واجبنا تجاه المنافع المشتركة والمنافع العامة للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي
الصالحين، وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله إمام النبيين، صلى الله عليه وعلى
صحابته الطيبين الطاهرين.
وبعد
العناصر:
أولًا: التعريف بالمنافع والمرافق العامة ثانيًا: واجبنا نحو
المرافق العامة
ثالثًا: صور الإيذاء والاعتداء على المرافق عليه رابعًا:
حرمة الاعتداء على المرافق العامة
خامسًا: نماذج عليها
الموضوع
أولًا: التعريف بالمنافع
والمرافق العامة: مَنْفَعة مفرد وجمعها منافِعُ، ومعناها: ما فيه الخير والصّالح والفائدة،
كلّ ما يُنتفع به ، والمنفعة العامة: ما كانت فوائده مشتركةً بين الناس وتُصرِّح السُّلطاتُ
بإمكانيّة توفيرها للشّعب- {وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ}
" منافِعُ الدّار: مرافقُها.
من أمثلة المنافع المشتركة
والمصالح العامة:
المرافق العامة: ما يُنتفع
به ويُستعان مِرْفَق النقل والإضاءة، قال تعالى: {وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ
مِرْفَقًا}.
المرافق العامَّة: كُلُّ
نشاط يُدار لمصلحة الجمهور ووفق أساليب القانون العام كمرافق النقل والماء ونحوها.
المال العام: يُقصد بالمال
العام المال الذي ليس مملوكا لاحد ملكا خاصا، والذى يُفيد منه المجتمع كله، بإشراف
السلطات التي تنظم جمعه وإنفاقه، كالمياه والمراعي والمعادن، والمرافق العامة التي
يستفيد منها الجميع، كالمساجد والمدارس والمستشفيات والطرق والجسور وما إليها.
فالمالُ العامُّ أعظمُ خطرًا مِن المالِ
الخاصِّ الذي يمتلكُهُ أفرادٌ أو هيئاتٌ محددةٌ؛ ذلك لأنَّ المالَ العامَّ مِلْكُ الأمةِ،
وهو ما اصطلحَ الناسُ على تسميتِه ” مالَ الدولةِ “، ويدخلُ فيهِ: الأرضُ التي لا يمتلكُهَا
الأشخاصُ، والطرقُ والمرافقُ، ومياهُ البحارِ والأنهارِ والترعِ، والمعاهدُ والمدارسُ،
والمستشفياتُ، والجامعاتُ غيرُ الخاصةِ، وكلُّ هذا مالٌ عامٌ يجبُ المحافظةُ عليهِ،
ومِن هنَا تأتِي خطورةُ هذا المالِ، فالسارقُ لهُ سارقٌ للأمةِ لا لفردٍ بعينِه، فإذا
كان سارقُ فردٍ محددٍ مجرمًا تُقطعُ يدُهُ إنْ كان المسروقُ مِن حرزٍ وبلغَ ربعَ دينارٍ
فصاعدًا، فكيف بمَن يسرقُ الأمةَ ويبددُ ثرواتِهَا أو ينهبُهَا ؟! كيف تكونُ صورتُه
في الدنيا وعقوبتُه في الآخرةِ ؟!
إنَّ تشريعَ الإسلامِ لحمايةِ الملكيتينِ
الخاصَّةِ والعامَّةِ لهُ علاقةٌ وثيقةٌ بأمنِ البلادِ والعبادِ، فإذا آمنَ الفردُ
بأنَّ ملكيتَهُ مصونةٌ ومحترمةٌ، وأنَّ جميعَ طرقِ العدوانِ محرمةٌ في الشريعةِ الإسلاميةِ،
فإنَّ الفردَ يأمنُ على مالِه وعرضِه، ويؤدِّي ذلك إلى علاقةِ ودٍّ ومحبةٍ، واستقرارِ
وسلامةِ المجتمعِ مِن كلِّ خوفٍ أو رعبٍ أو تهديدٍ .
أمّا إذا تُرِكَ الحبلُ على الغاربِ،
وأصبحتْ الأموالُ الخاصُّةُ والعامَّةُ فريسةً للطامعين، ونهبًا للمعتدين، فلا شكَّ
أنْ يُصابَ المجتمعُ بتفككِ أوصالِه، وهدمِ بنيانِه، ويصبحُ الفردُ في رعبٍ دائمٍ،
وقلقٍ مفزعٍ، فلا هو تمتّعَ بمالِهِ، ولا اطمأنَّ في مقامِهِ، كيف لا وهو يخشَى الاعتداءَ
على مالِه كما تخشَى الأسدُ مِن أنْ تُلتَهَمَ فريستُهَا؟!
ثانيًا: واجبنا نحو المرافق
العامة:
إتقان العمل وآداؤه
بإخلاص: قال
تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ
وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ
تَعْمَلُونَ (105)} التوبة.
وعَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ
ﷺ قَالَ: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلًا أَنْ
يُتْقِنَهُ». ([1])
عدم الإسراف في استخدامها:
قال تعالى:{
يَابَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا
تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ (31)} الأعراف.
عَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ:
قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ:
عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ
وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ "
(عقوق الأمهات) أصل العقوق القطع أطلق
على الإساءة للأم وعدم الإحسان إليها لما في ذلك من قطع حقوقها وخص الأمهات بالذكر
وإن كان يستوي في ذلك الآباء والأمهات لأن الجرأة عليهن أكثر في الغالب. (وأد البنات)
دفنهن وهن أحياء. (ومنع وهات) منع الواجبات من الحقوق وأخذ ما لا يحل لكم من الأموال
أو طلب ما ليس لكم فيه حق].
وقال النووي رحمه الله أن إِضَاعَةُ
الْمَالِ يعني: صَرْفُهُ فِي غَيْرِ وُجُوهِهِ
الشَّرْعِيَّةِ وَتَعْرِيضُهُ لِلتَّلَفِ وَسَبَبُ النَّهْيِ أَنَّهُ إِفْسَادٌ وَاللَّهُ
لَا يجب الْمُفْسِدِينَ وَلِأَنَّهُ إِذَا أَضَاعَ مَالُهُ تَعَرَّضَ لِمَا فِي أَيْدِي
النَّاسِ.
المحافظة عليها وإزالة
الأذى عنها: لقد خلقَ اللهُ الإنسانَ وسخَّرَ لهُ
كلَّ ما في هذا الكونِ، قالَ تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا
فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ}. (الجاثية: 13)، وقالَ سبحانَهُ وتعالى: {وَآتَاكُمْ
مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ
الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}. ( إبراهيم: 34)، ومِن بينِ هذه النعمِ المنافعُ
المشتركةُ والأماكنُ العامَّةُ فإن الحفاظ عليها واجب شرعي ووطني وإنساني، فعلى كل
فرد أن يحافظ على نظافة المرافق العامة و يعاملها كملكه الخاص في المحافظة عليها وحمايتها
من التلف-عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ: «لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ
لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» ([2])
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ ﷺ: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ
لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ
شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ» ([3])
وعن أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ
اللهِ ﷺ قَالَ: «بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ، وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ
فَأَخَّرَهُ فَشَكَرَ اللهُ لَهُ، فَغَفَرَ لَهُ» ([4])
مراعاة حقوقها وتنميتها:
للمنافع المشتركة
لها حقوق وواجبات لابد أن تحترم وتقوم بها حفاظا على المجتمع كله منها مثلا:-عَنْ أَبِي
سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قَالَ:« إِيَّاكُمْ وَالْجُلُوسَ فِي الطُّرُقَاتِ»
قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ مَا لَنَا بُدٌّ مِنْ مَجَالِسِنَا نَتَحَدَّثُ فِيهَا،
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «فَإِذَا أَبَيْتُمْ إِلَّا الْمَجْلِسَ فَأَعْطُوا الطَّرِيقَ
حَقَّهُ» قَالُوا: وَمَا حَقُّهُ؟، قَالَ: «غَضُّ الْبَصَرِ، وَكَفُّ الْأَذَى، وَرَدُّ
السَّلَامِ وَالْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ، وَالنَّهْيُ عَنِ الْمُنْكَرِ» ([5])
وعَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: " سَبْعَةٌ يَجْرِي لِلْعَبْدِ أَجْرُهُنَّ وَهُوَ فِي
قَبْرِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: مَنْ عَلَّمَ عِلْمًا، أَوْ أَجْرَى نَهَرًا ,أَوْ حَفَرَ
بِئْرًا،أَوْ غَرَسَ نَخْلًا،أَوْ بَنَى مَسْجِدًا، أَوْ وَرَّثَ مُصْحَفًا، أَوْ تَرَكَ
وَلَدًا يَسْتَغْفِرُ لَهُ بَعْدَ مَوْتِهِ " ([6])
ثالثًا: صور الإيذاء والاعتداء
على المرافق عليه
التخلّي في طريق الناس
أو ظلهم ومكان راحتهم: عَنْ
أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «اتَّقُوا
اللَّعَّانَيْنِ» قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: «الَّذِي
يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ» ([7])
والمراد باللعانين الأمرين الجالبين
للعن الحاملين الناس عليه والداعيين إليه وذلك أن من فعلهما شتم ولعن يعني عادة الناس
لعنه فلما صارا سببا لذلك أضيف اللعن إليهما (الذي يتخلى في طريق الناس) معناه يتغوط
في موضع يمر به الناس (في ظلهم) قال الخطابي وغيره من العلماء المراد بالظل هنا مستظل
الناس الذي اتخذوه مقيلا ومناخا ينزلونه ويقعدون فيه وليس كل ظل يحرم القعود تحته.
أخذ الرشوة
أو الهدايا التي أعطيت بسبب عمله –وهي ليس من حقه- : عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: اسْتَعْمَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ رَجُلًا
عَلَى صَدَقَاتِ بَنِي سُلَيْمٍ، يُدْعَى ابْنَ اللُّتْبِيَّةِ، فَلَمَّا جَاءَ حَاسَبَهُ،
قَالَ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ:«فَهَلَّا جَلَسْتَ
فِي بَيْتِ أَبِيكَ وَأُمِّكَ، حَتَّى تَأْتِيَكَ هَدِيَّتُكَ إِنْ كُنْتَ صَادِقًا»
ثُمَّ خَطَبَنَا،فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ،ثُمَّ قَالَ:" أَمَّا بَعْدُ،
فَإِنِّي أَسْتَعْمِلُ الرَّجُلَ مِنْكُمْ عَلَى العَمَلِ مِمَّا وَلَّانِي اللَّهُ،
فَيَأْتِي فَيَقُولُ: هَذَا مَالُكُمْ وَهَذَا هَدِيَّةٌ أُهْدِيَتْ لِي، أَفَلاَ جَلَسَ
فِي بَيْتِ أَبِيهِ وَأُمِّهِ حَتَّى تَأْتِيَهُ هَدِيَّتُهُ، وَاللَّهِ لاَ يَأْخُذُ
أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا بِغَيْرِ حَقِّهِ إِلَّا لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُهُ يَوْمَ
القِيَامَةِ، فَلَأَعْرِفَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَقِيَ اللَّهَ يَحْمِلُ بَعِيرًا لَهُ
رُغَاءٌ، أَوْ بَقَرَةً لَهَا خُوَارٌ، أَوْ شَاةً تَيْعَرُ"([8])
الإسراف في استخدام
المياه: فقد
دعَا الإسلامُ إلى نظافةِ المياهِ وذلك بالمحافظةِ على تنقيتِهَا وطهارتِهَا، وعدمِ
إلقاءِ القاذوراتِ والمخلفاتِ والبقايَا فيها، باعتبارِ أنَّ الماءَ أساسُ الحياةِ،
وقد جاءتْ أوامرُهُ ﷺ ناهيةً عن أنْ يُبالَ في الماءِ الراكدِ أو الجارِي ، فَعَنْ
جَابِرٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: ” أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْبَوْلِ فِي الْمَاءِ الرَّاكِدِ”
([9])،
وفي رواية: ” لَا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا يَجْرِي
ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ ” ([10])، والعلة من ذلك حتى لا تنتشر الأمراض والجراثيم بين
أفراد المجتمع.
وقد مَرَّ ﷺ بِسيدِنَا سَعْدٍ وَهُوَ
يَتَوَضَّأُ ، فَقَالَ : مَا هَذَا السَّرَفُ ؟ فَقَالَ : أَفِي الْوُضُوءِ إِسْرَافٌ
؟ قَالَ : نَعَمْ ، وَإِنْ كُنْتَ عَلَى نَهَرٍ جَارٍ. ” ([11])
إيذاءُ الناسِ في طُرقِهِم:
بأيِّ نوعٍ
مِن أنواعِ الأذَى، فقد أخرجَ الطبرانِيُّ أنَّ النبيَّ ﷺ قال: « مَنْ آذَى المُسْلِمِينَ
في طُرقِهِمْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ لَعْنَتُهُمْ »، ويدخلُ في الأذَى مَن يؤذِي المارةَ
بدخانِ سيجارتِهِ، وقد وردَ نهيٌ صريحٌ – أيضًا – عن النومِ في الطريقِ؛ لأنَّ الطريقَ
للمرورِ وليس محلًا للنومِ.
بل ينبغِي على المسلمِ أنْ يرفعَ عن
الطريقِ ما يُؤذِي المارةَ مِن حجرٍ أو شوكٍ أو كلِّ ما يسببُ ضررًا بالآخرين فهذا
مِن الصدقاتِ فقالَ: “ وَتُمِيطُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ صَدَقَةٌ”([12])
بل إنَّ ذلك قد يكونُ سببًا في دخولِكَ
الجنة، قالَ ﷺ: «نَزَعَ رَجُلٌ لَمْ يَعْمَلْ خَيْرًا قَط غُصْنَ شَوْكٍ عَنِ الطَّرِيقِ
إِمَّا كانَ في شَجَرَةٍ مُقَطَّعَةٍ فَأَلْقَاهُ، وَإِمَّا كانَ مَوْضُوعًا فَأَمَاطَهُ
فَشَكَرَ الله لَهُ بِهَا فَأَدْخَلَهُ الجَنَّةَ». ([13])
سرقةُ التيّارِ الكهربائِي:
وهي جريمةٌ
نكراءُ شنعاءُ، وسارقُهَا سارقٌ للأمةِ كلِّهَا، وهو مِن أكلِ أموالِ الناسِ بالباطلِ،
قالَ تعالَى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ
بِالْبَاطِلِ إِلا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا } ( النساء: 29).
إتلافُ الأشجارِ والزينةِ
ومصابيحِ الإنارةِ: فهذه
الأشجارُ والزينةُ والإنارةُ قد غرستْهَا الدولةُ في الطرقاتِ والمنتزهاتِ وغيرِهَا
مِن الأماكنِ العامةِ لأغراضٍ مختلفةٍ، والتعدِّي عليها وإتلافُهَا أمرٌ منهيٌّ عنهُ
شرعًا حتى مع الأعداءِ، فهذا أبُو بكرٍ – رضي اللهُ عنه – لَمَّا بعثَ يزيدَ بنَ أبي
سفيانَ إلى الشامِ على ربعٍ مِن الأرباعِ، أوصاهُ قائلًا: يا يزيدُ: ” لا تَقتلّوا
كبيرًا هَرمًا، ولا امرأةً، ولا وليدًا. ولا تُخرِّبوا عمرانًا، ولا تقطعُوا شجرةً،
إلَّا لنفعٍ، ولا تعقرنَّ بهيمةً إلَّا لنفعٍ، ولا تُحرِّقنَّ نخلًا، ولا تُغرقنَّه،
ولا تَغدِر، ولا تُمثِّل، ولا تجبُن، ولا تغلُل، ولينصرنَّ اللهُ مَن ينصرَهُ ورسلَهُ
بالغيبِ، إنَّ اللهَ قويٌّ عزيزٌ”، هذا في حالِ الحربِ مع العدوِّ، فما بالُكَ في حالِ
السلمِ؟!
تخريبُ وتدميرُ المنشآتِ
العامَّةِ: فإنَّ
مَن يقومُ بذلك مِن حرقِ المنشآتِ العامَّةِ وإتلافِ الحدائقِ يُعدُّ مِن صورِ التعدِّيِ
على المرافقِ العامَّةِ، وقد توعدَ اللهُ هؤلاءِ بقولِهِ جلَّ وعلا: { إِنَّمَا جَزَاءُ
الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ
يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ
أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ
عَذَابٌ عَظِيمٌ } . ( المائدة: 33)
تشويهُ حوائطِ المنشآتِ
العامَّةِ بالكتابةِ: وهذا
شائعٌ وكثيرٌ، وهو ما يقومُ بهِ الشبابُ والفتياتُ والطلابُ بالكتابةِ على جدرانِ المدارسِ
والجامعاتِ والمراحيضِ ومواقفِ المواصلاتِ العامَّةِ وغيرِهَا.
رابعًا: حرمة الاعتداء على
المرافق العامة
ظلم لكافة المجتمع: لقد حرَّم الاعتداء على
مال الغير بأي نوع من العدوان، وجعله ظلما يكون ظلمات يوم القيامة، ووضع له عقوبات
دنيوية بالحد أو التعزير بما يتناسب مع حجم الاعتداء وأهميته، فإنه حرَّم علينا الاعتداء
على الممتلكات العامة" التي هي ملك للجميع والظلم فيه ظلم للغير وللنفس أيضا قال
تعالى: {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ (57)} آل عمران.
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ،أَنَّ
رَسُولَ اللهِ ﷺ ،قَالَ: {اتَّقُوا الظُّلْمَ، فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ}. ([14])
العقاب الأليم يوم القيامة:
قال تعالى:{وَمَنْ
يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا
كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ(161)} آل عمران .
والغلول هو: الخيانة في كل مال يتولاه
الإنسان وهو محرم إجماعا، بل هو من الكبائر لأن الغلول من أعظم الذنوب وأشر العيوب.
ثم ذكر الوعيد على من غل، فقال: {ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة} أي: يأت به حامله
على ظهره، حيوانا كان أو متاعا، أو غير ذلك، ليعذب به يوم القيامة.
دخول النار: قال تعالى:{يَاأَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ
تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ
كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29)وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ
نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)} النساء .
لا يشفع للمعتدي
استشهاده في سبيل الله: عن عُمَربْنُ الْخَطَّابِ، قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ خَيْبَرَ،أَقْبَلَ
نَفَرٌ مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ ﷺ ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فُلَانٌ شَهِيدٌ،
حَتَّى مَرُّوا عَلَى رَجُلٍ، فَقَالُوا: فُلَانٌ شَهِيدٌ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ:
«كَلَّا، إِنِّي رَأَيْتُهُ فِي النَّارِ فِي بُرْدَةٍ غَلَّهَا أَوْ عَبَاءَةٍ » ([15]) .
-فإذا كَانَ الصحابي الذي جاهد مع
النبي ﷺ وخرج معه ومع ذلك بسبب فساد نيته يعاقب، فما بالكم بمن يغل وهو ليس في جهاد
ولا عمل صالح ولم يقدم شيئاً للإسلام وللمسلمين إلا الخيانة والسرقة، وربما تكون وظيفته
هذه أخذها بوسائل غير مشروعة، ومع ذلك يرى وكأن بيت مال الْمُسْلِمِينَ من حقه يأخذ
منه كما يشاء ويصرفه كما يشاء، وهذا من عمى البصيرة ونسيان الآخرة.
وعَنْ عَدِيِّ بْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ،
قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ:«مَنِ اسْتَعْمَلْنَاهُ مِنْكُمْ عَلَى عَمَلٍ،
فَكَتَمَنَا مِخْيَطًا، فَمَا فَوْقَهُ كَانَ غُلُولًا يَأْتِي بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([16]).
فكتمنا مخيطًا": المخيط :الإبرة،
يعني: مَن أخفى منه شيئًا، وسرق منا شيئًا من ذلك المال حتى إبرةً فما فوقها، أو أقلَّ
منها؛ يكون ذلك غلولًا؛ أي: خيانة، ويكون ذلك على رقبته إذا جاء يوم القيامة .
خامسًا: نماذج عليها
أعن أمير المؤمنين على البعير
الشارد: قدم على عمر بن الخطاب وفد من العراق
فيهم الأحنف بن قيس في يوم صائف شديد الحر، وعمر (معمم بعباءته)، يهنأ بعيرًا من إبل
الصدقة (أي يطليه بالقطران كعلامة له) فقال: يا أحنف ضع ثيابك، وهلم، فأعن أمير المؤمنين
على هذا البعير الشارد فإنه إبل الصدقة، فيه حق اليتيم، والأرملة، والمسكين.
فقال رجل من القوم: يغفر الله لك يا
أمير المؤمنين! هلا أمرت عبدًا من عبيد الصدقة ليكفيك هذا.
قال عمر: ثكلتك أمك، وأُيُ عبدٍ هو
أعبد مني ومن الأحنف؛ إنه من ولي أمر المسلمين فهو عبد المسلمين، يجب عليه ما يجب على
العبد لسيده من النصيحة وأداء الأمانة.
ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين: اشتري عبد الله بن عمر إبلا وارتجعها إلى الحمى فلما سمنت قدم بها الي السوق , فدخل عمر بن الخطاب السوق فرأى إبلا
سمانا فقال لمن هذه قيل لعبدالله بن عمر قال فجعل يقول يا عبد الله بن عمر بخ بخ ابن
أمير المؤمنين.
فجاء عبدالله بن عمر مسرعا فقال ما لك يا أمير المؤمنين قال ما هذه الإبل قال أنا
اشتريتها وبعثت بها إلى الحمى أبتغي ما يبتغي المسلمون قال عمر أما وانك اوردتها الحمي فقالوا
ارعوا إبل ابن أمير المؤمنين اسقوا إبل ابن أمير المؤمنين يا عبد الله بن عمر
اغد على رأس مالك واجعل باقيه في بيت مال المسلمين.
أكلّ الجيش أسلف كما أسلفكما؟ : خرج عبد الله، وعبيد الله ابنا عمر في جيشٍ إِلى العراق، فلمَّا
رجعا؛ مرَّا على أبي موسى الأشعري، وهو أمير البصرة فرحَّب بهما، وسهَّل، وقال: لو
أقدر لكما على أمرٍ أنفعكما به؛ لفعلت، ثمَّ قال: بلى! ها هنا مالٌ من مال الله أريد
أن أبعث به إِلى أمير المؤمنين، وأسلفكماه، فتشتريان به من متاع العراق، ثمَّ تبيعانه
بالمدينة، فتؤدِّيان رأس المال إِلى أمير المؤمنين، ويكون لكما الرِّبح، ففعلا، وكتب
إِلى عمر أن يأخذ منهما المال.
فلمَّا قدما على عمر قال: أكلّ الجيش
أسلف كما أسلفكما؟ فقالا: لا! فقال عمر: أدِّيا المال وربحه، فأمَّا عبد الله؛ فسكت،
وأما عبيد الله فقال: ما ينبغي لك يا أمير المؤمنين! لو هلك المال، أو نقص؛ لضمنَّاه.
فقال: أدِّيا المال. فسكت عبد الله، وراجعه عبيد الله.
فقال رجلٌ من جلساء عمر: يا أمير المؤمنين!
لو جعلته قراضاً (شركةً). فأخذ عمر رأس المال، ونصف ربحه، وأخذ عبـد الله وعبيد الله
نصف ربح المال. قالوا: هو أوَّل قراضٍ في الإِسلام.
إن أقوامًا أدّوا هذا لَذَوو
أمانة: انطلق المسلمون نحو الشاطئ بخيولهم
القوية، ودخلوا المدائن فاتحين منتصرين، وغنموا ما تحويه من نفائس وذخائر، بعد أن فر
كسرى وجنوده حاملين ما استطاعوا حمله من الأموال والنفائس والأمتعة، وتركوا ما عجزوا
عن حمله.
ووجد المسلمون خزائن كسرى مليئة بالأموال
والنفائس، ولكن هذه الكنوز لم تُغرِ أيًّا منهم بالاستيلاء عليها لنفسه، ولم تراود
أحدًا منهم نفسه على أخذ شيء منها، ودخل سعد القصر الأبيض بالمدائن، وانتهى إلى إيوان
كسرى، وهو يقرأ قوله تعالى: “كم تركوا من جنات وعيون *وزروع ومقام كريم * ونعمة كانوا
فيها فاكهين * كذلك وأورثناها قومًا آخرين”
وانتشر المسلمون في المدائن ، وأخذوا
يجمعون المغانم الكثيرة التي ظفروا بها من الذهب والفضة والسلاح والثياب والأمتعة والعطور
والأدهان، فأرسلوا ذلك إلى عمر بن الخطاب، وكان فيما أرسلوه سيف كسرى وأساوره؛ فلما
وضعت بين يديه نظر إليها متعجبًا وهو يقول: إن أقوامًا أدّوا هذا لَذَوو أمانة”.. فرد
عليه علي (رضي الله عنه) فقال: إنك عففت فعفت
الرعية ولو رتَعْتَ لرَتَعُوا”
لا تسكن كنائسهم و لا تهدم: في
عام 15 هـ، وبعد حصار دام أربعة أشهر، فتح المسلمون إيلياء، ودخلها عمر بن الخطاب رضي
الله عنه بسلام. لم يدخلها كفاتح غاصب، بل كحامل رسالة سلام وأمان.
وقف عمر بن الخطاب على أبواب كنيسة
القيامة، واجتمع به بطريرك القدس صفرونيوس. لم يفرض عمر (رضي الله عنه) الإسلام على
أحد، بل حرص على إعطاء أهل إيلياء الأمان على أنفسهم وممتلكاتهم وكنائسهم.
وكتب لهم وثيقة تاريخية عُرفت باسم
“العهدة العمرية”، تضمنت شروط الصلح بين المسلمين وأهل إيلياء, وجاء نصها “بسم الله
الرحمن الرحيم هذا ما أعطى عبد الله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان: أعطاهم أمانـًا
لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها ؛ أنه لاتسكن كنائسهم
و لا تهدم ولاينتقص منها ولا من خيرها ، و لا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم ، ولا
يكرهون على دينهم ، ولا يضام أحد منهم ، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود ، وعلى
أهل إيلياء أن يعطوا الجزية كما يعطى أهل المدائن ، وعليهم أن يخرجوا منها الروم واللصوص
، فمن خرج منهم فإنه آمن على نفسه وماله حتى يبلغوا مأمنهم ، ومن أقام منهم فهو آمن
وعليه مثل ما على أهل إيلياء من الجزية ، ومن أحب من أهل إيلياء أن يسير بنفسه وماله
مع الروم (ويخلى بيعهم وصلبهم) ، فإنهم آمنون على أنفسهم وعلى بيعهم وصلبهم ، حتى يبلغوا
مأمنهم ، ومن كان بها من أهل الأرض قبل مقتل فلان فمن شاء منهم قعد وعليه مثل ما على
أهل إيلياء من الجزية، ومن شاء سار مع الروم ، ومن شاء رجع إلى أهله فإنه لايؤخذ منهم
شىء حتى يحصد حصادهم، وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله وذمة الخلفاء وذمة
المؤمنين إذا أعطوا الذي عليهم من الجزية . شهد على ذلك: خالد بن الوليد ، وعمرو بن
العاص ، وعبد الرحمن بن عوف ، ومعاوية بن أبي سفيان .
فإن خرجت بأكثر منهما فأنا
سارق: اختار سليمان بن عبد الملك بن مروان “عروة بن محمد” واليا على اليمن , فلما دخل واليا على أهلها قال : يا أهل اليمن، هذه راحلتي
ومصحفي وسيفي فإن خرجت بأكثر منهما فأنا سارق.
ومكث عروة واليا على اليمن 20 سنة،
توالى فيها على الملك ثلاثة من أمراء بنى أمية؛ سليمان بن عبد الملك، وعمر بن عبد العزيز،
و يزيد بن عبد الملك، و عندما خرج عروة من اليمن لم يكن معه إلا سيفه و رمحه و مصحفه.
الشمعة من بيت مال المسلمين: كان عمر بن عبد العزيز إذا جاء وزرائه ليلاً ليتحدثوا في أمور المسلمين
أوقد لهم شمعة يستضيئوا بها؛ فإذا أكملوا حديثهم، وجلسوا يتسامرون أطفأها، وأوقد أخرى
مكانها.
فسألوه لما يا عمر، قال: هذه الشمعة من بيت مال المسلمين،
وكنا نتحدث في مصالحهم، أما وقد فرغنا من ذلك أوقدت سراجي، وجاءوا له بزكاة المسك،
فوضع يده على أنفه حتى لا يشتم رائحته، ورعاً عن المال العام، فقالوا: يا أمير المؤمنين
إنما هي رائحة؛ فقال: وهل يستفاد منه إلا برائحته
وصلِّ
اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
%%%%%%%%
جمع وترتيب: الشيخ
أحمد أبو عيد
01098095854
[1])) السلسلة الصحيحة
[2])) متفق عليه
[3])) صحيح مسلم
[4])) صحيح مسلم
[5])) صحيح مسلم
[6])) صحيح الجامع
[7])) صحيح مسلم
[8])) متفق عليه
[9])) صحيح مسلم
[10])) متفق عليه
[11])) صحيح ابن ماجة
[12])) صحيح مسلم
[13])) متفق عليه
[14])) صحيح مسلم
[15])) صحيح مسلم
[16])) صحيح مسلم