لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة د. محمد عامر




العناصر
1- المقدمة
2- أخلاق الرسول .
3- أخلاق النبي مع الصحابة .
4- أخلاق النبي مع أهله .
5- أخلاق النبي مع الأطفال .
6- أخلاق النبي مع الخدم .
7- عفو النبي صلي الله عليه وسلم .
8- مجلسه صلي الله عليه وسلم .
9- أخلاقه في عبادته
10-.النبي والأعرابي .
11- أخلاق النبي مع الأعداء .

المقدمة

الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد, وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين

أما بعد

يقول تعالى : ( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة)[سورة الأحزاب:21.

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((أنا زعيم ببيت في أعلى الجنة لمن حسن خلقه))

ويقول صلى الله عليه وسلم: ((إن من أحبكم إلي وأقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا((

وقال عليه الصلاة والسلام: ((ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن؛ وإن الله يبغض الفاحش البذيء)).

ماذا أقول وماذا أحدث عن رجل هدى الله به الحيارى وأرشد به الضلال؟
ماذا أقول وبأي لغة أتحدث وبأي عبارات أتلفظ عن إمام البشرية؟ قدوة الإنسانية.... يمازح الصغير فيقول له: يا أبا عمير ما فعل النغير...

ويجلس مع الفقير والعبد الأسود والأمه.

يخدم أهله ويقوم في أعماله الخاصة فيخصف نعله ويخيط ثيابه ويلبي الدعوة وينصح لهذه الأمة شعاره الرحمة بها والحرص عليها...

تقول عائشة ورب إبراهيم. غضبانة ًمنه. فيبتسم لها - صلى الله عليه وسلم.

ويشده الإعرابي ويقول له: أعطني من مال الله الذي أعطاك ليس من مالك ولا مال أبيك!!! فيعطـيه - صلى الله عليه وسلم - ولم يعنّف عليه.

عندما قدم الرسول - صلى الله عليه وسلم - مهاجراً للمدينة لم ينسَ أصحابه المهاجرين رضي الله عنهم بل آخى بينهم وبين الأنصار ولم ينسى فضل الأنصار وتكرمهم وإحسانهم للمسلمين ورد لهم الجميل بأحسنه.. فقال: (استوصوا بالأنصار خيراً) وقال - صلى الله عليه وسلم -: (آية الإيمان حب الأنصار، وآية النفاق بغض الأنصار(.

وقال مخاطباً الناس: (أن الأنصار قضوا الذي عليهم، وبقي الذي عليكم فأحسنوا إلى محسنهم، وتجاوزا عن مسيئهم(.

عباد الله :
______

لقد كان سيدُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حريصاً على حسن الخلق ؛ ولذلك كان كثيراً ما يدعو قائلا: “اللَّهُمَّ اهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ” ،

أخلاق النبي مع أصحابه
___________

ومن تعامله مع صاحبه وتقديره له أنه لما دخل الرسول - صلى الله عليه وسلم - المسجد يوم الفتح أتى أبو بكر بوالده أبي قحافة يقوده فلما رآه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (هلا تركت الشيخ في بيته حتى أكون أنا آتيه فيه!!) قال أبو بكر: يا رسول الله هو أحق أن يمشى إليك من أن تمشى إليه.

وأيضاً من فن تعامله - صلى الله عليه وسلم - ما فعله مع حاطب بن أبي بلتعة عندما كتب كتاباً إلى أهل مكة يخبرهم بتحرك الجيش الإسلامي لفتح مكة فقال عمر ائذن لي يا رسول الله أضرب عنقه فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم - (قد شهد بدراً، وما يدريك لعل الله اطلع على أهل بدر فقال: اعملوا ما شئتم فقد وجبت لكم الجنة، أو غفرت لكم) فدمعت عينا عمر رضي الله عنه وقال: الله ورسوله أعلم.

وهذا بيان شرف أهل بدر وعظيم فضلهم وتقدير الرسول - صلى الله عليه وسلم - لهم.

ومن حسن تعامله - صلى الله عليه وسلم - أنه من صنع له معروفاً دعا له وجازاه بالإحسان، فعندما وضع ابن عباس وضوء النبي - صلى الله عليه وسلم - دعاء له فقال: (اللهم فقه في الدين، وعلمه التأويل)

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع أهله :
__________________________

كان صلى الله خير الناس وخيرهم لأهله وخيرهم لأمته من طيب كلامه وحُسن معاشرة زوجته بالإكرام والاحترام ، حيث قال عليه الصلاة والسلام: (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )) سنن الترمذي .

وكان من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم في تعامله مع أهله وزوجه أنه كان يُحسن إليهم ويرأف بهم ويتلطّف إليهم ويتودّد إليهم ، فكان يمازح أهله ويلاطفهم ويداعبهم ، وكان من شأنه صلى الله عليه وسلم أن يرقّق اسم عائشة ـ رضي الله عنها ـ كأن يقول لها: (يا عائش )، ويقول لها: (يا حميراء) ويُكرمها بأن يناديها باسم أبيها بأن يقول لها: (يا ابنة الصديق) وما ذلك إلا تودداً وتقرباً وتلطفاً إليها واحتراماً وتقديراً لأهلها.

كان يعين أهله ويساعدهم في أمورهم ويكون في حاجتهم ، وكانت عائشة تغتسل معه صلى الله عليه وسلم من إناءٍ واحد، فيقول لها: (دعي لي) ، وتقول له: دع لي. رواه مسلم

وكان يُسَرِّبُ إلى عائشة بناتِ الأنصار يلعبن معها‏.‏ وكان إذا هويت شيئاً لا محذورَ فيه تابعها عليه، وكانت إذا شربت من الإِناء أخذه، فوضع فمه في موضع فمها وشرب، وكان إذا تعرقت عَرقاً - وهو العَظْمُ الذي عليه لحم - أخذه فوضع فمه موضع فمها، وكان يتكئ في حَجْرِها، ويقرأ القرآن ورأسه في حَجرِها، وربما كانت حائضاً، وكان يأمرها وهي حائض فَتَتَّزِرُ ثم يُباشرها، وكان يقبلها وهو صائم، وكان من لطفه وحسن خُلُقه مع أهله أنه يمكِّنها من اللعب.

(عن الأسود قال :سألت عائشة ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يصنع في بيته؟ قال : كان يكون في مهنة أهله، فإذا حضرت الصلاة يتوضأ ويخرج إلى الصلاة) رواه مسلم والترمذي.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان يخيط ثوبه ويخصف نعله ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم - رواه أحمد.

قال صلى الله عليه وسلم "إن من أعظم الأمور أجرًا النفقة على الأهل" رواه مسلم.

عن عائشة رضي الله عنها قالت "خرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، وأنا جارية لم أحمل اللحم ولم أبدن، فقال للناس : اقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي حتى أسابقك فسبقته، فسكت عني حتى إذا حملت اللحم وبدنت خرجت معه في بعض أسفاره، فقال للناس: تقدموا فتقدموا، ثم قال لي : تعالي أسابقك فسبقني، فجعل يضحك وهو يقول هذا بتلك" رواه أحمد.

(وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها) رواه البخاري.

ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها (صديقاتها)، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه - رواه البخاري.

وإنك لتعجبُ اليومَ إذا وجدتَ بعضَ الناس ربما حَسَّنَ خُلُقَهُ مع أصحابِهِ مع أصدقائِهِ مع زملائِهِ في عملٍ فإذا نظرتَ إلى تعاملهِ مع زوجَتِه مع أبنائِهِ وبناتِهِ أو ربما مع أمهِ وأبيه لوجدتَهُ لا يحُسِّنُ خلقَهُ ، ولا يتحملُ الأذى ولا يَرفُقُ ولا يَحلُمُ ولا يَكظِمُ غَيظَهُ كما يفعلُ إذا خالطَ أصدقاءَهُ أو زُملاءَهُ وهو يَسمَعُ قولَ سيدِنا رسولِ الله عليه الصلاة والسلام وهو يقول: “خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ” فأولى الناس بحسنِ الخلقِ هم أهلُكَ الذين تعيشُ معهم .

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الأطفال
___________________________


وعن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يمر بالصبيان فيسلم عليهم - رواه البخاري واللفظ له ومسلم.

كان صلى الله عليه وسلم يسمع بكاء الصبي فيسرع في الصلاة مخافة أن تفتتن أمه.

وكان صلى الله عليه وسلم يحمل ابنة ابنته وهو يصلي بالناس إذا قام حملها وإذا سجد وضعها وجاء الحسن والحسين وهما ابنا بنته وهو يخطب الناس فجعلا يمشيان ويعثران فنزل النبي صلى الله عليه وسلم من المنبر فحملهما حتى ووضعهما بين يديه ثم قال صدق الله ورسوله(وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ) (لأنفال:28) نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان فيعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما.

خلقه صلى الله عليه وسلم في معاملة الصبيان فإنه كان إذا مر بالصبيان سلم عليهم وهم صغار وكان يحمل ابنته أمامه وكان يحمل أبنه ابنته أمامه بنت زينب بنت محمد صلى الله عليه وسلم وهو يصلي بالناس وكان ينزل من الخطبة ليحمل الحسن والحسين ويضعهما بين يديه

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم مع الخدم
_________________________


ومع هذه الشجاعة العظيمة كان لطيفا رحيماً فلم يكن فاحشاً ولا متفحشا ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة ولكن يعفو ويصفح.

عن أنس رضي الله عنه قال" خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين، والله ما قال أف قط، ولا قال لشيء لم فعلت كذا وهلا فعلت كذا" - رواه الشيخان وأبو داود و الترمذي.

عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم خادما له ولا امرأة ولا ضرب بيده شيئا قط إلا أن يجاهد في سبيل الله.

وفي رواية ما ضرب رسول الله شيئًا قط بيده ولا امرأة ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله - رواه مالك والشيخان وأبو داود.

عن عائشة رضي الله عنها قالت "ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه وما انتقم صلى الله عليه وسلم لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمة الله فينتقم".

عفو النبي صلى الله عليه وسلم:
___________________

عن أنس رضي الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقًا، فأرسلني يومًا لحاجة، فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله – فذهبت" رواه مسلم وأبو داود.

فعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: بينما نحن في المسجد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ جاء أعرابي ، فقام يبول في المسجد، فقال أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : مَه مَه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لا تزرموه، دعوه) ، فتركوه حتى بال ، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعاه فقال له: (إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ، ولا القذر، إنما هي لذكر الله، والصلاة، وقراءة القرآن) قال: فأمر رجلاً من القوم فجاء بدلو من ماء فشنّه عليه. رواه مسلم


تواضعه صلى الله عليه وسلم
__________________

وكان صلى الله عليه وسلم يجيب دعوتهم دعوة الحر والعبد والغني والفقير ويعود المرضى في أقصى المدينة ويقبل عذر المعتذر.

وكان صلى الله عليه وسلم سيد المتواضعين ، يتخلق ويتمثل بقوله تعالى: (( تِلْكَ الدّارُ الاَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتّقِينَ )) [ القصص 83.

فكان أبعد الناس عن الكبر ، كيف لا وهو الذي يقول صلى الله عليه وسلم : (لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، إنما أنا عبدٌ فقولوا عبد الله ورسوله) رواه البخاري.

كيف لا وهو الذي كان يقول صلى الله عليه وسلم : (آكل كما يأكل العبد وأجلس كما يجلس العبد) رواه أبو يعلى وحسنه الألباني.

كيف لا وهو القائل بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم (لو أُهدي إليَّ كراعٌ لقبلتُ ولو دُعيت عليه لأجبت) رواه الترمذي وصححه الألباني.

كيف لا وهو الذي كان صلى الله عليه وسلم يحذر من الكبر أيما تحذير فقال : ( لا يدخل في الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ من كبر) رواه مسلم

ومن تواضعه صلى الله عليه وسلم أنه كان يجيب الدعوة ولو إلى خبز الشعير ويقبل الهدية.

عن انس رضي الله عنه قال كان صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السنخة فيجيب - رواه الترمذي في الشمائل.

الإهالة السنخة: أي الدهن الجامد المتغير الريح من طوال المكث.

مجلسه صلى الله عليه وسلم
_________________

كان يجلِس على الأرض، وعلى الحصير، والبِساط،

عن أنس رضي الله عنه قال "كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا استقبله الرجل فصافحه لا ينزع يده من يده حتى يكون الرجل ينزع يده، ولا يصرف وجهه من وجهه حتى يكون الرجل هو يصرفه، ولم ير مقدمًا ركبتيه بين يدي جليس له" - رواه أبو داود والترمذي بلفظه.

عن أبي أمامة الباهلي قال : خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم متوكئًا على عصا، فقمنا إليه، فقال لا تقوموا كما يقوم الأعاجم يعظم بعضهم بعضًا - رواه أبو داود أبن ماجة وإسناده حسن.

أخلاقة في عبادته
___________


كان عليه الصلاة والسلام أعبد الناس ، و من كريم أخلاقه صلى الله عليه وسلم أنه كان عبداً لله شكوراً.

فإن من تمام كريم الأخلاق هو التأدب مع الله رب العالمين وذلك بأن يعرف العبد حقّ ربه سبحانه وتعالى عليه فيسعى لتأدية ما أوجب الله عز وجل عليه من الفرائض ثم يتمم ذلك بما يسّر الله تعالى له من النوافل ، وكلما بلغ العبد درجةً مرتفعةً عاليةً في العلم والفضل والتقى كلما عرف حق الله تعالى عليه فسارع إلى تأديته والتقرب إليه عز وجل بالنوافل.

فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن رب العالمين في الحديث القدسي الذي يرويه عن ربه إن الله تعالى قالى: (... وما يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه...) رواه البخاري.

فقد كان صلى الله عليه وسلم يعرف حق ربه عز وجل عليه وهو الذي قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر على الرغم من ذلك كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه ـ صلوات ربي وسلامه عليه ـ ويسجد فيدعو ويسبح ويدعو ويثني على الله تبارك وتعالى ويخشع لله عز وجل حتى يُسمع لصدره أزيز كأزيز المرجل.

فعن عبدالله بن الشخير ـ رضي الله عنه ـ قال: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيزٌ كأزيز المرجل من البكاء) رواه أبو داود وصححه الألباني.

وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ: أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقوم من الليل حتى تتفطر قدماه، فقالت عائشة: لم تصنع هذا يا رسول الله وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ قال: (أفلا أكون عبداً شكوراً) رواه البخاري.

وكان مـن تـمثله صلى الله عليه وسلم للقـرآن أنه يذكر الله تعالى كثيراً، قال عز وجل : (( ....وَالذّاكِـرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَالذّاكِرَاتِ أَعَدّ اللّهُ لَهُـم مّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيـماً )) الأحزاب 35 ].

وقال تعالى : (( ... فَاذْكُرُونِيَ أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُواْ لِي وَلاَ تَكْفُرُونِ )) [البقرة 152.

ومن تخلقه صلى الله عليه وسلم بأخلاق القرآن وآدابه تنفيذاً لأمر ربه عز وجل أنه كان يحب ذكر الله ويأمر به ويحث عليه، قال صلى الله عليه وسلم : (لأن أقول سبحانه الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر أحب إليَّ مما طلعت عليه الشمس) رواه مسلم.

الأعرابي والنبي
_________

. هاهو أعرابي -كما يُروى- يدخل على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين أصحابه فيمسكه بتلابيبه، ويهزُّه ويقول: (أعطني من مال الله الذي أعطاك، لا من مال أبيك ولا من مال أمك، فيقوم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يريدون أن يؤدبوا من يعتدي على شخص محمد صلى الله عليه وسلم، فيقول: على رِسلكم، المال مال الله).
أو كما قال صلى الله عليه وسلم، ثم يأخذ هذا الأعرابي ويداعبه، ويلاطفه، ويذهب به إلى بيته صلى الله عليه وسلم، فيقول: {خذ ما شئت ودع ما شئت} لكن ماذا يأخذ من بيت محمد صلى الله عليه وسلم، بيت لا توقد فيه النار شهرين ولا ثلاثة أشهر، بيت لم يشبع أهله من خبز الشعير، ولم يشبعوا من دَقَل التمر ورديء التمر، بيت يأتي السائل يسأل فلا يوجد -يوماً من الأيام- فيه سوى عنبة، وفي يوم من الأيام لا يوجد في بيته صلى الله عليه وسلم سوى تمرة واحدة، لكنه خير بيت وجد على وجه الأرض، بأبي وأمي صاحب ذاك البيت صلى الله عليه وسلم، ما ملك الأعرابي إلا أن قال: {أحسنت وجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً.
قال: إن أصحابي قد وجدوا عليك -أو كما قال صلى الله عليه وسلم- فاخرج إليهم، وقل لهم ما قلت لي الآن، فخرج، وجاء إليهم، فقال صلى الله عليه وسلم: هل أحسنت إليك يا أعرابي؟ قال: نعم وجزاك الله من أهل وعشيرة خيراً، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشد أنك لرسول الله .


أقول ماتسمعون واستغفروا الله إن الله غفور رحيم.


الخطبة الثانية

الحمد لله على ما أعطى واجزل نحمده تبارك وتعالى حمد العارفين الشاكرين الطالبين لمزيد فضله والصلاة على إمام العارفين وسيد المرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أخلاق النبي مع الأعداء
_____________

لقد أدهش العالمَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تعامله مع أعدائه وهو متمكّن منهم، فلم يظهر في التاريخ أرحم منه مع أعدائه رغم ما كان يلاقيه منهم من الأذى؛ إلا أنه كان مثالا للأخلاق الحسنه متمثلا لشعار العفو عند المقدرة..


حسن تعامله مع أعدائه:
_______________

ومن فن تعامله - صلى الله عليه وسلم - عندما قدم المدينة أنه وضع ميثاقاً في غاية الدقة، وحسن السياسة.

فألف بين سكان المدينة من الأنصار والمهاجرين وجيرانهم من طوائف اليهود وربط بينهم فأصبحوا به كتله واحدة يستطيعون أن يقفوا في وجه كل من يريد أهل المدينة بسوء.

• وثبت عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه قال لرسولي مسيلمة الكذاب لما قالا عن مسيلمة: إنه رسول الله: (لولا أن الرسل لا تُقتل لقتلتكما).

وقال - صلى الله عليه وسلم -: (من كان بينه وبين قوم عهد فلا يُحلَّن عقداً، ولا يشُدنه حتى أمدُهُ، أو يَنْبِذ إليهم على سواء).

• ولما أسرت قريش حذيفة بن اليمان وأباه أطلقوهما، وعاهدوهما أن لا يقاتلاهم مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكانوا خارجين إلى بدر، فقال الرسول - صلى الله عليه وسلم - (انصرفا، نفي لهم بعهدهم، ونستعين الله عليهم).

• وفي معركة بدر عندما أسر المسلمون سبعين رجلاً من المشركين قال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه: (استوصوا بالأسارى خيراً) فانظر إلى هذا التعامل مع أعداء محاربين يريدون أن يقضوا على الإسلام والمسلمين ويقول للصحابة: (استوصوا بالأسارى خيراً).

وعندما أتى عمير بن وهب المدينة بعد معركة بدر متفقاً مع صفوان بن أمية على أن يتكفل صفوان بدينه وعياله وأن يقتل هو الرسول - صلى الله عليه وسلم -. فعلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بالوحي من عند الله.. فكيف تعامل معه الرسول قربه إليه وقال: أدن يا عمير وأخبره بخبره فأسلم عمير مباشرة.

وأيضا ما فعله فضالة بن عمير بن الملوح أنه فكر في قتل النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يطوف فوضع النبي - صلى الله عليه وسلم - يده على صدره فسكن قلب فضالة وحسن إسلامه.

ومن تعامله العظيم - صلى الله عليه وسلم - ما فعله مع كفار قريش بعد الفتح:
قال (يا معشر قريش ما ترون أني فاعل بكم؟) قالوا: خيراً أخ كريم وابن أخ كريم قال: (اذهبوا فأنتم الطلقاء) فعفا عنهم بعد أن أمكنه الله تعالى منهم، فضرب بذلك المثل في تعامله - صلى الله عليه وسلم - في العفو والصفح على الجناة بعد القدرة عليهم والتمكن منهم.

وكذلك من أعظم المواقف موقف الرسول مع أهل الطائف حيث قال لملك الجبال لعل الله ان يخرج من اصلابهم من يقول لا اله الا الله.

عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.

هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ، أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات