6- بر الوالدين

الدرس السادس من دروس رمضان



بر الوالدين

الحمد لله رب العالمين واشهد أن لا إلاه إلا الله ولي الصالحين وأشهد أن سيدنا محمد r إمام النبيين
وبعد
العناصر
أولا: الترغيب في بر الوالدين وثمراته
ثالثًا: كيف يكون بر الوالدين؟
رابعًا: الترهيب من عقوق الوالدين
خامسًا: أسباب العقوق ونماذج عليه
الموضوع
أولا: الترغيب في بر الوالدين وثمراته
1-وصَّى الله ببر الوالدين والإحسان إليهما في القرآن كله
قال تعالى (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربياني صغيرا) الإسراء 23-24.
وفي معنى الإحسان: قال القرطبي رحمه الله: (الإحسان إلى الوالدين برهما، وحفظهما، وصيانتهما، وامتثال أمرهما، وإزالة الرق عنهما، وترك السلطان عليهما).
2-أقرب طريق إلى الجنة
عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ r أَيُّ الْعَمَلِ أَحَبُّ إِلى اللهِ قَالَ: الصَّلاةُ عَلى وَقْتِها قَالَ: ثُمَّ أَيّ قَالَ: ثُمَّ بِرُّ الْوالِدَيْنِ قَالَ: ثُمَّ أَيّ قَالَ: الْجِهادُ في سَبيلِ اللهِ قَالَ حَدَّثَنِي بِهِنَّ، وَلَوِ اسْتَزَدْتُهُ لَزَادَنِي"([1])
3-الفوز برضا الله تعالى
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال قال رسول الله r " رضا الله في رضا الوالد وسخط الله في سخط الوالد" ([2])
4-هم الذين يتقبل الله منهم أعمالهم
وقال تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئَاتِهِمْ فِي أَصْحَابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كَانُوا يُوعَدُونَ (16)" الأحقاف.
5-الأم أولى بالبر من غيرها
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَ مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صحابتي قَالَ «أُمُّكَ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ «ثُمَّ أُمُّكَ». قَالَ ثُمَّ مَنْ قَالَ «ثُمَّ أَبُوكَ» ([3]).
وَفِى حَدِيثِ قُتَيْبَةَ مَنْ أَحَقُّ بِحُسْنِ صَحَابَتِى وَلَمْ يَذْكُرِ النَّاسَ.
6-ينجي من المهالك
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r أَنَّهُ قَالَ «بَيْنَمَا ثَلاَثَةُ نَفَرٍ يَتَمَشَّوْنَ أَخَذَهُمُ الْمَطَرُ فَأَوَوْا إِلَى غَارٍ فِى جَبَلٍ فَانْحَطَّتْ عَلَى فَمِ غَارِهِمْ صَخْرَةٌ مِنَ الْجَبَلِ فَانْطَبَقَتْ عَلَيْهِمْ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ انْظُرُوا أَعْمَالاً عَمِلْتُمُوهَا صَالِحَةً لِلَّهِ فَادْعُوا اللَّهَ تَعَالَى بِهَا لَعَلَّ اللَّهَ يَفْرُجُهَا عَنْكُمْ. فَقَالَ أَحَدُهُمُ اللَّهُمَّ إِنَّهُ كَانَ لِى وَالِدَانِ شَيْخَانِ كَبِيرَانِ وَامْرَأَتِى وَلِىَ صِبْيَةٌ صِغَارٌ أَرْعَى عَلَيْهِمْ فَإِذَا أَرَحْتُ عَلَيْهِمْ حَلَبْتُ فَبَدَأْتُ بِوَالِدَىَّ فَسَقَيْتُهُمَا قَبْلَ بَنِىَّ وَأَنَّهُ نَأَى بِى ذَاتَ يَوْمٍ الشَّجَرُ فَلَمْ آتِ حَتَّى أَمْسَيْتُ فَوَجَدْتُهُمَا قَدْ نَامَا فَحَلَبْتُ كَمَا كُنْتُ أَحْلُبُ فَجِئْتُ بِالْحِلاَبِ فَقُمْتُ عِنْدَ رُءُوسِهِمَا أَكْرَهُ أَنْ أُوقِظَهُمَا مِنْ نَوْمِهِمَا وَأَكْرَهُ أَنْ أَسْقِىَ الصِّبْيَةَ قَبْلَهُمَا وَالصِّبْيَةُ يَتَضَاغَوْنَ عِنْدَ قَدَمَىَّ فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ دَأْبِى وَدَأْبَهُمْ حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ فَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنِّى فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ فَافْرُجْ لَنَا مِنْهَا فُرْجَةً نَرَى مِنْهَا السَّمَاءَ. فَفَرَجَ اللَّهُ مِنْهَا فُرْجَةً فَرَأَوْا مِنْهَا السَّمَاءَ..........." ([4])
ومعنى: الحلاب: الإناء الذي يحلب فيه اللبن، ويتضاغون: يبكون ويصيحون

ثالثًا: كيف يكون بر الوالدين؟
أ-في حياتهما
1-طاعتهما فيما يأمران به:
طاعة الوالدين واجبة على الولد؛ إذا أمراه أن يسمع لقولهما، ما لم يأمراه بمعصية الله تعالى.
قال الله تعالى: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: 15]، بل إن العلماء أفتوا: أن الوالد إذا منع ابنه من صوم التطوع، فله أن يطيع والده.
2-خفض الصوت عندهما ومخاطبتهما بلين وعدم زجرهما:
قال تعالى: {إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء: 23].
فلا يقل لهما ما يكون فيه أدنى تبرّم، وأفّ للأبوين أردأ شيء لأنّه رفضهما رفض كفر النّعمة، وجحد التّربية وردّ الوصيّة الإلهيّة.
5-الإنفاق عليهما وسد حاجتهما:
عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً قال: يا رسول الله، إن لي مالاً وولدًا، وإن أبي يريد أن يجتاح مالي، فقال: «أنت ومالك لأبيك!» ([5]) ومعنى يجتاح: يأخذ.
6-الدعاء لهما:
قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا} الإسراء.

ب-بعد موتهما
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ « إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاَثَةٍ إِلاَّ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ » ([6]).
وعن أبي أسيد السّاعديّ -t-، قَالَ: بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ عِنْدَ رَسُول الله -r -إذ جَاءهُ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلَمَةَ، فَقَالَ: يَا رسولَ اللهِ، هَلْ بَقِيَ مِنْ برِّ أَبَوَيَّ شَيء أبرُّهُما بِهِ بَعْدَ مَوتِهمَا؟ فَقَالَ: ((نَعَمْ، الصَّلاةُ عَلَيْهِمَا، والاسْتغْفَارُ لَهُمَا، وَإنْفَاذُ عَهْدِهِمَا مِنْ بَعْدِهِما، وَصِلَةُ الرَّحِمِ الَّتي لا تُوصَلُ إلاَّ بِهِمَا، وَإكرامُ صَدِيقهمَا)) ([7])
1-الاستغفار لهما
عن أبى هريرة قال: " ترفع للميت بعد موته درجته. فيقول: أي رب! أي شيء هذه؟ فيقال: "ولدك استغفر لك"([8]).
3-الصدقة عنهما
عن ابن عباسt  أن رجلاً قال: يا رسول الله! إن أمي توفيت ولم توص، فينفعها أن أتصدق عنها؟ قال: "نعم" ([9]).
4-إكرام صديقهما
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ t أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَعْرَابِ لَقِيَهُ بِطَرِيقِ مَكَّةَ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ وَحَمَلَهُ عَلَى حِمَارٍ كَانَ يَرْكَبُهُ وَأَعْطَاهُ عِمَامَةً كَانَتْ عَلَى رَأْسِهِ فَقَالَ ابْنُ دِينَارٍ فَقُلْنَا لَهُ أَصْلَحَكَ اللَّهُ إِنَّهُمُ الأَعْرَابُ وَإِنَّهُمْ يَرْضَوْنَ بِالْيَسِيرِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ إِنَّ أَبَا هَذَا كَانَ وُدًّا لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» ([10]).


رابعًا: الترهيب من عقوق الوالدين
1-حرم الله العقوق
عن أَبي عيسى المغيرة بن شعبة -t-، عن النَّبيّ -r -، قَالَ: ((إنَّ اللهَ تَعَالَى حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأمَّهَاتِ، وَمَنْعاً وهاتِ، وَوَأْد البَنَاتِ، وكَرِهَ لَكُمْ: قِيلَ وَقالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإضَاعَةَ المَالِ)) ([11])
وعن المغيرةِ بن شعبة، عن النبي r قال: ((إن اللهَ حرَّم عليكم عقوقَ الأمهاتِ)) ([12])
 قال الإمام ابن حجَر العسقلاني (رحمه الله): قيل: خصَّ الأمهاتِ بالذِّكر؛ لأن العقوق إليهن أسرعُ من الآباء؛ لضعف النساء، ولينبِّهَ على أن برَّ الأم مقدَّم على برِّ الأبِ، في التلطف، والحُنوِّ، ونحو ذلك" ([13])
2-من أكبر الكبائر
عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رَسُول الله -r -، قَالَ: ((مِنَ الكَبَائِر شَتْمُ الرَّجُل وَالِدَيهِ!))، قالوا: يَا رَسُول الله، وَهَلْ يَشْتُمُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ ؟! قَالَ: ((نَعَمْ، يَسُبُّ أَبَا الرَّجُلِ، فَيَسُبُّ  أبَاه، وَيَسُبُّ أُمَّهُ، فَيَسُبُّ أُمَّهُ)) ([14])
5-تعجيل العقوبة في الدنيا
عن أبى بكرة، عن النبي r قال: "ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة مع ما يدخر له؛ من البغى وقطيعة الرحم"([15]).
6-سبب غضب الله تعالى
عن عبد الله بن عمرو بن العاص، عن النبي r قال: ((رضا الربِّ في رضا الوالد، وسَخَط الربِّ في سَخَط
الوالد)) ([16])
10-الجزاء من جنس العمل:
أ-قال الأصمعي (رحمه الله): حدثني رجل من الأعراب قال: خرجتُ من الحي أطلب أعَقَّ الناس، وأبرَّ الناس، فكنت أطوف بالأحياء، حتى انتهيت إلى شيخ في عنقه حبل يستقي بدلو لا تطيقه الإبل في الهاجرة، والحر شديد، وخلفه شاب في يده رِشاء (الحبل) من قِدٍّ (جلد مدبوغ) ملويٍّ يضربه به، قد شق ظهره بذلك الحبل، فقلت: أما تتقي الله في هذا الشيخ الضعيف؟ أما يكفيه ما هو فيه من هذا الحبل حتى تضربه؟ قال: إنه مع هذا أبي، قلت: فلا جزاك الله خيرًا، قال: اسكت، فهكذا كان هو يصنَع بأبيه، وهكذا كان يصنَع أبوه بجده، فقلت: هذا أعَقُّ الناس. ([17])
ب-وهذا رجل الذي كبر أبوه. اخذ أباه على دابة (جمل) أخذه إلى وسط الصحراء. فقال أبوه: يا بني أين تريد أن تأخذني. فقال الابن: لقد مللتك وقد أسأمتك. قال الأب: وماذا تريد؟ قال: أريد أن أذبحك لقد مللتك يا أبى. فقال الأب: إن كنت ولابد فاعلا فذبحني عند تلك الصخرة. فقال الابن: ولما يا ابي. قال الأب: فأني قد قتلت ابي عند تلك الصخرة فقتلني عندها فسوف ترى من أبنائك من سوف يقتلك عند تلك الصخرة
ج-يروي أحد الأشخاص: كنت على شاطئ البحر فرأيت امرأة كبيرة في السن جالسة على ذلك الشاطئ تجاوزت الساعة 12 مساءً فقربت منها مع أسرتي ونزلت من سيارتي ... أتيت عند هذه المرأة، فقلت لها: يا والدة من تنتظرين؟
قالت: انتظر ابني ذهب وسيأتي بعد قليل ... يقول الراوي: شككت في أمر هذه المرأة. وأصابني ريب في بقائها في هذا المكان. الوقت متأخر ولا أظن أن أحد سيأتي بعد هذا الوقت ...
يقول: انتظرت ساعة كاملة ولم يأت أحد ... فأتيت لها مره أخرى فقالت: يا ولدي. ولدي ذهب وسيأتي الآن، يقول: فنظرت فإذا بورقه بجانب هذه المرأة، فقلت: لو سمحت أريد أن اقرأ هذه الورقة، قالت: إن هذه الورقة وضعها ابني وقال: أي واحد يأتي فأعطيه هذه الورقة، يقول الراوي: قرأت هذه الورقة ... فماذا مكتوب فيها؟
مكتوب فيها: (إلى من يجد هذه المرأة الرجاء أن أخذها إلى دار العجزة) عجباً لحال هؤلاء.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله رب العالمين
****
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854

لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي

أو لـــ word 2003



([1]) صحيح البخاري
([2]) صحيح الترغيب والترهيب
([3]) صحيح مسلم
([4]) صحيح مسلم
([5]) صحيح ابن ماجة
([6]) صحيح مسلم
([7]) صحيح مسلم
([8]) صحيح الأدب المفرد
([9]) صحيح الأدب المفرد
([10]) صحيح مسلم
([11]) صحيح مسلم
([12]) صحيح البخاري
([13]) فتح الباري
([14]) متفق عليه
([15]) السلسلة الصحيحة
([16]) صحيح الأدب المفرد
([17]) مساوئ الأخلاق - للخرائطي
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات