أوفوا بالعهود ياعباد الله للشيخ أحمد أبو اسلام





عناصر الخطبة
1)أعظم وفاء هو الوفاء مع الله ونماذج
2)الوفاء مع الناس ونماذج 
3)الوفاء مع الوالدين
4)الوفاء بين الزوجين
5)الوفاء للعلماء الذين هم رثة الأنبياء
6)الوفاء من شيم الرجال (قصة )
الموضوع
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أما بعد:
فاتقوا الله - عباد الله - حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعُروة الوُثقى.
أيها المسلمون:
تكمُل النفس البشرية بعبوديتها لله وحسن معاملتها مع الخلق، وشرع الله لعباده الأخذ بمعالي الأمور والنهي عن سافلها، والوفاء من الأخلاق الكريمة ومن صفات النفوس الشريفة، وهو من أُسس بناء المجتمع واستقامة الحياة، وهو: الاعتراف بالفضل ورد الجميل لمن أسدَى إليك معروفًا أو مدَّ إليك يدًا.
أعظم وفاء هو الوفاء مع الله
________________
وأعظمُ عهدٍ يجب الوفاء به: الوفاء مع الله بأن يُعبَد وحده لا يُشرَك به شيئًا، كما قال - سبحانه -: وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ [البقرة: 40].  لهذا ورد في حديث عبد الله بن السائب -وإن كان الحديث في سنده ضعف لكن أهل العلم على العمل به كما حرره ابن قدامة في المغني وغيره- أن الإنسان إذا طاف بالبيت يقول: اللهم إيماناً بك وتصديقاً بكتابك ووفاء بعهدك.(المغنى لابن قدامة).
سيدنا اه ابراهيم ووفاؤه مع الله
________________
 فمن أدى الشرع على الوجه الأكمل والنحو الأتم كان قد عرف الوفاء مع ربه تبارك وتعالى الذي أوجده من العدم ورباه بالنعم وأكرمه بما أكرمه به، وتعبده بأن يعبده وحده دون سواه، قال الله جل وعلا مثنياً على خليله إبراهيم: {وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى} [النجم:37]، قال قبلها: {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ} [البقرة:124] أي: قام بهن على الوجه الأكمل والنحو الأتم لذالك لما كان سيدنا ابراهيم وفياً مع ربه الله عز وجل لم يتركه عندما ألقى في النار وهو القائل جل وعلا {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (40)} [البقرة]
فلَمَّا وُضِعَ الْخَلِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي كِفَّةِ الْمَنْجَنِيقِ مُقَيَّدًا مَكْتُوفًا ثُمَّ أَلْقَوْهُ مِنْهُ إِلَى النَّارِ قَالَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ كَمَا رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ حِينَ أُلْقِيَ فِي النَّارِ وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ حِينَ قِيلَ لَهُ (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً.
وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ.
فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ) [آل عِمْرَانَ: 173] الْآيَةَ.وقد وردعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " لَمَّا أُلْقِيَ إِبْرَاهِيمُ فِي النَّار قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ فِي السَّمَاءِ وَاحِدٌ وَأَنَا فِي الْأَرْضِ وَاحِدٌ أَعْبُدُكَ " 
وَذَكَرَ بَعْضُ السَّلَفِ أَنَّ جِبْرِيلَ عَرَضَ لَهُ فِي الْهَوَاءِ فَقَالَ أَلَكَ حَاجَةٌ فَقَالَ أَمَّا إِلَيْكَ فَلَا * وَيُرْوَى عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّهُ قَالَ جَعَلَ مَلَكُ الْمَطَرِ يَقُولُ مَتَى أُومَرُ فَأُرْسِلَ الْمَطَرَ فَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ أَسْرَعَ (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء: 69] قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ أَيْ لَا تَضُرِّيهِ وَقَالَ ابْنُ عبَّاس وَأَبُو الْعَالِيَةِ لَوْلَا أَنَّ اللَّهَ قَالَ وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ لَأَذَى إِبْرَاهِيمَ بَرْدُهَا * وَقَالَ كَعْبُ الْأَحْبَارِ لَمْ يَنْتَفِعْ أَهْلُ الْأَرْضِ يَوْمَئِذٍ بِنَارٍ وَلَمْ يُحْرَقْ مِنْهُ سِوَى وَثَاقِهِ * وَقَالَ الضَّحَّاكُ يُرْوَى أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ مَعَهُ يَمْسَحُ الْعَرَقَ عن وجهه لم يصبه منها شئ غَيْرُهُ * وَقَالَ السُّدِّيُّ كَانَ مَعَهُ أَيْضًا مَلَكُ الظل , كاد لسيدنا العالمون جميعاً، لكنه وفى العبودية حقها، ولم يلجأ إلا إلى رب العالمين تبارك وتعالى وهنا محل الوفاء.
سيدنا ابراهيم حقق معنى الوفاء والمحبة لله عز وجل ونصر الله فنصره الله (البداية والنهاية )
ويكون الوفاء بأن يمتلئ القلب محبة لله جل وعلا وإجلالاً وتعظيماً له وإذعاناً، {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة:165].
وانظروا إلى أناس ساروا على درب الأنبياء وعلى درب سيدنا الأنبياء وهم أصحاب سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الذين حققوا معنى الوفاء والمحبة لله عز وجل  فكافأهم الله عز وجل فكانوا من الفائزين .
سيدنا عمر بن الخطاب
______________
 فها هو سيد نا عمر بن الخطاب  - رضي الله عنه -، الذى أبلى في المشاهد بلاءً حسنًا، فقال عنه النبي - صلى الله عليه وسلم -: «عمر في الجنة»؛ (رواه أحمد).
سيدنا عثمان بن عفان رضى الله عنه
_____________________
ولما بذل عثمان - رضي الله عنه - لهذا الدين من ماله ما بذل، وجهَّز جيش العُسرة بألف دينارٍ ألقاها في حجر النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال له: «ما ضرَّ عثمان ما عمِل بعد اليوم»؛( رواه الترمذي).
سيدنا على بن أبي طالب رضي الله عنه
_______________________
وعليٌّ - رضي الله عنه - أول من أسلم من الصبيان، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - فيه يوم خيبر: «لأُعطينَّ الرايةَ غدًا رجلاً يحب اللهَ ورسولَه، ويحبُّه اللهُ ورسولُه». فأعطاها عليًّا؛ (رواه البخاري).
الوفاء مع الناس
____________
أوفى الناس الرسل عليهم الصلاة والسلام
_________________________
وفاء سيدنا موسى عليه السلام
___________________
الوفاء  من شِيَم الرجال، وأمارةٌ على سموِّ النفس وحُسن الخُلق، وأوفى الناس رسل الله وسيدنا موسى - عليه السلام - عرفَ حقَّ أخيه هارون فسأل ربَّه أن يجعله شريكًا معه في الرسالة، وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي (29) هَارُونَ أَخِي (30) اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي (31) وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي [طه: 29 - 32].
وفاء النبى صلى الله عليه وسلم
________
,ونبينا محمد صلى الله وعليه وسلم كان وفيًّا مع صحابته، أبو بكر – رضي الله عنه - أفضل الصحابة نصر النبي - صلى الله عليه وسلم - بماله ونفسه، وكان أكثر الصحابة صُحبة، فقال صلى الله عليه وسلم عن سيدنا أبي بكر : «لو كنتُ مُتَّخِذًا من أمتي خليلاً لاتَّخذتُ أبا بكرٍ خليلاً، ولكن أخي وصاحبي»؛ متفق عليه.
وصلَّى على قبر جاريةٍ سوداء كانت تقُمُّ المسجد.
ولما ناصرَ الأنصارُ المهاجرين دعا لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذراريهم، فقال: «اللهم اغفر للأنصار ولأبناء الأنصار ولأبناء أبناء الأنصار»؛ (رواه مسلم). ولم يُسدِ أحدٌ من الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم - معروفًا إلا ويُكافِئُه عليه، قال - عليه الصلاة والسلام -: «ما لأحدٍ عندنا يدٌ إلا وقد كافأناه ما خلا أبا بكرٍ فإن له عندنا يدًا يُكافِئُه الله بها يوم القيامة»؛ رواه الترمذي. وأمر - عليه الصلاة والسلام - بحفظ الوُدِّ لصحابته كلهم بعد مماته، فقال: «لا تسُبُّوا أصحابي؛ فوالذي نفسي بيده لو أنفق أحدكم مثلَ أُحُدٍ ذهبًا ما أدركَ مُدَّ أحدهم ولا نصيفَه»(رواه مسلم)؛ ووفاؤه امتدَّ إلى أمته وذلك في الموقف العظيم,فقال صلى الله عليه وسلم «لكل نبيٍّ دعوةٌ مُستجابة، فتعجَّل كلُّ نبيٍّ دعوتَه، وإني اختبأتُ دعوتي شفاعةً لأمتي يوم القيامة، فهي نائلةٌ - إن شاء الله - من مات من أمتي لا يُشرك بالله شيئًا»؛ رواه مسلم.
ومن وفائه صلى الله عليه وسلم صلَّى على شهداء أُحُدٍ بعد ثمان سنين من استشهادهم كالمُودِّع لهم؛( متفق عليه).

وعلى هذا الخُلق العظيم من الوفاء سار الصحابة
_____________________________
وعلى هذا الخُلق العظيم من الوفاء سار الصحابة - رضي الله عنهم -؛ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - لما قُبِض قال أبو بكر للصحابة: "من كان له عِدَةٌ عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أو دَينٌ فليأتِني"، قال جابرٌ: فأتيتُه فقلتُ: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لي: «لو قد جاء مالُ البحرَين أعطيتُك هكذا وهكذا وهكذا»، فلم يجِئ مالُ البحرَيْن حتى قُبِض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: فحثَا لي أبو بكر من مال البحرَيْن لما جاءه حثيةً فعدَدتُها، فإذا هي خمس مائة، فقال لي: "خُذ مثلَيْها"؛( متفق عليه).
وأنفذَ سيدنا أبو بكر - رضي الله عنه - جيشَ أسامة بن زيد - رضي الله عنه - على شدة حاجة أبي بكر للجيش بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقال: "لا أترك أمرًا رأيتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - يصنعه إلا صنعتُه". والصحابة - رضي الله عنهم - حفِظوا لأبي بكرٍ مكانته وسبقَه للإسلام، فاتفقوا على بيعته خليفةً لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وأبو بكر أدرك منزلة عمر التي أنزلها إياه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؛ حيث كان - عليه الصلاة والسلام - كثيرًا ما يقول: «جِئتُ أنا وأبو بكر وعمر، وخرجتُ أنا وأبو بكر وعمر»، فعهِدَ أبو بكرٍ بالخلافة من بعده لعُمر.
الوفاء مع الوالدين
___________
والوفاء يعظُم مع الوالدَيْن؛ فقد تعِبا لراحتك، وسهِرَا لنومك، وكدَحَ الوالدُ لعيشك، وحمَلَتك أمك كرهًا ووضعَتْك كرهًا، وأول واجبٍ فرَضَه الله من حقوق الخلق البرُّ بالوالدين، قال تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا [الإسراء: 23]، ومن الوفاء لهما: الدعاء لهما: وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا [الإسراء: 24]، وطاعتهما في غير معصيةٍ، وفعل الجميل معهما، وإدخال السرور على نفوسهما، ومن البرِّ بهما: أن يريَا ثمرة جهدهما على أولادهما بسلوكهم طريق الاستقامة والصلاح، ومن الوفاء لهما: إكرام صديقهما بعد موتهما.
مرَّ أعرابيٌّ على ابن عمر فقال له ابنُ عمر: ألستَ ابنَ فلان بن فلان؟ قال: بلى، فأعطاه ابن عمر دابةً كان يركبها وقال: اركبها، وأعطاه عِمامَته وقال: اشدُد بها رأسك، فقال له بعضُ أصحابه: غفر الله لك، أعطيتَ هذا الأعرابي دابةً كنت تروح عليها وعِمامةً كنت تشدُّ بها رأسك، فقال: إني سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن من أبرِّ البرِّ: صلةَ الرجل أهل وُدِّ أبيه بعد أن يُولِّي»، وإن أباه كان صديقًا لعُمر؛( رواه مسلم).
من الوفاء :الوفاء بين الزوجين
_________________
ومن الوفاء: الوفاءُ بين الزوجين؛ فقد جمعهما عقدٌ عظيم، قال - سبحانه -: وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا [النساء: 21]، وخديجة بنت خويلدٍ - رضي الله عنها - واسَت النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - بمالها، ورُزِق منها الولد، وأول من صدَّقه وآمن به من النساء، وهي التي ثبَّتَت فؤادَه عند نزول الوحي، وقوَّتْ عزيمته، وكانت خير زوجةٍ لزوجها في حياتها.
قال ابن حجر - رحمه الله -: "كانت حريصةً على رضاه بكل ممكن، ولم يصدُر منها ما يُغضبُه قط". فقابَل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفاءَها بوفاءٍ أعظم منه، فكان في إحسانها يشكُرُها، وظلَّ بعد موتها يُكثِر ذكرها ويقول عنها: «إني رُزِقتُ حبَّها»؛ (رواه مسلم).
وربما ذبح الشاة ثم يُقطِّعها أعضاء، ثم يبعثها في صدائق خديجة، ويقول: «إنها كانت وكانت، وكان لي منها ولد». قال النووي - رحمه الله -: "في هذا كله دليلٌ لحُسن العهد وحفظ الوُدّ، ورعاية حُرمة الصاحب والعشير في حياته وبعد وفاته، وإكرام أهل ذلك الصاحب".
ومن الوفاء: محبة العلماء وتوقيرُهم وإجلالهم
__________________________
ومن الوفاء: محبة العلماء وتوقيرُهم وإجلالهم؛ إذ هم حملة الدين وورثة المرسلين. قال الطحاوي - رحمه الله -: "وعلماء السلف من السابقين ومن بعدهم أهل الخبر والأثر، وأهل الفقه والنظر لا يُذكَرون إلا بالجميل". قال الإمام أحمد - رحمه الله -: "ما بِتُّ منذ ثلاثين سنة إلا وأنا أدعو للشافعي وأستغفر له".
وللصاحب وفاءٌ يتحقَّقُ بشكر أفعاله وحفظ سرِّه ووُدِّه، والثناء الحسن عليه، ومنع وصول الأذى إليه، وبذل الندى له ولأولاده، ومن صنع إليك معروفًا فكافِئْه عليه، فإن لم تجد ما تُكافِئُه فادعُ له فإنه من الوفاء. قال الله عز وجل : هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن: 60].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني الله وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم
كيف تحقق معنى الوفاء ؟
________________
الوفاء صدق اللسان والفعل معًا، ويُحدِث الوفاء في نفس الوفيِّ من الغِبطة والسرور ما لا حدَّ له، وفي نفس المُوفَى له الرغبة في البرِّ والمُجازاة، ومن جحد معروفًا فهذا ممن صغُرَت همَّته عن الوفاء، وليكن العمل في العطاء وغيره خالصًا لوجه الله، فإن استنكَف أحدٌ عن ردِّ معروفٍ أسدَيتَه فلا يحزُنك ذلك، فأنت تطلب الثواب على المعروف من الله لا من البشر، مُمتثلاً قول الله: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا [الإنسان: 9].
الوفاء من شيم الرجال
_____________
أحبتي في الله! إن صدق الوعد خصلة كريمة من خصال الإيمان، وخلق عظيم من أخلاق الإسلام، بل وشيمة كريمة من شيم الرجال حتى في الجاهلية قبل الإسلام، كان العرب قديماً في الجاهلية يعتزون بصدق الوعد، وينقمون نقمة شديدة على من يخلفه، ومن أجمل ما قرأت في هذا: أن النعمان بن المنذر -وكان ملكاً على الحيرة قبل الإسلام- كان له يومان: يوم بؤس ويوم نعيم، فإذا لقيه أحد في يوم بؤسه قتله وأرداه، وإذا لقيه أحد في يوم نعيمه قربه وأعطاه وحباه.
وفي يوم من أيام بؤسه لقيه رجل من قبيلة طيء، فعلم الطائي أنه مقتول لا محالة بعد ما علم أن هذا اليوم للنعمان بن المنذر هو يوم بؤسه، فاقترب الطائي من النعمان بن المنذر وقال: حيا الله الملك، حيا الله الملك، لقد خرجت وتركت أولادي على شفا تلف من الجوع، وقد خرجت اليوم مبكراً أبحث لهم عن رزق، ففتح الله عليَّ بصيد هذا الأرنب، فإن رأى الملك أن يأذن لي في إتيانهم والرجوع إليهم لأطعمهم ولأوصي بهم، وله عليَّ وعد وعهد أن أرجع إليه مرة أخرى في الموعد الذي يحدده حتى أضع يدي في يده، فرق له النعمان بن المنذر وقال له: لن أسمح لك بالرجوع إليهم إلا إذا ضمنك رجل منا، فضمنه رجل ممن مع الملك وهذا الرجل يقال له: شريك بن عمرو بن شراحيل، ضمن شريك هذا الرجل الطائي، وقال له: أنا أضمنه، قال: إن لم يرجع قتلناك مكانه، قال: افعل.
فانصرف هذا الرجل الطائي فأطعم أولاده وأوصى بهم، وفي الوقت المحدد عاد فوقف بين يدي النعمان بن المنذر، فوقف النعمان منبهراً بهذا الخلق، ومبجلاً لهذا الصدق، ومكبراً لهذه الأخلاق، فنظر النعمان إلى هذا الرجل الطائي، وقال: أيها الرجل! لقد صدقت في وعدك حتى لم تترك للصدق بعد ذلك سبيلاً، ونظر النعمان إلى شريك بن عمرو الذي جاد بحياته ضامناً لهذا الرجل وقال: أما أنت يا شريك بن عمرو فقد جدت وأكرمت حتى لم تدع للجود سبيلا، ثم قال النعمان: والله لا أكون ألأم الثلاثة، فكافأ الطائي وأطلقه، ورفع يوم بؤسه، فأنشد الرجل الطائي بين يديه قائلاً:
ولقد دعتني للخلاف عشيرتي
أي: دعتني قبيلتي وعشيرتي لأن أخلف وعدك أيها الملك.
ولقد دعتني للخلاف عشيرتي فأبيت عند تجهم الأقوال
إني امرؤ مني الوفاء سجية وفعال كل مهذب مفضال
أيها الأحبة في الله! هذه شيم الرجال، وأخلاق الرجال، حتى في الجاهلية قبل الإسلام، فما ظنكم بدين ركنه وعماده هو الأخلاق، ما جاء الإسلام إلا ليعلي وليشيد بنيان الأخلاق، فقد قال الذي جاء ليعلم الدنيا الأخلاق سيدنا  محمد صلى الله عليه وسلم ويقول: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ما ظنكم بدين عماده وبنيانه هو الخلق الذي جاء محمد صلى الله عليه وسلم ليشيد بنيانه وليضع لبناته لبنة فوق لبنة، ولبنة بعد لبنة.
فاحرصوا على الوفاء؛ ففيه سلامة القلب والنَّماء، واجتهِدوا في التحلِّي بكل خُلقٍ كريم، ووصفٍ حميد، فهو عنوان الفلاح. واعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيه، فقال في محكم التنزيل: إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الذِيْنَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيْمًا [الأحزاب: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على نبينا محمد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الذين قضوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليٍّ، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعنَّا معهم بجودك وكرمك يا أكرم الأكرمين.
 اللهم إنا نسألك الجنة وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل، ونعوذ بك اللهم من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل. اللهم اهدِنا يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك(رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) [الأعراف: 23].
عباد الله:
(إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90].
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على آلائه ونعمه يزِدكم، ولذكر الله  أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,أقم الصلاة
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات