الوفاء كنز الأتقياء للشيخ محمد جودة



العناصر :
أولاً : الوفاء بالعهد.. خلق عال :
ثانياً : معنى الوفاء بالعهد ومرادفاته :
ثالثاً : أصناف الناس حيالَ الوعد أو العهد :
رابعاً : شرطان إذا اكتملا فى النفس سهل عليها أن تنجز ما التزمت به :
1- قوة الذاكرة وعدم النسيان : 2- العزم المشدد على إنفاذه :
خامساً : العهود التى يرتبط المسلم بها :
الأول : عهد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم : الثاني : عهود الناس فيما بينهم :
سادساً : الوفاء من شيم الأنبياء :
سابعاً : احذروا نفاذ مخزون الوفاء من وعودكم فتهلكوا :
الموضــــــــــــــــــــــــــــــــــــوع
الحَمْدُ للهِ الذِي صَدَقَ وَعْدَهُ ، وأَلهَمَ الإِنسانَ هَدْيَهُ ورُشْدَهُ ، وأَمَرَهُ أَنْ يُوَفِّيَ بعَقْدِهِ، ويَلْتَزِمَ شَرَفَ كَلِمتِهِ وعَهْدِهِ فتنزهوا عن الخيانة ونقض العهد لأنهما سبيل الأشقياء...
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،، جَعَلَ الوَفاءَ مِنْ شِيَمِ المُتَّقِينَ، وخُلُقاً رَفِيعاً مِنْ أَخْلاَقِ المُؤمِنينَ
ربي لك الحمد العظيم لذاتك *** حمدًا وليس لواحد إلاَّك
يا مدرك الأبصار والأبصار *** لا تدري له ولِكُنْهِهِ إدراكًا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجب عجاب لو ترى عيناك
والكون مشحون بأسرار إذا *** حاولْتَ تفسيرًا لها أعياك
إن لم تكن عيني تراك فإنني *** في كل شيء أستبين عُلاك
وأَشْهَدُ أَنَّ مُحمَّداً عَبْدُهُ ورَسُولُهُ ، أَوفَى الخَلْقِ بِالوُعُودِ والذِّمَمِ، وأَشكَرُهمْ للإِحسَانِ والنِّعَمِ،
صلى الله عليه وسلم عليه ، وعَلَى آلهِ وصَحْبِهِ صَفْوَةِ الأُمَمِ ، وعَلَى أَتْباعِهِ مَا خَطَّ فِي فَضْلِ الوَفاءِ قَلَمٌ ، ومَا تَحَدَّثَ بِمَحاسِنهِ لِسانٌ وفَمٌ. أَمّا بَعْدُ، فيا أَيُّها المسلمون .
أما بعـــــــــــــــــــد :
أولاً : الوفاء بالعهد.. خلق عال:
أيها المسلمون : لنطرح سؤالاً ! ماذا كان يعني " الوفاء بالعهد " عند أجدادنا ؟ وما معنى كلمة العهد .... , فقد كان أحدهم إذا قال للآخر : " هذا عهد الله بيننا " كان كافياً لإبرام عقد أو اتفاق .
امتثالا لقوله تعالى : ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34] . وخوفاً من تحذير رسول الله : ( لا إيمان لمن لا أمانة له ، ولا دين لمن لا عهد له) رواه أحمد .
وهذه المعاني هي التي كانت راسخة ومستقرة في علم وعُرْف السابقين رحمهم الله , فكان لفهمهم السليم الأثر الإيجابي في حياتهم الخاصة والعامة... فماذا وقع ؟ هل هو جهل باللغة ؟ أم بالفهم الصحيح لأمور الدين ؟ أم هو إعراض واتخاذ للقرآن مهجورا ؟ ولا يحتاج الأمر للجواب ، إذ لا داعي لتوضيح الواضح ، وشرح الفاضح الذي يدل عليه واقع الكثيرين من عباد الله إلا من رحم الله .
أيها المؤمنون : إن الوفاء بالعهد قيمة أخلاقية وإنسانية عظيمة ، فبالوفاء بالعهد تُدْعَمُ الثقة بين أفراد الأسرة والمجتمع ، و بها تطمئن النفوس لبعضها البعض ، و بها تنمو أواصر التعاون بين الأفراد ، والجماعات .
والوفاء بالعهد : شُعبة من شُعب الإيمان ، فهو دليل على صدق إيمان وعنوان استقامتهم , فمن يراقب المتعاهدين أثناء تعاهدهما ، إنه الله ! ، الرقيب السميع البصير، الذي يعلم خائنة الأعيُن وما تُخفي الصدور . فمن أعطى عهداً لله أو لعباد الله فقد أصبح مسئولاً على الوفاء به . ولهذا ، أمر الإسلام بضرورة التحلي بالوفاء بالعهود والعقود، فقال سبحانه : ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النحل: 91] .
وعلى أرباب الحرف والصناعات : أن يجعلوا من كلمتهم قانوناً مَرعي الجانب , يقفون عنده ويستمسكون به فإنه لمن المؤسف أن تكون الوعود المخلفة , والحدود المائعة عادة مأثورة عن كثير من المسلمين , مع أن دينهم جعل الوعود الكاذبة أمارة النفاق .
الوفاء خلق لا يقدره إلّا القليلون ، ولقلّة وجود ذلك في النّاس قال تعالى : ﴿ وَما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ ﴾ (الأعراف/ 103) . وقد ضُرِب به المثل في العزّة فقالت العرب : ’’ هو أعزّ من الوفاء ’’ . وأمر الله تعالى به فقال سبحانه: ﴿ وَبِعَهْدِ اللهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ , الأنعام: 152 .
وقد يندفع الإنسان إلى الكذب حين يعتذر عن خطأ وقع منه , ويحاول التملص من عواقبه وهذا غباء وهوان , وهو فرار من الشر إلى مثله أو أشد والواجب أن يعترف الإنسان بغلطه , فلعل صدقه فى ذكر الواقع وألمه لما بدر منه يمسحان هفوته ويغفران زلته .
وتعالَ أيها المسلم الكريم : لنتصفَّح كتاب الله ولنطف في بحاره التي لا ساحل لها، سنجد أن الله - تعالى - تحدَّث عن هذا الخُلق في قرآنه المجيد . قال ربُّنا تبارك وتعالى في سورة " المعارج " في صفات أهل الجنة المكرمون: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المعارج: 32] . وقال في سورة (المؤمنون) في صفات المؤمنين الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون:﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8] . وقال في علامات الصادقين المتَّقين في سورة البقرة : ﴿ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 177 ] . قال تعالى : ’’ وأوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولاً ’’ [ الإسراء:34 ] , فقد أمر الله تعالى في هذه الآية بالوفاء بالعهد . وقال تَعَالَى : ﴿ وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ ﴾ , [النحل: 91] . وقال تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ , [المائدة: 1] . وعن عائشة رضي الله عنها ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ’’ إن حسن العهد من الإيمان ’’ صحيح الجامع . وعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما نقض قوم العهد إلا سلَّط عليهم عدوَّهم )) . صحيح الجامع .
ودونَكُم بعضَ الروائع التي قيلت في الوَفاء :
وَفاءُ الفَتى يُغني ومَن عُدِمَ الوَفا فَلَم يَكْفِهِ أنْ يَملِكَ الغَربَ والشَّرقا
لا تركُنَنَّ إلى مَنْ لا وَفاءَ لهُ فالذِّئبُ مِن طَبعِه إِنْ يَقْتَدِر يَثِبِ
عُودوا لما كُنتُم عَلَيهِ منَ الوَفا كَرَماً فإنِّي ذَلكَ الخِلُّ الوَفِيّ
ثانياً : معنى الوفاء بالعهد ومرادفاته :
الوفاءُ لغةً : ضد الغَدْر يقال وَفَى بعهده ، وأَوْفَى إذا أتمه ولم ينقض حفظه .
الوفاء اصطلاحاً : حفظ للعهود والوعود ، وأداء للأمانات ، واعتراف بالجميل ، وصيانة للمودة والمحبة .
وقال الإمام الجرجاني : "هو حفظ الشيء ومراعاته حالاً بعد حال ، وهذا أصله، ثم استخدم في المُوَثَّق الذي يلزم مراعاته ’’
وللعهد معان كثيرة منها: الموَثَّق ، اليمين ، الوصية ، الوفاء ، الأمان ، الضمان . وغيرها .....
عن الأصمعي قال : ’’ إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده , فانظر إلى حنينه إلى أوطانه , وتشوقه إلى إخوانه , وبكائه على ما مضى من زمانه ’’ .
وعن عوف الكلبي : أنّه قال آفة المروءة خلف الموعد .
والمراد بالعقود : ما يَشمل العقود التي عقدها الله علينا ، وألزمَنَا بها ؛ مِن الفرائض والواجبات والمندوبات ، وما يشمل العقودَ التي تقع بين الناس ، بعضهم مع بعض في معاملاتِهم المتنوِّعة ، وما يشمل العهود التي قطعها الإنسانُ على نفسه ، والتي لا تتنافَى مع شريعة الله تعالى .
والوعد ، والعهد : يجمع بينهما أن الإنسان يقطع بشكل جازم بتنفيذ ما وعد أو ما عاهد .
والفرق بين الوعد والعهد : أن العهد أكثرُ توثيقا ، قد تدعمه أيمانٌ كثيرةٌ ، و قد تدعمه أوراق و تواقيع ، فالفرق بين العهد والوعد أن العهدَ أشدُّ توثيقا من الوعد ، ولكن وعد الحرِّ دينٌ .
وهناك فرق بين الوعد و الوعيد : الوعد يكون بالخير في الأعمِّ الأغلب ، و الوعيد بالشرِّ . فالمؤمن يعدُ بالخير، و إذا أوعد بالشر ، وفي نطاق العدل ربما غلبه العفوُ على ذلك .

ثالثاً : أصناف الناس حيالَ الوعد أو العهد :
الصنف الأول : هو من يعد أو يعاهد ، وفي نيته أن يوفِّي بوعده أو بعهده ، ثم يوفي بوعده وعهده , فهذا صادق عند الله ، وصادقٌ عند الناس .
الصنف الثاني : هو من يعدون أو يعاهدون ، و في نيتهم أن لا يوفُّوا ما عاهدوا عليه ولا يوفُّوا بما وعدوا، فهم كاذبون عند الله ، وعند الناس .
فمن فروع الصدق و الكذب ما إذا وفَّيتَ بعهدك أو بوعدك ، أو لم توفِ .
الصنف الثالث : هو من يعد أو يعاهد ، وفي نيته الأكيدة أن يفيَ بما وعد به ، أو بما عاهد عليه ، ولكن ظروفا طارئةً ووضعا صعبا يحول بينه وبين تنفيذ ما وعد ، أو ما عاهد ، فهذا الصنف الثالث معذور عند الله جل وعلا ، و الله وحده يعلم ما إذا كان صادقا في اعتذاره ، أو ما إذا كانت الظروفُ التي حالت بينه و بين تنفيذ عهده ووعده حقيقية أو مفتعلةً ، هذا أمره إلى الله .
الصنف الرابع : هو من يعد أو يعاهد ، وفي نيته أن ينفِّذ ما وعد أو عاهد ، و لكن بعد مضيِّ الزمن تبدَّلت أحوالُه ، وضعفت عزيمتُه ، ولانت إرادتُه ، فحينما جاء وقتُ التنفيذ أراد ألا ينفِّذ ، أو ضعفت إرادتُه عن التنفيذ ، هذا ليس كذبا ، ولكنه نقضٌ للوعد ، أو العهد، أو نكث به ، لذلك جاء قوله تعالى ﴿وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ﴾ سورة الإسراء: 80 فقد تدخل في موضوع مدخل صدق ، لكنه مع مضي الزمن ، ومع تبدُّل الحال ، ومع ضعف الإرادة ، ومع خور العزيمة ربما لا تنفِّذ ما وعدت به ، أو ربما لا تنفذ ما عاهدت عليه ، فهذه حالة أخرى تتفرَّع عن الكذب هي النقض أو النكث .
الصنف الخامس : هو من يعد أو يعاهد ، ولكنه قد ينسى ما وعد به أو ما عاهد عليه ، و عندئذ ينطبق حكمُ ذلك على حكم النسيان بشكل عام ، حيث رُفع عن أمَّة النبي صلى الله عليه وسلم الخطأ والنسيان ، وما استكرهوا عليه .
الصنف السادس : هو من يعد أو يعاهد ، ولكن بعد أن وعد وعدا قاطعا ، وبعد أن عاهد ، ووثَّق عهدَه ، بدا له أن الخير في خلاف ما وعد ، أو في خلاف ما عاهد ، وعدتَ ابنَك أن ترسله إلى بلد ، مثلا في هذا البلد يُرتكب فيه المعاصي على قارعة الطريق، بدا لك أن ذهاب ابنك إلى هذه البلاد ربما يفسد أخلاقه ، فعلى الرغم من أنك وعدته لك أن لا تفي بهذا الوعد لأن الخير في بقائه في بلده ، في بعض الحالات .
فحينما ترى إخلاف الوعد خيرا من إتمامه ، ولمصلحة راجحة مؤيَّدة بالكتاب والسنة لا عليك أن تخلف الوعد ، ومناط الوفاء والبر أن يتعلق الأمر بالحق والخير وإلا فلا عهد فى عصيان ولا يمين فى مأثم . وقد قال رسول الله : " من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها ? فليُكفِّر عن يمينه وليفعل الذى هو خير " حديث حسن صحيح ولا يسوغ لامرئ الإصرار على الوفاء بيمين الحنث فيها أفضل . وفى الحديث : مما رواه الإمام البخاري ومسلم عَنْ زَهْدَمٍ قَالَ كُنَّا عِنْدَ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَالَ : أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ الْأَشْعَرِيِّينَ فَوَافَقْتُهُ وَهُوَ غَضْبَانُ فَاسْتَحْمَلْنَاهُ فَحَلَفَ أَنْ لَا يَحْمِلَنَا ثُمَّ قَالَ : (( وَاللَّهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَا أَحْلِفُ عَلَى يَمِينٍ فَأَرَى غَيْرَهَا خَيْرًا مِنْهَا إِلَّا أَتَيْتُ الَّذِي هُوَ خَيْرٌ وَتَحَلَّلْتُهَا )) ، رواه البخاري .
لكن هناك تعقيب دقيق : في موضوع الوعد و العهد ، إذا وعدت ، أو عاهدت ، ورأيت الخير في إخلاف ما وعدت أو ما عاهدت قال العلماء : هذا لا ينطبق على العهود الدولية ، ولا ينطبق على الحقوق المالية، لو أنك وعدت إنسانا بمبلغ من المال نظير شيء قدَّمه لك ، إخلاف الوعد و العهد لمصلحة دينية راجحة لا ينطبق على العهود الدولية ، ولا على الحقوق المادية لآحاد المسلمين ، فهذا ليس من هذا القبيل .

رابعاً : شرطان إذا اكتملا فى النفس سهل عليها أن تنجز ما التزمت به :
1- قوة الذاكرة وعدم النسيان : فإن الله أخذ على آدم أبى البشر , عهدا مؤكدا ألا يقرب الشجرة المحرمة ، لكن آدم ما لبث أن نسى وضعف , ثم نكث فى عهده : " و لقد عهدنا إلى آدم من قبل فنسي و لم نجد له عزما ".طه : 115 . فضعف الذاكرة , وضعف العزيمة , عائقان كثيفان عن الوفاء الواجب. والإنسان لتجدد الحوادث أمامه , وترادف الهموم المختلفة عليه يفعل الزمان فعله العجيب فى نفسه , فتخبو المعالم الواضحة , ويمسى ما كان بارزا فى نفسه لا يكاد يبين. ولهذا افتقر إلى مذكر دائم يغالب أمواج النسيان , ويمسك أمام عينيه ما يوشك أن يذهل عنه , وما أكثر آى القرآن التى تواردت لتصون هذا الذكر: قال تعالى : " اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم ولا تتبعوا من دونه أولياء قليلا ما تذكرون " . الأعراف :3 . وقوله : " وهذا صراط ربك مستقيما قد فصلنا الآيات لقوم يذكرون ". الأنعام : 126 وقوله : " ولباس التقوى ذلك خير ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون " . الأعراف : 26 . وقوله : " كذلك نخرج الموتى لعلكم تذكرون ’’ . الأعراف 57 . والذكر المطرد اليقظ , ضرورة لازمة للوفاء , فمن أين لناسى العهد أن يفى به , لذلك ختمت آية العهد بعنصر التذكير . قال تعالى : " وبعهد الله أوفوا ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون ". الأنعام : 152 . فإذا ذكر المرء الموثق والعهد المأخوذ عليه , يجب أن ينضم إلى هذا الذكر .
2- العزم المشدد على إنفاذه : عزم يذلل الأهواء الجامحة , ويهون الصعاب العارضة , عزم يمضى فى سبيل الوفاء مهما تجشم من مشاق , وغرم من تضحيات. وأقدار الرجال تتفاوت تفاوتا شاسعا فى هذا المضمار , فإن ثمن الوفاء قد يكون فادحا , قد يكلف المال أو الحياة أو الأحبة . بيد أن هذه هى تكاليف المجد المنشود فى الدنيا أو الآخرة . فلولا المشقة لساد الناس كلهم . فالجودُ يُفقر والإقدام قتَّال ، ولقد استنكر القرآن الكريم على بعض الأفهام أن تطلب العُلا بالراحة , وأن ترقب الخير الكثير بالجهاد اليسير , قال تعالى : " أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مثل الذين خلوا من قبلكم مستهم البأساء والضراء وزلزلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله ألا إن نصر الله قريب ". البقرة : 214 . وعندما يستجمع الإنسان الذهن الواعى , والقلب الكبير , فهو أهل الوفاء .
خامساً : العهود التى يرتبط المسلم بها :
الأول : عهد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم :
فهذا هو أعظم العهود ، وأعلاها مكانة ، وأقدسها ذماما ، فإن الله خلق الإنسان بقدرته ، ورباه بنعمته ، وطلب منه أن يعرف هذه الحقيقة ، وأن يعترف بها ، وألا تشرد به المُغوياتُ ، فيجهلها أو يجحدها. قال تعالى : " ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدو مبين وأن اعبدوني هذا صراط مستقيم ’’ يس :60. وإذا كان هناك من البشر من لم يستمع إلى المرسلين ويستهد بما جاءوا به , فإن له من فطرته سائقا يحدوه إلى ربه , ويبصره بخالقه , مهما حفلت البيئة بصنوف الفساد , وضروب التخريف . وهذا معنى الميثاق الذى أخذه الله على الناس كافة ، في قوله تعالى : "وإذ أخذ ربك من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون وكذلك نفصل الآيات ولعلهم يرجعون ". وليس هناك حوار كما يوهم ظاهر العبارات ، وإنما هذا تصوير لاتجاه الفطرة السليمة إلى الله ، وتعرفها عليه ، وانتفاعها بالدلائل المبثوثة فى الكون لتوحيده وتمجيده وانفلاتها من التقاليد السفيهة التى تباعد عنها ، أو تشرك به. وهذا الأسلوب شائع عن ألسنة العرب . ووفاء الإنسان بهذا العهد أساس كرامته فى الدنيا ، وسعادته فى الأخرى . ومن سوء الظن بالله أن توفي له ، ثم تتوقع الشر منه ،قال تعالى : " اذكروا نعمتي التي أنعمت عليكم وأوفوا بعهدي أوف بعهدكم وإياي فارهبون " , البقرة : 40 .
فالتزامك بدين الله ، وإتباعك لشرع الله ومنهج رسوله ، هذا عهد ، قال ابن عباس رضي الله عنهما : “ كل ما أحل الله وما حرم ، وما فرض في القرآن فهو عهد ، فمن تهاون في أداء الصلاة أو إيتاء الزكاة أو في صوم رمضان أو أداء الحج مع القدرة فقد نكث عهده مع الله ، ومن تخلق بغير أخلاق المؤمنين فكذب إذا حدث ، أو خان إذا اؤتمن ، أو أخلف إذا وعد ، فقد نكث عهده مع الله ، ومن ساءت معاملته مع العباد ، فعق والديه ، أو قطع رحمه ، أو أساء إلى جاره ، أو غش في بيعه وشرائه ، أو أضاع زوجته وأولاده ، فقد نكث عهده مع الله ، ومن والى الكفار ، وعادى المؤمنين الأبرار ، وانتصر للباطل واخفق الحق ، فقد نكث عهده مع الله . وعلى الإجمال : فالمعرضون عن دين الله ، أولئك نكثوا عهدهم مع الله ، وتهاونوا بشرع الله ، بل وأبرموا عهداً مع الشيطان ، بمخالفتهم لشرع الرحمن ، وكذلك نشر العلم وبيانه عهد… قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ ) ، آل عمران : 187 ، قال قتادة : هذا ميثاق أخذه الله على أهل العلم ، فمن تعلم علماً ، فليعلمه للناس ، وإياكم وكتمان العلم ، فإن كتمان العلم هلكة ، فيا سعادة عالم ناطق . ومستمع داع ، هذا تعلم علماً فبلغه ، وهذا سمع خيراً فقبله ، وبيع النفس والمال بالجنة عهد ، قال الله تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ ) ، التوبة : 111 .
الثاني : عهود الناس فيما بينهم : وأما العهود التي بين الناس بعضهم بعضاً ؛ فهي كثيرة أيضا، منها :
1- العهد والعقد بين اثنين : فإذا اتفق اثنان على أن يقوم كل منهما للآخر بشيء ، يقال : أنهما تعاهدا . فإذا أبرم المسلم عقدا فيجب أن يحترمه , وإذا أعطى عهدا فيجب أن يلتزمه ، فمن الإيمان أن يكون المرأ عند كلمته التى قالها ينتهى إليها كما ينتهى الماء عن شئطآنه ؛ فيعرف بين الناس بأن كلمته موثق غليظ , لا خوف من نقضها ولا مطمع فى اصطيادها .
2- عقد الزواج عهد : لأنه التزام بين الزوج والزوجة ، قال صلى الله عليه وسلم : كما في البخاري ، عَنْ عُقْبَةَ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ « أَحَقُّ مَا أَوْفَيْتُمْ مِنَ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الْفُرُوجَ » ، فلابد للمسلم أن يؤدي ما التزم من الشروط على عقد الزواج ، لأنه استحل بها الفرج ، فأيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر، ليس في نفسه أن يؤديها حقها ؛ فقد خدعها ، فليس يجوز أن يغتال درهما من حقها ، أو يستخف بالرباط الذى جمعه بها . وفى الحديث : " أيما رجل تزوج امرأة على ما قل من المهر أو كثر ليس فى نفسه أن يؤدى إليها حقها , فمات ولم يؤد إليها حقها لقى الله يوم القيامة وهو زان ’’ , صحيح الترغيب والترهيب . بل ويجب علي كل من الزوج والزوجة أن يكونا من الأوفياء في الحياة وبعد الممات الرعاية ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان وفيا مع خديجة حتى بعد موتها ففي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ : اسْتَأْذَنَتْ هَالَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ أُخْتُ خَدِيجَةَ ،عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ، فَارْتَاعَ لِذَلِكَ ، فَقَالَ « اللَّهُمَّ هَالَةَ » قَالَتْ : فَغِرْتُ ، فَقُلْتُ مَا تَذْكُرُ مِنْ عَجُوزٍ مِنْ عَجَائِزِ قُرَيْشٍ ، حَمْرَاءِ الشِّدْقَيْنِ ، هَلَكَتْ فِي الدَّهْرِ، قَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ خَيْرًا مِنْهَا ) وفي رواية الإمام احمد ،قَالَ : « مَا أَبْدَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ خَيْراً مِنْهَا قَدْ آمَنَتْ بِي إِذْ كَفَرَ بِي النَّاسُ وَصَدَّقَتْنِي إِذْ كَذَّبَنِي النَّاسُ وَوَاسَتْنِي بِمَالِهَا إِذْ حَرَمَنِي النَّاسُ وَرَزَقَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلَدَهَا إِذْ حَرَمَنِي أَوْلاَدَ النِّسَاءِ »، هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيا لها حتى بعد موتها .
3- تربية الأولاد : فتربية الأولاد عهد على الوالدين يجب الوفاء به ، قال تعالى :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ) ، فمن أهملهم ، لم يوف بما عهد إليه ، بل ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعد الإنسان أحد أولاده بوعد ولا يفي له به ، فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال : ( لا يعد أحدكم صبيه ثم لا ينجز له ، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : ( العدة عطية) رواه الطبراني . وعن عبد الله بن عامر بن ربيعة رضي الله عنه قال : جاء رسول الله إلى بيتنا وأنا صبي صغير فذهبت لألعب فقالت أمي : ( يا عبد الله تعال أعطيك) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما أردت أن تعطيه ؟ قالت : أردت أعطيه تمرا ، قال : ( لو لم تفعلي كتبت عليك كذبة) رواه أحمد .
4- في البيع والشراء : والوفاء يكون في البيع والشراء ففي صحيح البخاري ،عن حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رضي الله عنه ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : ’’ الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا ، أَوْ قَالَ حَتَّى يَتَفَرَّقَا ، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا ، بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا ، وَإِنْ كَتَمَا وَكَذَبَا مُحِقَتْ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا ’’ .
5- المعاملات المالية : أما يتعلق بالمعاملات المالية التي هي أصل المشاكل في زماننا بين الكثير من الناس ، وكذا الوفاء بالعهد في مجال الكيل والميزان لقوله تعالى : ﴿ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ﴾ ، الأنعام: 152 .]
6- حقوق الجوار : فإنها حقوق يلتزم بها الجار لجاره فطرة وديناً وخلقاً؛ يقول الله تبارك وتعالى : ’’ واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين و الجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالاً فخوراً ’’ , النساء :36. وقد أوصى النبي بالجار، وحث على حسن معاملته ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ؛ قال: قال رسول الله : ((والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن)). قيل: من يا رسول الله؟ قال: ((الذي لا يأمن جاره بوائقه)) ؛ أي: شروره وأذاه .. وروى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله عنه؛ أن النبي قال: (( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليحسن إلى جاره )) والإسلام حريص على أن يفي كل جار لجاره بالأمان من ظلمه ؛ فلا تستباح محارمه ، ولا ينال عرضه ، ولا يستحل ماله ، ولا يناله أي صنف من أصناف الأذى .
وإذا نظرنا إلى الوراء؛ وجدنا الجار محل الإكرام، حتى في الجاهلية، حتى صور أحد الشعراء الجاهليين حاله مع محارم جاره ، فقال :
وأغض طرفي إن بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مـــأواها
أين هذا ممن ولدوا في الإسلام ونشؤا فيه وكانوا حرباً على جيرانهم أذاقوهم صنوف الأذى: إما بالاستطالة في أعراضهم، أو بالأذى الفعلي في بيوتهن، أو بالتلصص على عوراتهم، أو بالأذى في طرقاتهم، أو بالأصوات المنبعثة من داخل بيوتهم، ولم يعرفوا لجيرانهم حقا ، فليعلموا أن هذا نقض للعهد ، وغدر، وخيانة ، والله تعالى قبح صور الخائنين الغادرين . فقال تعالى : ’’ الذين ينقضون عهد الله من بعد ميثاقه ويقطعون ما أمر الله به أن يوصل ويفسدون في الأرض أولئك هم الخاسرون ’’ . البقرة:27
7- في المواعيد والاتفاقات : والوفاء بالوعد يكون في المواعيد والاتفاقات ، فإذا أعطيت أخاك موعدا فلا تخلفه ، وإذا اتفقت معه على أمر فلا تماطله .
8- في الوفاء بالديون : ومن الشئون التى اهتم الإسلام بها , ونوه بقيمة الوفاء فيها , الديون فإن سدادها من آكد الحقوق عند الله , وقد قطع الدين قطعا عنيفا وساوس الطمع التى تنتاب المدين وتغريه بالمطال , أو إرجاء القضاء وأول ما شرعه الإسلام فى هذا أن حرم الاستدانة إلا للحاجة القاهرة فمن الورطات المخوفة , أن يقترض المرء فى أمور , يمكن الاستغناء عنها . بل لقد روى أن ذلك من الآثام التى يحلقها القصاص إن الدَّيْن يُقتص من صاحبه يوم القيامة إذا مات , إلا من تدين فى ثلاث خلال :
1- الرجل تضعف قوته فى سبيل الله ، فيستدين يتقوى به على عدو الله وعدوه .
2- ورجل يموت عنده مسلم , فلا يجد ما يُكفنه ويواريه إلا بدَّيْن .
3- ورجل خاف على نفسه العزوبة ، فينكح خشية على دينه . فإن الله يقضى عن هؤلاء يوم القيامة ، فقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يدعو الله بصاحب الدَّيْن يوم القيامة , حتى يوقف بين يديه , فيقال : يا ابين آدم , فيم أخذت هذ الدَّيْن , وفيم ضيعت حقوق الناس , فيقول : يارب إنك تعلم أنى أخذته فلم آكل , ولم أشرب , ولم ألبس , ولم أضيع , ولكن أتى على إما حرق , وإما سرق , وإما وضيعة , فيقول الله : صدق عبدى , أنا أحق من قضى عنك فيدعو الله بشىء فيضعه فى كفة ميزانه , فيرجح حسناته على سيئاته , فيدخل الجنة بفضل رحمته " . الألباني | المصدر : السلسلة الضعيفة ويظهر من هذا أن الله يعذر من يضطر إلى الدَّيْن لأزمات شداد , ومن يعجز عن القضاء لمصائب جائحة . أما الذى تمر بنفسه شهوة طارئة , ويضعف عن إجابتها من ماله , فيسارع إلى الاقتراض من غيره , غير ناظر إلى عقباه , ولا مهتم بطريقة الخلوص من دَّيْنه ، فهو كما وصفته الآثار سارق جرئ . وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه , ومن أخذها يريد إتلافها , أتلفه الله " ، خرجه ابن ماجه. والإسلام يريد أن يوفر للديون ضمانات شتى , حتى تعتبر أموالا حية , , وحتى لا يحاول أحد الفرار من أداء الحق المكتوب , ولو بأداء عبادات أخرى رفيعة الأجر ، فعن أبى قتادة رضى الله عنه : " قال رجل: يا رسول الله ، أرأيت إن قُتلت فى سبيل الله ، أتكفر عنى خطاياى ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم ، إن قُتلت وأنت صابر محتسب مقبل غير مدبر , ثم قال : كيف قلت ؟ فأعاد ، قال: نعم إلا الديْن ، فإن جبريل أخبرني بذلك ". صحيح مسلم . وفى رواية أخرى : ’’ يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين ’’ وفي الحديث : ’’ ..... وأيما رجل استدان دينا , لا يريد أن يؤدى إلى صاحبه حقه , خدعه حتى أخذ ماله , فمات ولم يؤد إليه دينه لقى الله وهو سارق ’’ .
وكل ما يدخل في المعاملات بين الناس ففيه الوفاء : مثل العهود والمواثيق ، وفي الشروط والمصالحات ، وفي إنجاز الأعمال وأداء الواجبات , وفي كل أنواع المعاملات .

سادساً : الوفاء من شيم الأنبياء :
ولعظيم أمر الوفاء، وجليل قدره عند الله تبارك وتعالى؛ جعله سبحانه صفة لأنبيائه، وحمَلة رسالاته للناس .
بالوفاء أثنى الله تعالى على خليله إبراهيم : فقال سبحانه: ﴿ وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى ﴾ [النجم: 37] ، أي: تمم وأكمل ما أُمِرَ به قال المفسرون : أي: بلَّغ قومه ما أُمِرَ به ، وأدَّاه إليهم ، وقيل: بالغ في الوفاء بما عاهد الله عليه . ومن مبالغة خليل الرحمن إبراهيم في الوفاء بالوعد : وفاؤه عندما وعد أباه بالاستغفار له ، وقد تكررت الإشارة إلى استغفار نبي الله إبراهيم عليه السلام لأبيه ، رغم كفره وتهديده لإبراهيم بالرجم , ومنها : قوله تعالى : ﴿ قَالَ سَلَامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا ﴾ ، مريم: 47 ، وقوله : ﴿ وَاغْفِرْ لِأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ ﴾ الشعراء: 86 .
ومن وفائه : ما أمر به عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام لما رأى في المنام أنه يذبح ولده بِكْرَه ، ورؤيا الأنبياء حق ، سارع وبادر إلى تنفيذ أمر الله، وعندئذٍ استسلم إبراهيم وانقاد لأمر الله تعالى، وكذلك استسلم ولده لأمر الله سبحانه، وقد قصَّ الله عز وجل علينا ما قاله إبراهيم لولده، وكيف كانت إجابة ولده نبي الله إسماعيل لأبيه: ﴿ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ * فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ * قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ ، الصافات: 102- 105 .
وقد أثنى الله سبحانه على نبيه إسماعيل بالوفاء : في قوله جل وعز: ﴿ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا ﴾ , مريم: 54 . يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: واذكر يا محمد، في الكتاب إسماعيل بن إبراهيم، فاقصص خبرَه: أنه كان لا يكذبُ وعدَه ولا يخلف، ولكنه كان إذا وعد ربه، أو عبدًا من عباده وعدًا، وفَّى به، وعن ابن جريج، قوله: ﴿ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ ﴾ , [مريم: 54] ، قال: لم يَعِدْ ربَّه عدة إلا أنجزها .
ومن وفاء الأخ لأخيه : وفاء نبي الله موسى لأخيه نبي الله هارون عليهما وعلى نبينا أفضل الصلاة وأتم التسليم ، حين دعا كليم الله موسى ربَّه عز وجل أن يَهَبَ له هارون نبيًّا، وهذا جلي من قول الله تعالى: ﴿ وَاجْعَلْ لِي وَزِيرًا مِنْ أَهْلِي * هَارُونَ أَخِي * اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي * وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي * كَيْ نُسَبِّحَكَ كَثِيرًا * وَنَذْكُرَكَ كَثِيرًا * إِنَّكَ كُنْتَ بِنَا بَصِيرًا ﴾ [طه: 29 - 35]، وقال سبحانه وتعالى عنه: ﴿ وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا فَأَرْسِلْهُ مَعِيَ رِدْءًا يُصَدِّقُنِي إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُكَذِّبُونِ ﴾ [القصص: 34]، وقال: ﴿ فَأَرْسِلْ إِلَى هَارُونَ ﴾ [الشعراء: 13]، فأجاب الله دعاءه ، وأعطاه رجاءه ، قال سبحانه : ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 36] ، وقال: ﴿ وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا ﴾ [مريم: 53] "جعله الله له وزيرًا وأشركه معه في الرسالة " ؛ ولهذا قال بعض السلف: ما شفع أحد شفاعةً في الدنيا أعظم من شفاعة موسى في هارون أن يكون نبيًّا .
النبي القدوة في الوفاء : لقد كان رسولنا صلَّى الله عليه وسلَّم ، قدوةً في الوفاء بالعهد ، فها هو يأمر عليَّ بن أبي طالب أن يَبِيت في فراشه ليلةَ الهجرة؛ كي يرُدَّ الأمانات إلى أهلها، أوَلَيس هو القائل : (( أدِّ الأمانة إلى مَن ائتمنك ، ولا تَخُن مَن خانك )) .
وها هو صلَّى الله عليه وسلَّم ، يُعاهِد سُهيل بن عمرو في الحديبية ، فيأتي أبو جندل بن سهيل بن عمرو مُستصرِخًا مستنصرًا، فيردُّه رسولُ الله وفاءً بالعهد . وها هو أبو بصير يأتي إلى مدينة رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم ، بعد صُلْح الحديبية ، فترْسِل قريش في عقبه رجلين يأخذانِه ، فقالا : يا محمد، رُدَّه إلينا بالعهد الذي بيننا وبينك ، فردَّه النبي الكريم وفاءً بعهده ، غير أن أبا بصير مكَّنه الله من أحد الرجلين فقتله ، وفرَّ الآخر عائدًا إلى رسول الله في المدينة، فلما رآه الحبيب المصطفى قال : إن هذا رأى ذعرًا , فإذا بأبي بصير يأتي ثانيةً قائلاً: يا نبي الله ، قد أوفى الله ذمَّتَك ونجَّاني الله منهم ، فيقول النبي الكريم: ((ويل أمه مسعر حرب)) وهنا عَلِم أبو بصير أنَّ رسول الله لا محالة رادّه إلى قريش ؛ وفاءً بالعهد الذي بينه وبينهم , فهرب أبو بصير إلى منطقة تسمى " سيف البحر" عند البحر الأحمر، ومكث بها ، ولحق به أبو جندل بن سهيل ، وكلُّ مَن أسلم مِن قريش ؛ فجعلوا يُرهِبون قريشًا ، ويأخذون قوافلَها، حتى استغاثت برسول الله أن يأذن لهؤلاء النفر باللحاق به في المدينة .
وقد كان صلى الله عليه وسلم يقدس الكلمة التى يقول , ويحترم الكلمة التى يسمع , وكان ذلك شارة الرجولة الكاملة فيه , حتى قبل أن يرسل إلى الناس . فعن عبد الله بن أبى الحمساء قال : " بايعت رسول الله ببيع قبل أن يُبعث فبقيت له بقية , فوعدته أن آتيه بها فى مكانه , فنسيت ? ثم ذكرت بعد ثلاثة فجئتُ فإذا هو فى مكانه ! فقال : يا فتى لقد شققت علىَّ ! أنا ها هنا منذ ثلاث أنتظرك " . كان يحضر فى الموعد المضروب بينهما . وحدث أن الرسول وعد جابر بن عبد الله بعطاء من مال البحرين ? ثم عاجلته الوفاة قبل الوفاء فلما جاء مال البحرين إلى خليفته أبى بكر أطلق مناديا فى الناس يقول: " ألا من كان له على رسول الله عدة أو دَيْن فليأتنا " . انظر كيف توزن الكلمة ويجب تنفيذها حتى لا تذهب هباء مع اللغو الضائع .
سابعاً : احذروا نفاذ مخزون الوفاء من وعودكم فتهلكوا :
يحكى أن الأمانَ لا يُستشعَر إلا مع الأوفياء ؛ فلِنَقاءِ أرواحهم يعرفُ الوفاءُ إليهم طريقًا، وهذا بالفعل ما تمنحُه هذه السجية لمن يتَّصِف بها، ومِن خلالها يُحِسُّ المرء بنقاءِ الشخص الذي يتميَّز بها عن غيره .
لكن يبدو أنه لَمَّا غَزَت المادة عقولَ وقلوب الآدميين ، أصبحوا لا يرون غيرها ، وهذا مما أسهم كثيرا في ندرة مخزون الوفاء في واقع الناس ، وحتما لا يمكن إنكار أن نفاد هذا المخزون يُمثِّل نوعًا من الخطر الذي يحدق بالإنسانية اليوم .
إن الرجل قد يحل عقدا أبرمه ينتظر ربحا أوفر من عقد آخر, وإن الأمة قد تطرح معاهدة بينها وبين أمة أخرى , جريا وراء مصلحة أحظى لديها . والدين يكره أن تداس الفضائل فى سوق المنفعة العاجلة ، ويكره أن تنطوى دخائل الناس على هذه النيات المغشوشة ، ويوجب الشرف على الفرد والجماعة حتى تصان العقود على الفقر والغنى ، وعلى النصر والهزيمة . ولذلك يقول الله بعد الأمر الجازم باحترام العهود : ’’ ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون ’’ . جاء في الحديث الصحيح الذي رواه الإمام البخاري ومسلم , من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً .. .). فانتبهوا يا عباد الله ! واحذروا من هذه الخصال ، وتعرف أيها الأخ على نفسك أين أنت؟ وهل أنت من المؤمنين الصادقين، أم أنت -والعياذ بالله- من المنافقين؟ فقد تكون فيك خصلة من خصال النفاق وأنت لا تدري، فإن النفاق هو الداء العضال الذي قد يقع الرجل فيه وهو لا يشعر ، فالنفاق هو الداء العضال الذي قد يمتلئ منه الرجل وهو لا يدري ولا يشعر، فانتبهوا يا عبد الله , لتتعرف على حالك أين أنت من كتاب الله جل وعلا , وهل أنت من المؤمنين الصادقين المتقين , أو أنك والعياذ بالله من أهل النفاق ؟ انتبه لقول النبي صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه واحدة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب..)، فهل أنت من الصادقين في القول، أم أنت غير ذلك والعياذ بالله؟ هذه الأربع: (إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر)، هذه هي صفات وخصال أهل النفاق ، إذا حدث فهو كاذب ، وإذا عاهد فهو من الغادرين ، وإذا خاصم فهو من الفاجرين ، وإذا اؤتمن لم يؤد الأمانة . وفي الرواية التي جاءت عن أبي هريرة رضي الله عنه والتي رواها البخاري ومسلم : أنه صلى الله عليه وسلم قال : (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) ، وفي رواية لـمسلم : ( إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم ) ، أي : فهو منافق .
على أن الوعود الكاذبة ليست فقط كلاما يذهب سدى , ولكنها خرق للمصالح , وإضرار بالناس , وإهدار للأوقات . وإذا اختلت ثقة الإنسان في وعود وعهود إخوانه من المسلمين اختل الكيان ، وتخلخل بناء الأمة ، وضاع فيها الأمن والأمان ، فكم من المسلمين من يحدث وهو كاذب , وكم من المسلمين من يعد وهو خائن , وكم من المسلمين من يعاهد وهو غادر, كم أعطى من الوعود والعهود وبعدها غدر بأصحابها , وكم من وعود معسولة , وكم من عهود مسموعة ومرئية ومنقولة , ولكن أين صدق الوعد , وأين الوفاء بالعهد , لقد ضاعت هذه الخصلة وضاع هذا الخلق بين المسلمين إلا من رحم الله جل وعلا. فرواية أبي هريرة : (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان)، ورواية عبد الله بن عمرو بن العاص أنه صلى الله عليه وسلم قال: (أربع من كن فيه كان منافقاً خالصاً، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر) والعياذ بالله! والروايتان في الصحيح .
وقد تصادفُ في حياتك مواقفَ كثيرة ، لكن لا تعلَقُ في ذاكرتك إلا التي تركَت أثرًا بالغًا في نفسك ، ومِن تلك المواقف ما يحدث لك مع مَن لا يُشم في سلوكاتهم رائحةٌ للوفاء ، فتستحيي مِن صنائعهم حين تتفكَّر ما أبصرته مِن وفرة لمخزون الوفاء عند كثير من الأنعام .
كم هو لطيف حين تزعم أنك من الأوفياء ، ولكن ، ألم تسأل نفسك عن أهم تجليات الوفاء الذي تدَّعِي في معاملاتك ؟
ومما لا شك فيه أن الوفاء حقيقةٌ لا يمكن أن تدرك إلا حين تلامسها واقعا ، ولن تستطيع معرفة القيمة الحقيقية لهذه السجية كما ينبغي أن تعرف ، ما لم تتذوق مرارة طعم الخيانة ، فكثيرة هي الأشياء التي لا يمكن معرفتها حقَّ المعرفة إلا بنقيضها .
ومِن منطلقٍ شخصي أرى أنه من أهم ما يعجل من نفاد مخزون سجية الوفاء بشكل كبيرالأتي :
1- منح الغضب والكراهية فرصةً للسيطرة عليك ، خصوصًا حين يكون ذلك اتِّجاه أشخاص معينين ، فيصبح ذلك الشعور سائرًا في فِكْرك .
2- غلبة الحس النرجسي على النفسِ ؛ مما يجعل الطابع الأنانيَّ سائدًا على فكرك ، فتُحاول بذلك أخذ كل شيء حولك ، وإن أدى بك الحال إلى الوصول لحد الجشع والطمع فيما عند الآخرين .
3- إعطاء الانتقام حيزا في تفكيرك بمحاولة تصفية الحسابات ، ورد الأذية بمثلها ، وهذا مِن دون شك له عواقبُ سلبية كثيرة فالقوة الحقيقية تكمن في القدرة على التسامح .
4- استيلاء سوء الظن على فكرك ، فتنعدم الثقة بالآخرين ؛ مما يكثر من الشكوك السيئة ، والأوهام الفاسدة ، والأفكار المريضة وبذلك تُصبِح العَلاقات بجميع أنواعها هشَّة .
5- طغيان المادية والمصلحة الشخصية على كل ما هو إنساني نبيل ، فتضيع المبادئ والقيم ، ويتسَافل الإنسان إلى الحيوانية
قال تَعَالَى : ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ * كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ ﴾ ، الصف : 2,3 .
وفي ذم الكفار من شتى الأمم بنقضهم العهد ﴿ وَمَا وَجَدْنَا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ وَإِنْ وَجَدْنَا أَكْثَرَهُمْ لَفَاسِقِينَ ﴾ [الأعراف: 102] . وفي مقام آخر ﴿ وَالَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ ﴾ ، الرعد: 25 .
أيها الإخوة الأكارم ؛ الشيء الذي نعرفه أن أكثر الذنوب يسترها الله عزوجل عن عباده يوم القيامة حتى لا يُفضَحوا بها، لكنَّ ذنب الغدر عظيمٌ جدا ، و آثاره خطيرة جدا ، لذلك يفضح الله به فاعلَه على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ، أي يصيب الرجل الذي نقض العهد ، وأخلف الوعد يوم القيامة من العار والشنار إلى أن يقول: يا رب أرِحني ، ولو إلى النار، لأن نقض العهد وإخلاف الوعد خلقٌ ذميم وقبيح جدا .
وما جزاء من لم يف بالعهد ، واخلف في الوعد ؟ الإجابة نسمعها في هذا الحديث الذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( العدة دين.. ويل لمن وعد ثم أخلف .ويل له.. ويل له ، ثلاثا ) . الطبراني في الأوسط . وعن ابن بريدة عن أبيه قال قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما نقض قوم العهد قط… إلا كان القتل بينهم. وما ظهرت فاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت ..ولا منع قوم الزكاة .إلا حبس الله عنهم القطر
وإن نقض العهد ، وعدم الوفاء بالوعد غدرا ،وقد روى الإمام البخاري و مسلم عَنْ أَنَسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : (( لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ قَالَ أَحَدُهُمَا يُنْصَبُ وَقَالَ الْآخَرُ يُرَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُعْرَفُ بِهِ )) ، رواه البخاري
فواللهِ لو نقضتَ عهدك مع مجوسي : لحاسبك اللهُ حسابا عسيرا ، مع مجوسي ، مع عابد صنم ، مع ملحِد ، قال تعالى : ﴿ كَيْفَ يَكُونُ لِلْمُشْرِكِينَ عَهْدٌ عِنْدَ اللَّهِ وَعِنْدَ رَسُولِهِ إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَمَا اسْتَقَامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ ، سورة التوبة : 7 . آية ثانية قال تعالى : ﴿إِلَّا الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ثُمَّ لَمْ يَنْقُصُوكُمْ شَيْئاً وَلَمْ يُظَاهِرُوا عَلَيْكُمْ أَحَداً فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ ، سورة التوبة : 4.
بهذه الأخلاق : خرج الإسلام من مكة المكرمة إلى مشارق الأرض و مغاربها ، فإذا تركنا هذا الخلق ، خلق الوفاء بالوعد و العهد انكمش المسلمون ، وغُزوا في عقر دارهم . أيها الإخوة الأكارم ؛ يجب أن نعلم علم اليقين أن هذا هو الدين ، أن الدين صدق ، أن الدين وفاءٌ بالوعد ، أن الدين إنجاز للوعد ، هذا هو الدين، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ : ((لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ )) ، رواه أحمد .
وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وآله
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات