ذو النورين الشهيد للشيخ أحمد أبو عيد










الحمد لله الذي لا رافع لما وضع ولا واضع لما رفع ولا مانع لما أعطي ولا معطي لما منع فسبحانه من إله حكيم رحيم فبحكمته وقع الضرر وبرحمته رفع
واشهد أن لا إلا الله احكم ما شرع وأبدع ما صنع
فكم لله من لطف خفي

**
يدق خفاه عن فهم الذكي

أمل تساق به صباحا

**
فتأتيك المسرة بالعشيِّ

وكم يسر أتى من بعد عسر

**
ففرج كرة القلب الشجي

إذا ضاقت بك الأحوال يوما

**
فلذ بالله الواحد العليِّ

إليك إله الخلق ارفع رغبتي

**
وأنا يا ذا المن والجود مجرما

ولما قسى قلبي وضاقت مذاهبي

**
جعلت الرجا مني لعفوك سلما

تعاظم ذنبي فلما قارنته بعفوك

**
ربي كان عفوك أعظم

واشهد أن محمدا رسول الله r أرسله ربه والكفر قد علا وارتفع فاهبطه من عليائه وقمع وفرق من شره ما قد اجتمع صلى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكر الذي نجم نجم شجاعته يوم الردة وطلع وعلي عمر الذي عز به الإسلام وامتنع وعلي عثمان المقتول ظلما وما ابتدع وعلي علي الذي ضحد الكفر بجهاده وقمع وعلى جميع الآل والصحب ما سجد مصل وركع
العـناصـــر
أولًا: حياته   
ثانيًا: أعماله في الاسلام
ثالثًا: وفاته
أولًا: حياته
نسبه: هو: «عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر وهو قريش

 بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان». يلتقي نسبه بنسب الرسول محمد في عبد مناف.

وأمه: أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس بن عبد مناف
نشأته: ولد سيدنا عثمان بن عفان في الطائف وقيل في مكة سنة 576 م بعد عام الفيل بست سنين. وهو من بطن بني أمية بن عبد شمس بن عبد مناف وهم من كبار سادات قريش، وكان عثمان غنياً شريفاً في الجاهلية، ومن أحكم قريش عقلاً وأفضلهم رأياً، كما كان محبوباً من قبلهم. وهو لم يسجد لأي صنم طوال حياته، كما أنه لم يشرب الخمر لا في الجاهلية ولا في الإسلام، كما أنه قد كان على علم بمعارف العرب في الجاهلية من الأنساب والأمثال وأخبار الأيام، وقد رحل إلى الشام والحبشة، وعاشر أقواماً غير العرب فعرف من أحوالهم وأطوارهم ما ليس يعرفه غيره من قومه، واهتم بالتجارة التي ورثها عن والده، ونمت ثرواته، وأصبح يعد من رجالات بني أمية الذين لهم مكانة في قريش كلها، فكان كريماً جواداً وكان من كبار الأثرياء وقد نال مكانة مرموقة في قومه، ومحبة كبيرة. وقد كان يكنى في الجاهلية أبا عمرو، فلما جاء له عبد الله من رقية بنت النبي محمد، كناه المسلمون أبا عبد الله، وكان عثمان يلقب بذي النورين لزواجه من رقية ومن ثم أم كلثوم بنتي النبي r.
صفته: كان سيدنا عثمان t جميلاً ليس بالقصير ولا بالطويل، أسمر رقيق البشرة، كبير اللحية، كثير الشعر، عظيم الكراديس (جمع كردوس، وهو كل عظمين التقيا في مفصل)، عظيم ما بين المنكبين، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه، جذل الساقين، طويل الذراعين، شعره قد كسا ذراعيه‏.‏ أقنى ‏(‏بيِّن القنا‏)‏، بوجهه نكتات جدري، يصفِّر لحيته ويشد أسنانه بالذهب.
وقال الزهري: كان عثمان t رجلا مربوعا، حسن الشعر، حسن الوجه، أصلع، أروح الرجلين (منفرج ما بينهما)، وأقنى (طويل الأنف مع دقة أرنبته، وحدب في وسطه)، خدل الساقين (ضخم الساقين)، طويل الذراعين، قد كسا ذراعيه جعد الشعر، أحسن الناس ثغرا، جُمَّته (مجتمع شعر الرأس) أسفل من أذنيه. والراجح أنه أبيض اللون، وقد قيل:أسمر اللون.
كان رجال قريش يأتونه ويألفونه للعديد من الأمور لعلمه، وتجاربه، وحسن مجالسته، وكان شديد الحياء، ومن كبار التجار. كما أنه لم يكن يوقظ نائمًا من أهله إلا أن يجده يقظان فيدعوه فيناوله وضوءه، وكان يصوم الدهر، ويلي وضوء الليل بنفسه‏.‏ وقد كان ليَّن العريكة، كثير الإحسان والحلم‏.
أما ما جاء في لباسه فقد رئي وهو على بغلة عليه ثوبان أصفران له غديرتان، ورئي وهو يبني الزوراء ‏(الزوراء‏:‏ دار عثمان بالمدينة‏).‏ على بغلة شهباء مصفِّرًا لحيته، وخطب وعليه خميصة ‏‏(وهي كساء أسود له علمان).‏ سوداء وهو مخضوب بحناء، ولبس ملاءة صفراء وثوبين ممصرين، وبردًا يمانيًا ثمنه مائة درهم، وتختم في اليسار، وكان ينام في المسجد متوسدًا رداءه‏.‏
إسلامه: أسلم سيدنا عثمان بن عفان t حينما كان في الرابعة والثلاثين من عمره، حين دعاه أبو بكر الصديق إلى الإسلام قائلاً له: ويحك يا عثمان واللَّه إنك لرجل حازم ما يخفى عليك الحق من الباطل، هذه الأوثان التي يعبدها قومك، أليست حجارة صماء لا تسمع ولا تبصر ولا تضر ولا تنفع‏؟‏ فقال‏:‏ بلى واللَّه إنها كذلك. قال أبو بكر‏:‏ هذا محمد بن عبد الله قد بعثه اللَّه برسالته إلى جميع خلقه، فهل لك أن تأتيه وتسمع منه‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، وفي الحال مرَّ رسول اللَّه فقال‏:‏ ‏«‏يا عثمان أجب اللَّه إلى جنته فإني رسول اللَّه إليك وإلى جميع خلقه»‏‏.‏ قال‏:‏ «فواللَّه ما ملكت حين سمعت قوله أن أسلمت، وشهدت أن لا إله إلا اللَّه وحده لا شريك له، وأن محمداً عبد الله ورسوله»‏‏.‏
فكان بذلك من السابقين الأولين وقبل دخول محمد بن عبد الله دار الأرقم، حتى قال أبو إسحاق: «كان أول الناس إسلاماً بعد أبي بكر وعلي وزيد بن حارثة عثمان فهو رابع من أسلم من الرجال.
زواجه من رقية: كان النبي r قد زوج رقية من عتبة بن أبي لهب، وزوج أختها أم كلثوم من عتيبة بن أبي لهب، فلما نزلت سورة المسد   تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ   مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ   سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ   وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ   فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ     (سورة المسد، آية: 1 - 5). قال لهما أبو لهب وأمهما أم جميل بنت حرب بن أمية فارقا ابنتي محمد، ففارقاهما قبل أن يدخلا بهما.

حينما سمع عثمان t بخبر طلاق رقية بادر إلى خطبة رقية من رسول الله فزوجها منه، وزفّتها أم المؤمنين خديجة بنت خويلد، فكان يقال لها حين زفت إليه: «أحسن زوجين رآهما إنسان، رقية وزوجها عثمان.
بُشِّر بالشهادة والجنة: عن أبي مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ فِي بَيْتِهِ ثُمَّ خَرَجَ، فَقَالَ: لَأَلْزَمَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَأَكُونَنَّ مَعَهُ يَوْمِي هَذَا، قَالَ: فَجَاءَ الْمَسْجِدَ، فَسَأَلَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا: خَرَجَ، وَجَّهَ هَاهُنَا، قَالَ فَخَرَجْتُ عَلَى أَثَرِهِ أَسْأَلُ عَنْهُ، حَتَّى دَخَلَ بِئْرَ أَرِيسٍ، قَالَ: فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، وَبَابُهَا مِنْ جَرِيدٍ، حَتَّى قَضَى رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَاجَتَهُ وَتَوَضَّأَ، فَقُمْتُ إِلَيْهِ، فَإِذَا هُوَ قَدْ جَلَسَ عَلَى بِئْرِ أَرِيسٍ وَتَوَسَّطَ قُفَّهَا، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، وَدَلَّاهُمَا فِي الْبِئْرِ، قَالَ: فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، ثُمَّ انْصَرَفْتُ فَجَلَسْتُ عِنْدَ الْبَابِ، فَقُلْتُ: لَأَكُونَنَّ بَوَّابَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْيَوْمَ، فَجَاءَ أَبُو بَكْرٍ فَدَفَعَ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، قَالَ: ثُمَّ ذَهَبْتُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ هَذَا أَبُو بَكْرٍ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ، وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» قَالَ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى قُلْتُ: لِأَبِي بَكْرٍ ادْخُلْ، وَرَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُبَشِّرُكَ بِالْجَنَّةِ، قَالَ: فَدَخَلَ أَبُو بَكْرٍ، فَجَلَسَ عَنْ يَمِينِ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مَعَهُ فِي الْقُفِّ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ، كَمَا صَنَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَشَفَ عَنْ سَاقَيْهِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ، وَقَدْ تَرَكْتُ أَخِي يَتَوَضَّأُ وَيَلْحَقُنِي، فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلَانٍ - يُرِيدُ أَخَاهُ - خَيْرًا يَأْتِ بِهِ، فَإِذَا إِنْسَانٌ يُحَرِّكُ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، ثُمَّ جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ وَقُلْتُ: هَذَا عُمَرُ يَسْتَأْذِنُ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ» فَجِئْتُ عُمَرَ فَقُلْتُ: أَذِنَ وَيُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بِالْجَنَّةِ، قَالَ فَدَخَلَ فَجَلَسَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْقُفِّ، عَنْ يَسَارِهِ، وَدَلَّى رِجْلَيْهِ فِي الْبِئْرِ، ثُمَّ رَجَعْتُ فَجَلَسْتُ فَقُلْتُ: إِنْ يُرِدِ اللهُ بِفُلَانٍ خَيْرًا - يَعْنِي أَخَاهُ - يَأْتِ بِهِ، فَجَاءَ إِنْسَانٌ فَحَرَّكَ الْبَابَ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالَ: عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ فَقُلْتُ: عَلَى رِسْلِكَ، قَالَ وَجِئْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرْتُهُ، فَقَالَ: «ائْذَنْ لَهُ وَبَشِّرْهُ بِالْجَنَّةِ، مَعَ بَلْوَى تُصِيبُهُ» قَالَ فَجِئْتُ فَقُلْتُ: ادْخُلْ، وَيُبَشِّرُكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْجَنَّةِ مَعَ بَلْوَى تُصِيبُكَ، قَالَ فَدَخَلَ فَوَجَدَ الْقُفَّ قَدْ مُلِئَ، فَجَلَسَ وِجَاهَهُمْ مِنَ الشِّقِّ الْآخَرِ ([1]). قَالَ شَرِيكٌ: فَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ: فَأَوَّلْتُهَا قُبُورَهُمْ
 (وجه ههنا) المشهور في الرواية وجه بتشديد الجيم وضبطه بعضهم بإسكانها وحكى القاضي الوجهين ونقل الأول عن الجمهور ورجح الثاني لوجود خرج أي قصد هذه الجهة (وتوسط قفها) القف حافة البئر وأصله المرتفع من الأرض (ودلاهما في البئر) في هذا دليل للغة الصحيحة أنه يجوز أن يقال دليت الدلو في البئر ودليت رجلي وغيرها فيه كما يقال أدليت قال الله تعالى فأدلى دلوه ومنهم من منع الأول وهذا الحديث يرد عليه (على رسلك) بكسر الراء وفتحها لغتان الكسر أشهر ومعناه تمهل وتأن (وجاههم) بكسر الواو وضمها أي قبالتهم (فأولتها قبورهم) يعني أن الثلاثة دفنوا في مكان واحد وعثمان في مكان بائن عنهم وهذا من باب الفراسة الصادقة].
وعن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، حَدَّثَهُمْ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَعِدَ أُحُدًا، وَأَبُو بَكْرٍ، وَعُمَرُ، وَعُثْمَانُ فَرَجَفَ بِهِمْ، فَقَالَ: «اثْبُتْ أُحُدُ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ نَبِيٌّ، وَصِدِّيقٌ، وَشَهِيدَانِ» ([2])
(فرجف) اضطرب وذلك معجزة. (صديق) صيغة مبالغة من الصدق والمراد به أبو بكر رضي الله عنه. (شهيدان) هما عمر وعثمان رضي الله عنهما وقد ماتا شهيدين]
أحد العشرة المبشرين بالجنة: عَن عبد الرَّحْمَن بن عَوْف أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَبُو بَكْرٍ فِي الْجَنَّةِ وَعُمَرُ فِي الْجَنَّةِ وَعُثْمَانُ فِي الْجَنَّةِ وَعَلِيٌّ فِي الْجَنَّةِ وَطَلْحَةُ فِي الْجَنَّةِ وَالزُّبَيْرُ فِي الْجَنَّةِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ فِي الْجَنَّةِ وَسَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ فِي الْجَنَّةِ وَأَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ فِي الْجَنَّةِ» ([3])
حياءه t: عن عَائِشَةَ، قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُضْطَجِعًا فِي بَيْتِي، كَاشِفًا عَنْ فَخِذَيْهِ، أَوْ سَاقَيْهِ، فَاسْتَأْذَنَ أَبُو بَكْرٍ فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُمَرُ، فَأَذِنَ لَهُ، وَهُوَ كَذَلِكَ، فَتَحَدَّثَ، ثُمَّ اسْتَأْذَنَ عُثْمَانُ، فَجَلَسَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَسَوَّى ثِيَابَهُ - قَالَ مُحَمَّدٌ: وَلَا أَقُولُ ذَلِكَ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ - فَدَخَلَ فَتَحَدَّثَ، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَتْ عَائِشَةُ: دَخَلَ أَبُو بَكْرٍ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُمَرُ فَلَمْ تَهْتَشَّ لَهُ وَلَمْ تُبَالِهِ، ثُمَّ دَخَلَ عُثْمَانُ فَجَلَسْتَ وَسَوَّيْتَ ثِيَابَكَ فَقَالَ: «أَلَا أَسْتَحِي مِنْ رَجُلٍ تَسْتَحِي مِنْهُ الْمَلَائِكَةُ» ([4])
(فلم تهتش) هكذا هو في جميع نسخ بلادنا تهتش وفي بعض النسخ الطارئة تهش وكذا ذكره القاضي وعلى هذا فالهاء مفتوحة قال هش يهش كشم يشم وأما الهش الذي هو خبط الورق من الشجر فيقال منه هش يهش بضمها قال الله تعالى وأهش بها على غنمي قال أهل اللغة الهشاشة والبشاشة بمعنى طلاقة الوجه وحسن اللقاء (لم تباله) لم تكترث به وتحتفل لدخوله (ألا أستحي من رجل تستحي) هكذا هو في الرواية أستحي بياء واحدة في كل واحدة منهما قال أهل اللغة يقال استحيا يستحي بياء واحدة لغتان الأولى أفصح وأشهر وبها جاء القرآن]
وعَنْ أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَرْحَمُ أُمَّتِي بِأُمَّتِي أَبُو بَكْرٍ وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ وَأَصْدَقُهُمْ حَيَاءً عُثْمَانُ وَأَفْرَضُهُمْ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَقْرَؤُهُمْ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَأَعْلَمُهُمْ بِالْحَلَالِ وَالْحَرَامِ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينٌ وَأَمِينُ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَبُو عُبَيْدَةَ بْنُ الْجَرَّاحِ» ([5])
وقال المناوي رحمه الله : " كان يستحي حتى من حلائله ، وفي خلوته ، ولشدة حيائه كانت تستحي منه ملائكة الرحمن " ([6])
يقول عن نفسه أنه ما اغتسل يوما إلا وإزاره عليه، فيقول كيف اتكشف وانا أعلم أن الله ينظر إليَّ.
وعن ابن عمر قال قال رسول الله r (أشد أمتي حياءًا: عثمان بن عفان) ([7])
يَعِيش المَرْءُ ما استحيَى بِخَيرٍ
فلا واللهِ ما في العيشِ خيرٌ
إذا لم تخشَ عاقبة َ الليالي

**
**
**
ويبقى العودُ ما بقيَ اللحاءُ
ولا الدُّنيا إذا ذَهبَ الحَياءُ
ولمْ تستَحْي فافعَلْ ما تَشاءُ([8])

حاله مع القرآن وقيام الليل: يروى عنه أن ختم القرآن كله في ركعة فاستنكر البعض وقال وماذا صليت في الركعة الثانية فقال إنما هي وتري، فإذا كان يختم القرآن في ركعة واحدة فهذا يدل على كثرة قراءته للقرآن الكريم.
وختم الله حياته على كتاب الله.
ويقول لأصحابه يوما لو طهرت قلوبنا ما شبعنا من كلام ربنا، واني لأكره أن يمر على يوم لا أنظر في المصحف، وقتل t والمصحف في يده.
قيام الليل: كان يقيم الليل ويجهز وضوءه بنفسه ولا يوقظ أحدا من الخدم فقيل له لم لا توقظ أحدا من الخدم يعينك على تجهيز وضوءك فقال لا إنما الليل لهم ليستريحون فيه.
قال ابن عمر نزل في عثمان t قوله تعالى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)) سورة الزمر
وعن ابن سيرين قال: قال امرأة عثمان حين قتل، لقد قتلتموه وإنه ليحيي الليل كله بالقرآن في ركعة.
خوفه من الله: كان t يقول لَوْ أَنِّي بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، وَلا أَدْرِي إِلَى أَيَّتِهِمَا يُؤْمَرُ بِي لاخْتَرْتُ أَنْ أَكُونَ رَمَادًا قَبْلَ أَنْ أَعْلَمَ إِلَى أَيَّتِهِمَا أَصِيرُ .
وكان t، إذا ذكر الجنة والنار لا يبكي، وإذا ذكر القبر يبكي حتى تخضل لحيته، قالوا له: "مالك، تذكر الجنة والنار ولا تبكي، وتذكر القبر فتبكي؟!"، قال: "القبر أول منازل الآخرة"...
ويقول سمعت رسول الله r يقول (ما رأيت منظرا قط إلا والقبر أفظع منه) ([9])
وكان يوصي أصحابه قائلا: أيها الناس، اتقوا الله فإن تقوى الله غنيمة، وإن أكيس الناس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت واكتسب من نور الله نوراً لقبره، وليخشَ عبدٌ أن يحشره الله أعمى وقد كان بصيرا.
ويقول: إن الله أعطاكم الدنيا لتطلبوا بها الآخرة، ولم يعطكم الدنيا لتركنوا إليها، إن الدنيا تفنى وإن الآخرة تبقى، فآثروا ما يبقى على ما يفنَى
ويقول هذا الصحابي الجليل: إن الدنيا منقطعة، والمصير إلى الله وحده .
عدله: غضب على خادمٍ له، ففرك أذنه حتى أوجعه، ثم سرعان ما يقُضُّ ضمير العابد مضجعه فيدعو خادمه ويأمره أن يقتصَّ منه، فيأبى الخادم ويولّي مدبراً، لكنّ عثمان يأمره في حزمٍ فيطيع، وقال: اشْدُدْ يا غلام، فإن قصاص الدنيا أرحم من قصاص الآخرة.
فهل تجد أحدًا في منصب رفيع؟ ويخطئ مع خادم أو حاجب، أو مع إنسان بسيط جداً، ويخاف الله عزَّ وجل، ويقول له: اقتصَّ مني في الدنيا، فإن قصاص الدنيا أرحمُ من قصاص الآخرة، إلا أنْ يكون ممّن يخاف الله خوفاً شديداً.
ورجم أخيه لأمه الوليد بن عقبه لما تأكد أن شرب الخمر فلم يفرق بين أخيه ولا غيره فلابد أن يقام العدل ولا مجال هنا للمجاملات ولا الواسطات ولا غيرها.
ثانيًا: أعماله في الاسلام
وهب القافلة التجارية كلها للفقراء والمساكين: عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن الناس قحطوا في زمن أبي بكر وحصل قحط شديد، وفي هذا الوقت جاءت قافلة لـ عثمان بن عفان t وأرضاه، فجاء التجار يريدون شراءها في هذا القحط الشديد، فسألهم عثمان: كم تربحونني؟ قالوا: في العشرة اثنا عشر، يعني: مقابل كل عشرة دراهم سنعطيك اثني عشر درهماً، قال: قد زادني غيركم، يعني: أنا أتاجر مع آخر وقد زادني على هذا الربح، فقالوا: في العشرة خمسة عشر، وهذا ربح عظيم جداً، ففي مقابل كل عشرة سيكون مكسب خمسة عشر، قال: قد زادني، قالوا: من الذي زادك؟ ونحن تجار المدينة، ولا يوجد أحد آخر غيرنا، فقال: الله عز وجل، زادني بكل درهم عشرة، فهل لديكم مزيد على ذلك؟ ثم قال: اللهم إني وهبتها لفقراء المدينة بلا ثمن وحساب، وتبرع بكل القافلة لفقراء المدينة.
شراء بئر رومة: عندما قدم النبي محمد إلى المدينة المنورة وجد أن الماء العذب قليل، وليس بالمدينة ما يستعذب غير بئر رومة، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَحْفِرْ بِئْرَ رُومَةَ فَلَهُ الجَنَّةُ».  ([10])، وفاز t بهذا الأجر والثواب، فهو دائما السباق لكل خير.
وقد كانت رومة قبل قدوم النبي لا يشرب منها أحد إلا بثمن، فلما قدم المهاجرون المدينة استنكروا الماء، وكانت لرجل من بني غفار عين يقال لها رومة، وكان يبيع منها القربة بِمُدّ، فقال النبي: «تبيعها بعين في الجنة؟» فقال: «يا رسول الله، ليس لي ولا لعيالي غيرها». فبلغ ذلك عثمان فاشتراها بخمسة وثلاثين ألف درهم، ثم أتى النبي فقال: «أتجعل لي فيها ما جعلت له؟» قال: «نعم» قال: «قد جعلتها للمسلمين([11]) ،وقيل كانت رومة ركية ليهودي يبيع المسلمين ماءها، فاشتراها عثمان بن عفان من اليهودي بعشرين ألف درهم، فجعلها للغني والفقير وابن السبيل ([12])
تجهيز جيش العسرة: عَن ابْن شهَاب وَهُوَ الزُّهْرِيّ قَالَ حمل عُثْمَان بن عَفَّان t فِي غَزْوَة تَبُوك على تِسْعمائَة وَأَرْبَعين بَعِيرًا ثمَّ جَاءَ بستين فرسا فَأَتمَّ بهَا الْألف.
وعن قادة أن عثمان بن عفان t جهز في جيش العسرة تسعمائة وثلاثين بعيرا وسبعين فرسا.
ويقول عبدالرحمن بن عوف شهدت رسول الله r وقد جاء عثمان بن عفان في جيش العسرة بسبعمائة أوقية من الذهب.
وعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ: جَاءَ عُثْمَانُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَلْفِ دِينَارٍ فِي كُمِّهِ حِينَ جَهَّزَ جَيْشَ الْعُسْرَةِ فَنَثَرَهَا فِي حِجْرِهِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَلِّبُهَا فِي حِجْرِهِ وَيَقُولُ: «مَا ضَرَّ عُثْمَانَ مَا عَمِلَ بَعْدَ الْيَوْمِ» مرَّتَيْنِ ([13]).
ولما كفى الله المؤمنين القتال برجوع الجيش بكل عتاده رفض عثمان t أن يأخذ منها أي شيء.
يعتق عبدا ويحرره كل جمعة : فكان يشتري كل جمعة عبدا من سيده ويحرره ابتغاء مرضاة الله.
توزيعه الخير على المسلمين: ولما كثرت الفتوحات في خلافته وعمَّ الرخاء في البلاد فكان يوزع الخيرات على المسلمين، وينادي المنادي أيها الناس اقبلوا على أرزاقكم فيأخذون خيرا كثيرا وفيرا، سواء كان من الحُلل أو من الطعام كالسمن والعسل وغيرها........
جمع القرآن والقضاء على الاختلاف: اتسعت رقعة الأمصار الإسلامية في عهد عثمان بن عفان t، وتفرق الصحابة في الأمصار يُقرِئون الناس القرآن، وأخذ كل بلدٍ عن الصحابي الذي وفد إليهم قراءته، وظهرت قراءات متعددة منشؤها اختلاف لهجات العرب. ولما اجتمع أهل العراق وأهل الشام لغزو ثغور أرمينية وأذربيجان، ظهر الخلاف بينهم في قراءة القرآن، وأنكر بعضهم على بعض ما يقرأون. شهد ذلك حذيفة بن اليمان، فركب إلى عثمان وبلّغه بالأمر. فأرسل عثمان إلى حفصة بنت عمر، يطلب المصحف لنسخه، وأمر زيد بن ثابت وعبد الله بن الزبير وسعيد بن العاص وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام، فنسخوها، وجعلوا كتابته على لهجة قريش. ثم أرسل عثمان النسخ إلى مكة والشام والبصرة والكوفة واليمن

والبحرين، وأبقى عنده في المدينة مصحفًا واحدًا، فقضى على الاختلاف بين بعض المسلمين. وقد درج العلماء على تسمية المصحف المكتوب بأمر عثمان بمصحف عثمان أو المصحف الإمام.
كثرة الفتوحات الإسلامية: فتحت في خلافته أذربيجان وأرمينية، وخراسان، وجرجان، وطوس وبيورد ونسا وفارس، وحمران، وقبرص والنوبة وأفريقيه ، وأنشأ أول اسطول بحري، وغيرها.........
ثالثًا: وفاته  ([14])
وحان وقت الرحيل ولما اشتد حصار الثوار لداره، قال الصحابة الذين تجمعوا حول داره ليواجهوا الثوار بالسلاح: "إن أعظمكم عني غناء، رجل كف يده وسلاحه !!؟.
ويقول لأبي هريرة وقد جاء شاهرا سلاحه دافعا عنه: أما إنك والله لو قتلت رجلا واحدا، لكأنما قتلت الناس جميعا.
ويقول الحسن والحسين وابن عمر وعبد الله بن الزبير، وشباب الصحابة الذين أخذوا مكانهم لحراسته: «أناشدكم الله وأسألكم به، ألا تراق بسبي محجمة دم.
قال أبن عمر: جاء (على) إلى عثمان يوم الدار، وقد أغلق الباب ومعه الحسن بن على وعليه سلاحه، فقال للحسن: أدخل إلى أمير المؤمنين، وأقرئه السلام، وقل له: إنما جئت لنصرتك، فمرني بأمرك. فدخل الحسن ثم خرج، فقال لأبيه: إن أمير المؤمنين يقرئك السلام، ويقول لك: لا حاجة لي في قتال وإهراق الدماء، قال: فنزع (على) عمامة سوداء فرمى بها بين يدي الباب، وجعل ينادي ذلك ليعلم اني لم اخته بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين سورة يوسف لله درك يا عثمان ، رحمة جامعة تغطي بعطائها المقسط جلائل الأحداث وصغارها، | فللخادم منها حظه وحقه في أن ينعم براحة النوم، وإن أضنى الخليفة نفسه وشيخوخته في ظلمة الليل البهيم ... ولقطرات الدم حظها وحقها في أن تنعم بالسلام والعافية، وإن كان بديل ذلك أن تزهق روح الخليفة الشيخ بيد معتد أثيم، وغادر زنیم..
توغلت الرحمة في حياته وفي سلوكه، حتي اقتضته آخر الأمر حياته نفسها، فجاهد بها، ولقد كان من الطبيعي لرجل وسعت رحمته الناس جميعا، أن تغطي رحمته ذوي قرباه، قال علي - رضي الله عنه -: (أوصلنا للرحم عثمان، لقد كان عثمان في ذلك نسيج وحده)
وقد وصى رسول الله r عثمان فعن عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله : (يا عثمان، إن الله مقمصك قميصا، فإن أرادك المنافقون على خلعه، فلا نخلعه حتى تلقاني) ([15])
قال رسول الله: إذا مشيت أمتي المطيطاء، وخدمها أبناء الملوك؛ أبناء فارس والروم، سلط شرارها على خيار هاد ([16])
مؤامرة يتولاها ويعد لها الناقمون على الإسلام كله في الدين والدولة والأمة).
لقد سيطر على روع الخليفة واجب -وهو يرى المد المتآمر -بدا له -يومئذ -أنه أهم الواجبات وأقدسها؛ ذلكم هو المحافظة الكاملة على هيبة الدولة وسلطاتها. فهذه الفتنة المخربة، والتمرد الأبق، يهدفان إلى هدم كيانها ودحر قيمها، واعتصام الدولة بكبريائها وسلطانها، يصبح واجبها الأول ومسئوليتها  المقدسة، لقد وعي خليفتنا عهد رسول الله إليه ببصر ثاقب، وحمل مسئوليته بعزم مجید.
من شاء أن يبصر ملو الهمة في الإستمساك، في أجل وأروع وأبهى صوره، لا للفوضى، حتى ولو كان فيها قتله: تواتيه قرصة قتال الثوار وقتلهم، فيرفضها.
ومع هذا، حين أخرج الثوار ورقتهم الأخيرة، ورفعوا عقائرهم في جرأة ضارية: «إما اعتزال عثمان، وإما قتله. في ثبات مذهل يرفض الخليقة أن يعتزل
أيمكن لرجل جاوز الثمانين، أن يستبد به طموح المنصب ومجده وجاهه، والأخطار والمهالك على
 هذا النحو المزلزل الرهيب
لقد رفض عثمان أن يعتزل، لأنه رجل مسئوليات من طراز فريد، وهذا الخلق كان مخبوءا تحت ستار تواضعه وحيائه، وما كنا ستراه متألقا كالشمس في رابعة النهار، إلا في أزمة كهذه. ومحنة كهذه، وموقف كهذا الموقف الزاخر العظيم .. أفيرضخ ويسلم مصاير الإسلام، وكرامة الدولة، لعصابة مفتونة؟ لا، وألف لا.
قال له ابن عمر: «لا تسن هذه السنة في الإسلام، ولا نخلع قميصا ألبسكه الله)
منعوه زواده، ومنعوه الماء، الذي تفجر به بئر رومة التي اشتراها من خالص ماله وأهداها للمسلمين، سبحان الله ما أعلى هذه الهمة... صبر على حقن الدماء ولو سالت دماؤه... وحافظ على هيبة الدولة ولو ذبح
حاصروه أربعين يوما، وعنده في الدار من المهاجرين والأنصار قريب من سبعمائة وخلق من مواليه، ولو تركهم لمنعوه، فقال لهم: أقسم على من لي عليه حق، أن يكف يده، وأن ينطلق إلى منزله. وقال لرقيقه من أغمد سيفه فهو حر.
وعن نافع عن ابن عمر، أن عثمان -r- أصبح يحدث الناس، قال: رأيت النبي في المنام فقال: یا عثمان، أفطر عندنا ، فأصبح قائما وقتل من يومه ([17])
واستسلم عثمان الأمر الله رجاء موعوده، وشوقا إلى رسوله، ليكون خير ابنی آدم ( إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاءُ الظَّالِمِينَ) (29) المائدة
كان عثمان أكثر الناس يقينا بصدق رؤياه.. سينطلق في عرسه العظيم إلى رحاب الله و جوار محمد ورحلة الخلود، ولما أصابوا كفه قال: والله إنها لأول يد خطت المفصل و كتبت آي القرآن .. وسال الدم على قوله تعالى: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [البقرة: ۱۳۷).
لقد كان همه الا تسقط راية الخلافة من يمينه، وألا يلقي الله وعلى يديه قطرة واحدة من دماء مسلمة، وحين تمدد جثمانه الطهور، كان كتاب الله لصيقه وصديقه، ومن أولى بذلك منه ؟! وهو الذي وحّده، وحفظه وافتداه
ضحوا بأشمطم عنوان السجود به **  يقطعُ الليل تسبيحا وقرآنا
إن الله يدافع عن الذين آمنوا إن الله - عز وجل - تكفل لأوليائه المؤمنين بالدفاع عنهم في حياتهم،
 بل وبعد موتهم، قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ) [الحج:۴۸] وقال تعالى في الحديث القدسي: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ) ([18])
 وقد يسأل سائل ويقول: ولم لم يدافع الله عنه عند قتله ؟!
أقول: إن قتله هو أعظم دفاع عنه، فقد رزقه الله الشهادة بذلك مصداقا لقول النبي الذي بشره بها.
وها هي صورة مشرقة من دفاع الله عن عثمان t بعد موته . هذا غير العذاب الذي سيلاقيه قاتلوه يوم القيامة عند ربهم -
عن أبي قلابة قال: كنت في رفقة بالشام، وسمعت صوت رجل يقول: يا ويلاه النار، قال: فقمت إليه، وإذا رجل مقطوع اليدين والرجلين من الحقوين، أعمى العينين، منكبا لوجهه، فسألته عن حاله فقال: إني كنت ممن دخل على عثمان الدار، فلما دنوت منه صرخت زوجته فلطمتها، فقال عثمان ( ما لك، قطع الله يديك، ورجليك، وأعمى عينيك، وأدخلك النار،  فأخذتني رعدة عظيمة، وخرجت هاربا، فأصابتي ما ترى، ولم يبق من دعائه إلا النار قلت له: بعدا لك وسحقا؟
وقال يزيد بن حبيب: إن عامة الذين ساروا إلى عثمان جنوا أي أصيبوا بالجنون
ورحل الشهيد عن دنيا الناس بعد حياة طويلة مليئة بالبذل والتضحية والجهاد والعدل والسماحة والتواضع، رحل بعد أن سالت دماؤه التي لطالما امتزجت بحب الله وحب رسوله ... سالت ماؤه الشريفة التي انصهرت مع كل آية من آيات القرآن الكريم.
رحل بعد أن قدم للإسلام الكثير والكثير.
وها نحن بعد هذا الزمان الطويل نذكره ونذكر أعماله الجليلة، ولن ننساه أبدا ما دامت أرواحنا في أجسادنا.
رضي الله عن عثمان وعن سائر الصحابة أجمعين
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء




[1])) صحيح البخاري
[2])) صحيح البخاري
[3])) صحيح الترمذي
[4])) صحيح مسلم
[5])) السلسلة الصحيحة
[6])) فيض القدير
[7])) السلسلة الصحيحة
[8])) أبو تمام
[9])) السلسلة الصحيحة
[10])) صحيح البخاري
[11])) تحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي 10/ 196
[12])) فتح الباري 5/ 408
[13])) مشكاة المصابيح (حسن)
[14])) أصحاب الرسول للشيخ محمود المصري
[15])) صحيح الجامع
[16])) صحيح الجامع
[17])) البداية والنهاية
[18])) صحيح البخاري

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات