الحلول النبوية للمشاكل الاقتصادية للشيخ فوزي محمد أبو زيد
الحمد لله رب العالمين قدر الأقدار وخلق الليل والنهار ويسير الأكوان بقدرته ويصنع كل شيء فيها بحكمته وهو سبحانه على كل شيء قدير وهو الأول والأخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أمره نافذ وحكمه ماض ولا يستطيع أحد من الأولين أو الآخرين دفع مراده ولا العمل بخلاف ما يحبه ويرضاه لأنه سبحانه وتعالى وحده الفعال لما يريد
وأشهد أن سيدنا محمدا عبد الله ورسوله جمّله الله بآدابه العلية وأثنى عليه بالأخلاق الزكية في الآيات القرآنية وقال لنا ولكل المؤمنين لنقتفي أثره ونمشي على نهجه في الدنيا فنفوز ونجوز ونكون معه في الجنة يوم الدين
" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ" (4 القلم)
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله الصادقين وعلى أصحابه المباركين وعلى كل من اهتدى بهديه وسار على نهجه إلى يوم الدين وعلينا معهم أجمعين
آمين آمين يارب العالمين
أيها الأحبة جماعة المؤمنين
**************
كيف عالج النبي صلى الله عليه وسلم مشاكل أهل زمانه الاقتصادية بغير رأس مال ولا تكنولوجيا عصرية ولا أشياء مادية أو حسية؟
علم حضرة النبي صلى الله عليه وسلم بما علمه مولاه أن العلاج الأنجع والشفاء الأفضل في علاج الأخلاق المعنوية والكمالات النفسية التي يتجمل بها المؤمنون فإذا استوت أخلاقهم على نهج كتاب ربهم وراقبوا الله تعالى في كل حركاتهم وسكناتهم فلا تجد بعد ذلك أي مشكلة مهما عظمت إلا ولها حل عندهم لأنهم كما قال الله في شأنهم:
" وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ"(9 الحشر)
وعلمهم النبي صلى الله عليه وسلم الأدب مع الله سبحانه وتعالى وكان حريصا حرصا عظيما على هذا التعليم وما احوجنا إلى الأدب مع الله في عصرنا
فلا تلتفت يمينا أو يسارا إلا وتجد قوما – سبحان الله – على الله ساخطون وعلى قضائه معترضون ولا يعجبهم الذي يصنعه معهم رب العالمين لأنهم يريدون أن يصنع لهم ما تريده نفوسهم بينما هم لا يعلمون إن كان هذا في صالحهم أو ضدهم فقد ورد في الأثر
" لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع"
فإن الله سبحانه وتعالى يحب المؤمنين
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ ...( البقرة 222)" ولم يقل المؤمنين حتى يفتح الفرصة للمذنبين الذين أذنبوا وتابوا إلى رب العالمين ولو قال إن الله يحب المؤمنين لم يكن هناك فرصة للمذنبين الذين تابوا وأنابوا إلى الله لكن الكريم سبحانه وتعالى فتح بابه للجميع
" إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ "( البقرة 222)
وأعلمنا سبحانه وتعالى في كتابه المبين أنه أوجدنا في الدنيا ليختبر صدق إيماننا وقوة يقيننا في ربنا تبارك وتعالى تصديقا للعهد الأزلي الذي أخذه علينا في يوم الميثاق وقرر لنا في القرآن مواد الامتحان وقال فيها في محكم القرآن
" وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (155 البقرة) ولنبلونكم يعني نختبركم
ما الدواء الإلهي الذي يتبلّغ به الإنسان على كل هذه الاختبارات ويفوز فيها بأعلى الدرجات
" أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ " ( البقرة157)
الرضا عن الله سبحانه وتعالى أن يرضى المؤمن ظاهرا وباطنا عن مولاه بأن يعلم علم اليقين أنه سبحانه لا يصنع له شيئا إلا وفيه خير له في دنياه وأخراه
اياك أن تعتقد لحظة أن الله سبحانه وتعالى حاش لله يبتليك ليضرك أو يبتليك لينتقم منك فالله سبحانه وتعالى لا يبتلي مؤمنا من اجل هذه الأشياء ابدا وإنما يبتلي المؤمن لأمرين لا ثالث لهما
أولهما:
إذا كان عليه ذنوب ولم يلحظها ولم يتب منها فحرص الله علينا ومحبته لنا تقتضيه أن يبتلينا ليطهرنا ويغفر لنا هذه الذنوب فجعل البلاء طهرة من الذنب
قال صلى الله عليه وسلم فيمن ابتلاه الله بالمرض
" مَرَضُ يَوْمٍ يُكَفِّرُ ذُنُوبَ ثَلاثِينَ سَنَةً " (للخطيب البغدادي في تاريخ بغداد عن عائشة رضي الله عنها)
لكنه للمريض الصابر الذي لا يشكوا مولاه إلى خلق الله ولا يتسخط ولا يتبرم على قضاء الله
يشكوا للطبيب ليصف له الدواء ليس في ذلك شيء يشكو لأعز أهله عليه ليذهبوا به إلى الطبيب هذا واجب عليه لكن لا يشكوا متبرما أو متضايقا من صنع الله الذي بيده ملكوت السماوات والأرض واليه ترجعون فإذا صبر لأمر الله ورضي بقضاء الله مع الأخذ بالأسباب التي اوجدها الله في هذه الحياة يذهب للأطباء ويتناول الدواء ليس معنى الرضي عن الله ان يترك الذهاب للأطباء فيكون هذا مخالفا للسنة أو يترك تعاطي الدواء يكون مخالفا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم في قوله صلى الله عليه وسلم لنا
"إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَيْثُ خَلَقَ الدَّاءَ خَلَقَ الدَّوَاءَ فَتَدَاوَوْا" ( رواه أحمد عن انس رضي الله عنه )
وما من داء إلا وأنزل الله له شفاء علمه من علمه وجهله من جهله فما دام صابرا على أمر الله ويأخذ بالأسباب التي تحقق الشفاء في عالم الناس فإنه يقول فيه الله سبحانه وتعالى
"إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِيَ الْمُؤْمِنَ، وَلَمْ يَشْكُنِي إِلَى عُوَّادِهِ أَطْلَقْتُهُ مِنْ أَسَارِي، ثُمَّ أَبْدَلْتُهُ لَحْمًا خَيْرًا مِنْ لَحْمِهِ، وَدَمًا خَيْرًا مِنْ دَمِهِ، ثُمَّ يُسْتَأْنَفُ الْعَمَلَ " (الحاكم في المستدرك والبيهقي عن أبي هريرة رضي الله عنه)
اذا هنا الابتلاء تطهير للإنسان ومغفرة للذنوب لأنه حبيب لحضرة الرحمن
وثانيهما :
إذا لم يكن عليه ذنوب فربما يكون له في سجايا قلبه أمل عند حضرة علام الغيوب يطلب منزلة رفيعة في الجنة أو يطلب درجة كريمة مع حبيب الله ومصطفاه والعمل الذي يعمله ليتقرب به الى الله لا يوصل لهذه الدرجة ولا يكفي لوصوله إلى هذه المنزلة فيبتليه الله ليرقيه
قال صلى الله عليه وسلم:
إن العبد إذا سبقت له من الله منزلة لم يبلغها بعمله ابتلاه الله في جسده أو في ماله أو في ولده ثم صبّره على ذلك حتى يبلغه المنزلة التي سبقت له من الله تعالى"( أبو داود عن إبراهيم بن مهدي السلمي عن أبيه عن جده)
هذا امر البلاء للمؤمنين اجمعين منذ بعثة الحبيب الى يوم الدين
إذا المؤمن يستعين بالأسباب ولكنه عند استعانته بها يتوجه إلى مسبب الأسباب ويريه أنه راض عن الله فالرضى عن الله هو أعز رأس مال للمؤمن يدخل به الى حضرة الله ويرتفع به قدرا عند سيدنا وحبيبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
نأخذ مثالا واحدا على هذه التربية النبوية الإيمانية
لاحظ النبي صلى الله عليه وسلم وكان شديد الملاحظة وألمعي شديد الذكاء
أن رجلا يصلي خلفه وبعد السلام مباشرة ينهض مسرعا إلى خارج المسجد وبعد تكرار هذا الأمر استدعاه وسأله عن ذلك وهم عاهدوا أن لا يكذبوا
فقال يا رسول الله ليس لي ولا لامرأتي إلا ثوب واحد فتتركه لي حتى أصلي معك الصلاة الأولى وأرجع إليها مسرعا لتلبسه وتدرك الصلاة في أول الوقت فنادى النبي صلى الله عليه وسلم على صحبه الكرام ليساعدوا أخاهم فأبطأ في العودة إليها وعندما رجع إليها وكانت خلف الباب متلهفة قالت ما الذي أخرك يا فلان وأنت تعلم حرصي على أول الوقت فحكى لها ما جرى
اسمع معي بأذن قلبك ماذا قالت هذه المرأة المؤمنة قالت إياك أن تكون قد شكوت الله إلى رسوله
لأن النبي صلى الله عليه وسلم علمهم اجمعين أن تمام الرضا عن الله ألا يخرج اللسان بشكوى لأى فرد من عباد الله وإنما باب الله مفتوح فإن أراد أن يشكو ما به فليتوجه إلى مولاه يشكو إليه في الصلاة أو يشكو إليه في الدعاء أو يشكو إليه في أي زمان أو مكان
"وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ" ( الحديد 4)
ولذلك قال صلى الله عليه وسلم عندما سئل من أغنى الناس
فقال صلى الله عليه وسلم
" ارض بما قسم الله لك تكن اغنى الناس" (اخرجه أحمد والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه)
أو كما قال ادعو الله وأنتم موقنون بالإجابة
الخطبة الثانية :
الحمد لله رب العالمين ، الذي جعلنا من عباده التوابين ومن عباده المتطهرين،
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له يحب من عباده الرضا بقضائه والصبر على بلائه والتوجه بالدعاء الدائم إلى حضرته في كل وقت وحين
واشهد ان سيدنا محمدا عبد الله ورسوله أكمل الأنبياء أدبا مع حضرة الله وأجمل المؤمنين والنبيين والمرسلين تخلقا مع مولاه
اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وارزقنا هداه ووفقنا لحسن العمل بسنته وإحياء شرعه في أنفسنا وأهلينا ومجتمعنا يا ألله
أيها الأحبة ، جماعة المؤمنين
استمعوا إلى ربكم سبحانه وتعالى وهو يعاتب نفرا كثيرا من المؤمنين فيقول سبحانه وتعالى
"إني والإنس والجن في نبأ عظيم ، أخلق ويُعبد غيري ، أرزق ويُشكر سواي خيري إلى العباد نازل ، وشرّهم إليّ صاعد ، أتودد إليهم بالنعم وأنا الغني عنهم ! ويتبغّضون إليّ بالمعاصي وهم أفقر ما يكونون إليّ أهل ذكري أهل مجالستي ، من أراد أن يُجالسني فليذكرني . أهل طاعتي أهل محبتي . أهل معصيتي لا أقنطهم من رحمتي ، إن تابوا إليّ فأنا حبيبهم ، وإن أبَوا فأنا طبيبهم ، أبتليهم بالمصائب لأطهّرهم من المعايب ، من أتاني منهم تائباً تلقّيته من بعيد ، ومن أعرض عني ناديته من قريب ، أقول له :
أين تذهب ؟ ألك رب سواي ! الحسنة عندي بعشرة أمثالها وأزيد ، والسيئة عندي بمثلها وأعفو ، وعزتي وجلالي لو استغفروني منها لغفرتها لهم"( الطبراني والبيهقي والحاكم عن أبي الدرداء رضي الله عنه)
فنعم الرب ربي ونعم الحسب حسبي إله رحيم بخلقه عطوف على أهل الإيمان ما ترك وسيلة تقربنا إليه إلا وفتح لنا بابها ولا ترك نعمة فيها خير لنا إلا وأهلنا لها لأنه يحب المؤمنين وخاصة التوابين والمتطهرين
ويحذر سبحانه وتعالى الساخطين والمتبرمين وغير الراضين بقضاء رب العالمين ولن يستطيعوا ان يغيروا من الأمر شيئا فيقول لهم صلى الله عليه وسلم:
"من لم يرض بقضاء الله ويؤمن بقدر الله فليلتمس إلهاً غير الله" (رواه الطبراني في الأوسط عن أنس)
ماذا سيصنع الإنسان الذي يعترض على أقدار حضرة الرحمن وماذا في وسعه أن يفعله إلا إذا أذن الله وإلا إذا شاء الله فنسأل الله أن يرزقنا الرضا عنه أجمعين ..... ثم الدعاء