لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى من ضوابط الاقتصاد الإسلامي للشيخ/ عبد الناصر بليح
الحمد لله رب العالمين 00 يارب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطان ولك الحمد حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه ..وأشهد أن لاإله إلا الله وحده لا شريك له في سلطانه ولي الصالحين.. وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله القائل:" لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى اللهَ ، وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى اللهَ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى ، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النِّعَمِ"(أحمد). "اللهم صلاة ولاماً عليك ياسيدي يارسول الله وبعد فياجماعة الإسلام :
يقول المولي عزوجل:"وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَافَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواإِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ"(هود/ 61).
إخوة الإسلام :" إن ديننا الإسلامي دين دنيا ودين , دنياوأخرة فلم يترك الإنسان لدنياه تأخذه من أخرته ولم يتركه لأخرته تحرمه من دنياه بل القاعدة العامة في الإسلام:"اعمل لدنياك كأنك تعيش أبداً،واعمل لآخرتك كأنك تموت غداً"
قال ابن الأثير رحمه الله :" الظاهر من مَفْهُوم هذا القول : أمَّا في الدنيا فَلِلْحثِّ على عِمارتها ، وبقاء الناس فيها حتى يَسْكُن فيها ، ويَنْتَفع بها من يَجيء بعدك ، كما انْتَفَعْت أنت بعَمَل من كان قبلك ، وسَكَنْتَ فيما عَمَرَه ، فإنّ الإنسان إذا عَلم أنه يَطُول عُمْرُه أحْكَم ما يَعمَلُه ، وحَرصَ على ما يَكْسِبُه ، وأمّا في جانِب الآخرة فإنه حَثٌّ على إخلاص العمل ، وحُضُور النّيَّة والقَلْب في العباداتِ والطاعات ، والإكْثار منها ، فإِنّ من يَعْلم أنه يموت غَداً يُكْثر من عبَادَته ، ويُخْلِص في طاعتِه، كقوله في الحديث الآخر : ( صَلِّ صَلاَة مُوَدِّعٍ ) .
إخوة الإسلام :"ويرتكز الاقتصاد الإسلامي علي قاعدتين هامتين :"
أولاً:"المال مال الله:
عباد الله:" الإسلام يقرر حقيقةَ أن المُلكَ لله وليس لأحد ملك خارج عنه؛ إذ الأرضُ ومن فيها لله وحدَه؛ قال – تعالى:"وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا"(المائدة: 18)، وأن المال أيضًا ملك لله - سبحانه وتعالى:"وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ"(النور: 34)، غير أنَّ الله - تبارك وتعالى - قد جعل للإنسان ولايةً على ذلك المال وملكًا مجازيًّا له؛ قال – تعالى:"إنما أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ "(التغابن/16).، وجعله مستخلفًا فيه وقائمًا عليه؛ قال – تعالى:"وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ"(الحديد/8). ، غَيْرَ أنَّ هذه الملكية وهذا الاستخلاف من أجل أن يستعينَ العبد على طاعة الله والإنفاق فيها، فإنَّ هذه الدنيا وسيلة وليست غاية في تبلِّغه الآخرة. والإنسان مستخلَف فيه فلا يجوز أن يكتسب المال من معصية أو ينفقه في حرام، ولا فيما يضر الناس ..
مع الأخذ في الاعتبار أنه لا حرج على المسلم في أن يتنعم بالمباحات والطيبات ، إذا أدى شكرها ، ولم يسرف فيها ، فإن الله تعالى أباح الطيبات للمسلمين في حياتهم الدنيا ، ومن بها عليهم في دار القرار يوم القيامة ، قال تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ "(البقرة/ 172). وقال النبي صلى الله عليه وسلم:"لَا بَأْسَ بِالْغِنَى لِمَنْ اتَّقَى اللهَ ، وَالصِّحَّةُ لِمَنْ اتَّقَى اللهَ خَيْرٌ مِنَ الْغِنَى ، وَطِيبُ النَّفْسِ مِنَ النِّعَمِ"(أحمد).
والمحمود في الغنى : أن يؤدي الغني حق الله وحق الناس عليه ، ويتقي الله تعالى في ماله ، فلا يسرف فيه ولا يبذر ، ولكن ينفق بمقدار،ويكثر من النفقة في سبيل الله .
قال ابن تيمية:"وَقَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ أَيُّمَا أَفْضَلُ: الْفَقِيرُ الصَّابِرُ أَوْ الْغَنِيُّ الشَّاكِرُ؟ وَالصَّحِيحُ:أَنَّ أَفْضَلَهُمَاأَتْقَاهُمَا؛فَإِنْ اسْتَوَيَافِي التَّقْوَى،اسْتَوَيَا فِي الدَّرَجَةِ ".(مجموع الفتاوى21) .
والقول بأنه كلما زاد نعيم الدنيا قل نعيم الآخرة قول غير صحيح ، فنعيم الآخرة يزداد بالتقوى والعمل الصالح ، قل المال أو كثر ، وكم من المتقين الأبرار من كان في حياته الدنيا موسرا ، ولكنه كان يؤدى حق الله تعالى وحق الناس في ماله .
وعن حذيفة قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"تَلَقَّتِ الْمَلَائِكَةُ رُوحَ رَجُلٍ مِمَّنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ،فَقَالُوا:"أَعَمِلْتَ مِنَ الْخَيْرِ شَيْئًا؟ قَالَ:"لَا،قَالُوا: تَذَكَّرْ، قَالَ: كُنْتُ أُدَايِنُ النَّاسَ،فَآمُرُ فِتْيَانِي أَنْ يُنْظِرُوا الْمُعْسِرَ، وَيَتَجَوَّزُوا عَنِ الْمُوسِرِ، قَالَ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: تَجَوَّزُوا عَنْهُ"(البخاري).
كذلك راعَى الإسلامُ في نظامه الاقتصادي الأخلاقَ الفاضلة، فقد حرَّم كسْب المال من السرقة والغصب، وحرَّم إنماءه من الغشِّ والغَرَر بالناس، وحرم صرفَه في الفواحش والمنكرات؛ بل حث على كسبه من الحلال، وتنميته بالحلال، وإنفاقه فيما يُرضي الله عَزَّ وجل. ومسألة الأخلاق منها ما تركه الإسلام للأفراد؛ مثل مراعاة الأمانة والصدق، ومنها ما للدولة، فتدخل الدولة لتقويم نشاط الفرد الاقتصادي، كما إذا تاجر بالخُمُور.
القواعد الاقتصادية:"
أيها الناس :" لما بين الإسلام للناس أن المال لله عزوجل وهذا هو الأصل وأنه عليه خليفة ولكن الخليفة لابد ان يلتزم بعدة قواعد منها:"
المشاركة في المخاطر: وهي أساس الاقتصاد الإسلامي وعماده، وهي الصفة المميزة له عن غيره من النظم. فالمشاركة في الربح والخسارة، هي قاعدة توزيع الثروة بين رأس المال والعمل، وهي الأساس الذي يحقق العدالة في التوزيع.
موارد الدولة: لا ينفرد هذا النظام عن غيره في هذا الباب إلا في وجود الزكاة كمورد ينفرد به الاقتصاد الإسلامي. وهي أشبه شيء بالضرائب. لكنها تعطى للفقراء وهي جزء صغير من أموال الأغنياء،بالإضافة إلى الجزية وهي تؤخذ من غيرالمسلمين ولاتؤخذ منهم زكاة وهي مقابل أن تحميهم الدولة وتوضع في أموال الدولة..
الملكية الخاصة: يحمي النظام الإسلامي الملكية الخاصة، فمن حق الأفراد تملك الأرض والعقار ووسائل الإنتاج المختلفة مهما كان نوعها وحجمها. هذا هو مبدأ الإسلام: لا ظلمَ، فمن تعب في تحصيل المال فمن حقِّه أن يتملكه، وقال صلى الله عليه وسلم:"لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه"( الدارقطني في سننه). فكل المال فيه حق الملكية للأفراد، ولكن أيضًا لم تجعل الشريعة هذا الحقَّ مطلقًا؛ بحيث يُحدِث ضررًا في المجتمع المسلم، فلا يجوز تملك المحرَّمات؛ مثل الخمر وأدوات المعازف وبشرط أن لا يؤدي هذا التملك إلى الإضرار بمصالح عامة الناس، وأن لا يكون في الأمر احتكاراً لسلعة يحتاجها العامة. وهو بذلك يخالف النظام الشيوعي الذي يعتبر أن كل شيء مملوك للشعب على المشاع.
الملكية العامة: تظل المرافق المهمة لحياة الناس في ملكية الدولة أو تحت إشرافها وسيطرتها من أجل توفير الحاجات الأساسية لحياة الناس ومصالح المجتمع. وهو يخالف في ذلك النظام الرأسمالي الذي يبيح تملك كل شيء وأي شيء.
نظام المواريث في الإسلام، يعمل نظام المواريث على تفتيت الثروات وعدم تكدسها. حيث تقسم الثروات بوفاة صاحبها على ورثته حسب الأنصبة المذكورة في الشريعة.
الصدقات والأوقاف: وتعد الصدقات والأوقاف من خصائص الاقتصاد الإسلامي التي تعمل على تحقيق التكافل الاجتماعي، وتغطية حاجات الفقراء في ظل هذا النظام. فقد اهتم النظامُ الاقتصادي في الإسلام بسَدُّ حاجات الأفراد، فالأصلُ أنَّ كل فرد مسؤول عن سد حاجاته، ولكن قد يَعجِز الفرد عن ذلك لظروف معينة؛ مثل: العجز، والمرض، أو الشيخوخة، فقد فرض الإسلام على أسرته وأقاربه سدَّ حاجاته، فإن لم يستطيعوا كانت الزكاة التي هي من حقه في هذه الحالة، فإن لم تكفِ الزَّكاة لسد حاجات المحتاجين، يتدخل بيت مال المسلمين، وله موارد أوسع من موارد الزَّكاة، فإن لم يكفِ توجَّهت الدولة للأغنياء بفرض الضَّرائب العادلة، وقد قرر ذلك علماء الإسلام؛ قال ابن حزم: "وفرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويُجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقُمِ الزكاة بهم، فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لا بُدَّ منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يكنُّهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة"؛ اهـ.
تغليب المنفعة العامة على المنفعة الخاصة عند التضارب
مراقبةالسوق ولكن دون التدخل في تحديد السعرعن طريق بما يسمى المحتسب.إلا إذا تفاحش الغلاء بسبب الطمع والجشع من التجارفيسعر لهم..
الشفافية - حض الإسلام على الشفافية من خلال منع رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم- التجار من تلقي القوافل القادمة (منع تلقي الركبان).
تمييز ما يقع ضمن الممتلكات العامة أو الفردية وليس معناه التفرقة بين الممتلكات العامة والخاصة ولكن التمييز يعنى تبعا للقاعدة الفقهية دفع الضرر العام بالضرر الخاص.
ثانياً:"المال وسيلة وليس غاية:"
عباد الله :" الأمر الثاني الذي يتعلق بالمال الذي هو قوام وعصب الاقتصاد أنه أداة لقياس القيمة ووسيلة للتبادل التجاري، وليس سلعة من السلع. فلا يجوز بيعه وشراؤه "ربا الفضل" ولا تأجيره "ربا النسيئة".ولايجوز الطمع والجشع في اكتسابه ولا النهم في جمعه:"لابأس بالغني لمن اتقي" وعَنْ عبْدِاللَّه بنِ الشِّخّير أَنَّهُ قَالَ: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صلي الله عليه وسلم وهُوَ يَقْرَأُ: أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ [التكاثر:1] قَالَ: يَقُولُ ابنُ آدَم: مَالي! مَالي! وَهَل لَكَ يَا ابْنَ آدمَ مِنْ مالِكَ إِلَّا مَا أَكَلْتَ فَأَفْنَيْتَ، أَو لَبِسْتَ فَأَبْلَيْتَ، أَوْ تَصَدَّقْتَ فَأَمْضَيْتَ؟( مسلم). وفي عهد عمر بن عبد العزيز نرى رأس الدولة سيد زهاد عصره، فبالتالي صارت العلامة المميزة لأكبر الناس مكانة ليست المال ولا الجاه، بل الزهد والطاعة.
تحريم الاحتكار:وهو محرم لما فيه من الإضرار بمصالح العامة والاستغلال لحاجاتهم. وما يتسبب فيه من قهر للمحتاج، وربح فاحش للمحتكر.
تحريم الاتجار في القروض: القروض هي إحدى صور المال. فلا يجوز الاتجار به، إذ أن المال لا يباع ولا يشترى.
تحريم بيع ما لا يمتلكه الفرد - وذلك لمنع المخاطرة أو المقامرة.
تحريم بيع الغرر، وبيع الغرر هو بيع غير المعلوم، مثل بيع السمك في الماء، أو أنواع المقامرة التي نراها منتشرة في مسابقات الفضائيات وشركات الهواتف، اتصل على رقم كذا لتربح أو أرسل رسالة لتربح. وهي كلها من صور المقامرة التي حرمها الله عز وجل.
تحريم الاتجار في المحرمات، فلا يجوز التربح من ماحرّم الله عز وجل، من التجارة في الخمور أو المخدرات أو الدعارة أو المواد الإباحية المختلفة، وغيرها من المحرمات، لأنها لا تعتبر مالاً متقوماً في الإسلام.
تحريم بيع العينة، وهو شكل من أشكال التحايل على الربا، حيث يقوم الفرد بشراء شيء ما من شخص على أن يتم السداد بعد مدة، ثم يقوم ببيعها مرة أخرى إلى صاحبها بسعر أقل من الذي اشتراه به فيقبض الثمن، ثم يعود بعد المدة المتفق عليها ويقوم بدفع المبلغ الذي يكون أكثر من المبلغ الذي قبضه، فيكون هذا ظاهره بيع وباطنه ربا، فحرمه الإسلام جمهوراً، قال رَسُولَ الإسلام صلى الله عليه وآله وسلم: " اِذَا تَبَايَعْتُمْ بِالْعِينَةِ وَاَخَذْتُمْ اَذْنَابَ الْبَقَرِ وَرَضِيتُمْ بِالزَّرْعِ وَتَرَكْتُمُ الْجِهَادَ سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ ذُلاً لاَ يَنْزِعُهُ حَتَّى تَرْجِعُوا اِلَى دِينِكُمْ "
خصائص الاقتصاد الإسلامي
عباد الله :"بعدأن بينا ركائز الاقتصاد الإسلامي لابد لنا أن نبين أن الاقتصاد الاسلامي يقوم علي عدة عوامل ترتبط بعضها ببعض منها التجارة والصناعة والزراعة والقوي العاملة ..الخ.
التجارة:
من أهم خصائص الاقتصاد الإسلامي ويمكن تصنيفها كما يلي:
يقدم الإسلام نظرة واضحة لموضوع الشروط والقواعد في كل الحياة ومن ضمنها التجارة، فقد حدد الإسلام ثلاث شروط لمن يود البيع أو الشراء ومنها:
نظرة الإسلام للسوق:"
أيها الناس :" يؤمن الاقتصاد الإسلامي بالسوق ودوره في الاقتصاد حيث أن ثاني مؤسسة قامت بعد المسجد في المدينة المنورة هي السوق ولم ينه النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة عن التجارة لا بل أن العديد من الصحابة كانوا من الأغنياء مثل أبو بكرالصديق،وعثمان بن عفان،وعبد الرحمن بن عوف،وغيرهم.
الأدوات الاستثمارية في النظام الإسلامي:"
المضاربة:وهي أن يدفع صاحب المال مالاً لصاحب العمل،أوالمؤسسة الاستثمارية من أجل استثماره له، على أن يتم توزيع الأرباح على أساس نسبة محددة من الربح،وليس من أصل المال،وهذا يحقق قدرا أكبرمن العدالةفي التوزيع عما يحقق النظام الربوي. ولا يتم توزيع الربح إلا بعد استعادة أصل رأس المال.
المرابحة: وهي أقرب شيء للتجارة العادية، أن يقوم صاحب المال بشراء سلعة من أجل بيعها بسعر أعلى. سواء كان هذا البيع الأخير آجلا أو تقسيطاً أو نقداً.
المشاركة:ففيها يكون الأطراف مشاركون بالمال والجهد،أوبأحدهما، وتكون ملكيةالنشاط التجاري مشتركةبينهم.ويتشاركون في تحمل الربح والخسارة.
الإجارة: أن يشتري صاحب المال أو المستثمر عقاراً أو معدّات بغرض تأجيرها. ويكون هذا الإيجار، بعد مصروفات الصيانة، هو ربح النشاط التجاري.
السَـلَم: وهي الصورة العكسية للبيع الآجل، ففيها يتم دفع المال مقابل سلعة آجلة. على أن تكون السلعة محددة وموصوفة وصفا يرفع الخلاف.
الزراعة:"
أهمية الزراعة في تحسين الاقتصاد ونظرة الإسلام إليها:
تعدُّ الزراعة من المهن اللاَّزمة لحياة البشرية، والتي لا تحيا بدونها، وقد ورد في القرآن الكريم بعضُ الآيات التي تلفت انتباه الناس إلى ذلك؛ منها قوله تعالى:"وَآيَةٌ لَّهُمُ الأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ وَجَعَلْنَا فِيهَا جَنَّاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ وَفَجَّرْنَا فِيهَا مِنَ الْعُيُونِ ِيَأْكُلُوا مِن ثَمَرِهِ وَمَا عَمِلَتْهُ أَيْدِيهِمْ أَفَلاَ يَشْكُرُونَ"(يس/33)،
ثم جاءت أحاديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم وهي المبينة المفسرة لمراد القرآن؛ لتحث المسلمين على الزراعة وبيان مَنافعها،من ذلك قوله:"اطلبوا الرزق تحت خبايا الأرض"(أحمد). وبيَّن صلى الله عليه وسلم أنَّ الزارع لا يجني ثِمارَ عمله في الدُّنيا فقط، وإنَّما زراعته وسيلة تقربُ إلى الله، كما يتقرب الغني بماله، فقال:"ما من مسلم يزرع زرعًا أو يغرس غرسًا، فيأكل منه طيرأو إنسان أو بهيمة؛ إلاَّ كان له به صدقة"(البخاري). وحذر من التهاون في أمر الزراعة بقوله:"إنْ قامت السَّاعة وفي يد أحدكم فسيلة، فاستطاع ألا تقومَ حتَّى يغرسها، فليغرسها؛ فله بذلك أجر"(أحمد).وقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:"مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"(البخاري).
ومما يؤسف له أنْ يرى الشبابَ المسلمَ اليوم يتخلى يومًا بعد يوم عن الزراعة، ويلهثُ وراء الأعمال الأخرى، واقتناء التكاتك وغيرها التي لا تُجدي مع مُجتمعنا شيئًا، وصار الفرق شاسعًا بين ما كانت تنتجه مجتمعاتنا في القديم، وما تنتجه الآن، وصار جُلُّ أقوات المسلمين في أيدي غيرهم، ولم ينفع كثيرًا إنشاء المؤسسات الزراعية ولا البحوث التقنية.
فبعد أن كان للتطور الزراعي بالغ الأثر عند المسلمين الأوائل وأنتج المسلمون كل ما يحتاجونه حتَّى قال أحد من أرَّخوا للحضارة:"لم أسمع أنَّ المسلمين في شتى الأرجاء كانوا يستوردون سلعًا غذائيَّة من خارج أقطار الوطن الإسلامي"
نسمع اليوم أننا نستورد السلع الغذائية وأن القطن المصري الذي كان يضرب به المثل وتتسابق علي استيراده جميع الدول وكذا الملابس القطنية بمجرد أنها مكتوب عليها قطن مصري 100% وكان عامة الشعب ينتظر محصول القطن ليقيم مشروعاً أو يبني بيتاً أو يزوج ولده أو يكسوا أولاده ..تقهقرنا وتأخرنا بسبب إهمالنا لزراعتنا وعدم الاهتمام بالزراعة ..فمن المسؤل عن هذا الانحطاط؟ فمن لا يملك قوته، لا يمتلك قراره، ومن أكل من فأسه، سيكون بالتبعية قراره من رأسه!!!
الصناعة:"
لم تكن الصناعة مزدهرة في الجاهلية، بل كانت بسيطة، تُركت للعبيد وازدهر منها في اليمن صناعة الرماح والسيوف والمجانيق... ولما جاء الإسلام أولى قضية التصنيع أهمية واضحة، فأوجد ألوانًا من الصنائع ما كانت العرب تعرفها، وأمر بعمران هذه الأرض واستثمار خيراتها، قال جل وعلا في كتابه العزيز:"وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ" (الجاثية: 13).
ومن أهم الصناعات
الصناعة النسيجية والحياكة: قال الله تعالى:"َا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا"(الأعراف: 26).
الصناعة الغذائية:قال الله تعالى:"وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ"(الطور: 22).
الصناعة المدنية والعسكرية:قال الله تعالى:"وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ"(الحديد: 25). فقوله: "فيه بأس شديد"إشارة إلى الصناعات الحربية، وقوله:"ومنافع للناس"إشارة إلى الصناعات المدنية.
صناعة الصيد:قال الله تعالى:"أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ"(المائدة: 96).وقال سبحانه"(وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا"(المائدة: 2).
صناعة الغوص واستخراج اللؤلؤ والمرجان:قال الله تعالى:"وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ"(الأنبياء/82).وقال:"مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَ يَبْغِيَانِ فَبِأَيِّ آلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ"(الرحمن:19-22).
#الصناعات الدوائية:أشار القرآن الكريم إلى العسل كمادة علاجية يتحقق بها الشفاء، فقال:" ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ"(النحل/ 69).
وقد ترجمت السُّنَّة النبوية تلك الإشارات القرآنية إلى واقع عملي في حياة الناس، من خلال التوجيهات الواضحة التي دعت إلى تبني النشاط الصناعي كركيزة من مرتكزات الدولة الإسلامية، من ذلك:
#صناعة الطاقة:ازدهرت صناعة الطاقة على يد رسول الله صلي الله عليه وسلم فقد روى سعيد بن زبّان عن أبيه عن جدِّه عن أبي هند قال: حَمَل تميمٌ -يعني الدَّارِيّ- من الشام إلى المدينة قناديل وزيتًا ومُقُطًا، فلما انتهى إلى المدينة وافق ذلك ليلة الجمعة، فأمر غلامًا يقال له: أبو البزاد، فقام فنَشَط المُقُطَ (الحبال)، وعلَّق القناديل وصبَّ فيها الماء والزيت وجعل فيها الفتيل.. فلما غَرَبت الشمس أمر أبا البزاد فأسرجها، وخرج رسول الله إلى المسجد فإذا هو بها تزهو، فقال: "مَن فعل هذا؟" قالوا: تميم الداري يا رسول الله. فقال: "نوَّرت الإسلام، نوَّر الله عليك في الدنيا والآخرة، أمَا إنه لو كانت لي ابنة لزوَّجْتُكَها"! فكانت تلك مكافأة عظيمة لبطل من أبطال الإنتاج في دولة الإسلام، ما حظي بها أحد كما حظي بها تميم.
صناعة الاستثمار:كان صلي الله عليه وسلم يشجِّع على الاستثمار فيما ينفع، فيقول: "مَنْ سَبَقَ إِلَى مَاءٍ لَمْ يَسْبِقْهُ إِلَيْهِ مُسْلِمٌ فَهُوَ لَهُ"، فخرج الناس يَتَعَادَوْنَ يَتَخَاطُّونَ[أبوداود]. أي يتسابقون من أجل استثمار ما أذن به رسول الله .
صناعة الدواء:حض النبي صلي الله عليه وسلم على اكتشاف الأدوية التي يستعان بها في حفظ الصحة ودفع العلل والأمراض، فقال: "تَدَاوَوْا عِبَادَ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَضَعْ دَاءً إِلاَّ وَضَعَ مَعَهُ شِفَاءً إِلاَّ الْهَرَمَ"(ابن ماجه).وفي حديث آخر: "مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ دَوَاءً، عَلِمَهُ مَنْ عَلِمَهُ وَجَهِلَهُ مَنْ جَهِلَهُ"(أحمد). .
وكان رسول الله صلي اله عليه وسلم يكثر المشي في الأسواق متفقدًا الأحوال الصناعية والتجارية والزراعية للمسلمين، حتى نعى عليه المشركون ذلك، وأنكروه، قال الله تعالى: "وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلاَ أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا"(الفرقان: 7).
ونتيجة لهذه الاستراتيجية الصناعية في الإسلام برع في الصحابة صناع مهرة اشتهروا بالعديد من الصناعات، فكان خباب بن الأرتّ حدادًا يصنع السيوف، وكان سلمان الفارسي يعمل في صناعة نسيج السِّلال، وكان سعد بن أبي وقاص يبري النبل، وكان عثمان بن طلحة خياطًاً..وفي أيام عمر وعثمان -رضي الله عنهما- قام المسلمون بتوظيف الهواء في استثمار الطاقة، فصنعوا الرَّحَى الهوائية، وفي زمن سيدنا عثمان أمر ألا يبقى في قرى المسلمين قرية إلا صنع فيها هذه الرحى..فأين نحن من غلق المصانع والشركات من قبل الأنظمة السابقة؟!!!
العامل في الإسلام
أيها الناس :"وقد وضع النظام الإسلامي مبادئَ عامَّةً مبنيَّة على العقيدة الإسلامية، ومنها حرية الأفراد في اختيار العمل.فالعامل أساس الإصلاح الاقتصادي لذلك حَثَّ الإسلام على العمل، وجعله من القربات مع استحضار نِيَّة الكسب الحلال للتقوِّي على العبادة والنفقات الواجبة؛ قال - تعالى -:"فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ"(الجمعة/ )، وقال – تعالى:"هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ"(الملك/ 16). غَيْر أنَّه لم يُحدد لأحد عملاً معينًا، وترك حرية اختيار العمل لكل فرد، فقدراتُ الأفراد تختلف، ومواهبهم أيضًا، وتحديد عمل معين من قِبَل الدولة أو النظام يقتل المواهب، ويظلم البعض إذا تحملوا فوقَ قدرتهم أحيانًا. كما أنه لا يوجد عمل يحتقره الإسلام ما دام مشروعًا، فالعقيدة الإسلامية تحكم على الأفراد بالتَّقْوَى والصلاح لا بالوظيفة، والعمل وسيلة لتحصيل المال؛ للتقرُّب به إلى الله - سبحانه وتعالى. والتنافُس بين المسلمين مشروعٌ، وفيه مصلحة المجتمع ككل؛ قال - صلى الله عليه وسلم:"دَعُوا النَّاسَ يُرْزَقْ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ"(مسلم).، بيد أن هذا التنافس لا يكون بالغش والإضرار بالآخرين، ولكن بمضاعفة الجهد والجودة. وكان العدل ومراعاة الفطرة –
استعباد أرباب الأعمال وعدم الاهتمام بالعامل:
وعندما يكون العامل أجيراً يقف الإسلام بجانبه :" أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه"(أبن ماجه وصححه). وكما هو واضح فإن هذه الوصية والتوجيه النبوي يتعلق بتأخير حق الأجير، وأما عدم إعطاء الأجير أجره ومنعه منه بالكلية فذلك من كبائر الذنوب، وقد حذر الله تعالى من ذلك وجعل آكل حق الأجير خصما له يوم القيامة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حرا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرا فاستوفى منه ولم يعطه أجره"(البخاري).
وحينما ظهرت المدرسة التقليدية وانتشرت في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين، كان اهتمامها منصباً على الثروة وكيفية نموها، في حين لم تلق بالاً لصانع هذه الثروة، واستعبد أرباب الأموال أرباب الأعمال، وباتت المرأة فريسة للرأسمالية الصناعية واستغلالها، وكان ذلك مدعاة لظهور المدرسة الاشتراكية في منتصف القرن التاسع عشر التي كانت رد فعل للمدرسة التقليدية والنظام الاقتصادي الرأسمالي، تلك المدرسة التي طالبت بإرساء نظام الملكية الجماعية بدلاً من الملكية الخاصة، وحاربت الدين ووصفته بأفيون الشعوب، وكان من نتيجة ذلك أن انتكست الاشتراكية بمخالفتها للفطرة الإنسانية، ولم تعرف شعوبها سوى الاشتراكية ..
إخوة الإسلام :" إنه رغم ما وصلت له الحضارة الغربية من تقدم مادي، فإنها فشلت في بناء إنسان صالح سوي، فأخفقت في تحقيق الأمن النفسي والروحي جنباً إلى جنب مع الأمن المادي للإنسان، حيث نظرت النظريات الاقتصادية لتلك الحضارة إلى الإنسان على أنه كائن عضوي جل همه إشباع غرائزه وشهواته وحاجته المادية، دون أي اعتبارات أخلاقية أو روحية، وكان من نتيجة ذلك أن تفاقمت المشكلات سواء على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي من بطالة وتضخم وانحلال أسري وتفلت أخلاقي وشذوذ وذوبان للهوية.
وكل هذايبرزمدى حاجةالعالم ليستظل بظلال الحضارةالإسلاميةونظامها الاقتصاديالذي يراعي الفطرةالإنسانية،ويوازن بين الأمن الروحي والمادي،ويرسخ مفاهيم الأخلاق الفاضلة، وسد حاجات المجتمع، وتحقيق الحياة الطيبة لأفراده.
أيها الناس :" أقول ماسمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ..
الخطبة الثانية :"
الحمد لله والصلاة والسلام علي رسول الله أما بعد فياجماعة الإسلام ..
المنطلقات الاقتصادية للرسول صلي الله عليه وسلم:"
لقد جاء الرسول صلى الله عليه وسلم ليحمل للدنيا قيمة التكريم للإنسان بغض النظر عن جنسه ونوعه ولونه:"وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً"(الإسراء/70)، ولم يكن الاقتصاد يوماً من الأيام بعيداً عن منطلقاته، بل كان منبعاً رئيساً لتلك المنطلقات، فحينما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم من مكة إلى المدينة اتخذ بناء اقتصادياً حضارياً للأمة من خلال قرارته الثلاثة ممثلة في بناء المسجد الذي كان تعليم الاقتصاد جزءاً منه، وكذلك المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار التي كانت مؤاخاة اقتصادية امتدت إلى الميراث، فضلاً عن قرار إقامة سوق المدينة، فقد وجد النبي صلى الله عليه وسلم سوق المدينة في بني قينقاع -أحد أحياء اليهود- وكان هؤلاء اليهود أصحاب السيطرة والنفوذ لما عرف عنهم من الأثرة والظلم، وأكل المال بالباطل،وتعاطي الربا،والاحتكاروغيرذلك،فماكان منه إلاأن اختار موضعاًآخريناسب عمليات البيع والشراء،وإجراءالمبادلات والمعاملات بين الناس،وجعله فسيحاًمنظماً،وقال:"هَذَاسُوقُكُمْ فَلاَيُنْتَقَصَنَّ وَلايُضْرَبَنَّ عَلَيْهِ خَرَاجٌ"(ابن ماجه).
لقد أقام الرسول صلى الله عليه وسلم بناء حضارياً اقتصادياً لا يعرف للغش والغبن والاحتكار والربا وأكل المال بالباطل سبيلاً، بناءً حرص على جمع الزكاة لتحقيق التوازن الاجتماعي وإقطاع الأرض لمن يريد أن يحييها بالاستصلاح لتوسيع العمران، واحترام الملكية الفردية بصورة لا ضرر فيها ولا ضرار.
البعد الاقتصادي عند أبي بكر وعمر:
ولما جاء الخلفاء الراشدون من بعده، كان أهم ما تميز به عصر الصديق إبراز قيمة البعد الاقتصادي الحضاري في المحافظة على حقوق الفقراء والذود عنها بالسيف، ففي الوقت الذي كرست فيه النظم الوضعية الانحياز للأغنياء على حساب الفقراء حتى يومنا هذا، قال أبو بكر رضي الله عنه كلمته المشهورة: "والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال، والله لو منعوني عقالاً كانوا يؤدونه إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم علىه"
كما ضرب أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أروع الأمثلة في البناء الحضاري الاقتصادي، وفي مقدمة ذلك سياسته الاقتصادية التي اتسع مجال التكافل الاجتماعي فيها ليشمل المسلمين وغيرهم، فقد مرَّ عمر بن الخطاب بباب قوم، وعليه سائل، شيخ كبير ضرير البصر، فضرب عضده من خلفه، وقال: مِنْ أيّ أهل الكتاب أنت؟ فقال: يهودي، قال: فما ألجأك إلى ما أرى؟ قال: أسألُ الجزيةَ والحاجةَ والسنَّ، فأخذ عمر بيده وذهب به إلى منـزله فرضخ له بشيء من المنـزل، ثم أرسل إلى خازن بيت المال فقال: انظر هذا وضرباءَه، فواللهِ ما أنصفناه أنْ أكلْنا شبيبته ثم نخذلُه عند الهَرَمِ!
كما راعى أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه التوازن الاجتماعي في تقسيم الأرض التي افتتحت عنوة بين المسلمين حينما قال له معاذ رضي الله عنه: والله إذن ليكوننَّ ما تكره، إنك إن قسمتها صار الرَّيْع العظيم في أيدي القوم، ثم يبيدون فيصير ذلك إلى الرجل الواحد أو المرأة، ثم يأتي من بعدهم قومٌ يسدُّون من الإسلام مسداً، وهم لا يجدون شيئاً، فانظر أمراً يسع أوَّلهم وآخِرَهُمْ، فصار عمر إلى قول معاذ.
اهتمام الأمويين بتحسين الاقتصاد ومنها اهتمامهم بالزراعة يروي أن الحجاج بن يوسف الثقفي كتبَ إلى عبد الملك بن مروان ليستأذنه في أخذ الفضل من الفلاحين، فأجابه الخليفة: "لا تكن على درهمك المأخوذ أحرص منك على درهمك المتروك، وأبقِ لهم لحوماً يعقدون عليها شحوماً".
الاقتصاد عند عمربن عبدالعزيز
عصرالدولة القوية: لم تتحقق هذه القوة في عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- أو الخلفاء الراشدين مع إنهم أفضل من عمر بن عبد العزيز، والفارق أن النبي -صلى الله عليه وسلم- وخلفاؤه كانوا في مرحلة بناء الدولة وتثبيت أركانها بخلاف عمر بن عبد العزيز والذي ورث دولة قوية جدا ذات أساس متين وذات سيطرة على أكبر وأقوى دولة في العالم وقتها، وبالتالي عظم الواردات المالية من خراج وزكاة وجزية وأعشار وغنائم والتي تغطي أرضا تمتد من السند شرقا إلى الأندلس غربا.
رد المظالم: ففي عهود سابقيه من الأمويين كانت هناك الكثير من المظالم، وفي الغالب كانت معظمها إعطاء ما لمتوسط الحال إلى ميسور الحال أو ما لغني إلى من هو أكثر غنى، فتم رد المظالم، وبالتالي إعادة توزيع الثروة. والقضاء علي الفساد بكل صوره الإداري والمالي والأخلاقي..فكانت :"
القدوة: وهذه من أهمها فمن هو أقل مكانة يسعى للتشبه بمن هو أعلى مكانة، ولذلك لما جرت عادة الملوك على البذخ والإسراف نرى الأغنياء يسرفون وينفقون فيما لا فائدة منه، لكن كيف إذا انعكس الأمر!
ففي عهد عمر بن عبد العزيز نرى رأس الدولة سيد زهاد عصره، فبالتالي صارت العلامة المميزة لأكبر الناس مكانة ليست المال ولا الجاه، بل الزهد والطاعة، فصار الناس يتسابقون في الزهد والطاعة ومنها الإنفاق فأدى ذلك إلى ازدياد معدل دوران الأموال بين الناس، ولم يعد يُعرف الغنى من الفقير لأن الكل زاهد يرضى بالقليل.
أيها الناس:" ويقوم الاقتصاد علي الزراعة والصناعة والتجارة وقد اهتم الإسلام بكل هذه الأمور ولكن المجال لايتسع لذكر أكثر من هذا فعلي نفس المنهج سار الإسلام لرفع منزلة المسلم حتي لايمد يده ويتسول وقد حارب الإسلام البطالة والتسول بكل عزم وحزم.
وأقول ماسمعتم وأستغفر الله العظيم لي ولكم ..
ونسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.