الزكاة والتزكية للشيخ أحمد أبو عيد
أو
الحمد لله ثمّ الحمد
لله، الحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنّا لِنَهْتَدِيَ لولا أن هدانا الله، وما توفيقي
ولا اعتصامي ولا توكّلي إلا على الله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إقرارًا
برُبوبيَّته، وإرغامًا لمن جحد به وكفر، وأشهد أنّ سيّدنا محمّدًا صلى الله عليه وسلّم
رسول الله، سيّد الخلق والبشر ما اتَّصَلَت عين بنظر، أو سمعت أذنٌ بِخَبر.
اللَّهمّ صلّ وسلّم وبارك على سيّدنا محمّد، وعلى
آله وأصحابه، وعلى ذريّته ومن والاه ومن تبعه إلى يوم الدّين، اللّهمّ علّمنا ما ينفعنا
وانفعنا بما علّمتنا وزدْنا علمًا، وأرنا الحقّ حقًّا وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل
باطلاً وارزقنا اجتنابه، واجعلنا ممَّن يستمعون القول فيتّبعون أحْسنه، وأدْخلنا برحمتك
في عبادك الصالحين.
العناصر
أولًا: فضل الزكاة وثمراتها
ثانيًا:
أهمية تزكية النفوس وفضلها
ثالثًا:
وسائل تزكية النفوس
الموضوع
أولًا:
فضل الزكاة وثمراتها
الزكاة في اللغة معناها: النَمَاء، والتطهير، وقد
سُمِّيَت الزكاة بذلك الاسم لأنَّ في إخراجها نماءٌ للمال، ويَكْثُرُ بسببها الأجر،
ولأنها تُطَهِر النفس من رذيلة البُخل
وأما معناها في الشرع فهو: نصيبٌ مُقدَّرٌ شرعاً،
في مالٍ مُعَيَّن، يُصرَفُ لطائفةٍ مخصوصة.
الزكاة ركن من
أركان الإسلام: عن ابْنِ عُمَرَ t قَالَ: قَالَ
رَسُولُ اللهِ r : ﴿بُنِيَ الإِسْلامُ عَلى خَمْسٍ: شَهادَةِ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللهُ
وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللهِ وَإِقامِ الصَّلاةِ وَإِيتاءَ الزَّكاةِ وَالْحَجِّ
وَصَوْمِ رَمَضَانَ﴾([1])
أنزل الله المال
لإيتاء الزكاة: عن أبي واقد الليثي tأن النبي r قال: (إن الله قال: إنا
أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة ولو كان لابن آدم واد لأحب أن يكون له ثان
ولو كان له واديان لأحب
أن يكون لهما ثالث ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب
ثم يتوب الله على من تاب) ([2])
المزكون هم المتقون
المفلحون: قال تعالى: {ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ
(2) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ..... } إلى أن قال سبحانه: {أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ
رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة 1_5]. واختار ابن جرير
الطبري: أن الآية عامة في الزكاة والنفقات
تكفير السيئات
ودخول الجنة: قال تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ
وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ
أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ
وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأدْخِلَنَّكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ} [المائدة: 12].
وعن جابر t أنه سمع رسول الله r يقول لكعب بن
عجرة ﴿يا كعب بن عجرة الصلاة قربان والصيام جنة والصدقة تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء
النار يا كعب بن عجرة الناس غاديان فبائع نفسه فموثق رقبته ومبتاع نفسه في عتق رقبته﴾
([3])
، والمراد بالصدقة هنا: الزكاة وصدقة التطوع جميعاً.
أهل الزكاة هم
المهتدون: قال تعالى: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ
بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ
إِلا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ}
[التوبة: 18].
الزكاة من البر
وأهلها من الصادقون المتقون: قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ
أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ
آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ
وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ
السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ
وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ
وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}[
البقرة :177] .
تلحق بصاحبها
البركة: قال تعالى: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ
وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ} [البقرة :276]، وعن أَبِي
هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ r :﴿مَنْ تَصَدَّقَ
بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللهِ إِلاَّ الطَّيِّبُ،
فَإِنَّ اللهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهَا كمَا يُرَبِّي
أَحَدُكُمْ فَلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الْجَبَلِ﴾([4])
، والفَلُوُّ يعني المُهْرُ.
ثانيًا: أهمية تزكية النفوس وفضلها:
تزكية
النفس شاملة لأمرين:
أ – تطهيرها من الأدران
والأوساخ، قال في الظلال: التزكي التطهر من كل رجس ودنس.
ب – تنميتها بزيادتها
بالأوصاف الحميدة.
وعلى هذا المعنى
جاءت الآيات القرآنية بالأمر بتزكية النفس وتهذيبها، قال الله تعالى: "قد أفلح
من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)" الأعلى
من
صفات الأنبياء: قال تعالى: (قَالَ إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلَامًا
زَكِيًّا (19)) مريم قال الرازي: الزَّكِيُّ يُفِيدُ أُمُورًا
ثَلَاثَةً: الْأَوَّلُ: أَنَّهُ الطَّاهِرُ مِنَ الذُّنُوبِ. وَالثَّانِي: أَنَّهُ
يَنْمُو عَلَى التَّزْكِيَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ فِيمَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ زَكِيٌّ، وَفِي
الزَّرْعِ النَّامِي زَكِيٌّ. وَالثَّالِثُ: النَّزَاهَةُ وَالطَّهَارَةُ فِيمَا يَجِبُ
أَنْ يَكُونَ عَلَيْهِ
قال تعالى: (وَحَنَانًا
مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا) مريم فَالزَّكَاةُ الطَّهَارَةُ
مِنَ الدَّنَسِ وَالْآثَامِ وَالذُّنُوبِ، وَقَالَ قَتَادَةُ: الزَّكَاةُ الْعَمَلُ
الصالح، وقال الضحّاك: العمل الصالح الزكي، وقال ابْنِ عَبَّاسٍ {وَزَكَاةً} قَالَ:
بَرَكَةً {وَكَانَ تَقِيّاً} طاهراً فلم يذنب ([5])
من مهمات
الرسل دعوة الناس إلى تزكية نفوسهم: قال تعالى لموسى
عليه السلام في خطابه لفرعون:﴿ فَقُلْ هَل لَّكَ إِلَى أَن تَزَكَّى﴾[النازعات:18].
وقال تعالى على لسان
سيّدنا إبراهيم:﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ
آَيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ
الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾[سورة البقرة: 129]
وقال تعالى:﴿
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ
يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ
وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾[سورة آل عمران: 164]
وقال تعالى: ﴿هُوَ
الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ
وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ
لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [ سورة الجمعة : 2]
أقسم الله
في كتابه أحد عشر قسماً على فلاح من زكى نفسه وعلى خسران من أهمل
ذلك، قال تعالى: ( وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا .... وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (7)
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا
(9) ) الشمس. وقال تعالى: (قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى)
الأعلى
يقول ابن كثير رحمه
الله: يحتمل أن يكون المعنى: قد أفلح من زكى نفسه أي بطاعة الله كما قال قتادة، وطهرها
من الرذائل والأخلاق الدنيئة ([6])
التزكية
طريق الجنة: قال الله تعالى: (وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ
عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ
الْجَنَّةَ هِيَ
الْمَأْوَى (41)) النازعات. فهي إذن شرط لدخول الجنة.
سببُ الفوزِ
بالدرجات العُلي: قال الله تعالى: (وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ
فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى (75) جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي
مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى ) طه
قال ابنُ كثير( أي
طهرَّ نفسه من الدنسِ والخبَثِ والشركِ، وعبدَ اللهَ وحده لا شريك له )
الله
أعلم بمن اتقى: تزكية النفس أمر خطير، وهو من مداخل الشيطان، وقد نهى الشارع الحكيم عنه،
والله سبحانه وتعالى أعلم بنفوسنا، فقد قال الله تعالى: ﴿ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ
هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾ النجم، قال القرطبي: أي لا تمدحوها ولا
تثنوا عليها، فإنه أبعد من الرياء وأقرب إلى الخشوع، هو أعلم بمن اتقى، أي أخلص العمل
واتقى عقوبة الله.
الله
يزكي من يشاء: قال الله تعالى: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُّونَ أَنْفُسَهُمْ
بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَلا يُظْلَمُونَ فَتِيلاً ﴾ النساء،
أي هو العالم بمن يستحق التزكية من عباده، ومن لا يستحقها فليدع العباد تزكية أنفسهم
ويفوضوا أمر ذلك إلى الله سبحانه، فإن تزكيتهم لأنفسهم مجرد دعاوى فاسدة تحمل عليها
محبة النفس، وطلب العلو، والترفع، والتفاخر ([7])
دخول
الجنة: قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُوْلَئِكَ
لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَى جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ
فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء مَن تَزَكَّى﴾ [طه: 75 ـ 76].
الطهارة: قال تعالى: (قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى
لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) ) النور أَيْ
أَطْهَرُ لِقُلُوبِهِمْ وَأَنْقَى لِدِينِهِمْ
ثمرتها تعود على صاحبها: فهو الذي يجني ثمرتها
في الدنيا والآخرة مصداقا لقوله تعالى: (وَمَنْ تَزَكَّى فَإِنَّما يَتَزَكَّى لِنَفْسِهِ
وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ) فاطر
تزكية القلب: أما زكاة القلب فإنها
تحصل بأمور منها: الصدقة، فإنها لما كانت تطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار صار القلب
يزكو بها، وزكاته معنى زائد على طهارته من الذنب، وكذلك ترك الفواحش يزكو بها القلب،
إذ هي بمنزلة الأخلاط الرديئة في البدن، فإذا تاب الإنسان من الذنوب تخلصت قوة القلب
وإرادته للأعمال الصالحة، واستراح القلب من تلك الحوادث الفاسدة التي كانت فيه، وهكذا
فإن التزكية وإن كان أصلها النماء والبركة وزيادة الخير فإنما تحصل أيضا بإزالة الشر،
فلهذا صار التزكي يجمع هذا وهذا ([8])
ثالثًا: وسائل تزكية النفوس
تتحقق بأمور كثيرة،
ومن أهمها ما يلي:
التوحيد: وقد سماه الله تعالى
زكاة في قوله: ﴿وَوَيْلٌ لِّلْمُشْرِكِين الَّذِينَ لاَ يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم
بِالآخِرَةِ هُمْ كَافِرُون﴾ [فُصِّلَت: 6 ـ 7]، قال ابن عباس رضي الله
عنه: أي لا يشهدون أن لا إله إلا الله.
طهارة
القلب من كل ما يعبد من دون الله: قال تعالى:
" فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ
بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (البقرة،
آية: 256) ، وقال تعالى: "
وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَن يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ
لَهُمُ الْبُشْرَى فَبَشِّرْ عِبَادِ " (الزمر 17). وفي ذلك إشارة
إلى أن التطهير مقدم على التزكية وأن تخليص القلب من أدرانه ونجاسته المتمثلة
بالمعتقدات الباطلة وما يترتب عليها من محبة الطواغيت أو التعلق بهم واجب لحلول
الإيمان بالقلب.
الإخلاص
لله في العبادة: قال تعالى:
" إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاء وَلَا
شُكُورًا " (الإنسان، آية: 9)، وقال تعالى: " هُوَ الْحَيُّ
لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ " (غافر،
آية: 65).
وقال تعالى:
" أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ " (الزمر). فالإخلاص شرط في
صحة العبادة وأساس مهم من أسس الإيمان بدونه لا يدخل العبد في ولاية الله، ولا
يقبل منه عمل ولا يتحصل على ثمرات الإيمان وكراماته التي وعد بها عباده المؤمنين.
تقوى الله: قال تعالى: (يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]
قال السلف:
هي أن يُطاع فلا يُعصى وأن يُذكر فلا يُنسى وأن يُشكر فلا يُكفر ، ولا شك أن الإنسان
عرضة للخطأ وعرضة للمخالفات، ولذلك لما نزلت هذه الآية، شقت على المسلمين وقالوا أينا
يُطيق ذلك أيُنا يتق الله حق تقاته فلا يحصل منه خطأ ولا يحصل منه مخالفة ولا يحصل
منه غفلة فأنزل الله سبحانه وتعالى: (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16]،
ففسرت هذه الآية (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) [التغابن:16] قوله:
(حَقَّ تُقَاتِهِ) [آل عمران:102]، فمن اتقى الله حسب استطاعته فقد اتقى
الله حق تقاته: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا) [البقرة:286]،
(رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) [البقرة:286]،
قال الله جل وعلا قد فعلت، فمن اتقى الله على حسب استطاعته فقد اتقاه حق تقاته وهذا
تيسير من الله وتخفيف على عباده.
والتقوى هي ميزان التزكية والتفاضل
بين الخلق: قال تعالى:﴿ يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ
وَأُنْثى وَجَعَلْناكُمْ
شُعُوباً وَقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)﴾ الحجرات
وعَنْ أَبِي نَضْرَةَ:
" حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ خُطْبَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فِي وَسَطِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَقَالَ : ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَلَا إِنَّ رَبَّكُمْ
وَاحِدٌ وَإِنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ ، أَلَا لَا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلَى أَعْجَمِيٍّ
وَلَا لِعَجَمِيٍّ عَلَى عَرَبِيٍّ وَلَا لِأَحْمَرَ عَلَى أَسْوَدَ وَلَا أَسْوَدَ
عَلَى أَحْمَرَ إِلَّا بِالتَّقْوَى ، ألا هل بغت ؟ ) قَالُوا : بلى يا
رَسُولُ اللَّهِ
"([9]).
التوبة: هي أول مقامات منازل
العبودية عند السالكين، وبها يذوق الإنسان حلاوة الانتقال من التخلية إلى التحلية،
قال الله عز وجل منوها بشأنها: " وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ
لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " وقال سبحانه: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ
سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ..."
التحريم.
فكأنه لا فلاح
ولا نجاح ولا سعادة في الدنيا والآخرة بدون التوبة والرجوع إلى الله تعالى دائما
وفي كل وقت، كما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوب إلى الله ويستغفره اكثر من
سبعين مرة في اليوم والليلة.
فلتزكية النفس وتطهيرها لابد من التوبة فعَنْ أَنَسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَا ابْنَ
آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ
وَلَا أُبَالِي يَا ابنَ آدمَ إِنَّك لَوْ بَلَغَتْ ذُنُوبُكَ عَنَانَ السَّمَاءِ
ثُمَّ اسْتَغْفَرْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ وَلَا أُبَالِي يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ
لَوْ لَقِيتَنِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطَايَا ثُمَّ لَقِيتَنِي لَا تُشْرِكُ بِي
شَيْئًا لَأَتَيْتُكَ بِقُرَابِهَا مغْفرَة) ([10])
فَتُب لله حقاً ثُمَّ أقبِل
|
**
|
بُعيد التّوب والدّمع المسالِ
|
ستلقى الله توّاباً رحيماً
|
**
|
فَإِنَّمَا الرِّبحُ وَالخُسْرَانُ فِي العَمَلِ
|
فيا ربّي أنَبْتُ إليك طَوعاً
|
**
|
تقبّل تَوبتي وألطف بحالي
|
الصلاة: وهي من أعظم ما تزكو
به النفوس ولذلك قرن الله تعالى بينها وبين التزكية في قوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى
وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى﴾ [الأعلى: 14 ـ 15].
وقد شبه النبي صلى
الله عليه وسلم تطهير الصلاة للنفوس بتطهير الماء للأبدان فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ،
أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " أَرَأَيْتُمْ
لَوْ أَنَّ نَهَرًا بِبَابِ أَحَدِكُمْ يَغْتَسِلُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ خَمْسًا، مَا
تَقُولُ: ذَلِكَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ " قَالُوا: لاَ يُبْقِي مِنْ دَرَنِهِ
شَيْئًا، قَالَ: «فَذَلِكَ مِثْلُ الصَّلَوَاتِ
الخَمْسِ، يَمْحُو
اللَّهُ بِهِ الخَطَايَا» ([11])
.
الصوم
حافز للتقوى: لأنه يقي الإنسان من المعاصي، ومدرسة يتعلم فيها سمو الروح وصفاء النفس
ولذة المُناجاة لرب العالمين؛ قال الله - تعالى -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا
كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ
تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 183].
الصدقة: قال تعالى: (خُذْ
مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ
إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (103) ) التوبة
خذ -أيها النبي- من أموال هؤلاء التائبين الذين خلطوا عملا صالحا وآخر
سيئا صدقة تطهرهم مِن دنس ذنوبهم، وترفعهم عن منازل المنافقين إلى منازل المخلصين،
وادع لهم بالمغفرة لذنوبهم واستغفر لهم منها، إن دعاءك واستغفارك رحمة وطمأنينة لهم.
والله سميع لكل دعاء وقول، عليم بأحوال العباد ونياتهم، وسيجازي كلَّ عامل بعمله ([12])
.
الدعاء: عَنْ زَيْدِ بْنِ
أَرْقَمَ، قَالَ: لَا أَقُولُ لَكُمْ إِلَّا كَمَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كَانَ يَقُولُ: «اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ،
وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ، وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ، وَعَذَابِ، الْقَبْرِ اللهُمَّ
آتِ نَفْسِي تَقْوَاهَا، وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنْ زَكَّاهَا، أَنْتَ وَلِيُّهَا
وَمَوْلَاهَا، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لَا يَنْفَعُ، وَمِنْ قَلْبٍ
لَا يَخْشَعُ، وَمِنْ نَفْسٍ لَا تَشْبَعُ، وَمِنْ دَعْوَةٍ لَا يُسْتَجَابُ لَهَا»
([13])
(زكها) أي طهرها (خير) لفظة خير ليست للتفضيل
بل معناها لا مزكي لها إلا أنت كما قال أنت وليها (ومن نفس لا تشبع) معناه استعاذة
من الحرص والطمع والشره وتعلق النفس بالآمال البعيدة .
التحلي
بالصبر واليقين : فبالصبر ينتصر على شهوات نفسه فيحجزها عن المحرمات ويحبسها على الطاعات،
فجانبي التزكية : التخلي والتحلي لا يمكن الحصول عليهما إلا عن طريق الصبر، "إنما
يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب" "إن الله مع الصابرين" "والله
يحب الصابرين" "والصبر ضياء".
يقول
الحافظ أبو نعيم: لما توفي ذر بن عمر الهمداني، جاء أبوه فوجده قد مات، فوجد أهل بيته
يبكون، فقال: ما بكم؟ قالوا: مات ذر، فقال: الحمد لله، والله ما ظُلمنا ولا قُهرنا
ولا ذُهب لنا بحق، وما أُريد غيرنا بما حصل لـذر، ومالنا على الله من مأثم.
ثم غسَّله
وكفَّنه، وذهب ليصلي مع المصلين، ثم ذهب به إلى المقبرة، ولما وضعه في القبر قال:
رحمك
الله يا بني، قد كنت بي باراً، وكنت لك راحماً، ومالي إليك من وحشة ولا إلى أحد بعد
الله فاقة، والله يا ذر! ما ذهبت لنا بعز، وما أبقيت علينا من ذل، ولقد شغلني -والله-الحزن
لك عن الحزن عليك، يا ذر! لولا هول يوم المحشر لتمنيت أني صِرْت إلى ما إليه صرت، يا
ليت شعري! ماذا قيل لك وبماذا أجبت؟
ثم يرفع يديه باكياً:
اللهم إنك قد وعدتني الثواب إن صبرت، اللهم ما وهبته لي من أجر فاجعله لـذر صلة مني،
وتجاوز عنه، فأنت أرحم به مني، اللهم إني قد وهبت لـذر إساءته فهب له إساءته فأنت أجود
مني وأكرم، ثم انصرف ودموعه تقطر على لحيته، وليس الذي يجري من العين ماؤها ولكنها
روح تسيل فتقطر، انصرف وهو يقول: يا ذر! قد انصرفنا وتركناك، ولو أقمنا ما نفعناك،
وربنا قد استودعناك، والله يرحمنا وإياك.
وأما اليقين فإنه يقضي به على ثبات النفس التي يُوسوسها
بها الشيطان، ولذلك كان من حصل على هذين المقامين يعد من أئمة الهدى في هذا الدين،
قال سفيان: بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين، قال الله عز وجل: "وجعلناهم
أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون".
قراءة
القرآن: عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ
الأُتْرُجَّةِ، رِيحُهَا طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ، وَمَثَلُ المُؤْمِنِ الَّذِي
لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ التَّمْرَةِ، لاَ رِيحَ لَهَا وَطَعْمُهَا حُلْوٌ،
وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ مَثَلُ الرَّيْحَانَةِ، رِيحُهَا
طَيِّبٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ، وَمَثَلُ المُنَافِقِ الَّذِي لاَ يَقْرَأُ القُرْآنَ كَمَثَلِ
الحَنْظَلَةِ، لَيْسَ لَهَا رِيحٌ وَطَعْمُهَا مُرٌّ» ([14])
والأُتْرُجَّة: ثمرة طيِّبة
المذاق، طيِّبة الريح، ويبدو أنها غالية الثمن.
قال الحافظ ابن حجر في شَرْحه على صحيح البخاري: "قيلَ:
الحكمة في تخصيص الأُتْرُجَّة بالتمثيل دون غيرها من الفاكهة التي تجمعُ طيب الطعم
والريح كالتفاحة؛ لأنه يُتداوَى بقِشْرها وهو مُفْرِح بالخاصِّيَّة، ويُستخرَج من حَبِّها
دُهنٌ له منافع، وقيل: إنَّ الجنَّ لا تقْرَب البيت الذي فيه الأُتْرُج؛ فناسَبَ أن
يُمثِّل به القرآن الذي لا تقرَبه الشياطين، وغلاف حَبِّه أبيض، فيناسِب قلب المؤمن،
وفيها أيضًا من المزايا كِبر جِرْمها، وحُسن مَنظرها، وتفريح لونها، ولِين مَلْمَسها،
وفي أكلها مع الالتذاذ طيبُ نَكْهة، ودباغ مَعِدة، وجودة هَضْمٍ، ولها منافعُ أخرى
مذكورة في المفردات" ([15]) .
ونحن مقبلون على شهر الخير والرحمات فإلى متى تحرم نفسك
من قراءة كتاب ربك سبحانه
وتعالى؟
لزوم الاستغفار
والذكر عموماً: لقول الله عز وجل: " وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ
لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ (36) وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ
عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ (37)..." الزخرف
وقوله سبحانه: (وَالَّذِينَ
إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا
لِذُنُوبِهِمْ)..." آل عمران ، وقال تعالى: " وَمَنْ يَعْمَلْ
سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُورًا
رَحِيمًا (110) " النساء وقال تعالى: " وَالْمُسْتَغْفِرِينَ
بِالْأَسْحَارِ ) ( وَبِالْأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) ( فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا
رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا ) إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث
الإقلال
من النوم والأكل والكلام: فإن كثرة الكلام
بغير ذكر الله موجبة لقسوة القلب وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي، وكثرة الأكل
موجبة لقوة نوازع النفس الشهوانية لدى الإنسان، وتوسيع مجاري الشيطان فيه، وكثرة الأكل
موجبة لكثرة النوم وكثرة النوم موجبة للعجز والكسل فضلاً عن أنها مضيعة للعمر، وقد
قيل: من أكل كثيراً شرب كثيراً فنام كثيراً فخسر كثيرا.
الحرص على مجاهدة النفس في العبادة:
لابد أن
يجاهد المسلم نفسه من الشيطان والهوى والشهوات والشبهات، ويقبل بجد واجتهاد وإخلاص
وإتقان على الصوم والصلاة وقيام الليل والصدقة، وليعلم أن عزه وشرفه في تلك
المجاهدة.
فعن سهل بن سعد أن النبي r قال: " أتاني جبريل، فقال: يا محمد عش
ما شئت فإنك ميت وأحبب من شئت، فإنك مفارقه واعمل ما شئت فإنك مجزي به، واعلم أن
شرف المؤمن قيامه بالليل وعزه استغناؤه عن الناس "([16])
رمضانُ أقبل قم بنا يا صاح
|
**
|
هذا أوان تبتل وصـــلاح
|
واغنم ثواب صيامه وقيامه
|
**
|
تسعد بخير دائم وفلاح
|
مكانتك عند الله على قدر عملك: قال أهل العلم: إن أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك.
أي: إذا أردت أن تعرف مكانتك عند الله فانظر فيما أقامك، يعني: إن أقامك كل
يوم في الخمس الصلوات في المسجد فهذه نقطة جيدة، وإن أقامك لتخرج زكاة مالك وتفرج
الكرب عن المسلمين وتبتسم مع الناس وتلين لهم الكلام، وتقوم الليل ولو قليلاً
بقراءة القرآن فهذا جيد.
وقد أقامك الله فيما يريد وفيما يحب، فأنت مقامك عند الله كبير.
ولكن الذي يقوم يطبل وراء رقاصة فهذا قد أقامه الله في شر مقام، واحد ربنا
أقامه يخرج في حفلات ليلية، فأقامه في شر مقام.
اعلم
أن ما تقدمه ستجده: قال تعالى: :( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَراً
وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً)
[آل عمران:30].
اتهام
النفس: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: "إِنَّكُمْ لَتَعْمَلُونَ أَعْمَالًا
هِيَ أَدَقُّ فِي أَعْيُنِكُمْ مِنَ الشَّعْرِ، إِنْ كُنَّا لَنَعُدُّهَا عَلَى عَهْدِ
رَسُولِ اللهِ r مِنَ الْمُوبِقَاتِ"([17]).
و ((المُوبقاتُ)):
المُهلِكَاتُ. ولاحظ انه يقول ذلك هذا لخير القرون، فماذا يقال فينا؟
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ مَسْعُودٍ قال: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ
جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ عَلَيْهِ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ
وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ: بِهِ هَكَذَا، فَطَارَ"([18]).
فإنَّ الْمُؤْمِنَ
يَغْلِبُ عَلَيْهِ الْخَوْفُ لِقُوَّةِ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْإِيمَانِ، فَلَا يَأْمَنُ
الْعُقُوبَةَ بِسَبَبِهَا، وَهَذَا شَأْنُ الْمُؤْمِنِ أَنَّهُ دَائِمُ الْخَوْفِ وَالْمُرَاقَبَةِ
يَسْتَصْغِرُ عَمَلَهُ الصَّالِحَ وَيَخْشَى مِنْ صَغِيرِ عَمَلِهِ السَّيِّئِ
ترك المعاصي
والمحرمات: قال تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا﴾ أي: زكى نفسه بفعل الطاعات،
ثم قال: ﴿وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا﴾ أي: خسر من دساها بالفجور والمعاصي.
قال شيخ الإسلام:
«فكذلك النفس والأعمال لا تزكو حتى يزال عنها ما يناقضها، ولا يكون الرجل متزكيا إلا
مع ترك الشر، فإنه يدنس النفس ويدسيها»
وقال تلميذه ابن
القيم: «والمقصود أن زكاة القلب موقوفة على طهارته، كما أن زكاة البدن موقوفة على استفراغه
من أخلاطه الرديئة الفاسدة، قال تعالى: ﴿وَلَوْلاَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ
مَا زَكَا مِنكُم مِّنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَن يَشَاء وَاللَّهُ
سَمِيعٌ عَلِيم﴾ [النور:21]، ذكر ذلك سبحانه عقيب تحريم الزنا والقذف ونكاح
الزانية، فدل على أن التزكي هو باجتناب ذلك»
واحذر من كثرة
المعاصي فلا ندري هل سيدركنا الوقت للتوبة أم يختم لن بخاتمة سيئة كمثل هذا الشاب
الذي كان صادّاً نادّاً عن الله جل وعلا، وحلَّت به سكرات الموت التي لابد أن تحل بي
وبك، لا أدري أقريب أم بعيد؟ ونسأل الله أن يحسن لنا ولكم الختام، جاء جلاسه وقالوا:
قل: لا إله إلا الله، فيتكلم بكل كلمة ولا يقول لا إله إلا الله، ثم يقول في الأخير:
أعطوني مصحفاً، ففرحوا واستبشروا وقالوا: لعله يقرأ آية من كتاب الله، فَيُختم له بها،
فأخذ المصحف ورفعه بيده، وقال: أشهدكم أني قد كفرت برب هذا المصحف، ثم يلقى الله على
ذلك، نسأل الله أن يحسن لنا ولكم الختام: (وَيُضِلُّ اللهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ
اللهُ مَا يَشَاءُ) [إبراهيم:27].
محاسبة
النفس: قال ابن القيم: «فإن زكاة (النفس) وطهارتها موقوف على محاسبتها، فلا تزكو
ولا تطهر ولا تصلح ألبتة إلا بمحاسبتها...» إلى أن قال: فبمحاسبتها يطلع على عيوبها
ونقائصها فيمكنه السعي في إصلاحها» ([19])
وقد دل على وجوب
محاسبة النفس قول الله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ
وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ) الحشر ، وقال الحسن البصري:
"إن العبد لا يزال بخير ما كان له واعظ من نفسه وكانت المحاسبة من همته"
وقال الحسن:
"المؤمن قوام على نفسه، يحاسب نفسه لله، وإنما خف الحساب يوم القيامة على قوم
حاسبوا أنفسهم في الدنيا، وإنما شق الحساب يوم القيامة على قوم أخذوا هذا الأمر من
غير محاسبة...
تجنب إيذاء
المسلمين وتتبع عوراتهم وتجنب الغيبة والنميمة وما شابهها من الأخلاق الذميمة: فعَن ابنِ عمَرَ قَالَ: صَعِدَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمِنْبَرَ فَنَادَى بِصَوْتٍ رَفِيعٍ
فَقَالَ: «يَا مَعْشَرَ مَنْ أَسْلَمَ بِلِسَانِهِ وَلَمْ يُفْضِ الْإِيمَانُ
إِلَى قَلْبِهِ لَا تُؤْذُوا الْمُسْلِمِينَ وَلَا تُعَيِّرُوهُمْ وَلَا
تَتَّبِعُوا عَوْرَاتِهِمْ فَإِنَّهُ مَنْ يَتَّبِعْ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ
يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ وَمَنْ يَتَّبِعِ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَفْضَحْهُ
وَلَوْ فِي جَوْفِ رَحْلِهِ» ([20])
وليعلم بأنه مسئول عن كل شيء يوم
القيامة: قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ
وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36))
الإسراء
لاتكن ممن لا يزكيهم الله: قال تعالى: (إِنَّ
الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا
قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ
اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (174)
) البقرة، {وَلَا يُزَكِّيهِمْ} أَيْ لا يُثْنِي عَلَيْهِمْ وَيَمْدَحُهُمْ
بَلْ يُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ وَلَا يَنْظُرُ
إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: شَيْخٌ زَانٍ، وملك كذاب،
وعائل مستكبر" ([21])
(وعائل) هو الفقير] .
إحذر من فوات رمضان ولم يغفر الله لك
فيه: عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ رَقَى الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا رَقَى الدَّرَجَةَ الْأُولَى قَالَ: (آمِينَ".
ثُمَّ رَقَى الثَّانِيَةَ، فَقَالَ: "آمِينَ".. ثُمَّ رَقَى الثَّالِثَةَ:
فَقَالَ: "آمِينَ". فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! سَمِعْنَاكَ تَقُولُ:
"آمِينَ" ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؟ قَالَ: "لَمَّا رَقِيتُ الدَّرَجَةَ الْأُولَى
جَاءَنِي جِبْرِيلُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ
رَمَضَانَ فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ. فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قَالَ:
شَقِيَ عَبْدٌ أَدْرَكَ وَالِدَيْهِ أَوْ أَحَدَهُمَا فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ.
فَقُلْتُ: آمِينَ. ثُمَّ قال: شقي عبد ذكرتَ عنه وَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ. فَقُلْتُ:
آمِينَ) ([22])
أيها المسلمون: إذا كنا مقبلين
على هذا الشهر الكريم شهر رمضان، فلابد من استثماره بكثرة الطاعات بأنواعها،
وإلزام النفس وإجبارها على طاعة الله حتى تنقاد النفس لك، فيكون الخير والنعيم في
الدنيا والآخرة.
وإياك والمعاصي والشهوات وفعل المنكرات، ومعصية رب الأرض السماوات،
وحرمان لذة الطاعة فذلك هو الخسران المبين، فإن قدمت خيرا ستجده عند الله، وإن
قدمت شرا ستجده، وكل عمل سيسجل لك أو عليك، فانظر ما تريد لنفسك؟
قدم لنفسك خيرا
*** وأنت مالك مالك
من قبل تصبح فردا
*** ولون حالك حالك
فلست والله تدري
*** أي المسالك سالك
إما في جنة عدن
*** أو في المهالك هالك
نسأل الله تعالى
أن يرزقنا الأعمال الصالحة في الدنيا والآخرة
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد:
الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
نسألكم الدعاء