احفظ الله يحفظك للشيخ السيد أبو أحمد




الحمد لله رب العالمين .. وعد عبادة الحافظين لحدوده بجنة عرضها السماوات والأرض فقال لهم: {هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ (32) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (33)} [ق].
                                                          
وأشهد أن لا إله إلله وحده لا شريك له ..أمر بحفظ الجوارح وبين أنها مسؤولية وأمانة فقال تعالي ({وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا(36)} [الإسراء].
                                                                                  
وأشهد أن سيدنا محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم .. إمام الحافظين وسيد الأولين والآخرين كان حريصا علي حفظ الله تعالي في كل حياته فكان دائما يدعوا بذلك فيقول «اللهم احفظني بالإسلام قائمًا، و اللهم احفظني بالإسلام قائمًا، واحفظني بالإسلام قاعدًا واحفظني بالإسلام راقدًا، ولا تُشمت بي عدوًا و لا حاسدًا»[ أخرجه الحاكم وحسنه الألباني في صحيح الجامع].    


فاللهم صل علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلي يوم الدين ..

أما بعـد .. فيا أيها المؤمنون ...


إن الله تعالي خلقنا لعبادته وأمرنا بحفظه في أوامره ونواهيه وأمرنا باتباع الحلال واجتناب الحرام ، وعلمنا نبينا صلي الله عليه وسلم ذلك فاسمع إلى وصيته صلى الله عليه وسلم لابن عباس فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فقال: ((يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله تعالى لك. وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف)) رواه الترمذي وقال: حسن صحيح.      


وفي رواية غير الترمذي: ((احفظ الله تجده أمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك في الشدة واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك وما أصابك لم يكن ليخطئك)). 


هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة وقواعد كلية من أهم أمور الدين، حتى قال بعض العلماء عنه: تدبرتُ هذا الحديث فأدهشني؛ وكدت أطيش. وقال بعضهم: إذا أردت أن توصي صاحبك أو أخاك أو أبنك فقل له: احفظ الله يحفظك. 


وقال سليمان بن داود عليهما السلام: تعلمنا مما تعلم الناس ومما لم يُتعلم الناس فما وجدنا كحفظ الله في السر والعلن. وكان الإمام ابن الجوزي يسميه: الحديث المُدهش. 


فتعالوا بنا نعيش مع هذه الوصية الجامعة من جوامع كلمه صلي الله عليه وسلم وذلك من خلال هذه العناصر الرئيسية ...

1ـ اهتمام النبي صلي الله عليه وسلم بالنشء . 


2ـ معني الحفظ .


3ـ  مظاهر حفظ العبد لله تعالي .
                                                            
4ـ مظاهر حفظ الله لعبده  .    


العنصر الأول : اهتمام النبي صلي الله عليه وسلم بالنشء :ـ                                                                                                 
 قَولَه -صلى الله عليه وسلم " يَا غُلاَمُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ " فهو بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم مُربي وأسوة وقدوة وإمام، بل ولخص للغلام المبارك ابن عباس العقيدة في تلك الكلمات المختصرة الموجودة في ذلك الحديث المُبارك. والاهتمام بالتربية والنصح والتوجيه سمة المؤمنين والصالحين أجمعين، انظروا إلي وصية يعقوب عليه السلام وهو علي فراش الموت كما قال تعالي حكاية عنه: [أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ: مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ] انظروا وهو علي فراش الموت يطمئن علي عقيدة أولاده من بعده التي لطالما علمّهُم إياها، فقَالُوا: [نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ] 


ثم انظروا إلي الخليل إبراهيم عليه السلام أيضاً كما قال الله تعالي: [وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ: يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ].                                                    


والصبي أمانة عند والديه، وقلبه الطاهر جوهرة نفيسة فإن عُوِّد الخير وعُلِّمه نشأ عليه، وسعد في الدنيا والآخرة. وإن عُوِّد الشر وأهمل إهمال البهائم شقي وهلَك وصيانته بأن يؤدبه أبوه ويهذبه ويعلمه محاسن الأخلاق، ويحفظه من قرناء السوء ومهما رأي فيه مخايل التمييز فإنه ينبغي أن يُحسن مراقبته

العنصر الثاني : معني الحفظ :ـ


الحفظ معناه أن تحفظ أمر الله وأن تتقه، فلا يراك حيث نهاك، وأن تحفظ حدود الله ومراسمه التي أوجبها عليك، فلا تُضيع منها شيئًا. 


 وحفظ الله هو تقواه حفظ أوامره ونواهيه أي بفعل الواجبات جميعا وترك المحرمات كلها وكن مطيعا لربك مؤتمراً بأوامره منتهياً عن نواهيه. 


إن العبد الصالح الذي يسعى إلى رضوان الله تعالى يقف عند حدوده حيثما كان، فهو لا يتقدم ولا يتأخر إلا بأمر من رب الأرض والسماء، فالحلال ما أحله الله ورضيه لنا، والحرام ما كرهه الله ويأباه لنا، وهذه هي العبودية الحقيقية التي تحكم سلوك الصالحين. 


 فمن صفاتهم الطيبة أنهم يقفون عند حدود الله ويحفظون أوامره ونواهيه ويعظمون حقوقه عليهم. 


وصفة الحفظ لحدود الله هي أعظم صفات الصادقين في عبادة ربهم، لذا تكرر لفظ الحفظ وما وافق معناه في كتاب الله تعالى كثيرًا، فمن مثل ذلك قول الكريم: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ} [المؤمنون: 9].  


وقال تعالي ﴿وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً﴾ [الأحزاب: 35].  


ويأمرنا عز وجل {وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ} [المائدة: 89]، ولا ريب أن حفظ اللسان والفرج والبطن والسمع والبصر، كل ذلك من عوامل النجاة {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36].


وقال صلي الله عليه وسلم" مَنْ ضَمِنَ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ضَمِنْتُ لَهُ عَلَى اللَّهِ الْجَنَّةَ " (البخاري) وبين أن هناك حدود فلا يجوز التعدي ولا القرب فقال تعالي ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا﴾ [البقرة: 229] 


وقال تعالي ﴿تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا﴾ [البقرة: 187]

 العنصر الثالث: مظاهر حفظ العبد لله تعالي :ـ

من الأشياء التي يجب حفظها؛ بل أعظم ما يجب حفظه:

1 - حفظ الله في أسمائه وصفاته:ـ


فأنت أيها العبد مطالب أن تحفظ الله في كل شيء، فيما توجه إليك من أوامره، وفيما توجه إليك من نواهيه، ومما
يجب له عليك أن تحفظه من أن تنسب إليه ما لا يليق بجلاله، فحفظ العبد لربه في ذات الله بأن يصف الله بما وصف به نفسه، ووصفه به رسوله -صلى الله عليه وسلم.


2 – حفظ الله في العبادات:ـ 

 المحافظة على الصلاة: اعلم أن الأمر بالمحافظة على الصلاة أمر بالمحافظة على جميع شرائطها، أعني طهارة البدن، والثوب، والمكان، والمحافظة على ستر العورة، واستقبال القبلة، والمحافظة على جميع أركان الصلاة، والمحافظة على الاحتراز عن جميع مبطلات الصلاة سواء كان ذلك من أعمال القلوب أو من أعمال اللسان، أو من أعمال الجوارح، وأهم الأمور في الصلاة، رعاية النية فإنها هي المقصود الأصلي من الصلاة.  


فإنها الفيصل بين الإسلام والكفر وأداؤها علامة الهداية وتركها علامة الغواية والضلالة فهي الصلة بين العبد وربه فإذا تركت انقطعت الصلة ولا يبالي الله في أي وادهلك تاركها .أمرنا الله بحفظها والمحافظة عليها ((حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى ))البقرة . (والذين هم على صلواتهم يحافظون ))المؤمنون. 


وقال صلى الله عليه وسلم : ((من حافظ عليهن كَن له نورا ونجاة يوم القيامة .  
أخي المسلم ستكون من الحافظين للصلاة بثلاث : أن تؤديها في وقتها – تكون في جماعة – تؤديها بخشوع وسكينة .قال تعالى: [حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ] (البقرة:238)
وَمَدَحَ الْمُحَافِظِينَ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ: [وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ] [المعارج: 34]

واعلم أن حفظ الصلاة للمصلي على ثلاثة أوجه:ـ


الأول: أن الصلاة تحفظه عن المعاصي، قال تعالى: [إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ] [العنكبوت: 45] فمن حفظ الصلاة حفظته الصلاة عن الفحشاء. 


والثاني: أن الصلاة تحفظه من البلايا والمحن، قال تعالى: [ واستعينوا بالصبر والصلاة ] [ البقرة: 153 ] وقال تعالى: [ وَقَالَ الله إِنّى مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصلاة وَءاتَيْتُمْ الزكواة ] [ المائدة: 12 ] ومعناه: إني معكم بالنصرة والحفظ إن كنتم أقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة. 

والثالث: أن الصلاة تحفظ صاحبها وتشفع لمصليها، قال تعالى: [ وَأَقِيمُواْ الصلاة وَءَاتُواْ الزكاة وَمَا تُقَدّمُواْ لأَنْفُسِكُم مّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ الله ] [ البقرة: 110 ] ولأن الصلاة فيها القراءة، والقرآن يشفع لقارئه، وهو شافع مشفع وفي الخبر: " إنه تجىء البقرة وآل عمران كأنهما عمامتان فيشهدان ويشفعان " . 


و احفظ الله في طهارتك فإن الوضوء أمانة والغسل أمانة .قال صلى الله عليه وسلم :(لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن )
فيا عبد الله كن متطهرا طاهرا يحفظك الله من شياطين الأنس والجن .


ولا تنس أن تذكر الصحابي الجليل بلال بن رباح حين قال النبي صلى الله عليه وسلم له يا بلال إني أسمع دف نعليك في الجنة فما ارجى عمل عملته في الإسلام قال يا رسول الله ما أحدثت في ساعة من نهار إلا توضأت وما توضأت إلا صليت بذاك الوضوء ركعتين .


3 - حفظ الله في اللسان:  


فإنه صغير الحجم عظيم الجرم وقد أوكل الله بك من يسجل كل كلمة . قال تعالى ((ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ))ق  
فاللسان من نعم الله العظيمة، ولطائف صنعه الغريبة، فهو صغير الحجم عظيم الطاعة والجرم، له في الخير مجال رحب، وله في الشر ذيل سحب، ولقد تساهل كثيراً من الناس في حفظ ألسنتهم فأطلقوا لها العنان، وتساهلوا في الاحتراز من آفاته وغوائله، والحذر من مصائده وحباله، فإن لهذا اللسان آفات عظيمة انتشرت بين جميع فئات المجتمع.                                    
فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا أصبح ابن آدم فإن الأعضاء كلها تكفر اللسان فتقول اتق الله فينا فإنما نحن بك، فإن استقمت استقمنا، وإن اعوججت اعوججنا».                                                 
فيا عبد الله لا تتكلم بالغيبه والنميمة والسخرية والإستهزاء ولا تطعن في مسلم ولا تلعن مؤمن فالمؤمن ليس بالطعان ولا باللعان ولا بالفاحش البذيء .  
واحفظ لسانك عن الخوض في أعراض الناس ورد عن النبي عليه الصلاة والسلام قال(قذف محصنة يهدم عمل مئة سنة) [الفردوس بمأثور الخطاب عن أبي هريرة]. 


والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده .  وهل يكب الناس في النار على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم .
فما تلفظ يا عبد الله من قول، ولا تعمل من عمل، إلا كتب لك أو عليك، في كتابٍ لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، قال تعالى: ﴿ وَوُضِعَ الْكِتَابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا فِيهِ وَيَقُولُونَ يَا وَيْلَتَنَا مَالِ هَذَا الْكِتَابِ لَا يُغَادِرُ صَغِيرَةً وَلَا كَبِيرَةً إِلَّا أَحْصَاهَا وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].


5ـ حفظ الله في الأيمانُ:ـ


إحفظ الله في أيمانك فلا تكثر الحلف وعظَم الله : قال الشافعي ما حلفت بالله صادقا ولا كاذبا تعظيما لله عز وجل . 


إحفظ الله في أيمانك فلا تحلف بغير الله لا تحلف بالأمانة فقد قال صلى الله عليه وسلم( من حلف بالأمانة فليس منا ).
ولا تحلف بالطلاق قال صلى الله عليه وسلم :( من كان حالفا فليحلف بالله أوليصمت)


قال الله تعالى: [وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)] [المائدة: 89]


فلا تحلف إلا لأمر ذي بال، وقد استحلفت، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:(الْيَمِينُ الْكَاذِبَةُ مَنْفَقَةٌ لِلسِّلْعَةِ، مَمْحَقَةٌ لِلْكَسْبِ والْبَرَكَةَ)) [ البخاري، مسلم، النسائي، أبو داود، أحمد ] 
فاليمين الكاذبة تدع الديار بلاقع:


6 - حفظُ الله في الرأس والبطن والجوارج:ـ


فعن ابن مسعود (الاستحياءُ من الله حَقَّ الحياء أنْ تَحْفَظَ الرأس وما وَعَى، وتحفظ البطنَ وما حوى)                                        
وحفظ الرأس وما وعى يدخل فيه حفظُ السَّمع والبصر وجميع الجوارح من المحرمات، وحفظُ البطن وما حوى يتضمن حفظ القلب عَنِ الإصرار على محرم. قال الله  عز وجل [وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ] البقرة: 235.
وقد جمع الله ذلك كُلَّه في قوله: [إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً]الإسراء: 36. 


فاحفظ الله في بصرك فلا تقلب البصر فيما حرم الله ولا تتبع به عورة مسلم فإنه من تتبع عورة مسلم تتبع الله عورته ومن تتبع الله عورته فضحه ولو في عقر داره .           


إحفظ الله في بصرك فلا تنظر إلى امرأة لا تحل لك من أولئك النساء المتبرجات اللائي نزعن من الحياء وكشفن الغطاء وعرين أجسادهن وأصبحن مطمعا لكل فاجر مبتذلات لكل ناظر فهن كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها 


فيا عبد الله لا تتبع النضرة النظرة فإن الأولى لك والثانية عليك . 
قال تعالي ((قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ )) النور30 . 
واحفظ الله في سمعك فلا تسمع به ما حرم الله . نزه سمعك عن كل ساقط من القول وقبيح من الحديث فإنه عارية مستردة ونعمة مستوفاه وأنت مسؤل عنها يوم القيامة  .                                  
واحفظ الله في فرجك فلا تقضي وطرك في فرج لا يحل لك قال تعالي (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً ) الإسراء32.   


عبد الله كن من الحافظين لفروجهم (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ))المؤمنون5 


واحفظ الله في عقلك ،فلا تغطه بالمسكرات ولا تحجبه بالمخدارت ولا تتلفه بالخمور قال تعالى(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ))المائدة90.  


وقال صلى الله عليه وسلم : ((لا تشرب الخمر فإنها مفتاح كل شر )) 
قال صلى الله عليه وسلم ((من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة إلا أن يتوب ))وشارب الخمر إن لم يتب يسقى من ردغة الخبال وهي عصارة أهل النار. 


ويتضمن أيضاً حفظُ البطنِ من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب، ولاتغذيه إلا بطريق الحلال والله تعالى طيب لا يقبل إلا طيبا وأمرنا أن نأكل من الطيبات . 


إحفظ الله في بطنك فلا تأكل مال اليتم ،ولا تأكل أموال الناس بالباطل ،ولا تأخذ مالك عن طريق الرشوة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (( لعن الله الراشي والمرتشي والرائش بينهما)) ومالك ستسأل عنه يوم القيامة من أين اكتسبته وفيما أنفقته .

العنصر الرابع : مظاهر حفظ الله لعبده :ـ


يقول صلى الله عليه وسلم ( احفظ الله يحفظك) يحفظك جواب فعل الأمر يعني: أنَّ من حفظَ حدود الله، وراعى حقوقَه، حفظه الله، فإنَّ الجزاء من جنس العمل.


وحفظ الله لعبده يدخل فيه نوعان:


أحدهما: حفظه له في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، قال الله عز وجل [لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللهِ] الرعد: 11. 
قال ابن عباس: هم الملائكة يحفظونَهُ بأمرِ الله، فإذا جاء القدر خَلُّوْا عنه .  


والحافظون لحدود الله يتمتعون بثمرة عملهم في الدنيا والآخرة، أما في الدنيا فالمنعم سبحانه وتعالى يحفظ عليهم نعمه من عافية البدن، وبركة في الولد، وسداد في الحواس، وغير ذلك، فاسمع في سورة النساء إلى حديث القرآن الكريم عن الأيتام وضرورة أن يتكفلهم المجتمع وأن يحافظ عليهم، ثم يذكر كل أب يخاف على أولاده من بعده بأن يتقي الله، ويحفظ حدود الله كي يحفظ الله له أولاده وذريته فقال تعالي{وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [النساء: 9]. 


ويحدثنا القرآن الكريم في سورة الكهف عن الجدار الذي وقف حارسًا يحمي أموال طفلين صغيرين يتيمين، وينتظر أن يكبرا ويستخرجا كنزهما، حتى الجدار، حتى الجدار لما أوشك على السقوط، جنَّد الله نبيه موسى عليه السلام والعبد الصالح أن يأتيا من أقصى الأرض ليعيدا لهذا الجدار حيويته كي يقوم بدوره الذي كفله الله به، والقرآن يحكي لنا هذا الدور فيقول تعالي: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ} [الكهف: 82]، 


 روي أنه دخل "مقاتل بن سليمان" رحمه الله ، على "المنصور" رحمه الله ، يوم بُويعَ بالخلافة، فقال له "المنصور" عِظني يا "مقاتل" !  فقال : أعظُك بما رأيت أم بما سمعت؟ قال : بل بما رأيت. قال : يا أمير المؤمنين ! 
إن عمر بن عبد العزيز أنجب أحد عشر ولدا وترك ثمانية عشر دينارا ، كُفّنَ بخمسة دنانير ، واشتُريَ له قبر بأربعة دنانير وَوزّع الباقي على أبنائه.                               


وهشام بن عبد الملك أنجب أحد عشر ولدا ، وكان نصيب كلّ ولد من التركة الف الف دينار.(اي مليون) 


والله. يا أمير المؤمنين : لقد رأيت في يوم واحد أحد أبناء عمر بن عبد العزيز يتصدق بمائة فرس للجهاد في سبيل الله ،وأحد أبناء هشام يتسول في الأسواق.


وقد سأل الناس عمر بن عبدالعزيز وهو على فراش الموت : ماذا تركت لأبنائك يا عمر ؟ 
قال : تركت لهم تقوى الله ، فإن كانوا صالحين فالله تعالى يتولى الصالحين ، وإن كانوا غير ذلك فلن أترك لهم ما يعينهم على معصية الله تعالى . 


فتأمل... كثير من الناس يسعى ويكد ويتعب ليؤمن مستقبل أولاده ظنا منه أن وجود المال في أيديهم بعد موته أمان لهم، وغفل عن الأمان العظيم الذي ذكره الله في كتابه: (وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا).                                      


فصلاح الآباء أنزل الرحمات على أولادهم، لذا قال سعيد بن المسيب رحمه الله لابنه: لأزيدن في صلاتي من أجلك رجاء أن أحفظ فيك.                                       
وقالوا: إن الله ليحفظ بالرجل الصالح ولده وولد ولده. وقال عمرُ بن عبد العزيز: ما من مؤمن يموتُ إلاَّ حفظه الله في عقبه وعقبِ عقبه.


وقال ابن المنكدرِ: إنَّ الله ليحفظُ بالرجل الصالح ولدَه وولدَ ولده والدويرات التي حوله فما يزالونَ في حفظ من الله وستر. وكذلك يحفظ الله له صحته وعافيته : 
كان من دعاء الرسول صلى الله عليه وسلم: «اللهم إني أسألك العافية في الدنيا والآخرة، اللهم إني أسألك العفو والعافية في ديني ودنياي وأهلي ومالي، اللهم استر عوراتي، وآمن روعاتي، واحفظني من بين يدي ومن خلفي، وعن يميني، وعن شمالي، ومن فوقي، وأعوذ بعظمتك أن أغتال من تحتي».

ومَنْ حفظ الله في صباه وقوَّته، حفظه الله في حال كبَره وضعفِ قوّته، ومتَّعه بسمعه وبصره وحولِه وقوَّته وعقله. 
كان بعض العلماء قد جاوز المئة سنة وهو ممتَّعٌ بقوَّتِه وعقله، فوثب يوماً وثبةً شديدةً، فعُوتِبَ في ذلك، فقال: هذه جوارحُ حفظناها عَنِ المعاصي في الصِّغر، فحفظها الله علينا في الكبر. 


وعكس هذا أنَّ بعض السَّلف رأى شيخاً يسأل الناسَ، فقال: إنَّ هذا ضيَّع الله في صغره، فضيَّعه الله في كبره. 


ومتى كان العبد مشتغلاً بطاعة الله، فإنَّ الله يحفظه في تلك الحال فمن حفظ الله حَفِظَهُ الله من كُلِّ أذى وافوز بمعيته تعالي في كل الأحوال . فقال صلى الله عليه وسلم (احفظ الله تجده تجاهك)، وفي رواية: ((أمامك)) 


المعنى: تجده حيث ما توجهت. أي إنَّ مَنْ حَفِظَ حُدودَ الله، وراعى حقوقه، وجد الله معه في كُلِّ أحواله حيث توجَّه يَحُوطُهُ وينصرهُ ويحفَظه ويوفِّقُه ويُسدده قال تعالى [إِنَّ اللهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ] النحل: 128.                                      
قال قتادة: من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه، فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل.  


فالعبد الحافظ لحدود الله تعالى يحظى بعون الله ومساعدته ومناصرته له في كل مكان، فمن المعلوم أن لله مع خلقه معية عامة ومعية خاصة ..


أما المعية العامة فتتجلى في رؤيته تعالى لعباده حيثما كانوا، قال سبحانه: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7]..


وكذلك قوله تعالى: {يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ} [النساء: 108]. 
فهذه المعية تقتضي علمَه واطِّلاعه ومراقبته لأعمالهم، فهي مقتضيةٌ لتخويف العباد منه.


وأما المعية الخاصة وهي معية النصر والتأييد التي وعدها الله الحافظين لحدوده، فتراه في رد ربنا عز وجل على مخاوف نبيه موسى – عليه السلام – من بطش فرعون {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]، لذا لما فر من فرعون وجنوده {قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ } [الشعراء: 61]ذلك لأن البحر أمامهم وفرعون وجنوده من خلفهم، فرد عليهم العبد الواثق من معية الله له {كَلَّا.. إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء: 62]..


ولقد رأينا هذه المعية تسيطر على نبينا صلى الله عليه وسلم وهو في الغار ليلة الهجرة، فيرد على صاحبه الجليل الذي يخاف على الدعوة وإمامها فيقول: والله يا رسول الله لو نظر أحدهم موضع قدمه لرآنا.. فيقول صلى الله عليه وسلم: «ما ظنك باثنين الله ثالثهما»
ويخلد الله هذه العبارة في كتابه الكريم فيقول: {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40].


فمن حفظ الله، وراعى حقوقه، وجده أمامَه وتُجاهه على كُلِّ حالٍ، فاستأنس به، واستغنى به عن خلقه..


 النوع الثاني من الحفظ، وهو أشرف النوعين: لأنه سبيل الهلاك يوم الفزع الأكبر، لذا تكفل ربنا تبارك وتعالى أن يختم بالباقيات الصالحات أعمال الحافظين لحدوده، فمن مات على التوحيد، وكان آخر كلامه: لا إله إلا الله دخل الجنة، قد جاءت أحاديث كثيرة تبشر بذلك، ومن المعلوم من خلال استقراء نصوص الكتاب والسنة أن من عاش على شيء مات عليه، ومن مات على شيء بُعث عليه.. 


ومن عاش على التوحيد، لن يعرف عند الاحتضار إلا كلمة التوحيد بإذن الله وهذا تفسير قول الله تعالى: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ} [إبراهيم: 27]. 


حفظُ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المُضِلَّة، ومن الشهوات المحرَّمة، ويحفظ عليه دينَه عندَموته، فيتوفَّاه على الإيمان. 


وعن البراء بن عازب أن النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-: أمره أنْ يقولَ عندَ منامه: إنْ قبضتَ نفسي فارحمها، وإنْ أرسلتَها فاحفظها بما تحفظُ به عبادَك الصالحين. 


 وفي الجملة، فالله عز وجل يحفظُ على المؤمن الحافظ لحدود دينَه، ويحولُ بينَه وبين ما يُفسد عليه دينَه بأنواعٍ مِنَ الحفظ، وقد لا يشعرُ العبدُ ببعضها، وقد يكونُ كارهاً له، كما قال في حقِّ يوسُف-عليه السلام [كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا لْمُخْلَصِينَ]يوسف: 24. 


وثبت في السنة كذلك أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا أراد أن يودع صاحبه قال له: «استودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك».
                                     
ويعلق على ذلك بقوله الكريم صلي الله عليه وسلم : «إن الله إذا استودِع شيئًا حفظه». 


ويشرح الصحابي الجليل عبد الله بن عباس قوله تعالى: {أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ} [الأنفال: 24]، 


فقال: يحول بين المؤمن وبين المعصية التي تجره إلى النار.                                                                


ويذكر الحسن البصري أهل المعاصي يومًا فيقول: هانوا على الله فعصوه، ولو عزوا عليه لعصمهم. 


وأخيرا يا عبد الله :ـ 
                                               
احفظ الله بطاعته يحفظك من معصيته .


احفظ الله بأكل الحلال يحفظك من الحرام.


احفظ الله بصحبة الصالحين يحفظك من الطالحين.
                                               
احفظ الله يحفظك في العاجلة والآجلة .


احفظ الله يحفظك من كل شبهه وشهوه .


من حفظ الله في صباه حفظه الله عند ضعفه وقوته.

من حفظ الرأس وما وعى والبطن وما حوى حفظه الله .


من حفظ ما بين فكيه وفخذيه حفظه الله . 


إحفظ الله يحفظك فالله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.


أسأل الله أن يجعلني وإياكم من الحافظين المحفوظين بحفظ الله ورعايته .


تحميل word


تحميل pdf




التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات