2- سعة رحمة الله بعباده للشيخ احمد أبو عيد

الدرس الثاني من دروس رمضان

سعة رحمة الله بعباده

الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إلاه إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا محمد r إمام النبيين
وبعد
العناصر
أولاً: عظيم رحمة الله
ثانيًا: مغفرة الله للمذنبين
ثالثًا: نجاة الهالكين
الموضوع
أولاً: عظيم رحمة الله
1-رحمة الله وسعت كل شيء:
قال تعالى: "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ" "الأعراف"
2-الله أرحم بعباده:
 وعن أنس t قال: مر النبي r بأناس من اصحابه وصبي بين ظهراني الطريق فلما رأت أمه الدواب خشيت على ابنها أن يوطأ فسعت والهة فقالت: ابني! ابني! فاحتملت ابنها فقال القوم: يا نبي الله! ما كانت هذه لتلقي ابنها في النار فقال رسول الله r: لا والله والله؛ لا يلقي الله حبيبه في النار" ([1])
وعن عمر بن الخطاب أنه قال: قُدِم على رسول الله r بِسبي، فإذا امرأة من السبي تبتغي، إذا وجدت صبيا في السبي أخذته فألصقته ببطنها وأرضعته، فقال لنا رسول الله r: ﴿أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟﴾ قلنا: لا والله وهي تقدِر على ألا تطرَحَه، فقال رسول الله r: ﴿لله أرحم بعباده من هذه بولدها﴾ ([2])
وعن أبي هريرة t عن النبي r قال" إن لله مائة رحمة، أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فبها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحش على ولدها، وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة" ([3]).
3-رحمته سبقت غضبه:
وعن أبي هريرة، قال: قال رسول الله -r -: ﴿لما قضى الله الخلق كتب كتابًا، فهو عنده فوق عرشه، إن رحمتي سبقت غضبي﴾ ([4]).
4-غفران جميع الذنوب مع التوبة:
عن أنس t قال سمعت رسول الله r يقول "قال الله يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي يا ابن آدم إنك
لو أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة"([5])
وَعنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r-فِيمَا يَحْكِى عَنْ رَبِّهِ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ «أَذْنَبَ عَبْدٌ ذَنْبًا فَقَالَ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِى ذنبي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أي رَبِّ اغْفِرْ لِى ذنبي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى عَبْدِى أَذْنَبَ ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ. ثُمَّ عَادَ فَأَذْنَبَ فَقَالَ أي رَبِّ اغْفِرْ لِى ذنبي. فَقَالَ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَذْنَبَ عَبْدِى ذَنْبًا فَعَلِمَ أَنَّ لَهُ رَبًّا يَغْفِرُ الذَّنْبَ وَيَأْخُذُ بِالذَّنْبِ وَاعْمَلْ مَا شِئْتَ فَقَدْ غَفَرْتُ لَكَ». قَالَ عَبْدُ الأَعْلَى لاَ أَدْرِى أَقَالَ فِى الثَّالِثَةِ أَوِ الرَّابِعَةِ «اعْمَلْ مَا شِئْتَ» ([6])

ثانيًا: مغفرة الله للمذنبين
1-ستر الذنوب في الدنيا وغفرانها في الآخرة:
 إن من رحمته جل وعلا بعباده ما رواه عبد الله بن عمر t قال: سَمِعْتُ رَسُولَ الله r يَقُولُ "إِنَّ اللَّهَ يُدْنِي الْمُؤْمِنَ فَيَضَعُ عَلَيْهِ كَنَفَهُ وَيَسْتُرُهُ فَيَقُولُ: أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ أَتَعْرِفُ ذَنْبَ كَذَا؟ فَيَقُولُ: نَعَمْ أَيْ رَبِّ، حَتَّى إِذَا قَرَّرَهُ بِذُنُوبِهِ وَرَأَى فِي نَفْسِهِ أَنَّهُ هَلَكَ قَالَ: سَتَرْتُهَا عَلَيْكَ فِي الدُّنْيَا، وَأَنَا أَغْفِرُهَا لَكَ الْيَوْمَ، فَيُعْطَى كِتَابَ حَسَنَاتِهِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ وَالْمُنَافِقُونَ فَيَقُولُ الأَشْهَادُ: هَؤُلاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ، أَلا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ" ([7]).
2-تبديل السيئات حسنات مهما كثرت:
وعن عبد الرحمن بن جبير -t -قال: "أتى النبي -r -شيخ كبير هرم، سقط حاجباه على عينيه، وهو مدعم على عصا -أي: متكئًا على عصا -حتى قام بين يدي النبي -r -فقال: أرأيت رجلاً عمل الذنوب كلها، لم يترك داجة ولا حاجة إلا أتاها، لو قسمت خطيئته على أهل الأرض لأوبقَتْهم -لأهلكَتْهم -أَلَهُ من توبة؟ فقال -r -: ﴿هل أسلمت؟﴾، قال: أشهد أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله، قال: ﴿تفعل الخيرات، وتترك السيئات، فيجعلهن الله لك كلهن خيرات﴾، قال: وغدراتي وفجراتي يا رسول الله؟ قال: ﴿نعم، وغدراتك وفجراتك﴾، فقال: الله أكبر، الله أكبر، ثم ادعم على عصاه، فلم يزل يردِّد: الله أكبر، حتى توارى عن الأنظار"([8])
قال ابن قتيبة في "غريب الحديث"؛ للخطابي: "أراد أنه لم يدع شيئًا دعته نفسه إليه من المعاصي إلا ركبه؛ وذلك مصداقًا لقوله -تعالى -: "إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا" الفرقان
3-لا تيأس من رحمة الله:
أما إنسان يرى أن ذنوبه أكبر، وأخطر من أن تُغفَر فوكَل نفسه إلى عقله القاصِر عن إدراك رحمة الله - عز وجل - فعن أبي هريرة قال : قال رسول الله r : " قال رجل لم يعمل خيرا قط لأهله وفي رواية أسرف رجل على نفسه فلما حضره الموت أوصى بنيه إذا مات فحرقوه ثم اذروا نصفه في البر ونصفه في البحر فو الله لئن قدر الله عليه ليعذبنه عذابا لا يعذبه أحدا من العالمين فلما مات فعلوا ما أمرهم فأمر الله البحر فجمع ما
فيه وأمر البر فجمع ما فيه ثم قال له : لم فعلت هذا ؟ قال : من خشيتك يا رب وأنت أعلم فغفر له "([9])
قال تعالى: قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ ﴿53 الزمر ﴾
 ومعنى: يتألى: يحلف

ثالثًا: نجاة الهالكين
عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r-قَالَ «آخِرُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ رَجُلٌ فَهُوَ يَمْشِى مَرَّةً وَيَكْبُو مَرَّةً وَتَسْفَعُهُ النَّارُ مَرَّةً فَإِذَا مَا جَاوَزَهَا الْتَفَتَ إِلَيْهَا فَقَالَ تَبَارَكَ الَّذِى نَجَّانِى مِنْكِ لَقَدْ أَعْطَانِىَ اللَّهُ شَيْئًا مَا أَعْطَاهُ أَحَدًا مِنَ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ. فَتُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْنِنِى مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ فَلأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا. فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ يَا ابْنَ آدَمَ لَعَلِّى إِنْ أَعْطَيْتُكَهَا سَأَلْتَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ لاَ يَا رَبِّ. وَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَى فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْنِنِى مِنْ هَذِهِ لأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا وَأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا، فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا فَيَقُولُ لَعَلِّى إِنْ أَدْنَيْتُكَ مِنْهَا تَسْأَلُنِى غَيْرَهَا. فَيُعَاهِدُهُ أَنْ لاَ يَسْأَلَهُ غَيْرَهَا وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهِ فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَيَسْتَظِلُّ بِظِلِّهَا وَيَشْرَبُ مِنْ مَائِهَا. ثُمَّ تُرْفَعُ لَهُ شَجَرَةٌ عِنْدَ بَابِ الْجَنَّةِ هِىَ أَحْسَنُ مِنَ الأُولَيَيْنِ. فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْنِنِى مِنْ هَذِهِ لأَسْتَظِلَّ بِظِلِّهَا وَأَشْرَبَ مِنْ مَائِهَا لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ أَلَمْ تُعَاهِدْنِى أَنْ لاَ تَسْأَلَنِى غَيْرَهَا قَالَ بَلَى يَا رَبِّ هَذِهِ لاَ أَسْأَلُكَ غَيْرَهَا. وَرَبُّهُ يَعْذِرُهُ لأَنَّهُ يَرَى مَا لاَ صَبْرَ لَهُ عَلَيْهَا فَيُدْنِيهِ مِنْهَا فَإِذَا أَدْنَاهُ مِنْهَا فَيَسْمَعُ أَصْوَاتَ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَىْ رَبِّ أَدْخِلْنِيهَا، فَيَقُولُ يَا ابْنَ آدَمَ مَا يَصْرِينِى مِنْكَ أَيُرْضِيكَ أَنْ أُعْطِيَكَ الدُّنْيَا وَمِثْلَهَا مَعَهَا قَالَ يَا رَبِّ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ». فَضَحِكَ ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَالَ أَلاَ تَسْأَلُونِّى مِمَّ أَضْحَكُ فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ قَالَ هَكَذَا ضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ -r-. فَقَالُوا مِمَّ تَضْحَكُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ «مِنْ ضِحْكِ رَبِّ الْعَالَمِينَ حِينَ قَالَ أَتَسْتَهْزِئُ مِنِّى وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ إِنِّى لاَ أَسْتَهْزِئُ مِنْكَ وَلَكِنِّى عَلَى مَا أَشَاءُ قَادِرٌ» ([10])
ومعنى تسفع: تضرب وجهه وتسوده وتترك فيه أثرا دون الحرق، يصرينى : ما يقطع مسألتك
وما هذا كله إلا جزء يسير من رحمة الله فلا نقنط ولا نيأس أبدا من رحمته ولنقبل عليه سبحانه معترفين بتقصيرنا وإسرافنا نادمين على ذنوبنا عازمين على عدم الرجوع إلى المعاصي أبدا ومتوكلين عليه دائما فهو سبحانه نعم المولى ونعم النصير
وإن هذه الرحمات كلها لا تفتح علينا باب التطاول علي الله وإنما لنكن جادين في العبادة مقبلين على طاعة الله فإذا زلت أنفسنا ووقعنا في المعاصي فلنسرع بالرجوع إلى الله فباب التوبة والرجوع إليه لا يغلق في وجه تائب أبدا حتى تطلع الشمس من مغربها أو تخرج الروح من الحلقوم.
فاللهم إنا نسألك أن ترحمنا وتغفر لنا جميع ذنوبنا اللهم آمين
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين





([1]) السلسلة الصحيحة
([2]) صحيح مسلم
([3]) صحيح مسلم
([4]) متفق عليه
([5]) صحيح الترغيب والترهيب
([6]) صحيح مسلم
([7]) صحيح البخاري
([8]) صحيح الترغيب والترهيب
([9]) متفق عليه
([10]) صحيح مسلم 


إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854

لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي

أو لـــ word 2003

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات