كن إيجابيًا للشيخ أحمد أبو عيد






الحمد لله العليم الحكيم العزيز الغفار، القهار الذي لا تخفى معرفته على من نظر في بدائع مملكته بعين الاعتبار، الحي العليم الذي تساوى في علمه الجهر والإسرار، السميع البصير الذي لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار.
واشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد وهو على كل شيء قدير
ما في الوجود سواك رب يعبد



يا من له عنت الوجوه بأسرها


ذلا وكل الكائنات توحد

أنت الإله الواحد الفرد الذي


  كل القلوب له تقر وتشهد

ويا من تفرد بالبهآء وبالسنا


في عزه وله البقاء السرمد

يا من له وجب الكمال بذاته


فلذاك تشقي من تشاء وتسعد

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمد عبد الله ورسوله وصفيه من خلقه وحبيب
إن الصلاة على المختار إن ذكرت في مجلس فاح منه الطيب إذ نفحا
محمد أحمد المختار من مضر 


أزكى الخلائق جمعا أفصح الفصحا

صلى عليه إله العرش ثم على 


أهله والصحب نعم السادة النصحا

وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه وتمسك بسنته واقتدى بهديه واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين ونحن معهم يا أرحم الراحمين
العناصر
أولًا: أهمية الإيجابية في حياة المسلم
ثانيًا: نماذج على الإيجابية
ثالثًا: كيف تكون إيجابيًا
الموضوع
أولًا: أهمية الإيجابية في حياة المسلم
تعريف الإيجابية: الإيجابية قوة دافعة نفسية نحو التغيير، لا تحدها حدود، ولا تقيدها سدود أو قيود، بل إنها تشحن الرصيد النفسي للمسلم فتقوي في نفسه القدرة على اعتلاء الجبال وزلزلة القيود والحبال، لا تكاد تسكن النفس إلا وتحرك الجميع من حولها نحو التغيير وتنمية روح الإنجاز.
الإيجابية ثورة داخل نفس الإنسان إذا حلت قادت وحركت وفجرت الطاقات التي بداخله؛ ليبدع وينتج ويقدم عطاء ليس له حدود. الإيجابية دافع نفسي واقتناع عقلي وجهد بدني لا يقنع بتنفيذ التكليف، بل يتجاوز إلى المبادرة في طلبه أو البحث عنه، بل يضيف إلى العمل المتقن روحًا وحيوية، تعطي للعمل تأثيره وفاعليته، دون أن يخالطه جفاف أو تبرم أو استثقال. إذًا فالإيجابية هي الصفة التي تجعل المسلم مقبلاً على الدنيا بعزيمة وبصر لا تخضعه الظروف المحيطة به مهما ساءت، ولا تصرفه وفق هواها، إنه هو الذي يستفيد منها، ويحتفظ بخصائصه أمامها. تمامًا كبذور الأزهار التي تطمر تحت أكوام السبخ، ثم هي تشق الطريق إلى أعلى مستقبلة ضوء الشمس برائحتها المنعشة، لقد حولت الحمأ المسنون، والماء الكدر إلى لون بهيج وعطر فواح، إن الإنسان بقواه الكامنة وملكاته المدفونة فيه، والفرص المحدودة والتافهة المتاحة له يستطيع أن يبني حياته من جديد.
التعاون علي البر لا على الإثم: قال تعالي:(وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) المائدة
من صفات المؤمنين: يقول الحق تبارك وتعالى "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ" (التوبة 71)، وعن أبي سعيد الخدري قال قال رسول الله r "من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان". ([1])
فمن الإيجابية ان تساهم في تغيير المنكر بما تستطيع ولا ترجع للخلف وتقول لا شأن لي.
دخول الجنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» ([2])، (يتقلب في الجنة) أي يتنعم في الجنة بملاذها بسبب قطعه الشجرة.
الدعوة للإسلام: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلي بن أبي طالب (ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَوَاللهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللهُ بِكَ رَجُلًا خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ) ([3])، فدعوة الناس للإسلام تعتبر إيجابية أما ان أن تتركهم وهم في أمس الحاجة إلى من يرشدهم للإسلام فهده سلبية.
البشرى بالأمل وقت الضيق: قال البراء رضى الله عنه: لما كان يوم الخندق عرضت لنا في بعض الخندق صخرة لا تأخذ منها المعاول، فاشتكينا ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء وأخذ المعول فقال: «بسم الله ثم ضرب ضربة، وقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح الشام، والله إني لأنظر قصورها الحمر الساعة، ثم ضرب الثانية فقطع آخر، فقال: الله أكبر، أعطيت فارس، والله إني لأبصار قصر المدائن الأبيض الآن، ثم ضرب الثالثة، فقال: بسم الله، فقطع بقية الحجر، فقال: الله أكبر، أعطيت مفاتيح اليمن، والله إني لأبصار أبواب صنعاء من مكاني  » ([4]).
ألم تر ما أوحاه الله تعالى لمريم وهي في لحظات التعب والشدة وبين وقع آلام المخاض والوحدة
نصرة المسلمين: عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا» فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنْصُرُهُ إِذَا كَانَ مَظْلُومًا، أَفَرَأَيْتَ إِذَا كَانَ ظَالِمًا كَيْفَ أَنْصُرُهُ؟ قَالَ: «تَحْجُزُهُ، أَوْ تَمْنَعُهُ، مِنَ الظُّلْمِ فَإِنَّ ذَلِكَ نَصْرُهُ» ([5])
الإيجابية في فعل الخير والمسارعة إليه: قال تعالى:( إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ) الأنبياء وقوله جل وعلا: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدِّتْ لِلْمُتَّقِينَ) آل عمران وقوله: (وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ) المطففين
النصح للناس عامة: عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «الدِّينُ النَّصِيحَةُ» قُلْنَا: لِمَنْ؟ قَالَ: «لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلِأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ» ([6])
فمثلا لو أنك تركب مركبة وأخوك يركب مركبة يسير أمامك، ورأيت دخاناً يخرج من عجلتها الخلفية، وهي على وشك أن تحترق، لقد نسي المكبح مرفوعاً، هل تبقى صامتاً، أم تسبقه وتشير إليه، هل يمكن أن ترى أخاك على شفى جرف هار سينهار بعد قليل وتبقى صامتاً؟ فلابد أن تكون إيجابيا وتخبره.
لعلهم يتقون: كان شعار هذه الجماعة المؤمنة هو الإعذار إلى الله، لما قال السلبيون " لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا" .. قال الإيجابيون: " مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ " [الأعراف : 164]
كن إيجابيا حتى قيام الساعة: عن أنس بن مالك رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (إنْ قَامَت السَّاعةُ وَفِي يَد أَحَدِكُم فَسِيلةٌ فَإنْ استَطاعَ أنْ لَا تَقُومَ حَتى يَغرِسَهَا فَليَغِرسْهَا) ([7] وفسيلة أي نخلة صغيرة، بين أن يكون المسلم إيجابيًا حتى قيام الساعة .. وحتى آخر رمق في حياته.
مع كل هم فرجا ومع كل ضيق مخرجا:
يا صاحب الهم إن الهم منفرج *** أبشر بخير فإن الفارج الله
اليأس يقطع أحياناً بصاحبه *** لا تيأسنّ فإن الكافي الله
الله يحدث بعد العسر ميسرة *** لا تجزعن فان الصانع الله
إذا ابتليت فثق بالله وأرض به *** إن الذي يكشف البلوى هو الله
والله .. مـــــالك غيـــر اللـــــه من أحــــــــــــــــد *** فحســــــــبك في كــــــلٍ لــــك اللــــــــــــــــــه
ثانيًا: نماذج على الإيجابية
انتصار نبي الله موسي علي فرعون: قال بنو إسرائيل وقت انتصار موسي علي السحرة وتوعد فرعون لهم بالعذاب في أولى جولات الحق والباطل "قَالُوا أُوذِينَا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَأْتِيَنَا وَمِنْ بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ " (الأعراف :129) فنحن في وقت العمل بل دقق معي في قول الله (كَيْفَ تَعْمَلُونَ) ولم يقل ماذا تعملون بل قال كيف.
فانظر إلى إيجابية نبي الله موسى عليه السلام لم ينظر نظرة تشاؤم لما هم فيه من ضعف، وانما نظر بإيجابية الى اقتراب نصر الله، بل واستخلافه لقومه في الأرض، ليزرع فيهم الأمل والتفاؤل.
إيجابية ذو القرنين للضعفاء: قال تعالى: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدّاً (94) قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْماً (95) آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَاراً قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً (96) فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْباً (97﴾) الكهف
إيجابية عمر بن الخطاب: خرج ذات ليلة سيدنا عمر بن الخطاب في جولةٍ من جولاته التي كان يخرج بها وحيداً, والناس نيام ليطمئنَّ على قومه ويرى أحوالهم، وعند مشارف المدينة رأى كوخاً ينبعث منه أنين امرأة فاقترب يسعى، ورأى رجلاً يجلس على باب الكوخ، وعلِم منه أنه زوج السيدة التي تئن، وعلِم أنها تعاني كرب المخاض، وليس معها أحدٌ يعينها، لأن الرجل وزوجته من البادية، وقد حطا رحالهما هنا وحيدين غريبين، رجع عمر إلى بيته مسرعاً، وقال لأم كلثوم زوجته بنت الإمام علي: يا أم كلثوم, هل لكِ في مثوبةٍ ساقها الله إليكِ؟ هل ترغبين في عمل صالح؟, قالت: خيراً، قال: امرأة غريبة تمخض، وليس معها أحد، قالت: نعم إن شئت .وقام فأعد من الزاد والماعون ما تحتاجه المرأة من دقيقٍ وسمنٍ ومزق ثيابٍ يلف بها الوليد، وحمل أمير المؤمنين القدر على كتف والدقيق على كتف، وقال لزوجته: اتبعيني، ويأتيان الكوخ، وتدخله أم كلثوم زوج أمير المؤمنين لتساعد المرأة في مخاضها، أما أمير المؤمنين فجلس خارج الكوخ، وينصب الأثافي ( ثلاثة أحجار للطبخ )، ويضع فوقها القدر، ويوقد تحتها النار، وينضج للمرأة طعاماً، والزوج يرمقه شاكراً ولعله كان يحدث نفسه هو الآخر بأن هذا العربي الطيب أولى بالخلافة من عمر .
وفجأةً صدح في الكوخ صراخ الوليد لقد وضعته أمه بسلام، وإذا بصوت أم كلثوم ينطلق من داخل الكوخ
عالياً, يا أمير المؤمنين بشِّر صاحبك بغلام، ويفيق الأعرابي من الدهشة، ويستأخر بعيداً على استحياء، ويحاول أن ينطق بالكلمتين "أمير المؤمنين"، لكن شفتيه لا تقويان على الحركة من فرط المفاجأة، ويلحظ عمر كلَّ هذا، فيشير إلى الرجل أن ابق مكانك، لا ترع، ويحمل أمير المؤمنين القدر، ويقترب من باب الكوخ منادياً زوجته: خُذي القدر يا أم كلثوم، وأطعمي الأم وأشبعيها، وتطعمها أم كلثوم حتى تشبع، وتردُّ القدر إلى عمر بما بقي من طعامٍ، فيضعها عمر بين يدي الأعرابي، ويقول: كُل واشبع، فإنك قد سهرت طويلاً، وعانيت كثيراً، ثم ينصرف هو وزوجته بعد أن يقول للرجل: إذا كان صباح الغد فأتني بالمدينة لآمر لك من بيت المال بما يصلحك، ولنفرض للوليد حقه.
فمن الإيجابية حينما تجد من يحتاج للعون والمساعدة أن تساعده ولا تتكاسل وتتراجع عنه.
امرأة مات ولدها الوحيد: كانت هناك سيّدة، وكان لها ابن وحيد، تعيش معه أجمل اللّحظات، فحياتهما كانت مليئة بالسّعادة والهناء، وفي يومٍ من الأيّام جاء قدر هذا الولد ومات، فحزنت السيّدة حزناً شديداً على موت وحيدها، وعاشت بتعاسةٍ كبيرة، وعلى الرّغم من ذلك بقي الأمل يراودها ولم تيأس، فهي تعتقد بأنّه لا بدّ من وجود طريقة تعيد ابنها للحياة، فذهبت إلى مختار القرية، وأخبرته قصّتها، وأّنها مستعدّة لتطبيق أيّ وصفة لتعيد ابنها إلى الحياة. فكّر المختار مليّاً بقول السيّدة، وأجابها بأنّه سيعطيها وصفةً جيّدة شريطة أن تحضر له حبّة خردل من بيت لم يطرق الحزن بابه مطلقاً. فرحت السيّدة لاستجابة المختار لها، وبدأت تدور على كلّ بيت في القرية باحثةً عن هدفها. طرقت السيّدة أوّل باب ففتحت لها امرأة في مقتبل العمر، فسألتها السيّدة إن كان بيتها قد عرف الحزن يوماً، ابتسمت المرأة ابتسامةً خفيّة مجيبة: وهل عرف بيتي هذا إلّا كلّ الحزن؟!! وبدأت تسرد لها أنّ زوجها قد توفّي منذ سنتين، وترك لها أولاداً، وأنّها تعاني في الحصول على قوت يومهم لدرجة أنّهم أصبحوا يلجئون إلى بيع أثاث منزلهم المتواضع للحصول على المال. بعد أن أنهت السيّدة زيارتها الطّويلة في أول بيت، دخلت بيتاً آخراً سائلةً عن الطّلب نفسه، وإذ بسيّدة الدّار تخبرها أنّ زوجها مريض جدًّا، و ليس عندها من الطّعام ما يكفي لأطفالها منذ فترة، فقامت بمساعدة السيّدة و ذهبت إلى السوق لتشتري لها طعاماً لها ولأطفالها وزوجها المريض ، وأخذت تدخل بيتاً تلو الآخر باحثةً عن البيت السعيد لكنّ جميع محاولاتها باءت بالفشل، لكن ممّا يجدر ذكره أنّ تلك السيّدة كانت لطيفةً مع أهالي كلّ البيوت الّتي طرقت أبوابها، وقد حاولت أن تساعد كلّ بيتٍ في أن تخفّف عنهم أسباب حزنهم، وذلك عن طريق مساندتهم بحاجاتهم قدر المستطاع. وبمرور الأيّام أصبحت السيّدة صديقةً لبيوت القرية جميعها، وأدّى هذا إلى أنّها نسيت تماماً هدفها وهو البحث عن حبّة الخردل من أيّ بيتٍ سعيد لم يعرف الكآبة أو الحزن، وانصهرت السيّدة في مشاعر الآخرين ومشاكلهم ناسيةً حزنها دون أن تدرك أنّ مختار القرية قد تعاون معها في منحها أفضل وصفة للقضاء على الحزن حتّى ولو لم تجد حبّة الخردل الّتي كانت تبحث عنها.
الافعى والمنشار: يحكى أن أفعى دخلت ورشه نجار بعد ان غادرها في المساء بحثا عن الطعام كان من عاده النجار أن يترك بعض ادواته فوق الطاولة ومن ضمنها المنشار، وبينما كانت الافعى يتجول هنا وهناك مر جسمه من فوق المنشار مما ادى الي جرحه جرحا بسيطا ارتبك الثعبان وكرده فعل قام بعض المنشار محاول لدغه مما ادى الي سيلان الدم حول فمه، لم يكن يدرك ثعبان ما يحصل واعتقد ان المنشار يهاجمه وحين رأى نفسه ميتا لا محاله قرر ان يقوم برده فعل اخيرة قويه التف بكامل جسمه حول المنشار محاولا عصرة وخنقه، استيقظ النجار في الصباح ورأى المنشار وبجانبه ثعبان ميت لا لسبب الا لطيشه وغضبه.
فأحيانا نحاول في لحظه غضب ان نجرح غيرنا فتدرك بعد فوات الاوان اننا لا نجرح الا أنفسنا...
إن الحياة أحيانا تحتاج إلى تجاهل، تجاهل احداث، تجاهل اشخاص، تجاهل افعال، تجاهل اقوال، عود نفسك على التجاهل الذكي فليس كل امر يستحق وقوفك !
أيهما أفضل: لو فرضنا أن رجلين لكل واحد منهما ولد، ومات الولدين في نفس الوقت، فجزع أحد الوالدين وقال ألم يجد الله غيري حتى يميت ولدي وظل على هذه السلبية، والسؤال هل هذه السلبية ستعيد له ولده؟، فإن النظر إلى المشكلة بهذا الشكل يجعل الدنيا جحيما، أما الرجل الآخر نظر بإيجابية بأن هذا ابتلاء وسأصبر عليه وأرض بما أراد الله ومن المؤكد أن الله لم يرد لي إلا الخير، فكان فرحا سعيدا وبالتالي لم يصبح موت ولده مشكلة وأكمل مسيرته في الحياة بسعادة واطمئنان.
ورجلا آخران لكل واحد منهما منزل، وإذا نزل المطر دخل المنزل لأن السقف لا يمنع المطر، فنظر أحدهما بسلبية على أن المشكلة في المطر وليس في سقف بيته وظل متشائما مهموما جازعا، والسؤال هل ستحل المشكلة بهذه الطريقة؟، أما الآخر فنظر بإيجابية إلى أن المشكلة في السقف فقام وأصلح السقف وبالتالي لم يدخل المطر إلى بيته بعد ذلك.
فانظر لكل مشكلة بإيجابية وابحث عن الحلول بإيجابية ودائما ستجد لكل مشكلة حلول بإذن الله.
ثالثًا: كيف تكون إيجابيًا
اللجوء إلى الله: عن أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ، قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجْزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبْنِ وَالبُخْلِ، وَضَلَعِ الدَّيْنِ، وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ» ([8]) وضلع الدين أي شدته، فاذا لم تحزن ستكون سعيدا، وإذا لم تكسل ستكون نشيطا، وإذا لم تبخل فهذا يعني أنك واثق في رزق الله....
وتذكر ان سيدنا عمر بن الخطاب قد هداه الله للإسلام بدعوة دعاها النبي صلى الله عليه وسلم، فلا تيأس ابدا وكن إيجابيا ومتفائلًا.
طاعة الله وذكره: لأنه بالإعراض عن طاعة الله تكون الحياة ضنكا وضيقا كما قال تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124)) طه
لا تخشى الناس فلا يملكون لك نفعا ولا ضرا: اقصى ما يفعله الناس بك أن يفعلوا ما كتب الله لك ، فلا العمر بأيديهم ولا الرزق بأيديهم، ولن يستطيعوا أن يؤذوك أو يضروك في شيء إلا إذا أراده الله فعنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا، فَقَالَ: «يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ، احْفَظِ اللَّهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ» ([9])
فلا تقلق من الناس ولا تخشى من انتقاصهم لقدرك ما دمت عند الله وجيها فقد آذوا سيدنا موسى
 عليه السلام في واتهموه بعيب في جسده فبرأه الله مما قالوا، وختم الآية بقوله وكان عند الله وجيها، أي ما دمت وجيها عند الله فلا يهمك القيل والقال قال تعالى: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوْا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِنْدَ اللَّهِ وَجِيهًا (69) ) الأحزاب
اتَّبِع وصايا الله تعالى ونبيه r وستكن سعيدا:
لا لا تحسب أن الدين بعيد عن حب وحياة ** وبهجرك للدين ستحيا تعشق ما قلبك يهواه

أو أن الايام ستحلو وترى الدنيا شط نجاة**  دينك بحر من آمال شط لجميل الأحلام

ليس الدين كما تخشاه ذا ممنوع ذاك حرام**  فالإسلام جميل حقا هذا ليس هو الاسلام

كل أوامره تهدينا وتنادينا للخير** ينهانا عن كل طريق يأخذنا نحو الشر
فالله رحيم وحليم يدعو دوما للبر **  في الدين صلاة وسلام وكذلك فرح وسرور
والمتدين من تلقاه مبتسما حلوا كالنور** يسعى ليعمر دنياه وهو رقيق الطبع صبور
الاسلام سلام فينا يزرع فينا حب الناس ** الاسلام سفينة حب يدفعها أجمل احساس
ما احلى الدنيا لو عشنا وجعلنا الاسلام أساس**  كل أوامره تهدينا وتنادينا للخير
ينهانا عن كل طريق يأخذنا نحو الشر** فالله رحيم وحليم يدعو دوما للبر

الثقة بالله: قال تعالى: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) [مريم: 25] ؟! أمرَها بالحركة والاجتهاد رغم آلامها وتعبها، وحثها على الكسب رغم شدتها ونصبها. وليس بعيدًا عنها حال أم موسى -عليها السلام-، فلم يبرر لها قوة الظالمين من حولها أن تستكين، ولا سوَّغ لها الخمولَ سيطرةُ فرعون اللعين، بل أوحى الله تعالى لها بأن تتحرك لإنقاذ رضيعها، وتسعى بكل الحيل للنجاة بوليدها، قال سبحانه(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلا تَخَافِي وَلا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) القصص
استبدال الأفكار السلبية بأخرى إيجابية: قبل أي شيء ينبغي أن يدرك الشخص أفكاره ويتنبه لها جيدا، وإذا ثبتت سلبيتها عليه بالعمل على إحلالها بأخرى إيجابية. فبدلا من أن يفكر الشخص في الفقر عليه بالتفكير في الثروة .. وبدلا من أن يردد كلمة التجاهل عليه بفهم ما يحيط به والعمل على إدراكه .. وبدلا من أن ينتقد القيود، عليه بالبحث عن الحرية، لابد وأن يردد دائما الكلمات الإيجابية بينه وبين نفسه «أنا أستطيع» .. «أنا قادر على» .. «من الممكن أن « .. وهكذا من التعبيرات التي توحي بالإيجابية لصاحبها ولغيره من المحيطين به حتى لا تتسلل روح اليأس التي تنتابه إليهم. نحن نخلق بداخل عقولنا، نوعية الحياة التي نرغب أن نعيش داخل أسوارها، فإذا كان التفكير إيجابيا فسوف تتحول حياتنا إلى الإيجابية بشكل تلقائي. أي شيء بدايته تكون داخل النفس الذاتية من أبسط إنجاز إلى أعظم واحد، صحيح أن الشخص ليس بوسعه التحكم فى الظروف والأحوال الخارجية لكنه بوسعه التحكم في نفسه وفى عالمه الداخلي حيث يبدأ فيه أي وكل شيء.
يكون الشخص غير سعيد وسلبي فى مواقف حياته لأنه يفكر بهذه الطريقة التي بوسعه تغييرها، ولا يتطلب الأمر مجهودا كبيرا لإحداث هذا التغيير، وبناءً عليه سيحدث التغير في التصرفات والأفعال والتوقعات والاستجابات المختلفة للإنسان التي تقوده إلى السعادة والنجاح ([10]).
التركيز دائما على النجاح والسعادة والحب ومفهوم الوفرة: لو علم الفرد كيفية الشعور والتفكير بل والتصرف في الحياة التي يرسمها المرء في ذهنه، فسوف يكون أسعد بل ويجذب الفرص الجديدة لحياته بهذه الطريقة.
البحث عن الجوانب الإيجابية في كل موقف تعرض له: لأنه دائما وأبدا يوجد جانب حسن أو على الأقل شيء ما يتعلمه الشخص حتى لو كان التعلم من خلال المواقف القاسية وغير السارة.

واتباع التفكير الإيجابي مع التصرف الإيجابي في الوقت نفسه.

التركيز دائما على النصف الممتلئ من الكوب وليس الجزء الخاوي منه
الرفض المثابر للأفكار السلبية وعدم التراخي في فعل ذلك.
البحث دائما أو الوجود وسط الصحبة الإيجابية
قراءة قصص النجاح الأخرى، لتكون دافعا على إيجابية الشخص وإمداده بالأفكار التي تمكنه من أن يسلك الإيجابية في مختلف تفاصيل حياته. يقول علماء النفس، عندما تطلق لخيالك العنان كي ترسم الصورة التي تحبها في حياتك فإنك بذلك تستخدم قوة التفكير الإيجابي في تغيير واقعك الذي لا تريده. هناك عدة طرق لمساعدتك على تحويل خيالك إلى واقع
حدد حلمك: كثيرون يشعرون بالتعاسة في حياتهم لأنهم لا يعرفون ماذا يريدون كما أن تحديد ما تريده أول خطوة على طريق النجاح، وإذا أردت أن تنجز شيئا مهما عليك بالتركيز عليه ولا تدع أي شيء يبعدك عنه. وعليك أن تكرر بينك وبين نفسك ما تريده فهذا التكرار يصنع نوعا من الشعور الإيجابي داخل عقلك الباطن ويجعلك قادرا على فعل ما تريد.
التأمل: التأمل يجعلك تشعر بأنك أقوى وأكثر إيجابية من النواحي العاطفية والجسمانية والروحانية، ويعيد لك شحن بطاريتك ويجعل تخيلك أقوي وأسهل.
طرد الأفكار المحبطة واستقبال الأفكار الإيجابية: إن الحياة التي نحياها والطريقة التي نعيش بها الحياة، هي عبارة عن انعكاس لسلوكنا في الحياة وفي كيفية تناولنا للحياة وتعاملنا معها. لذلك فبإمكاننا أن نتعلم بعض الأساليب التي من شانها أن تغير الطريقة التي نتعامل بها مع أنفسنا وبالتالي كيفية تناولها للحياة عندما نواجه المشاكل أو الفشل.
حارب الأفكار السلبية: حاول محاربة الأفكار السلبية والسوداوية، كذلك لا تكثر من التفكير في المشاكل بل أبعدها قدر الإمكان عن تفكيرك وحاول دوما التفكير بالأمور الإيجابية.

تعلم التفاؤل: حاول تعليم نفسك دروسا في التفاؤل: حاول إيجاد الأمور الإيجابية في الأوضاع السلبية. حاول دائما تقييم تجاربك حتى الفاشل منها على أنها خبرات تضاف لحياتك، وأنها دروس تعلمت منها أن تكون أكثر صلابة.

قل ولا تقل: إذا أردت أن تنضم إلى صفوف الإيجابيين وجماعتهم، فاحذر أن تكون من الفئة التي سماها الله " المعوقين " فقال: (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا
قَلِيلًا) [الأحزاب: 18].
قل
سوف أسعى وأحاول
إن شاء الله سننجح
أستطيع أن أوظف إمكانياتي
لا تقل
لا أستطيع
أنا متأكد أننا ناجحون
ما باليد حيلة
فقد قال النص الكريم
" استعن بالله ولا تعجز"
" إلا أن يشاء الله "
" فتوكل على الله "
حدد أهدافك بدقة: حدد أهدافا منطقية لحياتك: إذا قمت بتحديد أهداف صعبة جدا فان احتمالات الفشل كبيرة وهذا يؤثر سلبا على نفسيتك. قم بوضع أهداف ممكنة لأنك كلما حققت هدفا زاد ذلك من تفاؤلك. ليس هنا المقصود ألا تتطلع لإنجازات كبيرة، بل أن تقوم بتقسيم أهدافك على مراحل بحيث يصبح تحقيقها يبدو ممكنا.
كف عن المبالغة: لا تبالغ في وصف المشكلة التي تواجهها بل حاول أن تقلل من شأن المشكلة.
شارك في كل خير بإمكانك المساهمة فيه حتى ولو بجهد قليل فقد قال تعالى (وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ (215)) البقرة.
لا تيأس أبدا من رحمة الله: قال تعالى: (يَا بَنِي اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ( يوسف
فكن إيجابيًا تكن سعيدا فرحًا مسرورًا في الدنيا سعيدا بلقاء ربك في الآخرة
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
نسألكم الدعاء





([1]) صحيح سنن أبي داود 
[2])) صحيح مسلم
[3])) صحيح مسلم
[4])) الرحيق المختوم
[5])) صحيح البخاري
[6])) صحيح مسلم
[7])) السلسلة الصحيحة
[8])) صحيح البخاري
[9])) صحيح سنن الترمذي
[10])) الإيجابية في حياتنا لفؤاد بن عبد الله

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات