معية الله (عز وجل) وأثرها في تحقيق الأمن النفسي والسلام الإنساني للشيخ ابراهيم مراسي بركات
وأثرها في تحقيق الأمن النفسي والسلام الإنساني :إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
معية الله لخلقه وأنواعها
أما بعد:
فإن ربنا سبحانه وتعالى معنا بعلمه أينما كنا قال تعالى: يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاء وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌسورة الحديد:4 رقيب علينا، شهيد على أعمالنا أينما كنا في بر، أو بحر، أو جو، أو ليل، أو نهار، أو حضر، أو سفر، أو بيت، أو قفر، يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهرَكُمْسورة الأنعام:3، يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُسورة غافر:19 سَوَاء مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِسورة الرعد:10 هذه معية الله العامة.
أما معيته الخاصة فهو مع المؤمنين بنصره وتأييده كما قال لموسى وهارون: إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَىسورة طه:46، وهو مع المتقين، ومع المحسنين، ومع الصابرين، فمن يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، قال بعض السلف لأخيه: "إن كان الله معك فمن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو؟"، وهذه هي المعية التي يدافع الله بها عن المؤمنين، وهي المعية التي كان الله بها مع نبيه صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه في الغار: ((يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما)) ، لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَسورة التوبة:40، وهي معية النصرة والتأييد، مؤنسة مطمئنة، مذهبة للخوف، والوجل، والرعب.
متى يكون الله معنا؟
لكن متى يكون الله معنا؟
إذا أطعناه، وتركنا معصيته، وأقبلنا عليه، وناشدناه، واستغثنا به، وتوكلنا عليه: ((ولن يضيعني الله أبداً)) ، والنبي صلى الله عليه وسلم كان مع ربه فكان الله معه، وكذلك قال موسى:إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِسورة الشعراء:62.
أمثلة لمعية الله لأوليائه
وهذه المعية لها أمثلة كثيرة، ومن ذلك ما يراه المطالع لأسباب نزول آيات القرآن:
- فإنه لما اتهم المنافقون عائشة رضي الله عنها البريئة الطاهرة قالت: "فبت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، وقد بكيت ليلتين ويوماً حتى أظن أن البكاء فالق كبدي، والنبي صلى الله عليه وسلم يمكث شهراً لا يوحى إليه ويقول: ((فإن كنت بريئة فسيبرئك الله)) وهكذا تستعين بقول الله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَسورة يوسف:18لكن ما كان الله ليترك الصديقة على ما هي عليه من الحزن والكآبة؛ لأن معيته لهذه المؤمنة تقتضي أن ينصرها ولو بعد حين، فأنزل الله تعالى قوله: إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌسورة النور:11، فرفعها الله بهذه الآيات التي تتلى إلى قيام الساعة، شاهدة على براءة الصديقة بنت الصديق، وأن الله كان معها
حصان رزان ما تُزن بريبة *** وتصبح غرثى من لحوم الغوافل
حليلة خير الناس ديناً ومنصباً *** نبي الهدى والمكرمات الفواضل
مهذبة قد طيَّب الله خيمها *** وطهَّرها من كل سوء وباطل
- وقد كان الله مع الصبي زيد بن أرقم حين سمع عبد الله بن أبي يقول: "لئن رجعنا المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل"، وبلغ الكلمة للنبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن مثل هذه الكلمة الخطيرة لا بد أن تُنقل، لكن لم يكن معه من يشهد له، وظن قومه أنه غفل ونقل ما لم يحصل؛ فلم يصدقوه، فخفق برأسه من الهم ما ذكره بقوله: "فأصابني همٌّ لم يصبني مثله قط" فأنزل الله عز وجل: هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنفِقُوا عَلَى مَنْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِسورة المنافقون:7 إلى قوله: يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَسورة المنافقون:8، فأرسل إليَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقرأها عليَّ ثم قال: ((إن الله قد صدقك يا زيد)) ، فكان الله مع الصبي الذي كان حريصاً على مصلحة أهل الإسلام.
- وهذا الصحابي هلال بن أمية رضي الله عنه الذي رجع من أرضه عشاءً، وكان يعمل في الزرع فوجد عند امرأته رجلاً أجنبياً، كارثة كبيرة، ومصيبة عظيمة، فرأى بعينيه، وسمع بأذنيه، وكان قد نزل قوله: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَسورة النور:4، فلو تكلم الآن تكلم بأمر عظيم سيجلد عليه، ولو سكت سيسكت على غيظ وحنق وشدة، فذهب وتكلم، وكره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك واشتد عليه، واجتمعت الأنصار وقالوا: الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية، فقال هلال: والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجاً، والله يعلم إني لصادق، ووالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه حد القذف؛ لأنه اتهم المرأة وليس عنده بينة، وهو صادق عند نفسه؛ فجاء المخرج من الله؛ لأن الله مع الصادقين، وأنزل الله:
وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُن لَّهُمْ شُهَدَاء إِلَّا أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَسورة النور:6 الآيات، فجاء المخرج، وصارت هذه القضية، وعرف حكم الملاعنة، ولم يكن الله سبحانه وتعالى ليتخلى عن أوليائه الصادقين في الأزمات الشداد.
- ومن ذلك المرأة الضعيفة خولة بنت ثعلبة التي نطق زوجها بالظهار، وصارت معلقة لا زوجة، ولا مطلقة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الرجل إذا قال لامرأته: أنت عليَّ كظهر أمي حرمت عليه، فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس بن الصامت فأتت امرأته خولة بنت ثعلبة رسول الله صلى الله عليه وسلم تشتكي وتقول: يا رسول الله أكل شبابي، ونثرت له بطني، حتى إذا كبر سني، وانقطع ولدي، ظاهر مني، اللهم إني أشكو إليك، فما برحت حتى نزل الفرج من السماء من السميع البصير، وجاء قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌسورة المجادلة:1 إلى قوله: وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍسورة المجادلة:3 الآيات، قالت عائشة: تبارك الذي وسع سمعه الأصوات، لقد جاءت خولة بنت ثعلبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت تشكو زوجها فكان يخفى عليَّ بعض كلامها، فما برحت حتى أنزل الله هذه الآيات.
فالله مع المؤمنين لا يتخلى عنهم، وهذه المرأة في الأزمة النفسية، والحالة الصعبة تشكو إلى الله: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌسورة المجادلة:7.
- وهذا الصحابي الجليل ابن أم مكتوم، الذي كان ضريراً، ابتلاه الله بفقد البصر لما نزل قول الله تعالى: لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَوَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِسورة النساء:95 فجاء ابن أم مكتوم الأعمى، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يمليها على زيد بن ثابت وهو من كتبة الوحي، وسمع الآية، فقال: يا رسول الله فما تأمرني فإني رجل ضرير البصر، ولو أستطيع الجهاد لجاهدت، وفي رواية: إني أحب الجهاد في سبيل الله، لكن بي من الزمانة - أي: المرض المزمن والعاهة المستديمة - ما ترى، ذهب بصري، فنزلت كلمتان: (غير أولي الضرر) وأضيفت في الآية، فأصبحت:لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِسورة النساء:95.
- ولما اشتدت المحنة على كعب بن مالك، وقوطع خمسين يوماً، وتركته زوجته بأمر النبي صلى الله عليه وسلم حين تخلف عن الجهاد دون عذر، لكن الله مع المؤمنين، وهذا الرجل كان صادقاً، واعترف، وصارت العقوبة بهذه المقاطعة الشديدة الوقع على نفسه، لم يكن الله عز وجل ليتخلى عن هذا الرجل وصاحبيه:وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أي: اعتقدواأَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُسورة التوبة:118، نزل الفرج،وقال النبي عليه الصلاة والسلام لكعب: ((أبشر بخير يوم مرَّ عليك منذ ولدتك أمك)) .
فوائد المعية العامة والخاصة
عباد الله:
إن المعية العامة تجعلنا نخاف فلا نعصي، وبها يكشف الله أستار المنافقين،وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ سورة النساء:10
اللهم إنا نسألك أن تجعلنا من الآمنين، وأن تغفر لنا ذنوبنا أجمعين، وأن تكون معنا لا علينا يا رب العالمين، انصرنا ولا تنصر علينا، وأعنا ولا تعن علينا، وكن معنا ولا تكن علينا.
الخطبة الثانيه الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
في سورة التوبة يخبرنا فيها ربنا عز وجل بقول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحبه أبي بكر الصديق وهما في الغار خلال رحلة الهجرة المباركة: {لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا}(التوبة:40)؛ حين قيلت في أحلك الظروف، وأشد المواقف.
لقد مكث النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر في غار ثور ثلاثة أيام، وخلالها كان قد وصل بعض الطامعين في الجائزة المعدة لمن أمسك بهما حينما كان كفار قريش يتبعونهما ويترصدون لهما، وقد أعدوا جائزة مقدارها مائة من الإبل لمن يأتي بخبرهما أو رأسهما، وأدرك أبو بكر رضي الله عنه بالخطر المحدق به؛ ولنَدَعْ أبا بكر الصديق رضي الله عنه يكمل لنا تلك القصة فليس الخبر كالمعاينة: فعَنْ أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَنَا فِي الْغَارِ: لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمَيْهِ لَأَبْصَرَنَا، فَقَالَ: ((مَا ظَنُّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ بِاثْنَيْنِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا)) رواه البخاري (3380) ومسلم (4389).
ومعنى قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ مَعَنَا} أي ناصرنا ومؤيدنا، ومعيننا وحافظنا، وهذه ما يطلق عليها العلماء: المعية الخاصة، التي تقتضي النصر والتأييد، والحفظ والإعانة، وهذه النصرة والمعية للعبد تكون بحسب قربه من الله، فمن كان لله أكثر تقوى وعبادة كانت معية الله أقرب منه، لذا فقد أدركت معية الله الخاصة إبراهيم الخليل عليه السلام حين ألقي في النار، وأدركت محمداً صلى الله عليه وسلم حين كان مختبئاً في الغار، وأدركت يونس عليه السلام حين كان في ظلمات ثلاث: ظلمة الليل، وظلمة بطن الحوت، وظلمة البحر.
وهذه المعية هي مصداق قوله تعالى: {إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}(غافر:51) وكما نصر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، وأيَّده وأعانه، فكذلك ينصر ويؤيد ويعين كل متبع للنبي صلى الله عليه وسلم، فهو سبحانه مع الصابرين، والمحسنين، والصادقين، والمتقين، ومع كل مؤمن بالله، مخلص له في عبادته، متبع لرسوله عليه الصلاة والسلام قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ}(النحل:6)، وقال تعالى: {وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}(البقرة:194).
وعندما يكون المؤمن قوياً بإيمانه، واثقاً من موعود الله ونصره وتأييده؛ يستشعر أن معية الله معه؛ فهذا نبي الله موسى عليه السلام حينما تقابل أتباعه مع جند فرعون وقال أصحابه: {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ}(الشعراء:61)؛ رد عليهم موسى عليه السلام مستشعراً تلك المعية: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}(الشعراء:62).
ولما أمر الله موسى وهارون عليهما السلام بالذهاب إلى فرعون لدعوته طمأنهما فقال: {لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}(طه:46) يقول قتادة رحمه الله تعالى: "من يتق الله يكن معه، ومن يكن الله معه فمعه الفئة التي لا تُغلب، والحارس الذي لا ينام، والهادي الذي لا يضل، وكتب بعض السلف إلى أخ له: أما بعد فإن كان الله معك فمن تخاف، وإن كان عليك فمن ترجو"
كيف تكون مع الله:
الإيمان بالله:
يعد الإيمان بالله جل وعلا مفتاح كلّ خير، ومغلاق كل شر، وهو الطريق المؤدي إلى الله، ويتطلب الالتزام بالفرائض كأداء الصلوات الخمس في مواعيدها، والحفاظ على ورد يومي من القرآن مهما طال أو قصر، وصوم رمضان، وإيتاء الزكاة، وبر الوالدين، وصلة الرحم، والاقتداء بسنة الرسول وصحابته والتابعين، ومما يعين على ذلك الصحبة الصالحة.
- قيام الليل:
قيام الليل يعني قضاء الليل أو جزء منه في طاعة الله، وتكمن لذته في أنّ الناس نيام، والعمل خالص لله جل وعلا بعيد عن المراءاة المباهاة، وهذا يوجد في النفش خشوعاً وراحةً واطمئناناً.
الذكر:
على المسلم أن يكثر من ذكر الله جل وعلا على سبيل العادة التي سرعان ما تتحول إلى عبادة، فهو من أعظم العبادات وأرفعها في الدرجات، به يتجدد الإيمان ويزداد، ويجلو القلب وبصفى، والذكر يكون بالحمد، والتسبيح، والتهليل، والاستغفار، وقراءة أذكار الصباح والمساء، بالاضافة إلى ذكر الله في جميع أمور الحياة العادية فإذا أهمّ امرىء على فعل أمر ما يقول: إن شاء الله، وبإذن الله، وإذا أصابته مصيبة يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإذا أصابه خير يحمد الله ويشكره، حيث قال جل وعلا في الحديث القدسي: (أَنَا مَعَ عَبْدِي إِذَا هُوَ ذَكَرَنِي وَتَحَرَّكَتْ بِي شَفَتَاهُ) [صحيح]، وقال تعالى في القرآن الكريم: (فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ) [البقرة: 152].
الدعاء:
يعتبر الدعاء همزة وصل لا تنقطع بين العبد وربه، فهو متاح في جميع الأوقات ولا يشترط لصحته وقبوله الطهارة، أو استقبال القبلة، أو الكلام الفصيح الموزون، بل للعبد أن يرفع يديه أنى شاء ويطلب الفرج والرزق والتوفيق وكل ما يتمنى، والله عنده سر الاجابة فإما أن يحقق له مراده كما هو، أو يصرف عنه بلاءً ما، أو يدخره له يوم القيامة، وقد حث الله عباده على دعائه فقال في كتابه العزيز: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ۚ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) [غافر: 60]، ومن لم يسأل الله فإنّه يغضب عليه لأنه استغنى، والمسلم يستغني عن كل شيء لا خالقه لأنه هو الغني وهو المغني.
نشر الدعوة الاسلامية:
يعتبر نشر الدعوة الاسلامية فرضاً على كل مسلم كلٌ من منطلق عمله ووظيفته، وذلك بأخلاقه الحميدة، ومعاملته السمحة، وكرمه، فما إن يرى الناس كمال هذا الانسان فيرغبون في التعرف إليه وإلى الأسباب التي تدفعه إلى ذلك، وهكذا يكون قد أدى الأمانة، قال تعالى: ( قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].