ثمرات الخوف من الله في الدنيا والآخرة للشيخ احمد أبو عيد
الحمد لله في الأولى فقد نامت عيون الخلائق وما غفل، وله الحمد في الآخرة إذا زاغت الأبصار، عبد الناس المال فأطغاهم، ونسوا الموت فغرهم الأمل، ولو شاء ربك لجفت الأنهار وما أصاب النباتَ بلل، نحمده تبارك وتعالى ونستعينه على كل أمر جلل، ونستغفره لمن تاب منا ومن في المعاصي لم يزل، ونرجوه رحمةً تعمُّنا ولا نطمع في سواها بدل، ونسأله العافية فيما هو آتٍ، والعفوَ عما قد حصل.
وأشهد أن لا إله
إلا الله ملَك فحكَم فعدَل، قدر الأمور من الأزل، فلحكمة لم يفعل ولحكمة فعل، أخبرني
عن الأرض كيف بخلت، ولماذا اسودَّ الجبل؟ وأخبرني عن البهائم كيف كلَّت، ولماذا أكل
الذئب الحمل؟ وأخبرني عن القرون لم اندثرت؟ ولماذا كتب على المترفين الزلل؟ وأخبرني
عن الأقدام إن زلَّت أبكلمة جوفاء يتحقق الأمل؟ وأخبرني عن المعاصي إذا تفشَّت فهل
يخرج من النحل العسل؟ وأخبرني عن أمة عريقة قد ضلت، فهل دعاء الصالحين يصلح الخلل؟
كلا.. إذا ما القلوب بالزيغ قد ابتُليَت فلا بأس بالموت إذا حان الأجل.
وأشهد أن سيدنا
محمدًا عبده ورسوله الذي إذا قال فعل، ألم تر كيف اصطبر على الأذى وقد ناءت الجبال
بما حمل، أرأيت كيف بالكذب رمَوه وبالسحر اتهموه فما وهن ولا عن دعوته انفصل؟ أرأيته
حين فقد فلذة كبده قلَّ صبره أو ترك العمل؟ أرأيته حين غفر له في التنزيل قل خوفه أو
فارقه الوجل؟ أما علمت أن الرسول نور يستضاء به فكم أعطى وكم بذل؟ والله لو لم يجد
مؤمنًا في عصره لظلَّ يَدعو وما اعتزل.
اللهم صلِّ وسلِّم
وبارك على من به اعوجاج الملَّة اعتدل، وبنور سنته الشرع اكتمل، واجعله الشفيع لنا
إذا ما الروح حين البعث بالجسد اتصل، وأصبح الهلاك هو دون النجاة المحتمل.
العناصر
أولاً:
ثمرات الخوف من الله في الدنيا
ثانياً:
ثمرات الخوف من الآخرة
ثالثاً: نماذج الخوف من الله:
الموضوع
الخوف هو تألم
القلب واحتراقه بسبب توقع مكروه في المستقبل. وأخوفُ الناس أعرَفُهم بنفسه وبربه، ولذلك
قال النبي صلى الله عليه وسلم: "أنا أعرفكم بالله وأشدكم له خشية" ([1])
وقال تعالى: ﴿
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾ [فاطر: 21].
قال ابن القيم:
قال أبو حفص: الخوف سوط الله، يقوم به الشاردين عن بابه، وقال: الخوف سراج في القلب
به يبصر ما فيه من الخير والشر وكل أحد إذا خفته هربت من إلا الله فإنك إذا خفته هربت
إليه، فالخائف هارب من ربه إلى ربه وقال أبو سليمان، ما فارق الخوف قلباً إلا خرب([2]).
أولاً: ثمرات الخوف من الله في الدنيا
1-سبب
للنجاة من كل سوء:
عن أبي هريرة أن
رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ثلاث منجيات وثلاث مهلكات فأما المنجيات
: فتقوى الله في السر والعلانية والقول بالحق في الرضى والسخط والقصد في الغنى والفقر
. وأما المهلكات : فهوى متبع وشح مطاع واعجاب المرء بنفسه وهي أشدهن "([3]))
فهذه الخشية هي التي تحفظ العبد وتنجيه من كل سوء.
2-يعين
على تقوى الله في السر والعلانية:
عن أبي ذر جُنْدُب
بنِ جُنادَةَ وأبي عبدِ الرحمانِ معاذِ بنِ جبلٍ رضي الله عنهما ، عن رسولِ الله -
صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( اتَّقِ الله حَيْثُمَا كُنْتَ وَأتْبعِ السَّيِّئَةَ
الحَسَنَةَ تَمْحُهَا ، وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ ))([4])
3-العمل
للقاء الله:
عن أَبي برزة
- براء ثُمَّ زاي - نَضْلَة بن عبيد الأسلمي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُول
الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى
يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ أفنَاهُ ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ ؟ وَعَنْ
مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ ؟ وَفيمَ أنْفَقَهُ ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ
؟ )) ([5])
4-من
أسباب التمكين في الأرض وزيادة الإيمان والطمأنينة:
لأنك إذا حصل لك
الموعود وثقت أكثر قال عز وجل : (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِرُسُلِهِمْ لَنُخْرِجَنَّكُمْ
مِنْ أَرْضِنَا أَوْ لَتَعُودُنَّ فِي مِلَّتِنَا فَأَوْحَى إِلَيْهِمْ رَبُّهُمْ لَنُهْلِكَنَّ
الظَّالِمِينَ (13) وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الْأَرْضَ مِنْ بَعْدِهِمْ ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ
مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ)
5-من خاف الله
دله الخوف على كل خير:
قال الفضيل بن عياض رحمه
الله تعالى: من خاف الله دله الخوف على كل خير، وكل قلب ليس فيه خوف الله، فهو قلب
خراب.
وقال الحسن البصري حينما
قيل له: يا أبا سعيد! إننا نجالس أقواماً يخوفوننا من الله جل وعلا، حتى تكاد قلوبنا
أن تطير من شدة الخوف، فقال الحسن رحمه الله: والله إنك إن تخالط أقواماً يخوفونك في
الدنيا حتى يدركك الأمن في الآخرة، خير من أن تصحب أقواماً يؤمنونك في الدنيا حتى يدركك
الخوف في الآخرة.
6-إطعام الفقراء ومعاونتهم:
قال تعالى: (إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ
مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا * عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا
تَفْجِيرًا * يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا
* وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا * إِنَّمَا
نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا*إِنَّا
نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا) الانسان5-10.
7-اجتناب المحرمات:
قال تعالى (وَرَاوَدَتْهُ
الَّتِي هُوَ فِي بَيْتِهَا عَنْ نَفْسِهِ وَغَلَّقَتِ الْأَبْوَابَ وَقَالَتْ هَيْتَ
لَكَ قَالَ مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ
الظَّالِمُونَ) يوسف23.
وعن أَبي هريرة
- رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( لَمْ يَتَكَلَّمْ
في المَهْدِ إلاَّ ثَلاثَةٌ : عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، وَصَاحِبُ جُرَيْجٍ ، وَكَانَ
جُرَيْجٌ رَجُلاً عَابِداً ، فَاتَّخَذَ صَوْمَعَةً فَكَانَ فِيهَا ، فَأَتَتْهُ أُمُّهُ
وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ، فَقَالَ : يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلاتِي
فَأَقْبَلَ عَلَى صَلاتِهِ فَانْصَرَفَتْ . فَلَمَّا كَانَ مِنَ الغَدِ أتَتْهُ وَهُوَ
يُصَلِّي ، فَقَالَتْ : يَا جُرَيْجُ ، فَقَالَ : أيْ رَبِّ أمِّي وَصَلاتِي ، فَأقْبَلَ
عَلَى صَلاتِهِ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ الغَدِ أتَتْهُ وَهُوَ يُصَلِّي ، فَقَالَتْ
: يَا جُرَيْجُ ، فَقَالَ : أيْ رَبِّ أمِّي وَصَلاتِي ، فَأقْبَلَ عَلَى صَلاَتِهِ
، فَقَالَتْ : اللَّهُمَّ لاَ تُمِتْهُ حَتَّى يَنْظُرَ إِلَى وُجُوهِ المُومِسَاتِ
. فَتَذَاكَرَ بَنُو إسْرائِيل جُرَيْجاً وَعِبَادَتَهُ ، وَكَانَتِ امْرَأةٌ بَغِيٌّ
يُتَمَثَّلُ بحُسْنِهَا ، فَقَالَتْ : إنْ شِئْتُمْ لأَفْتِنَنَّهُ ، فَتَعَرَّضَتْ
لَهُ ، فَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَيْهَا ، فَأتَتْ رَاعِياً كَانَ يَأوِي إِلَى صَوْمَعَتِهِ
، فَأَمْكَنَتْهُ مِنْ نَفْسِهَا فَوقَعَ عَلَيْهَا ، فَحَمَلَتْ ، فَلَمَّا وَلَدَتْ
، قَالَتْ : هُوَ مِنْ جُريج ، فَأتَوْهُ فَاسْتَنْزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَوْمَعَتَهُ
، وَجَعَلُوا يَضْرِبُونَهُ ، فَقَالَ : مَا شَأنُكُمْ ؟ قَالُوا : زَنَيْتَ بهذِهِ
البَغِيِّ فَوَلَدَتْ مِنْكَ . قَالَ : أيْنَ الصَّبيُّ ؟ فَجَاؤُوا بِهِ فَقَالَ
: دَعُوني حَتَّى أصَلِّي ، فَصَلَّى فَلَمَّا انْصَرفَ أتَى الصَّبيَّ فَطَعنَ في
بَطْنِهِ ، وَقالَ : يَا غُلامُ مَنْ أبُوكَ ؟ قَالَ : فُلانٌ الرَّاعِي ، فَأَقْبَلُوا
عَلَى جُرَيْجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ
بِهِ ، وَقَالُوا : نَبْنِي لَكَ صَوْمَعَتَكَ مِنْ ذَهَب . قَالَ : لاَ ، أعِيدُوهَا
مِنْ طِينٍ كَمَا كَانَتْ ، فَفَعلُوا ....... " ([6]).
وذكر أبو الفرج ابن الجوزي
أن امرأة جميلة كانت بمكة، وكان لها زوج، فنظرت يومًا إلى وجهها في المرآة فقالت لزوجها:
أترى أحدًا يرى هذا الوجه ولا يفتن به؟قال: نعم. قالت: مَنْ؟ قال: عبيد بن عمير؛قالت:
فائذن لي فيه فلأفتننه، قال: قد أذنت لك. فأتته كالمستفتية، فخلا معها في ناحية في
المسجد الحرام، فأسفرت عن وجه مثل فلقة القمر، فقال لها: يا أَمَةَ الله استتري، فقالت:
إني قد فتنت بك. قال: إني سائلك عن شيء، فإن أنت صدقتيني نظرت في أمرك. قالت: لا تسألني
عن شيء إلا صدقتك. قال: أخبريني لو أن ملك الموت أتاكِ ليقبض روحك أكان يَسُرُّكِ أن
أقضي لك هذه الحاجة؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أُدخلتِ قبركِ، وأجلستِ للمسألة
أكان يَسُرُّكِ أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أن الناس أعطوا
كتبهم، ولا تدرين أتأخذين كتابك بيمينك أم بشمالك أكان يَسُرُّكِ أني قضيتها لك؟ الت:
اللهم لا. قال: صدقت. قال: فلو أردت الممر على الصراط، ولا تدرين هل تنجين أو لا تنجين،أكان
يَسُرُّكِ أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا. قال: صدقتِ. قال: فلو جيء بالميزان، وجيء
بك، فلا تدرين أيخف ميزانك أم يثقل أكان يَسُرُّكِ أني قضيتها لك؟ قالت: اللهم لا.
قال: صدقتِ. قال: اتقي الله، فقد أنعم عليك وأحسن إليك. قال: فرجعت إلى زوجها. فقال:
ما صنعتِ؟ قالت: أنت بطالٌ ونحن بطالون. فأقبلت على الصلاة والصوم والعبادة، فكان زوجها
يقول: مالي ولعبيد بن عمير أفسد علي امرأتي، كانت في كل ليلة عروسًا فصيرها راهبة([7]).
8-يعين
على المسارعة إلى الخيرات:
قال تعالى "إِنَّ الَّذِينَ
هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (57) وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِ رَبِّهِمْ
يُؤْمِنُونَ (58) وَالَّذِينَ هُمْ بِرَبِّهِمْ لَا يُشْرِكُونَ (59) وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ
مَا آَتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (60) أُولَئِكَ
يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ (61)" المؤمنون.
وعن عائشة زوج
النبي صلى الله عليه و سلم قالت : سألت رسول الله صلى الله عليه و سلم عن هذه الآية
: { الذين يؤتون ما أتوا وقلوبهم وجلة } قالت عائشة : هم الذين يشربون الخمر ويسرفون
؟ فقال : لا يا بنت الصديق ! ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا
يقبل منهم { اولئك يسارعون في الخيرات } ([8])
جاء في الشرح ما
خلاصته أن السر في خوف المؤمنين ان لا تقبل منهم عبادتهم أن القبول متعلق بالقيام بالعبادة
كما أمر الله عز و جل وهم لا يستطيعون الجزم بأنهم قاموا بها على مراد الله.
9-حفظ
الدماء والأرواح:
فهو الذي منع إبن
ادم أن يقتل اخاه عندما هم ان يقتله
قال تعالى (لئِنْ
بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ
إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) المائدة
10-يؤدي الى اتقان العمل:
إنَّ المديرَ في إدارته، والمهندِسَ في
مكتبِه، والمبَرْمِج في برمَجته، والمدرِّس في مدرسته، والداعية في مسجده والعامِلَ
في معملِه، والشرطيَّ في مخفرِه، والقاضيَ في محكَمَتِه، والصحفيَّ في جريدته، والكاتبَ
في كتاباته، والطبيب في عيادته ،والتاجر في متجره .. عمومًا: كلّ مسئول من موقِع مهمَّته؛
كما قال النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم:" ألا كلُّكم راعٍ، وكلُّكم مسئول
عن رعيَّتِه، فالأميرُ الذي على النَّاس راعٍ، وهو مسئول عن رعيَّته، والرجُل راعٍ
على أهل بيْتِه، وهو مسئول عنْهم، والمرأةُ راعية على بيْتِ بعْلِها وولَدِه، وهي مسئولة
عنهم، والعبد راعٍ على مال سيِّده، وهو مسئول عنه، ألا فكلُّكم راعٍ ومسئول عن رعيَّته"([9])
كلٌّ في عملِه، لوِ استحضرنا مُراقبةَ الله
وعظَمَتَه وجلالَه، وقُدرتَه سبحانه واستحضرنا النفس اللوامة التي تلوم صاحبها علي
تقصيره وعدم خوفه من الله واستحضرنا مقام الإحسان
وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك " ولو علمنا أن الله عاجلاً
أم أجلاً يقتصَّ من عبْدِه الخائن ، من جرَّاء
عملٍ يُؤْذي ويهدِّد أمْنَ بلدِه الاقتِصاديّ والاجتِماعي والسياسي، لتحقَّقتْ رفاهية
البُلدان، وانتشر العدْل، وسادَ تكافُؤُ الفُرَص، وقلَّت البطالة التي تنهش في فلذات
أكْباد أبناء هذه الأُمَّة.
11-جلب
المال من الحلال:
عن كعب بن عجرة
رضي الله عنه قال قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل
الجنة لحم ودم نبتا على سحت النار أولى به يا كعب بن عجرة الناس غاديان فغاد في فكاك
نفسه فمعتقها وغاد موبقها"([10])
قال نافع : خرجت مع ابن عمر في بعض نواحي المدينة
ومعه أصحاب له فوضعوا سفرة فمر بهم راعفقال له عبد الله : هلم يا راعي فأصب من هذه
السفرة؛ فقال : إني صائم؛ فقال له عبد الله في مثل هذا اليوم الشديد حره وأنت في هذه
الشعاب في آثار هذه الغنم وبين الجبال ترعى هذه الغنم وأنت صائم؛ فقال الراعي : أبادر
أيامي الخالية فعجب ابن عمروقال : هل لك أن تبيعنا شاة من غنمك نجتزرها ونطعمك من لحمها
ما تفطر عليه ونعطيك ثمنهاقال : إنها ليست لي إنها لمولاي؛ قال : فما عسيت أن يقول
لك مولاك إن قلت أكلها الذئب ...؟ !فمضى الراعي وهو رافع إصبعه إلى السماء وهو يقول
فأين الله ؟([11])
12-النطق
بالكلام الطيب وتجنب الخبيث:
عن أَبي هريرة
رضي الله عنه: أنَّه سمع النبيَّ صلى الله
عليه وسلم يقول : (( إنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بالكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا
يَزِلُّ بِهَا إِلَى النَّارِ أبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ )) ([12])
. ومعنى: (( يَتَبَيَّنُ
)) يُفَكِّرُ أنَّها خَيْرٌ أم لا .
13-يعين
على ضبط النفس:
قال تعالى: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*
فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ
مَن دَسَّاهَا) الشمس
فإن من يخاف الله
لا يمكن أن يكون كذَّابًا ولا منافقًا ولا مرائيًا ولا مخادعًا , ولا سارقًا ولا مختلسًا
, ولا عاقًّا ولا مدمنًا , ولا قاتلاً أو زانيًا , ولا شارب خمر , ولا آكلا للحرام
, ولا مانعًا للخير , ولا معطلاً لمسيرة الوطن , ولا مفسدًا أو مخربًا , ولا هدامًا
, ولا فاسقًا , ولا فاحشًا , ولا سبابًا , ولا بذيئًا , ولا متطاولاً على خلق الله,
قال الفضيل بن عياض " من خاف الله دله الخوف على كل خير، وكل قلب ليس فيه خوف
الله، فهو قلب خراب ". وعليه فان الطريق لهداية القلوب واصلاح النفوس هو الخوف
من الله؛ به يعم الامان وتحفظ الارواح والاموال والاعراض وتنتش ر المودة والاخوة والمحبة
وتتقن الاعمال وتقدم المصالح وتؤخر المفاسد؛ لذلك كان الاسلام حريصا على ترسيخ مفهوم
الخوف من الله فى القلوب فقد قال تعالى (وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) البقرة40
14-لا
يشغله شيء عن ذكر الله:
قال تعالى (فِي
بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا
بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ
اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ
فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ) النور36-37.
15-البكاء
من خشية الله والجهاد في سبيله:
عن ابن عباس رضي
الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( عَيْنَانِ
لاَ تَمسُّهُمَا النَّارُ : عَيْنٌ بَكَتْ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَعَيْنٌ بَاتَتْ
تَحْرُسُ في سَبيلِ اللهِ ))([13])
16-ما
تركته لله عوضك الله خيرا منه:
لمَّا نهى عمر
رضي الله عنه في خلافته عن خلْطِ اللَّبن بالماء، وخرج ذات ليلةٍ في حواشي المدينة،
وأسند ظهْرَهُ إلى جدارٍ ليرْتاح، فإذا بامرأةٍ تقول لابنتها: ألا تَمْذُقين اللَّبنَ
بالماء؟ فقالت الجارية: كيف أمذُقُ وقد نَهى أميرُ المؤمنين عن المذق؟! فقالت الأم:
فما يُدْرِي أميرَ المؤمنين؟ فقالت الجارية: إن كان عُمر لا يعلمُه فإلهُ عمر يعلَم،
ما كنت لأفعله وقد نَهى عنه، فوقعتْ مقالتُها من عمر رضي الله عنه فلمَّا أصبح دعا
عاصمًا ابنَه فوصفها له ومكانَها، وقال: اذهب يا بنَيَّ فتزوَّجْها، فتزوَّجها عاصمُ
بن عُمر، فولدتْ له بنتًا فتزوَّجَها عبدالعزيز بن مَرْوان بن الحَكَم، فأتتْ بِعُمر
بن عبدالعزيز رضي الله عنه.
17-يجب
الخوف من الله قبل فوات الأوان:
قال أبو الدرداء: إنما أنت
أيام، كلما مضى منك يوم مضى بعضك.
فيا أبناء العشرين! كم مات
من أقرانكم وتخلفتم؟!
ويا أبناء الثلاثين! أصبتم
بالشباب على قرب من العهد فما تأسفتم؟
ويا أبناء الأربعين! ذهب
الصبا وأنتم على اللهو قد عكفتم!!
ويا أبناء الخمسين! تنصفتم
المائة وما أنصفتم!!
ويا أبناء الستين! أنتم على
معترك المنايا قد أشرفتم، أتلهون وتلعبون؟ لقد أسرفتم!!
وعن أبي هريرة
عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (أعْذَرَ الله إِلَى امْرِئٍ أَخَّرَ أجَلَهُ حَتَّى
بَلَغَ سِتِّينَ سَنَةً) ([14]).
قَالَ العلماء
: معناه لَمْ يَتْرُكْ لَهُ عُذراً إِذْ أمْهَلَهُ هذِهِ المُدَّةَ . يقال : أعْذَرَ
الرجُلُ إِذَا بَلَغَ الغايَةَ في العُذْرِ .
وقال الفضيل لرجل: كم أتى
عليك؟ قال: ستون سنة. قال له: أنت منذ ستين سنة تسير إلى ربك يوشك أن تصل!!
قال ابن القيم: يا حاملًا لقبره حمل الخطايا،
بئس ما حملت، يا عاملًا لنفسه ناصبة الرزايا، بئس ما عملت، كم أسكرك ساقي التسويف
بكأس سوف، كم عوقك من دخول حمى التوبة؟! تجمع المال لغيرك
وأنت المسؤول، تزعم أنك به قاتلٌ وأنت المقتول، ينعَم غيرك وأنت المعذَّب، رب ساعٍ لقاعدٍ لا يتعب.
أخي الحبيب :
كم صلاة أضعتها؟ .. كم جمعة
تهاونت بها؟ .. كم صيام تركته؟ … كم زكاة بخلت بها؟ … كم حج فوته ؟ … كم معروف تكاسلت
عنه؟ … كم منكر سكت عليه؟ … كم نظرة محرمة أصبتها؟ … كم كلمة فاحشة تكلمت بها؟ … كم
أغضبت والديك ولم ترضهما؟ … كم قسوت على ضعيف ولم ترحمه؟ .. كم من الناس ظلمته؟ … كم
من الناس أخذت ماله؟ ..
وعن أبي هريرة رضي الله عنه
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا
درهم له ولا متاع؟ فقال: (إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي
قد شتم هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطي هذا من حسناته، وهذا من حسناته،
فإن فنيت حسناته قبل أن يقضي ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار)
([15])
إنا لنفرح بالأيام نقطـــعها *** وكل يوم مضى يدني من الأجـــــل
فاعمل لنفسك قبل الموت مجتهداً *** فإنما الربح والخسران في العمل
وصلى الله وسلم وبارك على
نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
ثانياً: ثمرات الخوف من الآخرة
1-المؤمن
لا يخاف الا من الله:
قال تعالى {إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ
يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَهُ فَلا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
[آل عمران:175]، فالخوف من الله ثمرة حتمية للإيمان.
2-يرسل
الله الآيات تخويفا: قال تعالى:﴿ وَآَتَيْنَا
ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالْآَيَاتِ إِلَّا
تَخْوِيفًا ﴾
3-الأمان
يوم القيامة:
ففي الحديث
القدسي يقول الله عز وجل: "وعزتي لا أجمع على عبدي خوفين ولا أجمع له أمنين إذا
أمنني في الدنيا أخفته يوم القيامة وإذا خافني في الدنيا أمنته يوم القيامة" ([16])
وعن أنس قال :
دخل النبي على شاب وهو في الموت فقال : " كيف تجدك ؟ " قال : أرجوالله يا
رسول الله وإني أخاف ذنوبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لا يجتمعان
في قلب عبد في مثل هذا الموطن إلا أعطاه الله ما يرجو وآمنه مما يخاف "([17])
4-يستظل
تحت عرش الله يوم القيامة:
عن أبي هريرة
: عن النبي صلى الله عليه و سلم قال ( سبعة يظلهم الله في ظله الإمام العادل وشاب نشأ
في عبادة ربه ورجل قلبه معلق في المساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه
ورجل طلبته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق اخفى حتى لا تعلم شماله
ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خاليا ففاضت عيناه ([18])
إذاً الخوف من
الله يؤدي إلى التمكين في الأرض والانتصار على الأعداء وأن يهلك الله عدوهم ويخزيهم
ويورث المؤمنين أرضهم وديارهم.
5-المغفرة
والأجر كبير:
قال تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ } [الملك:12]
وعن أبي سعيد:
عن النبي صلى الله عليه و سلم ( أنه ذكر رجلا فيمن سلف أو فيمن كان قبلكم قال - كلمة
يعني - أعطاه الله مالا وولدا فلما حضرت الوفاة قال لبنيه أي أب كنت لكم ؟ قالوا خير
أب قال فإنه لم يبتئر أو لم يبتئز عند الله خيرا وإن يقدر الله عليه يعذبه فانظروا
إذا مت فأحرقوني حتى إذا صرت فحما فاسحقوني أو قال فاسحكوني فإذا كان يوم ريح عاصف
فأذروني فيها فقال نبي الله صلى الله عليه و سلم فأخذ مواثيقهم على ذلك وربي ففعلوا
ثم أذروه في يوم عاصف فقال الله عز و جل كن فإذا هو رجل قائم قال الله أي عبدي ما حملك
على أن فعلت ما فعلت ؟ قال مخافتك أو فرق منك قال فما تلافاه أن رحمه عندها ) . وقال
مرة أخرى ( فما تلافاه غيرها ) . فحدثت به أبا عثمان فقال سمعت هذا من سلمان غير أنه
زاد فيه ( أذروني في البحر ) . أو كما حدث([19])
7-الفوز
بالجنة:
قال تعالى: { وَأُزْلِفَتِ
الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ
حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا
بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ
} [ق:31-35].
وقال
تعالى: ﴿ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ
وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ﴾ [النازعات].
وقال تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَام رَبّه جَنَّتَانِ ) الرحمن
46
وعن أبي هريرة قال : قال
رسول الله صلى الله عليه وسلم : " من خاف أدلج ومن أدلج بلغ المنزل . ألا أن سلعة
الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة " ([20])
أي الذي يخاف من
إغارة العدو وقت السحر يسير من أول الليل(أدلج) فبلغ المنزل والمأمن والمطلب، وهذا
مثل ضربه الرسول صلى الله عليه وسلم لسالك الآخرة فإن الشيطان على طريقه والنفس الأمارة
بالسوء والأماني الكاذبة وأعوان إبليس ، فإن تيقظ في مسيره وأخلص النية في عمله أمن
من الشيطان وكيده ومن قطع الطريق عليه، هذه سلعة الله التي من دخلها كان من الآمنين.
و عَنْ عُقْبَةَ
بْنِ عَامِرٍ ، قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
، يَقُولُ : " يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ
، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ وَيُصَلِّي ، فَيَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : انْظُرُوا
إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ ، يَخَافُ مِنِّي قَدْ غَفَرْتُ
لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ "([21])
.
8-من
صفات العلماء الصالحين: قال تعالى: (
إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ) فاطر 28.
9-الخوف
من مكر الله:
عن عَبْدَ اللَّهِ
بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه
وسلم- يَقُولُ « إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ
الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
-صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى
طَاعَتِكَ ».)([22]).
فالقلوب تتقلب،
فأنت الآن على حال وبعد لحظات ربما يتحول قلبك إلى حال آخر، فلا تأمن على الإطلاق كيف
يكون حال قلبك وأنت على فراش الموت، يقول الله: { أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا
يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ } [الأعراف:99]، فالخوف من
مكر الله مزق قلوب الصادقين، وقطع قلوب المؤمنين العارفين العالمين.
10-الخوف
من النار :
عن أبي هريرة عن
النبي صلى الله عليه وسلم قال ناركم هذه التي توقدون جزء واحد من سبعين جزءا من حر
جهنم قالوا والله إن كانت لكافية يا رسول الله قال فإنها فضلت بتسعة وستين جزءا كلهن
مثل حرها([23])
وعن النُّعْمَانَ
بْنَ بَشِيرٍ يَخْطُبُ وَهْوَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
يَقُولُ « إِنَّ أَهْوَنَ أَهْلِ النَّارِ عَذَابًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَرَجُلٌ تُوضَعُ
فِى أَخْمَصِ قَدَمَيْهِ جَمْرَتَانِ يَغْلِى مِنْهُمَا دِمَاغُهُ »([24]).
وعن أَبي هُرَيْرَةَ
عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-. فَذَكَرَ أَحَادِيثَ مِنْهَا وَقَالَ رَسُولُ
اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ فَقَالَتِ النَّارُ
أُوثِرْتُ بِالْمُتَكَبِّرِينَ وَالْمُتَجَبِّرِينَ. وَقَالَتِ الْجَنَّةُ فَمَا لِى
لاَ يَدْخُلُنِى إِلاَّ ضُعَفَاءُ النَّاسِ وَسَقَطُهُمْ وَغِرَّتُهُمْ قَالَ اللَّهُ
لِلْجَنَّةِ إِنَّمَا أَنْتِ رَحْمَتِى أَرْحَمُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى.
وَقَالَ لِلنَّارِ إِنَّمَا أَنْتِ عَذَابِى أُعَذِّبُ بِكِ مَنْ أَشَاءُ مِنْ عِبَادِى.
وَلِكُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْكُمَا مِلْؤُهَا فَأَمَّا النَّارُ فَلاَ تَمْتَلِئُ حَتَّى
يَضَعَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِجْلَهُ تَقُولُ قَطْ قَطْ قَطْ. فَهُنَالِكَ
تَمْتَلِئُ وَيُزْوَى بَعْضُهَا إِلَى بَعْضٍ وَلاَ يَظْلِمُ اللَّهُ مِنْ خَلْقِهِ
أَحَدًا وَأَمَّا الْجَنَّةُ فَإِنَّ اللَّهَ يُنْشِئُ لَهَا خَلْقًا »([25]).
رُوي عن عمر بن
الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: "لو نادى منادٍ من السماء: أيها الناس، إنكم
داخلون الجنة كلكم إلا رجلاً واحدًا، لخفت أن أكون أنا هو"([26])
فانظروا لهذا الخليفة
الراشد، وقد شهد له النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالجنة يقول أنه يخاف ألا يكون
من أهل الجنة، فماذا نقول نحن وقد قصرت بنا أعمالنا، وغلبت علينا الذنوب والمعاصي،
ونحن نأمل دخول الجنة مع التقصير في العمل ومحبة طول الأمل.
11-كيف لا
تخاف الله:
قال تعالى: ﴿ وَمَا
قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ
﴾.
12-عدم
الخوف من الله يؤدي إلى ضياع الحسنات:
فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله
عنه ، عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ : " لأَعْلَمَنَّ أَقْوَاماً
مِنْ أُمَّتِي يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِحَسَنَاتٍ أَمْثَالِ جِبَالِ تِهَامَةَ
بِيضاً ، فَيَجْعَلُهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَبَاءً مَنْثُوراً " ، قَالَ ثَوْبَانُ
: يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا ، جَلِّهِمْ لَنَا ، أَنْ لاَ نَكُونَ مِنْهُمْ
وَنَحْنُ لاَ نَعْلَمُ ، قَالَ : " أَمَا إِنَّهُمْ إِخْوَانُكُمْ وَمِنْ جِلْدَتِكُمْ
، وَيَأْخُذُونَ مِنَ اللَّيْلِ كَمَا تَأْخُذُونَ ، وَلَكِنَّهُمْ أَقْوَامٌ إِذَا
خَلَوْا بِمَحَارِمِ اللَّهِ انْتَهَكُوهَا "([27])
دع عنك ما قد فات في زمن الصبا واذكر ذنوبك وابكها يا مذنب
* لم ينسه الملكان حين نسيته بل أثبتاه وأنت لاه تلعب
والروح منك وديعة أودعتها ستردها بالرغم منك وتسلب * وغرور
دنياك التي تسعى لها دار حقيقتها متاع يذهب
الليل فاعلم والنهار
كلاهما أنفاسنا فيها تعد وتحسب
ثالثاً: نماذج الخوف من الله:
1-الملائكة:
قال الله عز وجل:
{ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ } [الرعد:13]
وقال تعالى: "وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ
مِنْ دَابَّةٍ وَالْمَلَائِكَةُ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخَافُونَ رَبَّهُمْ
مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" النحل .
وعن جابر رضي الله عنه قال : قال النبي
صلى الله عليه وسلم " مَرَرْتُ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِي بِالمَلإ الأَعْلَى وَجِبْريلُ
كَالحِلْسِ البَالِي مِنْ خَشْيَةِ الله عزَّ وَجَلَّ "([28])
2-النبي
صلى الله عليه وسلم:
عن ابن شهاب قال
أخبرني خارجة بن زيد بن ثابت : أن أم العلاء
امرأة من الأنصار بايعت النبي صلى الله عليه و سلم أخبرته أنه أقسم المهاجرون قرعة
فطار لنا عثمان بن مظعون فأنزلناه في أبياتنا فوجع وجعه الذي توفي فيه فلما توفي وغسل
وكفن في أثوابه دخل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت رحمة الله عليك يا أبا السائب
فشهادتي عليك لقد أكرمك الله . فقال النبي صلى الله عليه و سلم ( وما يدريك أن الله
أكرمه ) . فقلت بأبي أنت يا رسول الله فمن يكرمه الله ؟ فقال ( أما هو فقد جاءه اليقين
والله إني لأرجو له الخير والله ما أدري وأنا رسول الله ما يفعل بي ) . قالت فوالله
لا أزكي أحدا بعد أبدا([29])
3-أبو بكر الصديق رضي الله
عنه:
يقول : وددت أني شعرة في جنب عبد مؤمن وكان يمسك
بلسانه ويقول : هذا الذي أوردني الموارد ، وكان يبكي كثيرا ، ويقول : ابكوا ، فإن لم
تبكوا فتباكوا ، وكان إذا قام إلى الصلاة كأنه عود من خشية الله عز وجل ، وأتى بطائر
فقلبه ثم قال : ما صيد من صيد ، ولا قطعت شجرة من شجرة ، إلا بما ضيعت من التسبيح ،
فلما احتضر ، قال لعائشة : يا بنية ، إني أصبت من مال المسلمين هذه العباءة وهذه الحلاب
وهذا العبد ، فأسرعي به إلى ابن الخطاب ، وقال : والله لوددت أني كنت هذه الشجرة تؤكل
وتعضد ، وقال قتادة : بلغني أن أبا بكر قال : ليتني خضرة تأكلني الدواب ([30]).
4-عمر بن الخطاب:
قرأ سورة الطور إلى أن بلغ: إن عذاب ربك
لواقع [سورة الطور : 77 ] فبكى واشتد بكاؤه حتى مرض وعادوه، وقال لابنه وهو في الموت
: ويحك ضع خدي على الأرض عساه أن يرحمني ، ثم قال : ويل أمي ، إن لم يغفر لي ( ثلاثا
) ، ثم قضي، وكان يمر بالآية في ورده بالليل فتخيفه، فيبقى في البيت أياما يعاد، يحسبونه
مريضا، وكان في وجهه - رضي الله عنه - خطان أسودان من البكاء، وقال له ابن عباس، مصر
الله بك الأمصار، وفتح بك الفتوح ، وفعل ، فقال : وددت أني أنجو لا أجر ولا وزر ([31]).
وعن المسور بن مخرمة قال: لما طعن عمر جعل
يألم فقال له ابن عباس وكأنه يجزعه يا أمير المؤمنين ولئن كان ذاك لقد صحبت رسول الله
صلى الله عليه و سلم فأحسنت صحبته ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبت أبا بكر فأحسنت صحبته
ثم فارقته وهو عنك راض ثم صحبتهم فأحسنت صحبتهم ولئن فارقتهم لتفارقنهم وهم عنك راضون
قال أما ما ذكرت من صحبة رسول الله صلى الله عليه و سلم ورضاه فإنما ذاك من منِّ الله
تعالى منَّ به علي وأما ما ذكرت من صحبة أبي بكر ورضاه فإنما ذاك من منِّ الله جل ذكره
منَّ به علي وأما ما ترى من جزعي فهو من أجلك وأجل أصحابك والله لو أن لي طلاع الأرض
ذهبا لافتديت به من عذاب الله عز و جل قبل أن أراه قال حماد بن زيد حدثنا أيوب عن ابن أبي مليكة عن
ابن عباس دخلت على عمر بهذا ([32])
5-عثمان
بن عفان رضي الله عنه:
كان إذا وقف على
القبر يبكي حتى تبل لحيته ، وقال : لو أنني بين الجنة والنار لا أدري إلى أيتهما يؤمر
بي ، لاخترت أن أكون رمادا قبل أن أعلم إلى أيتهما أصير ([33]).
6-علي
بن أبي طالب رضي الله عنه:
كان يشتد خوفه
من اثنتين : طول الأمل ، واتباع الهوى ، قال : فأما طول الأمل فينسي الآخرة ، وأما
اتباع الهوى فيصد عن الحق ، ألا وإن الدنيا قد ولت مدبرة ، والآخرة مقبلة ، ولكل واحدة
بنون ، فكونوا من أبناء الآخرة ، ولا تكونوا من أبناء الدنيا ، فإن اليوم عمل ولا حساب
، وغدا حساب ولا عمل ([34]).
7-بعص صحابة
رسول الله صلى الله عليه وسلم
عن أبي ذر رضي
الله عنه قال قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم هل أتى على الإنسان حين من الدهر حتى
ختمها ثم قال إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط ما فيها موضع قدم إلا
ملك واضع جبهته ساجدا لله والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا وما
تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله والله لوددت أني شجرة
تعضد ([35])
يقول أنس : فغطى
أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وجوههم ولهم خنين ، أي: لهم بكاء بصوت خافت.
وكان عبد الله
بن عباس أسفل عينيه مثل الشراك البالي من الدموع .
وكان أبو ذر يقول
: يا ليتني كنت شجرة تعضد ، ووددت أني لم أخلق وعرضت عليه النفقة ، فقال : ما عندنا
عنز نحلبها وحمر ننقل عليها ، ومحرر يخدمنا ، وفضل عباءة ، وإني أخاف الحساب فيها
.
وقرأ تميم الداري
ليلة سورة الجاثية ، فلما أتى على هذه الآية أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم
كالذين آمنوا وعملوا الصالحات [ سورة الجاثية : 21 ] جعل يرددها ويبكي حتى أصبح .
وقال أبو عبيدة
عامر بن الجراح : وددت أني كبش فذبحني أهلي ، وأكلوا لحمي وحسوا مرقي . وهذا باب يطول
تتبعه ([36]).
وهذا أبو الدرداء
كان يقول: إن أشد ما أخاف على نفسي يوم القيامة أن يقال لي: يا أبا الدرداء، قد علمت
، فكيف عملت فيما علمت ؟ وكان يقول : لو تعلمون ما أنتم لاقون بعد الموت لما أكلتم
طعاما على شهوة ، ولا شربتم شرابا على شهوة ، ولا دخلتم بيتا تستظلون فيه ، ولخرجتم
إلى الصعدات تضربون صدوركم ، وتبكون على أنفسكم ، ولوددت أني شجرة تعضد ثم تؤكل([37]).
وقال ابن مسعود
: (اطلب قلبك في ثلاثة مواطن: في مجالس العلم، وعند سماع القرآن، وفي أوقات الخلوة،
فإن لم تجد قلبك في هذه المواطن فسل الله أن يمن عليك بقلب؛ فإنه لا قلب لك).
8-بعض
التابعين:
أ-عمر بن عبد العزيز تدخل عليه
امرأته فاطمة بنت عبد الملك فتراه قابضاً على لحيته يبكي، فتقول له: ما يبكيك يا أمير
المؤمنين؟! فيقول لها: يا فاطمة! لقد وليت من أمر هذه الأمة وفكرت في الفقير الجائع،
والمريض الضائع، واليتيم المكسور، والمضروب المقهور، والأرملة، والمسكين، وفي ذي العيال
الكثير، وفي غيرهم وأشباههم في أقطار البلاد وأطراف الأرض، وعلمت أن خصمي دونهم هو
محمد صلى الله عليه وسلم، فخشيت أن لا تثبت لي حجة بين يدي الله جل وعلا.
ب-سفيان الثوري
ينام على فراش الموت فيدخل عليه حماد بن سلمة فيقول له حماد : أبشر يا أبا عبد الله
! إنك مقبل على من كنت ترجوه وهو أرحم الراحمين، فقال له سفيان : أسألك بالله يا حماد
! أتظن أن مثلي ينجو من النار؟!
ج- الشافعي لما نام على فراش الموت دخل عليه المزني
فقال له المزني : كيف أصبحت يا إمام؟! فقال الشافعي : أصبحت من الدنيا راحلاً، وللإخوان
مفارقاً، ولكأس المنية شارباً، ولعملي ملاقياً، وعلى الله وارداً، فلا أدري أتصير روحي
إلى الجنة فأهنيها، أم إلى النار فأعزيها؟ ثم أنشد الشافعي قائلاً:
ولما قسا قلبي وضاقت
مذاهبي جعلت الرجا مني لعفوك سلما
تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما
د- مالك بن دينار يقوم الليل يبكي للعزيز الغفار، وهو قابض على لحيته ويقول: يا رب!
يا رب! لقد علمت ساكن الجنة من ساكن النار، ففي أي الدارين منزل مالك بن دينار ؟!
وصلِّ اللهم
وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم
إعداد:
الشيخ احمد أبو عيد
لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط
التالي
لتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط
التالي
ولتحميل الخطبة وخطب أخرى متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولقراءة
الخطبة مرتبة ومنسقة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولمشاهدة
الخطبة وخطب أخرى على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي
نسألكم الدعاء