رمضان شهر الانتصارات د. محمد عامر
رمضان شهر الانتصارات )
العناصر
1- المقدمة
2- رمضان شهر إعزاز المسلمين
3- انتصارات رمضانيه ( فتح مكة- غزوة البويب- فتح الأندلس- عين
جالوت - العاشر من رمضان (حرب أكتوبر المجيد )
4- الانتصارات على الشهوات ( الشيطان - الرياء - الكسل - شهادة
الزور - اللسان - الغيبة - سوء الخلق )
المقدمة
الحمد لله رب العالمين, الحمد لله الذي أراد فقدر, وملك فقهر, وخلق
فأمر وعبد فأثاب, وشكر, وعصي فعذب وغفر, جعل مصير الذين كفرو إلي سقر, والذين اقو ربهم
إلي جنات ونهر, ليجز الذين كفرو بما عملو, والذين امنوا بالحسنى
واشهد إن لا اله إلا الله, وحده لا شريك له, له الملك, وله الحمد,
وهو علي كل شيء قدير
يارب
رضاك خير إلي من الدنيا وما فيها يا مالك النفس قاصيها ودانيها
فنظرة منك يا سـؤلي ويـا أملى خير إلى من الدنيـا وما فيها
فليـس للنـفس أمـآل تحققـها سوى رضاك فذا أقصى أمانيها
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من
خلقه وحبيبه
بلغ الرسالة وأدى الأمانة وكشف الظلمة وأحاط به الغمة وجاهد في
الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
يا سيدي يا رسول الله :
أنت الذي تستوجب التفضيل فصلوا عليه بكرة وأصيـلا
ملئت نبوته الوـجود فأظهرا بحسامه الدين الحديد فأسفرا
ومن لم يصلي عليه كان بخيل فصـلوا عليه وسلموا تسليما
وعلي اله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم
بإحسان إلي يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
أما بعد
في هذا الشهر الكريم الرسول هدم صنم هبل، ومعه أكثر من 360 صنمًا
بداخل الكعبة المشرفة.
في الشهر نفسه بعث الرسول خالد بن الوليد ليهدم صنم العزى، فهدمها.
في الشهر نفسه بعث عمرو بن العاص ليهدم صنم سواع، فهدمه.
في الشهر نفسه بعث سعد بن زيد ليهدم صنم مناف، فهدمه.
وانتصرنا على المشركين في بدر وفتح مكة، انتصرنا على الفرس عُبَّاد
النار في البُوَيْب، انتصرنا على الصليبيين في وادي برباط في الأندلس، وأيام صلاح الدين
في فتح صفد، وانتصرنا على التتار في عين جالوت، وكذلك حرب 6 أكتوبر سنة 1973م، فتحررت
سيناء، وهو انتصار مجيد
ما هذا؟ أمعقول كل هذا في شهر واحد؟ في شهر رمضان تقع كل هذه الأصنام؟
أمعقول أنها صدفة؟
هذا شهر إعزاز الإسلام، وتمكين الدين، ونصر المؤمنين، رمضان شهر
الإنقاذ والنجدة والنصر والعزة،
عباد الله :
عندما يذكر الانتصار في رمضان، يصرف الذين مباشرة إلى الانتصارات
العسكرية التي حققها المسلمون على أعدائهم في هذا الشهر، من بدر إلى فتح مكة إلى عين
جالوت إلى حرب العاشر من رمضان وغيرها من الملاحم الإيمانية التي كتب الله فيها النصر
المؤزر لعباده المؤمنين وهذا حق، ولكن مجالات الانتصار في رمضان بالنسبة للمؤمن غير
مقتصرة على هذا الجانب فقط، بل هناك الانتصار على الشيطان وسوء الخلق والشهوه وغيرها
يقول تعالى { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ
وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} [محمد: 7)
لقد كانت أعلامنا مرفوعة في رمضان، يوم أن كنا نسجد لله سُبحَانَهُ
وَتَعَالَى، فالرسول صلى الله عليه وسلم في بدر -كما ذكرت- انتصر ورفع لا إله إلا الله،
يقول حسان:
وبيوم بدر إذ يصد وجوههم جبريل تحت لوائنا ومحمد
وهذه هي القيادة العليا.. والفتح كان في رمضان، وصلاح الدين هاجم
الصليبية وكسر الصليب في رمضان، وانتصر يوم الجمعة في رمضان.
عباد الله : إذا كان رمضان شهر التقوى والصيام، وشهر الصبر وتلاوة
القرآن، وشهر النفقة والإحسان، إلى غير ذلك من مزايا وفضائل شهر الصيام، فرمضان كذلك
شهرُ الانتصار.
وانتصاراتنا في رمضان في أكثر من مجال، لا تحد بزمان ولا يخص بها
أجيال دون أجيال، وليست قصرًا على الانتصارات العسكرية، بل ثمة انتصارات من نوع آخر؛
ففي شهر رمضان ينتصر الصائم على دواعي الشهوة -وإن كانت مباحة-؛ إذ تصوم البطون عن
الأكل والشراب، وإن كانت حلالاً، وتصوم الفروجُ عن الشهوة من طلوع الفجر إلى غروب الشمس.
وينتصر الصائم على الشهوة المحرمة كشرب الدخان، أو ما يدخل في بابه
-بل وأعظم-، كالمخدرات والمسكرات ونحوها،.
أيها الصائمون: والصائم الموفق والحافظ لصيامه ينتصر على شهوة النظر
المحرمة، وشهوة السمع الآثمة، هذا في السمع والبصر، وفي اللسان ينتصر الصائم الحافظ
لصيامه على آفات اللسان من الغيبة والنميمة، واللغو وقول الزور، والفحش والآثام ورديء
الكلام.
عباد الله: وينتصر الصائمون الموفقون على دواعي الشهوة الخفية من
حبِّ الرياء والسمعة، والصيام يدرب على الإخلاص، وبالصيام يقوى جانب المراقبة لله؛
إذ لا رقيب على الصائم إلا الله في صيامه وحفظ أمانته، ومن هنا قال -صلى الله عليه
وسلم-: "مَنْ صَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ
مِنْ ذَنْبِهِ".
وينتصر جماهيرُ من المسلمين في رمضان على مكر الشيطان وتوهينه وإغوائه
في التكاسل عن الصلاة جماعةً مع المسلمين، وفي شهود صلاة الفجر التي طالما أضاعوها
أو أخروها عن وقتها.
وفي رمضان تكتظُّ المساجدُ بالمصلين، وعسى الله أن يجعل من رمضان
فرصةً ليراجع المفرطون أنفسهم، ويتوبوا إلى بارئهم، ويشكروه على نعمة الصحة والأمن
والفراغ، ويخرجوا من دائرة الخُلوف الذين قال الله فيهم: (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ
خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً
* إِلا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلا
يُظْلَمُونَ شَيْئاً) [مريم: 59، 60).
كما ينتصر الصائمون على الشح والأثرة والبخل والأنانية، ففي رمضان
تكثر الصدقاتُ والإحسانُ للفقراء والمحتاجين، ويحسّ المسلمون في رمضان أكثر من غيره
بحوائج إخوانهم المسلمين هنا وهناك، فيصلونهم ويحسنون إليهم، والمؤملُ والمرتجى أن
يمتد هذا الإحسان والإنفاق بعد رمضان.
أيها المسلمون: وحين نَعدُّ انتصاراتنا المعنوية في رمضان، فإن
كلَّ طاعةٍ يُتقرب بها إلى الله في رمضان هي انتصارٌ للحق ، وإن كلَّ تائب يعودُ إلى
رشده في رمضانهو انتصار للحق، وهو معدودٌ في انتصاراتنا في رمضان.
أيها المسلمون: وإذا كانت هذه وأمثالها كثير من انتصاراتنا السلمية
في شهر رمضان، فلنا انتصاراتٌ عسكريةٌ في رمضان، هلل الكون لها، واستبشر لها جندُ الله
وكبر، وأرغمت أنوفُ الكافرين، وخمدت شوكة الباطل والمبطلين . يقول تعالى (وَيُرِيدُ
اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ * لِيُحِقَّ
الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ) [الأنفال: 7، 8(.
انتصارات رمضانية
أولاً: ونعنى بها الانتصارات فى ميادين القتال. )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) (محمد:7)
وقال: ( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ
قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ
مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَنْ
كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ) (النور:55)، وقال: (إِذْ يُوحِي
رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي
فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا
مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ) (لأنفال:12). ولقد كان شهر رمضان عبر التاريخ شهر الانتصارات
والتمكين.
وهاكم طائفة منها نمرُّ عليها فى عجالة تتناسب والمقام:
1- فتح الفتوح: ونعنى به فتح مكة. حيث نقضت قريش عهدها الذي قطعته
مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فى الحديبية وأمدت بنى بكر بالمال والسلاح واشتركت
معها فى الغارة على خزاعة –حليفة المسلمين- وقتلوا منهم عشرين رجلاً. فتهيأ رسول الله
للفتح الأعظم، وطلب من أصحابه أن يجهزوا أنفسهم للخروج دون أن يخبرهم عن وجهتهم. واستطاعوا
إحباط محاولة كانت تجرى لإبلاغ قريش، وكان هدفه صلى الله عليه وسلم أن يفاجئ القوم،
فلا يستطيعون مقاومة، ويستسلمون دون إراقة الدماء. وانطلقوا للجهاد في العاشر من رمضان
من العام الثامن للهجرة. وانضم الكثير من القبائل المسلمة للجيش الإسلامي، حتى بلغ
عدد المسلمين عشرة آلاف مقاتل، وقريش مازالت تتشاور فى الأمر ولم تعلم بقدومهم، وأسلم
أبو سفيان ودخلت الجيوش مكة فاتحين. وعفا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قريش بقوله
المشهور “اذهبوا فأنتم الطلقاء ” ودخل البيت الحرام فطهره من الأصنام، وأمر بلالاً
فأذّن فوقه وصلى بالناس فيه.
2- موقعة البويب: وفي عهد الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله
عنه وفى العام الثالث عشر للهجرة كانت موقعة الجسر التي استشهد فيها القائد أبو عبيد
في العراق مع قرابة أربعة آلاف مقاتل مسلم في قتالهم ضد الفرس، أمام جيش كبير مزود
بالفيلة الضخمة. فأرسل عمر المثنّى بن حارثة على رأس جيش آخر وكان هذا فى شهر رمضان
من العام نفسه. والتقى الجيشان عند مكان يسمى البويب قرب الكوفة وكان يفصل الجيشين
نهر، فشدد المثنّى على جنوده ليفطروا فافطروا؛ حيث يرخص للمقاتل فى ذلك. وطلب من الفرس
أن يعبروا النهر فعبروا واحتدم القتال وحمل بنفسه على قائد الفرس مهران؛ حتى أزاله
عن موضعه، وعندها بدأ الفرس فى الهروب، ولحقهم المسلمون فأعملوا فيهم السيوف حتى مات
منهم قرابة المائة ألف ما بين قتيل وغريق، وغنم المسلمون أموالاً كثيرة، وبعث المثنّى
بالبشارة لعمر بن الخطاب. وأذلّت هذه الواقعة رقاب الفرس وتمكّن المسلمون بعدها من
الغارات والغزوات ما بين نهري دجلة والفرات.
3- فتح الأندلس: وفى عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان، عبر
طارق بن زياد إلى الأندلس، ودارت معركة، وسيطر طارق على جبل هناك اتخذه جسرًا للتوغل
فى قلب أِسبانيا.
ولما شعر ملك أِسبانيا بخطورة الموقف، حشد جنوده وقام بالزحف بجيش
ضخم يصل عدده إلى مائة ألف مقاتل لملاقاة المسلمين. فاستغاث طارق بموسى بن نصير الذي
أرسل له خمسة آلاف مقاتل من مسلمين بالمؤن والعتاد. والتقى الجيشان فى موقعة كبرى فى
آخر رمضان سنة ثمان وتسعين. واستمرت المعركة ثمانية أيام متواصلة وكان جيش الأسبان
أكثر من ثمانية أضعاف جيش المسلمين، وكان الصوم بركة على المسلمين فصبروا على القتال
حتى هزموا عدوهم هزيمة ساحقة، وامتلأت ساحة المعركة بقتلاهم، ولاذ الناجون بالفرار
ليبلِّغوا بقية ملوك وأمراء الأسبان بأن عصرهم قد انتهى. واستمر الحكم الإسلامي بالأندلس
قرابة ثمانية قرون.
4- عين جالوت: إن من أعظم ما نزل بالأمة من بلاء ومحنة ما كان على
أيدي التتار الذين صبّوا البلاء صبًا على أهل العراق والشام من قتل وتشريد وإحراق للمكتبات
والمساجد. ثم أرسل قائدهم الظالم هولاكو رسالة شديدة اللهجة لسيف الدين قطز بمصر مذكَّرًا
له بما فعل بأهل العراق، طالباً منه التسليم بلا قيد ولا شرط، وذلك فى زمن المستعصم
بالله. فرفض قطز رحمه الله وبدأ بتكوين جيش قوي وحان وقت اللقاء فى الخامس والعشرين
من رمضان سنة 658 هـ والتقى الجمعان واستمات المسلمون فى الدفاع عن أرضهم ودينهم، واستحضروا
روح آبائهم الشهداء الخالدين وصرخ قطز “وا إسلامــاه” فأوقعوا بالتتار شر هزيمة لأول
مرة فى التاريخ، وطاردهم قطز ومعه الظاهر بيبرس وكتب الله النصر للمسلمين .
5- معركة العاشر من رمضان سنة 1393 هـ والتي حطَّم فيها جنود المسلمين
أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر، وحطموا خط بارليف، ولقّـنوا اليهود درساً لا
ينسى، وساهمت قوة الصوم الروحية فى رفع الروح المعنوية للمقاتلين الذين لم يتركوا ذكر
الله في قتالهم. وهكذا تتوالى الانتصارات في شهر الصبر والنصر. بما يؤذن بنصر قريب
إذا ما عادت الأمة إلى ربها واحتكمت إليه واصطلحت معه وأفنت عمرها وجهدها فى مرضاته.
( وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ )(آل عمران: من الآية126).
ثانياً- الانتصار على الشهوات
رمضان تمرين عملي للصائم على التغلب على شهواته المختلفة من شهوة
البطن والفرج والنظر والسمع والكلام والقلب والنفس وغيرها، بحيث يتحرر من أسرها له،
ويتعالى على جواذبها التي تجذبه إلى مستنقعها الآسن، ويخلص نفسه من كل دواعي الاستجابة
لإغراءاتها.
قال ابن القيم: الصَّوْم عبَادَة تكف النَّفس عَن شهواتها وتخرجها
عَن شَبَه الْبَهَائِم إِلَى شبه الْمَلَائِكَة المقربين فَإِن النَّفس إِذا خليت ودواعي
شهواتها التحقت بعالم الْبَهَائِم فَإِذا كفت شهواتها لله ضيقت مجاري الشَّيْطَان وَصَارَت
قريبَة من الله بترك عَادَتهَا وشهواتها محبَّة لَهُ وإيثارا لمرضاته وتقربا إِلَيْهِ،
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((يقول الله عز
وجل: يدع شهوته وطعامه من أجلي)).
فيدع الصَّائِم أحب الْأَشْيَاء إِلَيْهِ وَأَعْظَمهَا لصوقا بِنَفسِهِ
من الطَّعَام وَالشرَاب وَالْجِمَاع من أجل ربه،. . . . فَمَا اسْتَعَانَ أحد على تقوى
الله وَحفظ حُدُوده وَاجْتنَاب مَحَارمه بِمثل الصَّوْم.
إن الانتصار في معركة الشهوات قضية مصيرية بالنسبة للمؤمن، لأنه
إن انهزم فيها وفشل في مقاومتها وسلم العنان والخطام لها، أدى به ذلك ـ دون شك ـ إلى
الانهزام في كل معاركه الأخرى، فالشهوات حواجز تحجز عنه موارد التوفيق، وصوارف تصرفه
عن النجاح في أمر آخرته الذي هو رأس الأمر له.
وما انتصر أسلافنا على أعدائهم إلا بعد ما انتصروا في معركة الشهوات
هذه، وما انهزموا وانكسرت شوكتهم إلا لما استسلموا لشهواتهم وانهزموا أمامها، وما خسارتنا
للأندلس السليب إلا خير دليل على ذلك.
قال ابن رجب: لما علم المؤمن الصائم أن رضا مولاه في ترك شهواته
قدم رضا مولاه على هواه فصارت لذته في ترك شهواته لله لإيمانه باطلاع الله وثوابه أعظم
من لذته في تناولها في الخلوة إيثارا لرضا ربه على هوى نفسه.
قال بعض السلف: طوبى لمن ترك شهوة حاضرة لموعد غيب لم يره.
سئل ذو النون المصري: متى أحب ربي؟ قال: إذا كان ما يكرهه أَمَرّ
عندك من الصبر.
ومن أعظم العبادات التي تعين المسلم على الانتصار على شهواته عبادة
الصيام، عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، قال: قال لنا رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج،
ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء)).
قال الحافظ ابن حجر: مقتضاه أن الصوم قامع لشهوة النكاح واستشكل
بأن الصوم يزيد في تهييج الحرارة وذلك مما يثير الشهوة لكن ذلك إنما يقع في مبدأ الأمر
فإذا تمادى
عليه واعتاده سكن ذلك والله أعلم.
قال الحليمي: الصوم يقمع الشهوة فيسهل الكف عن الحرام.
- الانتصار على الشح والبخل
إن التخلص من داء الشح والبخل، وتطهير النفس منهما، والذي عدّه
رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهلكات، والمتسبب في كثير من الموبقات، عن جابر
بن عبد الله، أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((اتقوا الشح، فإن الشح أهلك
من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)).
وعن عبد الله بن عمرو، قال: خطب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-،
فقال: ((إياكم والشح، فإنما هلك من كان قبلكم بالشح، أمرهم بالبخل فبخلوا، وأمرهم بالقطيعة
فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)).
فالتخلص من الشح من مقاصد الصيام المهمة، لذلك كان رسول الله -صلى
الله عليه وسلم- أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه
في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله -صلى الله عليه وسلم- أجود بالخير
من الريح المرسلة.
فليتأس المؤمن به -صلى الله عليه وسلم-، ويعلنها حربا لا هوادة
فيها على كل ما له علاقة بالشح والبخل، فالفلاح الذي هو غايته ومبتغاه في الدنيا والآخرة،
لا يمكن أن يحوزه إلا إذا نجح في معركته مع الشح، كما قال تعالى: { وَأَنْفِقُوا خَيْرًا
لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن:
16]
فالصيام مدرسة يتعود فيها العبد على السخاء، وإطلاق اليد بالعطاء،
ويتعمق لديه فيها الشعور بمعاناة المحرومين. سئل بعض السلف: لمَ شُرع الصيام؟ قال:
ليذوق الغني طعم الجوع فلا ينسى الجائع.
- الانتصار على اللسان وآفاته
عندما نسمع أو نقرأ حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((من لم يدع
قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه)).
وكذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان يوم صوم أحدكم فلا
يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم)).
وحديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال: رسول الله -صلى الله
عليه وسلم-: ((ليس الصيام من الأكل والشرب، إنما الصيام من اللغو والرفث)).
ندرك أهمية هذا النوع من الانتصار في شهر رمضان، فمن لم يستطع أن
ينتصر في معركته مع لسانه- خاصة وهو صائم - لا يمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه
وشهواته، بل إن الانهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس عن أبي هريرة
-رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قال: ((أتدرون ما المفلس؟)) قالوا:
المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: ((إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة،
وصيام، وزكاة، ويأتي قد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى
هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم
فطرحت عليه، ثم طرح في النار)).
قال ابن القيم: إن العبد ليأتي يوم القيامة بحسنات أمثال الجبال،
فيجد لسانه قد هدمها عليه كلها، ويأتي بسيئات أمثال الجبال فيجد لسانه قد هدمها من
كثرة ذكر الله.
قال بعض السلف: أهون الصيام ترك الشراب والطعام.
وعن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-
قال: ((لا يستقيمُ إيمانُ عبدٍ حتى يستقيمَ قلبُهُ، ولا يستقيمُ قلبُهُ حتى يستقيمَ
لسانُـهُ)).
وعن عقبة بن عامر -رضي الله عنه-، قال: قلت: يا رسول الله ما النجاة؟
قال: ((أملك عليك لسانك، وليسعك بيتك، وابك على خطيئتك)).
فالانتصار على اللسان وآفاته من عدمه، معيار مهم يعرف من خلاله
المؤمن الصائم مدى توفيقه ونجاحه في مدرسة رمضان، وحصوله على كنوزه ومنحه ونفحاته وجوائزه
التي لا تعد ولا تحصى.
- الانتصار على الكسل والسلبية واللامبالاة
الصيام ميدان رحب لتحقيق كل مظاهر الجدية والإيجابية لدى المؤمن،
من خلال مضاعفة أجر الطاعات، وفتح أبوابها على مصراعيها، وترغيبه فيها من الله، بأن
صفد له الشياطين، وأكرمه بجملة من النفحات، رحمة ومغفرة وعتق من النار وفرحتان وباب
الريان وخلوف فمه كريح المسك وغيرها، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله
-صلى الله عليه وسلم-: ((إذا كان أول ليلة من شهر رمضان. . . وينادي مناد: يا باغي
الخير أقبل، و يا باغي الشر أقصر، ولله عتقاء من النار، وذلك كل ليلة)).
وعن رجل من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، عن النبي -صلى الله
عليه وسلم- أنه ذكر رمضان فقال: ((تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد
فيه الشياطين، وينادي فيه مناد كل ليلة: يا باغي الخير هلم، و يا باغي الشر أقصر، حتى
ينقضي رمضان)).
فالصيام ينمي روح الإيجابية والفعالية والشعور بالمسؤولية، فيتعلم
فيه الفرد فن الانتصار على السلبية واللا مبالاة وتبلد الشعور بالتبعة والتفريط في
القيام بالواجب، ويحدث ببركات الصيام وفضله وأجوائه، نقلات نوعية في الانتقال بنفسه
إلى مراتب العاملين العابدين المتحركين النشطين، فيستشعر طعم الإيجابية ويتعود ويتدرب
عليها، فيصاحبه ذلك حتى بعد رمضان.
- أكثر من الاستعادة من العجز والكسل، عن أنس بن مالك -رضي الله
عنه-: كنت أخدم رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فكنت أسمعه كثيرا يقول: ((اللهم إني
أعوذ بك من الهم والحزن، والعجز والكسل)).
- الانتصار على أمراض القلوب
بما أن القلب السليم هو العملة الرابحة التي تنفع صاحبها يوم القيامة
وتنقذه من عذاب الله، كما قال تعالى: { يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ
(88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [الشعراء: 88، 89] وبما أن القلب
الأسود المظلم بأمراض الأحقاد والبغضاء والكراهية والحسد والكبر والاستعلاء على الناس
وغيرها حاجز لرحمة الله حائل دون توفيقه مانع لمعيته الخاصة للعبد، فإن شهر الصيام
فرصة ذهبية للتخلص منها والانتصار عليها، لأن وسائل التنظيف والتطهير للقلب متوفرة
بكثرة، والمحفزات المساعدة على ذلك ميسرة إلا من أبى.
قال ابن القيم: للصوم تأثير عجيب في حفظ الجوارح الظاهرة والقوى
الباطنة، وحميتها عن التخليط الجالب لها المواد الفاسدة التي إذا استولت عليها أفسدتها،
فالصوم يحفظ على القلب والجوارح صحتها، ويعيد إليها ما استلبته منها أيدي الشهوات،
فهو من أكبر العون على التقوى، كما قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ
عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}
[البقرة: 183].
-الانتصار على الشيطان
ذلك أن وسيلة الشيطان لإغواء بني آدم هي الشهوات، وتقوى هذه الشهوات
بالأكل والشرب، والصيام يضيِّق مجاري الدم، فتضيق مجاري الشيطان، فتسكن وساوسه ويُقهر
بذلك. عن صفية بنت حيي، قالت: قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الشيطان يجري من
الإنسان مجرى الدم)).
وقد قيل لا ريب أن الدم يتولد من الطعام والشراب، وإذا أكل أو شرب
اتسعت مجاري الشياطين -الذي هو الدم- وإذا صام ضاقت مجاري الشياطين، فتنبعث القلوب
إلى فعل الخيرات، وترك المنكرات.
وقد هيأ الله سبحانه وتعالى ذلك للصائم، فصفده له ليسهل له وعليه
هذا النوع من الانتصار، ولكي يقوي عناصر المناعة الإيمانية لديه، ويستحضر كل مسببات
القوة اللازمة لينتصر في معركته مع شيطانه بشكل دائم أو غالب على الأقل، ورمضان فرصة
مواتية لتكبت شيطانك وتغلبه وتصرعه بسهولة ويسر، لأنك إن فشلت في معركتك معه في شهر
الصيام، فأنت فيما سواه من الشهور أفشل، تصور نفسك في حلبة تصارع خصما مكبل اليدين
والرجلين وأنت حر طليق في كامل قوتك ولياقتك وعافيتك ونشاطك، فمن العيب والقصور والحرمان
أن لا تنتصر عند ذلك.
فاعمل جاهدا واستغل الفرصة لتذوق طعم الانتصار على الشيطان، كي
يغريك ذلك في الاستمرار في صرعه فيما سوى ذلك من الأوقات.
عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه
وسلم-: ((إذا دخل شهر رمضان فتحت أبواب السماء، وغلقت أبواب جهنم، وسلسلت الشياطين)).
قال ابن رجب: في شهر رمضان يلطف الله بأمة محمد فيغل فيه الشياطين
ومردة الجن حتى لا يقدروا على ما كانوا يقدرون عليه في غيره من تسويل الذنوب ولهذا
تقل المعاصي في شهر رمضان في الأمة.
وقال أيضا: في هذا الشهر يؤخذ من إبليس بالثأر، وتستخلص العصاة
من أسره فما يبقى لهم عنده آثار، كانوا فراخه قد غذاهم بالشهوات في أوكاره فهجروا اليوم
تلك الأوكار، نقضوا معاقل حصونه بمعاول التوبة والاستغفار، خرجوا من سجنه إلى حصن التقوى
والإيمان فأمنوا من عذاب النار، قصموا ظهره بكلمة التوحيد فهو يشكو ألم الانكسار، في
كل موسم من مواسم الفضل يحزن ففي هذا الشهر يدعو بالويل لما يرى تنزل الرحمة ومغفرة
الأوزار، غلب حزب الرحمن حزب الشياطين فما بقي له سلطان إلا على الكفار، عزل سلطان
الهوى وصارت الدولة لسلطان التقوى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ}.
- الانتصار على سوء الخلق
فرمضان مدرسة الأخلاق الفاضلة كذلك، فيه يتعلم الصائم ويتدرب ويمارس
كل أنواع الخلق الحسن، التي رغب فيها الإسلام وحث عليها، وقد يجد بعض الممارسات والأفعال
من الناس لتختبر فيه مدى تمسكه بحسن الخلق، سواء مع جيرانه أو أهل بيته أو زملائه في
العمل أو معامليه في الأسواق، لذلك جاء التوجيه النبوي: ((الصيام جنة فإذا كان يوم
صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل إني امرؤ صائم)).
وقال جابر بن عبد اللهفي نصيحة غالية للصائمين: إذا صمت فليصم سمعك
وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة يوم
صومك ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء.
فمن أعظم الغايات التي فرض الله علينا الصيام من أجلها لنتدرب فيه
عمليا على حسن الخلق، الذي هو الدين، وعليه مدار سعادة العبد وفلاحه في الدنيا والآخرة،
قال ابن القيم: الدين كله خلق. فمن زاد عليك في الخلق: زاد عليك في الدين.
وقال أيضا: أدب المرء: عنوان سعادته وفلاحه، وقلة أدبه: عنوان شقاوته
وبواره.
فما استجلب خير الدنيا والآخرة بمثل الأدب، ولا استجلب حرمانهما
بمثل قلة الأدب.
لذلك فإن الانتصار على السيء من الأخلاق، وعلى العادات السيئة كذلك
التي يكون العبد قد تعودها قبل رمضان، من الغايات العظمى التي ينبغي أن يجعلها المؤمن
على سلم أولوياته في هذا الشهر.
وفقنا الله للصيام والقيام والجهاد في سبيله وتقبل منا صالح أعمالنا
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
الخطبة الثانية:
الحمد الله الذي أبدع الموجودات بجمال الخلقة والتركيب، وجعلها
تذكرة ودليلاً على كمال الحكمة والقدرة والشأن العجيب، سبحانه من إله حكيم، وخالق عليم،
ورازق كريم، يؤتي ملكه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، والصلاة والسلام على النبي الرحيم،
الهادي إلى صراط الله المستقيم، الذي أضاء الله بدعوته ورسالته ظلمات الجهل والشرك
العقيم، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً..
أما بعد:
عباد الله: إن كان النصر قد تأخر لتأخرنا عن ديننا، فإنه لا محالة
سيتحقق في واقع الحياة -إن شاء الله- فإنه قريب الوقوع؛ قال -تعالى-: )أَمْ حَسِبْتُمْ
أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْاْ مِن قَبْلِكُم
مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلْزِلُواْ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ
آمَنُواْ مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ( البقرة(214).
وعن تميم الداري قال سمعت رسول الله يقول: "ليبلغنّ هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار،
ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله الله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل. عزاً
يُعِزُ الله به الإسلام، وذُلاً يُذِلُ الله به الكفر". وكان تميم الداري يقول:
قد عرفتُ ذلك في أَهل بيتي لقد أصاب مَنْ أسلم منهم الخير والشرف والعز ولقد أصاب مَنْ
كان منهم كافراً الذل والصغار والجزية.
وعن خباب بن الأرت قال : شكونا إلى رسول الله وهو متوسد بُرْدة
له في ظل الكعبة، قلنا له: ألا تستنصر لنا؟ ألا تدعو الله لنا؟ قال: "كان الرجل
فيمن قبلكم يُحْفَرُ لـه في الأرض فيجعل فيه فيجاءُ بالمنشار فيوضع على رأسه فيُشق
باثنتين وما يصده ذلك عن دينه، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم أو عصب وما
يصده ذلك عن دينه، والله ليُتمَّن هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا
يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون".
عباد الله: إن الله تعالى قد أمرنا بأمر بدأ فيه بنفسه فقال سبحانه:
﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [الأحزاب: 56.
هذا وما كان من توفيقٍ فمن الله وحده، وما كان من خطأٍ، أو سهوٍ،
أو نسيانٍ، فمني ومن الشيطان، وأعوذ بالله أن أذكركم به وأنساه، وصلى الله وسلم وبارك
على نبينا محمدٍ وعلى آله وأصحابه الأطهار الأخيار ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.