فضل الأشهر الحرم وواجبنا فيها للشيخ أحمد أبو عيد
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً ﴾ [النساء: 1].
وبعد
العناصر
أولًا: فضل الأشهر الحرم ثانيًا: واجبنا في الأشهر الحرم
الموضوع
أولًا: فضل الأشهر الحرم
سبب تسميتها بهذا الاسم: وسميتْ هذه الأشهرُ بالأشهرِ الحرمِ لأمرينِ
الأولُ: أنَّ اللهَ تعالى حرمَ فيها القتالَ بينَ الناسِ، يقولُ اللهُ جلَّ وعلا ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ[ (البقرة:217)، فدلَّ ذلك على أنَّهُ محرمٌ فيها القتال، وذلك مِن رحمةِ اللهِ تعالى بعبادِهِ حتى يسافرُوا فيها ويحجُّوا ويعتمرُوا.
والثاني: لتعظيمِ انتهاكِ المحارمِ فيها بأشدَّ مِن تعظيمِهِ في غيرِهَا، ولتعظيمِ فيها الطاعات.
سبب تحريمِ هذه الأشهرِ الأربعةِ عندَ العربِ: لأجلِ التمكنِ من الحجِّ والعمرةِ فحُرِّمَ شهرُ ذي الحجةِ لوقوعِ الحجِّ فيه، وحُرِّمَ معه شهرُ ذي القعدةِ للسيرِ فيه إلى الحجِّ، وشهرُ المحرمِ للرجوعِ فيه من الحجِّ حتى يأمنَ الحاجُ على نفسهِ من حين الخروجِ من بيتهِ، إلى أنْ يرجعَ إليه، وحُرِّمَ شهرُ رجب؛ للاعتمارِ فيه في وسطِ السنةِ فيعتمرُ فيه مَن كان قريبًا من مكةَ.
أربعة أشهر حرمها الله: عَنِ ابْنِ أَبِي بَكْرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو القَعْدَةِ، وَذُو الحِجَّةِ، وَالمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ، مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى، وَشَعْبَانَ " ([1])
قال كعبٌ رضي اللهُ عنه (اختارَ اللهُ الزمانَ فأحبُّهُ إلى اللهِ الأشهرُ الحرمُ)
ومِن هذه الأشهرِ الحرمِ شهرُ رجب، وقد سُمِّيَ رجبًا مِن الترجيبِ أي: التعظيمِ، وقد كان العربُ يسمونَهُ بالأصمِّ؛ لأنَّهُم لا يسمعونَ فيه صوتَ الحربِ.
وهو شهرٌ حَمَلَ معجزةَ الإسراءِ والمعراجِ لنبيِّنَا (صلَّي اللهُ عليه وسلمَ)، يقولُ أبو بكرٍ البلخيُّ - رحمَهُ اللهُ تعالى-: شهرُ رجبَ شهرّ الزرعِ، وشهرُ شعبانَ شهرُ السقيِ، وشهرُ رمضانَ شهرُ الحصادِ، فمَن لم يزرعْ في رجب، ويسقِ في شعبان، فكيفَ يحصدُ في رمضان؟!!
ويكفي شهر رجب فضلًا أنه من الأشهر الحرم التي أمر الله بتعظيمها ولابد أن نعلم أن الأحاديث التي تقال فيه غير صحيحة، كما قال بذلك الإمام ابن حجر حيث ألف كتابًا سماه «تبيين العجب فيما ورد في شهر رجب» وقال إن جميع الأحاديث التي وردت فيه لا تصح، مضيفا أن بعض الأحاديث التي وردت في فضل شهر رجب، أسانيدها ضعيفة ولكنها لا تصح.
أنه يحرم فيها ابتداء القتال- ابتداء قتال الأعداء على القول الراجح - لقوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ ﴾ [المائدة: 2]، ولقوله تعالى: ﴿ فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ ﴾ [التوبة: 5]. وقال بعض أهل العلم: بل إن ابتداء القتال فيها نسخ بتحريمه كما في غيرها، ولكن الراجح أنه محرم - أعني الابتداء - إلا أن يبدأنا الكفار، أو يكون القتال إتمامًا لقتال سابق، فإنه لا بأس به".
أن أعمال الحج كلها تقع في ذي الحجة: قال تعالى: ﴿ الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ ﴾ قال البخاري: قال ابن عمر: هي شوال، وذو القعدة، وعشر من ذي الحجة.
وعُمَرُ النبي صلى الله عليه وسلم الأربع كانت فيها، كما يقول ابن القيم رحمه الله: وقد علق على ذلك بقوله: لم يكن الله ليختار لنبيه صلى الله عليه وسلم في عمره إلا أَوْلى الأوقات وأحقها بها، وقال: فأولى الأزمنة بها - أي العمرة - أشهر الحج وذو القعدة أوسطها، وهذا مما نستخير الله فيه، فمن كان عنده فضل علم، فليرشد إليه.
فيها عشر ذي الحجة: التي أقسم الله بها في كتابه، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها من أفضل الأيام، وأن العمل الصالح فيها أعظم من غيرها، روى البخاري والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "مَا مِنْ أَيَّامٍ الْعَمَلُ الصَّالِحُ فِيهِنَّ أَحَبُّ إِلَى اللهِ مِنْ هَذِهِ الأَيَّامِ الْعَشْرِ"، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَقَالَ رَسُولُ صلى الله عليه وسلم: "وَلَا الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، إِلَّا رَجُلٌ خَرَجَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ فَلَمْ يَرْجِعْ مِنْ ذَلِكَ بِشَيْءٍ" ([2])
فيها صيام شهر الله المحرم: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَفْضَلُ الصِّيَامِ بَعْدَ شَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرُ اللَّهِ المُحَرَّمُ، وَأَفْضَلُ الصَّلَاةِ بَعْدَ الفَرِيضَةِ صَلَاةُ اللَّيْلِ» ([3])
فيها يوم عاشوراء الذي أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه «يُكَفِّرُ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ»([4]) ، وهو اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وقومه وأغرق فرعون وقومه.
مضاعفة الثواب العقاب فيها: قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما (اختصَّ اللهُ أربعةَ أشهرٍ فجعلهنَّ حرامًا، وعَظّمَ حُرُماتِهنَّ، وجعلَ الذنبَ فيهنَّ أعظمَ، والعملَ الصالحَ والأجرَ أعظمَ)
قال قتادةُ: "العملُ الصالحُ أعظمُ أجرًا في الأشهرِ الحرمِ، والظلمُ فيهن أعظمُ منه فيما سواهنَّ وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيمًا" قالَ سبحانَهُ ( فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُم)(التوبة)
قال ابنُ عباسٍ رضي اللهُ عنهما: تحفظُوا على أنفسِكُم فيها واجتنبُوا الخطايا، فإنّ الحسناتِ فيها تُضاعفُ والسيئاتِ فيها تُضاعفُ.
قال بعضُ الفقهاءِ: "إنّ الديةَ تُغلظُ في الشهرِ الحرامِ فالمعاصِي في الأشهرِ الحرمِ أعظمُ إثمًا وأشدُّ تحريمًا.
فإنْ كانتْ المعصيةُ قبيحةً في كلِّ وقتٍ فإنّها في هذه الأشهرِ أشدُّ قبحًا.
قال القرطبيُّ – رحمَهُ اللهُ – (( لا تظلمُوا فيهن أنفسَكُم بارتكابِ الذنوبِ).
واللهُ جلَّ وعلا إذا عظَّمَ مكانًا أو زمانًا، كانتْ المعصيةُ فيه أعظمَ إثمًا، والطاعةُ فيه أعظمَ أجرًا. فكلُّ زمانٍ أو مكانٍ حرمَهُ اللهُ، فالمعصيةُ فيه أعظمُ وأشنعٌ لذَا لما حرَّمَ اللهُ مكةَ وجعلَهَا حرمًا آمنًا، قال عن حرمِهَا: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ)[الحج: 25]، فكذلك الأشهرُ الحرمُ.
ثانيًا: واجبنا في الأشهر الحرم
وجوب الوقوف فيها عند حدود الله: كانتْ العربُ تحتالُ على هذه الأشهرِ الحرمِ، فتؤخرُ تحريمَ هذا الشهرِ إلى آخرٍ، وهذا هو النسيءُ الذي قال عنه ربُّنَا {إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُواْ يُحِلِّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِّيُوَاطِؤُواْ عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّواْ مَا حَرَّمَ اللّهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} (التوبة:37).
وسَبَبُ ذَلِكَ أَنَّ الْعَرَبَ كَانَتْ أَصْحَابَ حُرُوبٍ وَغَارَاتٍ فَكَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَمْكُثُوا ثَلَاثَةَ أَشْهُرٍ مُتَوَالِيَةٍ لَا يُغِيرُونَ فِيهَا، وَقَالُوا: لَئِنْ تَوَالَتْ عَلَيْنَا ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ لَا نُصِيبُ فِيهَا شَيْئًا لَنَهْلِكَنَّ» ([5])، وفي هذا معنى لطيفٌ إلى أنَّ عبادةَ اللهِ تعالى ليستْ بالهوىَ والتمنِّي، وحسبمَا يريدُ الإنسانُ ويشتهِي، بل العباداتُ مبناهَا على التوقيفِ من الله ورسوله.
تعظيمُ الشعائرِ والحرماتِ: لأنَّ تعظيمَ الشعائرِ مِن تقوى القلوبِ، قالَ تعالَى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ } (الحج: 32)، وكذلكَ تعظيمَ الحرماتِ لأنَّ أمرَهَا جاءَ مِن اللهِ، قالَ تعالى: {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ} (الحج: 30)، وإذا كانَ الفردُ يقدسُ الأوامرَ البشريةَ ولا تسولُ له نفسُهُ أنْ يقصرَ فيها، فمِن بابِ أولَى أنْ يعظمَ الأوامرَ الإلهيةَ لكونِهَا صادرةً مِن عظيمٍ، كما قالَ قتادةُ:" عَظِّمُوا ما عظمَ اللهُ، فإنَّمَا تُعَظَّمُ الأمورُ بما عظمَهَا اللهُ بهِ عندَ أهلِ الفهمِ وأهلِ العقلِ".( تفسير ابن كثير).
قالَ ابنُ القيمِ رحمَهُ اللهُ:" تضاعفُ مقاديرُ السيئاتِ لا كمياتِهَا، فإنّ السيئةَ جزاؤُهَا السيئة، لكنْ سيئةٌ كبيرةٌ وجزاؤّهَا مثلهَا، وصغيرةٌ وجزاؤُهَا مثلهَا، فالسيئةُ في حرمِ اللهِ وبلدِهِ وعلى بساطِهِ آكدٌ منها في طرفٍ مِن أطرافِ الأرضِ، ولهذا ليس مَن عصَى الملكَ على بساطِ مُلكِهِ، كمَن عصاهُ في الموضعِ البعيدِ مِن دارِهِ وبساطِهِ." اهـ.( زاد المعاد ).
الإقبالُ على اللهِ جلَّ وعلا: فأقبلْ على ربِّكَ وتبْ إليه واندمْ على ما فرطتَ في جنبِ اللهِ وأصلحْ ما بينكَ وبين اللهِ يصلحُ اللهُ ما بينكَ وبينَ العبادِ فما دمتَ في وقتِ المهلةِ فبابُ التوبةِ مفتوحٌ، قال صلى اللهُ عليه وسلم : ]إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَبْسُطُ يَدَهُ بِاللَّيْلِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ النَّهَارِ وَيَبْسُطُ يَدَهُ بِالنَّهَارِ لِيَتُوبَ مُسِيءُ اللَّيْلِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ مِنْ مَغْرِبِهَا[ ([6]).
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيمَا يَحْكِي عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ:" أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى عَبْدِي أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ اغْفِرْ لِي ذَنْبِي فَقَالَ تَبَارَكَ وَتعالى أَذْنَبَ عَبْدِي ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ قَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى لَا أَدْرِي أَقَالَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ اعْمَلْ مَا شِئْتَ) ([7])
لزوم تقوى الله: إنّ الأشهرَ الحُرمَ فرصةٌ كبيرةٌ، ووسيلةٌ عظيمةٌ؛ ليهذبَ الإنسانُ فيها نفسَهُ مِن المعاصِي والفواحشِ، ويخلصَهَا مِن الأدواءِ الظاهرةِ والأمراضِ الباطنةِ؛ ليصلَ بذلك إلى تحقيقِ معيةِ اللهِ تعالى، والشعورِ بالسكينةِ والطمأنينةِ والأمانِ النفسِي، ولذَا ختمَ اللهُ الآيةَ في الحديثِ عن الأشهرِ الحُرمِ بقولِهِ: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾، فهذا إعلامٌ لنَا بأنّ معيتَهُ – جلَّ وعلا – للمتقينَ يحميهُم، ويحرسُهُم، ويدافعُ عنهم، ويحفظُهُم مِن كلِّ سوءٍ ومكروهٍ.
الإسراع قبل فوات الأوان: أفقْ من غفلتِكَ واغتنمْ الفرصةَ واغتنمْ حياتَكَ قبلَ موتِكَ وصحتَكَ قبلَ سقمِكَ وشبابَكَ قبلَ هرمِكَ وفراغَكَ قبلَ شغلِكَ
أيُّها المغترُ بطولِ الصحةِ !! أمَا رأيتَ ميتًا مِن غيرِ سقمٍ ؟ أيُّها المغترُ بطولِ المهلةِ!! أمَا رأيتَ ميتًا مِن غيرِ مهلةٍ ؟ أبالصحةِ تغترونَ !!أم بطولِ العافيةِ تمرحون !! رحمَ اللهُ عبدًا عَمِلَ لساعةِ الموتِ!! رحمَ اللهُ عبدًا عملَ لمَا بعدَ الموتِ!!
ما في الحياةِ بقاءٌ *** ما في الحياةِ ثُبوتُ
نبنِي البيوتَ وحتمًا *** تنهارُ تلكَ البيوتُ
تموتُ كلُّ البرايَا *** سبحانَ مَن لا يموتُ
كفُّ النفسِ عن المعاصِي والفواحشِ والمنكراتِ: أمرَ اللهُ المسلمَ أنْ يجتنبَ المعاصي صغيرَهَا وكبيرَهَا جليلَهَا وحقيرَهَا قالَ تعالى: ﴿قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ﴾، وعن أَبِي هُرَيْرَةَ سَمِعَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، فَاجْتَنِبُوهُ وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ فَافْعَلُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ، فَإِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كَثْرَةُ مَسَائِلِهِمْ، وَاخْتِلَافُهُمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ» ([8])
الحذر من الذنوب وخاصة ذنوب الخلواتِ فهي طريقُ الهلاكِ والدمارِ والخزيِ والعار.ِ
فعَنْ ثَوْبَانَ عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهُ قَالَ :"لأَعْلَمَنَّ أَقْوَامًا مِنْ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ بِيضًا فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُورًا ».قَالَ ثَوْبَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا جَلِّهِمْ لَنَا أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ.قَالَ : « أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا »([9])
اجتنابُ الظلمِ بجميعِ أنواعِهِ في هذه الأشهرِ: لقولِهِ تعالى: {فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} (التوبة:36) فالظلمُ في الأشهرِ الحرمِ أعظمُ خطيئةً ووزرًا من الظلمِ فيما سواهَا، وإنْ كان الظلمُ على كلِّ حالٍ عظيمًا، ولكنَّ اللهَ يعظمُ مِن أمرِهِ ما يشاءُ.
قال القرطبي رحمه الله: "خص الله تعالى الأربعة أشهر الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفًا لها، وإن كان منهيًا عنه في كل الزمان، كما قال تعالى: ﴿ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ﴾ [البقرة: 197]
والظلمُ مرضٌ يعمِى البصيرةَ، ويضعفُ البدنَ، ويوهنُ الدينَ، ويظلمُ القلبَ، ويقيدُ الجوارحَ عن طاعةِ اللهِ ، ولم لا؟ والظلمُ منبعُ الرذائلِ ،ومصدرُ الشرورِ، فهو مصدرٌ لكلِّ عداءٍ وينبوعٌ لكلِّ شرٍ وتعاسةٍ ،والظلمُ بلاءٌ كبيرٌ في الدنيَا وخزيٌ وندامةٌ في الآخرةِ قال ربُّنَا : { وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ }سورة إبراهيم
لَا تَظْلِمَنَّ إذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا *** فَالظُّلْمُ تَرْجِعُ عُقْبَاهُ إلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنَاك وَالْمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ *** يَدْعُو عَلَيْك وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنِمْ
نسأل الله أن يوفقنا لطاعته، ويحول بيننا وبين معصيته، ولا حول لنا ولا قوة إلا به.
وصلَّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
جمع وترتيب: الشيخ أحمد أبو عيد