حسن الخاتمة للشيخ احمد أبو عيد
تحميل PDF
تحميل PDF للطباعة
تحميل WORD
تحميل PDF للطباعة
تحميل WORD
الحمد لله رب العالمين إله الأولين والأخرين وقيوم السموات و الأراضين، لا مغيث غير الله، و لا ناصر إلا الله و لا مفرج لهمومنا و غمومنا إلا الله فإذا ضاقت بك الدنيا فقل يا الله إذا تنكر لك الخلق فقليا الله إذا اعتقدت أنك هالك فقليا الله إذا مرضت فقل يا الله إذا نمت على فراش الموت فقل يا الله إذا دخل عليك ملك الموت فقل يا الله
وأشهد أن لا إلاه إلا
الله حده لا شريك له
يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفارج
الله
اليأس يقطع أحيانًا بصاحبه
*** لا تيأسن فإن الكاشف الله
إذا قضى الله فاستسلم لقدرته
*** ما لمرء حيلة فيما قضى الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة
*** لا تجزعن فإن الصانع الله
وإذا بليث فثق بالله وأرض
به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله مالك غير الله من أحد *** فقل في كل أمرٍ حسبي الله
واشهد أن سيدنا محمدا
رسول الله
عذرا رسول الله إن قصرت
في ** وصف فإن جمالكم لن يـــوصفا
جاءت قديما ذره من نوركم
** قد
جمل الرحمن منها يوسف
والله لو جد العباقر كلـــــــهم
في ** وصف أفضـــال له لن تعرفا
والله لو ماء البحار بجــــــمعها
** كان
المداد لوصف أحمد ما كفى
والله لو قلم الزمان من
البداية ** إلى النهاية ظـــل يكتب ما اكتفى
والله لو قبر الرسول تفـــجرت ** أنـــــــــواره للبـــدر ولى واختفى
يكفيه لقياً في السمـاوات
العلى ** وبحضـــرة
المولى الجليل تشرفا
يكفيه أن البدر يخســـــف
نوره ** لكن
نور نبينا لن يخسفا
العناصر
أولًا: الترغيب في العمل لحسن الختام
ثانيًا: وسائل مُيسِّرة لحسن الخاتمة
ثالثًا: حال السلف الصالح
رابعًا: علامات حسن الخاتمة
خامًسا: نماذج على حسن الخاتمة
الموضوع
حسن الخاتمة هو: أن يوفق العبد قبل موته للتقاصي عما
يغضب الرب سبحانه، والتوبة من الذنوب والمعاصي، والإقبال على الطاعات وأعمال الخير،
ثم يكون موته بعد ذلك على هذه الحال الحسنة، ومما يدل على هذا المعنى ما صح عن أنس
بن مالك رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أراد الله بعبده
خيراً استعمله) قالوا: كيف يستعمله؟ قال: (يوفقه لعمل صالح قبل موته) " ([1])
أولًا: الترغيب في العمل لحسن الختام
الحث على التقوى للموت على الإسلام
قال
تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ
إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].
وصية الأنبياء
قال الله تعالى: ﴿
وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ
اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ ﴾
[البقرة: 132]
من صفات أولي الألباب
قال تعالى: ﴿ رَبَّنَا
فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ
الأَبْرَارِ ﴾ [آل عمران: 193]
العمل الصالح سبيل لحسن الخاتمة
قال
تعالى: ﴿ وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالحاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ يَخَافُ ظُلْمًا
وَلاَ هَضْمًا ﴾ [طه: 112]، وقال تعالى: ﴿ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ
إِيمَانَكُمْ ﴾ [البقرة: 143].
قال
تعالى: ﴿ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون
﴾ [الأنعام: 48].
القلوب بين اصبعين من أصابع الرحمن
عن أنس قال كان رسول الله
صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقلت يا رسول الله
آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا قال نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها
كيف يشاء" ([2]) والمقصود أن يعيش العبد بين الخوف والرجاء مهما
عمل الخيرات يعتقد نفسه مقصرًا، وألا يأمن مكر الله ويبقى يخاف على نفسه إلى آخر لحظة
من حياته، وإذا ما حصل هذا وما عاش بهذه النفسية لا يستقيم حاله، تصور لو واحد يعيش
على أنه خلاص ما دام على هذه الأعمال الطيبة، فإنه جازم لنفسه بالجنة، أصلاً ما يستمر
عليها، بهذه النفسية ما يستمر عليها، فهو يرجو رحمه ربه أن الله لن يضيع أجره، وهذ
الاعتكاف والصيام وقراءة القرآن، والأدعية والأذكار، وبر الوالدين والصدقات، لن تذهب
هباءً منثورًا: {إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف: 30]، {إِنَّ
اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]، لكن لا يمكن أن يجزم لنفسه
أن سيموت على ذلك، ممكن يموت على غيرها، فهو يخشى من سوء المصير، وكلما زادت خشيته
من سوء المصير ازداد ثباتًا ويقينًا وعبادة، وهكذا.. وابتعد عن السيئات، وأهل السوء،
يخشى على نفسه.
الأعمالُ السيِّئة الشرِّيرَة سببٌ لكلِّ شرٍّ في الدنيا والآخِرة
قال تعالى: ﴿ وَمَا
أَصَابَكُم مِّن مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾
[الشورى: 30]، وقال تعالى: ﴿ ظَهَرَ
الفَسَادُ فِي البَرِّ
وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا
لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ﴾ الروم.
من عاش على شيء يموت ويبعث عليه
عن جابر رضي الله عنه قال
: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : من مات
على شيء بعثه الله عليه" ([3]) لقد أجري الكريم بكرمه أن من عاش على الطاعة مات
على الطاعة ومن عاش على المعصية مات على المعصية فالسابقون السابقون فعلي قدر السبق
هنا يكون السبق هناك. السابقون في الدنيا إلى الطاعات والصلوات هم السابقون في الآخرة
إلى الجنات ، فكم سمعنا عن أناس من اسلافنا ماتوا على طاعة، فمنهم من مات ملبيا، ومنهم
من ساجدا، ومنهم مؤذنا بل وفي زماننا وفي وقعنا هذا شيخنا الشعراوي مات وهو يردد لا
إله إلا الله ، والشيخ عبد الحميد الشهاوي مات وهو يردد ولمن خاف مقام ربه جنتان، والشيخ
كشك قال لقد عرضت على المناصب فأبيت ورفضت وسألت الله أن أموت ساجدا وقد مات رضي الله
عنه ساجدا، والشيخ محمد عطية مات وهو يقرأ قوله تعالى فاستقم كما أمرت. الله أكبر علي
هذه الخواتيم وفي حديث قاتل المائة رجل قتل مائة نفس ولكنه لما أقبل إلي الله وتاب
تاب الله عليه.
الاستعداد للخاتمة من وسائل النجاة ،
وهما استعدادان :
1- استعدادٌ في صلاح القلب
: وذلك بالعلم النافع الذي يُورِثْ في القلب العلم بالله عز وجل ومعرفته وأسمائه وصفاته
وبيقين في ذلك .
2- استعدادٌ في صلاح العمل
يعني : يمتثل الأمر ، ويجتنب ما نَهَى الله عنه ، أو نهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم
، وأن يكون العمل خالصاً صواباً ، خالصاً لله ، ووفق منهج رسول الله صلى الله عليه
وسلم ، وأن يستغفر من الذنوب والخطايا .
فمن داوم على ذلك ولزم طريق
الاستقامة مات بإذن الله على خاتمة حسنة .
ونحن في هذه العجالة بصدد
الحديث عن علامات حسن الخاتمة ، أسأل الله أن يجعلني وإياكم ممن حسنت خاتمته ، وقبل
عمله ، وأجاره الله من عذاب القبر ، وعذاب النار . قال العلامة المحدث الشيخ / الألباني
رحمه الله : " إن الشارع الحكيم قد جعل علامات بينات يستدل بها على حسن الخاتمة
_ كتبها الله تعالى لنا بفضله ومنه _ فأيما امرئ مات بإحداها كانت بشارة له ، ويا لها
من بشارة " .
الأعمال بالخواتيم
فابدأ يومك .. ابدأ شهرك
.. ابدأ عامك .. بطاعة واختمه بطاعة، فالبدايات والخواتيم عليها مدار الفوز والخسارة
.. ابدأ يومك بصلاة فجر أو قيام سحر، واختمه بنوم على سلامة صدر وطهارة بدن، ابدأ عامك
الهجري بطاعة واختمه بطاعة؛ فلو كان أول سطر في صحيفتك خيرا وآخر سطر فيها خيرا لمحا
الله لك ما بينهما، وأنا أستبشر هنا ببشارة حبيبنا صلى الله عليه وسلم؛ فعَنْ أَبِي
هُرَيْرَةَ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ:"
الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ؛ وَالْجُمْعَةُ إِلَى الْجُمْعَةِ؛ وَرَمَضَانُ إِلَى رَمَضَانَ؛
مُكَفِّرَاتٌ مَا بَيْنَهُنَّ إِذَا اجْتَنَبَ الْكَبَائِرَ" ( مسلم ).
وإذا كان كتاب عمرك أول
سطر فيه أذانٌ قرع أذنك عقب ولادتك، فاستبشر بأن يكون آخر سطر فيه إن شاء الله كلمة
التوحيد ينطق بها لسانك، لتكون جواز عبورك إلى الجنة.
سارع بالعمل الصالح قبل فوات الأوان
قال تعالى:
"يوم يَتَذَكَّرُ الْإِنْسَانُ مَا سَعَى (35) وَبرزت الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى
(36) فَأَمَّا مَنْ طَغَى (37) وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (38) فَإِنَّ الْجَحِيمَ
هِيَ الْمَأْوَى (39) وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ
الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41)" النازعات
وعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « بَادِرُوا بِالأَعْمَالِ فِتَنًا
كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ يُصْبِحُ
الرَّجُلُ مُؤْمِنًا
وَيُمْسِى كَافِرًا أَوْ يُمْسِى مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَافِرًا يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ
مِنَ الدُّنْيَا »([4]). من أجْل
دراهم معدودة، أو عروض سخيَّة، أو دنيا فانية، سرعان ما يُغيِّر ما كان عليه من استقامة
وهدًى وصلاح، فيستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير، وينقلب على عَقِبيه؛ ولذا قال الله
لعباده: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا
تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
حكم شرعية في عدم معرفة العبد لخاتمته: وتغييب خاتمة العمل عن العبد حكمة بالغة، يعني لو قال واحد: لماذا غيب الله
خواتمنا عنا؟ ولماذا لم يُخبر كل واحد بما يختم له؟
فنقول: هذا تدبير لطيف من
رب العالمين؛ لأنه لو كان ناجيًا سيكسل ويصاب بالعجب، وإن كان هالكًا ازداد عتوًا ونفورًا،
ولذلك كان من رحمة الله إخفاء الخواتيم، ولأن الإنسان لا يصلح حاله إلا إذا صار بين
الخوف والرجاء، فإذا صار في الخوف فقط أيس من رحمة الله لا يصلح حاله، وإذا كان في
الرجاء فقط يعتمد على رحمة الله لا يصلح حاله، حتى يكون بين الخوف والرجاء، قلت لابن
المبارك يقول حفص بن حميد: "رأيت رجلاً قتل رجلاً ظلمًا، فقلت في نفسي: أنا أفضل
من هذا" -يعني أنا أفضل من هذا القاتل-، فقال: "أمنك على نفسك أشد من ذنبه"([5])؛
لأنه لا يدرى فقد ينقلب هذا ويتحول ويعمل شيئًا أسوأ من القتل، وإذا كان يجزم لنفسه
أنه أحسن من هذا، والله عز وجل قد يغفر لهذا حتى القتل، وهذا يؤاخذه على عجبه بنفسه.
ثانيًا: وسائل
مُيسِّرة لحسن الخاتمة
الاستقامة :
قال تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ
قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ
أَلاّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ}
فصلت
الإيمان:
قال تعالى: {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ
بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللّهُ
الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27]، فأخبر أنه يثبت عباده
المؤمنين الذين قاموا بما عليهم من الإيمان في القلب الذي يصدقه العمل الجوارح، فهؤلاء
يثبتهم الله {بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ}،
ومعنى ذلك: أن لهم حسن خاتمة.
التقوى:
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ
اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [آل عمران:
102]، ووعد الله أهل التقوى بأن يجعل لهم فرجًا مخرجًا، قال: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ
يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا} [الطلاق: 2]، وهذا أحوج ما يكون إليه العبد عند نزول الموت؛
فإنه يريد الفرج والمخرج من هذه المحنة، محنة الموت، وسكرات الموت، والشدة والحرج في
الموت: {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا} [الطلاق: 4]،
ولا شك أن تيسير أموره عند الموت من نتائج التقوى التي كان يسير بها منهجًا في حياته.
حسن الظن بالله :
عن أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه
وسلم: يَقُولُ اللهُ تَعَالَى: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي )) ([6])
لكن حسن الظن بالله يجب أن يكون مبنيًا على أعمال صالحة، وتوبة من الأعمال السيئة،
حتى يكون حسن ظن صحيح، الواحد يقول: والله أنا ظني بربي إنه يدخلني الجنة، وأنا ظني
بربي أنه إنه ما يدخلني النار، وإنا ظني.. وإذا نظرت إلى عمله تجد يعني السيئات الكثيرة،
والحسنات القليلة.
الصدق : قال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ} التوبة.
المداومة على الطاعات
ذكر الموت وقصر الأمل
الخوف من أسباب سوء الخاتمة : كالإصرار
على المعاصي وتسويف التوبة وحب الدنيا .
التوبة: قال تعالى: {يَا أَيُّهَا
الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ تَوْبَةً نَّصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُكَفِّرَ
عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ} [التحريم: 8]، فإذا صارت التوبة نصوحًا،
ومات الإنسان عليها، فهذا من علامات حسن الخاتمة، والتوبة النصوح هي: ألا يعود في الذنب
كما لا يعود اللبن في الضرع، واللبن إذا خرج من الثدي لا يمكن أن يعاد فيهن و{تَوْبَةً
نَّصُوحًا} تنصحون بها أنفسكم، استغفار باللسان، وإقلاع بالأبدان، وإضمار وترك العود
بالجنان، وهو القلب، وهجر سيئ الإخوان، هذه التوبة النصوح.
الدعاء:
هو سلاح المؤمن والمجاهد لا يدع سلاحه حتى تنتهي
المعركة و معركتي و معركتك مع الشيطان و لا تنتهي بالظفر و الانتصار حتى يختم
للعبد بخاتمة السعادة لذا فالمؤمن لا يفتر لسانه بالدعاء فها هو حبيبك صلى الله
عليه وسلم كان لا يفتُر لسانه عن هذا الدعاء فعن شَهْرِ بن حَوشَبٍ ، قَالَ :
قُلْتُ لأُمِّ سَلَمة رَضِيَ اللهُ عنها ، يَا أمَّ المؤمِنينَ ، مَا كَانَ أكثْرُ
دعاءِ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - ، إِذَا كَانَ عِنْدَكِ ؟ قالت : كَانَ
أكْثَرُ دُعائِهِ : (( يَا مُقَلِّبَ القُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ )) ([7]) .
لزومُ هَدْي النبيِّ r
واتِّباعُ طريق المهاجرين والأنصار والتَّابعينَ
لهم رضي الله تعالى عنهم قال الله تعالى: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ
اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ
وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا ﴾ [الأحزاب: 21]، وقال تعالى: ﴿ وَالسَّابِقُونَ
الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم
بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ
تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ ﴾ [التوبة: 100].
الخوف والرجاء
عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على شاب
وهو في الموت فقال كيف تجدك قال أرجو الله يا رسول الله وأخاف ذنوبي فقال رسول
الله صلى الله عليه وسلم لا يجتمعان في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله
ما يرجو وآمنه مما يخاف " ([8]).
ثالثًا: حال السلف
الصالح
عمر بن الخطاب- رضي الله عنه – يقف عند الجمرات في آخر حجة حجها ودعا الله بقلب صادق، وقال: " اللهم
ضاعت رعيتي، ورق عظمي، وشاب رأسي، ودنا أجلي، اللهم فاقبضني إليك غير مفرط ولا مفتون،
اللهم إني أسألك شهادة في سبيلك وموتة في بلد رسولك ".سفيان الذي سجد سجدة، والناس يطوفون حول
الكعبة
عثمان بن عفان – رضي الله عنه - إذا ذكر القبر بكى حتى يجلس، فعَنْ هَانِئٍ ، مَوْلَى عُثْمَانَ ، قَالَ
: كَانَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ إِذَا وَقَفَ عَلَى قَبْرٍ يَبْكِي حَتَّى يَبُلَّ
لِحْيَتَهُ ، فَقِيلَ لَهُ : تَذْكُرُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ ، وَلاَ تَبْكِي ، وَتَبْكِي
مِنْ هَذَا ؟ قَالَ : إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ ، قَالَ :
" إِنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنَازِلِ الآخِرَةِ ، فَإِنْ نَجَا مِنْهُ ، فَمَا
بَعْدَهُ أَيْسَرُ مِنْهُ ، وَإِنْ لَمْ يَنْجُ مِنْهُ ، فَمَا بَعْدَهُ أَشَدُّ مِنْهُ
قَالَ : وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ : مَا رَأَيْتُ مَنْظَرًا
قَطُّ إِلاَّ وَالْقَبْرُ أَفْظَعُ مِنْهُ "([9])
فالقبر منزل -والله- موحش، لا
صديق، لا حبيب، لا زوجة، لا ولد، إلا العمل الصالح، تركوا ما تركوا، واستجوبوا فما
نطقوا، وودعوا فإما روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار. مرارًا، ثم رفع رأسه،
رآه رجل قد طاف مرارًا وسفيان لا زال ساجدًا، وهو الذي إذا كان صلى بالليل اضطجع على
ظهره وأسند رجليه على الجدار، حتى يرجع الدم من طول قيامه: أخاف أن أسلب الإيمان عند
الموت.
مالك بن دينار يقوم طول ليله قابضًا على لحيته قائمًا لله: يا رب قد علمت ساكن الجنة من
ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك؟" .
قال حاتم الأصم: من خلا قلبه من ذكر أربعة أخطار فهو مغتر فلا يأمن الشقاء: الأول: خطر يوم
الميثاق حين قال هؤلاء في الجنة ولا أبالي وهؤلاء في النار ولا أبالي، فلا يعلم في
أي الفريقين كان. والثاني: حين خلق في ظلمات ثلاث فنادى الملك بالشقاوة والسعادة ولا
يدري أمن الأشقياء يعني كتبه الملك، كتبه في الأشقياء وإلا في السعداء، والثالث: ذكر
هول المطلع، فلا يدري يعني عند الموت يبشر برضا الله أم بسخطه. والرابع: يوم يصدر الناس
أشتاتًا، فلا يدري أي الطريقين يسلك به.
كان بعض السلف يخشون على أنفسهم النفاق الأكبر، وليس فقط النفاق الأصغر؛ لأن دسائس السوء
الخفية، توجب سوء الخاتمة.
وكذلك ورد في سير بعض العلماء، يعني من اجتهادهم بالطاعة، وملازمتهم لها أنه قيل لو أراد أن يعصي الله
ما استطاع، يعني لو أراد يعمل المعصية يفشل ما ينجح.
العماد المقدسي رحمه الله قال عنه ابن قدامة: "من عمري أعرفه -من عمري، من زمان- يعني العماد
ما عرفت أنه عصى الله معصية"، ولا مرة، ما مسكنا عليه معصية، فلما جاءه الموت
كان يقول: "يا حي يا قيوم لا إله إلا أنت برحمتك أستغيث، واستقبل القبلة وتشهد"
([10]).
أبو عبد الرحمن السلمي رحمه الله دخل عليه عطاء بن السائب وغيره، يعودونه في المرض الذي مات فيه، فذهب بعض
القوم يرجيه، يعني يذكره بحسن الظن بالله، فقال أبو عبد الرحمن: "إني لأرجو ربي
وقد صمت له ثمانين رمضان"([11])
فهو يطمئنهم أنه الآن في هذا الموطن هو محسن الظن بالله، وما هو أساس الاعتماد أن في
ثمانين رمضان صامها لله تعالى؟
قال عبد الأعلى بن حماد البرقي: "دخلت على بشر بن منصور وهو في الموت، فرأيته مستبشرًا، فقلت له: ما
هذا السرور؟ قال: أخرج من بين الحاسدين والباغين والمغتابين، وأقدم على رب العالمين
ولا أفرح؟!". ([12])
وكانوا يستحبون أن يلقنوا
العبد محاسن عمله عند موته لكي يحسن الظن بربه، ولذلك لا بدّ أن يعمل الإنسان محاسن،
يعني أنت حتى لو أردت أن تثبت شخصًا عند الموت، فتقول له مثلاً: يا أخي ألم تفعل كذا؟
وتفعل وكذا؟ فإذا ما عنده أشياء طيبة فعلها، فتذكره بماذا؟ ولذلك فإن حسن الظن قرين
بحسن العمل.
أبو البركات إسماعيل النيسابوري رحمه
الله
من شيوخ الحافظ ابن عساكر كان وقورًا مهيبًا على شاكلة حميدة،
ما عرفت له هفوة، قال ابن النجار: سمعت ابن سكينة يقول: كنت حاضرًا لما احتضر، فقلت
له، أو فقالت له أمي: يا سيدي كيف تجد؟ فما قدر على النطق، فكتب بأصبعه: رَوْحٌ وَرَيْحَانٌ
وَجَنَّةُ نَعِيمٍ، ثم مات ([13])
.
والإمام الزاهد الخير شيخ الإسلام أبو
الوقت؛ كما قال الذهبي رحمه الله كان صالحًا كثير
الذكر، لما احتضر كان آخر كلمة قالها: {يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ
لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ} [يــس: 26 - 27]، [.
لقى الفضيل بن عياض رجلا ؛ فقال له
الفضيل : "كم عُمُرك ؟ قال الرجل : ستون سنة، قال الفضيل : إذا أنت منذ ستين سنة
تسير إلى الله توشك أن تصل، فقال الرجل : إنا لله وإنا إليه راجعون، قال الفضيل : هل
تعرف معناها؟ قال : نعم أعرف أني عبدالله وأني إليه راجع، فقال الفضيل : يا أخي ، من
عرف أنه لله عبد ، وانه إليه راجع ، فليعلم أنه موقوف بين يديه ، فليعلم انه مسئول
، ومن علم أنه مسئول فليعد للسؤال جوابا، فبكى الرجل وقال ما الحيلة، قال الفضيل :
يسيرة، قال وما هي يرحمك الله ؟ قال : تُحسن فيما بقى ، يغفر الله لك ما قد مضى وما
بقى فإنك إن أسأت فيما بقى أُخذت بما مضى وما بقى "
قال إبراهيم التيمي: مثلت نفسي في الجنة آكل من ثمارها وألبس من حليها ثم
مثلت نفسي في النار آكل من زقومها وأشرب من صديدها وأعالج أغلالها قال: فقلت لنفسي:
أي شيء تريدين قالت: أريد أن أرد إلى الدنيا فأعمل صالحا قال: الآن أنت في الأمنية(يا
ليتنا أطعنا الله وأطعنا الرسولا) فاعملي .
رابعًا: علامات حسن
الخاتمة
النطق بالشهادة عند الموت
فعن معاذ - رضي الله عنه
- ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ كَانَ آخِرَ كَلامِهِ
لاَ إلهَ إِلاَّ اللهُ دَخَلَ الجَنَّةَ ))([14])
وعَنْ أَبَي سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ
رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : " لَقِّنُوا
مَوْتَاكُمْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ " ([15])
وينقسم التلقين إلى قسمين
:
القسم الأول : تلقين أثناء
الاحتضار : وهو السنة ، ويكون برفق ولين ، وذلك بذكر الشهادة عند الميت حتى يتذكرها
ويقولها ، بدون أمر له بذلك ، لأنه ربما يعاند ولا يقولها ، وربما كفر بها عند الموت
والعياذ بالله .
وقال بعض العلماء : ذكره
بأعماله الصالحة ، حتى يتذكرها ، ويحسن الظن بربه .
القسم الثاني : تلقين بعد
الدفن : وهو بدعة لا أصل لها ، لأن من لم يحيا على لا إله إلا الله ، فلا ينفعه أن
يلقنها بعد موته ، لأن القبر دار حساب ، لا دار عمل ، فمن الناس إذا مات له ميت ، وقف
على قبره وقال : يا فلان ابن فلان تذكر ما خرجت عليه من الدنيا ، أنك تشهد أن لا إله
إلا الله ، وأن محمداً رسول الله ، وأن دينك الإسلام ، أو ما شابه ذلك ، وهذا أمر ليس
عليه دليل يُعتمد عليه ، فعليه فهو بدعة لا أصل لها .
الموت برشح الجبين
أي : أن يكون على جبينه عرق عند الموت، لما رواه
بريدة بن الحصيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (موت المؤمن بعرق الجبين) ([16])
الموت ليلة الجمعة أو نهارها
عن عبد الله بن عمرو قال
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة
إلا وقاه الله فتنة القبر" ([17])
الاستشهاد في ساحة القتال في سبيل الله
أو موته غازيا في سبيل الله،
أو موته بمرض الطاعون أو بداء البطن كالاستسقاء ونحوه، أو موته غرقاً، فعَنْ أَبِى
هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « مَا تَعُدُّونَ الشَّهِيدَ
فِيكُمْ ». قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ قُتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ
قَالَ « إِنَّ شُهَدَاءَ أُمَّتِى إِذًا لَقَلِيلٌ ». قَالُوا فَمَنْ هُمْ يَا رَسُولَ
اللَّهِ قَالَ « مَنْ قُتِلَ فِى سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِى
سَبِيلِ اللَّهِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ مَاتَ فِى الطَّاعُونِ فَهُوَ شَهِيدٌ وَمَنْ
مَاتَ فِى الْبَطْنِ فَهُوَ شَهِيدٌ ». قَالَ ابْنُ مِقْسَمٍ أَشْهَدُ عَلَى أَبِيكَ
فِى هَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ قَالَ « وَالْغَرِيقُ شَهِيدٌ » ([18]).
الموت بسبب الهدم
عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ
رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( الشُّهَدَاءُ خَمْسَةٌ : المَطْعُونُ وَالمَبْطُونُ،
وَالغَرِيقُ، وَصَاحِبُ الهَدْمِ، وَالشَّهِيدُ في سَبِيلِ اللهِ )) ([19])
موت المرأة في نفاسها بسبب ولدها أو
هي حامل به
ومن أدلة ذلك ما رواه الإمام أحمد وغيره بسند صحيح
عن عبادة بن الصامت أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أخبر عن الشهداء، فذكر
منهم: (والنفساء يجرها ولدها بسرره إلى الجنة) ([20])
يعني بحبل المشيمة الذي يقطع عنه.
المطعون والمبطون والغريق والحريق
وصاحب ذات الجنب
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الشُّهَدَاءُ سَبْعَةٌ سِوَى الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ
اللَّهِ الْمَطْعُونُ شَهِيدٌ وَالْغَرِقُ شَهِيدٌ وَصَاحِبُ ذَاتِ الْجَنْبِ شَهِيدٌ
وَالْمَبْطُونُ شَهِيدٌ وَالْحَرِقُ شَهِيدٌ وَالَّذِي يَمُوتُ تَحْتَ الْهَدْمِ شَهِيدٌ
وَالْمَرْأَةُ تَمُوتُ بِجُمْعٍ شَهِيدٌ "
([21])
الموت رباطا في سبيل الله
عَنْ سَلْمَانَ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
-صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « رِبَاطُ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ خَيْرٌ مِنْ صِيَامِ شَهْرٍ
وَقِيَامِهِ وَإِنْ مَاتَ جَرَى عَلَيْهِ عَمَلُهُ الَّذِى كَانَ يَعْمَلُهُ وَأُجْرِىَ
عَلَيْهِ رِزْقُهُ وَأَمِنَ الْفَتَّانَ »([22])
. ومن أسعد الناس بهذا الحديث رجال الأمن وحرس الحدود براً وبحراً وجواً
على اختلاف مواقعهم إذا احتسبوا الأجر في ذلك .
الموت على عمل صالح
عن حذيفة رضي الله عنه قال أسندت النبي صلى الله
عليه وسلم إلى صدري فقال من قال لا إله إلا
الله ختم له بها دخل الجنة ومن صام يوما ابتغاء وجه الله ختم له به دخل الجنة ومن تصدق
بصدقة ابتغاء وجه الله ختم له بها دخل الجنة" ([23])
البشرى
وهي ما يبشر به عند موته من رضا الله تعالى واستحقاق
كرامته تفضلا منه تعالى، كما قال جل وعلا: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل
عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون) فصلت، وهذه
البشارة تكون للمؤمنين عند احتضارهم، وفي قبورهم، وعند بعثهم من قبورهم.
فعن أم المؤمنين عائشة رضي
الله عنها قالت : قال رسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - : (( مَنْ أحَبَّ لِقَاءَ
اللهِ أحَبَّ اللهُ لِقَاءهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ كَرِهَ اللهُ لِقَاءهُ
)) فقلتُ : يا رسولَ اللهِ ، أكَراهِيَةُ المَوتِ ، فَكُلُّنَا نَكْرَهُ المَوتَ ؟
قال : (( لَيْسَ كَذَلِكَ ، ولكِنَّ المُؤْمِنَ إذَا بُشِّرَ بِرَحْمَةِ اللهِ وَرِضْوَانِهِ
وَجَنَّتِهِ أحَبَّ لِقَاءَ اللهِ فَأَحَبَّ اللهُ لِقَاءهُ ، وإنَّ الكَافِرَ إذَا
بُشِّرَ بِعَذابِ اللهِ وَسَخَطهِ كَرِهَ لِقَاءَ اللهِ وكَرِهَ اللهُ لِقَاءهُ ))
([24]).
وفي معنى هذا الحديث قال
الإمام أبو عبيد القاسم ابن سلام : (ليس وجهه عندي كراهة الموت وشدته، لأن هذا لا يكاد
يخلو عنه أحد، ولكن المذموم من ذلك إيثار الدنيا والركون إليها، وكراهية أن يصير إلى
الله والدار الآخرة)، وقال : (ومما يبين ذلك أن الله تعالى عاب قوما بحب الحياة فقال:
(إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة واطمأنوا بها) يونس.
وقال الخطابي: (معنى محبة
العبد للقاء الله إيثاره الآخرة على الدنيا، فلا يحب استمرار الإقامة فيها، بل يستعد
للارتحال عنها، والكراهية بضد ذلك)
وقال الإمام النووي رحمه
الله: (معنى الحديث أن المحبة والكراهية التي تعتبر شرعا هي التي تقع عند النزع في
الحالة التي لا تقبل فيها التوبة، حيث ينكشف الحال للمحتضر، ويظهر له ما هو صائر إليه)
الموت ليلة الجمعة أو نهار الجمعة
عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه
وسلم قال ما من مسلم يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة إلا وقاه الله فتنة القبر "
([25]) فإذا قبض الله عبدًا من عبيده فوافق
قبضه يوم الجمعة كان ذلك دليلا ظنيا، من المبشرات والمؤشرات لسعادته، وحسن مآبه، يعني
يرجا له الخير، ونحن لا نجزم، نقول: مائة في المائة، قد غفر له، ولكن نرجو، نقول: هذا
بشارة، هذا خبر طيب، وهكذا يكون هذا من علامات حسن الخاتمة.
الثناء على الميت
بالخير
عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
رضي الله عنه، قَالَ: " مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْرًا، فَقَالَ
النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: وَجَبَتْ ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرى فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا
شَرًّا، فَقَالَ: وَجَبَتْ فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه، مَا وَجَبَتْ
قَالَ: هذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْرًا فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهذَا أَثْنَيْتُمْ
عَلَيْهِ شَرًّا فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللهِ فِي الأَرْضِ"
([26])
* واعلم أخي الكريم أن ظهور
شيء من هذه العلامات أو وقوعها للميت، لا يلزم منه الجزم بأن صاحبها من أهل الجنة،
ولكن يستبشر له بذلك، كما أن عدم وقوع شيء منها للميت لا يلزم منه الحكم بأنه غير صالح
أو
نحو ذلك. فهذا كله من الغيب.
خامًسا: نماذج على حسن الخاتمة
أنس بن النضر
عن أنس - رضي الله عنه
- ، قَالَ : غَابَ عَمِّي أَنَسُ بْنُ النَّضْرِ - رضي الله عنه - عن قِتالِ بدرٍ ،
فَقَالَ : يَا رسولَ الله ، غِبْتُ عَنْ أوّل قِتال قَاتَلْتَ المُشْرِكِينَ ، لَئِن
اللهُ أشْهَدَنِي قِتَالَ المُشركِينَ لَيُرِيَنَّ اللهُ مَا أصْنَعُ . فَلَمَّا كَانَ
يَومُ أُحُدٍ انْكَشَفَ المُسْلِمونَ ، فَقَالَ : اللَّهُمَّ أعْتَذِرُ إلَيْكَ مِمَّا
صَنَعَ هؤُلاءِ - يعني : أصْحَابهُ - وأبْرَأُ إلَيْكَ مِمَّا صَنَعَ هؤُلاءِ - - يَعني
: المُشركِينَ - ثُمَّ تَقَدَّمَ فَاسْتَقْبَلهُ سَعدُ بْنُ مُعاذٍ ، فَقَالَ : يَا
سعدَ بنَ معاذٍ ، الجَنَّةُ وربِّ الكعْبَةِ إنِّي أجِدُ ريحَهَا((2)) منْ دُونِ أُحُدٍ
. قَالَ سعدٌ : فَمَا اسْتَطَعتُ يَا رسولَ الله مَا صَنَعَ ! قَالَ أنسٌ : فَوَجَدْنَا
بِهِ بِضْعاً وَثَمانينَ ضَربَةً بالسَّيفِ ، أَوْ طَعْنةً بِرمْحٍ ، أَوْ رَمْيَةً
بسَهْمٍ ، وَوَجَدْنَاهُ قَدْ قُتِلَ وَمَثَّلَ بِهِ المُشْرِكونَ فما عَرَفهُ أَحَدٌ
إلاَّ أُخْتُهُ بِبَنَانِهِ . قَالَ أنس : كُنَّا نَرَى أَوْ نَظُنُّ أن هذِهِ الآية
نزلت فِيهِ وفي أشباهه : { مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللهَ
عَلَيْهِ } [ الأحزاب : 23 ] إِلَى آخِرها " ([27])
أحد الأعراب
وعن شداد بن الهاد: أن رجلاً
من الأعراب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فآمن به واتبعه، ثم قال: أهاجر معك؟ فأوصى
به النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه، فلما كان غزوة غنم النبي صلى الله عليه وسلم
سبيًا فقسم وقسم له، فأعطى أصحابه ما قسم له" يعني ليوصلوه إليه نصيبه من الغنيمة
"وكان يرعى ظهرهم" الأعرابي يرعى دواب أصحابه، "فلما جاء دفعوه إليه"
لما رجع من الرعي أعطوه نصيبه، قال: "ما هذا؟ قالوا: قسم قسمه لك النبي صلى الله
عليه وسلم، فأخذه فجاء به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ما هذا؟ قال: ((قسمته
لك)) قال: ما على هذا اتبعتك" احنا ما تبعناك على أموال، تبعناك على الجهاد في
سبيل الله "ولكني اتبعتك على أن أرمى إلى ها هنا، وأشار إلى حلقه بسهم فأموت فأدخل
الجنة"، طبعًا هذا ادعاء، الميدان يصدق أو يكذب، قال: ((إن تصدق الله يصدقك))
فلبثوا قليلا، ثم نهضوا في قتال العدو، فأتي به النبي صلى الله عليه وسلم يحمل، قد
أصابه سهم حيث أشار" سبحان الله! كان ممكن السهم يجي في أي محل، لكن جاء في المكان
الذي أشار إليه هو أنه يريده ها هنا، طبعًا لماذا ها هنا؟ معناه أنه مقبل غير مدبر؛
لأنه لو كان في الظهر كان ممكن جاءته وهو مولي الأدبار، لكن هو يريد ها هنا، وقد قال
بعض المجاهدين في هذا الزمان: أنه يريد ها هنا، وجاءت ها هنا فعلاً، في قلبه، يعني
اقتداءً بحديث الأعرابي، لكن الشاهد الصدق قال: ((إن تصدق الله يصدقك))، فلما أتي به
إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقد أصابه سهم حيث أشار، قال النبي عليه الصلاة والسلام:
((أهو هو؟)) قالوا: نعم، قال: ((صدق الله فصدقه))، ثم كفنه النبي صلى الله عليه وسلم
في جبة النبي صلى الله عليه وسلم، ثم قدمه فصلى عليه، فكان فيما ظهر من صلاته: ((اللهم
هذا عبدك خرج مهاجرًا في سبيلك، فقتل شهيدًا، أنا شهيد على ذلك)) ([28])
عبد الله بن جحش رضي الله عنه
فإنه يوم أحد، قال لسعد:
ألا تأتي ندعو الله؟ فخلو ناحية، وقال ذلك تلك الأمنية، وقد تقدم ذكرها: "اللهم
ارزقني غدًا رجلاً شديدًا بأسه، شديدًا حرده، فأقاتله ويقاتلني، ثم يأخذني فيجدع أنفي
وأذني، فإذا لقيتك غدًا، قلت لي: يا عبد الله فيم جدع أنفك وأذناك؟ فأقول: فيك وفي
رسولك، فتقول: صدقت" هنا الشاهد، قال سعد: "كانت دعوته خيرًا من دعوتي، فلقد
رأيته آخر النهار وإن أنفه وأذنه لمعلقان في خيط".
فضالة بن عبيد
هذا عمل صالح عظيم، قال
القاسم أبو عبد الرحمن: "غزونا مع فضالة بين عبيد، فبينا نحن نسرع في السير، وهو
أمير الجيش، وكان الولاة حينها يسمعون ممن استرعاهم الله عليه، فقال قائل: أيها الأمير
إن الناس قد تقطعوا قف حتى يلحقوا بك، فوقف، في مرج عليه قلعة، فإذا نحن برجل أحمر
ذي شوارب، فأتيناه به فضالة، فقلنا: إنه هبط من الحصن بلا عهد"، هذا جاء من حصن
العدو ما بيننا وبينه عهد، فسأله، فقال: "إني البارحة أكلت الخنزير، وشربت الخمر،
فأتاني في النوم رجلان، فغسلا بطني، وجاءتني امرأتان فقالتا: أسلم، فأنا مسلم"،
الآن هذا رجل كافر صادفه هؤلاء المسلمون في الغزو، نزل من حصن العدو، فألقوا القبض
عليه وأخذوه: ما بك؟ ما الذي أخرجك من حصنك؟ قال: أمس شربت الخمر، وأكلت خنزير، ونمت،
ورأيت في المنام من غسل بطني، وقال لي: أسلم، قمت من النوم قلت: أسلمت، وأنا مسلم،
فأنا نزلت إليكم أقول لكم: أنا مسلم، يعني أيش الخطوة التي بعدها؟ تأثر بالمنام وأسلم،
قال: "فما كانت كلمته، يعني كلمة: أنا مسلم، فما كانت كلمة أسرع من أن رمينا بالزبار"
قطع الحجارة والحديد، "فأصابه فدق عنقه" مات مباشرة، فقال فضالة: "الله
أكبر عمل قليلاً، وأجر كثيرًا، فصلينا عليه ثم دفناه" .
بعض العمال من الفلبين
جاء إلى قسم توعية الجاليات،
وسمع الكلام، ورغب في الإسلام، ونطق بالشهادتين يوم الأربعاء، وعلموه بعض محاسن الإسلام
الصلاة تعليمًا مبدئيًا أوليًا، وسأل عن العبادات، قالوا: الصيام، قال: أريد الصوم،
قالوا: في رمضان، قال: طيب هذه عبادة؟ قالوا: يشرع الاثنين والخميس، فصام الخميس، بعد
الأربعاء الذي أسلم فيه، ثاني يوم الخميس، فمات يوم الخميس، وهو صائم.
ذكر الحافظ ابن كثير رحمه الله في البداية
والنهاية
عن الشيخ علي البكَّاء،
وكان مشهورًا بالصلاح والعبادة وإطعام المارة والزوار والضيوف، قال: إنه صحب رجلاً
من بغداد، وإن هذا الرجل الذي خرج معه من بغداد قد حضره الموت، فاستدار إلى جهة الشرق،
فحوله إلى القبلة فاستدار إلى الشرق، قالوا: حيث قبلة النصارى، فإنهم يستقبلون الشرق،
قال فحولته أيضاً ففتح عينيه، وقال: لا تتعب، فإني لا أموت إلا على هذه الجهة، وجعل
يتكلم بكلام الرهبان حتى مات، فطبعًا المسلمون انزعجوا، يعني هؤلاء خرج واحد معهم من
بغداد على أنه مسلم، ثم قال: فحملناه فجئنا به إلى دير هناك، فوجدناهم في حزن عظيم،
فقلنا لهم: ما شأنكم؟ قالوا: كان عندنا شيخ كبير، النصارى يقولون، ابن مائة سنة، فلما
كان اليوم مات على الإسلام، عندنا واحد نصراني، منا وفينا، عمره مائة عام، اليوم أسلم،
واليوم مات، فقلنا لهم: خذوا هذا بدله، وسلمونا صاحبنا، قال: فوليناه، فغسلناه وكفناه
وصلينا عليه ودفناه مع المسلمين، وولوا هم ذلك الرجل فدفنوه في مقبرة النصارى. نسأل
الله حسن الخاتمة. ([29])
.
وأبو بكر بن النابلسي
رحمه الله كان رجلاً ذا
صبر عظيم، عند الطغاة، فأتى به جوهر العبيدي الرافضي، وألقى القبض عليه، وقال لأبي
بكر بن النابلسي رحمه الله: بلغنا أنك قلت إذا كان مع الرجل عشرة أسهم وجب أن يرمي
في الروم سهمًا وفينا تسعة، يعني في الباطنية تسعة وفي النصارى الكفار الأصليين أهل
الكتاب واحد، وفي الباطنية هؤلاء العبيديين تسعة، قال: ما قلت هذا، بل قلت: إذا كان
معه عشرة أسهم، وجب أن يرميكم بتسعة، وأن يرمي العاشر فيكم أيضاً، كل العشرة فيكم،
أنتم قبل النصارى، أنتم الملاحدة، أنتم الزنادقة، أنتم الباطنية، أنتم أخبث وأشر، أنتم
مرتدون، النصارى أهل كتاب، أنتم مرتدون، قال: ولم؟ قال: لأنكم غيرتم الملة، وقتلتم
الصالحين، وادعيتم الإلهية، فضربه، ثم أمر يهوديًا أن يسلخه. ([30])
مات على الإسلام
قال القاسم أبو عبد الرحمن:
"غزونا مع فضالة بين عبيد، فبينا نحن نسرع في السير، وهو أمير الجيش، وكان الولاة
حينها يسمعون ممن استرعاهم الله عليه، فقال قائل: أيها الأمير إن الناس قد تقطعوا قف
حتى يلحقوا بك، فوقف، في مرج عليه قلعة، فإذا نحن برجل أحمر ذي شوارب، فأتيناه به فضالة،
فقلنا: إنه هبط من الحصن بلا عهد"، هذا جاء من حصن العدو ما بيننا وبينه عهد،
فسأله، فقال: "إني البارحة أكلت الخنزير، وشربت الخمر، فأتاني في النوم رجلان،
فغسلا بطني، وجاءتني امرأتان فقالتا: أسلم، فأنا مسلم"، الآن هذا رجل كافر صادفه
هؤلاء المسلمون في الغزو، نزل من حصن العدو، فألقوا القبض عليه وأخذوه: ما بك؟ ما الذي
أخرجك من حصنك؟ قال: أمس شربت الخمر، وأكلت خنزير، ونمت، ورأيت في المنام من غسل بطني،
وقال لي: أسلم، قمت من النوم قلت: أسلمت، وأنا مسلم، فأنا نزلت إليكم أقول لكم: أنا
مسلم، يعني أيش الخطوة التي بعدها؟ تأثر بالمنام وأسلم، قال: "فما كانت كلمته،
يعني كلمة: أنا مسلم، فما كانت كلمة أسرع من أن رمينا بالزبار" قطع الحجارة والحديد،
"فأصابه فدق عنقه" مات مباشرة، فقال فضالة: "الله أكبر عمل قليلاً،
وأجر كثيرًا، فصلينا عليه ثم دفناه" ([31])
قصة النطق بالشهادة :
خرج رجلُ من الصالحين ،
خرج بزوجته وكانت صائمة قائمة وليّة من أولياء الله ، خرج يريد العمرة ، والغريب في
تلك السفرة أنها ودعت أطفالها ، وكتبت وصيتها ، وقبلت أطفالها وهي تبكي ، كأنه ألقي
في خلدها أنها سوف تموت { ثم ردوا إلى لله مولاهم الحق ، ألا له الحكم وهو أسرع الحاسبين
} ، ذهب واعتمر بزوجته ، وهو وإياها في بيت أسس على التقوى ، إيمان وقرآن وذكر وصيام
وقيام وعبادة ، لا يعرفون الغيبة ولا الفاحشة ولا المعاصي ، عاد معها فلما كان في الطريق
إلى الرياض ، أتى الأجل المحتوم إلى زوجته { وعد الله الذي لا يخلف الله وعده ولكن
كثر الناس لا يعلمون * يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون } ،
ذهب إطار السيارة فانقلبت ووقعت المرأة على رأسها ، { أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن
ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون } ، خرج زوجها
من الباب الآخر ، ووقف عليها وهي في سكرات الموت تقول : لا إله إلا الله ، محمد رسول
الله ، وتقول لزوجها : عفى الله عنك ، اللقاء في الجنة ، بلغ أهلي السلام ، وخرجت روحها
إلى بارئها .
القبر المنير بعمل صاحبه
إنه أنزل رجلاً في قبره في ليلة ظلماء، شديدة الظُّلمة، وكان الجوُّ غائمًا،
وكان هذا الرجل من الدعاة، وقد مات ليلة الجمُعة، وصلَّى عليه الشيخ ابنُ باز، ثم ذهبنا
للمقبرة، وطلبنا من أحد الإخوة أن يأتينا بسراج أو كشَّاف لكي ننير القبر، ولكنه أبطأ
علينا، فأخذت أعسُّ اللحد بيدي، فقلت للإخوة: أعطوني الميت، فلمَّا سللته من جهة الرِّجلَين،
ووضعته في قبره، وفككت تلك الأربطة، وإذا بالأنوار خرجت من ذلك القبر، وأنارت القبر،
ورآه كلُّ مَن كان معي، وكانت رائحة المسك تخرج من ذلك القبر.
مات وهو على هيئة الصلاة:
رجلٌ يُدعى "ناصرًا"، وكان رجلاً صالحًا
يَعمل نجَّارًا في الرياض، وكان كلما حان وقت سُنَّة الضحى، أغلق دكَّانه، وانطلق إلى
المسجد المجاور للدُّكان، ثم توضأ وصلَّى سُنَّة الضُّحى، فبعد أن يَنتهي من صلاته:
يَعود فيفتح دكانه، ثم يَعمل فيه، وفي يوم مِن الأيام أغلق دكانه كعادته، ودخل المسجد
ليُصلِّي الضحى فتوضأ، ثم كبَّر وصلَّى، وما أن انتهى من الرَّكعة الأولى، وشرع في
الركعة الثانية، فوضع يده اليمنى على اليسرى على الصدر، ثم مات وهو يُناجي ربه، مات
وهو يُصلِّي، وما علموا بموته إلا عندما دخل المؤذن ليُؤذِّن لصلاة الظهر، فحملوه إلى
بيته، وقاموا بتغسيله، فكلما أعادوا يده إلى جنبه، أعادها مرَّة أخرى إلى صدره، فكفَّنوه
ويده موضوعة على صدره، كهيئتها في الصلاة، وسيُبعث هكذا إن شاء الله، فمَن مات على
شيء، بُعِث عليه.
ماتت وهي ساجدة:
امرأة عَجوز، بلغت الثَّمانين من عُمُرها في مدينة
الرِّياض، وكلَّما جلست مع النِّساء، رأت أن المجلس لا يُصرف إلا في القِيل والقال،
وفي إضاعة الأوقات، فاعتزلت هذه المجالس، وجلست في بيتها تذكر اللهَ تعالى آناء الليل
وأطراف النَّهار، وجعلت تصوم النهار، وتقوم اللَّيل، وكان لها ولدٌ بارٌّ بها، وفي
ليلة من الليالي قامت لتُصلِّي، يقول ابنها: وفي آخر الليل إذا بها تنادي عليَّ، قال:
فتقدَّمْتُ وذهَبْتُ إليها، فإذا هي ساجِدة - على هيئة السُّجود - وتقول: يا بُنيَّ،
ما يتحرك فيَّ الآن سوى لساني، قال: إذًا أذهب بكِ إلى المستشفى، قالت: لا، وإنما أقعدني
هنا، قال: لا والله، لأذهبنَّ بكِ إلى المستشفى، وقد كان هذا الابن حريصًا على برِّها،
فأخذها وذهب بها إلى المستشفى، وتجمَّع الأطباء واحتاروا في أمرها، ولم يَعرفوا السَّبب
الذي جعل جسدها يتيبَّس على هيئة السجود، ولما عجزوا قالت لابنها: أسألك اللهَ أن تردَّني
على سجادتي في بيتي، فأخذها وذهب بها إلى البيت، ثم وضَّأها وأعادها على سجادتها، فقامت
تُصلِّي، يقول: وقبل الفجر بوقتٍ ليس بطويل، وإذا بها تُناديني، وتقول: يا بُنيَّ،
أستودعك اللهَ الذي لا تَضيع ودائعُه، أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا رسول
الله، لتصعد رُوحها إلى بارئها - جل وعلا - وهي ساجدة، فغسَّلُوها وهي ساجدة، وكفَّنُوها
وهي ساجدة، وحملوها إلى الصلاة عليها وهي ساجدة، وحملوها بنعشها إلى القبر وهي ساجدة،
ودُفنت وهي ساجدة، وستبعث إن شاء الله وهي ساجدة؛ فمَن مات على شيء بُعِثَ عليه؛
عامر بن عبد الله بن الزبير
على فراش الموت يلفظ أنفاسه
الاخيرة والاهل من حوله يبكون فبينما هو يصارع
الموت سمع المؤذن ينادى لصلاة المغرب ونفسه قد تحشرج فى حلقة واشتد نزعة ولكن بمجرد ان سمع النداء قال لمن حوله خذوا
بيدي قالو الى اين قال الى المسجد ! تعجب الحضور وقالوا وانت على هذه الحال ؟! قال عامر بن عبد الله سبحان
الله اسمع منادى الصلاة ولا أجيبه خذوا بيدي
فحملوه فصلى ركعة مع الإمام ثم مات فى سجوده . نعم الختام عاش على صلاته فمات عليها
.
نسأل الله تعالى الثبات بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة،
ونسأله سبحانه حسن الختام.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854