فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ للشيخ أحمد أبو عيد














الحمد لله رب العالمين أحمده حمد من رأى آيات قدرته وقوته، وشاهد الشواهد من فردانيته ووحدانيته، وطرق طوارق سره وبره، وقطف ثمار معرفته من شجر مجده وجوده.
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير، سبحان من خلق الأشياء وقدرها ومن يجود على العاصي ويستره، يخفي القبيح ويبدي كل صالحة ويغمر العبد إحسانـا ويشكره، ويغفر الذنب للعاصي ويقبلـه إذا أنـاب وبالغفران يجبـره، ومن يلوذ به في دفع نـائبة يعطيه من فضله عزا وينصره.
وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيبه كاشف الظلم ورافع التهم وموضح الطريق للأمم، المخصوص بجوامع الكلم والمبعوث إلى جميع العرب والعجم.
ليس لدي من شفيع إلا النبي المصطفى
**
ومن لدنك اصطفيته دون الأنـام حبيب

صلى عليه وسلم رب السماوات العلا

**
ما ســار سائـر إليه بـنـاقة ونجـيب

وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
العناصر
أولًا: استسلام الأنبياء والصالحين لربهم
ثانيًا: أهمية التسليم لأمر الله
ثالثاً: الواجب على المسلم في العيد
الموضوع
الاستسلام الحق هو الإذعان لحكم الله ورسوله بإيمان تام، ويقين أكيد، ورضا نفس، ودون تردد.
الإيمان بأن حكم الله فوق كل أمر، فلا يعلو عليه شيء، وكذلك ما ثبت من حكم رسوله الكريم r
واليقين بأن هذا الأمر وحده هو الحق والعدل دون كلام أي من الإنس والجن.
والرضا به لأنه هو المترتب على الإيمان الصادق والأكيد، عملاً لا قولاً وحده.
ودون تردُّد في تنفيذه أو التفكر بغيره، فهو الملائم للقلب المؤمن المفعم بحب اتباع أمر الله ورسوله، بل لا يجد فيه مكاناً لغيره، ولا يفرح إلا به، ولا ينفذ غيره بقدر المستطاع.

أولًا: استسلام الأنبياء والصالحين لربهم
إِسلامُ الوُجُوهِ للهِ، هِيَ الغَايَةُ الَّتي نَزَلَت بِهَا الشَّرَائِعُ وَأَعلَنَهَا الأَنبِيَاءُ وَدَعَوا إِلَيهَا، وَكَانَت هِيَ هَمَّهُم في حَيَاتِهِم، وَأُمنِيتَهُم عِندَ مَمَاتِهِم وَلِذُرِّيَاتِهِم، وَذَكَرُوهَا في حَالِ قُوَّتِهِم وَضَعفِهِم.
 استسلام سيدنا إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام لأمر ربهما:
قَالَ تعالى عَن خَلِيلِهِ إِبرَاهِيمَ - عَلَيهِ السَّلامُ -: ﴿ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسلِمْ قَالَ أَسلَمتُ لِرَبِّ العَالَمِينَ ﴾ وَهَا هُوَ وَابنُهُ إِسمَاعِيلُ - عَلَيهِمَا السَّلامُ - يَدعُوَانِ اللهَ لأَنفُسِهِمَا وَمَن بَعدَهُمَا بِقَولِهِمَا: ﴿ رَبَّنَا وَاجعَلْنَا مُسلِمَينِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسلِمَةً لَكَ ﴾ [البقرة: 128]
وعند ابتلاء الله لهما يقول تعالى( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيمٍ فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الآخِرِينَ سَلامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَقَ نَبِيًّا مِنْ الصَّالِحِينَ الصافات
فنظر إلى نبي الله إبراهيم عليه السلام بعد أن رزقه الله بولد بعد أكثر من ثمانين سنة، ثم لما كبر الولد وصار يسير مع والده هنا وهناك أ أراد الله تعالى أن يبتليه بلاءًا كبيرا وهو ذبح ولده إسماعيل الذي أحبه حبا كبيرا، ويكون هو من يذبحه بنفسه، فلو كان الأمر أن يموت الولد موتة طبيعية لكان الأمر أهون من ذلك بكثير، لكن أن يذبح الوالد وله بنفسه فهذا مما لا يتحمله إلا من يسلم قلبه ونفسه وجوارحه لربه سبحانه وتعالى ، هذا هو الذي يؤثر حب ربه على من عداه من المخلوقات.
فلما استسلم لأمر الله وأخبر ولده الذي تربى على طاعة ربه ثم طاعة والديه كان هو المعين لوالده على تنفيذ أمر الله، فما دام أن الآمر هو الله فلابد من الإستسلام لأمر الله تعالى.
فلما اسلم إبراهيم ولده لله ، واسلم إسماعيل نفسه وقاما بتنفيذ ما أمرهما الله به جاء الفرج من الله جلّ وعلا وفدا الله الذبيح بكبش تربى في الجنة لسنين طوال.
وهكذا كل من يستسلم لأمر الله يأتيه الفرج من الله، فهل استسلمت يوما لأمر ربك وحافظت على طاعنه وتجنبت معصيته؟.
سيدنا نوح عليه السلام: قَالَ -تعالى -: ﴿ وَأُمِرتُ أَن أَكُونَ مِنَ المُسلِمِينَ ﴾ [يونس: 72]
سيدنا يُوسُفُ - عَلَيهِ السَّلامُ - يُنَاجِي رَبَّهُ دَاعِيًا فَيَقُولُ: ﴿ أَنتَ وَليِّي في الدُّنيَا وَالآخِرَةِ تَوَفَّني مُسلِمًا وَأَلحِقْني بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]
سيدنا سُلَيمَانُ - عَلَيهِ السَّلامُ - وَقَد أُعطِيَ المُلكَ وَالنُّبُوَّةَ، وَأُوتِيَ مِن كُلِّ شَيءٍ، وَعُلِّمَ مَنطِقَ الطَّيرِ وَسُخِّرَت لَهُ الجِنُّ وَالرِّيحُ، لم يَغتَرَّ بِكُلِّ ذَلِكَ، بَل أَعلَنَ استِسلامَهُ للهِ - تَعَالى - وَهُوَ في قِمَّةِ قُدرَتِهِ وَتَمَكُّنِهِ وَاكتِمَالِ قُوَّتِهِ وَنُفُوذِ سُلطَانِهِ، وَذَلِكَ حِينَ أُحضِرَ لَهُ عَرشُ المَلِكَةِ قَبلَ أَن تَطرُفَ عَينُهُ، فَقَالَ - عَلَيهِ السَّلامُ -: ﴿ وَأُوتِينَا العِلمَ مِن قَبلِهَا وَكُنَّا مُسلِمِينَ ﴾ [النمل: 42]
سيدنا مُوسَى - عَلَيهِ السَّلامُ - يُصَبِّرُ قَومَهُ حِينَ طَارَدَهُمُ الكُبَرَاءُ وَالطُّغَاةُ ﴿ وَقَالَ مُوسَى يَا قَومِ إِنْ كُنتُم آمَنتُم بِاللهِ فَعَلَيهِ تَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُم مُسلِمِينَ ﴾ [يونس: 84]
سيدنا محمد- صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فَقَدِ امتَثَلَ أَمرَ رَبِّهِ - جَلَّ وَعَلا - بِقَولِهِ لَهُ: ﴿ قُلْ إِنِّي أُمِرتُ أَن أَكُونَ أَوَّلَ مَن أَسلَمَ وَلا تَكُونَنَّ مِنَ المُشرِكِينَ ﴾ [الأنعام: 14]  فَكَانَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - يُعلِنُ إِسلامَهُ لِرَبِّهِ في كُلِّ لَحظَةٍ، يَفتَتِحُ قِيَامَ اللَّيلِ قَائِلاً: "اللَّهُمَّ لَكَ أَسلَمتُ وَبِكَ آمَنتُ" وَيُخلِدُ إِلى فِرَاشِهِ مُعلِنًا استِسلامَهُ لِرَبِّهِ فَيَقُولُ: "اللَّهُمَّ أَسلَمتُ نَفسِي إِلَيكَ" وَفي رُكُوعِهِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ رَكَعتُ وَبِكَ آمَنتُ وَلَكَ أَسلَمتُ" وَفي سُجُودِهِ يَقُولُ: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدتُ وَبِكَ آمَنتُ وَلَكَ أَسلَمتُ"
حال الصحابة وتسليمهم لأمر الله: إن الصحابة الكرام -رضي الله عنهم- ما تأخروا يوما في التسليم لأمر الله، وكانوا يتسابقون في تنفيذ أمر وطلب رضاه ويتجلى هذا في مواقف كثيرة من بينها:
تحريم الخمر: لما نزل تحريم الخمر قاموا مباشرة بإراقتها، وتكسير آنيتها، والانتهاء عن تعاطيها وشربها، فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: " مَا كَانَ لَنَا خَمْرٌ غَيْرُ فَضِيخِكُمْ هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الفَضِيخَ، فَإِنِّي لَقَائِمٌ أَسْقِي أَبَا طَلْحَةَ، وَفُلاَنًا وَفُلاَنًا، إِذْ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: وَهَلْ بَلَغَكُمُ الخَبَرُ؟ فَقَالُوا: وَمَا ذَاكَ؟ قَالَ: حُرِّمَتِ الخَمْرُ، قَالُوا: أَهْرِقْ هَذِهِ القِلاَلَ يَا أَنَسُ، قَالَ: فَمَا سَأَلُوا عَنْهَا وَلاَ رَاجَعُوهَا بَعْدَ خَبَرِ الرَّجُلِ"([1]) ، (القلال) جمع قلة وهي الجرة التي يقلها - أي يحملها - القوي من الرجال. (عنها) عن تحريم الخمر. (راجعوها) أي لم يرجعوا إلى شرب الخمر أو لم يرجعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم ليتأكدوا منه خبر التحريم والله تعالى أعلم]
 ونحن اليوم تجد فينا من يعلم بحرمة تعاطي المسكرات، وأكل القات، وشرب الدخان، ومع ذلك فلا ينتهون ولا ينزجرون قال تعالى: ( إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ ) (المائدة:91).
ومِن أَعظَمِ مَوَاقِفِ الإِيمَانِ وَأَجَلِّهَا أَن يَصبِرَ المُؤمِنُونَ حِينَ يَجتَمِعُ الأَعدَاءُ عَلَيهِم، وَيَثبُتُوا وَلا تَزِيدَهُمُ المَحِنُ وَالشَّدَائِدُ إِلاَّ استِسلامًا للهِ - تَعَالى -، قَالَ - سُبحَانَهُ - في وَصفِ حَالِ المُؤمِنِينَ في يَومِ الخَندَقِ: قال تعالى: ( وَلَمَّا رَأَى المُؤمِنُونَ الأَحزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُم إِلاَّ إِيمَانًا وَتَسلِيمًا ﴾ الأحزاب: 22
نزع خاتمه على الفور: عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى خَاتَمًا مِنْ ذَهَبٍ فِي يَدِ رَجُلٍ، فَنَزَعَهُ فَطَرَحَهُ، وَقَالَ: «يَعْمِدُ أَحَدُكُمْ إِلَى جَمْرَةٍ مِنْ نَارٍ فَيَجْعَلُهَا فِي يَدِهِ»، فَقِيلَ لِلرَّجُلِ بَعْدَ مَا ذَهَبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْ خَاتِمَكَ انْتَفِعْ بِهِ، قَالَ: لَا وَاللهِ، لَا آخُذُهُ أَبَدًا وَقَدْ طَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) ([2])
وكثير من هذه المواقف الذي نفذها الصحابة دون تأخير كتحويل القبلة وهم يصلون، وإلقاء نعالهم لما رأو الرسول r فعل ذلك ففعل مثلهم........
حال كثير من الناس الآن: النفس البشرية بصفة عامة تُؤثِر الشهواتِ والملذَّات، حتى وإن تسبَّب في شقائها وهلاكها، كما أنها تَفِر من التكاليف والواجبات، وإن كان ذلك السبيلَ الوحيد لتهذيبها وتزْكيتها وسعادتها؛ وما ذلك إلا لشدة جهْلها وقصور عِلمها وضَعفها.
 إنه من العجيب حقًّا أن كثيرًا من الناس إذا منَعهم الطبيب مما يشتهون ويحبون بسبب مرض أصابَهم، تراهم يستجيبون ويُذعنون لتعليمات الطبيب، دون مراجعة أو اعتراضٍ، رغم شدة تعلُّقهم بما امتنعوا عنه، وفي المقابل إذا دعاهم الخالق إلى ما فيه صلاحُهم واستقامتهم، تراهم يحاولون التفلُّت من التكاليف وعدم الانقياد والتسليم لأحكام الله؛ سواء التشريعية، أو القدرية.
واحذر أن تكون منهم فقد ضلوا ضلالا مبينا كما قال تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا ﴾ الأحزاب

ثانيًا: أهمية التسليم لأمر الله:
أمر الله به: قال تعالى: (  فَإِلَهُكُم إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسلِمُوا ﴾ [الحج: 34] وَيَقُولُ: ﴿ وَأَنِيبُوا إِلى رَبِّكُم وَأَسلِمُوا لَهُ مِن قَبلِ أَن يَأتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لا تُنصَرُونَ ﴾ إِذَا عُلِمَ هَذَا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - فَمَا بَالُ النَّاسِ في زَمَانِنَا قَد جَعَلُوا قُلُوبَهُم في مَهَبِّ الرِّيَاحِ وَمَجرَى الشُّبُهَاتِ العَقلِيَّةِ وَالإِيحَاءَاتِ الشَّيطَانِيَّةِ، فَصَارُوا مُتَذَبذِبِينَ مُتَقَلِّبِينَ، يَسِيرُونَ مَعَ التَّيَّارَاتِ المُختَلِفَةِ وَلا يَثبُتُونَ عَلَى حَالٍ، إِن صَحَا النَّاسُ مِن حَولِهِم وَاستَقَامُوا، صَحَوا مَعَهُم وَاستَقَامُوا تَشَبُّهًا بِهِم، وَإِن تَسَاقَطُوا في الفِتَنِ وَغَفَوا وَغَفَلُوا، سَارُوا مَعَهُم في غَفَلاتِهِم، مُقتَنِعِينَ بِحِجَجِهِمُ الوَاهِيَةِ وَشُبُهَاتِهِم، وَكَأَنَّهُم لا يَعلَمُونَ أَنَّ الحَقَّ يَبقَى حَقًّا وَإِن عَارَضَهُ كُلُّ مَن في الأَرضِ، وَأَنَّ كَثرَةَ حِجَجِ البَاطِلِ لا تَقلِبُهُ حَقًّا، وَلا تُسَوِّغُ لِلإِنسَانِ أَن يَستَسلِمَ لَهُ أَو يُجَارِيَهُ، بَلِ الاستِسلامُ يَجِبُ أَن يَكُونَ للهِ لا لِمَن تَمَرَّدَ بِحِجَجٍ عَقَلِيَّةٍ، وَالسَّيرُ يَجِبُ أن يَكُونَ عَلَى الصِّرَاطِ المُستَقِيمِ لا عَلَى طَرِيقِ مَن خَرَجَ عَنهُ لأَنَّهَا قَد لاحَت لَهُ إِيحَاءَاتٌ شَيطَانِيَّةٌ، قَالَ - تَعَالى - لِنَبِيِّهِ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسلَمتُ وَجهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ [آل عمران: 20] فَأَمَرَهُ عِندَ مُحَاجَّةِ النَّصَارَى وَغَيرِهِم مِمَّن يُفَضِّلُ غَيرَ دِينِ الإِسلامِ أَو نَهجِهِ القَوِيمِ أَن يَقُولَ لَهُم: قَد ﴿ أَسلَمتُ وَجهِيَ للهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ ﴾ أَيْ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي قَد أَقرَرنَا وَشَهِدنَا وَأَسلَمنَا وُجُوهَنَا لِرَبِّنَا، وَتَرَكنَا مَا سِوَى دِينِ الإِسلامِ وَجَزَمنَا بِبُطلانِهِ
من ركائز الإيمان: قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالا مُّبِينًا} [الأحزاب:36]، إن التسليم لأمر الله تعالى هو الانقياد والخضوع لله جلًّ جلاله، فيمتثل المؤمن لأحكام الله تعالى فيتبعها ويتجنب ما نهى الله تعالى عنه، فلا يتبع هوى النفس وإغواء الشيطان لكي يسعى لإرضاء شهواته والسعي خلف أطماعه،  قال تعالى: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} [النساء:65]
لا خوف عليهم ولا هم يحزنون: قال تعالى: (﴿ بَلَى مَن أَسلَمَ وَجهَهُ للهِ وَهُوَ مُحسِنٌ فَلَهُ أَجرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلا خَوفٌ عَلَيهِم وَلا هُم يَحزَنُونَ ﴾ البقرة: 112.
يدخلهم في رحمته ويهديهم إلى صراط مستقيم: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدخِلُهُم في رَحمَةٍ مِنهُ وَفَضلٍ وَيَهدِيهِم إِلَيهِ صِرَاطًا مُستَقِيمًا ﴾ النساء
السماوات والأرض استسلموا لأمر الله: سَمَاوَاتٌ سَبعٌ وَأَرَضُونَ سَبعٌ، قَالَ لَهَا الحَقُّ - سُبحَانَهُ -: ﴿ ائْتِيَا طَوعًا أَو كَرهًا قَالَتَا أَتَينَا طَائِعِينَ ﴾ [فصلت: 11] لَقَدِ استَسلَمَتَا لِخَالِقِهِمَا وَلم تَتَرَدَّدَا أَو تَتَمَرَّدَا، استَسلَمَتَا وَهُمَا أَكبَرُ مِنَ الإِنسَانِ خَلقًا وَأَضخَمُ وَأَعظَمُ كَمَا قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ لَخَلقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ أَكبَرُ مِن خَلقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكثَرَ النَّاسِ لا يَعلَمُونَ ﴾ [غافر: 57] بَلْ إِنَّ كُلَّ مَا فِيهِمَا قَدِ استَسلَمَ للهِ - تَعَالى - وَخَضَعَ لَهُ، قَالَ تعالى ﴿ وَلَهُ أَسلَمَ مَن في السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ طَوعًا وَكَرهًا ﴾ آل عمران.
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الأرض تَحمل صخرًا ثقالاً دحاها
فلما استوت شدّهـا جميعًا وأرسى عليها الجبـالا
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الْمزن تَحمل عذبًـا زلالاً
إذا هي سيقـت إلى بلـدة أطاعت فصبت عليها سجالاً.
وأسلمت وجهي لمن أسلمت له الريح تصرف حالاً فحالاً.
هو ما ينفع يوم القيامة: قال تعالى: ﴿يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ سورة الشعراء، القلبُ السليم: خلا من شُبُهةٍ، وخلا من شهوةٍ، وخلا من إرادةٍ خِلاف الإخلاص لله والتسليم لأمر الله ، وخلا من عقيدةٍ، أو تفسيرٍ، أو رأيٍ خِلاف ما وردَ في كتاب الله، إذ نجوت من كُلِ أُؤلئك، فأنتَ ذو قلبٍ سليم، وأنتَ الناجي بفضل الله عزّ وجل.
يرقى إلى مرتبة الصديقية: قال العلماء: إنَّ التسليم يكادُ يرقى بالإنسان إلى مرتبة الصديقيّة، ومرتبةُ الصديقيّة أعلى مرتبةٍ بعدَ النبوة  قال تعالى: ( مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآَيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ سورة المائدة
ثالثاً: الواجب على المسلم في العيد
صله الرحم:  قال تعالى "واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا وبالوالدين إحسانا وبذي القربى واليتامى والمساكين والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل وما ملكت أيمانكم إن الله لا يحب من كان مختالا فخورا" سورة النساء
وعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه ومن كان
يؤمن بالله  واليوم الآخر فليصل رحمه ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت"([3])
وعن أنس t أن رسول الله r قال من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه " ([4])
وحذر الله تعالى من قطيعة الرحم
فقال تعالى " فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (22) أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ "محمد
وقال تعالى " الَّذِينَ يَنْقُضُونَ عَهْدَ اللَّهِ مِنْ بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ" البقرة
وعن أبي هريرة t قال سمعت رسول الله r يقول "إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم" ([5])، وعن جبير بن مطعم t أنه سمع النبي r يقول لا يدخل الجنة قاطع " قال سفيان يعني قاطع رحم . ([6])
مراعاة الآداب الإسلامية في اللباس: على النساء المسلمات ألا يلبسن إلا ما أمر الله سبحانه وتعالى به بأن يكون موافق لما أمر به رسول الله r بأن لا يكون زينة ، ولا يكون ضيقا ، ولا يكون معطرا ، ولا شفافا ، ولا يشبه لباس الرجال ، ولا يشبه لباس الكفار ، ولا لباس شهرة لأن من تخالف ذلك توعدها النبي rبالعذاب الشديد
فعن أبي هريرة t  قال: قال رسول الله r صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا " ([7])
غض البصر عن الحرام ومنع الاختلاط: قال تعالى " قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا" النور
وعن جرير بن عبد الله قال سألت رسول الله r عن نظرة الفجاءة فأمرني أن أصرف بصري" ([8])
وعن أبي هريرة : أن رسول الله r قال : ( العينان تزنيان واللسان يزني واليدان تزنيان والرجلان تزنيان ويحقق ذلك الفرج أو يكذبه) ([9]) 
كلكم راع ومسئول عن رعيته : فيجب الحفاظ عليهم وأمرهم بأمر الله ونهيهم عن نهي الله تعالى
قال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ" التحريم
وقال تعالى " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (14) إِنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ وَاللَّهُ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (15) فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (16)" التغابن ، وعن ابن عمر t قال سمعت رسول الله r يقول كلكم راع ومسؤول عن رعيته الإمام راع ومسؤول عن رعيته والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها والخادم راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته وكلكم راع ومسؤول عن رعيته " ([10])
مراعاة الفقراء واليتامى والمساكين: عن النعمان بن بشير قال: قال رسول الله r "مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم  وتعاطفهم  مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" ([11])
ثم إن كل ما أمر الله به ينبغي فعله، فالعيد ليس حجة للتقصير في أي أمر من أوامر الله تعالى.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يتقبل منا وأن يتوب علينا وأن يرزقنا جميعا الفرح في الآخرة بالجنة يوم أن نلقاه اللهم آمين

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54
نسألكم الدعاء





[1])) صحيح البخاري
[2])) صحيح مسلم
([3]) متفق عليه
([4]) متفق عليه
([5]) صحيح الترغيب والترهيب
([6]) متفق عليه
([7]) صحيح مسلم
([8]) صحيح سنن الترمذي
([9]) صحيح ابن حبان 
([10]) متفق عليه
([11]) صحيح الجامع 



التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات