دور الوعي في مواجهة التحديات المعاصرة د/ خالد بدير



عناصر الخطبة:
العنصر الأول: أهمية الوعي ومكانته في الإسلام
العنصر الثاني: مجالات الوعي وصوره
العنصر الثالث: وسائل مواجهة التحديات الهدامة المعاصرة
     المقدمة:                                                            أما بعد:
العنصر الأول: أهمية الوعي ومكانته في الإسلام
عباد الله: لقد اهتم الإسلام بقيمة الوعي والإدراك أيما اهتمام، ولقد بلغت عناية الله – عز وجل – بنا لرفع الجهل عنّا أن كان أول ما نزل من الوحي على نبينا أعظم كلمة هبط بها جبريل هي قوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}(العلق:1) ؛ وأمرُ الله عز وجل بالقراءة والعلم في أول آية نزلت من القرآن دليل واضح على أهمية الوعي والعلم في تكوين عقل الإنسان وفي رفعه إلى المكانة السامية، فلا يستوي عند الله الذي يعي ويعلم؛ والذي لا يعي ولا يعلم، فأهل العلم لهم مقام عظيم في شريعتنا الغراء، فهم من ورثة الأنبياء والمرسلين، يقول الله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر: 9) .
وقد مدح الله كل أذن خير تعي وتسمع وتطبق كلام الله تعالى فقال: { وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ } ." أي: وتفهم هذه النعمة، وتذكرها أذن واعية. قال ابن عباس: حافظة سامعة . وقال قتادة: عقلت عن الله فانتفعت بما سمعت من كتاب الله، وقال الضحاك: سمعتها أذن ووعت. أي: من له سمع صحيح وعقل رجيح. وهذا عام فيمن فهم ووعى ". (تفسير ابن كثير).
وفي مقابل ذلك ذم الله كل العيون والآذان والقلوب التي غفلت عن الحق ولم تعيه ؛ فقد جعل القرآن كل من عميت بصائرهم وقلوبهم عن الوعي والفقه كالأنعام بل أضل؛ فقال تعالى: { وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آَذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ  }(الأعراف: 179) .
وإذا كانت مهمّةُ الرُّسلِ والأنبياءِ الإبلاغَ والإنذارَ وإقامةَ الحجَّة على النَّاس، فهي لا تخرج عن كونها مهمَّةَ نشر الوعي وإصلاحٍ وتغييرِ ما حلَّ بالشعوب والأُمَمِ من فسادِ التَّصوُّر والاعتقاد، وانحرافِ العبادة والسُّلوك، وسوءِ التَّعامل والتَّدبير، فكل أمة كان يستشري فيها نوعاً من أنواع الفساد؛ فقوم نوح استشرى فيهم فساد العقيدة والشرك؛ وقوم لوط اشتهروا بالفاحشة واللواط؛ وقوم شعيب بالفساد المالي والاقتصادي والتطفيف وبخس الحقوق؛ .........وهكذا بقية الأمم كما ورد في القرآن مما لا يتسع المقام لذكره وحصره؛ فجاءت الرسالات عن طريق الرسل والأنبياء بنشر الوعي ولتصلح ما أفسدته الأمم والشعوب؛ قال تعالى على لسان شعيب-عليه السلام- في معرض قيامه بواجب النُّصح والوعي والتَّذكير لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}[هود:88]، ولما اسْتَخْلَفَ نبيُّ الله موسى أخاه هارونَ ـ عليه السلام ـ في قومه أوصاه بقوله: {اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ}[الأعراف:142].
ولأهمية الوعي والعلم نجد أنه صلى الله عليه وسلم جعل فداء كل أسير من أسرى بدر ممن يحسنون فن القراءة والكتابة، أن يعلم عشرة من أبناء الصحابة, فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم فداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة». وهذا له دور كبير في نشر الوعي بين أفراد الأمة .
ولم يقتصر اهتمام النبي صلى الله عليه وسلم بالحث على تعليم اللغة العربية فحسب؛ بل أمر بتعلم اللغات الأخرى زيادة في الوعي الثقافي بلغة الآخر؛ فقد ثبت أنه أمر زيد بن ثابت بتعلم اللغة السريانية ليتولى أعمال الترجمة والرد على الرسائل.
وروي أنه تعلم بأمر منه صلى الله عليه وسلم العبرية والفارسية والرومية وغيرها، فعنه رضي الله عنه قال: «أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أتعلم لـه كلمات من كتاب يهود، قال: إني والله ما آمن يهود على كتابي, قال فما مر بي نصف شهر حتى تعلمته لـه, فلما تعلمته كان إذا كتب إلى يهود كتبت إليهم, وإذا كتبوا إليه قرأت لــه كتابهم» (أحمد وأبو داود والحاكم والترمذي وحسنه).
فأصبح الفَتَى زيدُ بنُ ثابتٍ تَرْجُمانَ رَسولِ اللّهِ صلى الله عليه وسلم، وأصبحت اللغة سلاحا له يدافع به عن الإسلام والمسلمين، وكما قيل:( من تعلم لغة قوم أمن مكرهم ) .
وقد وصى النبي – صلى الله عليه وسلم – صحابته الكرام أن يعوا كلامه ويبلغوه فقال: " لِيُبَلِّغ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ ؛ فَإِنَّ الشَّاهِدَ عَسَى أَنْ يُبَلِّغَ مَنْ هُوَ أَوْعَى لَهُ مِنْهُ ". (متفق عليه). وَالْمُرَاد : رُبَّ مُبَلَّغ عَنِّي أَوْعَى - أَيْ : أَفْهَم - لِمَا أَقُول مِنْ سَامِع . ( فتح الباري).
وقد ضرب النبي صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لنا المثل والقدوة في نشر الوعي بين الصحابة وتعليمهم رضي الله عنهم، فعن ابن عباس قال كنتُ خلفَ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يومًا فقال:" يا غلامُ ، إني أعلِّمُك كلماتٍ : احفَظِ اللهَ يحفَظْك ، احفَظِ اللهَ تجِدْه تُجاهَك ، إذا سألتَ فاسألِ اللهَ ، وإذا استعنْتَ فاستعِنْ باللهِ ، واعلمْ أنَّ الأمةَ لو اجتمعتْ على أن ينفعوك بشيءٍ ، لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ لك ، وإنِ اجتمعوا على أن يضُرُّوك بشيءٍ لم يضُروك إلا بشيءٍ قد كتبه اللهُ عليك ، رُفِعَتِ الأقلامُ وجَفَّتِ الصُّحُفَ" ( أحمد والطبراني والترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح).
وعن عُمَرَ بْنَ أَبِي سَلَمَةَ يَقُولُ:  كُنْتُ غُلَامًا فِي حَجْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ يَدِي تَطِيشُ فِي الصَّحْفَةِ، فَقَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " يَا غُلَامُ: سَمِّ اللَّهَ وَكُلْ بِيَمِينِكَ وَكُلْ مِمَّا يَلِيكَ" فَمَا زَالَتْ تِلْكَ طِعْمَتِي بَعْدُ." ( البخاري ).
وهكذا – أيها المسلمون – علمنا أهمية الوعي للأمم والشعوب ؛ وأن الرسالات السماوية كلها إنما جاءت لنشر الوعي والأمن وحفظ البلاد والعباد .
العنصر الثاني: مجالات الوعي وصوره
عباد الله: إن الوعي يشمل جميع مجالات الحياة كلها؛ فالمسلم لابد أن يكون لديه وعي ديني وثقافي وفكري واجتماعي واقتصادي .... وغير ذلك من مجالات الحياة ؛ وهاك البيان والله المستعان وعليه التكلان:
الوعي الديني: والمقصود به : تزويد أفراد المجتمع بمبادئ الشريعة السمحة وقيمها العليا التي تعمل على حفظ الدين وترجمته ترجمة عملية في حياة الناس.
فينبغي على كل فرد أن يكون عنده وعي ديني بكل أمور الدين؛ ولا سيما المعلوم من الدين بالضرورة؛ حتى يعبد الله عبادة صحيحة ؛ ويؤدي العبادات كاملة بشروطها وأركانها ؛ وعليه أن يتعلم الأحكام من الحلال والحرام حتى لا يقع في الحرام وهو لا يعلم .
كما عليه أن يدرس سيرة وسنة الرسول – صلى الله عليه وسلم – وسيرة الخلفاء الراشدين من بعده كي يسير على نهجهم ؛ فهو القائل: "  فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ؛ وَإِيَّاكُمْ وَالْأُمُورَ الْمُحْدَثَاتِ فَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ ” ( أبو داود والترمذي وصححه).
إننا – للأسف - عندنا أمة دينية؛ نفتقر إلى وعي ديني ؛ إنك لو سألت أي فرد مسلم متعلم وموظف مرموق عن اسم نبيه وأولاده وزوجاته ؛ أو العشرة المبشرين بالجنة أو غير ذلك من البديهيات؛ أو الأشياء المعلومة من الدين بالضرورة ؛ لا يجيبك !!!
الوعي الاجتماعي: وذلك بالاهتمام ببناء الأسر وبناء المجتمع؛ ونشر الوعي الاجتماعي بينهم؛ وبيان وخطورة الأمراض الاجتماعية الفتاكة ؛ كالخمر والمخدرات والإلحاد والزنا والفرقة والاختلاف وغير ذلك من الأمراض التي تهدم كيان المجتمع.
فالأسرة التي لا تهتم بأطفالها ولا تنشر الوعي بينهم؛ لا تقدم للمجتمع إلا الشر والضرر، فمعظم المخربين والجانحين والمجرمين هم من الذين لم تهتم بهم أسرهم وأنشأتهم تنشئة غير سليمة ؛ وربتهم تربية طالحة سيئة، وهي تلك الأسر التي جرت خلف المادة وخلف المشاكل والخلافات، وبالتالي أفرزت وأخرجت إلى المجتمع رجالا مخربين وجانحين ومنحرفين.
عباد الله: عليكم إصلاح أولادكم؛ والقيام عليهم؛ ونشر الوعي بينهم؛ والصبر والتصبر في تعليمهم وتعويدهم على الطاعة؛ واحفظوهم من الضياع مع الشباب الفاسد الطائش واعلموا أنكم مسئولون عن أسركم وأولادكم يوم القيامة؛ وبين ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله:" كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، الْإِمَامُ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي أَهْلِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالْخَادِمُ رَاعٍ فِي مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ فِي مَالِ أَبِيهِ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ" ( متفق عليه) وقال أيضاً : " إنَّ اللهَ سائلٌ كلَّ راعٍ عما استرعاهُ ، أحفظَ أم ضيَّعَ ؟ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتِه "( ابن حبان بسند حسن).
يقول الإمام الغزالي رحمه الله في رسالته أنجع الرسائل: «الصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة ساذجة خالية من كل نقش وصورة، وهو قابل لكل ما نقش، ومائل إلى كل ما يمال به إليه، فإن عُوِّد الخير وعلمه؛ نشأ عليه وسعد في الدنيا والآخرة أبواه، وكل معلم له ومؤدِّب، وإن عوِّد الشر وأُهْمِلَ إهمال البهائم؛ شقي وهلك، وكان الوزر في رقبة القيِّم عليه والوالي له».
فعليكم بنشر الوعي بين أبنائكم وتبصيرهم بكل أمور الحياة؛ فأولادكم أمانة في أيديكم وستسألون عنهم فماذا أنتم قائلون؟!!!
الوعي الثقافي: فالمجتمع بحاجة إلى ثقافة داخلية وخارجية؛ وتبادل الثقافات والعلوم والفنون التي تؤدي إلى تقدم المجتمع وازدهاره ؛ وقد كان – صلى الله عليه وسلم – يوجه إلى الصحابة – رضي الله عنهم – بعض الأسئلة لينمي فيهم الوعي والفهم الثقافي؛  فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِنَّ مِنْ الشَّجَرِ شَجَرَةً لَا يَسْقُطُ وَرَقُهَا؛ وَهِيَ مَثَلُ الْمُسْلِمِ؛ حَدِّثُونِي مَا هِيَ؟! فَوَقَعَ النَّاسُ فِي شَجَرِ الْبَادِيَةِ؛ وَوَقَعَ فِي نَفْسِي أَنَّهَا النَّخْلَةُ. قَالَ عَبْدُ اللَّهِ : فَاسْتَحْيَيْتُ . فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنَا بِهَا ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ النَّخْلَةُ . قَالَ عَبْدُ اللَّهِ: فَحَدَّثْتُ أَبِي بِمَا وَقَعَ فِي نَفْسِي فَقَالَ: لَأَنْ تَكُونَ قُلْتَهَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ يَكُونَ لِي كَذَا وَكَذَا ".( متفق عليه ) . يقول الإمام ابن حجر – رحمه الله - : "  ووجه تمني عمر رضي الله عنه ما طبع الإنسان عليه من محبة الخير لنفسه ولولده ، ولتظهر فضيلة الولد في الفهم من صغره ، وليزداد من النبي صلى الله عليه وسلم حظوة ، ولعله كان يرجو أن يدعو له إذ ذاك بالزيادة في الفهم ." ( فتح الباري ) .
الوعي الفكري : وهو من أهم المجالات ولا سيما في المرحلة الراهنة ؛ التي تشبعت فيها أفكار الشباب بالمفاهيم الخاطئة العفنة؛ التي يتسترون في ظلها لاستحلال الأموال والدماء والمنشآت العامة ؛ والتي تؤدي إلى دمار وهلاك البلاد والعباد !!
فيجب نشر الوعي وحفظ عقول الشباب مما يفسدها ؛ فالمحافظة على عُقول الناس من أهمِّ أسباب الإصلاح؛ لأنَّ الناس لو استقامتْ عقولهم، صاروا يُفكِّرون فيما ينفَعُهم ويبتَعِدون عمَّا يضرُّهم، إذًا هناك علاقةٌ كبيرة بين المحافظة على عقول الناس وبين الإصلاح ؛ لأن مما يذهب بأمن الناس انتشار المفاهيم الخاطئة حيال نصوص القرآن والسنة، وعدم فهمهما بفهم السلف الصالح، وهل كُفِّر الناس وأريقت الدماء وقُتل الأبرياء وخُفرت الذمم بقتل المستأمنين وفُجِّرت البقاع إلا بهذه الأفكار المعكوسة ؛ والمفاهيم المنكوسة؟!!
الوعي الاقتصادي: وذلك بالجد وإتقان العمل؛ والبحث عن الطرق والوسائل الاقتصادية الحديثة ؛ فإذا أردنا أن نحقق التنمية الاقتصادية لوطننا وبلادنا ومجتمعنا ؛ فعلينا أن نغير ما نحن فيه من واقعنا الذي نعيش فيه؛ فكيف نحقق التنمية الاقتصادية وشبابنا في ضياع؟!!! والله إن القلب ليحزن حينما يري الشباب وهم في أعز قواهم العقلية والجسدية ومع ذلك يفني الشباب قوتهم وشبابهم في الفراغ؛ وفي كل ما حرم الله تبارك وتعالي من ملاهٍ ومشارب وخمور ومجون وغير ذلك؛ ولو لم يكن الإنسان في حاجة إلى العمل، لا هو ولا أسرته، لكان عليه أن يعمل للمجتمع الذي يعيش فيه فإن المجتمع يعطيه، فلابد أن يأخذ منه، على قدر ما عنده. يُروى أن رجلاً مر على أبي الدرداء الصحابي الزاهد – رضي الله عنه- فوجده يغرس جوزة، وهو في شيخوخته وهرمه، فقال له: أتغرس هذه الجوزة وأنت شيخ كبير، وهي لا تثمر إلا بعد كذا وكذا عاماً ؟! فقال أبو الدرداء: وما عليَّ أن يكون لي أجرها ويأكل منها غيري!! وأكثر من ذلك أن المسلم لا يعمل لنفع المجتمع الإنساني فحسب، بل يعمل لنفع الأحياء، حتى الحيوان والطير، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ بِهِ صَدَقَةٌ” [البخاري]، وبذلك يعم الرخاء ليشمل البلاد والعباد والطيور والدواب.
الوعي الحربي والعسكري: وذلك بإعداد القوة والعدة والعتاد إذا جاء عدو ليعتدي على أرضنا وبلادنا؛ وهذا أمر من الله تعالى القائل: { وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ } . ( الأنفال: 60 ) .
يقول الإمام القرطبي: " أمر الله سبحانه المؤمنين بإعداد القوة للأعداء بعد أن أكد تقدمة التقوى؛ فإن الله سبحانه لو شاء لهزمهم بالكلام والتفل في وجوههم وبحفنة من تراب، كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ ولكنه أراد أن يبتلي بعض الناس ببعض بعلمه السابق وقضائه النافذ؛ وكلما تعده لصديقك من خير أو لعدوك من شر فهو داخل في عدتك" . ( الجامع لأحكام القرآن ) .
الوعي بقيمة الوطن: وذلك بالحفاظ على معالمه وآثاره ومنشآته العامة والخاصة؛ والحفاظ على مياه نيله التي تربينا عليه وروينا منها أكبادنا !! وعدم الإفساد في أرضه؛ أو تخريبه وتدميره؛ وعدم قتل جنوده وحراسه الذين يسهرون ليلهم في حراستنا وحراسة أراضينا!! والذين تمتد إليهم يد الغدر والخيانة بين الحين والحين!! فعن الأصمعي قال: ” إذا أردت أن تعرف وفاء الرجل ووفاء عهده، فانظر إلى حنينه إلى أوطانه، وتشوُّقه إلى إخوانه، وبكائه على ما مضى من زمانه.” ( الآداب الشرعية لابن مفلح) .
ولنا الأسوة في نبينا صلى الله عليه وسلم ووفائه لوطنه مكة ؛ فقال وهو يودعها وفاءً لها: ” وَالله إِنَّك لَخَيْرُ أَرضِ اللهِ وَأحَبُّ أرْضِ اللهِ إِلًى اللهِ، وَلَوْلاَ أنِّي أخْرِجْتُ مِنْكِ مَاَ خَرَجْتُ”(الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح ) .
العنصر الثالث: وسائل مواجهة التحديات الهدامة المعاصرة
عباد الله: بعد أن عرفنا أهمية الوعي ومكانته ومجالاته وأثره في نهضة الأمة؛ نأتي الآن إلى عنصرنا العملي التطبيقي في واقعنا المعاصر لنعرف دور الوعي في تحقيق الأمن والاستقرار ؛ وكيف نواجه التحديات الهدامة التي تهدد أمن واستقرار وسلامة البلاد والعباد؟!! وقد جمعت لكم هذه الوسائل في نقاط حتى نعيها ونطبقها عملياً على أرض الواقع؛ وتتمثل فيما يلي:-
أولاً: التوجيه والإرشاد بخطر الإرهاب والإفساد وعاقبة المفسدين:
وذلك بكثرة التوعية والندوات؛ عن طريق الدعاة والإعلام المرئي والمسموع والمقروء ومراكز الشباب؛ والأمسيات الدينية والخطب والدروس والمحاضرات وشبكة المعلومات الدولية؛ وجميع وسائل الاتصال الحديثة؛ بهدف توضيح مخاطر الإفساد والإرهاب على المستوى الثقافي والديني والاجتماعي والاقتصادي؛ مع بيان أن جريمة الإرهاب والإفساد إنما هي مخالفة صريحة للأوامر الإلهية ولما جاء بكتاب الله عز وجل وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم, وبيان أن ذلك دليل على ضعف الوازع الدينى لدى الفاسد والمفسد, ولهذا فإن الإسلام يعمل على تنمية وتقوية الوازع الدينى لدى كل أفراد المجتمع حتى يكون الوازع الدينى هو الذى يمنع المرء من ممارسة الإرهاب والفساد وارتكاب جرائمه .
ثانياً: الرجوع في الفقه والفتن والنوازل إلى أهل العلم الراسخين المحققين
وهم أهل البصيرة والاستنباط قال تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ ۖ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىٰ أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ۗ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا} (النساء:83) .
ففي الآية تأديب للناس وتربية لهم إذا حدث أمر من الأمور أن لا يتكلم كل أحد ولا يستفتى كل أحد؛ كما هو في عصرنا الحاضر وفي الفضائيات؛ يتصدر للفتوى كل جاهل وناعق؛ فيأخذون الفتاوى الشاذة من غير أهلها لتكون لهم سلاحاً للهدم والتخريب والتدمير والقتل؛ وما أجمل قول علي رضي الله عنه :" لا تَكُونُوا عُجُلاً مَذاييعَ بُذُرَاً ؛ فَإن مِن وَرائِكُم بَلاءً مُبْرَحَاً مُكلحاً ؛ وأموراً متماحِلةً رُدُحاً" ( الأدب المفرد للبخاري).
والمقصود من هذا الكلام العربي الفصيح: نهي المسلم أن يكون من دأبه المسارعة إلى نقل عيوب الناس وإشاعتها بين الناس؛ وإليكم معاني المفردات حتى تتضح الصورة.  ( لا تَكُونُوا عُجُلاً )جمع عجل , مستعجل ؛ من العجلة والسرعة.
( مَذاييعَ ) جمع مذياع والمذياع اليوم معروف , ويراد به الوسيلة البالغة في إذاعة الأخبار في مختلف أقطار الدنيا ، فعليٌّ رضي الله عنه ينصح المسلمين أن لا يكونوا عجلاً في إذاعة الأخبار عن عيوب الناس .
(بُذُرَاً) جمع بذور وهو الذي ينشر السر ولا يستطيع أن يكتمه .  ولماذا يقول عليُّ هذه النصيحة ويوجهها للناس؟! , قال: (فَإن مِن وَرائِكُم بَلاءً مُبْرَحَاً مُكلحاً)هذه الكلمات كناية عن أنها كثيرة الضرر والإفساد والإهلاك , هذا البلاء الذي سيأتي فيما بعد .
(وأموراً متماحِلةً رُدُحاً)وهي الفتن الثقيلة التي يأخذ بعضها برقاب بعض وتستمر ؛ وكفي بالواقع المعاصر على ذلك دليلاً !!
ثالثاً: فرض عقوبات رادعة للإرهابيين والمفسدين
وليكن الهدف من العقاب هو ردع كل مَنْ تُسَوِّل له نفسه أن يفسد أو يقدم على أي نوعٍ من أنواع الإرهاب بكل صوره، يقول الإمام ابن تيمية – رحمه الله -: "إن إقامة الحد من العبادات ، كالجهاد في سبيل الله ، فينبغي أن يعرف أن إقامة الحدود رحمة من اللهّ بعباده : فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد ، لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله . ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات ؛ لا شفاء غيظه ، وإرادة العلو على الخلق : بمنزلة الوالد إذا أدب ولده ؛ فإنه لو كف عن تأديب ولده -كما تشير به الأم رقة ورأفة- لفسد الولد ، وإنما يؤدبه رحمة به ، وإصلاحا لحاله ؛ مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب ، وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه ، وبمنزلة قطع العضو المتآكل ،والحجم ، وقطع العروق بالفساد ، ونحو ذلك ؛ بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه ، وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة . فهكذا شرعت الحدود ، وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها ، فإنه متى كان قصده صلاح الرعية والنهي عن المنكرات ، بجلب المنفعة لهم ، ودفع المضرة عنهم ، وابتغى بذلك وجه الله تعالى ، وطاعة أمره : ألان الله له القلوب ، وتيسرت له أسباب الخير ، وكفاه العقوبة البشرية ، وقد يرضى المحدود ، إذا أقام عليه الحد . وأما إذا كان غرضه العلو عليهم ، وإقامة رياسته ليعظموه ، أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال ، انعكس عليه مقصوده ." ( السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية) ؛ لهذا قال عثمان -رضي الله عنه-:" إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن"، أي: يمنع بالسلطان باقتراف المحارم، أكثر ما يمنع بالقرآن؛ لأن بعض الناس ضعيف الإيمان لا تؤثر فيه زواجر القرآن، ونهي القرآن؛ لكن متى علموا أن هناك عقوبة من السلطان، ارتدعوا، وخافوا من عقوبة السلطان لئلا يفتنهم، أو يضربهم، أو ينفيهم من البلاد، فهم يخافون ذلك!!
ولهذا قاوم الرسول صلى الله عليه وسلم كل من يقوم بالإرهاب والإفساد ونكل بهم وعاقبهم أشد العقوبة؛ فعن أنس بن مالك قال: ” سألني الحجاج قال: أخبرني عن أشد عقوبة عاقب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال قلت : قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قوم من عرينة من البحرين، فشكوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لقوا من بطونهم، وقد اصفرت ألوانهم وضمرت بطونهم، فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأتوا إبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها، حتى إذا رجعت إليهم ألوانهم وانخمصت بطونهم عمدوا إلى الراعي فقتلوه واستاقوا الإبل، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وسمر أعينهم ثم ألقاهم في الرمضاء حتى ماتوا ” [البخاري ومسلم ].
 هذا في سياق من يقطعون الطريق أمام إعمار الأرض وإصلاحها وازدهارها؛ ويسعون في الأرض فسادا وإرهابا!!
رابعاً: الدعاء بالأمن والأمان وصلاح الحال
فيستحب لجميع أفراد المجتمع الدعاء في جميع الأوقات أن يرزقنا وأولادنا وأهلنا ومجتمعنا وبلادنا الأمن والأمان والاستقرار؛ فالدعاء مفتاح كل خير في الدنيا والآخرة؛ ولذلك كان يدعو النبي صلى الله عليه وسلم ربه أن يرزقه الأمن حين يمسي وحين يصبح؛ فعن ابْنَ عُمَرَ قَالَ: " لَمْ يَكُنْ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ يَدَعُ هَؤُلاَءِ الدَّعَوَاتِ حِينَ يُمْسِي ، وَحِينَ يُصْبِحُ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ ، اللَّهُمَّ أَسْأَلُكَ الْعَفْوَ وَالْعَافِيَةَ فِي دِينِي وَدُنْيَايَ وَأَهْلِي وَمَالِي ، اللَّهُمَّ اسْتُرْ عَوْرَاتِي ، وَآمِنْ رَوْعَاتِي ، وَاحْفَظْنِي مِنْ بَيْنِ يَدَيَّ ، وَمِنْ خَلْفِي ، وَعَنْ يَمِينِي ، وَعَنْ شِمَالِي ، وَمِنْ فَوْقِي ، وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ أُغْتَالَ مِنْ تَحْتِي." (النسائي وابن ماجة وأبوداود بسند صحيح) .
فعلينا أن نقتدي بنبينا ونداوم على هذا الدعاء صباحا ومساء ليرزقنا الله الأمن والأمان.
وكذلك نكثر من الدعاء بصلاح حال العباد والبلاد؛ ولنا القدوة في رسولنا صلى الله عليه وسلم في كثرة دعائه بالصلاح والإصلاح. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:" اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي دِينِي الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِي؛ وَأَصْلِحْ لِي دُنْيَايَ الَّتِي فِيهَا مَعَاشِي؛ وَأَصْلِحْ لِي آخِرَتِي الَّتِي فِيهَا مَعَادِي؛ وَاجْعَلْ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لِي فِي كُلِّ خَيْرٍ؛ وَاجْعَلْ الْمَوْتَ رَاحَةً لِي مِنْ كُلِّ شَرٍّ" ( مسلم )؛ وكان أيضا يكثر من الدعاء بقوله:" اللَّهُمَّ أَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا وَأَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا " ( أبو داود) .
أيها المسلمون: نحن في سفينة واحدة ؛ ولابد أن نتضامن جميعا يداً واحدة من أجل نجاة هذه السفينة ؛ كما علينا أن نأخذ على أيدي العابثين بهذه السفينة؛ وإلا غرقت بنا جميعا ؛ فعن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " مَثَلُ القَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاَهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ المَاءِ مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعًا، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا، وَنَجَوْا جَمِيعًا " ( البخاري ).
إننا إن فعلنا ذلك وأصبحنا متضامنين متعاونين متكافلين يداً واحدة ؛ مع نشر الوعي وتعاليم الإسلام السمحة؛ فإننا بحق نستطيع بناء وطننا ونقضي على الإرهاب بكل صوره وأشكاله؛ ونعيش آمنين مطمئنين متعاونين متراحمين كما أراد لنا ديننا الحنيف!!
نسأل الله أن يجعل بلدنا أمنا أمانا سلاما وسائر بلاد المسلمين؛
  الدعاء........                                                      
وأقم الصلاة،،،،                                      
                                                     
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات