العقد الفريد في بيان منزلة الشهيد وأحكامه للشيخ السيد مراد سلامة
عناصر الخطبة
العنصر الأول: لماذا سمي الشهيد بذلك
العنصر الثاني: أنواع الشهداء
العنصر الثالث: ثمرات الشهادة في سبيل الله
العنصر الرابع: موت الشهيد حياة للأمة
العنصر الخامس: أحكام الشهيد
العنصر السادس: حقوق أسر الشهداء
الخطبة الأولى
الحمد لله الذي كان
بعباده خبيراً بصيراً، وتبارك الذي جعل في السماء بروجاً وجعل فيها سراجاً وقمراً
منيراً، وهو الذي جعل الليل والنهار خلفة لمن أراد أن يذكر أو أراد شكوراً، وتبارك
الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً، الذي له ملك السماوات والأرض
ولم يتخذ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيء فقدره تقديراً.
وأشهد أن لا إله إلا
الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بعثه الله هادياً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى
الله بإذنه وسراجاً منيراً صلى الله عليه وسلم، حامل لواء العز في بني لؤي، وصَاحب
الطود المنيف في بني عبد مناف بن قصي، صاحب الغرة والتحجيل، المذكور في التوراة
والإنجيل، المؤيد بجبريل، المعلم الجليل، صلى الله وسلم عليه كلما تضوَّع مسك
وفاح، وما غرد حمام وصاح، وكلما سجى بلبلٌ وناح، وعلى آله وسلم تسليماً كثيراً.
سلام الله عليكم ورحمته
وبركاته مرة ثانية و ثالثة.
إن السلام وإن أهداه مرسله
وزاده رونقاً منه وتحسينا
لم يبلغ العشر من قول يبلغه
أذن الأحبة أفواه المحبينا
أمة الحبيب الأعظم محمد –
شَهِيدُ الْحَقِّ لاَ يَخْشَى
مِنَ الصَّارُوخِ وَالْمِدْفَعْ
يَخُوضُ النَّارَ مُقْتَحِمًا
وَلَيْسَ يَخَافُ أَوْ يَدْمَعْ
وَكَيْفَ يَنَامُ أَوْ يَغْفُو
وَقَاتِلُ شَعْبِهِ يَرْتَعْ
فَقَامَ وَزَلْزَلَ الدُّنْيَا
وَهَزَّ الكَوْنَ كَيْ يُسْمَعْ
فَكَانَتْ صَيْحَةً عَمَّتْ
سُهُولَ الأَرْضَ وَالبَلْقَعْ
وَكَانَ حَصَادُ غَضْبَتِهِ
عَلَى أَعْدَائِهِ أَوْجَعْ
فَكَالَ الثَّأْرَ لِلْبَاغِي
وَقَوَّضَ حِصْنَهُ الأَمْنَعْ
وَأَعْلَنَ أَنَّهُ الأَعْلَى
وَأَنَّ مَقَامَهُ الأَرْفَعْ
وَأَنَّ جِهَادَهُ فَرْضٌ
بِغَيْرِ النَّصْرِ لاَ يَقْنَعْ
فَصَارَ فَخَارَ أَمَّتِهِ
وَخَيْرَ رِجَالِهَا أَجْمَعْ
وَقَدْ حَانَتْ مَنِيَّتُهُ
فَجَنَّةُ رَبِّهِ أَوْسَعْ.
أيها الأحباب لقد علم
الرعيل الأول من صفوة المسلمين أن في الجهاد فضلاً لا يضاهي وخيراً لا يتناهى،
وأيقنوا أن الجنة تحت ظلال السيوف وأن الري الأعظم في شرب كؤوس الحتوف فشمروا
للجهاد عن ساق الاجتهاد، ونفروا إلى ذوي الكفر والعناد من شتى أصناف العباد،
وجهزوا الجيوش والسرايا وبذلوا في سبيل الله العطايا وأقرضوا الأموال ولمن يضعفها
ويزكيها، ودفعوا سلع النفوس من غير مماطلة لمشتريها، وضربوا الكافرين فوق الأعناق
واستعذبوا من المنية مر المذاق، وباعوا الحياة الفانية بالعيش الباق، ونشروا أعلام
الإسلام في الأفاق ....
"
فهيا لنشنف الأسماع
بألحان الخلود الباقية التي عزف عليها هؤلاء الشهداء الأبرار الذين صدقوا الله
فصدقهم الله تعالى
المجاهدون في سبيل الله
وهم جند الله الذين يقيم بهم دينه ويدفع بهم بأس أعدائه ويحفظ بهم بيضة الإسلام،
ويحمي بهم حوزة الدين، وهم الذين يقاتلون أعداء الله ليكون الدين كله لله، وتكون
كلمة الله هي العليا قد بذلوا أنفسهم في محبة الله ونصر دينه وإعلاء كلمته ودفع
أعدائه وهم شركاء لكل من يحمونه بسيوفهم في أعمالهم التي يعملونها، وإن باتوا في
ديارهم، ولهم مثل أجور من عبد الله بسبب جهادهم وفتوحهم فإنهم كانوا هم السبب فيه،
والشارع قد نزل المتسبب منزلة الفاعل التام في الأجر والوزر ولهذا كان الداعي إلى
الهدى، والداعي إلى الضلال لكل منهما بتسببه مثل أجر من تبعه، وقد تظاهرت آيات
الكتاب وتواترت نصوص السنة على الترغيب في الجهاد والحض عليه ومدح أهله والإخبار
عما لهم عند الله ربهم من أنواع الكرامات والعطايا الجزيلات، ويكفي في ذلك قوله
تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ
تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الصف: 10].
فشوقت النفوس إلى هذه
التجارة الرابحة التي دل عليها رب العالمين العليم الحكيم فقال ﴿ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ﴾ [الصف: 11] فكأن
النفوس ضنت بحياتها وبقائها فقال ﴿ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الصف: 11] يعني أن
الجهاد خير لكم من قعودكم للحياة والسلامة فكأنها قالت: فما لنا في الجهاد من الحظ
؟ فقال ﴿ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ﴾ [الصف: 12] مع المغفرة ﴿ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ
ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [الصف: 12] فكأنها قالت هذا في الآخرة فما لنا
في الدنيا ؟ فقال ﴿ وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ
وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 13] فلله ما أحلى هذه الألفاظ وما ألصقها
بالقلوب وما أعظمها جذباً لها وتسييراً إلى ربها وما ألطف موقعها من قلب كل محب،
وما أعظم غنى القلب وأطيب عيشة حين تباشره معانيها فنسأل الله من فضله إنه جواد
كريم
"[1] أ.ه.
ويقول العزيز الحميد وهو
يقرر فضل المجاهدين في سبيله وما أعد لهم في دار كرامته ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى
مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ
يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ
حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ
اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ
الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 111].
العنصر الأول: لماذا سمي
الشهيد بذلك
والشَّهِيدُ الْمَقْتُول
فِي سَبِيل اللَّهِ، وَالْجَمْعُ شُهَدَاءُ. قَال ابْنُ الأنْبَارِيِّ سُمِّيَ الشَّهِيدُ
شَهِيدًا لأنَّ اللَّهَ وَمَلاَئِكَتَهُ شَهِدُوا لَهُ بِالْجَنَّةِ.
وَقِيل: لأِنَّهُ يَكُونُ
شَهِيدًا عَلَى النَّاسِ بِأَعْمَالِهِمْ.
وَالشَّهِيدُ فِي
اصْطِلاَحِ الْفُقَهَاءِ: مَنْ مَاتَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فِي قِتَال الْكُفَّارِ
وَبِسَبَبِه.
وَيُلْحَقُ بِهِ فِي
أُمُورِ الآْخِرَةِ أَنْوَاعٌ يَأْتِي بَيَانُهَا.
قال الإمام السهيلي- رحمه
الله - «وأولى هذه الوجوه كلها بالصحة: أن يكون فعيلاً بمعنى مفعول، ويكون معناه:
مشهودًا له بالجنة، أو يشهد عليه النبي عليه السلام، كما قال: «هؤلاء أنا شهيد
عليهم»، أي: قّيم عليهم بالشهادة لهم، وإذا حشروا تحت لوائه، فهو وال عليهم، وإن
كان شاهدًا لهم، فمن ههنا اتصل الفعل بعلى، فتقوى هذا الوجه من جهة الخبر، فدل على
أن الشهيد مشهود له، ومشهود عليه، وهذا استقراء من اللغة صحيح، واستنباط من الحديث
بديع، فقف عليه"[2]
العنصر الثاني: أنواع
الشهادة
اعلموا عباد الله أنه
اصطلح العلماءعلى تقسيم الشهداء إلى ثلاثة أقسام:
القسم الأول: شهيد
الدنيا والآخرة:
ومقصودهم بشهيد الدنيا:
أنه يأخذ أحكامًا خاصة في الدنيا تميزه عن سائر الموتى، كعدم الغسل عند أكثر
العلماء، والتكفين في ثيابه، وغير ذلك مما سيأتي تفصيله -إن شاء الله تعالى-.
ومقصودهم بشهيد الآخرة:
أن له ثوابًا موعودًا خصه الله به سبحانه وتعالى، وقد تقدم ذكر بعضها في مبحث
فضائل الشهادة.
القسم الثاني: شهيد
الدنيا:
أي دون الآخرة، وهو من
قتل في حرب الكفار، وقام به مانع من موانع الشهادة، كالرياء، والسمعة، والغلول من
الغنيمة فهذا له حكم الشهداء في الدنيا دون الآخرة، وهذا تجري عليه الأحكام الخاصة
بالشهيد، وما يترتب عليه، وهؤلاء ليس لهم الثواب الكامل الموعود به الشهيد في
الآخرة وحيث أطلق الفقهاء مصطلح "الشهيد" انصرف لهذا القسم والذي قبله،
وحكمهما واحد في أحكام الدنيا.
القسم الثالث: شهيد
الآخرة:
وهم جميع من عدهم رسول
الله - صلى الله عليه وسلم -من الشهداء وورد تسميتهم بذلك كالمطعون، والغريق،
والحريق، وغيرهم عقبة بن عامر - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -
قال: (" خَمْسٌ مَنْ قُبِضَ فِي شَيْءٍ مِنْهُنَّ فَهُوَ شَهِيدٌ: الْقَتِيلُ
فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، وَالْغَرِيقُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، وَالْمَطْعُونُ
فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ، وَالْمَبْطُونُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ،
وَالنُّفَسَاءُ فِي سَبِيلِ اللهِ شَهِيدٌ ")[3] أخرجه النسائي.
والمراد أنهم شهداء في
ثواب الآخرة، وإلا فهم كغيرهم من الموتى، ليس لهم أحكام خاصة، فيغسلون ويصلى
عليهم، فهم شهداء بشهادة رسول الله - صلى الله عليه وسلم- وإن لم يظهر لهم حكم
شهادتهم في الدنيا.
العنصر الثالث: ثمرات
الشهادة في سبيل الله
أحباب رسول الله - صلى
الله عليه وسلم -إن سألتم ما هي الثمرات التي يهبها الله تعالى للشهداء في سبيله.
فاللهُ كرَّمَهُ وأعلى شأنَهُ
وله الخلودُ بجنَّةِ الرضوانِ
إن الشهيدَ مقامُه في أوْجِها
كالنجمِ يَسمو فوقَ كلَ مكانِ
حيٌّ وكلُّ الناسِ في أجداثِهم
فالروحُ في الروضاتِ والأفنانِ
1-الشهيد يغفر له في أول دفعة من دمه
يقول جل في علاه - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ * تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ
فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ
كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ
جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ
عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا
نَصْرٌ مِنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الصف: 10 - 13].
عن المقدام بن معدي كرب
قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( للشهيد عند الله ست خصال: يغفر له في
أول دفعة من دمه - أو يرى مقعده من الجنة - ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع
الأكبر، ويوضع على رأسه تاج الوقار الياقوتة منها خير من الدنيا وما فيها، ويزوج
اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين، يشفع في سبعين من أقاربه[4].
2- شفاعة الشهيد في سبعين من أهله:
إخوة الإيمان ومن فيض
جوده سبحانه وتعالى – أن الشهيد تعم بركته على أهله وأحبابه في الأخرة حيث يغفر
الله تعالى لسبعين من أهل يبته، فلك أن تتصور كيف حال الشهيد مع أهل بيته في عرصات
القيامة، فيختار منهم سبعين يطلب لهم الشفاعة ويشفعه الله فيهم، فهل سيقدم على والديه
أحداً؟ هل سيقدم على زوجه وأولاده أحداً؟ الجواب لا.
لكن سينتقل أيضاً إلى
الآخرين، ولك أن تتأمل حالك -يا عبد الله-وأحد أقربائك من الشهداء وأنت في هول
فظيع، وهو صاحب لك في الدنيا يعرفك، أراك ستقبل عليه تريه وجهك لعله يتذكرك فيعدك
من السبعين الذين يطلب الشفاعة لهم، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (يشفع
في سبعين من أقاربه). عن نمران بن عتبة الذماري قال: دخلنا على أم الدرداء - ونحن
أيتام صغار - فمسحت رؤوسنا وقالت: أبشروا يا بني فإني أرجو أن تكونوا في شفاعة
أبيكم فإني سمعت أبا الدرداء يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول:(
الشهيد يشفع في سبعين من أهل بيته )[5] أخرجه ابن حبان.
3-عرس الشهيد:
ومن تكريم الله تعالى
للشهداء الذين ضحوا بأنفسهم وتركوا زوجاتهن أن يزوجهم الله تعالى من الحور العين
اللاتي ذكرهن الله تعالى في كتابه فقال في شانهن ﴿ فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ
الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلَا جَانٌّ * فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ ﴾ [الرحمن: 56 -58].
اسمعوا إلى تلك البشارة
قال رسول الله-صلى الله عليه وسلم - (ويزوج اثنتين وسبعين زوجة من الحور العين).
عن ابن عباس، قال: قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم: " الشهداء على بارق نهر باب الجنة في قبة
خضراء، يخرج عليهم رزقهم من الجنة بكرة وعشية[6] رواه أحمد.
عبد الله بن عبيد بن عمير
قال " إذا التقى الصفان أهبط الله الحور العين إلى السماء الدنيا فإذا رأين
الرجل يرضين قدمه قلن: اللهم ثبته، وإن فر احتجبن منه فإن هو قتل نزلنا إليه
فمسحتا التراب عن وجهه وقالت: اللهم عفر من عفرة وترب من تربة[7].
والجزاء من جنس العمل.
* قصة - وعن أنس - رضي الله عنه -: أن رجلاً أسود
أتى النبي صلى الله عليه وسلم: فقال له: يا رسول الله: إني رجل أسود منتن الريح
منتن الريح، قبيح الوجه، لا مال لي فإنا أنا قاتلت هؤلاء حتى أقتل فأين أنا ؟ قال
" في الجنة " فقاتل حتى قتل فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال:
" قد بيض الله وجهك، وطيب ريحك، وأكثر مالك وقال: لهذا أو لغيره " لقد
رأيت زوجته من الحور العين نازعته جبة له من صوف تدخل بينه وبين جبته "[8] أخرجه الحاكم حديث صحيح
على شرط مسلم ولم يخرجاه.
4-الشهيد يأمن من فتنة القبر ويجار من عذابه
المقصود بفتنة القبر
سؤاله، ويكون لكل ميت سواء قبر أو لم يقبر، وكذلك العذاب؛ لأن القبر اسم لما بعد
الموت، سواء دفن الميت في الأرض، أو ألقي في البحر، أو أكلته السباع، أو احترق
بنار، أو ترك على وجه الأرض أو غير ذلك، فلا بد من السؤال، وبعد السؤال لا بد من
العذاب أو النعيم.
وهذا شيء عام، إلا أن
الأحاديث جاءت باستثناء بعض عباد الله، مثل الذي يموت مرابطاً في سبيل الله، ومثل
الشهيد الذي يموت شهيداً في المعركة، ونحوهما مما جاءت الأخبار به؛ فإنه قد صحت
الأخبار بأنه يأمن من فتنة القبر.
وأما الفتنة فإن الناس
يفتنون في قبورهم، ومعنى الفتنة الاختبار، فيقال للرجل: من ربك؟ وما دينك؟ وما
نبيك؟ والمقصود بالرجل كل ميت من ذكر أو أنثى فبين الرسول - صلى الله عليه وسلم -
أن الشهيد يجار من عذاب وفتنة القبر فقال (. ويجار من عذاب القبر).
5-الشهيد يأمن من الفزع الأكبر:
لقوله صلى الله عليه وسلم
( ويأمن من الفزع الأكبر) عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله
عليه وسلم -قَالَ: " رِبَاطُ شَهْرٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ دَهْرٍ وَمَنْ مَاتَ
مُرَابِطًا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمِنَ مِنَ الْفَزَعِ الْأَكْبَرِ وَغُدِيَ عَلَيْهِ
بِرِزْقِهِ وَرِيحَ مِنَ الْجَنَّةِ، وَيَجْرِي عَلَيْهِ أَجْرُ الْمُجَاهِدِ
حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ – "[9]
6-الشهيد لا يجد ألم القتل:
عن أبي هريرة رضي الله
عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ما يجد الشهيد من مس القتل إلا كما
يجد أحدكم من مس القرصة )[10] النسائي و ابن ماجة و أحمد و الدارمي و الترمذي بإسنادٍ صحيح.
7-تمني الشهيد أن يرجع إلى الدنيا لقتل عشر مرات:
عن أنس رضي الله عنه أن
النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما أحد يدخل الجنة يحب أن يرجع إلى الدنيا وله ما
على الأرض من شيء إلا الشهيد يتمنى أن يرجع إلى الدنيا فيقتل عشر مرات لما يرى من
الكرامة."[11] متفق عليه.
8-الشهيد في الجنة في الفردوس الأعلى:
تألّقي يا جِنَان الخُلْد كم بطلٍ
إليك في زهْوةٍ الأشواق قد نفرا
مُضمخّاً بزكيّ الطّيب ينشرهُ
مجلّلاً بهُدى الإحسان مُؤْتزرا
يَحُفُّهُ في جلالٍ من شهادته
نُورٌ ويُلقي عليه سُندساً خَضِرا
خفّت إليه طيوف من منائرها
عينٌ كواعِبُ تَجْلو الحُسْنَ والحَوَرا
ما كان يَخْطو خُطاً إلا يهزّ بها
داراً من الظّلم أو يرمي بها جُدُرا
وما خَطا للهدى إلا أنَار به
دَرْباً وشَقَّ سبيلاً أو جلا ظفرا
قصة: وعن أنس (أن أم حارثة أتت
النبي (فقالت: يا رسول الله ألا تحدثني عن حارثة، وكان قتل يوم بدر، أصابه سهم،
فإن كان في الجنة صبرت، وإن كان غير ذلك اجتهدت عليه بالبكاء، فقال رسول الله: يا
أم حارثة، إنها جنان في الجنة وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى[12] متفق عليه.
9-الشهيد خير الناس منزلا:
عن ابن عباس أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال ألا أخبركم بخير الناس منزلا قلنا بلى يا رسول الله قال
رجل آخذ برأس فرسه في سبيل الله عز وجل حتى يموت أو يقتل وأخبركم بالذي يليه قلنا
نعم يا رسول الله قال رجل معتزل في شعب يقيم الصلاة ويؤتي الزكاة ويعتزل شرور
الناس وأخبركم بشر الناس قلنا نعم يا رسول الله قال الذي يسأل بالله عز وجل ولا
يعطي به"[13]
10-أين أرواح الشهداء:
عن ابن عباس قال قال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لما أصيب إخوانكم بأحد جعل الله أرواحهم في جوف طير خضر
ترد أنهار الجنة تأكل من ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب معلقة في ظل العرش فلما
وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا من يبلغ إخواننا عنا أنا أحياء في الجنة
نرزق لئلا يزهدوا في الجهاد ولا ينكلوا عند الحرب فقال الله سبحانه أنا أبلغهم
عنكم قال فأنزل الله﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ
اللَّهِ ﴾ [آل عمران: 169] إلى آخر الآية[14]. أخرجه أبو داود:
11-الشهيد يجري عليه عمله حتى يبعث:
عن فَضَالة بن عبيد. أن
رسول الله (قال ( كل ميت يُختم على عمله إلا المرابط في سبيل الله، فإنه يُنمَى له
عمله إلى يوم القيامة، ويُؤْمَّن فتنة القبر )[15] رواه أبو داود).
12-جراح الشهداء:
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا يُكْلَمُ أَحَدٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ
أَعْلَمُ بِمَنْ يُكْلَمُ فِي سَبِيلِهِ إِلَّا جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَاللَّوْنُ لَوْنُ الدَّمِ وَالرِّيحُ رِيحُ الْمِسْكِ"[16].
13-الشهداء أحياء:
قال تعالى ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ
قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ
يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169].
14-الشهيد لا يفضله النبيون إلا بدرجة واحدة:
صفوان بن عمرو أن أبا
المثنى المليكي حدثه أنه سمع عتبة بن عبد السلمي - وكان من أصحاب النبي صلى الله
عليه و سلم - يحدث أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: ( القتلى ثلاثة: رجل
مؤمن جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتلهم حتى يقتل فذلك الشهيد
الممتحن في خيمة الله تحت عرشه ولا يفضله النبيون إلا بفضل درجة النبوة ورجل مؤمن
قرف على نفسه من الذنوب والخطايا جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو
قاتل حتى قتل فتلك مصمصة محت ذنوبه وخطاياه إن السيف محاء للخطايا وأدخل من أي
أبواب الجنة شاء فإن لها ثمانية أبواب ولجهنم سبعة أبواب وبعضها أفضل من بعض ورجل
منافق جاهد بنفسه وماله في سبيل الله حتى إذا لقي العدو قاتل حتى قتل فذلك في
النار إن السيف لا يمحو النفاق )[17] أخرجه أحمد.
العنصر الرابع: موت الشهيد
حياة للأمة:
إنّ الشَّهيد حياةُ النَّاس كُلِّهم
فيه وكلّ رُواء الأرض مِنْهُ جَرى
يُعلّم الناس قول الحق أين مضوا
ويجتلي في ميادين التّقى الخبرا
لولاه لم يبق للإحسان منزلةٌ
في النَّاس أو صادقٌ يقْفُو له أثرا
هي الشَّهادة أعْراسٌ يُزفُّ لها
رجالها ومعالي المجد حيث ترى
وكما أن موت الشهيد حياةٌ
له، كما نطق القرآن قال تعالى: ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ
رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران:169] فكذلك موت الشهيد حياةٌٌ للأمة
من بعده، فأولئك الأبطال العظماء الذين استرخصوا الحياة واستهانوها في سبيل الله
تعالى، هم الذين بنوا الأمجاد، وسطروا صفحات التاريخ، قال أبو بكر رضي الله عنه
لجنود المؤمنين: اطلبوا الموت توهب لكم الحياة وقال ل- مسيلمة ومن معه: لأحاربنكم
بقومٍ يحبون الموت كما تحبون أنتم الحياة وإذا انكفأ الدنيويون والماديون اليوم
على اللذة والشهوة والجنس والكرسي، تسامى هؤلاء إلى العلا، واستنشقوا عبير الجنة،
كما قال أنس بن النضر: الجنة ورب أنس بن النضر، إني لأجد ريحها من دون أحد[18].
ثم صاح صائحهم:
فيا ربِّ إن حانت وفاتي فلا تكُن
على شرجعٍ يُعلى بخُضرِ المطارفِ
ولكن أحن يومي سعيداً بعصبةٍ
يصابون في فجٍ من الأرض خائفِ
عصائب من شيبان ألَّف بينهم
تُقى الله نزالون عند التزاحفِ
إذا فارقوا دنياهمُ فارقوا الأذى
وصاروا إلى موعودِ ما في المصاحفِ
العنصر الخامس: أحكام
الشهيد:
أيها الأحباب أحباب رسول
الله – صلى الله عليه وسلم-بعد أن تعرفنا على منزلة الشهيد عند الغني الحميد هيا
لنتعرف على بعض أحكام الشهيد التي ينبغي أن تراعى معهم بعد نيلهم الشهادة.
1 -غسل الشهيد: ذهب جماهير العلماء إلى أن الشهيد الذي يقتل في المعترك لا يغسل،
والأدلة على ذلك كثيرة منها عن ابن عباس قال: أمر رسول الله [ صلى الله عليه وسلم
] بقتلى أحد أن ينزع عنهم الحديد والجلود، وأن يدفنوا بدمائهم وثيابهم[19]. أخرجه أبو داود.
2 -تكفين الشهيد: لا يجوز نزع ثياب الشهيد الذي قتل فيها بل يدفن وهي عليه عَبْدُ
اللهِ بْنُ ثَعْلَبَةَ بْنِ صُعَيْرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ يَوْمَ أُحُدٍ: " زَمِّلُوهُمْ فِي ثِيَابِهِمْ "
قَالَ: وَجَعَلَ يَدْفِنُ فِي الْقَبْرِ الرَّهْطَ قَالَ: وَقَالَ: "
قَدِّمُوا أَكْثَرَهُمْ قُرْآنًا
"[20] أخرجه حمد. ويستحب تكفين
الشهيد بثوب واحد أو أكثر فوق ثيابه كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصعب
بن عمير وحمزة بن عبد المطلب.
3 -الصلاة على الشهيد: ثبت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على الشهداء، وثبت أيضاً
أنه ترك الصلاة على شهداء آخرين، فكلا الأمرين حسن أقول هذا القول، وأستغفر الله
العظيم الكريم لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب؛ فاستغفروه، إنه هو الغفور
الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله رب العالمين،
والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله
وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه
وسلم تسليما.
أما بعد:
العنصر السادس: حقوق أسر
الشهداء
إخوة الإسلام: لم ينس
الإسلام حقوق الأسرى بل أمر بالاعتناء بهم و كفالتهم.
من حقوقهم العناية بهم و
كفالتهم:
حتى أنه ساوى من يخلفهم و
يعتني بأبنائهم بالغزاة في سبيل الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: زَيْدِ
بْنِ خَالِدٍ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم، قَالَ: مَنْ
جَهَّزَ غَازِيًا فِي سَبِيلِ اللهِ فَقَدْ غَزَا، وَمَنْ خَلَفَ غَازِيًا فِي
سَبِيلِ اللهِ بِخَيْرٍ فَقَدْ غَزَا "[21] أخرجه البخاري.
فسوى في الأجر بين الغازي
في سبيل الله و من جهز غازيا ومن وخلفهم في أهليهم مندرج في قوله تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُواْ عَلَى
الْبرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 2]، والجهاد من أبر البر، والمعونة عليه من أفضل
المعونة.
* كما جاء التحذير من خيانتهم في أهليهم، وتعظيم
حرمة ذلك عن بريدة - رضي الله عنه -: قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
«حُرْمةُ نساءِ المجاهدين على القاعدين كحُرْمة أُمَّهَاتهم، و ما من رجل من
القاعدين يَخْلُف رجلا من المجاهدين في أهل فيَخُونُهُ فيهم، إِلا وُقِفَ له يومَ القيامة،
فيأخذ مِن حسناتهِ ما شاء حتى يرضَى، ثم التَفَتَ إِلينا رسولُ الله - صلى الله
عليه وسلم - فقال: فما ظَنُّكم ؟». (23) أخرجه مسلم.
قال الحليمي- رحمه الله
-: «وهذا -والله أعلم-لعظم حق المجاهد على -القاعد- فإنه ناب عنه، وأسقط بجهاده
فرض الخروج عنه، ووقاه مع ذلك بنفسه، وجعل نفسه حصنًا له وجنة دونه، فكانت خيانته
له في أهله أعظم من خيانة الجار في أهله»[22].
ومن حقوقهم زيارتهم وتفقد
أحوالهم:
وقد كان النبي - صلى الله
عليه وسلم - يزور أسر الشهداء، ويواسيهم، عن أنس -رضي الله عنه - أن النبي ? لم
يكن يدخل بيتا بالمدينة غير بيت أم سليم إلا على أزواجه فقيل له فقال إني أرحمها
قتل أخوها معي"[23] أخرجه البخاري. وأخوها هو حرام بن ملحان، قتل في
غزوة بئر معونة. عبد الله بن جعفر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:« اصنعوا
لآل جعفر طعاما فقد أتاهن ما يشغلهن أو أتاهم ما يشغلهم ».)[24] أخرجه أبو داود.
ومن حقوقهم: جبر خاطرهم
وتبشيرهم:
عن عليّ بن عبد الله بن
جعفرٍ، عن أبيه، قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «هَنِيئًا لَكَ يَا
عَبْدَ اللهِ! أَبُوكَ يَطِيرُ مَعَ المَلاَئِكَةِ فِي السَّمَاءِ»[25] أخرجه الطبراني وكان
صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من بعده يسيرون بسيرته ويهتدون بهديه.
عن سعيد بن أبي هلال، عن
رجل من بني مازن أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام يوم أحد فقال: «ألا
رجل يأتيني بخبر سعد بن الربيع، فإن آخر عهدي به أني رأيته بملاذ الجبل، وقد شرعت
إليه الرماح» فقام فتى من الأنصار، فقال: أنا يا رسول الله، فانطلق فوجده تحت
شجرة، فأخبره الخبر، فقال اقرأ على رسول الله السلام، وأخبره أني قد طعنت ثنتي
عشرة طعنة، وقد أنفذت مقاتلي كلها، واقرأ على قومك السلام، وقل لهم إن سعد بن
الربيع يقول لكم: إنه لا عذر لكم إن قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى لا يبقى
منكم أحد، وأصيب سعد فأوصى إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه، فدخل رجل على أبي بكر
وبنت سعد على بطنه وهو يشمها فقال: يا خليفة رسول الله، ابنتك هذه؟ قال: لا، بل
ابنة رجل هو خير مني، قال الرجل: من هذا الذي هو خير منك بعد رسول الله صلى الله
عليه وسلم؟ قال: سعد بن الربيع، كان من النقباء يوم العقبة، وشهد بدرا، وقتل يوم
أحد[26].
ومن حقوقهم النفقة على
أبناءهم وذويهم:
وهذا عمر بن الخطاب - رضي
الله عنه -يروى عنه أنه قال: أربع من أمر الإسلام لست مضيعهن ولا تاركهن لشيء
أبدًا، وذكر من إحداهن: المهاجرون الذين تحت ظلال السيوف ألا يحبسوا ولا يجمروا،
وأن يوفر فيء الله عليهم، وعلى عيالاتهم، وأكون أنا للعيال حتى يقدموا"[27] تاريخ الطبري. تجمير
الجيش: جمعهم في الثغور وحبسهم عن العودة إلى أهلهم وقد كان - رضي الله عنه - يكرم
أبناء الشهداء ويفضلهم على غيرهم، فقد روي أنه لما فرض للناس، فرض لعبد الله بن
حنظلة الغسيل ألفي درهم، فأتاه طلحة بابن أخ له ففرض له دون ذلك، فقال: يا أمير
المؤمنين فضلت هذا الأنصاري على ابن أخي! قال: نعم لأني رأيت أباه يستنيوم أحد
بسيفه كما يستن الجمل"[28] الجهاد لابن المبارك.
يستن: أي يمرح ويخطر به
كما روي عنه أنه أعطى
رجلاً عطاءه، أربعة آلاف درهم وزاده ألفًا، فقيل له: ألا تزيد ابنك كما زدت هذا؟
قال: إن أبا هذا ثبت يوم أحد، ولم يثبت أبو هذا".[29]
وقد كان عبد الله بن عمر
-رضي الله عنهما-إذا حيا ابن جعفر قال: السلام عليك يا ابن ذي الجناحين[30] البخاري ولذا فقد ذكر الفقهاء -رحمهم الله-أن من
مات أو قتل من جنود المسلمين فإنه ينفق على امرأته حتى تتزوج، وعلى ابنته الصغيرة
حتى تتزوج، وعلى ابنه الصغير حتى يبلغ، ثم يجعل من المقاتلة إن كان يصلح للقتال،
لأن في هذا تطييبًا لقلوب المجاهدين، فإنهم متى علموا أن عيالهم يكفون المؤنة بعد
موتهم تحمسوا للجهاد والقتال"[31].
الدعاء
[3] أخرجه النسائي (6/ 37،
رقم 3163)، والطبراني (17/ 326، رقم 900). وأخرجه أيضًا: ابن المبارك في الجهاد (ص
154، رقم 198)، وأبو عوانة (4/ 499، رقم 7476).
[4] أخرجه أحمد (4/ 131، رقم
17221)، والترمذي (4/ 187، رقم 1663)، وقال: حسن صحيح غريب. وابن ماجه (2/ 935،
رقم 2799)، والبيهقي في شعب الإيمان (4/ 25، رقم 4254)، وعبد الرزاق(5/ 265، رقم
9559)
[6] أخرجه أحمد (1/ 266، رقم
2390) قال الهيثمي (5/ 294): رجاله ثقات، وهناد في الزهد (1/ 127، رقم 166)، وابن
جرير فى تفسيره (4/ 172)، والطبراني (10/ 333، رقم 10825)، وابن حبان (10/ 515،
رقم 4658)، والحاكم (2/ 84، رقم 2403) وقال: صحيح الإسناد على شرط مسلم.
[12] أخرجه أحمد (3/ 264) قال:
حدثنا سليمان بن داود. والبخاري (8/ 145) والنسائي في فضائل الصحابة (127).
[13] أخرجه أحمد (1/ 322، رقم
2961)، والترمذي (4/ 182، رقم 1652)، وقال: حسن غريب. والنسائي (5/ 83 رقم 2569)،
وابن حبان (2/ 367 رقم 604)، والطبراني (10/ 315 رقم 10768)، والبيهقي في شعب
الإيمان (3/ 277، رقم 3539). وأخرجه أيضًا: الدارمي (2/ 265، رقم 2395).
[14] أخرجه أحمد (1/ 265، رقم
2388)، وأبو داود (3/ 15، رقم 2520)، والحاكم (2/ 325، رقم 3165) وقال: صحيح على
شرط مسلم. والبيهقي (9/ 163، رقم 18301).
[15] أخرجه أبو داود (3/ 9،
رقم 2500)، والترمذي (4/ 165، رقم 1621)، وابن حبان (10/ 484، رقم 4624)،
والطبراني (18/ 311، رقم 802)، والحاكم (2/ 88، رقم 2417)، وقال: صحيح على شرط
مسلم.
[16] أخرجه الترمذي (4/ 184،
رقم 1656) وقال: حسن صحيح. والنسائي (6/ 28، رقم 3147). وأخرجه أيضًا: البخاري (3/
1032، رقم 2649)، ومسلم (3/ 1496، رقم 1876)، وأبو يعلى (11/ 138، رقم 6263).
[21] أخرجه الطيالسي (ص 129،
رقم 956)، وأحمد (4/ 116، رقم 17086)، وعبد بن حميد (ص 117، رقم 277)، والبخاري
(3/ 1045، رقم 2688)، ومسلم (3/ 1506، رقم 1895)
[22] أخرجه أحمد (5/ 352، رقم
23027)، ومسلم (3/ 1508، رقم 1897)، وأبو داود (3/ 8، رقم 2496)، والنسائي (6/ 50،
رقم 3189)
[24] أخرجه الطيالسي (2/ 284،
رقم 1026) بلفظ: اجعلوا - ط دار هجر. وأحمد (1/ 205، رقم 1751)، وأبو داود (3/
195، رقم 3132) والترمذي (3/ 323، رقم 998) وقال: حسن صحيح. وابن ماجه (1/ 514،
رقم 1610)، والطبراني (2/ 108، رقم 1472).
[25] نقله ابن كثير في
"جامع المسانيد" (5312/ قلعجي) و (3/ 667/ ابن دهيش) عن المصنف، به.
وذكره الهيثمي في "مجمع الزوائد" (9/ 273)، وقال: «رواه الطبراني،
وإسناده حسن»، وذكره ابن حجر في "فتح الباري" (7/ 76).