خطورةالتكفير والفتوى بدون علم للشيخ احمد أبو عيد
الحمد لله ذو العرش المجيد، والبطش الشديد، الفعال لما يريد، المنتقم ممن عصاه بنار تلظى بدوام الوقيد، المكرم سبحانه وتعالى من أطاعه واتقاه بجنات لا ينفذ نعيمها ولا يغيب
واشهد أن لا الاه وحده لا شريك له
قسم خلقه قسمين وجعلهم فريقين فمنهم شقي
وسعيد "َمنْ
عَمِلَ صَالِحاً فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاء فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ
لِّلْعَبِيدِ"
واشهد أن سينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم
أغر عليه
للنبوة خاتم
|
**
|
من الله
مُرسل يلوح ويشهد
|
وضم الإله
اسم النبي إلى اسمه
|
**
|
إذ قال
في الخمس المؤذن اشهد
|
وشق له من اسمه ليجله
|
**
|
فذو العرش محمود وهذا محمد
|
العناصر
أولًا: خطورة التكفير
ثانيًا: أسباب ظهور فتنة التكفير
المعاصرة
ثالثًا: شروط التكفير وموانعه
عند العلماء:
رابعًا: أخطار التكفير على الأفراد
والمسلمين
خامسًا: كيفية علاج هذه الظاهرة
الموضوع
الكفر في اللغة: الستر والتغطية، يقال: كفر الشيء ستره
أي غطاه، والعرب كانت تسمي الليل كافرا ًلأنه يستر بظلمته كل شيء وتسمي الزارع
كافراً لأنه يغطي الحب في التراب وتجمع على الكفار.
وفي الاصطلاح: أن يجحد الإنسان شيئا مما أوجب الله
الإيمان به، بعد إبلاغه إليه.
وقيل: هو عدم تصديق النبي صلي الله عليه وسلم في
بعض ما علم مجيئه به بالضرورة.
أولًا: خطورة
التكفير
1-التحذير منه
عن أبي ذرٍ ـــ رضي الله
عنه ـــ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا بِالفُسُوقِ،
وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهُ
كَذَلِكَ) ([1])
ولذا قال الإمام ابن
دقيق العيد رحمه الله: "وهذا وعيدٌ عظيمٌ لمن كفَّر أحداً من المسلمين وليس كذلك
وهي
ورطة عظيمة وقع فيها خلق كثير من المتكلمين ومن المنسوبين
إلى السنة وأهل الحديث لمَّا اختلفوا في العقائد فغلظوا على مخالفيهم وحكموا بكفرهم
وخرق حجاب الهيبة في ذلك جماعة من الحشوية وهذا الوعيد لاحق بهم إذا لم يكن خصومهم
كذلك..." ([2])
وقال الامام الشوكاني
رحمه الله:" اعلم أن الحكم على الرجل المسلم بخروجه من دين الإسلام ودخوله في
الكفر لا ينبغي لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر أن يقدم عليه إلا ببرهان أوضح من شمس
النهار فإنه قد ثبت في الأحاديث الصحيحة فعن عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ
أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:( أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ،
فَقَدْ بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ)
([3])
وعن أبي ذرٍّ -رضي الله
عنه -: أنَّه سَمِعَ رسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم -، يقولُ: ((مَنْ دَعَا رَجُلاً
بالكُفْرِ، أو قالَ: عَدُوَّ اللهِ، وَلَيْسَ كَذلكَ إلاَّ حَارَ عَلَيْهِ)) ([4])
أي: رجع وفي لفظ في الصحيح
(فقد كفر أحدهما) ففي هذه الأحاديث وما ورد موردها أعظم زاجر وأكبر واعظ عن التسرع
في التكفير..." ([5])
2-لعن المسلم كقتله
عَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ
عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ «لَيْسَ عَلَى رَجُلٍ نَذْرٌ فِيمَا لاَ
يَمْلِكُ وَلَعْنُ الْمُؤْمِنِ كَقَتْلِهِ وَمَنْ قَتَلَ نَفْسَهُ بِشَىْءٍ فِى الدُّنْيَا
عُذِّبَ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمَنِ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ
بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلاَّ قِلَّةً وَمَنْ حَلَفَ عَلَى يَمِينِ صَبْرٍ فَاجِرَةٍ» ([6]).
3-حرمة الاعتداء على المسلم بغير وجه حق
قال تعالى: {وَالَّذِينَ
يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا
بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [الأحزاب:].
4-دم المسلم وماله وعرضه حرام
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- «لاَ تَحَاسَدُوا وَلاَ تَنَاجَشُوا
وَلاَ تَبَاغَضُوا وَلاَ تَدَابَرُوا وَلاَ يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا. الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ
وَلاَ يَخْذُلُهُ وَلاَ يَحْقِرُهُ. التَّقْوَى هَا هُنَا». وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ
ثَلاَثَ مَرَّاتٍ «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ
كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ» ([7]).
5-نهى الله عباده المؤمنين أن ينفوا مسمى الإيمان عمن أظهر ه واتصف
به
قال تعالى: {وَلاَ تَقُولُواْ
لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ
الدُّنْيَا فَعِندَ اللهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ كَذَلِكَ كُنتُم مِّن قَبْلُ فَمَنَّ
اللهُ عَلَيْكُمْ فَتَبَيَّنُواْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} [النساء:
94].
6-الحكم على من نطق الشهادتين بالإسلام والله يتولى السرائر
عن أسامة بن زيد قَالَ:
بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا
الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ،
فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَالَ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا
قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى
تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ
أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ" ([8])
قال ابن حجر:" تمنى
أن يكون ذلك الوقت أول دخوله في الإسلام ليأمن من جريرة تلك الفعلة، ولم يرد أنه تمنى
ألا يكون مسلما قبل ذلك."([9])
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الله يستخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق
يوم القيامة فينشر عليه تسعة وتسعين سجلا كل سجل مثل هذا ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا
أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ فيقول لا يا رب فيقول: بلى
إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم فيخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فقال: إنك
لا تظلم قال: فتوضع السجلات في كفة والبطاقة في كفة فطاشت السجلات وثقلت البطاقة ولا
يثقل مع اسم الله شيء" ([10])
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ
رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-قَالَ «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى
يَشْهَدُوا أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَيُؤْمِنُوا بي وَبِمَا جِئْتُ بِهِ فَإِذَا
فَعَلُوا ذَلِكَ عَصَمُوا مِنِّى دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلاَّ بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ
عَلَى اللَّهِ» ([11]).
7-وجوب البينة
أولاً
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ
بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى
مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}. (الحجرات: 6).
عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ:" مَرَّ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ
عَلَى نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
يَسُوقُ غَنَمًا لَهُ؛ فَسَلَّمَ عَلَيْهِمْ؛ فَقَالُوا: مَا سَلَّمَ عَلَيْكُمْ
إِلَّا لِيَتَعَوَّذَ مِنْكُمْ؛ فَعَمَدُوا إِلَيْهِ فَقَتَلُوهُ وَأَخَذُوا
غَنَمَهُ!! فَأَتَوْا بِهَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛
فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا
ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى
إِلَيْكُمْ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا} إِلَى آخِرِ الْآيَةَ"([12]).
7-كل ما تنطق به تحاسب عليه
قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ
مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق:18].
8-النار لمن كذب على الله تعالى وسوله r
قال تعالى: "فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ
بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ"(الزمر
32)
قال الله تعالى :( قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ
مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والأتم وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ
مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَاناً وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)
(الأعراف 33).
قال تعالى:﴿ وَيَوْمَ القِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللهِ
وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ ﴾[الزُّمر: 60]
وعن الْمُغِيرَةُ قال
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ «إِنَّ كَذِبًا عَلَىَّ لَيْسَ
كَكَذِبٍ عَلَى أَحَدٍ فَمَنْ كَذَبَ عَلَىَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ
مِنَ النَّارِ» ([13]).
9-حرمة الفتوى بغير علم
عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ
عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-يَقُولُ
«إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ وَلَكِنْ
يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا اتَّخَذَ
النَّاسُ رؤوسا جُهَّالاً
قال تعالى: (وَلاَ تَقُولُواْ
لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِّتَفْتَرُواْ
عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ
عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُون) (النحل)
وعن عبد الله بن عباس
قال أصاب رجلا جرح في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم احتلم فأمر بالاغتسال فاغتسل
فمات فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال "قتلوه قتلهم الله ألم يكن شفاء
العي السؤال" ([15]).
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: مَنْ كَانَ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيَقُلْ بِهِ
; وَمَنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ عِلْمٌ فَلْيَقُلْ: " اللَّهُ أَعْلَمُ "
فَإِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ: {قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ
وَمَا أَنَا مِنْ الْمُتَكَلِّفِينَ}" ([16]).
ويقول الإمام مالك -رحمه الله
تعالى: أخبرني رجل أنه دخل على ربيعة بن أبي عبد الرحمن فوجده يبكي، فقال له: ما
يبكيك؟ أمصيبة دخلت عليك؟ فقال: لا، ولكن استُفْتِيَ من لا علم له!!
ووالله إنَّ هذا هو الواقع
اليوم، الآن رؤوس جهال يتكلمون بأحكام الشريعة ويوجهون الناس ويحاضرون ويخطبون وليس
عندهم من العلم والفقه شيء، إنما عندهم تهريج، وتهييج، قال فلان وقال فلان، شغلوا الناس
بالقيل والقال وهذا مصداق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم.
وإن الذي يعرِّض نفسه للفتوى لا بد أن يعلم يقينًا أنه سيحاسب عن كلِّ
ما يتكلم به، فإذا أفتى بغير علم، أو أفتى بخلاف ما هو صواب، لهوًى، أو لغرَضٍ، أو
لتحقيق دنيا عاجلة -إنما يُقحِم نفسه في الويل والهلاك.
إنك لتعجَب كل العجب ممَّن يبحث عن الطبيب الحاذق ليعالجه، والمهندس
الماهر ليرسم له ويخطط، والمحامي حاضر الذهن ليدافع عنه، أما إذا تعلق الأمر
بالدين فالتساهل يكون سائدًا، وتتبُّع الرُّخَص يكون هو الغالب!!! ولو أن شخصا سأل
عن طريق بلد من البلدان فقلت: الطريق من هنا وأنت لا تعلم لعد الناس ذلك خيانة منك
وتغريراً، فكيف تتكلم عن طريق الجنة وهو الشريعة التي أنزل الله وأنت لا تعلم عنها
شيئا ؟!! لذلك ينبغي علينا أن نسأل أهل العلم وأهل الذكر المتخصصين؛ استجابة لقوله
تعالى: {فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُون} [النحل:43].
وأهل الذكر هم العلماء، والذكر هو الوحي.
10-توَرُّعُ العلماء عن القول بغير علم
أ-أبو بكرٍ رضي الله عنه يقول: " أيُّ سماء تُظِلُّني وأيُّ أرضٍ
تُقِلُّني إن أنا قُلتُ في كتاب الله ما لا أعلم".
ب-ابـن عمر -رضي الله عنهما -يُسْأَلُ عن عشر مسائل فَيُجِيبُ عن
واحدةٍ ويَسْكُتُ عَن تِسْعٍ!! وعن عقبةَ بن مسلم قال: صحبتُ ابن عمر رضي الله
عنهما أربعةً وثلاثين شهرًا، فكثيرًا ما كان يُسأَل فيقول: لا أدري، ثم يلتَفتُ
إليَّ فيقول: تَدري ما يريدُ هؤلاء؟! يريدون أن يجعلوا ظهورَنا جِسرًا إلى جهنّم!!
ت-يقول عبد الرحمن بن أبي ليلى رحمه الله: "أدركتُ عشرين ومائةً من
أصحابِ رسول الله، فما كان مِنهم مُحدِّثٌ إلاَّ ودَّ أنَّ أخاه كفاه الحديث، ولا مُفتٍ
إلاَّ ودَّ أن أخاه كفاه الفُتيا".
ج-الإمام مالك رحمه الله تعالى يقول: ما أفتيت حتى شهد لي سبعون أني
أَهْلٌ لذلك؛ يعني سبعين من أهل العلم!! ومع ذلك لا يفتي في كل ما يُسأل عنه؛ وكان
إذا سُئل عن مسألة كأنه واقف بين الجنة والنار، وجاءه رجل مسافر فسأله عن أربعين
مسألة، فأجابه عن خمس مسائل، وقال عن البقية: لا أدري! فقال الرجل: جئتك من كذا
وكذا، وتقول: لا أدري!! قال: نعم، اركب راحلتك، وقل للناس: سألت مالكًا؟ وقال: لا
أدري! ([17]).
د-رُوي عن الشافعي ـ رحمه الله ـ أنه سئل عن مسألة فسكَت، فقيل له: ألا
تُجيب رحمك الله؟، فقال: حتى أدري الفضل في سكوتي أم في الجواب!
ر-سئل الشعبي مرة عن مسألة فقال: لا عِلْمَ لي بها، فقيل له: ألا
تستحي، فقال: ولِمَ أستحي مما لم تستحِ الملائكة منه حين قالت: {لَا عِلْمَ لَنَا
إلَّا مَا عَلَّمْتَنَا}. [البقرة: 32].
11-وجوب رد الحكم إلى الله ورسوله وأولي الأمر
قال تعالى: (وَإِذَا
جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى
الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ
مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ
إِلاَّ قَلِيلاً) (النساء 83)
12-العذاب الأليم
قال تعالى: "فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ
تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ"﴿ النور 63﴾
ثانيًا: أسباب ظهور فتنة
التكفير المعاصرة
1-الجهل الذريع، وربما الجهل المركب بهذه المسألة المهمة
في معرفة الكفر في موارد أدلة الوحي الشريف، والفرق
بين الكفرين الأكبر والأصغر، وحال أصحابهما من جهة اجتماع الشروط وانتفاء الموانع،
والفرق بين الكفر المطلق والكفر المعيّن، والكفر الدنيوي والحكم لصاحبه بالخلود الأخروي
بالنار، والتي
هي من المسائل الدقيقة التي لا يحسنها إلا العلماء، فهم بجهلهم يكفرون من شاءوا
ولا يفرقون بين كفر أصغر أو أكبر ؛ أو كبيرة وصغيرة؛ ولعل الجهل بأحكام الشريعة من
أهم صفات الخوارج الذين كانوا أول من تولى وزر التكفير في هذه الأمة، حين كفروا
أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد وصفهم النبي - صلى الله عليه وسلم -
بقوله:" يَحْقِرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مَعَ صَلَاتِهِمْ؛ وَصِيَامَهُ مَعَ
صِيَامِهِمْ؛ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ؛ يَمْرُقُونَ
مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ"([19])
يقول الإمام القرطبي مندداً بضلالة الخوارج وقلة فهمهم وتكفيرهم الناس:
"ويكفيك من جهلهم وغلوهم في بدعتهم حكمهم بتكفير من شهد له رسول الله بصحة إيمانه
وبأنه من أهل الجنة". وهل هناك جهل مركب بعد هذا الجهل ؟!!!
2-اتباع الهوى
والأغراض النفسية في
تكفير المخالف، وذمه والقدح في عرضه بالكفر دون تبصّر بالعلم، وتورّع بالديانة
3-اتباع المذاهب البدعية والجماعات المختلفة
والأقوال الشاذة، وتقليد
صغار طلبة العلم في إطلاق الكفر على الدول والمجتمعات والأفراد، مع الاقتناع
بأفكارهم وجعل التكفير وسيلة في الانتقام من المخالفين، وإشهاره سيفاً مسلطاً على
رقابهم، وهو ما اشتهر في
هذا الزمان من أن كل فرقة أو جماعة تكفر مخالفيها.
يقول ابن تيمية: "ومن البدع المنكرة تكفير الطائفة غيرها من طوائف
المسلمين واستحلال دمائهم وأموالهم ... وهذا حال عامة أهل البدع الذين يكفر بعضهم
بعضاً ... وهؤلاء من الذين قال الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا
دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ
إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (الأنعام: 159)
". ويقول رحمه الله: " من ادعى دعوى وأطلق فيها عنان الجهل مخالفاً فيها
لجميع أهل العلم، ثم مع مخالفتهم يريد أن يكفر ويضلل من لم يوافقه، فهذا من أعظم
ما يفعله كل جهول مغياق" ([20])
ومعنى المغياق المختلط المتحير
في الرأي يقال: غَيَّقَ الرجل في رأيه تغييقاً: إذا اختلط فلم يثبت على رأيٍ
واحدٍ، فهو يموج، وهذا ما نراه في وقعنا المعاصر من تفرق الأمة إلى أحزاب وفرق
وجماعات؛ وكل حزب بما لديهم فرحون؛ والغير يكفرون !!
4-الاستهانة بمحارم الله وأحكام شرعه
وعدم الأخذ على يد المكابر
والمعلن بالكفر، وأطره على الحق أطراً بقوة البرهان والسلطان! إلى غير ذلك من الأسباب
5-انتشار الكفر والردة الحقيقية جهرة في مجتمعاتنا الإسلامية
واستطالة أصحابها وتبجحهم
بباطلهم، واستخدامهم أجهزة الإعلام وغيرها لنشر كفرياتهم على جماهير المسلمين، دون
أن يجدوا من يزجرهم أو يردهم عن ضلالهم وغيهم.
6-تساهل بعض العلماء في شأن هؤلاء الكفرة
الحقيقيين وعدِّهم في
زمرة المسلمين، والإسلام منهم براء
7-اضطهاد حملة الفكر الإسلامي السليم
ووقادة وأتباع الدعوة
الإسلامية الملتزمة بالقرآن والسنة، والتضييق عليهم في أنفسهم ودعوتهم والاضطهاد والتضييق
لأصحاب الفكر الحر، فإنه لا يولد إلا اتجاهات منحرفة، تعمل في جو مغلق بعيدا عن العلم
الشرعي الصحيح والنور الذي يشيعه العلماء الثقات
8-حداثة السن وقلة التجارب
والغيرة غير المتزنة (عواطف بلا علم ولا حكمة): وهذا شائع وكثير من
شبابنا الطائش الذين تشبعوا بالفكر التكفيري المتطرف؛ وهؤلاء يقول عنهم النبي -
صلى الله عليه وسلم -: " يَأْتِي فِي آخِرِ الزَّمَانِ قَوْمٌ حُدَثَاءُ
الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ
يَمْرُقُونَ مِنْ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ لَا
يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ فَاقْتُلُوهُمْ
فَإِنَّ قَتْلَهُمْ أَجْرٌ لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ "([21])
قال السندي: " قوله: (أحداث الأسنان) أي صغار الأسنان، فإنّ حداثة
السّنّ محلٌّ للفساد عادة. (سفهاء الأحلام): ضعاف العقول"([22])
9-قلة بضاعة هؤلاء الشبان الغيورين من فقه الإسلام وأصوله
وعدم تعمقهم في العلوم
الإسلامية واللغوية الأمر الذي جعلهم يأخذون ببعض النصوص دون بعض، أو يأخذون
بالمتشابهات، وينسون
المحكمات، أو يأخذون بالجزئيات ويغفلون القواعد الكلية، أو يفهمون بعض النصوص فهما
سطحيا سريعا، فيتصدرون للفتوى في هذه الأمور الخطيرة، دون أهلية كافية فالإخلاص وحده
لا يكفي، ما لم يسنده فقه عميق لشريعة الله وأحكامه، وإلا وقع صاحبه فيما وقع فيه الخوارج
من قبل، الذين صحت الأحاديث في ذمهم من عشرة أوجه، كما قال الإمام أحمد هذا مع شدة
حرصهم على العقيدة والتنسك.
9-البواعث الخاطئة لدى كثير من التكفيريين
أ-سوء الظن، فسوء الظن يحمل صاحبه على تأويل
أقوال وأفعال الغير ولو كانت حسنة تأويلاً مشيناً
ب-الجهل وهو داء عضال ومرض فتاك، ابتلي
به شباب درسوا بعض الكتب فأدعو أنهم بذلك أصبحوا من أولي العلم وربما من أهل الإفتاء
3-الهوى قد لا ينجو منه لا العلماء، ولا العامة
ج-التعصب للآراء والأوطان والعادات والتقاليد
وهو داء نعوذ بالله من شره
د-الانتصار للنفس أو التعصب للحزب
ذ-الحسد والحقد وتمني
زوال النعمة والخير عن الغير وأن يكون له وحده.
ثالثًا: شروط التكفير
وموانعه عند العلماء:
أ-شروط التكفير
الكفر حكم شرعي مرده
إلى الله ورسوله فما دل الكتاب والسنة على أنه كفر فهو كفر، وما دل الكتاب والسنة على
أنه ليس بكفر فليس بكفر، فليس على أحد بل ولا له أن يكفر أحداً حتى يقوم الدليل من
الكتاب والسنة على كفره.
وإذا كان من المعلوم
أنه لا يملك أحد أن يحلل ما حرم الله، أو يحرم ما أحل الله، أو يوجب ما لم يوجبه الله
تعالى إما في الكتاب أو السنة، فلا يملك أحد أن يكفر من لم يكفره الله إما في الكتاب
وإما في السنة.
ولا بد في التكفير من
شروط أربعة:
1-: ثبوت أن هذا القول أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب
أو السنة.
2-ثبوت قيامه بالمكلف.
3-بلوغ الحجة.
4-انتفاء مانع التكفير في حقه.
فإذا لم يثبت أن هذا
القول أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإنه لا يحل لأحد أن يحكم
بأنه كفر، لأن ذلك من القول على الله بلا علم وقد قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ
رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ
الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا
عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ) الأعراف .
وقال:( وَلَا تَقْفُ
مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ
كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا). الإسراء 36
وإذا لم يثبت قيامه بالمكلف
فإنه لا يحل أن يُرمى به بمجرد الظن لقوله تعالى:( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ
عِلْمٌ)
ولأنه يؤدي إلى استحلال
دم المعصوم بلا حق، وفي الصحيحين من حديث عبد الله بن عمر ـــ رضي الله عنهما ـــ أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال:( أَيُّمَا امْرِئٍ قَالَ لِأَخِيهِ: يَا كَافِرُ، فَقَدْ
بَاءَ بِهَا أَحَدُهُمَا، إِنْ كَانَ كَمَا قَالَ، وَإِلَّا رَجَعَتْ عَلَيْهِ) ([24])
وعن أبي ذرٍ ـــ رضي
الله عنه ـــ أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لاَ يَرْمِي رَجُلٌ رَجُلًا
بِالفُسُوقِ، وَلاَ يَرْمِيهِ بِالكُفْرِ، إِلَّا ارْتَدَّتْ عَلَيْهِ، إِنْ لَمْ يَكُنْ
صَاحِبُهُ كَذَلِكَ) ([25])
وإذا لم تبلغه الحجة
فإنه لا يحكم بكفره لقوله تعالى (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ
بِهِ وَمَنْ بَلَغَ). الأنعام 19
وقوله تعالى:( وَمَا
كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ). القصص
59
وقوله تعالى (إِنَّا
أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ
(إلى قوله) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ
حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا). النساء 163: 165
وقوله تعالى:( وَمَا
كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا).
وعن أبي هريرة -رضي الله
عنه -أن النبي، صلى الله عليه وسلم، قال:( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لَا
يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ، وَلَا نَصْرَانِيٌّ، ثُمَّ
يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ، إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ)
([26]).
لكن إن كان مَنْ لم تبلغه
الحجة لا يدين بدين الإسلام، فإنه لا يعامل في الدنيا معاملة المسلم، وأما في الآخرة
فأصح الأقوال فيه أن
أمره إلى الله تعالى.
وإذا تمت هذه الشروط
الثلاثة أعني ثبوت أن هذا القول أو الفعل أو الترك كفر بمقتضى دلالة الكتاب والسنة،
وأنه قام بالمكلف، وأن المكلف قد بلغته الحجة، ولكن وجد مانع التكفير في حقه فإنه لا
يكفر لوجود المانع.
ب-موانع التكفير
1-الجهل:
وهو خلو النفس من العلم،
فيقول قولاً أو يعتقد اعتقاداً غير عالم بحرمته، كمن يعتقد أن الصلاة غير واجبة عليه،
أو أن الله غير قادر على حشر الأجساد إذا تفرقت، والسبب وراء ذلك جهله بوجوب الصلاة
وقدرة الله جلا وعلا
فعن أبي هريرة (رضي الله
عنه) عن النبيّ (صلى الله عليه وسلم) قال: ((كان رجل يسرف على نفسه فلما حضره الموت،
قال لبنيه: إذا أنا متُّ فأحرقوني ثم اطحنوني ثم ذروني في الريح، فوالله لئن قدر على
ربي ليعذبني عذابا ما عذبه أحدا، فلما مات فعل به ذلك فأمر الله الأرض فقال اجمعي ما
فيك منه، ففعلت، فإذا هو قائم، فقال ما حملك على ما صنعت؟ قال: يا رب خشيتك فغفر له))
([27]).
فهذا رجل جهل قدرة الله
جلا وعلا فظن أنه إذا أحرق ونثر رماده في البر والبحر فإن الله لا يقدر على جمعه، ولا
شك أن الشك في قدرة الله جلا وعلا، والشك في البعث كفر، ولكنه لما كان جاهلا غفر الله
له، وليعلم أن العذر بالجهل إنما يقبل في حق من كان في محلٍّ أو حالٍ هو مظنة أن يجهل
هذه الأحكام كمن نشأ في بادية بعيدة أو كان حديث عهد بكفر
أما من عاش بين المسلمين،
يحضر صلواتهم ويسمع خطبهم، ثم يجهل شيئا من أصول الدين أو أمراً معلوماً منه بالضرورة
فلا يعذر بجهله، لأنه متسبب في وجود جهله وعدم إزالته.
2-الخطأ:
وهو أن يقصد بفعله شيئاً
فيصادف فعله غيرَ ما قصد، كمن يريد رمي غزالٍ فيصيب إنساناً، أو كمن يريد رمي كتاب
كفر فيرمي كتاب الله جلَّ وعلا، والأدلة على العذر بالخطأ كثيرة منها قوله تعالى:
(وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُم)
[الأحزاب :5]
ومن الأحاديث المشهورة
في العذر بالخطأ، قوله: (صلى الله عليه وسلم): ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان
وما استكرهوا عليه)) ([28])
وهذه الأدلة عامة في
العذر من عموم الخطأ، وثمة دليل خاص يدل على العذر من الخطأ في مسائل الكفر ، وهو ما
رواه مسلم عن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« لَلَّهُ أَشَدُّ فَرَحًا بِتَوْبَةِ عَبْدِهِ حِينَ يَتُوبُ إِلَيْهِ مِنْ أَحَدِكُمْ
كَانَ عَلَى رَاحِلَتِهِ بِأَرْضِ فَلاَةٍ فَانْفَلَتَتْ مِنْهُ وَعَلَيْهَا طَعَامُهُ
وَشَرَابُهُ فَأَيِسَ مِنْهَا فَأَتَى شَجَرَةً فَاضْطَجَعَ فِى ظِلِّهَا قَدْ أَيِسَ
مِنْ رَاحِلَتِهِ فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذَا هُوَ بِهَا قَائِمَةً عِنْدَهُ فَأَخَذَ
بِخِطَامِهَا ثُمَّ قَالَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ اللَّهُمَّ أَنْتَ عَبْدِى وَأَنَا
رَبُّكَ. أَخْطَأَ مِنْ شِدَّةِ الْفَرَحِ» ([29])
ولا شك أن مخاطبة الله
بالعبد كفر وخروج من الدين إن كان عن قصد وتعمد، ولكن لما كان نطق الرجل لها خطأ كان
معذورا بخطئه.
3-الإكراه:
وهو إلزام الغير بما
لا يريد، ففي هذه الحالة يكون المكرَه في حلٍّ مما يفعله أو يقوله تلبية لرغبة المكرِه
دفعا للأذى عن نفسه أو أهله، وهذا من رحمة الله عز وجل بعباده ولطفه بهم حيث لم يكلفهم
ما يشق عليهم، قال تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلا مَنْ
أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً
فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [النحل:106]
وحتى لا يقع الناس في
الكفر ويرتكبوا المحرمات عند وجود أدنى ضغط أو تهديد فقد ذكر العلماء الشروط التي يتحقق
بها وجود وصف الإكراه المعتبر شرعاً وهي:
أ-أن يكون التهديد بما
يؤذي عادة كالقتل والقطع والحبس والضرب ونحو ذلك.
ب-أن يكون المكرِه قادراً
على تحقيق ما هدد به، لأن الإكراه لا يتحقق إلا بالقدرة، فإن لم يكن قادرا لم يكن للإكراه
اعتبار.
ج -أن يكون المكرَه عاجزاً
عن الذب عن نفسه بالهرب أو بالاستغاثة أو المقاومة ونحو ذلك.
د -أن يغلب على ظن المكرَه
وقوع الوعيد، إن لم يفعل ما يطلب منه.
فإذا اجتمعت هذه الشروط
كان الإكراه معتبراً شرعاً.
4-التأويل:
وهذا المانع من التكفير
إنما يختص بأهل الاجتهاد دون غيرهم من المتقولين على الله بالجهل والهوى، وذلك أن المجتهد
قد يترك مقتضى نص لنص آخر يراه أقوى منه كمن اعتقد من الصحابة حل الخمر مستدلاً بقوله
تعالى: (لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا
إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا
ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة:93]،
فلما رفع أمرهم إلى عمر
بن الخطاب وتشاور الصحابة فيهم ، اتفق عمر
بن الخطاب وعلي بن أبي طالب وغيرهما من علماء الصحابة، على أنهم إن أقروا بالتحريم
جلدوا ، وإن أصروا على الاستحلال قتلوا، فلم يكفرهم الصحابة رضي الله عنهم من أول وهلة
لتأويلهم، بل أجمعوا على أن يبينوا لهم خطأ استدلالهم، فإن أصروا قتلوا ردة ، فلما
استبان للمتأولين خطأ استدلالهم رجعوا وتابوا، والتأويل المعتبر في هذا المقام هو ما
كان له وجه في الشرع واللغة العربية ، أما إن كان لا يعتمد على شيء من القرائن الشرعية
أو اللغوية فهو غير معتبر شرعا كتأويلات الباطنية ونحوهم .
ولو التزم الناس بما
قرره العلماء من ضوابط وشروط وموانع للتكفير لما حصل ما يجري في كثير من البـلاد الإسلامية
وغيرها من التكفــــير والتفجير، وما ينشـأ عنه من سفـــــــك الدماء المعصومة، وتخريب
المؤسسات والمنشـــــــآت، وما يـــــــــترتب عليه من إزهــــــاق الأرواح البريئة،
وإتلاف الأمـوال المعصومة، وإخافة للناس وإرهابهم، وزعزعــــــة أمنهــــــم واستقرارهـم،
وقد حفظ الإسلام للمسلمين أموالهـــــم وأعراضهم وأبدانـــــهم، وحَــــــــــرَّم
انتهاكها، وشـدَّدَ في ذلك، وكان مِن آخر ما بَلَّغَ به النبيّ (صلى الله عليه وسلم)
أُمَّــتَهُ فقال في خُطبة حجة الـــوداع : (( إن دماءكم وأموالكم وأعراضكــــــــم
عليكم حرام كحــــــرمة يومكم هذا، في شهـــــــركم هذا، في بلدكم هذا ، ثم قال صلى
الله عليه وسلم : ألاَ هَل بَلَّغْـــــــــتُ ؟ اللهــم فاشهد)) ([30]).
نسأل الله تعالى أن يهدينا
سواء السبيل، وأن يجمع كلمة المسلمين على المنهج الصحيح منهج السلف الصالح، وأن يــــــؤلف
بين قلوبنا وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ([31]).
رابعًا: أخطار التكفير على الأفراد
والمسلمين
أ-أخطار التكفير
على الأفراد
1-لا يحل لزوجته البقاء معه، ويجب أن يفرق بينها وبينه
لأن المسلمة لا يصح أن
تكون زوجة لكافر بالإجماع المتيقن
2-أن أولاده لا يجوز أن يبقوا تحت سلطانه
لأنه لا يؤتمن عليهم
ويخشى أن يؤثر عليهم بكفره، وبخاصة أن عودهم طري وهم أمانة في عنق المجتمع الإسلامي
كله
3-انه فقد حق الولاية والنصرة على المجتمع الإسلامي
بعد أن مرق منه وخرج
عليه بالكفر الصريح، والردة البواح، ولهذا يجب أن يقاطع، ويفرض عليه حصار أدبي من المجتمع
حتى يفيق لنفسه، ويثوب إلى رشده
4أنه يجب أن يحاكم أمام القضاء الإسلامي، لينفذ فيه حكم المرتد
بعد أن يستتيبه ويزيل
من ذهنه الشبهات، ويقيم عليه الحجة
5-أنه إذا مات لا تجرى عليه أحكام المسلمين
فلا يغسل ولا يصلى عليه،
ولا يدفن في مقابر المسلمين، ولا يورث، كما أنه لا يرث إذا مات مورث له
6-أنه إذا مات على حاله من الكفر يستوجب لعنة الله وطرده من رحمته
والخلود الأبدي في نار
جهنم وهذه الأحكام الخطيرة توجب على من يتصدى للحكم بتكفير خلق الله أن يتريث
مرات ومرات قبل أن يقول ما يقول
ب-أخطار التكفير
على المسلمين
1-تقنيط المسلمين من رحمة الله تعالى
بل يعتبر هذا التكفير
تشجيع لهم على التكفير الحقيقي بمعنى أن الذي تصدر ضده مثل هذه الفتوى من فتاوى التكفير
قد يؤزه الشيطان إلى القول 'أنا الغريق فما خوفي من البلل'
2-إهدار للدم المعصوم ومن المعلوم
أنه من مقاصد الإسلام العليا صيانة النفوس من إهدار دمها
3-إبطال قواعد الزواج والتوارث والترحم على موتى
المسلمين ولا يخفى على
كل ذي عقل ما هي النتائج الوخيمة التي سوف تترتب على إبطال وإلغاء مثل هذه القواعد
العظيمة في حياة الأمة المسلمة
4-فشو الجهل وخفاء العلم بالدين
عقيدة وشريعة، وتشويه سماحة الإسلام وعالميته، وكذلك
اختلال الأمن العام للمسلمين وغيرهم الأمن العقدي والفكري والأمن الديني، والأمن الاجتماعي،
والأمن السياسي، والعسكري، والأمن الأسري، والأمن النفسي، ولا سيما على العقل والدين
والعرض والنفس والمال، وهي الضرورات الخمس التي أجمعت على حفظها شرائع الله قاطبة والنبي
صلى الله عليه وسلم يقول "كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه'، وفي حجة
الوداع في يوم عرفة قال(إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم
هذا في بلدكم هذا) متفق عليه ولقد عانى كثير من المسلمين من ويلات هذه النهج الخاطئ
فروع الآمنون واستحلت دمائهم وأموالهم وانتشرت هذه الفتنة
5-أن يعم الاضطراب
فتتشوه صورة الإسلام
الصحيح في نظر غير المسلمين، واستغل هذا الأمر أعداء الإسلام حيث صوروا لغير المسلمين
إن دين الإسلام دين إرهاب وقتل وسرق ونهب، وقد بلغ ببعض أفراد المكفرين أن يستحلوا
الأموال العامة والسعي إلى إتلاف ما أمكن إتلافه من ممتلكات البلد، ومحاولة زعزعة الأمن
فيه وإخافة الآمنين وإيذائهم
قال شيخ الإسلام رحمه
الله: «لهذا يجب الاحتراز من تكفير المسلمين بالذنوب والخطايا فإنه أول بدعة ظهرت في
الإسلام فكفَّر أهلها المسلمين واستحلوا دماءهم وأموالهم» ([32]).
قال الشيخ الفوزان حفظه
الله – عضو هيئة كبار العلماء -: «إنما يطلق التكفير جزافاً الجهلة الذين يظنون أنهم
علماء وهم لم يتفقهوا في دين الله عز وجل وإنما يقرؤون الكتب ويتتبعون العثرات» ([33]).
خامسًا: كيفية علاج
هذه الظاهرة
1-التفقه في الدين
قال تعالى: {فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ
فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}
التوبة.
ولئن كانت حاجة الأمة إلى الفتوى كبيرة فيما مضى، فإن الحاجة إليها في هذه
الأيام أشد وأبقى؛ فقد تمخض الزمان عن وقائع لا عهد للسابقين بها، وعرضت للأمة نوازل
لم يخطر ببال العلماء الماضين وقوعها، فكانت الحاجة إلى الإفتاء فيها شديدة؛ لبيان
حكم الله تعالى في هذه النوازل العديدة؛ إذ لا يعقل أن تقف شريعة الله العليم الحكيم
عاجزة عن تقديم الحلول الناجعة لمشكلاتهم المتسعة لكل ما يحدث لهم أو يُشكل عليهم،
وهي الشريعة الصالحة لكل زمان، الجديرة بالتطبيق في كل مكان. ولما كانت الفتوى بيانٌ
لأحكام الله، والمفتي في ذلك موقِّعٌ عن الله، فإن القول على الله تعالى بغير علم من
أعظم المحرمات؛ لما فيه من جرأة وافتراء على الله، وإغواء وإضلال للناس، وهو من كبائر
الإثم.
2-الحكمة والموعظة الحسنة
قال تعالى:"ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ
وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ
بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ
سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ
بِالْمُهْتَدِينَ"(النحل/125)
3-بيان وسطية الإسلام
قال
تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ
وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة].
ونهاهم
عن الغلو والانحلال، فقال تعالى: {يَا أَهْلَ الكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}
[النساء: 171]
فلا
إفراط ولا تفريط، لا غلو ولا تطرف ولا تشدد في الإسلام، إنه دين الوسطية والاعتدال
والعدل، دين الرحمة والتسامح والوفاء والصدق، دين الأخلاق الحميدة الفاضلة.
4-بيان حرمة القتل
والاعتداء على الآمنين
قال
تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا
وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [النساء:
93].
وقوله
تعالي: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ
فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ
وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي
الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة].
5-بيان خطر هذه المناهج
والأفكار المتطرفة
ومساوئها ومفاسدها في الحاضر والمستقبل
ولا فائدة ولا خير يرجى منها وانما ضياع الدنيا والآخرة معا.
6-التوعية والتربية الصالحة
على الخير لا على هذا الأمر الخطير لنكون على
بصيرة من أمرنا
7-معالجة الأفراد الذين وقعوا
فيما وقعوا فيه
بأن
نزيل عنهم الشبهة والغشاوة التي طرأت عليهم ونوضح لهم الحق بالتوعية الصادقة والنصيحة
الهادفة، فكم من أناس انخدعوا واغتروا بدعاة ضلال وفساد ظنوا أنهم على خير وأنهم محقون
ولكنهم مسيئون لهم فساءت أفهامهم وقلَّ إدراكهم، فلا بد من توجيههم وإزالة كل الغشاوة
التي علقت بأذهانهم.
8-يجب أن يُعمَد إلى ذلك التُّراث
التكفيريّ بهدف تشريحه وتفكيكه ونقده والعمل على إنهاؤه
ومحاولة تعريته من أي نظرةٍ قداسويَّة
تهدف إلى جعله متعالياً على النقد، إذ إنَّ هذا التُّراث تشكَّل في معظمِه متأثِّراً
بظروف ومعطيَات غير صحيَّة، سياسيَّة وغير سياسيَّة، وبخلفيَّات ثقافيَّة لا يُمكن
الادعاء بكونها خاليةً تماماً من شوائب غير إسلاميَّة، وهو ما أدَّى إلى إنتاج تُّراثٍ
مشوَّه في العديد من مفاصله ومعطيَاته، وتُّراثٍ هجينٍ في العديد من أفكاره ومضامينه،
والتي منها قضيَّة التكفير لعموم المسلمين والكثير منهم. ولذلك لا يُمكن علاج ظاهرة
التكفير المُنفَلِت، ما لم يُعمَد إلى تعطيل ذلك التُّراث التكفيريّ وتفكيك ألغامه،
التي ما فتئِت تنفجر بين المسلمين فِتَناً وإجراماً وجرأةً على الله ورسوله وقتلا للنفس
التي حرَّم الله تعالى.
9-أهميةَ معالجة مسائل التكفير وما ينتج عنه من صور التطرف
والغلو في التعليم العام والجامعي
بما يناسب الفئات العمريةَ المختلفةَ،
من خلال المقررات التي تهتم بالثقافة والعقيدة والحضارة، وتصاغ هذه المضامين من قبل
علماء موثوق بمنهجهم ممن عُرفوا بالوسطية والاعتدال.
10-تفعيل وسائل الإعلام في البلاد الإسلامية للعناية
بقضايا التكفير
وتكاتف الجهود ونشر الرأي الوسطي
في المسائل التي تدار حولَها الشبهاتُ، وإيضاح المنهج الإسلامي فيها، والإفادةِ من
التقنية ِالإعلاميةِ وبرامجِ التواصل الاجتماعي في رفعِ مستوى الوعي بهذه الظاهرة.
وغيرها من وسائل العلاج..........
وصلِّ
اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط
التالي
https://up.top4top.net/downloadf-466gtf861-pdf.html
ولتحميل الخطبة #wordبرجاء الدخول إلى الرابط
التالي
ولتحميل الخطبة وخطب أخرى
متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولقراءة الخطبة مرتبة
ومنسقة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولمشاهدة الخطبة وخطب أخرى
على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي