خطبة سمو القدر في إحياء ليلة القدر للشيخ السيد مراد سلامة
العنصر الأول ليلة القدر وخصائصها وتحريها:
بشراكم أيها الأحباب فقد أدركتم العشر التي
فيها الهدية الربانية والمنحة الإلهية إنها ليلة لها ما بعدها من منزلة وثواب و مغفرة
جرتِ السنون و قدْ مضَى العمْرُ *** والقلبُ
لا شُكرٌ ولا ذِكرُ
هَا قدْ حباكَ اللهُ معفرةً *** طرقتْ رحابَك
هذه العشرُ
إنها الليلة التي هي خير من ألف شهر خير
من ألف شهر جهاد وعبادة و ذلكم عباد الله فضل
الله يؤتيه من يشاء
عشْرٌ وأيُّ العشْرِ يا شهرَ التُّقَى
*** عشْرٌ بها عتقٌ من النيرانِ
فيهَا منَ الأيامِ أعظمُ ليلةٍ *** بشرَى
لقائمِ ليلِها بِجِنانِ
قال الله تعالى عنها{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ
فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ
خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ
رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلَامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ (5)}
وهل عرفتم عباد الله لماذا سمها الله تعالى
بذلك؟
* سبب تسميتها ليلة القدر:
أولاً: أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة،
فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام، وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه
. . .
ثانياً: سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف
كما تقول فلان ذو قدر عظيم ، أي ذو شرف لقوله تعالى : { وما أدراك ما ليلة القدر *
ليلة القدر خير من ألف شهر } وليلة خير من ألف شهر قدرها عظيم ولاشك .
ثالثاً: وقيل لأن للعبادة فيها قدر عظيم
لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ” من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما
تقدم من ذنبه ” [ متفق عليه ] . وهذا لايحصل إلا لهذه الليلة فقط، فلو أن الإنسان قام
ليلة النصف من شعبان ، أو ليلة النصف من رجب ، أو ليلة النصف من أي شهر ، أو في أي
ليلة لم يحصل له هذا الأجر .
رابعا: لان من قامها إيمانا واحتسابا صار
ذا قدر ومنزلة
واليكم الليلة عباد الله خصائص ومزايا وفضائل
نذكر منها
فضائل ليلة القدر
إخوة العقيدة: إن لليلة القدر قدر ومنزلة
عظيمة عند الله تعالى شرفها على سائر الليالي وخصها بما زادها شرفا وتعظيما
1ـ أنها ليلة أنزل الله فيها القرآن، قال
تعالى: {إنا أنزلناه في ليلة القدر} .
عن سعيد بن جبير في قوله تعالى (إنا أنزلناه
في ليلة القدر) قال أنزل القرآن في ليلة القدر جملة واحدة إلى سماء الدنيا كان بموقع
النجوم فكان الله ينزله على رسوله – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – بعضه في إثر
بعض قال عز وجل (وقالوا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه
ترتيلا) .هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه. (المستدرك
2ـ أنها ليلة مباركة، قال تعالى: {إنا أنزلناه
في ليلة مباركة}.
قال القرطبي – رحمه الله-ولها أربعة أسماء:
الليلة المباركة وليلة البراءة وليلة الصك وليلة القدر ووصفها بالبركة لما ينزل الله
فيها على عباده من البركات والخيرات والثواب
3ـ يكتب الله تعالى فيها الآجال والأرزاق
خلال العام، قال تعالى: {فيها يفرق كل أمر حكيم}.
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: إنك لترى
الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى ثم قرأ (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ
مُبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ (3) فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ)
يعني: ليلة القدر ففي تلك الليلة يفرق أمر الدنيا إلى مثلها من قابل. أخرجه الحاكم
وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد قوله
(فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ) قال: في ليلة القدر كل أمر يكون في السنة إلى
السنة: الحياة والموت، يقدر فيها المعايش والمصائب كلها.
4ـ فضل العبادة فيها عن غيرها من الليالي
فالعبادة فيها تساوى عبادة قال تعالى: {ليلة القدر خير من ألف شهر}.
وورى ابن جرير ، عن مجاهد قال : « كان في
بني إسرائيل رجل يقوم الليل حتى يصبح ، ثم يجاهد العدوّ بالنهار حتى يمسي ، ففعل ذلك
ألف شهر ، فأنزل الله هذه الآية { لَيْلَةُ القدر خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ } قيام
تلك الليلة خير من عمل ذلك الرجل »
5ـ تنزل الملائكة فيها إلى الأرض بالخير
والبركة و الرحمة والمغفرة، قال تعالى: {تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل
أمر} .
قال الزحيلي في تفسيره: ومن فوائد نزول
الملائكة: أنهم يرون في الأرض من أنواع الطاعات ما لم يروه في سكان السموات، ويسمعون
أنين العصاة الذي هو أحب إلى اللَّه من زجل المسبّحين، فيقولون: تعالوا نسمع صوتا هو
أحب إلى ربنا من تسبيحنا.
ولعل للطاعة في الأرض خاصية في هذه الليلة،
فالملائكة أيضا يطلبونها طمعا في مزيد الثواب، كما أن الرجل يذهب إلى مكة لتصير طاعاته
هناك أكثر ثوابا.
6ـ ليلة خالية من الشر والأذى وتكثر فيها
الطاعة وأعمال الخير والبر ، وتكثر فيها السلامة من العذاب ولا يخلص الشيطان فيها إلى
ما كان يخلص في غيرها فهي سلام كلها ، قال تعالى : { سلام هي حتى مطلع الفجر } .
عن مجاهد في قوله: { سَلاَمٌ هِيَ } قال
: هي سالمة لا يستطيع الشيطان أن يعمل فيها سوءاً ، أو يعمل فيها أذى ،
7ـ فيها غفران للذنوب لمن قامها واحتسب
في ذلك الأجر عند الله عز وجل ، عن أبي هريرة – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
– عن النبي – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قال: “من صام رمضان إيمانا واحتسابا
غُفر له ما تقدم من ذنبه، ومن قام ليلة القدر إيمانا واحتسابا غُفر له ما تقدم من ذنبه”.
[متفق عليه ] .
قال الشعبي: وليلها كيومها، ويومها كليلها.
وقال الفرّاء: لا يقدر اللَّه في ليلة القدر
إلا السعادة والنعم، ويقدّر في غيرها البلايا والنقم. وقال سعيد بن المسيب في الموطأ:
من شهد العشاء من ليلة القدر، فقد أخذ بحظه منها. ومثله ومثل ما تقدمه لا يدرك بالرأي.
تحري ليلة القدر:
فمذهب أبي بن كعب رضي الله عنه أن ليلة
القدر ليلة سبع وعشرين، وعلى ذلك أقسم، وتبعه في ذلك تلميذه زر بن حبيش رحمه الله تعالى
حتى قال: ” لَوْلَا سُفَهَاؤُكُمْ لَوَضَعْتُ يَدَيَّ فِي أُذُنَيَّ فَنَادَيْتُ: أَنَّ
لَيْلَةَ الْقَدْرِ سَبْعٌ وَعِشْرُونَ، نَبَأُ مَنْ لَمْ يَكْذِبْنِي، عَنْ نَبَأِ
مَنْ لَمْ يَكْذِبْهُ، يَعْنِي أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ” رواه أحمد وصححه ابن خزيمة.
وقال زِرٌّ أيضا عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ:
“كَانَ عُمَرُ، وَحُذَيْفَةُ، وَنَاسٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَشُكُّونَ أَنَّهَا لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ، تَبْقَى
ثَلَاثٌ” رواه ابن أبي شيبة.
وممن روى أحاديث في ليلة سبع وعشرين تثبت
أنها ليلة القدر معاوية بن أبي سفيان وابن عباس وأبو هريرة وابن عمر رضي الله عنهم:
فأما مُعَاويَةُ رضي الله عنه فروى عَن
النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَوله: “لَيْلَةُ القَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وعِشْرينَ”
رواه أبو داود.
وأما ابنِ عَبّاسٍ رضي الله عنهما فروى
أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: “يا نَبيَّ الله، إِنّي
شَيْخٌ كَبيرٌ عَلِيلٌ يَشُقُّ عَلَيَّ القِيَامُ، فَأْمُرْني بِلَيْلَةٍ لَعَلَّ الله
يُوَفِّقُني فيهَا لَيْلَةَ القَدْر، قالَ: عَلَيْكَ بالسَّابِعَةِ” رواه أحمد.
وَدَعَا عُمَرُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ لَيْلَةِ الْقَدْرِ فَاجْتَمَعُوا أَنَّهَا
فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَقُلْتُ لِعُمَرَ: إِنِّي لَأَعْلَمُ
أَوْ إِنِّي لَأَظُنُّ أَيَّ لَيْلَةٍ هِيَ، قَالَ عُمَرُ: فَأَيُّ لَيْلَةٍ هِيَ؟
فَقُلْتُ سَابِعَةٌ تَمْضِي، أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى مِنَ الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ،
– يعني ثلاثا وعشرين أو سبعا وعشرين -.
قال الحافظ ابن عبد البر رحمه الله تعالى:
النَّفْسُ أَمْيَلُ إِلَى أَنَّهَا فِي الْأَغْلَبِ لَيْلَةُ ثَلَاثٍ وَعِشْرِينَ،
أَوْ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ عَلَى مَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ
إِنَّهَا سَابِعَةٌ تَمْضِي، أَوْ سَابِعَةٌ تَبْقَى، وَأَكْثَرُ الْآثَارِ الثَّابِتَةِ
الصِّحَاحِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وأما أَبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فقَالَ:
تَذَاكَرْنَا لَيْلَةَ الْقَدْرِ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَقَالَ: “أَيُّكُمْ يَذْكُرُ حِينَ طَلَعَ الْقَمَرُ، وَهُوَ مِثْلُ شِقِّ جَفْنَةٍ؟”
رواه مسلم. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْفَارِسِيُّ: أَيْ: لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ
فَإِنَّ الْقَمَرَ يَطْلُعُ فِيهَا بِتِلْكَ الصّفة.
وأما ابن عمر رضي الله عنهما فقال: رَأَى
رَجُلٌ أَنَّ لَيْلَةَ الْقَدْرِ لَيْلَةُ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ أَوْ كَذَا وَكَذَا،
فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”أَرَى رُؤْيَاكُمْ قَدْ تَوَاطَأَتْ
فَالْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْبَوَاقِي فِي الْوِتْرِ مِنْهَا ” رواه أحمد.
العنصر الثالث كيف تفوز بليلة القدر
أحباب رسول الله صلى الله عليه وسلم-فإن
سألتم عباد الله كيف أكون من أهلها و كيف أنال شرفها و كيف اسمو بنفسي ؟
الجواب بحول الملك الوهاب
إذا ارتم أن تفوزا بتلك الليلة فعليكم بذلك
البرنامج العملي
أولا: استحضار النية.
أن يجمع المسلم نيته و أن يصدق في سررته
و أن يرى الله تعالى من قلبه صدق عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله
عليه وسلم : ‘ إنما الأعمال بالنيات ، وإن
لكل امرئ ما نوى ‘
وكان ابن المبارك يقول “ربَّ عمل صغير تعظمه
النية، وربَّ عمل كبير تصغره النية”
فمهما كان عملك كبيرًا، إذا لم تصلِّح نيتك
فيه فلن ينفعك .. ومن الممكن أن يكون العمل صغيرًا، ولكن بالنية الخالصة يصير عظيمًا
جدًا.
ثانيا: الإلحاح على الله تعالى أن يمنحك
فضلها و أن يمن عليك بذخرها وأجرها فهو سبحانه يحب الملحين في الدعاء
قال ابن القيم رحمه الله: ” إذا اجتمع عليه
قلبه وصدقت ضرورته وفاقته وقوي رجاؤه فلا يكاد يرد دعاؤه” ،
وقال ابن عطاء ” تحقق بأوصافك يمُدَّك بأوصافه
، تحقَّق بذُلك يمُدُّك بعزِّه ، تحقَّق بعجزِك يمُُّك بقدرته ، تحقَّق بضعفك يمدُّك
بقوته “.
يا من أجاب دعاء نوحٍ فانتصر — وحَملْته
في فُلككَ المشحونِ
يا من أحال النَّار حول خليله — رَوحاً
وريحاناًً بقولك كوني
يا من أمرت الحوت يلفظ يونس — وحميته بشجيرة
اليقطينِ
يا ربُ إنَّا مثله في كُربةٍ — فارحم عباداً
كلهم ذو النون
ثالثا تبتل إليه في تلك الليالي
و التبتل: أي الانقطاع لله تعالى، وهو من
أشرف العبادات التي تتقرب إلى الله بها في هذا الوقت .. قال تعالى {وَاذكرِ اسمَ رَبِّكَ
وَتَبَتَّل إِلَيهِ تَبتِيلًا، رَبّ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ لَا إِلَهَ إِلَّا هوَ فَاتَّخِذه
وَكِيلًا} [المزمل:8,9] .. ففرِّغ قلبك له وحده سبحانه.
قال ابن كثير -رحمه الله-: \”أي: أكثِرْ
من ذِكره، وانقطع إليه، وتفرَّغ لعبادته إذا فرغت من أشغالك وما تحتاج إليه من أمور
دنياك؛ كما قال -تعالى-: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)[الشرح: 7]؛ أي: إذا فرغت من
أشغالك، فانصَبْ في طاعته وعبادته؛ لتكون فارغ البال..، وقال ابن عباس: (وَتَبَتَّلْ
إِلَيْهِ تَبْتِيلاً)[المزمل: 8]؛ أي: أخلِصْ له العبادة..، وقال الحسن: اجتهد وبَتِّل
إليه نفسك\”[1].
وقال ابن سعدي – رحمه الله -: \”أي: انقطع
إلى الله تعالى؛ فإن الانقطاع إلى الله والإنابة إليه، هو الانفصال بالقلب عن الخلائق،
والاتصاف بمحبة الله، وكل ما يقرِّب إليه ويُدْنِي من رضاه”
الزم مصلاك و ابتهل إلى مولاك
يا من له عنت الوجوه بأسرها — وله جميع
الكائنات توحد
يا منتهى سؤلي وغاية مطلبي — من لي إذا
أنا عن جنابك أطرد
أنت المؤمل في الشدائد كلها — يا سيدي ولك
البقاء السرمدُ
ولك التصرفُ في الخلائق كلها — فلذاك تهدي
من تشاء وتُسعدُ
رابعا: اصبر واصطبر
{رَبّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضِ وَمَا بَينَهمَا
فَاعبده وَاصطَبِر لِعِبَادَتِهِ هَل تَعلَم لَه سَمِيًّا} [مريم: 65]
إنما الظفر بالمطلوب صبرك ساعة و ما الليالي
العشر إلا سويعات وما الليالي الوترية إلا لحظات و ما ليلة السابع و العشرون إلا ومضات
فاصبر و صابر
قال بعض السلف “من أراد أن تواتيه نفسه
على الخير عفواً فسينتظر طويلاً، بل لابد من حمل النفس على الخير قهراً “.
خامسا: هذا زمان السباق، فلا ترضَ بالخسارة
والدون
بل ادخل السباق بنفسية المتحدي، وهذا هو
السباق الحقيقي وليس بكثرة النقود والنفوذ
فارفع شعار أبو مسلم الخولاني الذي قال:
” أيظن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أن
يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمهم عليه زحاما حتى يعلموا أنهم قد خلَّفوا وراءهم
رجالاً ” .
قال وهيب بن الورد “إن استطعت ألا يسبقك
إلى الله أحد فافعل” ..
وقال بعض السلف “ما بلغني عن أحد من النَّاس أنَّه
تعبد عبادة إلا تعبدت نظيرها وزدت عليه” .. وقال أحدهم “لو أنَّ رجلاً سمع برجل هو
أطوع لله منه فمات ذلك الرجل غمَّا ما كان ذلك بكثير”
استعن بالله وسلّه أن يمدّك بالقوة على
العمل الصالح .. فإنك لن تستطيع أن تعمل سوى بحول الله وقوته، فأكثِّر من قول “لا حول
ولا قوة إلا بالله” وطلب العون من الله عز وجل.
سادسا: تعاهد عملك بالإصلاح واحذر العجب
فاجمع بين الكم والكيف .. قال النبي لأم
المؤمنين عائشة رضي الله عنها “إنَّ لك من الأجر على قدر نصبك” [ رواه الحاكم وصححه
الألباني] .. فعلى قدر التعب والمشقة، يكون الأجر من الله تعالى.
يا من يعانق دنيا لا بقاء لها * * * يمسى
ويصبح مغرورا وغرارا
هلا تركت من الدنيا معانقة * * * حتى تعانق
في الفردوس إبكارا
إن كنت تبغي جنان الخلد تسكنها * * * فينبغي
لك أن لا تأمن النارا
قال أحد الصالحين :(أيها الناس ألا إنما
الدنيا ساعة فاجعلوها طاعة، إن النفس طماعة فعودوها القناعة، إن الدنيا إذا حلت أوحلت،
وإذا كست أوكست، وإذا أينعت نعت، وإذا جلت أوجلت، وكم من فتىً مدت له رباعها، فلما
مدت له بَاَعَها باعها، وكم من ملك رفعت له علامات، فلما علا مات، ولا يبقى غير وجه
ربك ذو الجلال والإكرام).
قال الفاروق رضي الله عنه : ” طلب الراحة
للرجال غفلة “
وقيل لابن الجوزي : هل يسوغ لي أن ألهو وأرفه عن
نفسي بشيءٍ من المباحات ؟ قال : عند نفسك من الواجبات ما يشغلها.
قيل لأبي موسى الأشعري – وهو من الصحابة
رضوان الله عليهم – وقد كان يكثر من العبادة حتى أصبح – كما قالوا – كعود الخِلال يعني
من شدة نحوله ، فقيل له : لو أجممت نفسك ! فقال : هيهات ! إنما يسبق الخيل المضمرة
؛يعني النحيفة هي التي تسبق خفيفة يمكن أن تنطلق إلى مرضاة الله سبحانه وتعالى.
وقال وهيب بن الورد “لا يكون همّ أحدكم
في كثرة العمل ، ولكن ليكن همّه في إحكامه وتحسينه فإنَّ العبد قد يصلِّي وهو يعصي
الله في صلاته، وقد يصوم وهو يعصي الله في صيامه. فاجمع بين الأمرين تنال قصب السبق”.
سابعا: احذر العجب و لا تخبر أحدا بعملك
و لا بما رأيت
قَالَ مُطَرِّفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ”
لأَنْ أَبِيتَ نَائِمًا وَأُصْبِحُ نَادِمًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَبِيتَ قَائِمًا
وَأُصْبِحُ مُعْجَبًا ” .
لا ترض عن نفسك ولا عن عملك .. فأصل الخطايا
الرضا عن النفس .. فلا تركن إلى عمل، بل انظر إلى وجه القصور فيه ، واستغفر الله على
نقصانه ليكون على مظنة القبول .. قال تعالى {وَالَّذِينَ يؤتونَ مَا آَتَوا وَقلوبهم
وَجِلَةٌ أَنَّهم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعونَ} [المؤمنون:60]
قال الشافعي : إذا خفت على عملك العُجب
فاذكر رضا من تطلب و في أي نعيم ترغب و من أي عقاب ترهب فمن فكر في ذلك صغر عنده عمله
و قال إسحاق بن خالد : ليس شيء أقطع لظهر
إبليس من قول ابن آدم : ليت شعري بماذا يختم لي ؟ عندها ييأس إبليس و يقول: متى يُعجب
هذا بعمله
ربّ طاعة أورثت عزاً واستكباراً
وربّ معصية أورثت ذلاً واستغفاراً
ثامنا: عليك بالدعاء فخير عمل يقوم به العمل
في ليلة القدر فهو خير من الصلاة و قراءة القران عن عائشة رضي الله عنها قالت : يا
نبي الله أرأيت إن وافقت ليلة القدر ما أقول ؟ قال : تقولين : اللهم إنك عفو تحب العفو
فاعف عني”
*العنصر الرابع الأعمال بالخواتيم
وأخيرا عباد الله الأعمال بالخواتيم
أخرج البخاري عن سهل بن سعد عن النبي صلى
الله عليه و سلم قال إنما الأعمال بالخواتيم
فمن أحدث قبل السلام بطلت صلاته ومن افطر
قبيل الغروب بطل صومه فالأعمال بالخواتيم
قال ابن المبارك: ” من ختم نهاره بذكر كتب
نهاره كله ذكراً، يشير إلى أن الأعمال بالخواتيم، فإذا كان البداءة والختام ذكراً،
فهو أولى أن يكون حكم الذكر شاملاً للجميع ” [فيض القدير 1/41].
يقول ابن رجب – رحمه الله – فربما سلك الإنسان
في أول أمره عَلَى الصراط المستقيم، ثم ينحرف عنه في آخر عُمُره فيسلك بعض سبل الشيطان
فينقطع عن الله فيهلك، “إنَّ أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكونَ بينه وبينها
إلاَّ ذراعٌ أو باعٌ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخل النار”).
وربما سلك الرجل أولاً بعض سبل الشيطان
ثم تدركه السعادة فيسلك الصراط المستقيم في آخر عمره فيصل به إِلَى الله.
والشأن كل الشأن في الاستقامة عَلَى الصراط
المستقيم من أول السير إِلَى آخره، {ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ}
[الجمعة: 4].
{وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلَامِ
وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [يونس: 25].