقد علمت بأنك الفرد الصمد
لا أنت مولود ولست بوالد        **    كلا ولا لك في الورى كفوا أحد
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
هذا النبي محمد خير الورى      **    ونبيهم وبه تشرف آدم
وله البها وله الحياء بوجهه     **    كل الغنى من نوره يتقسم
يا فوز من صلى عليه فانه       **    في جنة المأوى غدا يتنعم
صلى عليه الله جل جلاله         **    ما راح حاد باسمه يترنم
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
العناصر
أولاً: تعريف الشائعة                                  
ثانياً: أسباب انتشار الشائعات
ثالثاً: كيف عالج الإسلام الشائعات؟       
رابعاً: قصص ونماذج الشائعات ومفاسدها
الموضوع
أولًا: تعريف الشائعة
الشائعة: مصدر أشاع، وشاع الخبر في الناس شيوعا، أي: انتشر وذاع وظهر.
وقيل: وهي الأخبار التي لا يُعلم من أذاعها. فلو سألت من ينقل الشائعة عن مصدرها سيقول لك قالوا زعموا، وقيل: وهي نشر الأخبار التي ينبغي سترها، لأن فيها إيذاء للناس.
وقيل: هي مجموع سلوكيات خاطئة سريعة الانتشار، تُثِير البَلْبلة والفتنة في المجتمع.
وقيل: هي معلومة ضَالَّة مُضَلِّلة تَصْدُر من فردٍ، ثم تنتقل إلى أفراد، ثم إلى المجتمع، فهي محمولة
على الضلال، وهي مجموعة أخبار مُلَفَّقة تعمل على نشر الفوضى بين الناس.
وقيل: هي رواية مُصْطَنَعة يَتِمُّ تَناوُلُها بأيِّ وسيلة متعارف عليها، دونَ النظر لمصدرها.
ثانياً أسباب انتشار الشائعات
إتباع الهوى: فقال تبارك وتعالى:﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ وَأَضَلَّهُ اللَّهُ عَلَى عِلْمٍ وَخَتَمَ عَلَى سَمْعِهِ وَقَلْبِهِ وَجَعَلَ عَلَى بَصَرِهِ غِشَاوَةً فَمَنْ يَهْدِيهِ مِنْ بَعْدِ اللَّهِ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ﴾ [سورة الجاثية: الآية 23]
 وقال جل وعلا:﴿ وَلَا تَتَّبِعِ الهَوَى فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ ﴾سورة ص، والمقصود بالهوى هوى النفس الأَمَّارة بالسوء إلا ما رحم ربي، فصاحب الهوى يعمل على نشر ما يوافق هَوَى نفسِه، ولو كان على حساب إلحاق الضرر بغيره، فهو لا يهمه إلا مصلحة نفسه فقط، وإشباع غريزته السيئة، ولا يهمه ما يحصل بعد ذلك من خطر على البشر، ولهذا أنكر الله جل وعلا على من هذا صنيعه.
الجهل بعواقب الأمور:  فمن أراد أن يقدم على عمل لا بد أن يكون عنده بُعْدُ نظرٍ ليعلم ما يمكن أن يُؤدِّيَ إليه هذا العمل من المفاسد.
النفاق: إن النفاق سبب من أسباب الإرجاف، قال جل وعلا في الآية:﴿ لَئِن لَّمْ يَنتَهِ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي المَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلا قَلِيلًا ﴾ الأحزاب.
﴿هُمُ العَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾[سورة المنافقون: الآية 4] فهم أهل إرجاف وكذب وبهتان، يُخْفُون ما لا يُبْدُون، والحقيقة أن هذه الشائعات المغرضة إنما تصدر ممن لا خلاق له.
الفراغ:إنَّ الفراغ القاتل يؤدي بلا شك إلى ترويج الشائعات بطرق ووسائل مختلفة، ومن هذه الطرق وسائل الاتصال الحديثة كالإنترنت والجوال ويكون ذلك بغرض التسلية والتهكم، فعن ابن عباس t، قَالَ: قَالَ رَسُول الله r: ﴾نِعْمَتَانِ مَغبونٌ فيهما كَثيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ، وَالفَرَاغُ﴾ ﴿[1]
الرغبة في حب الظهور: وهو من الحيل التي يلجأ إليها ضعاف النفوس من أجل إبراز أنفسهم
على حساب الآخرين، فيعمل الواحد منهم على إبراز نفسه بنشر هذه الشائعات وإن كان فيها ضرر على غيره نتيجة لِمَا يعانيه من الفشل في حياته العامة، مُعْتَقِدًا أن ذلك يُعوِّض ما يشعر به من نقص، ولا شك أن هذا اعتقاد غير صحيح، ومسلك باطل، فرحم الله امْرَءًا عرَف قَدْر نفسه.
الشعور بالكراهية للآخرين: إن الشعور بالكراهية للآخرين وخاصة مَن لهم نفوذ ومكانة في المجتمع سبب في زرع الشائعات، فيعمل مُرَوِّج الشائعة على نشرها من باب الكراهية والبغضاء لذلك الإنسان ذي النفوذ حتى يسيء إلى سمعته بين الناس، وذلك لِمَا يَرَى عليه من نِعَم الله من المكانة والمنزلة، وهذا يعد من باب الحسد على هذه النعمة، فيأخذ في ترويج الشائعات الكاذبات عنه حتى يسيء إلى سمعته، ويكون هذا أحيانا من باب الانتقام لنفسه بإلحاق الضرر بأخيه.
ثالثاً: كيف عالج الإسلام الشائعات؟
عدّ الإسلام ذلك سلوكا مرذولاً، منافيا للأخلاق النبيلة: والسجايا الكريمة والمثل العليا التي جاءت بها وحثت عليها شريعتنا الغراء من الاجتماع والمحبة والمودّة والإخاء، والتعاون والتراحم والتعاطف والصفاء، وهل الشائعة إلا نسف لتلك القيم ومعول هدم لهذه المثُل؟!
حذر الإسلام من الغيبة والوقيعة في الأعراض والكذب والبهتان والنميمة، بين الناس، وهل الشائعة إلا كذلك؟
أ-حذر من الغيبة : عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟ قَالُوا اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ ﴿ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ﴾. قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِى أَخِى مَا أَقُولُ قَالَ ﴿إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ﴾ ﴿[2].  وقال تعالى:﴿ وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا ﴾[سورة الحجرات: الآية 12]
وعن عائشة رَضِيَ اللهُ عنها، قالت: قُلْتُ للنبيّ -r -: حَسْبُكَ مِنْ صَفِيَّةَ كذَا وكَذَا. قَالَ بعضُ الرواةِ: تَعْنِي قَصيرَةً، فقالَ: ﴾لَقَدْ قُلْتِ كَلِمَةً لَوْ مُزِجَتْ بِمَاءِ البَحْرِ لَمَزَجَتْهُ!﴾ قالت: وَحَكَيْتُ لَهُ إنْسَاناً فَقَالَ: ﴿مَا أُحِبُّ أنِّي حَكَيْتُ إنْساناً وإنَّ لِي كَذَا وَكَذَا﴾ ﴿[3] ،
ومعنى: ﴾مَزَجَتْهُ﴾ خَالَطَتْهُ مُخَالَطَةً يَتَغَيَّرُ بِهَا طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ لِشِدَّةِ ننتنها وَقُبْحِهَا. وهذا الحَديثُ مِنْ أبلَغِ الزَّواجِرِ عَنِ الغِيبَةِ، قَالَ الله تَعَالَى: ﴿وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى﴾
ب-حذر من النميمة : فقال تعالى:﴿ وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ﴾ سورة القلم: الآية 10 – 11
وعن حُذَيْفَةَ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ: ﴿لا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ قَتَّاتٌ﴾ ﴿[4]
والقتات الذي ينقل الكلام من شخص إلى شخص، أو مِن قَوْم إلى قَوْمٍ على سبيل الإفساد.
ج-حذر من الكذب : فقال تعالى:﴿ إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الكَاذِبُونَ﴾
د-الوعيد الشديد لمن يروِّج الإشاعات بين الناس: قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ﴾ النور
 وقال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ﴾
 وقال تعالى:﴿ إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ
الْحَرِيقِ ﴾البروج.
ر-الإنسان مسئول أمام الله عز وجل ومحاسب عن كل صغير وجليل: قال تعالى ﴿مَّا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ﴾ [ق:18] ، وقال تعالى: ﴿إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُمْ مَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ﴾ النور، وقوله تعالى:﴿ أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ﴾[المجادلة: 7]
 وقوله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ ﴾آل عمران
عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r ﴿كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ﴾ ﴿[5].
ويصف النبي r في رؤيته حال المُعَذَّبين من أهل الكذب فيقول: عن سمرة بن جندب t قال قال النبي r ﴿ رأيت الليلة رجلين أتياني قالا لي الذي رأيته ﴾الَّذِي رَأيْتَهُ يُشَقُّ شِدْقُهُ فَكَذَّابٌ، يُحَدِّثُ بِالكِذْبَةِ فَتُحْمَلُ عَنْهُ حَتَّى تَبْلُغَ الآفَاقَ، فَيُصْنَعُ بِهِ مَا رَأَيْتَ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ ﴾ ﴿[6]
وعن بهز بن حكيم عن أبيه عن جده رضي الله عنهم قال سمعت رسول الله r يقول ويل للذي يحدث بالحديث ليضحك به القوم فيكذب ويل له ويل له ﴾﴿[7]
إرجاع الأمر لأهل الاختصاص: يقول الله تعالى: ﴿وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا  ﴾ النساء
التثبت من الأخبار: قال الله عز وجل:﴿ يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا
قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ﴾سورة الحجرات  ومعنى تبينوا: تثبتوا.
أ-سيدنا سليمان u:  قال تعالي وَتَفَقَّدَ الطَّيْرَ فَقَالَ مَا لِيَ لَا أَرَى الْهُدْهُدَ أَمْ كَانَ مِنَ الْغَائِبِينَ *لَأُعَذِّبَنَّهُ عَذَابًا شَدِيدًا أَوْ لَأَذْبَحَنَّهُ أَوْ لَيَأْتِيَنِّي بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ *فَمَكَثَ غَيْرَ بَعِيدٍ فَقَالَ أَحَطتُ بِمَا لَمْ تُحِطْ بِهِ وَجِئْتُكَ مِن سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ ﴾سورة النمل
ب-عمر بن الخطاب t : كان عمر يقول لمن قال له كلاماً من باب المزيد من التثبت: والله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا؛ فعن أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: كُنْتُ فِي مَجْلِسٍ مِنْ مَجَالِسِ الأَنْصَارِ إِذْ جَاءَ أَبُو مُوسى كَأَنَّهُ مَذْعُورٌ فَقَالَ: اسْتَأْذَنْتُ عَلَى عُمَرَ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَرَجَعْتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ قُلْتُ: اسْتَأْذَنْتُ ثَلاَثًا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، فَرَجَعْتُ وَقَالَ رَسُولُ اللهِ r: إِذَا اسْتَأْذَنَ أَحَدُكُمْ ثَلاَثًا، فَلَمْ يُؤْذَنْ لَهُ فَلْيَرْجِعْ فَقَالَ: وَاللهِ لَتُقِيمَنَّ عَلَيْهِ بِبَيِّنَةٍ أَمِنْكُمْ أَحَدٌ سَمِعَهُ مِنَ النَّبِيِّ r فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: وَاللهِ لاَ يَقُومُ مَعَكَ إِلاَّ أَصْغَرُ الْقَوْمِ، فَكُنْت أَصْغَرَ الْقَوْمِ؛ فَقُمْتُ مَعَهُ فَأَخْبَرْتُ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ ذَلِكَ﴾ ﴿[8]
تأكيد الأمر بالقسم عليه: عن أنس بن مالك يقول: بينما نحن جلوس مع النبي r في المسجد دخل رجل على جمل فأناخه في المسجد ثم عقله ثم قال لهم أيكم محمد؟ والنبي r متكئ بين ظهرانيهم فقلنا هذا الرجل الأبيض المتكئ. فقال له الرجل ابن عبد المطلب؟ فقال له النبي r ﴿قد أجبتك﴾. فقال الرجل للنبي r إني سائلك فمشدد عليك في المسألة فلا تجد علي في نفسك. فقال ﴿سل عما بدا لك﴾. فقال أسألك بربك ورب من قبلك الله أرسلك إلى الناس كلهم؟ فقال ﴿اللهم نعم﴾. قال أنشدك بالله الله أمرك أن نصلي الصلوات الخمس في اليوم والليلة؟ قال ﴿اللهم نعم﴾. قال أنشدك بالله الله أمرك أن نصوم هذا الشهر من السنة؟ قال ﴿اللهم نعم﴾. قال أنشدك بالله الله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا؟ فقال النبي r ﴿اللهم نعم﴾. فقال الرجل آمنت بما جئت به وأنا رسول من ورائي من قومي وأنا ضمام بن ثعلبة أخو بني سعد بن بكر ﴾ ﴿[9]
 [ش ﴿فأناخه في المسجد﴾ أبركه في رحبة المسجد. ﴿عقله﴾ ثنى ركبته وشد حبلا على ساقه مع ذراعه. ﴿متكئ﴾ مستو على وطاء وهو ما يجلس عليه. ﴿بين ظهرانيهم﴾ بينهم وربما أدار بعضهم له ظهره وهذا دليل تواضعه r. ﴿ابن عبد المطلب﴾ يا بن عبد المطلب. ﴿قد أجبتك﴾ سمعتك. ﴿تجد﴾ تغضب. ﴿أنشدك﴾ أسألك. ﴿هذا الشهر﴾ أي رمضان. ﴿الصدقة﴾ أي الزكاة. ﴿رسول﴾ مرسل. ﴿أخو بني سعد﴾ واحد منهم]
علماء الحديث: كان علماء الحديث يتثبتون من الرواة، يستعينون بالقرائن، يسألون الشخص
 أكثر من مرة، وفي أكثر من موقف.
أ-قال حسان بن زيد: لم نستعن على الكذابين بمثل التاريخ نقول للشخص: سنة كم ولدت؟ فإذا أخبر بمولده عرفنا كذبه من صدقه.
ب-قال بعضهم: سمعت عطاء وقد سئل عن كذا وكذا فقال له أحد الرواة: في سنة كم؟ أحد الرواة عامر بن أبي عامر يروي عن عطاء، فقال له المحدث: سنة كم؟ قال: في سنة أربع وعشرين، فقال: عطاء مات سنة بضع عشرة، معنى ذلك أنه كذاب، يحدث عن الشيخ بعد وفاة الشيخ، سمع من الشيخ بعد وفاة الشيخ؛ ولذلك قال الآخر للراوي الآخر: تروي عن محمد بن أبي يعقوب وقد
مات قبل أن تولد بتسع سنين؟!.
وهكذا اكتشف كذب الخِطاب الذي أعده بعض اليهود وقدمه إلى بعض الخلفاء زاعماً أن النبي r أسقط الجزية عن يهود خيبر، فجاء الخطيب البغدادي وهو لها، أنعم وأكرم، عالم أهل الحديث، فنظر في الرسالة المزعومة المزورة، قال: هذا الخطاب فيه شاهد معاوية بن أبي سفيان، ولم يكن أسلم يوم خيبر، أسلم بعد خيبر، فكيف يشهد على خطاب كتب يوم خيبر فيه زعم أن الجزية أسقطت عن يهود خيبر، قال: وفيه شهادة سعد بن معاذ وقد مات سعد قبل خيبر، في عام الخندق سنة خمس فكيف يشهد على شيء جرى في خيبر؟ فأعجب الناس بذلك وانكشف كذب اليهود
 ج-شعبة جعل يتتبع حديثاً من رجل إلى رجل، حدثه إسرائيل بحديث عن أبي إسحاق، يذهب إلى أبي إسحاق من حدثك؟ قال: سمعته من عبد الله بن عطاء عن عقبة، أين عبد الله بن عطاء؟ بمكة، يرحل شعبة من البصرة إلى مكة، قال: لم أرد الحج، أردت الحديث، سألت عبد الله بن عطاء من حدثك؟ قال: سعد بن إبراهيم حدثني، أين سعد بن إبراهيم؟ بالمدينة، يسافر شعبة إلى المدينة ويرحل فيقول لسعد بن إبراهيم: من حدثك؟ قال: زياد بن مخراق من عندكم من العراق، فقلت: أي شيء هذا الحديث، بينما هو كوفي إذ صار مكياً إذ صار مدنياً إذ صار بصرياً، فأتيت البصرة، فسألت زياد بن مخراق عن الحديث من حدثك؟ قال: ليس هذا من بابك، يعني ليس الحجرات:، قلت: لا بد أن تخبرني، قال: حدثني شهر بن حوشب عن أبي ريحانة عن عقبة بن عامر الصحابي، فلما ذكر شهر بن حوشب وكان راوياً مخلطاً فيه ضعف، قال شعبة: دمَّر علي هذا الحديث، لو صح لكان أحب إلي من أهلي ومالي ومن الناس أجمعين، وهكذا من واحد إلى واحد، كم استغرقت الرحلة، كم استغرقت رحلة شعبة للتأكد من حديث واحد؟ واليوم نحن نروي وننقل في ثواني، وهكذا ترسل رسائل البريد الإلكتروني في ثواني، وننشر الإشاعات والأخبار غير الصحيحة، والأخبار المكذوبة، والتي ليس في نشرها مصلحة للإسلام، فلنتوقى هذا.
لقد حَذَّرنا الله من نقل الخبر بدون التثبت : فقال:﴿ أَن تُصِيبُوا ﴾أي: لئلا تصيبوا. فالتساهل في نقل خبر سببًا لإصابة الآخرين، ويكون فيه ضرر لهم، سواء شعرت أم لم تشعر، والله عز وجل حذرنا من أذية المؤمنين، قال تعالى:﴿ وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا ﴾ الأحزاب
وعن أبي هريرة -t - قَالَ: قَالَ رَسُول الله -r -: ﴿مِنْ حُسْنِ إسْلامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ﴾ ﴿[10].
ومعنى ما لا يعنيه: ليس منه فائدة، وقال تعالى:﴿ وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ
وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا ﴾ الإسراء ، وقال جل من قائل:﴿ مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾[سورة ق: الآية 18] ، وقال تبارك وتعالى:﴿ وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَامًا كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ الانفطار﴾
أن يقدم المسلم حسن الظن بأخيه المسلم: قال الله تعالى: ﴿لَّوْلاۤ إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ ٱلْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْرًا وَقَالُواْ هَـٰذَآ إِفْكٌ مُّبِينٌ﴾ [سورة النور:12]. والشائعات مبنية على سوء الظن بالمسلمين، وقال تعالى : ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنْ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ [الحجرات:12]
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ ﴿إِيَّاكُمْ وَالظَّنَّ فَإِنَّ الظَّنَّ أَكْذَبُ الْحَدِيثِ وَلاَ تَحَسَّسُوا وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ تَنَافَسُوا وَلاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا﴾ ﴿[11].
البعد عن الذين يخوضون فيما حرم الله: قال تعالى:﴿ وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آيَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلاَ تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ القَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾سورة الأنعام﴾
المنافق هو من يشيع الفاحشة: قال جل وعلا مُتوَعِّدًا هؤلاء:﴿ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا ﴿60﴾ مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا ﴿61﴾ سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا ﴿62﴾ الأحزاب﴾
رابعاً: قصص ونماذج الشائعات ومفاسدها
سيدنا نوح u: رماه قومه بالضلال والجنون قال الله تعالى حكاية عنهم:﴿إِنَّا لَنَرَاكَ فِي ضَلالٍ مُّبِينٍ ﴾[سورة الأعراف 60] ، وفي موضع آخر: نوح يقال له: مجنون :قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا  مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾ القمر.
سيدنا هود u:  اتَّهَمه قومُه بالسفاهة والكذب قال الله تعالى حكاية عنهم:﴿ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الكَاذِبِينَ ﴾[سورة الأعراف: الآية 66] حتى وصل بهم الأمر إلى أن اتهموه في عقله – عياذا بالله – يقول الله جل وعلا حكاية عنهم أيضًا:﴿ إِن نَّقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ آلِهَتِنَا بِسُوءٍ ﴾سورة هود
سيدنا موسى u:  قالوا عنه: ساحر. وقد حكي الله جل وعلا وذكر ذلك على لسان فرعون:﴿ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾سورة الشعراء
وعن أبي هريرة - t - قال: قال رسول الله - r -: ﴿ إنَّ موسى - u - كان رجلاً حَيِيًّا سِتِّيرًا، لا يُرى من جلده شيء؛ استحياءً منه، فأذاه مَن أذاه من بني إسرائيل، وقالوا ما يستتر هذا الستر إلا من عيب بجلده: إمَّا برص، وإمَّا أَدَرَة، وإمَّا آفة، وإنَّ الله أراد أن يُبَرِّئه مما قالوا، وأنَّ موسى - u - خلا يومًا وحْدَه، فوضع ثيابَه على حجر، ثم اغتسلَ، فلما فَرَغَ أقبل إلى ثيابه؛ ليأخذها، وإنَّ الحجرَ عدا بثوبه، فأخذ موسى - u - عصاه، وطلب الحجر، فجعل يقول: ثَوْبي حَجَرُ، ثَوْبي حَجَرُ، حتَّى انتهى إلى ملأ من بني إسرائيل، فرَأَوْه عُريانًا أحسنَ ما خَلَقَ الله، وأبرأه مما يقولون، وقَامَ الحجَرُ، فأخذ ثوبه فلبسه، وطَفِقَ بالحجر ضربًا بعصاه، فوالله ، إنَّ بالحجر لندبًا من أثر ضربه، ثلاثًا أو أربعًا أو خمسًا، فذلك قوله: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا...﴾ [الأحزاب: 69﴿[12]
السيدة مريم عليها السلام: تشكك الشائعات المغرضة فيه وفي أمة الصديقة: ﴿يٰأُ أخت هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ ٱمْرَأَ سَوْء وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيّاً﴾ [مريم:28].
سيدنا يوسف u: نموذج من نماذج الطهر والنقاء ضد الشائعات المغرضة التي تمس العرض والشرف، قال تعالى: ﴿كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوء وَٱلْفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ﴾ [يوسف:24].
سيدنا محمد r
أ-فقد رُميت دعوته المباركة بالشائعات منذ بزوغهافرُمي بالسحر والجنون والكذب والكهانة، وتفنن الكفار والمنافقون الذين مردوا على النفاق في صنع الأراجيف الكاذبة، والاتهامات الباطلة ضد دعوته، فما أرجعَ أصحابَ الهجرةِ الأولى إلى الحبشة منها إلى مكة إلا شائعة، وما صدَّ الناسَ عن النبي -r -في مكة إلا شائعة.
ب-سرت إشاعة في المجتمع المدني: أن النبي r طلق نساءه وقعد الصحابة يبكون حول المنبر متأثرين  بالقضية، قام عمر وهو من الذين علموا فاستنبطوه صحيحاً، فذهب إلى النبي r فقال: يا رسول الله أطلقت نساءك؟ قال: ﴿لا﴾ قال: فقمت على باب المسجد فناديت بأعلى صوتي: لم يطلق رسول الله r نساءه﴿[13]، ونزلت هذه الآية وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُم ﴾سورة النساء83
قال عمر: فكنت أنا استنبطت ذلك الأمر، ومعنى يستنبطونه أي: يستخرجونه من معادنه.
ج-من أشهرها قصة الإفك المبينتلك الحادثة التي كشفت عن شناعة الشائعات، وهي تتناول بيت النبوة الطاهرة، وتتعرّض لعرض أكرم الخلق على الله، وعرض الصديق والصديقة رضي الله عنهم أجمعين، ولا زالت الألسنة الخبيثة تلوك هذه الشائعة إلى اليوم. وتشغل هذه الشائعة المسلمين بالمدينة شهراً كاملاً حتى انزل الله براءة الصديقة بنت الصديق، قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ [النور:23]. ولهذا حكم العلماء على سابّ الصحابة بالفسوق وسابّ عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بالكفر لأنه ينكر آية البراءة لها في القرآن.
﴿ذكر الزمخشري في تفسيره الكشاف﴾: لقد بَرَّأ الله -تعالى -أربعةً بأربعة: برأ يوسف بلسان الشاهد؛ ﴿وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا﴾ [يوسف: 26]، وبَرَّأ موسى من قَوْلِ اليهود فيه بالحجر الذي ذهب بثَوْبِه، وبَرَّأ مريم بإنطاقِ ولدها، حين نادي من حِجْرِهَا: ﴿إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ...﴾ [مريم: 30]، وبَرَّأ عائشة بهذه الآيات العظام﴾.
د-استغلال الكفار والمنافقين لحادث موت رسول الله : حين أخذوا يشنون الحرب النفسية ضد المسلمين عن طريق الشائعات المغرضة، زاعمين أن الإسلام قد انتهى، ولن تقوم له قائمة حتى أثّر ذلك على بعض الصحابة رضي الله عنهم، وظل الناس في اضطراب حتى هيّأ الله الصديق أبا بكر t فحسم الموقف بتذكير الأمة بقول الحق تبارك وتعالى:  ﴿ وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ   ﴾  [آل عمران:144]. 
ويقول أحد من رمي بنار الشائعة: حصل بيني وبين جاري خلاف بسيط، فحقد علي، فرأيت بعد فترة أن جماعة الحي لا يسلمون عَلَيَّ، ولا يَرُدُّون عَلَيَّ السلام، وصاروا لا يَدْعُونَنِي إلى اجتماعاتِهم وندواتِهم المعتادة، فأحسست أن في الأمر شيئًا، فبعد أيام دخل ولدي عَلَيَّ فَزِعًا وهو يقول: يا أبي، ما معنى كلمة مُرَوِّج؟ قلت: ماذا تقول؟ مَن قال لك هذه الكلمة؟ قال: قالها لي ولدُ الجيران – حصل بين هذا الطفل وطفلٍ آخر من الجيران خلاف، فقال له: يا ولد المروج – قال: فاضْطَرَبَتْ أعصابي واضْطَرَبَتْ نفسي وصِرْتُ في حَيْرة من أمري، حتى حاولت أن أعرف الخبر، وإذا به قد أشيع عني أني مُرَوِّج مُخَدِّرات، وأنا بريء من هذه الفرية، فضاقت بي الأرض بما رَحُبت، حتى إنَّ صاحب العقار رفض أن يجدد لي العقد؛ لأنه سمع بهذه الشائعة، فخرجت واستأجرت في حَيٍّ آخر؛ لأنه لم يكن لي وجه أقابل به الناس وقد انطلقت هذه الفرية عَنِّي وشاعت في الحي.
فانظروا إلى الشائعات كيف تسبب البلبلة وتسبب الفرقة وتسبب الخصام وتسبب الحقد والحساسية بين أفراد المجتمع.
الشائعات لها آثار اقتصادية سيئة: فقد تؤثر على اقتصاد البلد وتسبب انهيارًا للأثرياء وغيرهم،
 وقد سمعنا أن من أسباب الانهيار الاقتصادي في العالم الذي تسمعونه الآن من بعض المحللين
 إشاعة بعض الشائعات ضد الأثرياء وضد بعض المؤسسات التجارية، حتى وصل الأمر إلى ما تسمعون به الآن.
ومن الأمثلة في ذلك: يأتي صاحب مصنع عنده صناعة كاسدة لا يُشْتَرَى منه، وليس للناس رغبة في منتجه فيدبر شائعة أو أكذوبة أن المصانع الفلانية والفلانية تستعمل في هذه المنتجات مواد كيماوية تضر بصحة الإنسان، سواء كان مشروبًا أو مأكولاً أو ملبوسًا، فيعرض الناس الذين سمعوا بهذه الشائعة عن الشراء من هذه المنتجات خوفًا على أنفسهم وصحتهم، فتُصاب هذه المصانع وهذه المنتجات بالخَسارة، وربما أقفلت أبوابها وأوقفت إنتاجها، كل ذلك من أجل أن يُدِيرَ مَصْنَعه ويَجْعله مُنْتِجًا على حساب الضرر بالآخرين، والنبي r يقول: ﴿لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَارَ﴾ ﴿[14]
قد يكون هدف الشائعات الإخلال بالأمن: فتكون سببًا في بلبلة الناس واضطرابهم، وخاصة في البلدان التي فيها حروب، فيستخدمها الأعداء ضد أعدائهم، فيروجون شائعات عبر وسائل الإعلام من تلفاز وإذاعة ومحطات فضائية وشبكات إنترنت أن البلد الفلاني قتل منه كذا وكذا من الأفراد، وسقط منهم عددًا من الطائرات، واحترقت دبابات، وتهدمت بيوت ومساكن، فيحدث هزيمة نفسية للجنود المقاتلين، ويصابون بالاضطراب والحيرة في أمرهم، والجبهة الداخلية تهتز، فيتولد عند الناس والشعب البغضاء لحاكم البلد أو لرئيس الجمهورية، فربما تقوم ثائرتهم وتتحرك الفتن،
 وربما تقوم المسيرات للانقلاب على ذلك الحاكم.
تمتد الشائعات فتنال من كبار الشخصيات والوزراء، والعلماء، والمشايخ وطلبة العلم والدعاة إلى الله، والآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر حتى تحصل الفجوة والهوة بين العلماء وبين الناس، فتهتز الثقة بين الناس والعلماء، فيذهبون يستفتون الجهلة، ويستفتون أولئك الذين يخرجون عبر المحطات الفضائية ممن ليس عنده علم فيفتونهم، ويتركون علماء البلد؛ لأن هناك مَن يُشَوِّه سُمْعتهم ويطعن في مِصْداقيتهم، ويطعن في علمهم.
فانظروا كيف تصل الشائعات من الخطر إلى هذا المدى، بل تصل إلى أمور كثيرة يضيق المجال لسردها، ويضيق الوقت لعدها،  نسأل الله أن يُجَنِّبنا وإياكم الفتن ما ظهر منها وما بطن.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم



([1]) صحيح البخاري    
([2]) متفق عليه   
([3]) صحيح سنن أي داود   
([4]) متفق عليه   
([5]) صحيح مسلم  
([6]) صحيح البخاري   
([7]) صحيح مسلم  
([8]) صحيح البخاري   
([9]) صحيح مسلم  
([10]) صحيح سنن الترمذي   
([11]) متفق عليه   
([12])  صحيح البخاري   
([13]) فتح الباري  
([14]) صحيح ابن ماجة    
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات