السماحة واللين في معاملة نبينا لأهل بيته بالخلق الكريم للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله الأول قبل كل أول والآخر بعد كل آخر، الظاهر بما أبدع فدليل وجوده ظاهر، الباطن فلا يخفى عليه ما هجس في الضمائر.
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير شهادة أعدها من أكبر نعمه وعطائه، وأعدها وسيلة إلى يوم لقاءه
يا حبيب القلب ما لي سواك ** فارحم اليوم مذنبا أتاكَ
يا رجائي وراحتي وسروري ** قد أبى القلب إلا سواكَ
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه اختاره من أطيب العناصر، واصطفاه من أنجب العشائر، واختصه من أشرف الذخائر، وأدار على من عاده أفظع الدوائر.
يا سيدي يا رسول الله: رباك ربك جـل من رباك ** ورعاك في كنف الهدى وحماك
سبحانه أعطاك فيض فضائل** لم يعطها في العالمـين سواك
وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين.
العناصر
أولًا: وصية الله ورسوله بالنساء ثانيًا: حاله ﷺ مع زوجاته
ثالثًا: إنهاء المشاكل بلطف
الموضوع
أولًا: وصية الله ورسوله بالنساء
اعلم أن الزواج نعمة عظيمة: لا بد من التأكيد على أن الإسلام شرع الزواج كنعمة عظيمة ومنّة من الله عز وجل، ففي الزواج يجد الإنسان السكن والراحة والرحمة والمودة، حيث يقول سبحانه وتعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)، «سورة الروم: الآية 21، وهكذا يؤكد الشرع الحكيم، أن في الزواج سكناً ورحمة وهدوءاً وسعادة وسكينة وقرة عين لكلا الزوجين، بالأبناء كنعمة عظيمة من نعم الرحمن علينا، كذلك في الزواج أجرٌ عظيم وثواب جزيل لمن أصلح نيَّته وأطاع ربَّه في زوجته وأبنائه، وكذلك المرأة تحصل على الثواب العظيم إن هي اتقت الله في زوجها وأبنائها، ولأن الحياة لا تخلو من المشكلات، فقد تحدث الخلافات الزوجية لكن لا بد أن يعي كل زوج أو زوجة أن الخلافات قد تمر كسحابة صيف». وتضيف النجار: «الأصل أن تظل السكينة تسود العلاقة الزوجية مهما حدث من منغصات وقد تستمر وتتفاقم دون داع وهنا لا بد من وقفة، فالخلافات لا تعرف المنزل الذي تربى فيه الزوج والزوجة على خلق الإسلام، فمن تربى على خلق الدين الحنيف سيعي حق الآخر عليه، وسيعمل ما في وسعه لإرضائه ابتغاء وجه الله.
المعاشرة بالمعروف: قال تعالى: ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) (النساء).
هلاَّ تعلم شبابنا أن الحياة بين الزوجين ينبغي أن تُؤسَّس على المعاشرة بالمعروف، والكلمة الطيبة، والبسمة الصادقة، والمداعبة بين الزوجين - التي أسَّسها الدين، وبينها سيِّد الأولين والآخرين.
وصية رسول الله r بالنساء: قال رسول الله r (فَاتَّقُوا اللهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانِ اللهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللهِ) ([1])
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ، فَإِنَّ المَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ» ([2])
(استوصوا بالنساء) تواصوا فيما بينكم بالإحسان إليهن. (ضلع) أحد عظام الصدر والمعنى أن في
خلقهن عوجا من أصل الخلقة. (أعوج شيء في الضلع أعلاه) أي وكذلك المرأة عوجها الشديد في
خلقها وفكرها. (تقيمه) تجعله مستقيما. (كسرته) أي وكذلك المرأة إن أردت منها الاستقامة التامة في الخلق أدى الأمر إلى طلاقها.
بعض الأزواج بعد الزواج يريد أن تتغير زوجته من عادتها وأحوالها التي عاشت عليها لفترات طويلة إلى عاداته وأحواله هو وهذا أمر لا يمكن حدوثه بسهوله لذا ينبغي قبول المرأة على ما هي عليه وإلا تهدمت البيوت وكثر الطلاق فلذا ينبغي التنازل عن بعض الأمور من الطرفين حتى تسير الأمور على خير حال.
لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً :عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «لَا يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ» أَوْ قَالَ: «غَيْرَهُ»([3])
(لا يفرك مؤمن مؤمنة) قال أهل اللغة فركه يفركه إذا أبغضه والفرك البغض.
ثانيًا: حاله ﷺ مع زوجاته
خيركم لأهله: عن عائشة رضى الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي وَإِذَا مَاتَ صَاحِبُكُمْ فَدَعُوهُ» ([4]) .
في مهنة أهله: عن عروة قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: "يَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرَّجُلُ فِي بَيْتِهِ". (وفي رواية قَالَتْ: "مَا يَصْنَعُ أَحَدُكُمْ فِي بيته؛ يخص النعل، ويرقع الثوب، ويخيط" ([5])، يخصف نعله: يخرزها
وعن عَمْرَةَ: قِيلَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا: مَاذَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: " كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ؛ يَفْلِي ثَوْبَهُ، وَيَحْلِبُ شَاتَهُ" ([6]).
وعَنِ الأَسْوَدِ، قَالَ: سَأَلْتُ عَائِشَةَ مَا كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قَالَتْ: «كَانَ يَكُونُ فِي مِهْنَةِ أَهْلِهِ - تَعْنِي خِدْمَةَ أَهْلِهِ - فَإِذَا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ» ([7])
(خدمة أهله) أي يساعدهن فيما هن عليه من عمل.
التصريح بالحب بالقول والفعل: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ، إِلَّا عَلَى خَدِيجَةَ وَإِنِّي لَمْ أُدْرِكْهَا، قَالَتْ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا ذَبَحَ الشَّاةَ، فَيَقُولُ: «أَرْسِلُوا بِهَا إِلَى أَصْدِقَاءِ خَدِيجَةَ» قَالَتْ: فَأَغْضَبْتُهُ يَوْمًا، فَقُلْتُ: خَدِيجَةَ فَقَالَ: رَسُولُ اللهِ ﷺ «إِنِّي قَدْ رُزِقْتُ حُبَّهَا» ([8])
بيان فضائلهن: عَنْ أَبِي مُوسَى رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " كَمَلَ مِنَ الرِّجَالِ كَثِيرٌ، وَلَمْ يَكْمُلْ مِنَ النِّسَاءِ: إِلَّا آسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ، وَمَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ، وَإِنَّ فَضْلَ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ " ([9])
(كمل) تناهى في جميع الفضائل التي تكون للجنس عامة. (الثريد) الخبز المكسر الذي وضع عليه اللحم والمرق. (سائر) باقي الأنواع من الطعام
وقد اختار الرسول ضرب المثل بالثريد لتقريب المعنى وزيادة بيانه، قال ابن القيم: الثريد مركَّب من لحم وخبز واللحم سيد الآدام، والخبز سيد الأقوات، فإذا اجتمعا لم يكن بعدها غاية، وهو ما يفيد أن الثريد كان يمثل على عهد رسول الله أفضل الطعام فكانت أمنا عائشة بذلك أفضل النساء.
عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: مَا غِرْتُ عَلَى أَحَدٍ مِنْ نِسَاءِ النَّبِيِّ ﷺ، مَا غِرْتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَمَا رَأَيْتُهَا، وَلَكِنْ كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُكْثِرُ ذِكْرَهَا، وَرُبَّمَا ذَبَحَ الشَّاةَ ثُمَّ يُقَطِّعُهَا أَعْضَاءً، ثُمَّ يَبْعَثُهَا فِي صَدَائِقِ خَدِيجَةَ، فَرُبَّمَا قُلْتُ لَهُ: كَأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي الدُّنْيَا امْرَأَةٌ إِلَّا خَدِيجَةُ، فَيَقُولُ «إِنَّهَا كَانَتْ، وَكَانَتْ، وَكَانَ لِي مِنْهَا وَلَدٌ» ([10])
(صدائق) جمع صديقة. (كانت وكانت) أي يذكر صفاتها وفضائلها.
تطييب خاطرهن بالطيب من القول: عَنْ أَنَسٍ قَالَ: بَلَغَ صَفِيَّةَ أَنَّ حَفْصَةَ قَالَتْ: بِنْتُ يَهُودِيٍّ فَبَكَتْ فَدَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ ﷺ وَهِيَ تَبْكِي فَقَالَ: «مَا يُبْكِيكِ؟» فَقَالَتْ: قَالَتْ لِي حَفْصَةُ: إِنِّي ابْنَةُ يَهُودِيٍّ فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «إِنَّك ابْنة نَبِيٍّ وَإِنَّ عَمَّكِ لَنَبِيٌّ وَإِنَّكِ لَتَحْتَ نَبِيٍّ فَفِيمَ تَفْخَرُ عَلَيْكِ؟» ثُمَّ قَالَ: «اتَّقِي اللَّهَ يَا حَفْصَة» ([11]).
يَتَّكِئُ على احداهن: عَنْ مَنْصُورِ بْنِ صَفِيَّةَ، أَنَّ أُمَّهُ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ عَائِشَةَ حَدَّثَتْهَا أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ: «كَانَ يَتَّكِئُ فِي حَجْرِي وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ يَقْرَأُ القُرْآنَ» ([12]) ، (يتكىء) من الاتكاء وهو الجلوس متمكنا أو الميل في القعود مع الاعتماد على شيء والمراد هنا أنه ﷺ كان يضع رأسه في حجرها. (حجري) حضني وهو ما دون الإبط إلى الكشح وهو ما بين الخاصرة إلى الضلع الخلف.
يضع فاهُ على موضع طعامهن و شُربهن: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: (كُنْتُ أَشْرَبُ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ، فَيَشْرَبُ، وَأَتَعَرَّقُ الْعَرْقَ وَأَنَا حَائِضٌ، ثُمَّ أُنَاوِلُهُ النَّبِيَّ ﷺ فَيَضَعُ فَاهُ عَلَى مَوْضِعِ فِيَّ» وَلَمْ يَذْكُرْ زُهَيْرٌ فَيَشْرَبُ) ([13])
(أتعرق العرق) هو العظم الذي عليه بقية من لحم هذا هو الأشهر في معناه وقال أبو عبيد هو القدر من اللحم وقال الخليل هو العظم بلا لحم وجمعه عراق بضم العين ويقال عرقت العظم وتعرقته وأعترقته إذا أخذت عنه اللحم بأسنانك.
يغتسل مع احداهن من إناء واحد: عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَالنَّبِيُّ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، مِنْ قَدَحٍ يُقَالُ لَهُ الفَرَقُ» ([14])
(قدح) إناء يشرب به. (الفرق) مكيال كان معرفوا لديهم يسع صاعين والصاع مكيال أيضا]
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ وَاحِدٍ، تَخْتَلِفُ أَيْدِينَا فِيهِ مِنَ الْجَنَابَةِ» ([15]) ، تختلف فيه أيدينا: يدخل يديه وأخرج يدي وقد تلامس أيدينا بعضنا.
وعَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: " كُنْتُ أَغْتَسِلُ أَنَا وَرَسُولُ اللهِ ﷺ مِنْ إِنَاءٍ بَيْنِي وَبَيْنَهُ وَاحِدٍ، فَيُبَادِرُنِي حَتَّى أَقُولَ: دَعْ لِي، دَعْ لِي. قَالَتْ: وَهُمَا جُنُبَانِ " ([16])
تُسرِّح احداهن شعر النبي ﷺ: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يُصْغِي إِلَيَّ رَأْسَهُ وَهُوَ مُجَاوِرٌ فِي المَسْجِدِ، فَأُرَجِّلُهُ وَأَنَا حَائِضٌ» ([17])
(يصغي) يدني ويميل رأسه. (مجاور) معتكف. (فأرجله) فأسرحه
يُقبِّل وهو صائم: عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: «إِنْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لَيُقَبِّلُ بَعْضَ أَزْوَاجِهِ وَهُوَ صَائِمٌ»، ثُمَّ ضَحِكَتْ ([18])(ضحكت) تنبيها إلى أنها صاحبة القضية ليكون أبلغ في الثقة بحديثها.
يناديهن بأحب الأسماء وأفضلها: عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: إِنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَوْمًا: «يَا عَائِشَ، هَذَا جِبْرِيلُ يُقْرِئُكِ السَّلاَمَ» فَقُلْتُ: وَعَلَيْهِ السَّلاَمُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، تَرَى مَا لاَ أَرَى «تُرِيدُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ» ([19])
(يقرئك السلام) يسلم عليك، فناداها بتصغير الاسم تحببا وأقرأها سلام ربها.
إن لهذا الباب، باب المدح بالنسبة للزوجين، أثر طيب في النفوس، وتشجيع على القيام بأمور الحياة وواجباتها في جو من الإيجابية وبنفس راضية غير متذمرة مهما بلغ العناء، بل وفيه تشجيع على الارتقاء وتجويد العمل فضلا وتحببا، فإن غاب ثَقُل العمل وتآكل حتى ليقتصر على الواجب دون الفضل، ويوشك - مع مرور الوقت- أن يمس الواجب أيضا فيدخل الزوجان في علاقة شد وجذب تهدد بناء الأسرة لا قدر الله تعالى.
يسابقهن: عَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِي سَفَرٍ قَالَتْ: فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي قَالَ: «هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ» ([20])
فهذا يدل على تكرار الأمر، فسبقت السيدة عائشة رضي الله عنها، النبي ﷺ في المرة الأولى لأنها ما زالت صغيرة، ثم كرر الأمر مرة أخرى فسبقها النبي ﷺ لأنها قد حملت اللحم وأصبحت سمينة.
إسعادهن: عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَتْ : دَخَلَ الْحَبَشَةُ الْمَسْجِدَ يَلْعَبُونَ ، فَقَالَ لِي : " يَا حُمَيْرَاءُ ، أَتُحِبِّينَ أَنْ تَنْظُرِي إِلَيْهِمْ ؟ " ، فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَامَ بِالْبَابِ ، وَجِئْتُهُ ، فَوَضَعْتُ ذَقَنِي عَلَى عَاتِقَهُ ، فَأَسْنَدْتُ وَجْهِي إِلَى خَدِّهِ ، قَالَتْ : وَمِنْ قَوْلِهِمْ يَوْمَئِذٍ : أَبَا الْقَاسِمِ طَيِّبًا ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " حَسْبُكِ " ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، لا تَعْجَلْ ، فَقَامَ لِي ، ثُمَّ قَالَ : " حَسْبُكِ " ، فَقُلْتُ : لا تَعْجَلْ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَتْ : وَمَا لِي حُبُّ النَّظَرِ إِلَيْهِمْ ، وَلَكِنِّي أَحْبَبْتُ أَنْ يَبْلُغَ النِّسَاءَ مَقَامُهُ لِي ، وَمَكَانِي مِنْهُ ([21])
استشارتهن: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِأَصْحَابِهِ: «قُومُوا فَانْحَرُوا ثُمَّ احْلِقُوا»، قَالَ: فَوَاللَّهِ مَا قَامَ مِنْهُمْ رَجُلٌ حَتَّى قَالَ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، فَلَمَّا لَمْ يَقُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ دَخَلَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَذَكَرَ لَهَا مَا لَقِيَ مِنَ النَّاسِ، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَتُحِبُّ ذَلِكَ، اخْرُجْ ثُمَّ لاَ تُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ كَلِمَةً، حَتَّى تَنْحَرَ بُدْنَكَ، وَتَدْعُوَ حَالِقَكَ فَيَحْلِقَكَ، فَخَرَجَ فَلَمْ يُكَلِّمْ أَحَدًا مِنْهُمْ حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ نَحَرَ بُدْنَهُ، وَدَعَا حَالِقَهُ فَحَلَقَهُ، فَلَمَّا رَأَوْا ذَلِكَ قَامُوا، فَنَحَرُوا وَجَعَلَ بَعْضُهُمْ يَحْلِقُ بَعْضًا حَتَّى كَادَ بَعْضُهُمْ يَقْتُلُ بَعْضًا غَمًّا ([22])
مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ: عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: «مَا ضَرَبَ رَسُولُ اللهِ ﷺ شَيْئًا قَطُّ بِيَدِهِ، وَلَا امْرَأَةً، وَلَا خَادِمًا، إِلَّا أَنْ يُجَاهِدَ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَمَا نِيلَ مِنْهُ شَيْءٌ قَطُّ، فَيَنْتَقِمَ مِنْ صَاحِبِهِ، إِلَّا أَنْ يُنْتَهَكَ شَيْءٌ مِنْ مَحَارِمِ اللهِ، فَيَنْتَقِمَ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ» ([23]) (نيل منه) أي أصيب بأذى من قول أو فعل (إلا أن ينتهك) استثناء منقطع معناه لكن إذا انتهكت حرمة الله انتصر لله تعالى وانتقم ممن ارتكب ذلك وانتهاك حرمته تعالى هو ارتكاب ما حرمه.
ثالثًا: إنهاء المشاكل بلطف
خروجه للبقيع ليلا: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ قَيْسِ بْنِ مَخْرَمَةَ بْنِ الْمُطَّلِبِ، أَنَّهُ قَالَ يَوْمًا: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ أُمِّي قَالَ: فَظَنَنَّا أَنَّهُ يُرِيدُ أُمَّهُ الَّتِي وَلَدَتْهُ، قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ عَنِّي وَعَنْ رَسُولِ اللهِ ﷺ قُلْنَا: بَلَى، قَالَ: قَالَتْ: لَمَّا كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي كَانَ النَّبِيُّ ﷺ فِيهَا عِنْدِي، انْقَلَبَ فَوَضَعَ رِدَاءَهُ، وَخَلَعَ نَعْلَيْهِ، فَوَضَعَهُمَا عِنْدَ رِجْلَيْهِ، وَبَسَطَ طَرَفَ إِزَارِهِ عَلَى فِرَاشِهِ، فَاضْطَجَعَ، فَلَمْ يَلْبَثْ إِلَّا رَيْثَمَا ظَنَّ أَنْ قَدْ رَقَدْتُ، فَأَخَذَ رِدَاءَهُ رُوَيْدًا، وَانْتَعَلَ رُوَيْدًا، وَفَتَحَ الْبَابَ فَخَرَجَ، ثُمَّ أَجَافَهُ رُوَيْدًا، فَجَعَلْتُ دِرْعِي فِي رَأْسِي، وَاخْتَمَرْتُ، وَتَقَنَّعْتُ إِزَارِي، ثُمَّ انْطَلَقْتُ عَلَى إِثْرِهِ، حَتَّى جَاءَ الْبَقِيعَ فَقَامَ، فَأَطَالَ الْقِيَامَ، ثُمَّ رَفَعَ يَدَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ انْحَرَفَ فَانْحَرَفْتُ، فَأَسْرَعَ فَأَسْرَعْتُ، فَهَرْوَلَ فَهَرْوَلْتُ، فَأَحْضَرَ فَأَحْضَرْتُ، فَسَبَقْتُهُ فَدَخَلْتُ، فَلَيْسَ إِلَّا أَنِ اضْطَجَعْتُ فَدَخَلَ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا عَائِشُ، حَشْيَا رَابِيَةً» قَالَتْ: قُلْتُ: لَا شَيْءَ، قَالَ: «لَتُخْبِرِينِي أَوْ لَيُخْبِرَنِّي اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ» قَالَتْ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي، فَأَخْبَرْتُهُ، قَالَ: «فَأَنْتِ السَّوَادُ الَّذِي رَأَيْتُ أَمَامِي؟» قُلْتُ: نَعَمْ، فَلَهَدَنِي فِي صَدْرِي لَهْدَةً أَوْجَعَتْنِي، ثُمَّ قَالَ: «أَظَنَنْتِ أَنْ يَحِيفَ اللهُ عَلَيْكِ وَرَسُولُهُ؟» قَالَتْ: مَهْمَا يَكْتُمِ النَّاسُ يَعْلَمْهُ اللهُ، نَعَمْ، قَالَ: " فَإِنَّ جِبْرِيلَ أَتَانِي حِينَ رَأَيْتِ، فَنَادَانِي، فَأَخْفَاهُ مِنْكِ، فَأَجَبْتُهُ، فَأَخْفَيْتُهُ مِنْكِ، وَلَمْ يَكُنْ يَدْخُلُ عَلَيْكِ وَقَدْ وَضَعْتِ ثِيَابَكِ، وَظَنَنْتُ أَنْ قَدْ رَقَدْتِ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُوقِظَكِ، وَخَشِيتُ أَنْ تَسْتَوْحِشِي، فَقَالَ: إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَأْتِيَ أَهْلَ الْبَقِيعِ فَتَسْتَغْفِرَ لَهُمْ "، قَالَتْ: قُلْتُ: كَيْفَ أَقُولُ لَهُمْ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ " قُولِي: السَّلَامُ عَلَى أَهْلِ الدِّيَارِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَيَرْحَمُ اللهُ الْمُسْتَقْدِمِينَ مِنَّا وَالْمُسْتَأْخِرِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللهُ بِكُمْ لَلَاحِقُونَ " ([24])
(إلا ريثما) معناه إلا قدر ما (أخذ رداءه رويدا) أي قليلا لطيفا لئلا ينبهها (ثم أجافه) أي أغلقه وإنما فعل ذلك ﷺ في خفية لئلا يوقظها ويخرج عنها فربما لحقتها وحشة في انفرادها في ظلمة الليل (فجعلت درعي في رأسي) درع المرأة قميصها (واختمرت) أي ألقيت على رأسي الخمار وهو ما تستر به المرأة رأسها (وتقنعت إزاري) هكذا هو في الأصول إزاري بغير باء في أوله وكأنه بمعنى لبست إزاري فلهذا عدى بنفسه (فأحضر فأحضرت) الإحضار العدو أي فعدا فعدوت فهو فوق الهرولة (ما لك يا عائش حشيا رابية) يجوز في عائش فتح الشين وضمها وهما وجهان جاريان في كل المرخمات وحشيا معناه قد وقع عليك الحشا وهو الربو والتهيج الذي يعرض للمسرع في مشيه والمحتد في كلامه من ارتفاع النفس وتواتره يقال امرأة حشياء وحشية ورجل حشيان وحشش قيل أصله من أصاب الربو حشاه رابية أي مرتفعة البطن (فأنت السواد) أي الشخص (فلهدني) قال أهل اللغة لهده ولهده بتخفيف الهاء وتشديدها أي دفعه.
فانظر كيف تعامل النبي ﷺ معها فلم يعنفها، ولم يرفع صوته عليها مع انها هي المخطئة ولكنه فوق هذا بين لها سبب خروجه، ولم يتركها دون معرفته.
التماس العذر لهن: عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ عِنْدَ بَعْضِ نِسَائِهِ، فَأَرْسَلَتْ إِحْدَى أُمَّهَاتِ المُؤْمِنِينَ بِصَحْفَةٍ فِيهَا طَعَامٌ، فَضَرَبَتِ الَّتِي النَّبِيُّ ﷺ فِي بَيْتِهَا يَدَ الخَادِمِ، فَسَقَطَتِ الصَّحْفَةُ فَانْفَلَقَتْ، فَجَمَعَ النَّبِيُّ ﷺ فِلَقَ الصَّحْفَةِ، ثُمَّ جَعَلَ يَجْمَعُ فِيهَا الطَّعَامَ الَّذِي كَانَ فِي الصَّحْفَةِ، وَيَقُولُ: «غَارَتْ أُمُّكُمْ» ثُمَّ حَبَسَ الخَادِمَ حَتَّى أُتِيَ بِصَحْفَةٍ مِنْ عِنْدِ الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا، فَدَفَعَ الصَّحْفَةَ الصَّحِيحَةَ إِلَى الَّتِي كُسِرَتْ صَحْفَتُهَا، وَأَمْسَكَ المَكْسُورَةَ فِي بَيْتِ الَّتِي كَسَرَتْ) ([25]) (بصحفة) إناء كالقصعة المبسوطة. (فانفلقت) تكسرت. (فلق) قطع جمع فلقة.
إنقاذ الزوجة من أبيها: عَن النعمانِ بن بشيرٍ قَالَ: اسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ عَلَى النَّبِيِّ ﷺفَسَمِعَ صَوْتَ عَائِشَةَ عَالِيًا فَلَمَّا دَخَلَ تَنَاوَلَهَا لِيَلْطِمَهَا وَقَالَ: لَا أَرَاكِ تَرْفَعِينَ صَوْتَكِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ ﷺفَجَعَلَ النَّبِيُّ ﷺ يحجزه وَأَبُو بَكْرٍ مُغْضَبًا. فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺحِينَ خَرَجَ أَبُو بَكْرٍ: «كَيْفَ رَأَيْتِنِي أَنْقَذْتُكِ مِنَ الرَّجُلِ؟» . قَالَتْ: فَمَكَثَ أَبُو بَكْرٍ أَيَّامًا ثُمَّ اسْتَأْذَنَ فَوَجَدَهُمَا قَدِ اصْطَلَحَا فَقَالَ لَهُمَا: أَدْخِلَانِي فِي سِلْمِكُمَا كَمَا أَدْخَلْتُمَانِي فِي حَرْبِكُمَا فَقَالَ النَّبِيُّ ﷺ: «قَدْ فَعَلْنَا قَدْ فَعَلْنَا» ([26])
غيرة السيدة عائشة: عَنِ ابْنِ قُسَيْطٍ، حَدَّثَهُ أَنَّ عُرْوَةَ حَدَّثَهُ، أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ ﷺ، حَدَّثَتْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ خَرَجَ مِنْ عِنْدِهَا لَيْلًا، قَالَتْ: فَغِرْتُ عَلَيْهِ، فَجَاءَ فَرَأَى مَا أَصْنَعُ، فَقَالَ: «مَا لَكِ؟ يَا عَائِشَةُ أَغِرْتِ؟» فَقُلْتُ: وَمَا لِي لَا يَغَارُ مِثْلِي عَلَى مِثْلِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَقَدْ جَاءَكِ شَيْطَانُكِ» قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ أَوْ مَعِيَ شَيْطَانٌ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ؟ قَالَ: «نَعَمْ» قُلْتُ: وَمَعَكَ؟ يَا رَسُولَ اللهِ قَالَ: «نَعَمْ، وَلَكِنْ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ»([27]) ، فلم يجعل هذا الأمر مشكلة كبيرة ويلومها على غيرتها ويعنفها وانما عالج الأمر بلطف، وانتهت المشكلة .
لتأكلِنَّ أو لألطخن وجهكِ: عن يحيى بن عبد الرحمن أن عائشة قالت: أتيت رسول الله - ﷺ - بخزيرة طبختها له، فقلت لسودة والنبي - ﷺ - بيني وبينها، فقلت لها: كلي. فأبت، فقلت: لتأكلِنَّ أو لألطخن وجهك. فأبت، فوضعت يدي في الخزيرة فطليت بها وجهها! فضحك النبي - ﷺ - فوضع فخذه لها وقال لسودة: " الطخي وجهها " فلطخت وجهي، فضحك النبي - ﷺ – أيضاً... ([28]).
الاستماع إليهن مهما طال الحديث: عَنْ عُرْوَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّهَا قَالَتْ: جَلَسَ إِحْدَى عَشْرَةَ امْرَأَةً، فَتَعَاهَدْنَ وَتَعَاقَدْنَ أَنْ لَا يَكْتُمْنَ مِنْ أَخْبَارِ أَزْوَاجِهِنَّ شَيْئًا. قَالَتِ الْأُولَى: زَوْجِي لَحْمُ جَمَلٍ غَثٍّ، عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى، وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلَ. قَالَتِ الثَّانِيَةُ: زَوْجِي لَا أَبُثُّ خَبَرَهُ، إِنِّي أَخَافُ أَنْ لَا أَذَرَهُ، إِنْ أَذْكُرْهُ أَذْكُرْ عُجَرَهُ وَبُجَرَهُ. قَالَتِ الثَّالِثَةُ: زَوْجِي الْعَشَنَّقُ، إِنْ أَنْطِقْ أُطَلَّقْ، وَإِنْ أَسْكُتْ أُعَلَّقْ. قَالَتِ الرَّابِعَةُ: زَوْجِي كَلَيْلِ تِهَامَةَ لَا حَرَّ وَلَا قُرَّ، وَلَا مَخَافَةَ وَلَا سَآمَةَ. قَالَتِ الْخَامِسَةُ: زَوْجِي إِنْ دَخَلَ فَهِدَ، وَإِنْ خَرَجَ أَسِدَ، وَلَا يَسْأَلُ عَمَّا عَهِدَ. قَالَتِ السَّادِسَةُ: زَوْجِي إِنْ أَكَلَ لَفَّ، وَإِنْ شَرِبَ اشْتَفَّ، وَإِنِ اضْطَجَعَ الْتَفَّ، وَلَا يُولِجُ الْكَفَّ لِيَعْلَمَ الْبَثَّ. قَالَتِ السَّابِعَةُ: زَوْجِي غَيَايَاءُ أَوْ عَيَايَاءُ طَبَاقَاءُ، كُلُّ دَاءٍ لَهُ دَاءٌ، شَجَّكِ أَوْ فَلَّكِ أَوْ جَمَعَ كُلًّا لَكِ. قَالَتِ الثَّامِنَةُ: زَوْجِي الرِّيحُ رِيحُ زَرْنَبٍ، وَالْمَسُّ مَسُّ أَرْنَبٍ. قَالَتِ التَّاسِعَةُ: زَوْجِي رَفِيعُ الْعِمَادِ طَوِيلُ النِّجَادِ عَظِيمُ الرَّمَادِ، قَرِيبُ الْبَيْتِ مِنَ النَّادِ. قَالَتِ الْعَاشِرَةُ: زَوْجِي مَالِكٌ، وَمَا مَالِكٌ؟ مَالِكٌ خَيْرٌ مِنْ ذَلِكَ، لَهُ إِبِلٌ كَثِيرَاتُ الْمَبَارِكِ، قَلِيلَاتُ الْمَسَارِحِ، إِذَا سَمِعْنَ صَوْتَ الْمِزْهَرِ أَيْقَنَّ أَنَّهُنَّ هَوَالِكُ. قَالَتِ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: زَوْجِي أَبُو زَرْعٍ، فَمَا أَبُو زَرْعٍ؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيٍّ أُذُنَيَّ، وَمَلَأَ مِنْ شَحْمٍ عَضُدَيَّ، وَبَجَّحَنِي فَبَجِحَتْ إِلَيَّ نَفْسِي، وَجَدَنِي فِي أَهْلِ غُنَيْمَةٍ بِشِقٍّ، فَجَعَلَنِي فِي أَهْلِ صَهِيلٍ وَأَطِيطٍ وَدَائِسٍ وَمُنَقٍّ، فَعِنْدَهُ أَقُولُ فَلَا أُقَبَّحُ، وَأَرْقُدُ فَأَتَصَبَّحُ، وَأَشْرَبُ فَأَتَقَنَّحُ أُمُّ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا أُمُّ أَبِي زَرْعٍ؟ عُكُومُهَا رَدَاحٌ وَبَيْتُهَا فَسَاحٌ، ابْنُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا ابْنُ أَبِي زَرْعٍ؟، مَضْجَعُهُ كَمَسَلِّ شَطْبَةٍ وَيُشْبِعُهُ ذِرَاعُ الْجَفْرَةِ بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا بِنْتُ أَبِي زَرْعٍ؟ طَوْعُ أَبِيهَا وَطَوْعُ أُمِّهَا، وَمِلْءُ كِسَائِهَا وَغَيْظُ جَارَتِهَا، جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ، فَمَا جَارِيَةُ أَبِي زَرْعٍ؟ لَا تَبُثُّ حَدِيثَنَا تَبْثِيثًا، وَلَا تُنَقِّثُ مِيرَتَنَا تَنْقِيثًا، وَلَا تَمْلَأُ بَيْتَنَا تَعْشِيشًا. قَالَتْ: خَرَجَ أَبُو زَرْعٍ وَالْأَوْطَابُ تُمْخَضُ، فَلَقِيَ امْرَأَةً مَعَهَا وَلَدَانِ لَهَا كَالْفَهْدَيْنِ، يَلْعَبَانِ مِنْ تَحْتِ خَصْرِهَا بِرُمَّانَتَيْنِ فَطَلَّقَنِي وَنَكَحَهَا، فَنَكَحْتُ بَعْدَهُ رَجُلًا سَرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وَأَخَذَ خَطِّيًّا، وَأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وَأَعْطَانِي مِنْ كُلِّ رَائِحَةٍ زَوْجًا، قَالَ: كُلِي أُمَّ زَرْعٍ وَمِيرِي أَهْلَكِ، فَلَوْ جَمَعْتُ كُلَّ شَيْءٍ أَعْطَانِي مَا بَلَغَ أَصْغَرَ آنِيَةِ أَبِي زَرْعٍ. قَالَتْ عَائِشَةُ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ ﷺ: «كُنْتُ لَكِ كَأَبِي زَرْعٍ لِأُمِّ زَرْعٍ» ([29])
(تعاقدن) أخذن على أنفسهن أن يصدقن وتواثقن على ذلك، (غث) شديد الهزال، (فينتقل) لا ينقله الناس إلى بيوتهم لهزاله وتعني بهذا قلة خيره وبخله وهو مع ذلك شامخ بأنف شرس في خلقه متكبر متعجرف، (أبث) أشيع وأظهر حديثه الطويل الذي لا خير فيه، (لا أذره) لا أتركه لطوله ولكثرته فلا أستطيع استيفاءه، (عجره بجره) عيوبه الظاهرة وأسراره الكامنة، أو ظاهرة المستور الحال وباطنه الرديء، (العشنق) السيء الخلق أو الطويل المذموم، (أعلق) أبقى معلقة لا مطلقة فأتزوج غيره ولا ذات زوج فأنتفع به، (تهامة) من التهم وهي ركود الريح، أو المراد مكة تريد أن ليس فيه أذى بل فيه راحة ولذة عيش كليل تهامة معتدل ليس فيه حر مفرط ولا برد قارص، (قر) برد، (سآمة) ملل، (فهد) كالفهد وهو حيوان شديد الوثوب تعني أنه كثير النوم فلا ينتبه إلى ما يلزمها إصلاحه من معايب البيت وقيل تعني أنه يثب عليها وثوب الفهد أي يبادر إلى جماعها من شدة حبه لها فهو لا يصبر عنها إذا رآها، (أسد) تعني أنه إذا صار بين الناس كان كالأسد في الشجاعة، (عهد) لا يتفقد ماله وغيره لكرمه وقيل المراد أن يعاملها معاملة وحشية وهو بين الناس أشد قسوة ولا يسأل عن حالها ولا يكترث بها، (لف) أكثر من الأكل مع التخليط في صنوف الطعام بحيث لا يبقي شيئا، (اشتف) استقصى ما في الإناء، (التف) بثوبه وتنحى عنها فلا يعاشرها
(لا يولج الكف) يولج يدخل أي لا يمد يده إليها ليعلم حزنها وسوء حالها، (البث) الحزن الشديد، (غياياء) لا يهتدي لمسلك يسلكه لمصالحه، (عياياء) لا يستطيع إتيان النساء من العي وهو الضعف
(طباقاء) أحمق تطبق عليه الأمور وقيل يطبق صدره عند الجماع على صدرها فيرتفع عنها أسفله فيثقل عليها ولا تستمتع به، (كل داء له داء) ما تفرق في الناس من العيوب موجود لديه ومجتمع فيه والداء المرض، (شجك) جرحك في رأسك، (فلك) جرحك في أي جزء من بدنك، (جمع كلا لك) الشج والجرح وتعني أنه كثير الضرب وشديد فيه لا يبالي ماذا أصاب به، (المس مس أرنب) أي حسن الخلق ولين الجانب كمس الأرنب إذا وضعت يدك على ظهره فإنك تحس بالنعومة واللين، (ريح زرنب) هو نبت طيب الرائحة تعني أنه طيب رائحة العرق لنظافته وكثرة استعماله الطيب، (رفيع العماد) هو العمود الذي يرفع عليه البيت ويدعم به وهو كناية عن الرفعة والشرف، (طويل النجاد) حمائل السيف وهو كناية عن طول قامته، (عظيم الرماد) أي لكثرة ما يوقد من النار وهو كناية عن الكرم وكثرة الضيوف، (الناد) هو كناية عن الكرم والسؤدد لأن النادي مجلس القوم ومتحدثهم فلا يقرب منه إلا من كان كذلك لأنه يتعرض لكثرة الضيوف، (مالك وما مالك) أي ما أعطم ما يملك، (مالك خير من ذلك) عنده من الصفات ما هو خير من كل ما ذكرتن، (كثيرات المبارك) تبرك كثيرا لتحلب ويسقى حليبها، (قليلات المسارح) لا يتركها تسرح للرعي إلا قليلا حتى يبقى مستعدا للضيوف، (صوت المزهر) الدف الذي يضرب عند مجيء الضيفان، (هوالك) مذبوحات لأنه قد جرت عادته بذلك يضرب الدف طربا بالضيوف ثم يذبح لهم الإبل فالإبل قد أعتادت على هذا وأصبحت تشعر به، (أناس من حلي أذني) حركهما بما ملأهما من ذهب ولؤلؤ، (ملأ من شحم عضدي) سمنني وملأ بدني شحما بكثرة إكرامه وسمن العضدين دليل سمن البدن، (بجحني) عظمني وفرحني (فبجحت إلى نفسي) عظمت عندي، (أهل غنيمة) أصحاب أغنام قليلة وليسوا أصاب إبل ولا خيل، (بشق) مشقة وضيق عيش، (صهيل) صوت الخيل، (أطيط) صوت الإبل أي أصحاب خيل وإبل ووجودهما دليل السعة والشرف، (دائس) يدوس الزرع ليخرج منه الحب وهي البقرة، (منق) يزيل ما يخلط به من قشر ونحوه وتعني أنه ذو زرع إلى جانب ما ذكرت من نعم، (أقبح) لا يرد قولي ولا يقبحه بل يقبله ويستظرفه، (أرقد فأتصبح) أنام حتى الصبيحة وهي أول النهار وتعني أنها ذات خدم يكفونها المؤونة والعمل، (فأتقنح) أي لا أتقلل من مشروبي ولا يقطعه علي شيء حتى أرتوي وفي رواية (فأتقمح) أي أشرب حتى أرتوي وأصبح لا أرغب في الشراب، (عكومها) جمع عكم وهو الوعاء الذي تجمع فيه الأمتعة ونحوها، (رداح) كبيرة وعظيمة، (فساح) واسع كبير وهو دليل سعة الثروة والنعمة، (مضجعه) موضع نومه، (كمسل شطبة) صغير يشبه الجريد المشطوب من قشره أي هو مهفهف كالسيف المسلول من غمده، (الجفرة) الأنثى من المعز إذا بلغت أربعة أشهر وفصلت عن أمها، (ملء كسائها) أي تملأ ثوبها لامتلاء جسمها وسمنتها، (غيظ جارتها) تغيظ ضرتها لجمالها وأدبها وعفتها، (تبث) تذيع وتفشي، (تبثيثا) مصدر بثث، (تنفث) تفسد وتذهب، (ميرتنا) طعامنا وزادنا، (تعشيشا) لا تترك القمامة مفرقة في البيت كأعشاش الطيور وقيل هو كناية عن عفتها وحفظ فرجها فهي لا تملأ البيت وسخا بأخدانها وأطفالها من الزنا وفي رواية (تغشيشا) من الغش أي لا تملؤها بالخيانة بل هي ملازمة للنصح فيما هي فيه، (الأوطاب) جمع وطب وهو وعاء اللبن، (تمخض) تحرك لاستخراج الزبد، (كالفهدين) في الوثوب
(خصرها) وسطها، (برمانتين) ثديين صغيرين حسنين كالرمانتين من حيث الرأس والإستدارة فيهما نوع طول بحيث أذا نامت قربا من وسطها حيث يجلس الولدان، (سريا) شريفا وقيل سخيا، (شريا) جيدا يستشري في سيره أي يمضي فيه بلا فتور ولا انقطاع، (خطيا) منسوبا إلى الخط وهو موضع بنواحي البحرين تجلب منه الرماح، (أراح) من الراحة وهو الإتيان إلى موضع البيت بعد الزوال، (نعما) إبلا ونحوها، (ثريا) كثيرا، (من كل رائحة) من كل شيء يأتيه، (زوجا) اثنين أو صنفا، (ميري أهلك) صليهم وأوسعي عليهم من الطعام، (ما بلغ أصغر أنية أبي زرع) لا يملؤها وهو مبالغة أي كل ما أكرمني به لا يساوي شيئا من إكرام أبي ذرع، (كنت لك كأبي زرع لأم زرع) قال العلماء هو تطييب لنفسها وإيضاح لحسن عشرته إياها ومعناه أنا لك كأبي زرع وكان زائدة أو للدوام كقوله تعالى وكان الله غفورا رحيما أي كان فيما مضى وهو باق كذلك]
فم يتهمها ﷺ (وحاشاه أن يفعل) بالثرثرة والكلام الفارغ، ولا بتضييع وقته الثمين وهو الكثير المشاغل، ولا بهوان ما تقول أمام عظمة ما يفكر فيه، كما يفعل بعض الرجال اليوم، بل استطاع بشفافية نفسه أن يفهم أنها تريد الاستئثار بزوجها لمدة أطول لأن هذا الفعل يسعدها. بل ويلتقط إشاراتها ويرد عليها وتفعل هي كذلك، فيتحول الفعل من مجرد شخص يتكلم والآخر ينصت له إلى استعمال الحكاية فيما يفتل في إذكاء العلاقة العاطفية والتأكيد على المحبة.
على وقع هذا المشهد الرائع، من المشاهد التي طرزت حياة سيدنا وحبيبنا وقرة أعيننا محمد ﷺ الزوجية ورسمت لمؤسسة الزواج صورة بهية لم يبلغنا لها مثيل على مر الأزمان.
أيها الأحباب الكرام: لو تعاملنا كما كان يُعامل النبي ﷺ زوجاته لامتلأت بيوتنا سعادة وفرحا وسرورا.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء