السنة النبوية الشريفة بين الفهم والمقاصد للشيخ ماهر السيد خضير



وقفات الخطبة .........
الوقفة الأولى/ تعريف السنة النبوية ومكوناتها 
الوقفة الثانية / مبادئ الفهم وضوابط العمل بالسنة 
الوقفة الثالثة / من مقاصد السنة 
........................
أما بعد .................................
عباد الله / عن عروة بن الزبير أن عبد الله بن الزبير حدثه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في شراج الحرة التي يسقون بها النخل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليهم فاختصموا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري فقال يا رسول الله أن كان ابن عمتك فتلون وجه نبي الله صلى الله عليه وسلم ثم قال يا زبير اسق ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا )
أمر الله -تعالى-بالأخذ بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وبالعمل بها، فقال: (وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا)[الحشر: 7].
وأمر بطاعة النبي -صلى الله عليه وسلم-والاحتكام إلى سنته عند الاختلاف، فقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)[النساء: 59].
قال عطاء: "طاعةُ الرسول، اتباعُ سُنته".
وأمر النبيُ الكريم -صلى الله عليه وسلم-بالتمسك بها، فقال: "عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ تَمَسَّكُوا بِهَا وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ"[رواه أبو داود].
ومن أهمية السنة النبوية المطهرة أنها استقلت بأحكامٍ وتشريعاتٍ لم ترد في القرآن الكريم، قال عليه الصلاة والسلام: "أَلَا إِنِّي أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ مَعَهُ"[رواه أبو داود].
عباد الله نحن اليوم على موعد مع موضوع هام جدا الا وهو السنة النبوية المشرفة بين الفهم والمقاصد وتأتى أهمية هذا الموضوع في تلك الأونة على وجه التحديد لما نراه ونسمعه من دعاة الفتن واعداء الأوطان تارة أخرى وهو يسبحون في دماء الآمنين ويزعمون وكذبوا ان هذا مما تلقوه عن الرسول صلى الله عليه وسلم وما هذا الا من سوء الفهم عن الله وعن رسول الله صلى اله عليه وسلم 
وان من أعظم البلاء سوء الفهم عن الله ورسوله وهو الذي قسَّم ومزَّق هذه الأمة إلى ثلاثٍ وسبعين فرقة كلُّها في النَّار إلا واحدة 
قالوا : من هي يا رسول الله قال : ما عليه اليوم أنا وأصحابي 
فكلٌ يدَّعي وصلاً بليلى ..:.. و ليلى لا تقرُّ له بذاك
كلٌ ينسبُ نفسه إلى الكتاب والسنَّة، والكتاب والسنَّةِ منه براء ومن اهم أسباب سوء الفهم في زماننا 
التعصب والتقليد الأعمى : يقول العقاد ان التفكير فريضة اسلامية. والاسلام هو الدين الوحيد الذي وضع العقل اساسا نهتدي به الى العقيدة والايمان. ورفض التقليد الاعمى المجرد عن البراهين.
{ وإذا قيل لهم اتبعوا ما أنزل الله قالوا بل نتبع ما ألفينا عليه آباءنا أولو كان آباؤهم لا يعقلون شيئا ولا يهتدون } (170 البقرة )
قد تكون حركة الأباء قد اختلت بالغفلة عن المنهج أو بنسيان المنهج ، لذلك يدعونا ويأمرنا سبحانه : أن ننخلع عن هذه الأشياء ونتبع ما أنزل الله ، ولا نهبط الى مستوى الأرض ، لأن عادات ومنهج الأرض تد تتغير ، ولكن منهج السماء دائما لا يتغير، والإنسان لا يطيع طاعة عمياء الا لمن يتيقن صدق بصيرته النافذة المطلقة ، وهذه لا يمكن أن تتاتى من بشر إلى بشر ، فالطاعة المطلقة لا تصح أن تكون لشيء الا لمنهج السماء.
من مظاهر الانحراف عن فهم الإسلام: تجزئته, بإهدار بعض تعاليمه الأصيلة أو إعطائها دون حقها.
إضافة ما ليس من تعاليمه إليه , من أوهام الفكر , وشطحات الخيال , وتطرفات الملل والنحل .
مسخ بعض تعاليمه وتشويهها وتحريفها عما شرعت له.
اختلال النسب والتوازن بين القيم التي وضعها لتكاليفه وأعماله.
يقول الشاطبي رحمه الله في الموافقات (أن القرآن الكريم أتى بالتعريف بمصالح الدارين جلبا لها والتعريف بمفاسدهما دفعا لها ... وإذا نظرنا إلى السنة وجدناها لا تزيد على تقرير هذه الأمور فالكتاب أتى بها أصولا يرجع إليها والسنة أتت بها تفريعا على الكتاب وبيانا لما فيه منها فلا تجد في السنة إلا ما هو راجع إلى تلك الأقسام )
عباد الله تعالوا سويا لنستعرض أولا تعريف السنـة لغة وشرعا لكى يتضح لنا الامر
السنة لغة هي : الطريقة والسيرة المسلوكة محمودة كانت أو ذميمة .
وشرعا هي: كل ما صدر عن النبي صلى الله عليه و سلم من قول أو فعل أو تقرير . أو صفة خلقية أو خلقية أو سيرة.
والسنة النبوية لها مكونات انطلاق من التعريف السابق ومنها يتبين إن السنة أنواع :
1-
السنة القولية : وهي ما حدث به النبي صلى الله عليه و سلم في مختلف الأغراض والمناسبات من غير اقترانه بفعل 
2-
السنة الفعلية : هي الأعمال التي قام بها النبي صلى الله عليه و سلم على وجه البيان للقرآن الكريم والتبليغ عن الله سبحانه للأمة سواء اقترنت بقول أم لا .
-
ويشترط كون الفعل صادرا عنه صلى الله عليه و سلم بقصد التشريع ،فتخرج الأفعال الجبلية وخصائصه واجتهاده في أمور الدنيا..
3-
السنة التقريرية : « هي ما أقره النبي صلى الله عليه و سلم مما صدر عن بعض الصحابة من أقوال وأفعال سواء أكان بمحضر رسول الله صلى الله عليه و سلم أو بمجلس آخر بسكوته و عدم إنكاره أو بموافقته واستحسانه » لأن النبي صلى الله عليه و سلم لا يسكت على منكر 
4-
صفته صلى الله عليه وسلم : والتي تشمل أوصافه الخلقية والخلقية .. المجلية لخلقه العظيم 
5-
سيرته صلى الله عليه وسلم : وهي الأحداث والوقائع الثابتة بالروايات الصحيحة المتعلقة بحياته صلى الله عليه و سلم وحياة الواقع حوله منذ الولادة إلى حين وفاته صلى الله عليه و سلم 
ومن المؤس الان تلك العواصف وتلك الاتربة من منكري السنة واتباعهم بين قائل يقول انها جمود ورجعية وبين قائل انها تعارض القران والى غير ذلك فنقول عباد الله أولا هناك مبادئ للفهم وضوابط للعمل بالسنة النبوية 
-
لا بد للمشتغل بالسنة النبوية دراسة واستنباطا أن يكون عالما مجتهدا متمكنا من آليات الترجيح والتنزيل ...ومن هنا حدد العلماء جملة من الضوابط التي ينبغي الالتزام بها للوصول إلى الفهم الصحيح والتطبيق الرشيد لسنته صلى الله عليه و سلم ،ولحمايتها من المتربصين والمشككين ومنها 
1-
الإستيثاق من ثبوت السنة وصحتها تبعا لضوابط نقاد الحديث، والاستعانة بأهل الخبرة «علماء الحديث» في هذا المجال 
2-
جمع الأحاديث الواردة في الموضوع الواحد للجمع والتوقيف بينها عند الإمكان. أو الترجيح عند تعذر ذلك ..، وإلا سنقع في الاختلاف والتناقض وسوء الفهم .
3-
فهم الحديث النبوي وفق دلالات اللغة العربية وعلى هدي سياق الحديث وسبب ورده ، ومراعاة المقاصد الكلية للإسلام والتمييز ما جاء من الأحاديث على وجه التبليغ للرسالة وما ليس كذلك .وماله صفة الدوام والعموم ،وما له صفة الخصوصية واللحظية ...الخ ما حدده علماء هذا الفن في هذا المجال.
4-
التمييز بين الوسائل المتغيرة والمقاصد الثابتة ،فالوسائل تتغير من عصر إلى عصر ومن مجتمع إلى مجتمع فاعتبارها مقصودة لذاتها تؤدي إلى الخلط والزلل و..... مثل : تعيين السواك لطهارة الفم ...
5-
فهم السنة في ضوء من القرآن الكريم : فلا يمكن حصول « التعارض بين سنة صحيحة ومحكمات القرآن » ،وإن ظهر شيء من ذلك فلا يخلو الأمر:
-
إما أن السنة غير صحيحة . - أو الفهم لها غير صحيح .
-
أو أنه تعارض في الظاهر فقط. ولذلك ينبغي ترك ذلك للعلماء المتخصصين للتدقيق والتحري وعدم التسرع في رد الأحاديث بناء على الوهم أحيانا. ومحاولة تشويه حقيقة الاسلام والنيل منه أحيانا أخرى.
والان عباد الله تعالى بنا لنعرج سويا عن بعض مقاصد السنة النبوية وهي تتحدد من خلال مهامه صلى الله عليه و سلم 
1-
تبليغ القرآن الكريم : كما أمرنا الله بذلك في آيات عديدة فأول وظائف النبي صلى الله عليه وسلم كانت الدعوة والتبليغ عن الله تعالى و الدعوة إلى الله شأنها عظيم، وفضلها كبير، فهي وظيفةُ رسل الله عليهم الصلاة والسلام، وكفى بذلك فضلًا وفخرًا وشرفًا، ولا أجد للدلالة على ذلك أبلغَ من قول رب العالمين: ﴿ وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ﴾ [فصلت: 33].
و الدعوة إلى الله تعالى مذهب سيد البشر وإمام المؤمنين .. الرسول الحبيب .. صلى الله عليه وسلم .. قال تعالى (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا) 
فيا من تدَّعي حب رسول الله صلى الله عليه وسلم .. هذا هو حبيبك وإمامك (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم)
وتذكر جيدا ان الدعوة الى الله تعالى غير محصورة بوقت ولا مكان ولا طريقة
فهذا نوح عليه الصلاة والسلام يدعو قومه ليلا ونهارا (قال رب إن دعوت قومي ليلا ونهارا)
ويطرح طرق مختلفة (ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا)
وهذا يوسف عليه السلام يدعو في السجن (يا صحابي السجن أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار) 
فمن أعجزته طريقة وجد أخرى .. ومن أغلق عليه باب فتحت له أبواب .. وهي الوسيلة الميسرة للجميع .. فالدعوة وسيلة ميسرة الوصول للصغير والكبير .. للعالم ولقليل العلم .. للخطيب وللمجاهد وللضعفاء وللمساجين ..
2-
البيان للبلاغ القرآني وتوضيحه وتفصيله من مقاصد السنة النبوية فالسنة النبوية إنما هي في المقام الأول بيان وتفصيل لما نزل به الكتاب العزيز، وهي أيضا تأكيد لمبادئه وتطبيق لمقاصده. وهذا يعني أن مقاصد السنة - في عمومها - هي نفسها مقاصد القرآن : قال تعالى { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون} النحل 
3-
التجسيد العملي للبلاغ القرآني : فحياته صلى الله عليه و سلم وسيرته ،نموذج تطبيقي لما في القرآن الكريم . قال تعالى : «لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة .....» ونستطيع القول ببساطة أن العلاقة الطبيعية بين البلاغ الإلهى ـ القرآن ـ وبين التطبيق النبوى لهذا البلاغ الإلهى ـ السنة النبوية ـ فهى أشبه ما تكون بالعلاقة بين " الدستور " وبين " القانون ". فالدستور هو مصدر ومرجع القانون.. والقانون هو تفصيل وتطبيق الدستور ، ولا حُجة ولا دستورية لقانون يخالف أو يناقض الدستور.. ولا غناء ولا اكتفاء بالدستور عن القانون.
أخرج البخاري في صحيحه عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: لما نزلت: (وَأَنذِر عَشِيرَتَكَ الأَقرَبِينَ)(الشعراء: 214). صعد النبي - صلى الله عليه وسلم - على الصفا فجعل ينادي: يا بني فهر، يا بني عدى، - لبطون من قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج أرسل رسولاً لينظر ما هو. فجاء أبو لهب وقريش فقال: أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً بالوادي تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي؟ قالوا: نعم، ما جربنا عليك إلا صدقاً. قال: \" فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد \". فقال أبو لهب: تباً لك سائر اليوم. ألهذا جمعتنا؟ فنـزلت: (تَبَّت يَدَا أَبِي لَهَبٍ, وَتَبَّ. مَا أَغنَى عَنهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ... ) السورة(المسد: 1-2)
وفي حديث عائشة رضي الله عنها لما سئلت عن خلقه صلى الله عليه و سلم قالت : « كان خلقه القرآن »
(
ادعوا الله يستجب لكم واستغفروه يغفر لكم ) ...................................
الخطبة الثانية أما بعد / لا زلنا عباد الله نعرج عن بعض من مقاصد السنة النبوية المشرفة ليتضح الطريق وتظهر المعالم الجلية لكل سالك ومحب ومريد ومن تلك المقاصد
التعليم والتربية والتزكية للمسلمين لحسن فهم الدين والإيمان به إيمانا يدفع للعمل به والعمل له (واسمحوا لى ان اطيل في هذا المقصد بعض الشئ لأهميته تارة وحاجتنا اليه تارة أخرى) اذ من المهم - والمهم جداً - إدامة النظر والتأمل في الأساليب النبوية في التربية والتعليم وذلك لأمور:
أولاًً: أن الله بعث نبيه محمداً –صلى الله عليه وسلم- معلماً ومزكياً، ومبشراً ونذيراً ﴿هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيٰتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتٰبَ وَالْحِكْمَةَ﴾ [الجمعة: 2]؛ وعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله لم يبعثني معنِّتاً ولا متعنتاً، ولكن بعثني معلماً ميسراً» ؛ فالحكمة مِنْ بَعْث النبي –صلى الله عليه وسلم- أن يعلِّم الناس، ولذا كانت حياته –صلى الله عليه وسلم- كلها تربية وتعليمًا، مما يجعلها غنية جداً بالأساليب التربوية والتعليمية.
ثانياً: أن النبي –صلى الله عليه وسلم- أوتي الكمال البشري، وعُصم من الخطأ الذي يقدح في تبليغه للدعوة «فأي عاقل حريص على مرضاة ربه يخيَّر بين الاقتداء بالمعصوم، الذي يكفل له السير على صراط الله المستقيم، وبين الاقتداء بمن لا يُؤمَن عثاره، ولا تضمن استقامته على الحق ونجاته..» ، لقد أعطي النبي –صلى الله عليه وسلم- مع أميته - علماً لا يدانيه فيه أحد من البشر ﴿وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ [النساء: 113].
ثالثاً: لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- مرّ بمختلف الظروف والأحوال التي يمكن أن يمر بها معلم أو مربٍّ في أي زمانٍ ومكان؛ فما من حالة يمر بها المربي أو المعلم إلا ويجدها نفسها أو مثلها أو شبهها أو قريباً منها في حياة النبي –صلى الله عليه وسلم-. لقد عاش النبي –صلى الله عليه وسلم- الفقر والغنى، والأمن والخوف، والقوة والضعف، والنصر والهزيمة، عاش اليتم والعزوبة والزوجية والأبوة.. فكان يتعامل مع كل مرحلة وكل حالة بما يناسبها.
لقد ساس النبي –صلى الله عليه وسلم- العرب، ودعاهم وعلَّمهم وأحسن تربيتهم؛ مع قسوة قلوبهم وخشونة أخلاقهم، وجفاء طباعهم وتنافر أمزجتهم، لقد كان حال العرب كما وصفهم جعفر بن أبي طالب - رضي الله عنه - بقوله: «كنا قوماً أهل جاهلية، نعبد الأصنام، ونأكل الميتة، ونأتي الفواحش، ونقطع الأرحام، ونسيء الجوار، ويأكل القويُّ منا الضعيف..» .
فاحتمل النبي –صلى الله عليه وسلم- ما هم فيه من جفاء، وصبر منهم على الأذى، حتى كانوا خير أمة بعد أن لم يكن لهم قيمة ولا وزن ﴿وَإن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلٰلٍ مُّبِينٍ﴾ [الجمعة:2].
إن الذي ينظر إلى الجاهلية قبل الإسلام، وكيف أنها كانت تعيش انتكاسة في الفطرة والعقيدة والأخلاق، لَيرى كم هو الدور الكبير الذي قام به النبي –صلى الله عليه وسلم-؛ حيث أحدث نقلة ضخمة في زمن قياسي. يقول «كارليل» - وهو يقارن بين حال العرب قبل البعثة وبعدها-: «هم قوم يضربون في الصحراء، لا يؤبه لهم عدَّة قرون؛ فلما جاءهم النبي العربي، أصبحوا قبلة الأنظار في العلوم والعرفان، وكثروا بعد القلة، وعزوا بعد الذلة، ولم يمض قرن حتى استضاءت أطراف الأرض بعقولهم وعلومهم» .
تنبيه: حين نريد أن نقف على المنهج النبوي الصحيح في التربية والتعليم فلا بد أن نفرق بين السمات الثابتة في حياته –صلى الله عليه وسلم-، وبين السمات التي تستدعيها حالات معينة توجب نوعية معينة من التعامل، وإليك بعض الأمثلة توضح ذلك:
-
(الرفق واللين والرحمة) سمات ثابتة في الهدي النبوي لا تكاد تفتقدها وأنت تطالع السيرة؛ كيف لا وقد أنزل الله قوله - تعالى-: ﴿وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ﴾[آل عمران: 159].
بينما تجد - الشدة، الزجر - تكون أموراً عارضة لأحوال عارضة ناسب أن يتعامل معها النبي –صلى الله عليه وسلم- بمثل هذا الأسلوب. فعند البخاري عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: أخذ الحسين بن علي - رضي الله عنه - تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فيه فقال –صلى الله عليه وسلم-: «كِخْ، كِخْ» ليطرحها، ثم قال: «أما شعرتَ أنَّا لا نأكل الصدقة؟».
يا ترى كم كان عمر الحسين بن علي - رضي الله عنه - وقتئذ؟ لقد مات النبي –صلى الله عليه وسلم- وعمر الحسين لم يجاوز الثامنة؛ ومع ذلك خاطبه –صلى الله عليه وسلم- خطاب الكبار، ومارس معه الإقناع؛ فكأنه يقول له: أنا لم أخرجها من فمك شُحًّا أو طمعًا أو أن فيها ضررًا عليك - لا.. إن السبب أنَّا لا نأكل الصدقة.
أيها المسلم: ما منزلة نبيك -صلى الله عليه وسلم- في حياتك؟
هل تحبه وتجله؟ هل تنصره وتوقره؟ أهي كلمات ترددها فقط؟! أم هو الحب والاتباع، والتأسي والتوقير والنصرة؟
حبيبنا -صلى الله عليه وسلم – أحب إلينا من أسماعنا وأبصارنا وفلذات أكبادنا، هذا النبي الكريم بلغ من شفقته لأمته أنه تلا قولَ الله -عز وجل- في إبراهيم: (رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي)[إبراهيم: 36].
وقولَ عيسى -عليه السلام-: (إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [المائدة: 118] فرفع صلى الله عليه وسلم يديه، وقال: "اللهم أمتي أمتي، وبكى" فقال الله -عز وجل-: يا جبريل اذهب إلى محمد -وربك أعلم- فسله ما يبكيك؟ فأتاه جبريل فسأله، فأخبره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بما قال، فقال الله: يا جبريل اذهب إلى محمد، فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك"[رواه مسلم].
اللهم انا نسألك العفو والعافية ...... الدعاء ......................... وأقم الصلاة


التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات