صفات الجنة ونعيمها للشيخ أحمد أبو عيد
الحَمْدُ للهِ
الْمُبْدِئِ الْمُعِيدِ الْمُغْنِي الحَمِيدِ ذِي العَفْوِ الواسِعِ والعِقابِ
الشَّدِيدِ، مَنْ هَداهُ فَهُوَ السَّعِيدُ السَّدِيدُ ومَنْ أَضَلَّهُ فَهُوَ
الطَّرِيدُ البَعِيدُ ومَنْ أَرْشَدَهُ إِلى سَبِيلِ النَّجاةِ وَوَفَقَهُ فَهُوَ
الرَّشِيدُ، يَعْلَمُ ما ظَهَرَ وما بَطَنَ وما خَفِيَ وما عَلَنَ وهُوَ أَقْرَبُ
إِلى كُلِّ مُرِيدٍ مِنْ حَبْلِ الوَرِيد.
وأشهد أن لا
إلاه إلا الله وحده لا شريك له، قَسَّمَ الخَلْقَ قِسْمَيْنِ وجَعَلَ لَهُمْ مَنْزِلَتَيْنِ
فَرِيقٌ في الجَنَّةِ وفَرِيقٌ في السَّعِيرِ ورَغَّبَ في ثَوابِهِ ورَهَّبَ مِنْ
عِقابِهِ وللهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ فَمَنْ عَمِلَ صالِحًا فَلِنَفْسِهِ ومَنْ
أَساءَ فَعَلَيْها وما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيد.
وأشهد أن نبينا وحبيبنا
محمدا نبيه ورسوله وصفيه من خلقه وخليله، أدى الأمانة وبلغ الرسالة ونصح للامة فكشف
الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين
فاللهم صل وسلم وزد
وبارك عليه رفع الله له ذكره وشرح الله صدره ووضع الله عنه وزره وزكاه ربه على جميع
الخلق ومع ذلك خاطبه إنك ميت وانهم ميتون.
العناصر
أولاً: وسائل تُدخل الجنة
ثانيًا: صفات الجنة
ونعيمها
ثالثًا: نداء لمن
يطلبون الجنة
الموضوع
أولًا: وسائل تُدخل الجنة
الهجرة
والجهاد في سبيل الله: قال الله تعالى:
{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ
وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ
فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ
الْعَظِيمُ} [التوبة:111].
هذه الآية فيها أحد عشر لوناً من ألوان البلاغة، وألوان الأوامر، وألوان
الفضل الإلهي: قوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى}، بدأت الآية بحرف التوكيد {إن}،
وذكرت اسم المشتري: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى}، ولفظ الجلالة {الله} هو اسم إن،
فالله هو المشتري، و{اشترى} هذا فعل ماض، فالله قد اشترى بفضله سبحانه، ثم ذكر
البائع فقال: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} اللهم اجعلنا منهم يا رب! {أَنفُسَهُمْ
وَأَمْوَالَهُمْ} الأنفس والأموال أعطاها لك الله ثم هو يشتري منك ما منحك بدون مقابل،
أعطاك الله الجسد والروح، والدورة الدموية، والدورة التنفسية، والعقل، والفكر،
والمشاعر، والعواطف، والأحاسيس، والود والرحمة، والمحبة، والإخلاص، كل هذا أعطاه
لك ربنا، وأنت ماذا أعطيته عندما أعطاك هذا؟! إذاً: الله عز وجل قد اشترى من
المؤمنين شيئاً قد وهبه لهم بدون مقابل: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ
الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ}، المال أيضاً هو من مال الله، لكن
الناس مالوا بالمال عن حقيقة المال،
أعطاك الجنة مقابل أن بعت له نفسك ومالك، قال تعالى: {بِأَنَّ لَهُمُ
الْجَنَّةَ}، كيف سيحصلون عليها؟ قال: {يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} فيجاهدون في سبيل نصرة الإسلام فإن قتلوا عدوهم أو
قتلهم العدو فلهم الجنة بإذن الله وهو وعد من الله وقد أكده الله تعالى في التوراة
والانجيل والقران، والله لا يخلف الميعاد، فلهؤلاء البشرى بهذا البيع الذي لا
خسارة فيه على الإطلاق وذلك هو الفوز العظيم.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:.........«إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِائَةَ دَرَجَةٍ،
أَعَدَّهَا اللَّهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، مَا بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ
كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ، فَاسْأَلُوهُ الفِرْدَوْسَ،
فَإِنَّهُ أَوْسَطُ الجَنَّةِ وَأَعْلَى الجَنَّةِ - أُرَاهُ - فَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ،
وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الجَنَّةِ» قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ، عَنْ أَبِيهِ:
وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ } {[1]}
{الفردوس} هو البستان الذي يجمع ما في البساتين كلها من شجر وزهر ونبات. {أوسط
الجنة} أفضلها وخيرها.
الإيمان
بالله: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا
وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ
وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ.
وَأَمْدَدْنَاهُم بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ. يَتَنَازَعُونَ
فِيهَا كَأْسًا لّا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ. وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ
لَّهُمْ كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} [الطور:21-24].
طاعة
الله ورسوله صلى الله عليه وسلم: قال الله تعالى:
{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ
عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ
وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا} [النساء:69].
السابقون إلى
الخيرات: قال تعالى: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ {10}
أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ {11} فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ {12}
ثُلَّةٌ مِنَ الْأَوَّلِينَ {13} وَقَلِيلٌ مِنَ الْآخِرِينَ {14}}
الواقعة أي: السابقون في الدنيا إلى الخيرات، هم السابقون في الآخرة
لدخول جنات النعيم، في أعلى عليين، في المنازل العاليات، التي لا منزلة فوقها، {ثُلَّةٌ
مِنَ الأوَّلِينَ} أي: جماعة كثيرون من المتقدمين من هذه الأمة وغيرهم، {وَقَلِيلٌ
مِنَ الآخِرِينَ} وهذا يدل على فضل صدر هذه الأمة في الجملة على متأخريها، لكون
المقربين من الأولين أكثر من المتأخرين.
تقوى
الله تعالى: قال تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا
رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا
وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ}
[الزمر].
وقال الله
تعالى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ. فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ
رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ. كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا
بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ. مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَّصْفُوفَةٍ
وَزَوَّجْنَاهُم بِحُورٍ عِينٍ} [الطور].
سلامة
الصدور ونقائها: قال تعالى:
{وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأَنْهَارُ
وَقَالُواْ الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنا لِنَهْتَدِيَ
لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّهُ لَقَدْ جَاءتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُواْ
أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} [الأعراف:43]
العمل
الصالح: قال ا تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا
الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ۖ لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ۖ
وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء:57].
وقال تعالى: {وَبَشِّرِ
الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا
الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي
رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ
وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ {25}} البقرة.
الطيبة: قال الله تعالى: {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ
الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ
بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النحل:32].
المسارعة
إلى الخيرات: قال تعالى: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا
السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} آل عمران:133، وقال
تعالى: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ
وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللّه وَرُسُلِهِ} الحديد:21.
البلاء في الدنيا: قال تعالى: {أَمْ
حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ
خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا
حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا
إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ {214}} آل عمران.
الصدق: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:
«إِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهْدِي إِلَى
الجَنَّةِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَصْدُقُ حَتَّى يَكُونَ صِدِّيقًا. وَإِنَّ
الكَذِبَ يَهْدِي إِلَى
الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ، وَإِنَّ الرَّجُلَ
لَيَكْذِبُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا» {[2]}
{يهدي} يوصل. {البر} اسم جامع لكل خير أي العمل الصالح الخالص من كل ذم. {ليصدق}
يعتاد الصدق في كل أمر. {صديقا} يصبح الصدق صفة ذاتية له فيدخل في زمرة الصديقين
ويستحق ثوابهم.
الخوف من الله: قال تعالى: {وَلِمَنْ
خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ {46}} الرحمن
أَيْ قِيَامَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ، فَالْمَقَامُ اسْمُ مَصْدَرٍ بِمَعْنَى
الْقِيَامِ، وَفَاعِلُهُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ هُوَ الْعَبْدُ الْخَائِفُ،
وَإِنَّمَا أُضِيفَ إِلَى الرَّبِّ لِوُقُوعِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهَذَا
الْوَجْهُ يَشْهَدُ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى [79 \
40] ، فَإِنَّ قَوْلَهُ: وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى: قَرِينَةٌ
دَالَّةٌ عَلَى أَنَّهُ خَافَ عَاقِبَةَ الذَّنْبِ حِينَ يَقُومُ بَيْنَ يَدَيْ
رَبِّهِ، فَنَهَى نَفْسَهُ عَنْ هَوَاهَا {[3]}.
وسائل أخرى لدخول الجنة:
قال تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) ..............
أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ
هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11)) المؤمنون.
وقال تعالى: (وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ
هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ......................
أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً
وَسَلَامًا (75) خَالِدِينَ فِيهَا حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا ) الفرقان.
أمة النبي صلى الله عليه وسلم شطر أهلها: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ،
قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ فِي قُبَّةٍ، فَقَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ
تَكُونُوا رُبُعَ أَهْلِ الجَنَّةِ» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ
تَكُونُوا ثُلُثَ أَهْلِ الجَنَّةِ» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «أَتَرْضَوْنَ أَنْ
تَكُونُوا شَطْرَ أَهْلِ الجَنَّةِ» قُلْنَا: نَعَمْ، قَالَ: «وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنِّي لَأَرْجُو أَنْ تَكُونُوا نِصْفَ أَهْلِ الجَنَّةِ،
وَذَلِكَ أَنَّ الجَنَّةَ لاَ يَدْخُلُهَا إِلَّا نَفْسٌ مُسْلِمَةٌ، وَمَا
أَنْتُمْ فِي أَهْلِ الشِّرْكِ إِلَّا كَالشَّعْرَةِ البَيْضَاءِ فِي جِلْدِ
الثَّوْرِ الأَسْوَدِ، أَوْ كَالشَّعْرَةِ السَّوْدَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ
الأَحْمَرِ» {[4]}
ثانيًا:
صفات الجنة ونعيمها
مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ
عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ: عن أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: قَالَ اللَّهُ «أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي
الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ، وَلاَ أُذُنٌ
سَمِعَتْ، وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، فَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ
فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ» {[5]}
بناؤها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مِمَّ خُلِقَ
الْخَلْقُ؟ قَالَ: «مِنَ الْمَاءِ». قُلْنَا: الْجَنَّةُ مَا بِنَاؤُهَا؟ قَالَ:
«لَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَمِلَاطُهَا الْمِسْكُ
الْأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا
الزَّعْفَرَانُ مَنْ يَدْخُلُهَا يَنْعَمُ وَلَا يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ وَلَا
يَمُوتُ وَلَا يَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلَا يَفْنَى شَبَابُهُمْ» {[6]}
قال العلامة
المباركفوري في "تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي: {الجنة بناؤها لَبِنَةٌ
مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ} أَيْ بِنَاؤُهَا مُرَصَّعٌ مِنْهُمَا، {وَمِلَاطُهَا}
بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ مَا بَيْنَ اللَّبِنَتَيْنِ مَوْضِعُ النُّورَةِ، فِي
النِّهَايَةِ: الْمِلَاطُ الطِّينُ الَّذِي يُجْعَلُ بَيْنَ سَاقَتَيِ الْبِنَاءِ
يُمَلَّطُ بِهِ الْحَائِطُ أَيْ يُخْلَطُ.
{الْمِسْكُ الْأَذْفَرُ}
أَيِ الشَّدِيدُ الرِّيحِ، {وَحَصْبَاؤُهَا}
أَيْ حَصْبَاؤُهَا الصِّغَارُ الَّتِي فِي الْأَنْهَارِ قَالَهُ الْقَارِي.
وَقَالَ صَاحِبُ أَشِعَّةِ الجزء السابع اللُّمَعَاتِ: أَيْ حَصْبَاؤُهَا الَّتِي
فِي الْأَنْهَارِ وَغَيْرِهَا. قُلْتُ: الظَّاهِرُ هُوَ الْعُمُومُ، {اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ}
أَيْ مِثْلُهَا فِي اللَّوْنِ وَالصَّفَاءِ، {وَتُرْبَتُهَا} أَيْ مَكَانَ تُرَابِهَا {الزَّعْفَرَانُ} أَيِ
النَّاعِمُ الْأَصْفَرُ الطَّيِّبُ الرِّيحِ فَجَمَعَ بَيْنَ أَلْوَانِ الزِّينَةِ
وَهِيَ الْبَيَاضُ وَالْحُمْرَةُ وَالصُّفْرَةُ وَيَتَكَمَّلُ بِالْأَشْجَارِ
الْمُلَوَّنَةِ بِالْخُضْرَةِ. وَلَمَّا كَانَ السَّوَادُ يَغُمُّ الْفُؤَادَ
خُصَّ بِأَهْلِ النَّارِ.
{ مَنْ يَدْخُلُهَا
يَنْعَمُ لَا يَبْأَسُ } بِفَتْحِ وَسَطِهِمَا فِي الْقَامُوسِ: الْبَأْسُ
الْعَذَابُ وَالشِّدَّةُ فِي الْحَرْبِ بَؤُسَ كَكَرُمَ بَأْسًا وَبَئِسَ كَسَمِعَ
اشْتَدَّتْ حَاجَتُهُ، { يَخْلُدُ }
أَيْ يَدُومُ فَلَا يَتَحَوَّلُ عَنْهَا، {ولَا يَمُوتُ }
أَيْ لَا يَفْنَى بَلْ دَائِمًا يَبْقَى ، { َلَا تَبْلَى }
بِفَتْحِ أَوَّلِهِ مِنْ بَابِ سَمِعَ يَسْمَعُ أَيْ لَا تَخْلَقُ وَلَا
تَتَقَطَّعُ، { ثِيَابُهُمْ } وَكَذَا أَثَاثُهُمْ ، { وَلَا يَفْنَى
شَبَابُهُمْ } أَيْ لَا يَهْرَمُونَ وَلَا يُخَرِّفُونَ وَلَا يُغَيِّرُهُمْ
مُضِيُّ الزَّمَانِ قَالَ الْقَاضِي: مَعْنَاهُ أَنَّ الْجَنَّةَ دَارُ الثَّبَاتِ
وَالْقَرَارِ وَأَنَّ التَّغَيُّرَ لَا يَتَطَرَّقُ إِلَيْهَا فَلَا يَشُوبُ
نَعِيمَهَا بُؤْسٌ وَلَا يَعْتَرِيهِ فَسَادٌ وَلَا تَغْيِيرٌ، فَإِنَّهَا
لَيْسَتْ دَارَ الْأَضْدَادِ وَمَحَلَّ الْكَوْنِ وَالْفَسَادِ .
أبواب الجنة: عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،
قَالَ: «فِي الجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ،
لاَ يَدْخُلُهُ إِلَّا الصَّائِمُونَ» {[7]}
وقال تعالى: {جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوَابُ} سورة ص أي: مفتحة
لأجلهم أبواب منازلها ومساكنها، لا يحتاجون أن يفتحوها هم، بل هم مخدومون، وهذا
دليل أيضا على الأمان التام، وأنه ليس في جنات عدن، ما يوجب أن تغلق لأجله أبوابها.
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قال رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ......... (فَآتِي تَحْتَ الْعَرْشِ،
فَأَقَعُ سَاجِدًا
لِرَبِّي، ثُمَّ يَفْتَحُ اللهُ عَلَيَّ وَيُلْهِمُنِي مِنْ مَحَامِدِهِ، وَحُسْنِ
الثَّنَاءِ عَلَيْهِ شَيْئًا لَمْ يَفْتَحْهُ لِأَحَدٍ قَبْلِي، ثُمَّ يُقَالُ: يَا
مُحَمَّدُ، ارْفَعْ رَأْسَكَ، سَلْ تُعْطَهْ، اشْفَعْ تُشَفَّعْ، فَأَرْفَعُ رَأْسِي،
فَأَقُولُ: يَا رَبِّ، أُمَّتِي أُمَّتِي، فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ، أَدْخِلْ الْجَنَّةَ
مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لَا حِسَابَ عَلَيْهِ مِنَ الْبَابِ الْأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ
الْجَنَّةِ، وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْأَبْوَابِ، وَالَّذِي
نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، إِنَّ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ
لَكَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَرٍ، أَوْ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَبُصْرَى) ([8])
، المصراعان جانبا الباب (هجر) هجر مدينة
عظيمة هي قاعدة بلاد البحرين (وبصرى) بصرى مدينة معروفة بينها وبين دمشق نحو ثلاث
مراحل] .
وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
فَأَسْتفْتِحُ، فَيَقُولُ الْخَازِنُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَأَقُولُ: مُحَمَّدٌ،
فَيَقُولُ: بِكَ أُمِرْتُ لَا أَفْتَحُ لِأَحَدٍ قَبْلَكَ " ([9])
أول من يدخلوها: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ: «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ
القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ
يَتَغَوَّطُونَ، آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنَ الذَّهَبِ
وَالفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمُ الأَلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمُ المِسْكُ، وَلِكُلِّ
وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ
مِنَ الحُسْنِ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ
وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا» {[10]}
{زمرة} جماعة. {تلج} تدخل. {على صورة القمر} أي في الإضاءة. {البدر} اسم
للقمر حين تكتمل. {آنيتهم} أوعيتهم. {مجامرهم} جمع مجمرة وهي المبخرة سميت بذلك
لأنها يوضع فيها الجمر ليفوح به ما يوضع فيها من البخور. {الألوة} العود الهندي
الذي يتبخر به. {رشحهم} عرقهم كالمسك في طيب رائحته. {مخ سوقها} ما داخل العظم من
الساق. {قلب واحد} أي كقلب رجل واحد. {بكرة وعشيا} أي في غالب أوقاتهم يتلذذون بما
يلهمهم الله تعالى من ذكره.
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَدْخُلُ الجَنَّةَ عَلَى صُورَةِ
القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، وَالَّذِينَ عَلَى آثَارِهِمْ كَأَحْسَنِ كَوْكَبٍ
دُرِّيٍّ فِي السَّمَاءِ إِضَاءَةً، قُلُوبُهُمْ عَلَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ، لاَ
تَبَاغُضَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَحَاسُدَ، لِكُلِّ امْرِئٍ زَوْجَتَانِ مِنَ الحُورِ
العِينِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِنَّ مِنْ وَرَاءِ العَظْمِ وَاللَّحْمِ»{[11]}
، {دري} هو الكوكب العظيم البراق الشديد
الإضاءة سمي بذلك لبياضه كالدر أو لضوئه. {الحور العين} هن نساء أهل الجنة والحور
جمع حوراء وهي الشديدة بياض العين
الشديدة سوادها. والعين جمع عيناء وهي الواسعة العين]
ترائي أهل الجنة أهل الغرف: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ، قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ الجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الغُرَفِ مِنْ
فَوْقِهِمْ، كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الغَابِرَ فِي الأُفُقِ،
مِنَ المَشْرِقِ أَوِ المَغْرِبِ، لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ» قَالُوا يَا
رَسُولَ اللَّهِ تِلْكَ مَنَازِلُ الأَنْبِيَاءِ لاَ يَبْلُغُهَا غَيْرُهُمْ،
قَالَ: «بَلَى وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، رِجَالٌ آمَنُوا بِاللَّهِ وَصَدَّقُوا
المُرْسَلِينَ» {[12]}
{يتراءون} يرون وينظرون ويتكلفون لذلك. {أهل الغرف} أصحاب المنازل العالية
والغرف جمع غرفة وهي العلية. {الغابر} الذاهب أو الباقي بعد انتشار ضوء الفجر. {الأفق}
أطراف السماء. {لتفاضل ما بينهم} لبعد منازل أهل الغرف وعلو درجاتهم عن باقي أهل
الجنة]
طعامهم، وعن شرابهم، وعن آرائكهم وسررهم:
سُرُرُها: قال تعالى: {عَلَى
سُرُرٍ مَوْضُونَةٍ} الواقعة أي: مرمولة بالذهب والفضة، واللؤلؤ،
والجوهر، وغير ذلك من [الحلي] الزينة، التي لا يعلمها إلا الله تعالى، {مُتَّكِئِينَ
عَلَيْهَا} أي: على تلك السرر، جلوس تمكن وطمأنينة وراحة واستقرار.
{مُتَقَابِلِينَ} وجه كل منهم إلى وجه صاحبه، من صفاء قلوبهم، وحسن أدبهم، وتقابل
قلوبهم،
وقال تعالى: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} الواقعة أي: مرفوعة فوق
الأسرة ارتفاعا عظيما، وتلك الفرش من الحرير والذهب واللؤلؤ وما لا يعلمه إلا
الله.
وقال تعالى: {مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} الرحمن
هذه صفة فرش أهل الجنة وجلوسهم عليها، وأنهم متكئون عليها، [أي:] جلوس تمكن
واستقرار وراحة، كجلوس الملوك على الأسرة، وتلك الفرش، لا يعلم وصفها وحسنها إلا
الله عز وجل، حتى إن بطائنها التي تلي الأرض منها، من إستبرق، وهو أحسن الحرير
وأفخره، فكيف بظواهرها التي تلي بشرتهم؟! {[13]}
أنهارها: عن أَنَسُ بْنُ
مَالِكٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
بَيْنَمَا أَنَا أَسِيرُ فِي الجَنَّةِ، إِذَا أَنَا بِنَهَرٍ، حَافَتَاهُ قِبَابُ
الدُّرِّ المُجَوَّفِ، قُلْتُ: مَا هَذَا يَا جِبْرِيلُ؟ قَالَ: هَذَا الكَوْثَرُ،
الَّذِي أَعْطَاكَ رَبُّكَ، فَإِذَا طِينُهُ -أَوْ طِيبُهُ -مِسْكٌ أَذْفَرُ
" {[14]}
وقال تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا
أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ
طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ
مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ
رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيمًا
فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ {15}} محمد
{مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ} قَالَ عِكْرِمَةُ
{مَّثَلُ الْجَنَّةِ} أَيْ نَعْتُهَا، {فِيهَآ أَنْهَارٌ مِّن مَّآءٍ غَيْرِ
آسِنٍ} يعني غير متغير، وَالْعَرَبُ تَقُولُ: أَسِنَ الماءُ إِذَا تَغَيَّرَ
رِيحُهُ، وفي حديث مرفوع {غَيْرِ آسِنٍ} يَعْنِي الصَّافِي الَّذِي لَا كَدَرَ
فيه، وقال عبد الله رضي الله عنه: أَنْهَارُ الْجَنَّةِ تُفَجَّرُ مِنْ جَبَلٍ
مِنْ مِسْكٍ {وَأَنْهَارٌ مِّن لبن لم يتغير طَعْمُهُ} بَلْ فِي غَايَةِ
الْبَيَاضِ وَالْحَلَاوَةِ وَالدُّسُومَةِ، وَفِي حَدِيثٍ مَرْفُوعٍ: «لَمْ
يَخْرُجْ مِنْ ضُرُوعِ الْمَاشِيَةِ»، {وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ
لِلشَّارِبِينَ} أَيْ لَيْسَتْ كريهة الطعم والرائحة كخمر الدنيا، بل حسنة المنظر
والطعم والرائحة، {وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى} أَيْ وَهُوَ فِي غَايَةِ
الصَّفَاءِ وَحُسْنِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ، {وَلَهُمْ فِيهَا مِن
كُلِّ الثمرات} كقوله عزَّ وجلَّ: {يدعون فيها بِكلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ}، وقوله
سبحانه وتعالى: {وَمَغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ} أَيْ مَعَ ذَلِكَ كُلِّهِ، وقوله
سبحانه وتعالى: {كَمَنْ هُوَ خالد فِي النار؟} أي هؤلاء الَّذِينَ ذَكَرْنَا
مَنْزِلَتَهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ، كَمَنْ هُوَ خالد في النار؟ ليس هؤلاء كهؤلاء،
وليس مَنْ هُوَ فِي الدَّرَجَاتِ كَمَنْ هُوَ فِي الدَّرَكَاتِ، {وَسُقُواْ مَآءً
حَمِيماً} أَيْ حَارًّا شَدِيدَ الْحَرِّ لَا يُسْتَطَاعُ، {فَقَطَّعَ
أَمْعَآءَهُمْ} أَيْ قَطَّعَ مَا فِي بُطُونِهِمْ مِنَ الْأَمْعَاءِ وَالْأَحْشَاءِ،
عِيَاذًا بالله تعالى من ذلك.
وقال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ} أَيْ تَسْرَحَانِ لِسَقْيِ
تِلْكَ الأشجار والأغصان، فتثمر من جميع الألوان، وقال تعالى: {فِيهِمَا عَيْنَانِ
نَضَّاخَتَانِ}. أي: فوارتان
شرابُها: قال تعالى: {يَطُوفُ
عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ} أي: يدور على أهل الجنة لخدمة وقضاء حوائجهم،
ولدان صغار الأسنان، في غاية الحسن والبهاء، {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} أي:
مستور، لا يناله ما يغيره، مخلوقون للبقاء والخلد، لا يهرمون ولا يتغيرون، ولا
يزيدون على أسنانهم.
ويدورون عليهم بآنية شرابهم {بِأَكْوَابٍ} وهي التي لا عرى لها،
{وَأَبَارِيقَ} الأواني التي لها عرى، {وَكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ} أي: من خمر لذيذ
المشرب، لا آفة فيها، {لا يُصَدَّعُونَ عَنْهَا} أي: لا تصدعهم رءوسهم كما تصدع
خمرة الدنيا رأس شاربها، ولا هم عنها ينزفون، أي: لا تنزف عقولهم، ولا تذهب
أحلامهم منها، كما يكون لخمر الدنيا.
والحاصل: أن جميع ما في الجنة من أنواع النعيم الموجود جنسه في الدنيا، لا
يوجد في الجنة فيه آفة، وقال تعالى: {وَمَاءٍ مَسْكُوبٍ} أي: كثير من العيون
والأنهار السارحة، والمياه المتدفقة.
وقال تعالى: {وَمِزَاجُهُ مِن تَسْنِيمٍ} أي مزاج هَذَا الرَّحِيقِ
الْمَوْصُوفِ {مِن تَسْنِيمٍ} أَيْ مِنْ شَرَابٍ يُقَالُ
لَهُ تَسْنِيمٌ، وَهُوَ أَشْرَفُ
شَرَابِ أهل الجنة وأعلاه، وَلِهَذَا قَالَ: {عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا
الْمُقَرَّبُونَ} أَيْ يَشْرَبُهَا الْمُقَرَّبُونَ صِرْفًا، وَتُمْزَجُ
لِأَصْحَابِ الْيَمِينِ مَزْجًا {قَالَهُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ
وَمَسْرُوقٌ وَقَتَادَةُ وغيرهم}.
وقال تعالى: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا
كَافُورًا {5} عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا
تَفْجِيرًا {6}} الإنسان وهم الذين برت قلوبهم بما فيها من
محبة الله ومعرفته، والأخلاق الجميلة، فبرت جوارحهم، واستعملوها بأعمال البر أخبر
أنهم {يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ} أي: شراب لذيذ من خمر قد مزج بكافور أي: خلط به
ليبرده ويكسر حدته، وهذا الكافور في غاية اللذة قد سلم من كل مكدر ومنغص، موجود في
كافور الدنيا، فإن الآفة الموجودة في الأسماء التي ذكر الله أنها في الجنة وهي في
الدنيا تعدم في الآخرة
{عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} أي: ذلك الكأس اللذيذ الذي
يشربون به، لا يخافون نفاده، بل له مادة لا تنقطع، وهي عين دائمة الفيضان
والجريان، يفجرها عباد الله تفجيرا، أنى شاءوا، وكيف أرادوا، فإن شاءوا صرفوها إلى
البساتين الزاهرات، أو إلى الرياض الناضرات، أو بين جوانب القصور والمساكن
المزخرفات، أو إلى أي: جهة يرونها من الجهات المونقات {[15]}.
طعامٌها: قال تعالى: {وَفَاكِهَةٍ
مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ} أي: مهما تخيروا، وراق في أعينهم، واشتهته نفوسهم، من
أنواع الفواكه الشهية، والجنى اللذيذ، حصل لهم على أكمل وجه وأحسنه.
{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي: من كل صنف من الطيور يشتهونه،
ومن أي جنس من لحمه أرادوا، وإن شاءوا مشويا، أو طبيخا، أو غير ذلك.
قال تعالى: {فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ} أي: مقطوع ما فيه من الشوك والأغصان
[الرديئة] المضرة، مجعول مكان ذلك الثمر الطيب، وللسدر من الخواص، الظل الظليل،
وراحة الجسم فيه.
{وَطَلْحٍ مَنْضُودٍ} والطلح معروف، وهو شجر [كبار] يكون بالبادية، تنضد
أغصانه من الثمر اللذيذ الشهي، {وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ لا مَقْطُوعَةٍ وَلا
مَمْنُوعَةٍ} أي: ليست بمنزلة فاكهة الدنيا تنقطع في وقت من الأوقات، وتكون ممتنعة
[أي: متعسرة] على مبتغيها، بل هي على الدوام موجودة، وجناها قريب يتناوله العبد
على أي حال يكون {[16]}.
وقال تعالى: {ذَوَاتَآ أَفْنَانٍ} أَيْ أَغْصَانٍ نَضِرَةٍ حَسَنَةٍ،
تَحْمِلُ مِنْ كُلِّ ثَمَرَةٍ نضيجة.
وقال تعالى: {فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ} أَيْ مِنْ جَمِيعِ
أَنْوَاعِ الثِّمَارِ، مِمَّا لَا عَيْنٌ رَأَتْ، وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ، وَلَا
خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ {فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ} قال ابْنِ
عَبَّاسٍ: مَا فِي الدُّنْيَا ثَمَرَةٌ حُلْوَةٌ ولا مرة إلا وهي في الجنة، وليس
فِي الدُّنْيَا مِمَّا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا الْأَسْمَاءُ، يَعْنِي أَنَّ بَيْنَ
ذَلِكَ بَوْنًا عَظِيمًا وَفَرْقًا بَيِّنًا فِي التَّفَاضُلِ {[17]}.
وقال تعالى: {وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ} الجنى هو الثمر المستوي أي:
وثمر هاتين الجنتين قريب التناول، يناله القائم والقاعد والمضطجع.
وقال تعالى: {مُتَّكِئِينَ فِيهَا} على الأرائك المزينات، والمجالس المزخرفات.
{يَدْعُونَ فِيهَا} أي: يأمرون خدامهم، أن يأتوا {بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ
وَشَرَابٍ} من كل ما تشتهيه نفوسهم، وتلذه أعينهم، وهذا يدل على كمال النعيم،
وكمال الراحة والطمأنينة، وتمام اللذة.
حُورُها: قال تعالى: {وَحُورٌ
عِينٌ كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} أي: ولهم حور عين، والحوراء: التي في
عينها كحل وملاحة، وحسن وبهاء، والعين: حسان الأعين وضخامها وحسن العين في الأنثى، من أعظم الأدلة على
حسنها وجمالها، {كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} أي: كأنهن اللؤلؤ الأبيض
الرطب الصافي البهي، المستور عن الأعين والريح والشمس، الذي يكون لونه من أحسن
الألوان، الذي لا عيب فيه بوجه من الوجوه، فكذلك الحور العين، لا عيب فيهن [بوجه]
، بل هن كاملات الأوصاف، جميلات النعوت، فكل ما تأملته منها لم تجد فيه إلا ما يسر
الخاطر ويروق الناظر.
وقال تعالى: {إِنَّا أَنْشَأْنَاهُنَّ إِنْشَاءً} أي: إنا أنشأنا نساء أهل
الجنة نشأة غير النشأة التي كانت في الدنيا، نشأة كاملة لا تقبل الفناء، {فَجَعَلْنَاهُنَّ
أَبْكَارًا} صغارهن وكبارهن، وعموم ذلك، يشمل الحور العين ونساء أهل الدنيا، وأن
هذا الوصف -وهو البكارة- ملازم لهن في جميع الأحوال، كما أن كونهن {عُرُبًا
أَتْرَابًا} ملازم لهن في كل حال، والعروب: هي المرأة المتحببة إلى بعلها بحسن
لفظها، وحسن هيئتها ودلالها وجمالها [ومحبتها] ، فهي التي إن تكلمت سبت العقول،
وود السامع أن كلامها لا ينقضي، خصوصا عند غنائهن بتلك الأصوات الرخيمة والنغمات المطربة،
وإن نظر إلى أدبها وسمتها ودلها ملأت قلب بعلها فرحا وسرورا، وإن برزت من محل إلى
آخر، امتلأ ذلك الموضع منها ريحا طيبا ونورا، ويدخل في ذلك الغنجة عند الجماع.
والأتراب اللاتي على سن واحدة، ثلاث وثلاثين سنة، التي هي غاية ما يتمنى
ونهاية سن الشباب،
فنساؤهم عرب أتراب، متفقات مؤتلفات، راضيات مرضيات، لا يحزن ولا يحزن، بل
هن أفراح النفوس، وقرة العيون، وجلاء الأبصار.
وقال تعالى: {فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ} أي: قد قصرن طرفهن على
أزواجهن، من حسنهم وجمالهم، وكمال محبتهن لهم، وقصرن أيضا طرف أزواجهن عليهن، من
حسنهن وجمالهن ولذة وصالهن، {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ}
أي: لم ينلهن قبلهم أحد من الإنس والجن، بل هن أبكار عرب، متحببات إلى أزواجهن،
بحسن التبعل والتغنج والملاحة والدلال، ولهذا قال: {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ
وَالْمَرْجَانُ} وذلك لصفائهن وجمال منظرهن وبهائهن.
{فِيهِنَّ} أي: في الجنات كلها {خَيْرَاتٌ حِسَانٌ} أي: خيرات الأخلاق حسان
الأوجه، فجمعن بين جمال الظاهر والباطن، وحسن الخلق والخلق.
وقال تعالى: {حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ} أي: محبوسات في خيام
اللؤلؤ، قد تهيأن وأعددن أنفسهن لأزواجهن، ولا ينفي ذلك خروجهن في البساتين ورياض
الجنة، كما جرت العادة لبنات الملوك ونحوهن [المخدرات] الخفرات.
{لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌّ فَبِأَيِّ آلاءِ
رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ مُتَّكِئِينَ عَلَى رَفْرَفٍ خُضْرٍ} أي: أصحاب هاتين
الجنتين، متكأهم على الرفرف الأخضر، وهي الفرش التي فوق المجالس العالية، التي قد
زادت على مجالسهم، فصار لها رفرفة من وراء مجالسهم، لزيادة البهاء وحسن المنظر،
{وَعَبْقَرِيٍّ حِسَانٍ} العبقري: نسبة لكل منسوج نسجا حسنا فاخرا، ولهذا وصفها
بالحسن الشامل، لحسن الصنعة وحسن المنظر، ونعومة الملمس {[18]}.
وقال تعالى: {وَعِنْدَهُمْ} من أزواجهم، الحور العين {قَاصِرَاتُ} طرفهن
على أزواجهن، وطرف أزواجهن عليهن، لجمالهم كلهم، ومحبة كل منهما للآخر، وعدم طموحه
لغيره، وأنه لا يبغي بصاحبه بدلا ولا عنه عوضا. {أَتْرَابٌ} أي: على سن واحد، أعدل
سن الشباب وأحسنه وألذه {[19]}.
كلام أهلها: قال تعالى: {لا
يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا} أي: لا يسمعون في جنات النعيم كلاما
يلغى، ولا يكون فيه فائدة، ولا كلاما يؤثم صاحبه، {إِلا قِيلا سَلامًا سَلامًا}
أي: إلا كلاما طيبا، وذلك لأنها دار الطيبين، ولا يكون فيها إلا كل طيب، وهذا دليل
على حسن أدب أهل الجنة في خطابهم فيما بينهم، وأنه أطيب كلام، وأسره للنفوس وأسلمه
من كل لغو وإثم، نسأل الله من فضله.
موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها: عَنْ سَهْلِ بْنِ
سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ «مَوْضِعُ سَوْطٍ فِي الجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا» {[20]}
أي المساحة القلية جدا منها تفضل عن الدنيا وكل ما فيها بأضعافٍ كثيرة.
شجر الجنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
" إِنَّ فِي الجَنَّةِ لَشَجَرَةً يَسِيرُ الرَّاكِبُ فِي ظِلِّهَا مِائَةَ سَنَةٍ،
وَاقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ} [الواقعة: 30] {[21]}
وعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ: عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ لَهُ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا طُوبَى؟
قَالَ: {شَجَرَةٌ فِي الْجَنَّةِ مسيرة مئة سَنَةٍ ثِيَابُ أَهْلِ الْجَنَّةِ
تَخْرُجُ مِنْ أَكْمَامِهَا} {[22]}
آخر أهل الجنة دخولا: عَنْ أَبِي ذَرٍّ،
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنِّي
لَأَعْلَمُ آخِرَ أَهْلِ الْجَنَّةِ دُخُولًا الْجَنَّةَ، وَآخِرَ أَهْلِ النَّارِ
خُرُوجًا مِنْهَا، رَجُلٌ يُؤْتَى بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، فَيُقَالُ: اعْرِضُوا
عَلَيْهِ صِغَارَ ذُنُوبِهِ، وَارْفَعُوا عَنْهُ كِبَارَهَا، فَتُعْرَضُ عَلَيْهِ
صِغَارُ ذُنُوبِهِ، فَيُقَالُ: عَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا،
وَعَمِلْتَ يَوْمَ كَذَا وَكَذَا كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: نَعَمْ، لَا
يَسْتَطِيعُ أَنْ يُنْكِرَ وَهُوَ مُشْفِقٌ مِنْ كِبَارِ ذُنُوبِهِ أَنْ تُعْرَضَ
عَلَيْهِ، فَيُقَالُ لَهُ: فَإِنَّ لَكَ مَكَانَ كُلِّ سَيِّئَةٍ حَسَنَةً،
فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ عَمِلْتُ أَشْيَاءَ لَا أَرَاهَا هَا هُنَا "
فَلَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ حَتَّى
بَدَتْ نَوَاجِذُهُ} {[23]}
وعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ قَالَ: " آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ، فَهْوَ يَمْشِي
مَرَّةً، وَيَكْبُو مَرَّةً، وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً، فَإِذَا مَا
جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا، فَقَالَ: تَبَارَكَ الَّذِي نَجَّانِي مِنْكِ،
لَقَدْ أَعْطَانِي اللهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الْأَوَّلِينَ
وَالْآخِرِينَ، فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ
هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلِأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا،
فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: يَا ابْنَ آدَمَ، لَعَلِّي إِنَّ أَعْطَيْتُكَهَا
سَأَلْتَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لَا، يَا رَبِّ، وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا
يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ
عَلَيْهِ، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ
مَائِهَا، ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ الْأُولَى، فَيَقُولُ:
أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، وَأَسْتَظِلَّ
بِظِلِّهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ
تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: لَعَلِّي إِنْ
أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِي غَيْرَهَا، فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لَا يَسْأَلَهُ
غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ،
فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا، وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا، ثُمَّ
تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِيَ أَحْسَنُ مِنَ
الْأُولَيَيْنِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، أَدْنِنِي مِنْ هَذِهِ لِأَسْتَظِلَّ
بِظِلِّهَا، وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا، لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ: يَا
ابْنَ آدَمَ، أَلَمْ تُعَاهِدْنِي أَنْ لَا تَسْأَلَنِي غَيْرَهَا، قَالَ: بَلَى
يَا رَبِّ، هَذِهِ لَا أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لِأَنَّهُ
يَرَى مَا لَا صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا، فَيُدْنِيهِ مِنْهَا، فَإِذَا أَدْنَاهُ
مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ،
أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ: يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِي مِنْكَ؟ أَيُرْضِيكَ
أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا؟ قَالَ: يَا رَبِّ،
أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ "، فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ،
فَقَالَ: أَلَا تَسْأَلُونِي مِمَّ أَضْحَكُ فَقَالُوا: مِمَّ تَضْحَكُ، قَالَ:
هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالُوا: مِمَّ
تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: " مِنْ ضَحِكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ
قَالَ: أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّي وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي
لَا أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ، وَلَكِنِّي عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ " {[24]}
{يكبو} يسقط على وجهه {تسفعه} تضرب وجهه وتسوده وتؤثر فيه أثرا {ما لا صبر
له عليه} على نعم الله {ما يصريني منك} ما يقطع مسئلتك مني قال أهل اللغة الصري هو
القطع فإن السائل متى انقطع من المسئول انقطع المسئول منه والمعنى أي شيء يرضيك
ويقطع السؤال بيني وبينك.
أدنى أهل الجنة: عن الْمُغِيرَةَ بْنَ
شُعْبَةَ، يُخْبِرُ بِهِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ - قَالَ سُفْيَانُ: رَفَعَهُ
أَحَدُهُمَا، أُرَاهُ ابْنَ أَبْجَرَ - قَالَ: " سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ، مَا
أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً، قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا
أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ: ادْخُلِ الْجَنَّةَ،
فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ، كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ، وَأَخَذُوا
أَخَذَاتِهِمْ، فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ
مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ،
وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ، فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ
رَبِّ، فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ، وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ
نَفْسُكَ، وَلَذَّتْ عَيْنُكَ، فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ، قَالَ: رَبِّ،
فَأَعْلَاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ غَرَسْتُ
كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي، وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ، وَلَمْ
تَسْمَعْ أُذُنٌ، وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ "، قَالَ:
وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ: " {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ
مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} [السجدة: 17] الْآيَةَ. {[25]}
{وأخذوا أخذاتهم} قال القاضي هو ما
أخذوه من كرامة مولاهم وحصلوه {أردت} معناه اخترت واصطفيت {غرست} معناه اصطفيتهم
وتوليتهم فلا يتطرق إلى كرامتهم تغيير {لم يخطر على قلب بشر} هنا حذف اختصر للعلم
به تقديره ولم يخطر على قلب بشر ما أكرمتهم به وأعددته لهم {مصداقه} معناه دليله
وما يصدقه.
أفضل نعمة {النظر إلى وجه الكريم سبحانه وتعالى}: قال تعالى: {وُجُوهٌ
يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا
نَاظِرَةٌ} [القيامة]، وعَنْ صُهَيْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى
اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ،
قَالَ: يَقُولُ اللهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: تُرِيدُونَ شَيْئًا أَزِيدُكُمْ؟
فَيَقُولُونَ: أَلَمْ تُبَيِّضْ وُجُوهَنَا؟ أَلَمْ تُدْخِلْنَا الْجَنَّةَ،
وَتُنَجِّنَا مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: فَيَكْشِفُ الْحِجَابَ، فَمَا أُعْطُوا
شَيْئًا أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إِلَى رَبِّهِمْ عَزَّ وَجَلَّ " {[26]}
رضا رب العالمين: عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
الْخُدْرِيِّ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "
إِنَّ اللهَ يَقُولُ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ: يَا أَهْلَ الْجَنَّةِ فَيَقُولُونَ:
لَبَّيْكَ رَبَّنَا وَسَعْدَيْكَ وَالْخَيْرُ فِي يَدَيْكَ فَيَقُولُ: هَلْ
رَضِيتُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَمَا لَنَا لَا نَرْضَى؟ يَا رَبِّ وَقَدْ
أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ تُعْطِ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، فَيَقُولُ: أَلَا
أُعْطِيكُمْ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُونَ: يَا رَبِّ وَأَيُّ شَيْءٍ
أَفْضَلُ مِنْ ذَلِكَ؟ فَيَقُولُ: أُحِلُّ عَلَيْكُمْ رِضْوَانِي، فَلَا أَسْخَطُ
عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَبَدًا " {[27]}
ثالثًا:
نداء لمن يطلبون الجنة {[28]}
أيها الأحبة الكرام هذا قليل من كثير عن الجنة؛ لأنه لا يعلم حقيقة الجنة
إلا ربها، وإلا من رآها بعينيه صلى الله عليه وسلم، ألا هل من مشمّر للجنة! من
منكم من سيشمر عن ساعديه ليفوز بهذه العروس الغالية؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ خَافَ أَدْلَجَ وَمَنْ
أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ. أَلَا إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلَا إِنَّ
سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ» {[29]}
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا رَأَيْتُ مِثْلَ النَّارِ نَامَ هَارِبُهَا، وَلَا
مِثْلَ الجَنَّةِ نَامَ طَالِبُهَا» {[30]}
يا من تطلبون الجنة بغير عمل! يا من تطلبون الجنة بغير صلاة! يا من تطلبون
الجنة بغير قيام الليل! يا من تطلبون الجنة بمعاصي الله جل وعلا! يا من تطلبون
الجنة بالذنوب والشبهات والشهوات! أين أنتم من الطاعات؟ أين أنتم من قيام الليل
لرب الأرض والسماوات؟ أين أنتم من قراءة القرآن؟ أين أنتم من عمارة بيوت الله عز
وجل؟ أين أنتم مما يقربكم إلى الجنة؟ يا من تتشدقون بالكلمات وتزعمون أنه إن لم
يدخلنا ربنا الجنة فمن يدخلها؟ اعتبروا واعلموا أنه ما أقل حياء من طمع في جنة
الله ولم يعمل بطاعة الله، ولا بشرع رسول الله صلى الله عليه وسلم، إن طالب الجنة
لا ينام، وصدق علي بن أبي طالب رضي الله عنه حينما قال:
واعمل لدار غد رضوان خازنها ** والجار أحمد
والرحمن بانيها
قصورها ذهب والمسك طينتها ** والزعفران حشيش
نابت فيها
أنهارها لبن مصفى ومن عسل ** والخمر يجري
رحيقاً في مجاريها
والطير تجري على الأغصان ** عاكفة تسبح الله
دهراً في مغانيها
من يشتري الدار في الفردوس ** يعمرها بركعة
في ظلام الليل يخفيها
فيا من تطلبون من الله الجنة! ويا من تسألون الله الجنة! اعلموا بأن
الإيمان ليس بالتمني، ولكن الإيمان ما وقر في القلب وصدقه العمل، فلن تفوز بالجنة
إلا إذا عملت بعمل أهل الجنة.
وهكذا كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول: [لو أن منادياً يوم القيامة
نادى وقال: كل الناس يدخلون الجنة إلا واحداً لظننت أنه عمر] فاعلموا أن الإيمان
قول وعمل، قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان؛ لأن مصيبة
المصائب أننا في أيامنا هذه لا نجيد إلا الدمع والاستماع، لا نتقن العمل، والكسل
عندنا أحلى من العسل، لا نبالي أن نذهب إلى الملاعب قبل وقت المباريات بساعات،
وإذا ما نودي علينا للصلاة لم نؤد الصلاة ولم نلتفت إلى الأذان، أذن من طين وأذن
من عجين.
أمضينا الوقت وأفنينا العمر أمام المسلسلات والمباريات والأفلام، وإعلامنا
يدبر ويخطط كيف يشغل الموحدين عن ربهم؟! كيف يبعد الموحدين عن جنة ربهم جل وعلا؟!
أحذر نفسي وإياكم من هذا الإعلام الذي يشغل الموحدين عن رب العالمين جل وعلا، يا
من أفنيتم الأعمار أمام التلفاز! يا من أفنيتم الأعمار أمام المسلسلات! يا من
أفنيتم الأعمار أمام المباريات! يا من أفنيتم الأوقات أمام سماع المغنين والمغنيات
الأحياء منهم والأموات! انتبهوا واعلموا أن طالب الجنة لا ينام، فمن طلب الجنة ولم
يعمل فهو منافق، وهو مخادع، وهو كاذب فاجر على نفسه ومخادع لنفسه؛ لأن طالب الجنة
لا ينبغي له أن ينام؛ لأن طالب الجنة ينبغي له أن يعمل ويستعد.
مكانتك عند الله على قدر عملك: قال أهل العلم: إن أردت أن تعرف عند الله مقامك فانظر فيما أقامك.
أي: إذا أردت أن تعرف مكانتك عند الله فانظر فيما أقامك، يعني: إن أقامك كل
يوم في الخمس الصلوات في المسجد فهذه نقطة جيدة، وإن أقامك لتخرج زكاة مالك وتفرج
الكرب عن المسلمين وتبتسم مع الناس وتلين لهم الكلام، وتقوم الليل ولو قليلاً
بقراءة القرآن فهذا جيد.
وقد أقامك الله فيما يريد وفيما يحب، فأنت مقامك عند الله كبير.
ولكن الذي يقوم يطبل وراء رقاصة فهذا قد أقامه الله في شر مقام، واحد ربنا
أقامه يخرج في حفلات ليلية، فأقامه في شر مقام.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد:
الشيخ احمد أبو عيد
01098095854