خطورة الإدمان للشيخ احمد أبو عيد
لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي
أو لـــ word 2003
لتحميل mp3 اضغط هنا
إن الحمد لله نحمده سبحانه ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا
ومن سيئات أعمالنا انه من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له تجد له وليا
مرشدا
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
خلق الإنسان من سلالة من طين ثم جعله نطفة في قرار مكين ثم خلق النطفة
علقة فخلق العلقة مضغة فخلق المضغة عظاما ثم كسا العظام لحما فتبارك الله أحسن
الخالقين
واشهد أن محمدا عبده ورسوله
محمد
سيد الكونين والثقلين
|
**
|
والفريقين
من عرب ومن عجم
|
نبينا
الآمر الناهي فلا أحد ابر
|
**
|
في قول
لا منه وإلا نعم
|
هو الحبيب
الذي ترجى شفاعته
|
**
|
لكل
هول من الأحوال مقتحم
|
فاق
النبيين في خلق وفي خلق
|
**
|
ولم
يدانوه في كرم ولا عرم
|
وانسب
إلى ذاته ما شئت من شرف
|
**
|
وانسب
إلى قدره ما شئت من عظم
|
فان
فضل رسول الله ليس له
|
**
|
حد فيعرب
عنه ناطق بفم
|
فمبلغ
العلم فيه انه بشر
|
**
|
وانه
خير خلق الله كلهم
|
العناصر
أولاً: تعريف الإدمان
ثانياً: عناية الإسلام بحفظ
الأبدان والأرواح
ثالثاً: أسباب تعاطيه
رابعاً: أدلة تحريم المخدرات
والعقاقير وغيرها
خامساً: الآثار السلبية المترتبة
على تعاطي المخدرات
سادساً: طرق الوقاية من المخدرات
وعوامل مكافحتها
الموضوع
أولا تعريف الإدمان
الخمر في اللغة
معناها " الستر " ومنها لفظة الخمار وهي كل مسكر وسميت
خمرًا لأنها تستر علي العقل فتجد شاربها يخرج عن وقاره ويهذي كالمجنون ويلعب به
الصبية بل وقد يفعل السوء بأمه أو بأخته عياذًا بالله ولا حول ولا قوة إلا بالله.
المخدرات من العقاقير جمع عقار، والتعريف
العلمي الأساسي للعقار أنه: مادة تؤثر بحكم طبيعتها الكيميائية في جسم الكائن الحي
أو وظيفته. ولفظة المخدرات تحتاج إلى إيضاح مفاهيمها من الناحية اللغوية.
مادة هذه الكلمة في اللغة العربية: نزل على
السترة والظلمة والفتور. فالخدر: ستر يمد للجارية في ناحية البيت، ثم صار كل ما
واراك من بيت ونحوه خدرا. والخدر: الكسل والفتور. والخادر: الفاتر الكسلان، وخدر:
خدرا: إذا استرخى فلا يطيق الحركة ومنه خدر جسمه وخدرت يداه أو رجله. والمخدر:
مادة تسبب في الإنسان والحيوان فقدان الوعي بدرجات متفاوتة كالحشيش والأفيون
والجمع مخدرات.
وفي ضوء هذا المعنى اللغوي للمخدرات أن لفظ:
الخدر الذي هو الضعف والفتور يصيب البدن والأعضاء كما يصيب الشارب قبل السكر. هذا
اللفظ هو أصل اشتقاق المخدرات، وبناء على هذا فالمخدر: هو ما يترتب على تناوله كسل
وفتور وضعف واسترخاء في الأعضاء وفيه معنى الستر والتغطية.
والمخدرات في الاصطلاح اللغوي: مواد نباتية أو كيماوية لها تأثيرها العقلي
والبدني على من يتعاطاها فتصيب جسمه بالفتور والخمول ويشل نشاطه، كما يغطيه المسكر
وإن كانت لا تحدث الشدة المطربة التي هي من خصائص المسكر المائع.
وفي الاصطلاح الطبي:
المخدر: كل مادة خام أو مستحضر تحتوي على
عناصر مسكنة أو منبهة من شأنها إذا استخدمت في غير الأغراض الطبية المخصصة لها
وبقدر الحاجة إليها دون مشورة طبية أن تؤدي إلى حالة من التعود والإدمان عليها مما
يضر بالفرد والمجتمع.
وتعرف المخدرات علميا بأنها: مادة كيميائية تسبب النعاس أو النوم، وغياب
الوعي المصحوب بتسكين الألم، وكلمة مخدر ترجمة لكلمة ناركوتك والمشتقة من
اللاتينية ناركوزيس التي تعني يخدر أو يجعل مخدرا.
وتعرف المخدرات قانونيا بأنها: مجموعة من المواد تسبب الإدمان وتسمم الجهاز
العصبي ويحظر تداولها أو زراعتها أو تصنيعها إلا لأغراض يحددها القانون، ولا
تستعمل إلا بواسطة من يرخص له بذلك
ثانيا:
عناية الإسلام بحفظ الأبدان والأرواح
إن الإسلام اعتني بصيانة الكليات الخمسة من " دين، عقل، عرض، مال، نفس "
وشارب الخمر مع الأسف دمّر بإدمانه هذه الأمور الخمسة
1ـ خالف الدين عندما عصي ربه
2ـ ودمر العقل عندما ستره بالبلايا التي شربها
3ـ وضيع المال الذي وهبه الله إياه فيما لا ينفع بل فيما يضر
4ـ أما العرض والنفس، فكم من عرض ضاع وكم من نفس أزهقت بسبب الخمر.
أخي الشاب:
إن العقل هو أعظم ما في الإنسان فبه ميز الله الإنسان عن الحيوان ولكن
ماذا تقول في إنسان كرمه الله بنعمة العقل فذهب يطمس أغلي ما فيه بالخمر
أتعرف أخي الشاب
أن أهل النار يعترفوا أنهم كانوا بلا عقول فقال تعالى حكاية عنهم
""وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي
أَصْحَابِ السَّعِيرِ " سورة الملك.
إن أعداء الأمة يريدون أن تتحول هذه الأمة إلى أمة مدمنة لا تستطيع أن
تزرع أو تصنع أو تنتج يريدونها أمة متسولة تتسول منهم خبزها ودوائها وتدور في فلك
أعدائها فحذار حذار إخوتي في الله من أم الخبائث ورأس الشرور حذار حذار من الخمر.
ثالثا: أسباب تعاطيه
1-ضعف الإيمان:
إن الإيمان هو": عقبة الكئود التي تتحطم عليها المعاصي، وهو
الصخرة القوية التي تتهاوي عليها الشهوات وهو الضمانة الأكيدة للوقاية من كل شر،
وإن صاحب الإيمان يعرف أن الخمر حرام، ولا يقع فيما حرمه الله، ولو زلت قدمه فإنه
يسارع إلي ربه ويندم على ما قدّم فيتوب وينيب
فعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال "لا يزني الزاني حين
يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين
يشربها وهو مؤمن " ([1])
2-القدوة السيئة:
نعم إن القدوة السيئة لها
أبلغ الأثر في وقوع الشباب في شرب المخدرات فالشاب الذي خرج للدنيا فوجد أباه يشرب
الخمر، ووجد إخوته يشربون المخدرات ووجد معظم الذين حوله من الكبار يقعون في هذا
البلاء لا شك أن هذا أطوع للشيطان من غيره
إن هذا الشاب نظر إلي أكابر الناس فوجدهم في أفراحهم مثلاً بين
المخدرات والخمور، ونظر الأفلام فوجد البطل يشرب الخمر بل إن عندنا في مصر أمثال
تحرض علي شرب المخدرات كقول القائل:" رأس بلا كَيْف تستاهل ضرب السيف ".
3-أصدقاء السوء:
يقول الله عز وجل:" الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ
عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " سورة الزخرف
إن الصحبة لها أثر لا ينكر ومن أهم أسباب وقوع الشباب في شرب المخدرات
أصدقاء السوء الذين يُغرّرون ببعضهم بقولهم
أـ اشرب وجرّب إن الحياة تجارب
بـ اشرب إن كأسًا واحدة لا تضر
جـ اشرب نحن في فرح أو في عيد
د- أو يوصون الشاب بأن يأخذ
برشام كذا ليعينه علي المذاكرة والسهر وينشط الذاكرة ...إنهم من شياطين
الإنس فاللهم احفظ شبابنا منهم
4-الفرار من الواقع:
إن الشباب في عصر الأزمات الاقتصادية الطاحنة قد يشعر بالإحباط واليأس
1ـ لأنه أراد عروسًا وعجز عنها لضيق
ذات يده
2-لأنه تعلم في سنين طويلة
حتى إذا حصل علي الشهادة العالية جلس في بيته عاطلاً، فربما حمله اليأس على شرب
الخمر والمخدرات ويظن انه يحل مشاكله لكنه يعقدها ويزيدها مشكلات.
5-الفراغ الديني عند الكثير بسبب
البعد عن العلماء وبيوت الله:
قال تعالى: "فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى
وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ
الْقِيَامَةِ أَعْمَى "طه:123
6-الإعلام المدمر لكثير من القيم والأخلاق والأفلام والمجلات والجرائد
والمناظر المحرمة
7-المناهج التعليمية الحديثة التي لا يوجد فيها ما يبين
خطورة المخدرات وأضرارها....
8-التفكك الأسرى:
يشرب امام اولاده ولا يصلي
ولا يمنع أولاده عن الحرام وكثرة المشاكل بين الإباء
9-كثرة المروجين لها:
وهؤلاء منشرين في أماكن كثيرة ويعملون على إغراء غيرهم بشتى الوسائل
لشرائها.
رابعا: أدلة
تحريم المخدرات والعقاقير وغيرها:
يمكن أن نلخص ما اعتمد عليه الفقهاء من أدلة
عند الحكم بتحريمها:
الدليل الأول:
قال تعالى: " الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ
الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي
التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ
الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ
"، فكل طيب مباح وكل خبيث محرم، والمخدرات بمختلف أنواعها خبيثة من أشد
الخبائث وأعظمها ضررا، فيكون تحريمها منصوصا عليه في هذه الآية.
الدليل الثاني:
قوله تعالى: " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ
مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ " "
إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ
وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ
وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ "
وقد تقدم أن متعاطي الخمر أو المخدرات كلاهما
يفقد وعيه ويتصرف تصرفات طائشة تثير الشقاق والخلاف والعداوة والبغضاء وكلاهما
يكون في غفلة عن الصلاة وسائر التكاليف أثناء فقده الوعي؛ فيكون هذا دليلا على
تحريم المخدرات. قال الذهبي في معرض حديثه عن الحشيشة: " وبكل حال فهي داخلة
فيما حرم الله ورسوله من الخمر المسكر والمخدرات".
الدليل الثالث:
فقد
حرم رسول الله r في هذا الحديث كل مسكر قليلا
كان أو كثيرا وهو بعمومه يتناول المخدرات، لأنها مسكرة على ما ذكره أكثر المحققين
من علماء الدين والطب.
هذا، وقد اعتبر النبي r
كل مادة مسكرة سواء سميت بذلك في لغة العرب أو لم تسم به، فعن ابْنِ عُمَرَ قَالَ
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ
وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِى الدُّنْيَا فَمَاتَ وَهُوَ
يُدْمِنُهَا لَمْ يَتُبْ لَمْ يَشْرَبْهَا فِى الآخِرَةِ» ([4]).
قال ابن تيمية رحمه الله: " ومذهب جمهور
المسلمين من الصحابة والتابعين لهم بإحسان وسائر العلماء أن كل مسكر خمر، وكل خمر
حرام، وما أسكر كثيره فقليله حرام، وهذا مذهب مالك وأصحابه وأحمد بن حنبل وأصحابه،
وهو أحد القولين في مذهب أبي حنيفة وهو اختيار محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة
واختيار طائفة من المشايخ ".
وقال رحمه الله في كتابه " السياسة
الشرعية ": " والأحاديث في هذا الباب كثيرة مستفيضة جمع رسول الله بما
أوتي من جوامع الكلم كل ما غطى العقل وما أسكر ولم يفرق بين نوع ونوع، ولا تأثير
لكونه مأكولا أو مشروبا. وقد حدثت أشربة كثيرة بعد النبي r
وكلها داخلة في الكلم الجوامع من الكتاب
والسنة ".
الدليل الرابع:
الحرمان من الجنة فعن عبد الله بن عمر "t "قال رسول الله"
r": " ثلاثة قد حرّم الله عليهم الجنة: مدمن الخمر، والعاق لوالديه، والديوث
الذي يُقرُّ السوء في أهله "([5])
الدليل الخامس:
أنه
لا يشك شاك ولا يرتاب مرتاب في أن تعاطي هذه المواد حرام، لأنها تؤدي إلى مضار
ومفاسد كثيرة فهي
تفسد العقل وتفتك بالبدن، وتصيب متعاطيها
بالتبلد وعدم الغيرة، وتصده عن ذكر الله وعن الصلاة وتمنعه من أداء الواجبات
الشرعية من صيام وحج وزكاة. إلخ.
وفي ذلك اعتداء على الضرورات الخمس: الدين،
والنفس، والعرض، والمال، والعقل إلى غير ذلك من المفاسد والمضار.
الدليل السادس:
أنه
لا يحل لمسلم أن يتناول من الأطعمة أو الأشربة شيئا يقتله بسرعة أو ببطء، أو يضره
ويؤذيه
قال
تعالى: " وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا
" وقال تعالى: " وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ
"، والقاعدة الشرعية المقررة في الشريعة الإسلامية: أنه لا ضرر ولا
ضرار"
فعن أبي سعيد الخدري t قال: قال رسول الله r:
«لا ضرر ولا ضرار من ضار ضاره الله ومن شاق شاق الله عليه» ([6])
قال الشاطبي رحمه الله في الموافقات:
"هذا الحديث " دليل ظني داخل تحت أصل قطعي، فإن الضرر والضرار مبثوث
منعه في الشريعة كلها في وقائع جزئيات وقواعد كليات. . ومنه النهي عن التعدي على
النفوس والأموال والأعراض وعن الغصب والظلم وكل ما هو في المعنى إضرار أو ضرار،
ويدخل تحته الجناية على النفس أو العقل أو النسل أو المال فهو معنى في غاية العموم
في الشريعة لا مراء فيه ولا شك. وقد أثبتت التحاليل الطبية والتجارب العلمية أن
المخدرات بأنواعها هي مصدر العلل والأمراض العقلية والنفسية والاجتماعية المنتشرة
في أنحاء العالم.
الدليل السابع:
أنه
فضلا عما تحدثه المخدرات والعقاقير النفسية من آثار مدمرة للصحة وفتور في الجسد؛
فإن ما ينفق من المال على شرائها يعتبر إضاعة له فيما لا ينفع في الدين أو الدنيا.
وقد دلت الآيات القرآنية العديدة والأحاديث المستفيضة على استعمال المال في الأمور
النافعة في الدين والدنيا وتجنب المحرمات ، وذلك أن الله تعالى جعل المال قواما
للعباد به تقوم مصالحهم الخاصة والعامة الدينية والدنيوية فهو ضرورة طبيعية في
حياة الإنسان وهو أمانة بيد من يحوزه ، فمن تناوله من حله ووضعه في حقه واستعان به
على ما خلق له من القيام بعبودية الله وإخراجه في الطرق التي تنفع العبد ويبقى له
ثوابها وخيرها ؛ فقد أفلح ونجح ، ومن لم يبال من أين اكتسبه واستعان به على الفسوق
والعصيان وتمادى بسببه في الظلم والبغي والعدوان ، وأطاع نفسه وهواه والشيطان ،
فقد تعس وضل وباء بالخسران .
قال الله تعالى:" يَا بَنِي آدَمَ
خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا
إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "الاعراف
وقال تعالى: " وَلَا تُؤْتُوا
السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا " وقال
تعالى: " وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ
وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا "" إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ
الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ". والآيات في هذا
المعنى كثيرة.
وعن المغيرة بن شعبة قال: قال النبي r:
«إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات ووأد البنات ومنع وهات وكره لكم قيل وقال وكثرة
السؤال وإضاعة المال» ([7]).
وقال ابن عباس: كل ما شئت والبس ما شئت ما
خطئتك اثنتان سرف أو مخيلة. وهذا هو العدل في تدبير المال أن يكون قواما: أي وسطا
بين رتبتي البخل والتبذير وما سوى هذا فإثم وضرر ونقص في العقل والحال.
الدليل الثامن:
أن المخدرات والعقاقير النفسية وغيرها من
الموبقات تتوافر فيها التحريم الشرعي، فهي فوق أنها مفسدة
للصحة مضيعة للمال تهدد العلاقات الاجتماعية
وتخل بالنظم المرعية والأمن العام، لأن كل من يقبل على المخدرات وقد حظرتها الدولة
وحرمتها يكون خارجا عن الطاعة الواجبة لولي الأمر بقوله تعالى: " يَا
أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي
الْأَمْرِ مِنْكُمْ ".
نداء للمؤمنين بوصف الإيمان أن يطيعوا الله
ابتداء، وأن يطيعوا الرسول بما له من صفة الرسالة، وطاعة أولي الأمر؛ لأن طاعتهم
مستمدة من طاعة الله ورسوله، وأولو الأمر المقصودون بالخطاب هم: "الولاة على
الناس من الأمراء والحكام والعلماء المفتين، فإنه لا يستقيم للناس أمر دينهم
ودنياهم إلا بطاعتهم والانقياد لهم طاعة لله ورغبة فيما عنده ".
ولا يسع أحدا أن يربأ بنفسه وينسلخ من طاعتهم
وامتثال أوامرهم إذا وجدها لا تتفق ونزواته وأهوائه الشخصية.
وعن ابن عمر t
عن النبي r أنه قال: «على المرء المسلم
السمع والطاعة فيما أحب وكره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة»
([9]).
الدليل التاسع:
وهو خاص ببعض أنواع المخدرات والمفترات والتي
منها: الدخان بجميع أنواعه واستعمالاته سواء أكان مضغا بالفم أو تدخينا عن طريق
السيجارة أو الشيشة والغليون أو استنشاقه مسحوقا أو غير ذلك وقد ذهب إلى تحريمه
جمع من أكابر العلماء وجهابذة الفقهاء وجميع الأطباء المعتبرين. وقد أورد الشيخ
محمد بن إبراهيم رحمه الله نقولا كثيرة عن أرباب المذاهب الأربعة وغيرهم تدل على
خبثه ونتنه وإسكاره أحيانا وتفتيره، وذلك في فتوى سماحته رحمه الله في حكم شرب
الدخان قال وممن ذهب إلى تحريمه من علماء الحنفية: أبو الحسن المصري الحنفي قال ما
نصه: الآثار النقلية الصحيحة والدلائل العقلية الصريحة تعلن بتحريم الدخان، وقد
نهى الله عن كل مسكر، وإن قيل إنه لا يسكر فهو يخدر ويفتر أعضاء شاربه الباطنة
والظاهرة. والمراد بالإسكار مطلق تغطية العقل وإن لم تكن معه الشدة المطربة ولا
ريب أنها حاصلة لمن يتعاطاه أول مرة، وإن لم يسلم أنه يسكر فهو يخدر ويفتر.
قال العلماء: المفتر ما يورث الفتور والمخدر
في الأطراف وحسبك بهذا الحديث دليلا على تحريمه، وأنه يضر بالبدن والروح ويفسد
القلب ويضعف القوى ويغير اللون بالصفرة، والأطباء مجمعون على أنه مضر ويضر بالبدن
والمروءة والعرض والمال وفيه التشبه بالفسقة لأنه لا يشربه غالبا إلا الفساق
والأنذال ورائحة فم شاربه خبيثة)
وفي موضع آخر من فتوى سماحته رحمه الله قال:
وممن ذكر تحريمه من فقهاء الحنفية أيضا الشيخ محمد العيني ذكر في رسالته: تحريم
الدخان والتدخين من أربعة أوجه:
أحدها كونه مضرا للصحة بإخبار الأطباء
المعتبرين وكل ما كان كذلك يحرم استعماله اتفاقا.
ثانيها: كونه من المخدرات المتفق عليها عندهم
المنهي عن استعمالها
ثالثها: كون رائحته الكريهة تؤذي الناس الذين
لا يستعملونه وعلى وجه الخصوص في مجامع الصلاة ونحوها، بل وتؤذي الملائكة المكرمين؛
فعن جابر بن عبد الله الأنصاري t عن النبي r
قال: «من أكل من هذه البقلة الثوم، وقال مرة من أكل البصل والثوم والكرات فلا
يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم» ([10]).
ومعلوم أن رائحة المدخن ليست بأقل كراهية من
رائحة من أكل ثوما أو بصلا. وبهذا يتقرر أن المخدرات والمفترات والعقاقير النفسية
والدخان والقات وما يلحق بها خبائث محرمة بالأدلة النقلية والعقلية الصريحة
الواضحة. تتوافر فيها كل أسباب التحريم الشرعي وفيها من المفاسد والمضار الدينية
والدنيوية ما يجعل بعضا منها كافيا في تحريمها والزجر عنها وعقاب متعاطيها والله
أعلم.
الدليل العاشر:
لعنة كل من ساهم فيها بأي وسيلة فعن ابن عباس t قال سمعت رسول الله r يقول أتاني جبريل فقال يا محمد إن الله لعن الخمر وعاصرها
ومعتصرها وشاربها والمحمولة إليه وبائعها ومبتاعها وساقيها ومسقاها "([11])
الدليل الحادي عشر:
الشرب من عرق وعصارة أهل النار، قال رسول الله " r" إن علي الله
عهدًا لمن يشرب المسكر أن يسقيه من طينة الخبال قيل وما طينة الخبال يا رسول الله؟
قال " عَرَق أهل النار أو عصارة أهل النار"([12]).
الدليل الثالث عشر:
خامسا:
الآثار السلبية المترتبة على تعاطي المخدرات:
1-الآثار الناجمة عن تعاطي
المخدرات على الأفراد دينيا:
جنح الإسلام في أصوله إلى التزام مبدأ
العناية بتهذيب الفرد خاصة حتى يكون مصدر خير للجماعة؛ لأنه إذا صلح الفرد صلحت
الجماعة.
يقول تعالى مخاطبا رسوله وأنصاره: "
فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ ولا تطغوا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ
بَصِيرٌ "هود.
وعنوان صلاح الفرد المسلم إنما يكون بامتثاله
الأوامر واجتنابه النواهي: " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ ".
أ-تناول المخدرات يعطل القيام بهذا الأمر
العظيم إذ هي صادة عن ذكر الله مانعة من أداء الواجبات الشرعية من صلاة وصيام
وغيرهما:" إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ
الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ
ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ "
فأي ضرر أعظم من هذا الضرر الذي يصيب الإنسان
في دينه ويصده عن عبادة ربه.
ب-يكفي متناول المخدرات عقوبة وذنبا أنه لا
تصح صلاته حتى يعلم ما يقول، ولا تقبل منه حتى يتوب.
فعن عبد الله بن عمر t
قال: قال رسول الله r: «من شرب الخمر لم تقبل له
صلاة أربعين صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين
صباحا فإن تاب تاب الله عليه فإن عاد لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا فإن تاب
تاب الله عليه فإن عاد في الرابعة لم يقبل الله له صلاة أربعين صباحا فإن تاب لم
يتب الله عليه وسقاه من نهر الخبال» قيل: يا أبا عبد الرحمن وما نهر الخبال؟ قال:
نهر من صديد أهل النار ([14]).
إن الدين أعز ما يملكه الإنسان ؛ لأنه الثروة
الحقيقية التي ينال بها الإنسان سعادة الدنيا ونعيم الآخرة ، والإنسان الذي يعتني
بدينه ويحافظ عليه سيكون في منأى عن تأثير الشيطان وأعوانه ، ولا يمكن أن يقع في
شرك المخدرات إلا إنسان ضعفت صلته بالله عز وجل ، فإذا سقط في مستنقعها أفسدت عليه
دينه وعقله ، لأنه وقع فريسة لإبليس الذي يحرص على إغوائه فيصبح شخصا لا خلاق له
ولا دين له ، لأن عقله بات أسير شهواته فلا يردعه وازع من دين أو ضمير لأن إحساسه
يتلاشى ، وغيرته الدينية تموت بمخالفته أمر الله تعالى وتنكبه الطريق السوي الذي
كان يجب عليه أن يسلكه .
ولا ريب أن الدين والعقل من أهم الضرورات
التي يحافظ عليها الإسلام، فكل منهما مرتبط بالآخر، فباستقامة العقل يستقيم
للإنسان دينه فإذا فسد العقل أدى ذلك بالضرورة إلى فساد الدين، وإذا فسد دين
الإنسان لم يعد له منهج سليم يسلكه ويختل تفكيره ولا يتورع أن يرتكب أية جريمة أو
يمارس أية معصية في سبيل إشباع نزواته.
ج-ضياع الدنيا والاخرة: فعن أبي بكر بن عبد
الرحمن بن الحارث عن أبيه قال سمعت عثمان t يقول اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث إنه كان رجل ممن خلا قبلكم تعبد
فعلقته امرأة غوية فأرسلت إليه جاريتها فقالت له إنا ندعوك للشهادة فانطلق مع
جاريتها فطفقت كلما دخل بابا أغلقته دونه حتى أفضى إلى امرأة وضيئة عندها غلام
وباطية خمر فقالت إني والله ما دعوتك للشهادة ولكن دعوتك لتقع علي أو تشرب من هذه
الخمرة كأسا أو تقتل هذا الغلام قال فاسقيني من هذا الخمر كأسا فسقته كأسا قال
زيدوني فلم يرم حتى وقع عليها وقتل النفس فاجتنبوا الخمر فإنها والله لا يجتمع
الإيمان وإدمان الخمر إلا ليوشك أن يخرج أحدهما صاحبه" ([15])
وإذا كان هذا من تأثير الخمر، فإن المخدرات
تأثيرها على العقل أبشع من تأثير الخمر وما في الخمر من مضار دينية وفكرية يوجد في
المخدرات ما هو أشد وأنكى.
2-الآثار الناجمة عن تعاطي
المخدرات على الأفراد اجتماعيا:
إن تعاطي المخدرات يؤدي إلى نتائج سيئة للفرد
بالنسبة لسلوكه وعمله وإنتاجه ووضعه الاجتماعي وثقة الناس به. والأفراد الذين
اعتادوا النشاط وكانوا موضع الثقة بغيرهم، تتأثر أخلاقهم وتضعف كفايتهم الإنتاجية
يتحولون بفعل المخدر إلى أفراد يفتقرون إلى الكفاية الإنتاجية والمهنية وتقل لديهم
الإرادة ويضعف الحماس وينعدم النشاط اللازم لتحقيق واجباتهم العادية المألوفة، لأن
تعاطي المخدرات يجعلهم كسالى، تفكيرهم سطحي لا يوثق فيهم، يهملون أداء مسئولياتهم،
انفعالاتهم سريعة لأتفه الأسباب. منحرفون في أمزجتهم وفي تعاملهم مع الناس وغالبا
ما يتم طرد المتعاطي من عمله أو يجازى ماديا أو يقل دخله وإيراده.
3-الآثار الناجمة عن تعاطي
المخدرات على الأفراد سلوكيا
لتعاطي المخدرات والعقاقير المخدرة آثار سلبية
سيئة على السلوك الإنساني نتج عنها أ-كثير من الانحرافات، وارتكاب كثير من
الجرائم، ومنها:
أ-النفاق وفتور الهمة وعدم الاكتراث
بالواجبات وقلة الرغبة في الحياة وانهيار الحياة الزوجية خاصة، وقد يدفع إدمان هذه
السموم إلى الانتحار في كثير من الأحيان أو الزج بالمدمن في أحد السجون أو أحد
مستشفيات المجانين.
ب-فساد الطباع والغرائز وشراسة الخلق ومعاشرة
الأدنياء والسفهاء وفقد الغيرة على العرض، وسوء السلوك بين الفرد المتعاطي
للمخدرات والمسكرات وبين رؤسائه في العمل مما يؤثر على مستقبله الوظيفي.
ج-لا يقتصر الضرر على الفرد المتعاطي وحده،
وإنما يشمل بقية أفراد المجتمع ذلك أنه إذا تعاطى المخدرات واعتاد عليها سهل عليه
ارتكاب أبشع الجرائم كما أسلفت وهنا يتزعزع الأمن ويضطرب الاستقرار في نفوس
الأفراد وتكثر الخصومات والمنازعات لأتفه الأسباب مما يخلخل قاعدة المجتمع ويفكك
بنيته ويجعل أبناءه غير مترابطين. وبذا تسود الفوضى وتعم البلوى.
د-تعاطي المخدرات بين صفوف الطلبة يؤدي إلى
التدهور في التحصيل العلمي ويبعث على القلق. وقد أثبتت الدراسات التي أجريت على
الطلبة أن الذين يتعاطون المخدرات أكثر قلقا وانفعالا من الطلاب الذين لا
يتعاطونها، واتضح أيضا وجود ارتباط بين هؤلاء المتعاطين والتردد على الأطباء
النفسيين للعلاج.
ذ-الاضطرابات العاطفية والعقلية والسلوكية،
حيث إن المخدرات تخرب الشخصية وتشوش الإدراك وتبدل الألفة وتزعزع الملكات العقلية،
حيث أثبت بعض العلماء أن العقار المخدر يحرر الإنسان من بعض الاعتبارات التي تحدد
صفاته الشخصية مما يؤدي إلى الاضطراب الفكري والعاطفي والسلوكي.
ونخلص من هذا أن السلوك الاجتماعي لدى
الأفراد عند تعاطيهم للمخدرات يتغير تغيرا جذريا مقارنا بحالات عدم التعاطي ويبرز
النواحي الشريرة ومكامن حب الجريمة في النفس وممارسة الأفعال الشاذة والتصرفات
المشينة.
ومن هنا كانت المخدرات تمثل خطرا داهما على
الأمم والعلاقات الإنسانية والاجتماعية بين الأفراد
4-الآثار الناجمة عن تعاطي
المخدرات على الأفراد صحيا:
يؤدي تعاطي المخدرات إلى عدة أمراض نفسية
وعقلية وبدنية للشخص المتعاطي أو المدمن، وما تنطوي عليه من أخطار تهدد كيان
البشرية أفرادا ومجتمعات قد تحدث عنها بإسهاب كثير من الباحثين المتخصصين في
المجالات الصحية. ولكن نظرة فاحصة في أبحاثهم التي أعدوها وبينوا فيها أخطار
المخدرات وما تحويه من نتائج مرعبة كفيلة بمعرفة الخطر الداهم والمستقبل المظلم
الذي ينتظر كل من سقط في هوة المخدرات ووقع في شراكها، وقد أجمعت كل الدراسات على
أن المخدرات تؤثر في أجهزة البدن من حيث القوة والحيوية والنشاط. ومن حيث المستوى
الوظيفي لأعضاء الجسم وحواسه المختلفة وأن التأثير يتفاوت مداه وقوته تبعا لاختلاف
المخدرات ودرجة وطريقة تعاطيها مع اشتراكها في بعض خصائص التأثير ، وفي إيضاح
الآثار الصحية وغيرها للمخدرات يقول الدكتور علي البدري : هناك آثار بعيدة المدى
للمخدرات في التدمير والتخريب لعقول مدمنيها وصحتهم النفسية والجسمية ؛ إذا سقطوا
عبيدا للمسكرات والمخدرات ، حيث يفقد المريض عقله ولا يرى لنفسه قدرة على العمل
والإنتاج فيترك المدرسة- إن كان طالبا أو مدرسا- ويترك تجارته إن كان تاجرا- ويترك
عمله بصفة عامة- إن كان عاملا- ثم ينتابه شعور بأنه مسحور وأن الآخرين يحاربونه
بالسحر ويشك في أقرب الناس إليه ويصل به الأمر إلى الشك في أمه التي ولدته وفي
أبيه الذي رباه وفي الواقع ما لديه إلا الجنون وهلوسة المخدرات المدمرة الساحقة
الماحقة.
كما تؤثر المخدرات تأثيرا ضارا بالغا في
الوظائف العقلية لمتعاطيها من حيث الإدراك والتفكر والتذكر والتخيل والقدرة على
الابتكار، كما تؤثر على حواس الإنسان وعلى انفعاله الوجداني وعلاقته مع نفسه ومع
الآخرين.
ولكن ذاك التأثير يتفاوت مداه وقوته تبعا
لاختلاف المخدرات ودرجة وطريقة تعاطيها كما بينا سابقا.
إن الإدمان على المخدرات يؤدي إلى اضطراب
الإدراك والتفكير والوجدان والإحساس بالتعب والجنون-والعياذ بالله-كما يؤثر تأثيرا
صحيا ملحوظا على كافة أعضاء الجسم فتتأثر العيون ويتأثر الجدد والأسنان والشعر
والجهاز التنفسي والجهاز الهضمي وأمراض ضغط الدم وغيرها وكذا الضعف الجنسي المزمن.
كما تحدث لمدمني الخمور والمخدرات نوبات
إغماء متكررة وقرحة المعدة وسرطان المريء وسرطان المعدة والتهاب البنكرياس الدموي
الحاد ومرض تشمع الكبد وأمراض القلب والدورة الدموية والتهاب عصب الرئة والمؤدي
إلى العمى وأمراض السل الرئوي وأمراض فقر الدم وتشوهات الأجنة في بطون الحوامل
المدمنات. كما يسبب الإدمان على المخدرات الإنتان الدموي وهو مرض خطير والأخطر من
هذا كله أن المخدرات تعتبر سببا رئيسا في مرض " الإيدز" فقدان المناعة
المكتسبة، هذا المرض الذي سبب من الرعب والقلق ما لم يسببه أي مرض آخر منذ
قرن من الزمان
5-الآثار الناجمة عن تعاطي
المخدرات على الأفراد اقتصاديا:
إن
الإدمان على المخدرات يسبب اضطرابا في النمو الاقتصادي بدءا من الفرد ثم الأسرة
ونهاية بالمجتمع كله.
فالفرد لبنة من لبنات تكوين المجتمع وانخفاض
إنتاجية الفرد يؤدي لانخفاض إنتاجية المجتمع، فإذا استسلم الفرد للمخدرات وانغمس
فيها:
أ-ضعف أمام مواجهة واقع الحياة، الأمر الذي
يؤدي إلى تناقص كفاءته الإنتاجية مما يعوقه عن تنمية مهاراته وقدراته.
ب-شرب المخدرات أو تعاطيها بأي شكل كان ينهك
الجسم بوجه عام ويؤثر ذلك في قدرته على العمل أو الدراسة، فيعتريه حينئذ الكسل
والخمول فيصبح بالتالي عاجزا عن القيام بكثير من الضروريات مما يجعله سلبيا في
معظم أحواله
ج-شرب المخدرات والإدمان عليها يؤدي إلى هبوط
إنتاجيته كما وكيفا، فلقد اتضح أن أهم الاضطرابات التي تحدث لدى المتعاطي أثناء
التخدير وترتبط بهبوط الجانب الكمي من الإنتاج: هي اضطراب إدراك الزمن ويليه في
الأهمية اضطراب إدراك الأصوات، ثم اضطراب إدراك الألوان، ثم قلة وضوح الرؤية
للأشخاص والأشياء، واضطراب إدراك المسافات واختلال إدراك الحجوم كما أن اضطراب
الذاكرة وانخفاض كفاءة التفكر يرتبطان
بانخفاض الجانب الكيفي من الإنتاج "جودة
الإنتاج"
د-إن
الأموال الباهظة التي ينفقها المتعاطي على شراء المخدر تمثل خسارة كبيرة على نفسه
وعلى أسرته ومجتمعه فهو مستعد للتضحية حتى بقوته الضروري الذي يقيم صلبه وهو لا
يحسن التصرف في ميزانية منزله وهدفه الوحيد والمفضل هو شراء المخدرات بأي ثمن مهما
كانت حاجة الأسرة فهو مستعد كذلك بأن يضحي بقوت أولاده إرضاء لغريزته.
وتمثل المخدرات خسارة على المجتمع أيضا،
وتسبب اضطرابا في جميع أجهزته ومؤسساته وكلما زادت ظاهرة استعمال المخدرات ارتفعت
معدلات الجرائم الخطيرة مما يقتضي بالضرورة تدعيم أجهزة الرقابة في الدولة
وتشجيعهم لمكافآت مالية وغير مالية على القيام بهذا العمل وهذا بالتالي يؤدي إلى
مضاعفة الإنفاق المالي للدولة على هؤلاء العاملين في مكافحة المخدرات وهذا لا شك
يشكل عبئا اقتصاديا على الدولة.
مما سبقا يتضح أن المخدرات تؤدي إلى فقد
الكليات الخمس التي يحرص الإسلام على الحفاظ عليها.
فالكليات الخمس التي اتفق الفقهاء عليها فهي:
(1) الدين (2) النفس (3) العقل (4) العرض (5) المال.
فسرعان ما يفقد متعاطي المخدرات السيطرة على
نفسه فيقدم على محرم شرعا ويترك الصلاة عمدا ثم تأتي بقية الأركان. ويتهدم البناء
من أساسه.
وثاني هذه الكليات هو الحفاظ على النفس. ولا
شك أن المخدرات تؤدي إلى أضرار جسيمة بالنفس صحيا أوقد أوضحنا آثارها على الصحة،
واجتماعيا، حيث الحوادث المروعة التي تؤدي إلى إزهاق الأرواح بسبب هذا الداء
الخبيث.
وثالث هذه الكليات: العقل، ووظيفة المخدرات
أساسا هي إزالة العقل أو المناطق العليا التي تتحكم في سلوك الإنسان وتعطيه
الانضباط.
ورابع هذه الكليات هو العرض، ومدمن المخدرات
وضيع المنزلة، فاقد السمعة الطيبة بين قرنائه، ليس له من تقدير الناس واحترامهم
وحبهم حظ ولا نصيب.
فضلا عن أنه من الممكن أن يبيع زوجته وابنته
وأخته من أجل الحصول على شمة أو حقنة، بل إنه يفقد غيرته مع فقدان عقله منذ
اللحظات الأولى.
وأما الكلية الخامسة وهي المال: فيفقدون
المال بسهوله من اجل تناولها، وكم من أشخاص فقدوا ثرواتهم وأعمالهم بسبب إدمانهم
للمخدرات، ثم تحولوا بعد ذلك إلى الإجرام والسرقة واللصوصية من أجل الحصول على المال
اللازم لشرائها.
وهكذا تؤدي المخدرات وإدمانها إلى فقدان
الكليات الخمس التي يحرص الإسلام أشد الحرص على الحفاظ عليها
سادسًا: طرق
الوقاية من المخدرات وعوامل مكافحتها:
ليس هناك من عمل دون هدف أو قصد. والعمل
الهادف يحقق نتائج إيجابية فعالة. والوقاية من الإدمان ليست بالمشكلة الاجتماعية
السهلة التي يمكن حلها دون وضع مخطط شامل تتضامن فيه الهيئات المسئولة في الدولة
حتى لا يفقد العمل قيمته. والوقاية الهادفة من الإدمان على تعاطي المخدرات تتعدد
أوجه سياستها وتتمثل فيما يأتي:
أولا: سن التشريعات الوقائية:
فتصدر المؤسسات الأمنية، والصحية، والهيئات
القضائية تشريعات لحماية أبناء ذلك البلد ومجانبة شبابه مخاطر التردي في السكر
والخدر والإدمان.
فالهيئات الأمنية المسئولة كوزارة الداخلية
تضع الضوابط الأمنية التي تكفل عدم خروج الأفراد عن النظم المتبعة في الحظر أو
التداول المشروع- للعقاقير المسموح بتداولها- أو الممنوعة منعا باتا من الاستخدام
وتتضامن مع هذه الهيئات هيئات أخرى داخل الوطن تقوم بدور المراقبة لحظر دخول
المخدرات والعقاقير الممنوعة إلى البلاد كسلاح الحدود ، والإدارة العامة لمكافحة
المخدرات ومصلحة الجمارك التي تعمل في المطارات والطرق البرية والموانئ الساحلية
وغيرها مما يضمن الرقابة التامة على حماية ووقاية المجتمع من انتشار العقاقير
المخدرة والمسكرات . وتتعاون
هذه الهيئات فيما بينها؛ لتؤدي مهام متعددة
منها:
1 -ملاحقة المهربين والتجار والمروجين والقبض
عليهم وتقديمهم للمحاكمة وتطهير المجتمع من شرورها
2 -القبض على المتعاطين لهذه السموم وتطبيق
الأنظمة الصادرة في حقهم بحسب كل حالة، ثم تحويلهم إلى المستشفيات المتخصصة
لمساعدتهم للتخلص من هذه السموم القاتلة.
3 -استلام البلاغات من الشعب عن أية حالة
تعاطي أو تهريب أو تروج والقيام على الفور بما يتطلبه الأمر من إجراءات للقبض على
المجرم وتحويله إلى الجهات المختصة بمحاكمته.
4 -مراقبة كافة المواد التجارية الواردة إلى
البلد والصادرة عنه.
5 -فرض رقابة شديدة على الأماكن المتوقع وصول
المخدرات منها وإليها ومعرفة أماكن تخبئتها والتعرف على كيفية التعامل مع مهربي
هذه المواد.
6 -فرض رقابة شديدة على الأماكن التي يرتادها
الأحداث ومداهمتها بين حين وآخر ووضع أنظمة لمعاقبة من يضبط منهم وهو يتعاطى
المخدرات أو يستنشق الغازات، وكذا مراقبة الأماكن المهجورة مراقبة شديدة ووضع
روادها في مؤسسات خاصة لرعايتهم.
والهيئات الوقائية الصحية والمتمثلة في
وزارات: الصحة ومؤسسات الرعاية الاجتماعية التي تنشر التحذيرات الوقائية والأضرار
المترتبة على تداول وتناول العقاقير المخدرة وتقدم أيضا الرعاية الصحية
والاجتماعية للخارجين على اتباع القواعد السلوكية الاجتماعية السليمة في المجتمع ،
لذا يجب التوسع في فتح مصحات متخصصة لمعالجة مدمني المخدرات من الناحية الجسمية
والنفسية وتشجيع المدمنين على مراجعتها بشتى الوسائل ، ولا بد من وجود الهيئة
الطبية والتمريضية التي لديها المهارة الطبية والتمريضية التي تمكنها من التعامل
مع المدمنين .
هذا بالإضافة إلى التشريعات الوقائية الأخرى
التي تتكاتف وتتعاون فجها هيئات أخرى داخل
المجتمع وخارجه من أجل القضاء على هذه الآفات
الخبيثة.
ثانيا: التوعية الدينية:
إن تقوية الإيمان في نفس المسلم هي السبيل
الأمثل والطريق الأقوم لتحصينه من الوقوع في شرك المخدرات والمسكرات.
والتوعية الدينية في المجتمعات الإسلامية
تستمد من هدي النبوة وقيم الدين الإسلامي الحنيف، وتقوم على الإقناع بأن الإسلام
هو طريق الحياة المستقرة الآمنة والتي لا ضرر فيها ولا ضرار، وتسعى إلى تعميق
وإرساء المبادئ الأخلاقية والالتزام بالضوابط السلوكية والنفسية والاجتماعية،
وترسم خطى النمو الديني في مراحل العمر وإعداد الفرد المسلم إعدادا متكاملا يتوافق
سلوكه مع عقيدة الإسلام وتخضع جميع تصرفاته لقواعد الدين الحنيف.
ويتولى التوعية الدينية فريق متكامل من علماء
الشريعة بالتعاون مع علماء النفس والاجتماع والأطباء وغيرهم ممن لهم صلة بهذه
المشاكل الاجتماعية والصحية والاقتصادية والاجتماعية.
والتوعية الدينية تحتاج إلى إعداد محكم
وترتيب مخطط لأهداف مرجوة وعملية بإثارة كوامن النفس السوية باتباع ما جاء في كتاب
الله وسنة رسوله r وحفز الهمم على تقوى الله
وخشيته، واتباع أوامره واجتناب نواهيه والبعد عن المحرمات وتبصير الفرد بنفسه وربه
ودينه والقيم والمبادئ الإسلامية والأخلاقية وضبط النفس، واحترام الذات والغير،
وكثرة التوبة والاستغفار والاستقامة على الفضيلة والابتعاد عن مهاوي الرذيلة.
كما يجب أن تكون التوعية الدينية ذات طابع
عام يتسم بالبساطة حتى يدركها العامة والخاصة.
كما يلزم أن تتسم بالاستمرارية مع مراعاة
الأحوال. كما يجب في هذا المجال الارتفاع بمستوى الوعاظ وأئمة المساجد وحسن
اختيارهم حتى يؤدوا واجبهم في دور العلم والعبادة ووسائل الإعلام المقروءة
والمسموعة والمرئية. كما تتطلب التوعية الدينية لهذا الصنف من الناس فهم الداعية
كل ما يتصل بمشكلة الإدمان على
المخدرات.
إن تربية الشعور الإيماني لدى أفراد الأمة
يعد عنصرا على جانب كبير من الأهمية، لأننا إذا قمنا ببناء المسلم من الداخل،
فإننا بذلك نقوم بتحصينه تحصينا قويا ضد كل الشرور وبدون هذا البناء، فإن جميع
المحاولات الخارجية قد تؤثر ولكنها غير مضمونة
ثالثا: مسئولية البيئة
الاجتماعية:
(أ) الأسرة هي الخلية الأولى في المجتمع وفي
بيئتها، ينشأ الأبناء في أطوار حياتهم الأولى ويتمثلون بآبائهم عن طريق المحاكاة
والتقليد، بحيث تتطبع نماذج سلوكهم بدرجة كبيرة بالدور الذي يمارسه كل من الأب
والأم معهم. وإذا كانت التنشئة الاجتماعية متكاملة متوافقة مع مبادئ الإسلام وقيمه
الأخلاقية وآدابه الرفيعة ومثله العليا، فإن الأبناء يستقون من الخصائص النفسية
والعقلية والأخلاقية ما يمكنهم من التوافق الاجتماعي السليم.
وأهم مراحل العمر في التنشئة الاجتماعية هي:
الطفولة والمراهقة ودور الأسرة في هذه المظاهر:
(1) الاهتمام بذات الطفل وإمكاناته
واستعداداته وقدراته.
(2) إتاحة الفرص أمام الطفل لممارسة الأعمال
الهادفة في جو يتسم بالحرية دون الفوضى والمؤازرة دون المخاذلة والحماية دون
الإهمال.
ويلاحظ أن الإفراط والمغالاة في تنشئة الصغار
يدفعان بالصغير إلى التقيد بالحدود أكثر من اللازم، بل قد يؤدي به الحال إلى
الصلابة والجمود، كما أن التراخي في التنشئة يؤدي إلى تجاوز الصغير الحدود والآداب
المرعية وعدم مراعاة الحقوق والمشاعر.
كما ينبغي على الأسرة أن تراقب أبناءها
مراقبة مستمرة وأن تكون قدوة طيبة لهم في السلوك والأخلاق والقول والفعل وأن تتكفل
بحاجات أبنائها الأساسية والضرورية ما استطاعت إلى ذلك سبيلا وفي حدود إمكاناتها
المتاحة.
وأخيرا، على الأسرة أن تتساءل بدقة عن الدور
الذي تقوم به نحو أبنائها قبل أن تلوم أحدا أو تعلق أخطاءها على غيرها.
(ب) تخير الأصدقاء وجماعة الإنسان، واثبتت
الدراسات والتجارب أن المرء يتكيف سلوكه حسب المجموعة التي تحيط به وأن للصداقات
الخاصة أثرا عميقا في توجيه النفس والعقل. ولها نتائج هامة فيما يصيب الإنسان، بل
الجماعة كلها من تقدم أو تأخر ومن قلق أو اطمئنان.
وقد عني الإسلام بهذه الصلات التي تربطك
بالله، يؤثرون فيك ويتأثرون بك ويقتربون من حياتك اقترابا خطيرا لأمد طويل.
إن هذه الصلات إن بدأت ونمت نبيلة باركها
الله، وإن كانت رخيصة مهينة ردها في وجوه أصحابها: قال تعالى " الْأَخِلَّاءُ
يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ " إن أثر
الصديق في صديقه عميق، ومن ثم كان لزاما على المرء أن ينتقي إخوانه وأن يبلو
حقائقهم حتى يطمئن إليها ويثق في معدنها!
فإن كانوا قرناء خير يعينونه على أداء الواجب
وحفظ الحقوق ويحجزونه عن السوء واقتراف الحرام فهم قدوة حسنة يجب أن يستمسك بهم
ويحرص على مودتهم، وإلا فليحذر الانخداع بمن يزينون له طرق الغواية أو يسترسلون
معه في أسباب اللغو واللهو.
وقد شوهد أن عدوى السيئات أشد سريانا وأقوى
فتكا من عدوى الحسنات ففي أحيان كثيرة تنتقل عدوى التدخين من المصاب بها إلى
البريء منها وتنتقل حمى الإدمان على المخدرات من المبتلى بها إلى البعيد عنها
ويندر أن يقع العكس لذا أمر الرسول الكريم r
بتخير الجليس فقال: «ومثل الجليس الصالح كمثل صاحب المسك إن لم يصبك منه شيء أصابك
من ريحه، ومثل جليس السوء كمثل صاحب الكير إن لم يصبك من سواده أصابك من دخانه»
([16])
فعلى المسلم أن يتخير الأصحاب وأن ينأى بنفسه
على مجالسة أصحاب المعاصي، وعلى الأسرة أن تختار وتشجع أبناءها على الصحبة الخيرة
التي تعود عليهم بالخير.
(ج) مسئولية المجتمع في مكافحة هذه الآفات:
المجتمع المحلي يشمل الأسرة والمدرسة والأصدقاء والمساجد وهيئات وإدارات الدولة
والهيئات الأمنية والصحية والاجتماعية وكلها مؤسسات لها دورها وكيانها ولها
أولوياتها في التأثير على الأفراد.
والمجتمع المسلم يمتاز بميزات لا يمكن أن
تتوفر في أي مجتمع آخر، ذلك أنه يقيم أساس بنيانه على طاعة الله وطاعة رسوله
والانقياد لأمر الله وتحكيم شرعه في الحياة، ثم هو بعد ذلك يتواصى أفراده فيما
بينهم بالحق ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، والآيات الدالة على هذا الأمر
كثيرة والأحاديث النبوية وفيرة في هذا المجال، ومن ذلك: قال تعالى: "
وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا
وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ
"
وقال تعالى: " كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ
وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ " آل عمران
فالمجتمع الإسلامي لا يكون مجتمعا إسلاميا
حقا حتى يقيم هذه الصفات الطيبة وينفذ هذه الأوامر الإلهية الصريحة. ومجتمع هذا
شأنه لا بد أن يقوم بدوره في مقاومة الفساد فلا يقبل أن تنتشر في ربوعه أي نوع من
أنواع الخبائث ولا يرضى أن يدخل إلى بيئته ممن يروجها الفساد بين أفرادها، بل
يزدري أصحاب المعاصي ويلفظهم ويحتقرهم ويضيق عليهم الخناق ويسرع بالتبليغ عنهم إلى
السلطات المسئولة ليأخذوا جزاءهم ويكونوا عبرة لغيرهم والله من وراء القصد.
رابعا: دور المؤسسات التربوية
في الوقاية من المخدرات ومكافحتها:
تتعدد المؤسسات التربوية ذات الأثر على
الأفراد في المجتمع، فبجانب الأسرة والمسجد ودور
الإعلام وغيرها فإن المدرسة والجامعة وجميع
المؤسسات التعليمية تلعب دورا هاما ولها تأثيرها الفعال في مكافحة المخدرات
والوقاية منها. إن المدرسة يمكنها أن تؤدي دورا بارزا بالتعاون مع الأسرة والمجتمع
المحلي في معالجة مثل هذه المشاكل الاجتماعية، بل يمكن أن تساهم دور التعليم في
علاج ما تعجز الأسرة عن علاجه مثل مشاكل التدخين أو تعاطي المخدرات أو الانحرافات
السلوكية الأخرى ولكي تقوم بهذا الدور الوقائي يجب:
1 -مراعاة غرس القيم الإسلامية في نفوس
الناشئة عن طريق حثهم على أداء الشعائر الدينية.
2 -إضافة المواد الدراسية ذات الصبغة الدينية
إلى الجداول المعتمدة في كل عام
دراسي وهذا ما تهتم به المملكة العربية
السعودية أكثر من غيرها من الدول.
3 -إدماج المعلومات المطلوبة في الثقافة
الإسلامية أو المواد العلمية كالكيمياء وغيرها أو الأدب أو الدراسات النفسية، بحيث
يتواءم مستوى المعلومات مع مستويات النمو والأعمار الزمنية للطلاب.
4 -تدريب المعلمين وتلقينهم الجديد من
المعلومات المتصلة بالعقاقير المخدرة وغيرها مما يقبل عليه الطلاب إبان فترات حرجة
في حياتهم.
5 -ألا يقتصر دور المدارس على مواجهة هذه
المشاكل وعلاجها بين الطلاب فحسب فيمكن أن تؤدي المدارس دورها في علاج هذه المشاكل
في المجتمعات المحلية التي توجد فيها.
6 -مراقبة الطلاب مراقبة دقيقة حتى يتسنى من خلال
ملاحظات المشرفين الاجتماعيين معالجة ما قد يبدر من أحدهم من ممارسات أخلاقية شاذة
قد يكون من بينها تزويد زملائه ببعض أنواع المخدرات.
7 -إجراء بحوث على أسر المدمنين على تعاطي
المخدرات ومحاولة انتشال الطلاب أو إبعادهم قدر الإمكان عن المشاكل الأسرية
خامسا: التوعية الإعلامية ودور
وسائل الإعلام في مكافحة المخدرات والوقاية منها:
تقوم التوعية الإعلامية الهادفة بدور هام في
نشر المعلومات ذات الأهمية في علاجها، وقد استخدمت وسائل الإعلام المتعددة من
صحافة وكتب ومجلات وإذاعة وبث تليفزيوني منذ أمد بعيد في تقديم المعارف والمعلومات
ذات الصلة بالمسكرات والمخدرات والعقاقير المخدرة بقصد إبراز نفور المجتمع من وجود
هذه المشاكل الاجتماعية وإبراز أضرارها وأعراضها وتثقيف العامة والخاصة من تعاطيها
والإدمان عليها لهذا لا بد أن يكون لوسائل الإعلام مكانة رئيسية في حملات مكافحة المخدرات
والوقاية منها، فمن الممكن:
1 -القيام بحملة دعائية بطريقة جذابة لنشر
الوعي حول مخاطر المخدرات وآثارها السلبية على الفرد والمجتمع.
2 -تناول هذه المشكلة بشيء من المناقشة
والتحليل الدقيق وإبراز الطرق التي تساعد الأفراد على التخلص منها ويمكن أن يكون
هذا عن طريق ندوات مرئية أو مسلسل هادف أو محاضرات دينية إذاعية وتليفزيونية أو
مقالات علمية عبر الصحافة على أن تكون المعلومات الموجهة جديرة بالتصديق والثقة من
قبل الأفراد الذين توجه إليهم.
3 -كذلك يجب فرض رقابة صارمة على الأفلام
والمسلسلات الرديئة عربية أو أجنبية والتي يمكن أن يستشف منها أن تعرض لأمور
الفجور والدعارة وممارسة الحب المكشوف أو تعاطي المخدرات والخمور بصورة شيقة
ومغرية ومضللة للكثيرين من متابعيها.
4 -يجب تحديد الأهداف والوسائل ونوعية
البرامج بحيث تعرض بصورة علمية ومخططة ومستنيرة على أن يلاحظ التوقيت الملائم
وتوفير الجو والمناخ الملائم واختيار نوعية التخاطب وطريقة جاذبيتها.
5-التصدي لهذه الآفة مهمة شاقة يجب أن يشارك فيها المجتمع بأكمله، وما
لم تتظافر جهود الأفراد والأسر والمؤسسات والدول فإن الأمر سيكون بالغ الخطورة
6-ليس لهذه الظاهرة سبب واحد، بل هي أسباب متعددة متبادلة التأثير،
فلابد من العناية بها ودراستها والمحاولة الجادة للقضاء عليها أو التقليل منها
7-ضرورة الحزم في تنفيذ العقوبات الشرعية بحق المجرم، مخدرات،
ومهربيها، والمصرين على تعاطيها. إن الغاية من هذه العقوبات هي إصلاح وتهذيب
المجرم، وقمع نوازع الشر في نفسه من جهة، والحفاظ على أمن المجتمع من جهة أخرى.
وقد قال الأولون: إن الله يزع بالسلطان ما لا يزغ بالقرآن
8-الأسرة هي المحضن الأول الذي يتربى فيه الناشئة، وعليها المعوّل في
صلاحهم ووقايتهم من الانحراف. ومن أهم الواجبات على أرباب الأسر تحقيق التماسك
الأسري، والرعاية الكاملة للناشئة، مع الاهتمام بالتربية السليمة التي تقوم على
مبادئ ديننا الحنيف، ونبذ المبادئ المستوردة الجوفاء، التي لا تبني جيلاً، ولا
تشفي عليلاً
9-وسائل الإعلام المختلفة عليها عبء كبير ومسؤولية عظيمة في الوقاية
من هذه الظاهرة بالتوعية المنضبطة بالضوابط الشرعية وإجراء المراقبة الصارمة على
البرامج والأفلام التي تعرض في وسائل الإعلام
10-على المجتمع بجميع فئاته -انطلاقاً من الأسرة وانتهاءً بالدولة
-الاهتمام باستيعاب طاقات الشباب واستثمارها في البناء والتطوير، والقضاء على البطالة
بتوفير الفرص الوظيفية المناسبة، كما ينبغي العناية بالبرامج الهادفة التي تشغل
أوقات الشباب بالأمور النافعة، لا سيما في أوقات الإجازات الصيفية
11-التركيز على مصادر المواد المخدرة، وسد الثغرات التي يمكن أن
تستغلها عصابات تهريب المخدرات، وإحكام الرقابة والسيطرة على المنافذ الحدودية
12-دعم البرامج الإصلاحية في السجون ووضع إجراءات وضوابط تحد من
تأثر صغار المجرمين بكبارهم، واحترافهم الإجرام
13-الاهتمام بأسر المدمنين أو الموقوفين بالسجون وسد حاجتهم، وقضاء
شؤونهم وهذا الأمر لـه أهميته البالغة في والإرشاد، من الانحراف والضياع، وهو
من التكافل الاجتماعي الذي حث عليه ديننا الحنيف، فهم في الواقع لا يعدون أن
يكونوا أقارب أو جيراناً أو إخوة في الدين على أقل تقدير.
14-نهوض المسجد برسالته في التوجيه والإرشاد، باعتباره أقوى الوسائل
تأثيراً في المجتمع المسلم، وذلك عن طريق منبر الجمعة، والمحاضرات، والندوات،
وغيرها من النشاطات، ومن المستحسن عقد دورات المطروحة، أطباء وأئمة المساجد لتعريفهم
بالمخدرات وأساليب التوجيه المناسبة لتحذير الناس منها، وكيفية التعامل مع
المدمنين وإرشادهم.
15-على المربي أو المعلم أو القائم على برامج التوعية أن يراعي في عرض
المعلومات التوعوية الضوابط التالية:
أ) تحري الدقة والموضوعية في
المعلومات والأضرار المتعلقة بالمواد المخدرة، وعدم المبالغة أو التهويل بلا مبرر
ب) تبسيط المعلومة وعرضها بأسلوب سهل واضح، يؤدي الهدف المراد تحقيقه.
ج) حسن اختيار المادة المطروحة، وعدم الخوض في تفاصيل غير مناسبة كطرق
تعاطي المادة المخدرة، أو ما يحدث للمتعاطي بعد تعاطيه المادة، وتجنب كل ما يثير
حب الاستطلاع والتجربة، والقاعدة أن لكل شريحة من شرائح المجتمع، ولكل فئة من الطلاب ما
يناسبها من الموضوعات.
16-تنشيط السياحة الداخلية المنضبطة بالضوابط الشرعية والاجتماعية
التي يقوم عليها هذا البلد الأمين، وتشجيع الاستثمارات الخاصة في هذا المجال،
ومحاولة الحد من السياحة الخارجية غير المنضبطة، التي تعرض كثيراً من شبابنا للفتن
والانحراف.
17-إصلاح المدمنين وإعادة تأهيلهم مع التسلح بالإخلاص لله، والرحمة
بالمدمن والشفقة عليه.
18-في التعامل مع المدمنين لابد من تأليف القلوب، وكسر الحواجز بين
المدمن وبين القائم على عملية الإصلاح والتوجيه
19-المدمن إنسان له مشاعره ومشاكله وبيئته، ولا يمكن أن نتعامل مع
المدمن بمعزل عن مشاكله النفسية والاجتماعية، ومعرفة الظروف التي دفعته إلى تعاطي
المخدرات.
20-ضرورة الاستمرار في عملية الإصلاح والرعاية بعد التعافي من
الإدمان، لئلا تحدث الانتكاسة ويعود المدمن إلى حاله الأولى
نسأل المولى جل وعلا أن يحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل مكروه، وأن
يديم علينا الأمن والاستقرار، وأن يرد عنا شر الحاسدين، وكيد الكائدين، اللهم آمين.
وصلِّ
اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854