الرسول ﷺ كما يجب أن نعرفه للشيخ أحمد أبو عيد









الْحَمْدُ للهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الآَخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِي الأرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ.
وأشهد أن لا إلاه إلا الله وحده لا شريك له، مَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلاَ تَضَعُ إِلاَّ بِعِلْمِهِ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلاَ يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلاَّ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرٌ، عَالِمِ الْغَيْبِ لاَ يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلاَ فِي الأرْضِ وَلاَ أَصْغَرُ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرُ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ.
وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنا وحَبِيبَنا وعَظِيمَنا وقائِدَنا وقُرَّةَ أَعْيُنِنا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ ورَسُولُهُ صَلَواتُ اللهِ وسَلامُهُ عَلى مُحَمَّدٍ وعَلى كُلِّ رَسُولٍ أَرْسَلَه، صَلَواتُ اللهِ البَرِّ الرَّحِيمِ والْمَلائِكَةِ الْمُقَرَّبِينَ والنَّبِيِّينَ والصِّدِّيقِينَ والشُّهَداءِ والصّالِحِينَ ما سَبَّحَ للهِ مِنْ شَىْءٍ عَلى سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ بْنِ عَبْدِ اللهِ خاتـَمِ النَّبِيِّينَ وسَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ وإِمامِ الْمُتَّقِينَ وحَبِيبِ رَبِّ العالَـمِين.
العناصر
أولًا: نبذة مختصرة عن النبي ﷺ
ثانيًا: تكريم الله للنبي ﷺ
ثالثًا: رسولٌ أخرج من الظلمات إلى النور
الموضوع
أولًا: نبذة مختصرة عن النبي :([1])
اسمه: محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان الذي يصل نسبه إلى النبي إسماعيل بن النبي إبراهيم عليهما الصلاة والسلام، وأمّه آمنة بنت وهب.
ولادته: ولد رسول الله ﷺ عام الفيل في مكة المكرّمة بعد وفاة والده، وكعادة العرب تم إرساله للبادية مع المرضعات، ولما عاد من البادية رأت أمه آمنة بنت وهب وفاء لذكرى زوجها الراحل أن تزور قبره بيثرب، فخرجت من مكة قاطعة رحلة تبلغ خمسمائة كيلو مترا، ومعها ولدها اليتيم- محمد ﷺ- وخادمتها أم أيمن، وقيمها عبد المطلب، فمكثت شهرا، ثم قفلت، وبينما هي راجعة إذ يلاحقها المرض، ويلح عليها في أوائل الطريق، فماتت بالأبواء بين مكة والمدينة ليعيش يتيمَ الأب والأم، وعاد به عبد المطلب إلى مكة، وكانت مشاعر الحنو في فؤاده تربو نحو حفيده اليتيم، الذي أصيب بمصاب جديد نكأ الجروح القديمة، فرق عليه رقة لم يرقها على أحد من أولاده، فكان لا يدعه لوحدته المفروضة، بل يؤثره على أولاده، وبعد ثلاث سنين تقريباً توفي جده، فضمه عمّه أبو طالب إلى أولاده وقام على رعايته وتولي شؤونه.
عمله: بدأ يعمل في رعاية الغنم على قراريط لأهل مكة، ثمّ عمل في التجارة حيث كان يأخذه عمه أبو طالب معه في رحلاته التجاريّة، فربحت تجارته وعُرِف بصدقه وأمانته، وسمعت خديجة بنت خويلد بخبره، فأرسلت إليه من يطلب منه تولّي أمور تجارتها، فعرضت عليه أن يخرج في مال لها إلى الشام تاجرا، وتعطيه أفضل ما كانت تعطي غيره من التجار، مع غلام لها يقال له ميسرة، فقبله رسول الله ﷺ منها، وخرج في مالها ذلك، وخرج معه غلامها ميسرة حتى قدم الشام.
زواجه: ولما رجع إلى مكة، ورأت خديجة في مالها من الأمانة والبركة ما لم تر قبل هذا، وأخبرها غلامها ميسرة بما رأى فيه ﷺ من خلال عذبة، وشمائل كريمة، وفكر راجح، ومنطق صادق، ونهج أمين. وجدت ضالتها المنشودة- وكان السادات والرؤساء يحرصون على زواجها، فتأبى عليهم ذلك- فتحدثت بما في نفسها إلى صديقتها نفيسة بنت منية، وهذه ذهبت إليه ﷺ تفاتحه أن يتزوج خديجة، فرضي بذلك، وكلم أعمامه، فذهبوا إلى عم خديجة، وخطبوها إليه، وعلى إثر ذلك تم الزواج، وحضر العقد بنو هاشم ورؤساء مضر، وذلك بعد رجوعه من الشام بشهرين، وأصدقها عشرين بكرة، وكانت سنها إذ ذاك أربعين سنة، وكانت يومئذ أفضل نساء قومها نسبا وثروة وعقلا، وهي أول امرأة تزوجها رسول الله ﷺ، ولم يتزوج عليها غيرها حتى ماتت.
أولاده: أولاد الرسول ﷺ سبعة، ثلاثة ذكور، وأربع إناث – وهاك البيان بأسمائهم كما يلي: 1 – القاسم وهو الذي يكنى به الرسول ﷺ فيقال: أبو القاسم ﷺ. 2 – عبد الله، ويقال له: الطاهر والطيب. 3 – إبراهيم وهو أصغر أولاده ﷺ، 4 – زينب رضي الله عنها. 5 – رقية رضي الله عنها. 6 – أم كلثوم رضي الله عنها. 7 – فاطمة رضي الله عنها: وهي أحبهن إليه ﷺ، وكلهن بنات خديجة رضي الله عنها، فجميع أولاد الرسول ﷺ من خديجة رضي الله عنها إلا إبراهيم t فإنه من مارية القبطية رضي الله عنها وليس له من بقية زوجاته ذرية ﷺ.
عبادته: لما تقاربت سنه ﷺ الأربعين، وكانت تأملاته الماضية قد وسعت الشقة العقلية بينه وبين قومه، حبب إليه الخلاء، فكان يأخذ السويق والماء ويذهب إلى غار حراء في جبل النور، على مبعدة نحو ميلين من مكة- وهو غار لطيف طوله أربعة أذرع، وعرضه ذراع وثلاثة أرباع ذراع من ذراع الحديد- ومعه أهله قريبا منه، فيقيم فيه شهر رمضان، يطعم من جاءه من المساكين، ويقضي وقته في العبادة والتفكير فيما حوله من مشاهد الكون، وفيما وراءها من قدرة مبدعة، وهو غير مطمئن لما عليه قومه من عقائد الشرك المهلهلة، وتصوراتها الواهية، ولكن ليس بين يديه طريق واضح، ولا منهج محدد، ولا طريق قاصد يطمئن إليه ويرضاه.
رسالته: لما تكامل له أربعون سنة- وهي رأس الكمال، وقيل: ولها تبعث الرسل- بدأت آثار النبوة تتلوح وتتلمع له من وراء آفاق الحياة، وتلك الآثار هي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح، حتى مضت على ذلك ستة أشهر- ومدة النبوة ثلاث وعشرون سنة، فهذه الرؤيا جزء من ستة وأربعين جزءا من النبوة- فلما كان رمضان من السنة الثالثة من عزلته ﷺ بحراء شاء الله أن يفيض من رحمته على أهل الأرض، فأكرمه بالنبوة، وأنزل إليه جبريل بآيات من القرآن من سورة العلق، وبدأ رسول الله ﷺ الدعوة إلى الله تعالى.
ثانيًا: تكريم الله للنبي 
زكاه ربه في كل شيء: زكاه في عقله فقال: (مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى) "النجم: 2" ، وزكاه في بصره فقال: (مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى) "النجم: 17" ، وزكاه في فؤاده فقال: (مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى) "النجم: 11" ، وزكاه في صدره فقال: (أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ) "الشرح: 1" ، وزكاه في ذكره فقال: (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) "الشرح: 4"، وزكاه في علمه فقال: (عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى) "النجم: 5"، وزكاه في صدقه فقال: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) "النجم: 3"، ثم أعطاه البشارة الكبرى والنعمة العظمي حيث زكاه كله فقال: (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم) "القلم: 4".
تكريمه في نسبه: عن وَاثِلَةَ بْنَ الْأَسْقَعِ، يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، يَقُولُ: " إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى كِنَانَةَ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ، وَاصْطَفَى قُرَيْشًا مِنْ كِنَانَةَ، وَاصْطَفَى مِنْ قُرَيْشٍ بَنِي هَاشِمٍ، وَاصْطَفَانِي مِنْ بَنِي
 هَاشِمٍ " ([2])
نسبٌ أضاءَ عمودهُ في رفعه 

**
كالصبح فيه ترفُّعٌ وضياءُ 

وشمائلٌ شهدَ العدوُّ بفضلها 

**
والفضلُ ما شهدت به الأعداء 




  
اشتق الله له أسماءً من أسمائه الحسنيكما أنه سبحانه وتعالي اشتق له أسماءً من أسمائه الحسني فقال تعالي: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"(التوبة/128)، والله عز وجل من أسمائه رءوف رحيم قال تعالي: "وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"(النور/20).
قرن الله تعالى اسم نبيه باسمه في مواطن كثيرة:  قرن اسم النبي محمد مع اسمه في شهادة الحق والدخول بالإسلام، ويصدح بها على المآذن إلى قيام الساعة.
وضم الإله اسم النبي إلى اسمه 

**
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد 

وشق له من اسمه ليجلـــــــــه 

**
فذو العرش محمود وهذا محمـد 




  
غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر:  قال الله تعالى (إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً * لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً) الفتح 1/2
عصمه الله من الأعداء:  قال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة 67
وعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ يَحْرُسُ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ: وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ، فَأَخْرَجَ النَّبِيُّ ﷺ رَأْسَهُ مِنَ الْقُبَّةِ، فَقَالَ لَهُمْ: " أَيُّهَا النَّاسُ، انْصَرِفُوا فَقَدْ عَصَمَنِي اللَّهُ " ([3])
فضل الله عز وجل نبيه محمد علي سائر الأنبياء والرسل الكرام: وهذا واضح في قوله تعالي:" تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ للَّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ "(البقرة/253).
والذي عليه المحققون من العلماء والمفسرين أن المقصود بقوله تعالي:" بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ "هو سيدنا محمد ﷺ لأنه هو صاحب الدرجات الرفيعة وصاحب المعجزة الخالدة المتمثلة في القرآن الكريم وصاحب الرسالة الجامعة لمحاسن الرسالات السماوية السابقة.
عموم رسالته ﷺ: كما أن الله عز وجل بعث كل نبي لأمته خاصة وبعث نبينا للناس عامة فقال تعالي: "وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ "(سبأ/28)
يقول تعالى لعبده ورسوله محمد ﷺ تسليما "وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيرا ونذيرا " أي إلى جميع الخلائق من المكلفين.
لم يخاطبه الله باسمه المجرد كما خاطب سائر الأنبياء: مثل قوله تعالى لسيدنا يحي (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيّاً) مريم 12
وقوله تعالى لسيدنا ادم u "وَقُلْنَا يَا آدَمُ اسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلاَ مِنْهَا رَغَداً حَيْثُ شِئْتُمَا وَلاَ تَقْرَبَا هَـذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الْظَّالِمِينَ) البقرة 35
وقوله تعالى لسيدنا عيسى u (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) سورة آل عمران
وقوله تعالى لسيدنا موسى u (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى) طه
وقوله تعالى لسيدنا إبراهيم u (وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) الصافات
وقوله تعالى لسيدنا زكريا u (يَا زَكَرِيَّا إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ اسْمُهُ يَحْيَى لَمْ نَجْعَل لَّهُ مِن قَبْلُ سَمِيّاً) مريم.
وقوله تعالى لسيدنا داود u (يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ) ص 26
بل ناداه بأحب الأسماء إليه، باللقب الدال على تعظيمه وتكريمه بعز النبوة وشرف الرسالة، فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) المائدة 67
وقال تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً) الأحزاب 45
دعوة إبراهيم وبشارة عيسى عليهما السلامدعا الخليل إبراهيم u لأهل الحرم قائلاً: " رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ" البقرة/ 129.
وبشارة عيسى u في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) الصف 6
تفضيله على الأنبياء بعدة خصال:  عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ﷺ-قَالَ «فُضِّلْتُ عَلَى الأَنْبِيَاءِ بِسِتٍّ أُعْطِيتُ جَوَامِعَ الْكَلِمِ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِىَ الْغَنَائِمُ وَجُعِلَتْ لِىَ الأَرْضُ طَهُورًا وَمَسْجِدًا وَأُرْسِلْتُ إِلَى الْخَلْقِ كَافَّةً وَخُتِمَ بي النَّبِيُّونَ» ([4]).
ثالثًا: رسولٌ أخرج من الظلمات إلى النور:
أمر بعبادة الله وترك عبادة الأوثان: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ t، «صَارَتِ الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَتْ فِي قَوْمِ نُوحٍ فِي العَرَبِ بَعْدُ أَمَّا وَدٌّ كَانَتْ لِكَلْبٍ بِدَوْمَةِ الجَنْدَلِ، وَأَمَّا سُوَاعٌ كَانَتْ لِهُذَيْلٍ، وَأَمَّا يَغُوثُ فَكَانَتْ لِمُرَادٍ، ثُمَّ لِبَنِي غُطَيْفٍ بِالْجَوْفِ، عِنْدَ سَبَإٍ، وَأَمَّا يَعُوقُ فَكَانَتْ لِهَمْدَانَ، وَأَمَّا نَسْرٌ فَكَانَتْ لِحِمْيَرَ لِآلِ ذِي الكَلاَعِ، أَسْمَاءُ رِجَالٍ صَالِحِينَ مِنْ قَوْمِ نُوحٍ، فَلَمَّا هَلَكُوا أَوْحَى الشَّيْطَانُ إِلَى قَوْمِهِمْ، أَنِ انْصِبُوا إِلَى مَجَالِسِهِمُ الَّتِي كَانُوا يَجْلِسُونَ أَنْصَابًا وَسَمُّوهَا بِأَسْمَائِهِمْ، فَفَعَلُوا، فَلَمْ تُعْبَدْ، حَتَّى إِذَا هَلَكَ أُولَئِكَ وَتَنَسَّخَ العِلْمُ عُبِدَتْ» ([5]) ،  (بدومة الجندل) مدينة بين المدينة والعراق وبلاد الشام. (هذيل) قبيلة من قبائل العرب وكذلك مراد وغطيف وهمدان وحمير وذو الكلاع. (بالجوف) اسم واد في اليمن والجوف كل منخفض من الأرض. (أنصابا) جمع نصب وهو حجر أو صنم ينصب تخليدا لذكرى رجل أو غيره. (هلك أولئك) مات الذين نصبوا الأنصاب وكانوا يعلمون لماذا نصبت. (تنسخ العلم) زالت معرفة الناس بأصل نصبها.
ومع أن الله سبحانه قد ميز الإنسان وكرمه على غيره من المخلوقات، وسخر له من النعم ما ظهر منها وما بطن، وفطره على فطرة نقية سليمة، إلا أن كثيراً من الناس انحرفوا عن طريق الفطرة، وأبوا إلا الضلال، واتبعوا الشيطان، العدو القديم، وعبدوا الأصنام بشتى أنواعها، وجميع أصنافها.
لقد عبدت طوائف من العرب الأصنام التي انتقلت إليهم من الأمم السابقة مثل: ودّ، وسواع، ويغوث، ويعوق، ونسر، والتي كانت في قوم نوح، وانتشرت عبادة تلك الأصنام بين القبائل العربية، وكانت العرب تعبد إضافة إلى تلك الأصنام أصنام قريش كاللاَّت، والعزَّى، ومناة، وهبل، وغيرهم.
فلما جاء رسول الله ﷺ أخرج الناس من عبادة الأصنام والعباد إلى عبادة رب العباد سبحانه وتعالى، فأخرجهم من الظلمات إلى النور كما قال تعالى: (الر كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ (1)سورة إبراهيم
وكم تحمل من المتاعب والمشاق في سبيل دعوتهم إلى الله ونبذهم لعبادة الأصنام حتى أتم الله تعالى نوره رغما عن المشركين كما قال تعالى (يُرِيدُونَ لِيُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ (8) هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (9)سورة الصف
العبادات: إن كل عبادة يؤديها المسلم لربه بخشوع وتذلل إليه يجد فيها أولان الراحة والطمأنينة والنعيم الذي لا يجده في أي شيء سوى في هذه العبادات كالصلاة والصيام والزكاة والحج وقراءة القراءن وذكر الله تعالى................
قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132)آل عمران
فطاعة الله ورسوله سبيل للفوز والنعيم في الدنيا والآخرة.
رفع مكانة المرأة وانهاء عادة وأد البنات: وهذه كانت عادة منتشرة في الجاهلية أنه إذا بُشر بأنثى يبقى وجهه مسودا مهموما من سوء هذه البشري كما قال تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (59)سورة النحل ، { مُسْوَدّاً} أَيْ كَئِيبًا مِنَ الْهَمِّ {وَهُوَ كَظِيمٌ} سَاكِتٌ مِنْ شِدَّةِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ الْحُزْنِ، {يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ} أَيْ يَكْرَهُ أَنْ يَرَاهُ النَّاسُ، {مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أَيْ إِنْ أَبْقَاهَا أَبْقَاهَا مُهَانَةً لَا يُورِّثُهَا وَلَا يَعْتَنِي بِهَا، وَيُفَضِّلُ أَوْلَادَهُ الذُّكُورَ عَلَيْهَا، {أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ} أَيْ يَئِدُهَا وَهُوَ أَنْ يَدْفِنَهَا فِيهِ حَيَّةً كَمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، أَفَمَنْ يَكْرَهُونَهُ هَذِهِ الْكَرَاهَةَ وَيَأْنَفُونَ لِأَنْفُسِهِمْ عَنْهُ يَجْعَلُونَهُ لِلَّهِ؟ {أَلاَ سَآءَ مَا يَحْكُمُونَ} أَيْ بِئْسَ مَا قَالُو. ([6])
وقال تعالى: {وَإِذَا الموءُدة سُئِلَتْ * بأي ذَنبٍ قُتِلَتْ} سورة التكوير والموءُدة هي التي كانت أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَدُسُّونَهَا فِي التُّرَابِ كَرَاهِيَةَ الْبَنَاتِ، فيوم القيامة تسأل الموءُدة عَلَى أَيِّ ذَنْبٍ قُتلت لِيَكُونَ ذَلِكَ تَهْدِيدًا لقاتلها، فإنه إذا سُئِلَ الْمَظْلُومُ فَمَا ظَنُّ الظَّالِمِ إِذًا؟ وَقَالَ ابن عباس: {وإذا الموءُدة سُئِلَتْ} أي سألت أي طالبت بدمها.
فنهى النبي ﷺ عن ذلك فعَنِ المُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ ﷺ: " إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَيْكُمْ: عُقُوقَ الأُمَّهَاتِ، وَوَأْدَ البَنَاتِ، وَمَنَعَ وَهَاتِ، وَكَرِهَ لَكُمْ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةَ المَالِ " ([7])، (وأد البنات) دفنهن وهن أحياء. (ومنع وهات) منع الواجبات من الحقوق وأخذ ما لا يحل لكم من الأموال أو طلب ما ليس لكم فيه حق.
ولم يُرعى للمرأة كرامتها، حيث يتبرأ الأب من ابنته حين تبلغ سن الثامنة عشرة أو أقل؛ لتخرج هائمة على وجهها تبحث عن مأوى يسترها، ولقمة تسد جوعتها، وربما كان ذلك على حساب الشرف، ونبيل الأخلاق، وهناك الأنظمة التي تعدها مصدر الخطيئة، وتسلبها حقها في الملكية والمسؤولية، وتجعلها تعيش في إذلال واحتقار، وتعدها مخلوقاً نجساً، ومن يجعلون المرأة سلعة يتاجرون بجسدها في الدعايات والإعلانات، وأكثر من ذلك بكثير.
أما في الإسلام فقد كرمها وهي بنت واخت وزوجة وأُم، ووصى بهن رسول الله ﷺ في كل مراحل عمرهن فعن أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ ﷺ، قَالَ:﴿ مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلاَ يُؤْذِي جَارَهُ، وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ، وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ، فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ، فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا ﴾ ﴿[8]
ووضع أسس وقواعد لصيانتهن والحفاظ على عفافهن وكرامتهن وتزويجهن بمن يُرِدْن دون اكراه ......
أمر بكسب المال والرزق من الحلال والابتعاد عن الحرام: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ (168)البقرة
فأمر بكسب المال الحلال الطيب ووعد بالبركة فيه ، ونهى عن الحرام بأنواعه كالربا والرشوة وسائر المعاملات المحرمة لأنها اكتساب بغير حق وفيها ظلم كبير واعتداء على حقوق الآخرين حيث قال تعالى (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا (30)النساء.
أمر برعاية الأمانة والعهد: قال تعالى: ) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ (المؤمنون، أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، يل يؤدونها إلى أهلها، وإذا عاهدوا أو عاقدوا أوفوا بذلك، لا كصفات المنافقين الذين قال فيهم رسول اللهﷺ  (آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان) ([9]) ، وقال تعالى: " إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ
اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا " (النساء)
أمر بحسن الخلق: فالمؤمن لا يسب ولا يشتم أحدا، ويحترم الناس في جميع أحواله، فعن أبي هريرة t قَالَ: سُئلَ رسولُ اللَّهِ ﷺ مَا أَكثرُ مَا يُدخِلُ الجَنَّةَ؟ قَالَ: (تَقوى اللَّهِ وحُسنُ الخُلُقِ) قَالَ: وَمَا أَكثرُ مَا يُدخِلُ النَّار؟ قَالَ: (الأجَوفَان: الفَمُ والفَرْجُ) ([10])
فجعله يتصف بصفات حميدة مثل: الحياء، العفة، ويبتعد عنه الصفات الذميمة مثل: الحسد، اقتراف الاثم والمعصية، السرقة، الكذب، النظر الى المحرمات، التجسس على الناس، الغيبة، النميمة، السب والشتم، .. وغيرها.
الاهتمام بالتعليم: لو تدبرت القرآن الكريم لوجدت أن أول آية نزلت من القرآن الكريم هي قوله تعالى (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (5)سورة العلق، وهذا يدل على أهمية العلم لقيام الدول وتطورها، وبدونه لا تقدم ولا تطور.
وقال ابن القيّم: العلم هاد. وهو تركة الأنبياء وتراثهم. وأهله عصبتهم وورّاثهم، وهو حياة القلوب، ونور البصائر، وشفاء الصّدور، ورياض العقول، ولذّة الأرواح، وأنس المستوحشين، ودليل المتحيّرين، وهو الميزان الّذي به توزن الأقوال والأعمال والأحوال. وهو الحاكم المفرّق بين الشّكّ واليقين، والغيّ والرّشاد، والهدى والضّلال. به يعرف الله ويعبد، ويذكر ويوحّد، ويحمد ويمجّد، وبه اهتدى إليه السّالكون.
ومن طريقه وصل إليه الواصلون. ومنه دخل عليه القاصدون. وبه تعرف الشّرائع والأحكام، ويتميّز الحلال والحرام. وبه توصل الأرحام، وبه تعرف مراضي الحبيب، وبمعرفتها ومتابعتها يوصل إليه من قريب. وهو إمام، والعمل مأموم. وهو قائد، والعمل تابع. وهو الصّاحب في الغربة، والمحدّث في الخلوة، والأنيس في الوحشة، والكاشف عن الشّبهة، والغنى الّذي لا فقر على من ظفر بكنزه. والكنف الّذي لا ضيعة على من أوى إلى حرزه. مذاكرته تسبيح، والبحث عنه جهاد. وطلبه قربة. وبذله صدقة ومدارسته تعدل بالصّيام والقيام. والحاجة إليه أعظم منها إلى الشّراب والطّعام.
المساواة بين الناس جميعا: قال تعالى: (يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)الحجرات
وقال رسول الله ﷺ (يا أيها الناس! إن ربكم واحد وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا عجمي على عربي ولا أحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى * (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) *، ألا هل بلغت؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: فيبلغ الشاهد الغائب "([11])
فكان الناس يتعالى بعضهم على بعض، ويظن هذا أنه أفضل من أخية فبين للناس أن الفضل إنما هو بالتقوى والعمل الصالح، لا بالقوة والجاه والسلطان .....
ودعا رسول الله ﷺ إلى تحرير العبيد وإعطائهم حقوقهم، فتم تحرير الكثير والكثير من العبيد، واعطائهم حريتهم فيعبدوا ربهم بحرية تامة، ويتمتعوا بحقوقهم كغيرهم.
العدل في القضاء والحكم: قال تعالى:﴿ وَإِذا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) ﴾النساء، وعن أنس بن مالك-t-قال: قال رسول الله ﷺ: «إذا حكمتم فاعدلوا، وإذا قتلتم فأحسنوا، فإنّ الله-عزّ وجلّ- محسن يحبّ المحسنين» ([12])
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -ﷺ-قَالَ «اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ» ([13]).
التعاون والاتحاد: عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -ﷺ- « مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِى تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى » ([14]) ، وعن أَبي موسى - t - ، قَالَ : قَالَ رَسُول الله - ﷺ - : (( المُؤْمِنُ للْمُؤْمِنِ كَالبُنْيَانِ يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضَاً )) وشبَّكَ بَيْنَ أصَابِعِهِ ([15])، وقال تعالى: ﴿ وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى ﴾ ( سورة المائدة الآية : 2 )
ونهى عن التنازع فقال تعالى: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} الأنفال:46، فإذا اختلفنا فعلينا أن نرجع إلى كتاب الله – تعالى – وإلى سنة رسوله – ﷺ – كما قال تعالى: ﴿ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ﴾النساء.
الإصلاح وحرمة الإفساد: قال تعالى ﴿فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾ الأنعام، وقال تعالى ﴿فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ﴾، وقال تعالى ﴿إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُواْ فَإِنَّ الله غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ آل عمران89
وأعد العقوبة الأليمة لمن تسول له نفسه بالإفساد فقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (33) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (34)المائدة.
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: قال تعالى﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴿104﴾ آل عمران.
وعن أبي سعيد الخدري عن رسول الله ﷺ قال: ﴿مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الإِيمَانِ﴾ ﴿[16].
في الحروب:([17]) وصَّى رسول الله ﷺ عبد الرحمن بن عوف t عندما أرسله في شعبان سنة 6 هـ إلى قبيلة كلب النصرانية الواقعة بدومة الجندل؛ فقال له: "اغزوا جميعًا في سبيل الله، فقاتلوا من كفر بالله، لا تَغُلُّوا، ولا تَغْدِرُوا، ولا تُمَثِّلُوا، ولا تَقْتُلُوا وَلِيدًا، فهذا عَهْدُ اللهِ وسيرة نبيّه فيكم.
وكَانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ‏إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ قَالَ: "‏اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ لَا ‏تَغْدِرُوا ‏وَلَا‏ ‏تَغُلُّوا‏ ‏وَلَا‏ ‏تُمَثِّلُوا ‏وَلَا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ وَلَا أَصْحَابَ ‏الصَّوَامِعِ.
وعَنْ ابن عمر t (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَأَى فِي بَعْضِ مَغَازِيهِ امْرَأَةً مَقْتُولَةً؛ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ، وَنَهَى عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ) ([18])
ورغم ما حدث في غزوة أحد من تمثيل المشركين بحمزة بن عبد المطلب t عَمِّ الرسول ﷺ، فإنه ﷺ لم يُغَيِّر مبدأه، بل حرص على النهي عن المُثلة حتى مع المشركين، ولم يَرِدْ في التاريخ حادثة واحدة تقول: إن المسلمين مَثَّلوا بأحدٍ من أعدائهم.
وقد يَتَّخِذُ البعض قاعدة "المعاملة بالمثل" مبرّرًا لهم ليفعلوا ما يشاءون في أعدائهم، محاربين كانوا أو مدنيّين، ولكنَّ الإسلام لا يُقِرُّ القسوة أو الظلم مهما كانت المبرّرات، ولذلك لا يُطبق هذه القاعدة مع المدنيين للدولة المحاربة، حتى لو آذوا المدنيين في بلادنا!
يقول الله تعالى: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8].
قال القرطبي رحمه الله: دَلّت الآية على أنّ كُفر الكافر لا يَمنع من العدل معه، وأن المثلة بهم غير جائزة، وإن قَتلوا نساءنا وأطفالنا وغَمُّونا بذلك، فليس لنا أن نقتلهم بمثلة قصدًا لإيصال الغمِّ والحزن إليهم ([19])
فهل في مناهج الأرض مثل منهجنا؟!
ولم تكن حروب الرسول ﷺ حروب تخريب كالحروب المعاصرة التي يحرص فيها المتقاتلون من غير المسلمين على إبادة مظاهر الحياة لدى خصومهم، بل كان النبي ﷺ والمسلمون يحرصون أشدّ الحرص على الحفاظ على العُمران في كل مكان، ولو كان بلاد أعدائهم؛ فقد جاء في وصية الرسول ﷺ لجيش مؤتة:".... ولا تَقْطَعَنَّ شَجَرَةٍ وَلا تَعْقِرَنَّ نَخْلًا ولا تَهْدِمُوا بَيْتًا.
أيها المسلمون: إن هذا القدر الذي ذكرته لا يساوي شيئا فيما فعله رسول الله ﷺ عليه وسلم وقام به بأمر الله ليخرج الناس من ظلمات الجهل إلى نور الإيمان والحق والخير ويردهم إلى ربهم ردا جميلا.
**
ولأفضلِ الأديان قام فأنـــــذرا 



ولأكرمِ الأخلاق جاء مُتمِّمًا 

**
يدعو لأحسنِها ويمحو المنكرا 




  
صلى عليه اللهُ في ملكوته 

**
ما قام عبدٌ في الصلاة وكبـــّرا
 
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ أحمد أبو عيد
0109 809 58 54

نسألكم الدعاء






[1])) مقتطفات من كتاب الرحيق المختوم ومصادر أخرى.
([2]) صحيح مسلم
([3]) السلسلة الصحيحة
([4]) صحيح مسلم
[5])) صحيح البخاري
[6])) تفسير ابن كثير
[7])) صحيح البخاري
([8]) متفق عليه
([9]) صحيح مسلم
[10])) السلسلة الصحيحة
[11])) السلسلة الصحيحة
([12]) صحيح الجامع
([13]) صحيح مسلم
([14]) صحيح مسلم
([15]) متفق عليه
([16]) صحيح مسلم
[17])) وصايا الرسول في الحرب د/ راغب السرجاني
[18])) صحيح البخاري
[19])) الجامع لأحكام القرآن

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات