تفاءلوا بالخير تجدوه للشيخ أحمد محمد أبو اسلام
عناصر الخطبة
1)المقدمة
2) سيدنا يعقوب والأمل
3)سيدنا نوح والأمل
4) النبي صلى الله عليه وسلم ببث الأمل
في نفوس صحابته وأمته
5) الخاتمة
الخطبة الأولى
========
الحمد لله الذي أبدع الكائنات المتنوعات على
غير نظير ومثال وأتقن جميع المصنوعات فما يرى فيها تفاوت ولا إخلال وجعلها على
قدرته ووحدانيته آيات دوال ألا له الخلق والأمر لا إله إلا هو الكبير المتعال جواد
لا يبخل وغني لا يفقر وكريم يبتدئ بالإحسان قبل السؤال.
بيده الخير كله فله الحمد على كل حال وفي كل
حال أحمده سبحانه على نعمه الجزال وأشكره والشكر لشوارد النعم أوثق عقال وأشهد أن
لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا ألوهيته وما له من صفات الكمال
ونعوت الجلال.
شهادة تنفي الشرك وتنافي الضلال أرجوه أن
يختم بها حياتي يوم الرحيل من الدنيا والانتقال وأن يؤمنني بها من كربات ذلك اليوم
وما بعده من الشدائد والأهوال. وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله وحبيبه وخليله
أفضل من تطوع وقال وأشرف من خص بأشرف مقامات الإرسال أرسله والكفر قد اشتد فزال
وظلام الضلال متراكم فانجال فأضحت به الحقيقة مشرقة لا لبس فيها ولا إشكال، اللهم صلى
وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه خير صحب وآل الذين اعتدل بهم قوام هذا
الدين أتم اعتدال صلاة وسلامًا يبلغانهم من ربهم نهاية الآمال.
أما بعد:
المقدمة
======
فيامن ينشد اليسر في الدنيا والفلاح في الآخرة أوصيك بتقوى الله
فهذا ربك يخاطبك فأنصت لخطاب ربك إذ يقول:{..وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ
مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا()ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ
يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا }
(الطلاق:5-6).أحبتي في الله تساؤلات قد يقف بعض الناس أمامها حائراً؛ما الذي يؤدي
للانتحار؟.ما الذي يؤدي للفشل في الحياة الاجتماعية أو العملية أو الدعوية أو
الدراسية؟. مشكلات عدة يغرق فيها المرء المسلم إذا أحاط نفسه بأسوار اليأس ورفض أن
يفتح نافذة التفاؤل والأمل.فنقول لمن وقع في هذا الفخ يا أخا العقيدة إن التفاؤل
جزء من عقيدتنا ومنهج حياتنا الإسلامية.
أيها الأحبة إن اليأس
والقنوط وعدم التفاؤل جحر ضيق يسعى أعداء الإسلام لحشر الأمة فيه حتى لا تفكر
بالعودة لأمجادها وقيادة العالم نحو النور.
سيدنا يعقوب والأمل
===========
أخي الحبيب لو قيل لك -لا قدر الله- أن ابنك الحبيب إلى نفسك
قتل،وجاءوك بالدليل العملي على ذلك ثياب الابن ملطخة بالدماء؛ فهل يبقى لديك أمل
بعد ذلك في لقائه في الحياة الدنيا؟.ما رأيك..؟.تعال أخي معي لتسمع لقصة النبي
الصالح يعقوب عليه السلام :فقد نعوا إليه ابنه الحبيب يوسف عليه السلام وجاؤا
بثيابه ملطخة بالدماء ومضت سنوات طويلة على الحادثة ثم بعد تلك السنوات يخاطب
أبناءه بروح متفائلة خلدها القرآن فقال:{يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ
يُوسُفَ وَأَخِيهِ وَلَا تَيْئَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ
مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ } (يوسف:18)
قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَا بَنِيَّ اذْهَبُوا
فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَأَخِيهِ) هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَيَقَّنَ
حَيَاتَهُ، إِمَّا بِالرُّؤْيَا، وَإِمَّا بِإِنْطَاقِ اللَّهِ تَعَالَى الذِّئْبَ
كَمَا فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ، وَإِمَّا بِإِخْبَارِ مَلَكِ الْمَوْتِ إِيَّاهُ
بِأَنَّهُ لَمْ يَقْبِضْ رُوحَهُ، وَهُوَ أَظْهَرُ. وَالتَّحَسُّسُ طَلَبُ
الشَّيْءِ بِالْحَوَاسِّ، فَهُوَ تَفَعُّلٌ مِنَ الْحِسِّ، أَيِ اذْهَبُوا إِلَى
هَذَا الَّذِي طَلَبَ مِنْكُمْ أَخَاكُمْ، وَاحْتَالَ عَلَيْكُمْ فِي أَخْذِهِ
فَاسْأَلُوا عَنْهُ وَعَنْ مَذْهَبِهِ. وَيُرْوَى أَنَّ مَلَكَ الْمَوْتِ قَالَ
لَهُ: اطْلُبْهُ مِنْ هَاهُنَا! وَأَشَارَ إِلَى نَاحِيَةِ مِصْرَ. وَقِيلَ: إِنَّ
يَعْقُوبَ تَنَبَّهَ عَلَى يُوسُفَ بِرَدِ الْبِضَاعَةِ، وَاحْتِبَاسِ أَخِيهِ،
وَإِظْهَارِ الْكَرَامَةِ، فَلِذَلِكَ وَجَّهَهُمْ إِلَى جِهَةِ مِصْرَ دُونَ
غَيْرِهَا. (وَلا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللَّهِ) أَيْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ
فَرَجِ اللَّهِ، قَالَهُ ابْنُ زَيْدٍ، يُرِيدُ: أَنَّ الْمُؤْمِنَ يَرْجُو فَرَجَ
اللَّهِ، وَالْكَافِرَ يَقْنَطُ فِي الشِّدَّةِ. وَقَالَ قَتَادَةُ وَالضَّحَّاكُ:
مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ. (إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا
الْقَوْمُ الْكافِرُونَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْقُنُوطَ مِنَ الْكَبَائِرِ،
وَهُوَ الْيَأْسُ.[ تفسير القرطبي (9 / 252):]
وقوله تعالى: {فَتَحَسَّسُواْ} استعلموا وتعرفوا،
أخذ من طلب الشيءَ بالحس {رَّوْحِ اللَّهِ} فرجه، أو رحمته من الريح التي تأتي
بالنفع. أمرهم بذلك، لأنه تنبه على يوسف برد البضاعة واحتباس أخيه وإظهار الكرامة،
وسأل يعقوب ملك الموت هل قبضت روح يوسف قال: لا.[ تفسير العز بن عبد السلام
(2 / 136):]
سيدنا نوح عليه السلام والأمل
================
أخي الحبيب لو أنك ظللت تدعو أهل بيتك
وأبنائك للهدى والاستقامة شهر وشهرين وعام وعامين ومضت عشرة أعوام ولا توجد
استجابة فهل لك أن تيأس وأن تقول لا فائدة في هؤلاء ؟.تعال أخي معي وتأمل للإجابة
فقد ذكر الله لنا نموذجاً عملياً في قصة نوح عليه السلام حيث
قال:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِ فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ
إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا...}(العنكبوت:14).تسعمائة وخمسين عاماً وهو يدعوهم إلى
الله ولم يكل أو يمل،ولا يظن أحدٌ خطاءً أنه دعا على قومه بعدها،فهو لم يدعو على
قومه إلا بعد أن جاءه الخطاب الرباني:{وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ
يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا
يَفْعَلُونَ}(هود:36)
لماذا ذكر الله قصة نوح
============
بعد أن ذكر الله عز وجل افتتان المؤمنين
بأذى الكفار، وأرشد إلى أن من قبلهم من الأمم قد فتنوا، أعقبه بتفصيل من فتنوا من
الأنبياء: كنوح وإبراهيم وهود ولوط وشعيب تسلية له صلى الله عليه وسلم، فقد ابتلوا
بما أصابهم من المكاره، وصبروا عليها، فليكن ذلك قدوة للمؤمنين.
وقد بدأ بذكر أبى الأنبياء نوح عليه السلام
فذكر أنه مكث فى قومه ألف سنة يدعوهم إلى الله ليلا ونهارا سرا وجهرا، وما زادهم
ذلك إلا فرارا من الحق، وإعراضا عنه، وتكذيبا له، وما آمن معه إلا قليل منهم،
فأنزل الله عليهم الطوفان فأهلكهم وهم مستمرون فى الظلم، لم يتأثروا بما سمعوا من
نوح من الآيات، ولم يرعووا عما هم عليه من الكفر والمعاصي هذه المدة، فأنجى الله
نوحا ومن معه ممن ركب السفينة من أتباعه، وكانت تلك السفينة عبرة وموعظة أمدا
طويلا مدة بقائها على جبل الجودي، ينظر إليها الناس، وترشدهم إلى نعمته على خلقه
بالنجاة من الطوفان، كما قال: «إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي
الْجارِيَةِ. لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ» وقد
تقدم تفصيل هذا فى سورة هود.
وجاء النظم هكذا: إلا خمسين عاما، ولم يقل:
تسعمائة سنة وخمسين سنة، لأن فى الاستثناء تحقيق العدد بخلاف الثاني فقد يطلق على
ما يقرب منه، إلى أن ذكر الألف أفخم وأوصل إلى الغرض، وجىء بالمميّز أولا بالسنة،
ثم بالعام دفعا للتكرار، ولأن العرب تعبر عن الخصب بالعام، وعن الجدب بالسنة، ونوح
لما استراح بقي فى زمن حسن.
العبرة من هذه القصص
============
لا يحزننك أيها الرسول ما تلقى من هؤلاء
المشركين أنت وأصحابك من الأذى، فإنى وإن أمليت لهم وأطلت إملاءهم، فإن مصيرهم إلى
البوار، ومصيرك ومصير أصحابك إلى العلو والنصر، كفعلنا بقوم نوح: إذ أغرقناهم
بالطوفان، وأنجينا نوحا وأتباعه من راكبى السفينة وجعلناها عبرة للعالمين.
وفى ذلك إيماء إلى أن نوحا قد لبث هذا الأمد
الطويل يدعو قومه، ولم يؤمن إلا القليل، فصبر وما ضجر، فأنت أولى بالصبر، لقلة مدة
لبثك، وكثرة عدد أمتك.[ تفسير المراغي (20 / 125:124)]
الخطبة الثانية
=======
الحمد لله الذي بأمره تقوم السماء وبعدله
ينصف المظلوم من الظالم يوم الجزاء وبلطفه أعطى الكثير وطلب اليسير ونمى فهو
المعروف بالمعروف وإغاثة الملهوف وهو أهل المنع والعطاء أحمده على السراء والضراء
وأشكره على نعمه وشكره يقبل على من شكر الشوارد من النعماء فسبحانه من إله لا يخاف
من آمن به وعمل صالحًا ظلمًا ولا هضمًا.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
رحيم بعباده وسع كل شيء رحمة وعلمًا وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الذي هدى به من
الضلالة وبصر به من العمى اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه الأعلام
والعلماء.
أما بعد:
النبي صلى الله عليه وسلم وبث الأمل في نفوس
صحابته وأمته
========================
نعم لا بد لمن يحمل الدعوة إلى الله أن
يحملها بروح متفائلة؛وهذا ما كان يغرسه نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم في
أصحابه ,فقد ورد في صحيح البخاري عن خباب قال: أَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ
مُتَوَسِّدٌ بُرْدَةً، وَهُوَ فِي ظِلِّ الكَعْبَةِ وَقَدْ لَقِينَا مِنَ
المُشْرِكِينَ شِدَّةً، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلاَ تَدْعُو اللَّهَ،
فَقَعَدَ وَهُوَ مُحْمَرٌّ وَجْهُهُ، فَقَالَ: «لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ لَيُمْشَطُ بِمِشَاطِ
الحَدِيدِ، مَا دُونَ عِظَامِهِ مِنْ لَحْمٍ أَوْ عَصَبٍ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ
عَنْ دِينِهِ، وَيُوضَعُ
المِنْشَارُ عَلَى مَفْرِقِ رَأْسِهِ، فَيُشَقُّ بِاثْنَيْنِ مَا يَصْرِفُهُ
ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ
الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، مَا يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ»،
زَادَ بَيَانٌ: «وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ»
.أخي الحبيب لك أن تتأمل عظم هذه الروح
التفاؤلية في قمة بطش قريش بالدعوة وأهلها. إني لأقول لمن اصطفاهم الله لحمل هذه
الدعوة إن اليأس في الدعوة مهلكة للداعية الذي فقد روح التفاؤل في المقام
الأول؛أخبرنا عن ذلك الصادق المصدوق صلى الله عليه ,فقد ورد في صحيح مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ:
" إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: هَلَكَ النَّاسُ فَهُوَ أَهْلَكُهُمْ " قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: لَا أَدْرِي،
أَهْلَكَهُمْ بِالنَّصْبِ، أَوْ أَهْلَكُهُمْ بِالرَّفْعِ.
[شرح محمد فؤاد عبد الباقي]
[ ش
(فهو أهلكهم) روى أهلكهم على وجهين مشهورين رفع الكاف وفتحها والرفع أشهر قال
الحميدي في الجمع بين الصحيحين الرفع أشهر ومعناه أشدهم هلاكا وأما رواية الفتح
فمعناها هو جعلهم هالكين لا أنهم هلكوا في الحقيقة واتفق العلماء على أن هذا الذم
إنما هو فيمن قاله على سبيل الإزراء على الناس واحتقارهم وتفضيل نفسه عليهم وتقبيح
أحوالهم قالوا فأما من قال ذلك تحزنا لما يرى في نفسه وفي الناس من النقص في أمر
الدين فلا بأس عليه وقال الخطابي معناه لا يزال الرجل يعيب الناس ويذكر مساويهم
ويقول فسد الناس وهلكوا ونحو ذلك فإذا فعل ذلك فهو أهلكهم أي أسوأ حالا منهم بما
يلحقه من الإثم في عيبهم والوقيعة فيهم وربما أداه ذلك إلى العجب بنفسه ورؤيته أنه
خير منهم]
وقد ورد في
صحيح مسلم عَنْ
جُنْدَبٍ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَدَّثَ "
أَنَّ رَجُلًا قَالَ: وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، وَإِنَّ اللهَ
تَعَالَى قَالَ:
مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ
غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ " أَوْ كَمَا قَالَ
قال النووي - رحمه الله - : ( قوله صلى الله
عليه وسلم « أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان وأن الله تعالى قال من ذا الذي
يتألى علي أن لا أغفر لفلان فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك » معنى يتألى : يحلف،
والألية: اليمين، وفيه دلالة لمذهب أهل السنة في غفران الذنوب بلا توبة إذا شاء
الله غفرانها) أ.هـ [شرح مسلم (16/174( ]
وقد ورد في سنن أبي داوو
في الحديث الصيح قَالَ أَبُو
هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ
صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " كَانَ رَجُلَانِ فِي بَنِي
إِسْرَائِيلَ مُتَوَاخِيَيْنِ، فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ، وَالْآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِي الْعِبَادَةِ، فَكَانَ لَا يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى
الْآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ: أَقْصِرْ، فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ
فَقَالَ لَهُ: أَقْصِرْ، فَقَالَ: خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا؟
فَقَالَ: وَاللَّهِ لَا يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ، أَوْ لَا يُدْخِلُكَ اللَّهُ
الْجَنَّةَ، فَقَبَضَ أَرْوَاحَهُمَا، فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ
فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ: أَكُنْتَ بِي عَالِمًا، أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِي يَدِي قَادِرًا؟
وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ: اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي، وَقَالَ
لِلْآخَرِ: اذْهَبُوا
بِهِ إِلَى النَّارِ " قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ
لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ
وأورد أبو داوود هنا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رجلين من
بني إسرائيل كانا متآخيين، أي: كان بينهما رفقة وصداقة، وكان أحدهما يجتهد في
العبادة، والثاني يحصل منه ذنوب، وكان المجتهد ينصحه، وينهاه، ومرة من المرات
نهاه، فتكلم بكلام أثاره، وقال: أبعثت علي رقيباً؟! خلني وشأني! فغضب ذلك المجتهد
وقال: والله! لا يغفر الله لك، أو والله! لا يغفر الله لفلان، أي: أنه تألى على
الله، وحلف أن الله لن يغفر له، وهذا هو الاعتداء، وهذا هو الظلم؛ لأنه أقسم على
الله أنه لن يغفر لفلان، ومعلوم أن الله عز وجل يغفر الذنوب جميعاً إلا ما كان
شركاً، كما قال الله عز وجل: {إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ
وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء:48]، ثم إن الله قبض
أرواحهما وقال لهذا الذي تكلم: أكنت بي عالماً؟ أو على ما في يدي قادراً؟ ثم قال
للذي كان يذنب: اذهب وادخل الجنة برحمتي، فقد تجاوز عنه ورحمه، وقال للذي قال هذه
الكلمة: اذهبوا به إلى النار، وذلك من أجل هذه الكلمة.
وهذا الحديث لا يفهم منه أنه خالد في النار. [شرح سنن أبي داود للعباد:]
أحبتي في الله إني أنادي كل من استسلم
لليأس وأغلق نوافذ التفاؤل قائلاً له إن اشتداد ظلمة الليل هو إيذاناً بقرب الفجر،وأن الحياة لا تدوم على حال،وبالتفاؤل
يتحول المرُّ حلواً والعلقم عسلاً والظلمة ضياءاً،فما أجمل العيش في كنف
التفاؤل،أخي الحبيب عد إلى كتاب ربك وتأمل في الآيات الداعية للتفاؤل تجدها كثيرة
واسمح لي أخي لأن أختار لك منها قول الله تعالى:{حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ
الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ
نَشَاءُ وَلَا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ }(يوسف:110(.
الإيضاح
(حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ
وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا) أي وما أرسلنا قبلك إلا
رجالا نوحى إليهم من أهل القرى فدعوا من أرسلوا إليهم إلى توحيد الله وإخلاص
العبادة له فكذبوا بما جاءوهم به، وردوا ما أتوا به من عند ربهم، حتى إذا يئس
الرسل من إيمانهم، لانهما كهم فى الكفر وتماديهم فى الطغيان من غير وازع، وظنّت الأمم
أن الرسل الذين أرسلوا إليهم قد كذبوهم فيما كانوا أخبروهم عن الله من وعده لهم
النصر عليهم- جاءهم نصرنا.[ تفسير المراغي (13 / 55):]
الخاتمة
=====
فاتقوا الله عباد الله،وتأملوا فيمن
حولكم ممن استسلم لقطرة من الفشل فغرق في بحر منه،ومن اتخذ من لحظة فشله درساً
للنجاح،ولعل من المناسب أن نذكر هنا في موسم الاختبارات بعض الطلاب الذين قد
يخفقون في مادة واحدة من المواد فيسيطر عليهم الشعور بالفشل ويضعف التفاؤل إلى
درجة تقترب من التلاشي؛حتى يتحول الفشل في جزء من مادة إلى فشل في المواد التي
بعدها،وكم من الآباء يصف ابنه دائماً بالبلادة والفشل ويغرس ذلك فيه ولا يحدثه عن
التفاؤل والنجاح ثم يطالبه بتحقيق النجاح الذي قتله هو في نفسه،وكم من زوج يحطم
زوجته ويسلمها لليأس ثم يشقى بها،وكم من مدير يحطم مرؤوسيه ثم يبغي النجاح لدائرته
وهكذا ..،عباد الله إن من أهم ما يغرس في المرء التفاؤل ويدفعه للنجاح هو تعلق
القلب بالله جل وعلا والثقة في قدرته وحكمة تدبيره مع بذل الأسباب واسمعوا معي
لهذه القصة فقد ورد في سنن أبي داوود في حديث إسناده ضعيف عن أبي سعيد الخدري، قال: دخل رسولُ الله -
صلَّى الله عليه وسلم - ذاتَ يوم المسجدَ، فإذا هو برجلِ من الأنصار يقال له: أبو
أمامة، فقال: " يا أبا أمامة، ما لي أراكَ جالساً في المسجدِ في غيرِ وَقتِ
الصَلاة؟ "قال: هُمُوم لزِمَتني، وديونٌ يا رسولَ الله، قال: "أفلا
أعلمك كلاماً إذا أنت قلته أذهب الله هَمَّك، وقَضَى عنك دينَك؟ " قال: قلت:
بلى يا رسولَ الله، قال: "قل إذا أصبحت وإذا أمسيت: اللهُم إني أعوذُ بكَ مِن
الهَم والحَزَن، وأعوذُ بكَ مِن العَجزِ والكسَل، وأعوذُ بك مِن الجُبن والبُخلِ،
وأعوذُ بكَ مِن غلَبةِ الدين وقهْر الرجال" قال: ففعلت ذلك، فأذهب الله همّي،
وقضى عني ديني .
تأملوا معي أحبتي كيف أن النبي صلى الله
عليه وسلم لم يرض لرجل من أمته أن يستسلم للهم واليأس ودله على طريق التفاؤل،فهلم
بنا لنربي أنفسنا وأزواجنا وأولادنا وجميع الأمة على حياة التفاؤل يتحقق لنا العز
والسعادة بإذن الله.
من واحة الشعر
=========
لله في الخلق ما اختارت مشيئتُهُ
ما الخيرُ
إلا الذي اختاره ُالله ُ
إذا قضى
اللهُ فاستسلم ْلقدرتـــــه
ما لامريء
حيلةٌ في ما قضى الله ُ
تجري
الأمورُ بأسباب لها علَلٌ
تجري
الأمورُ على ما قدر الله ُ
إن الأمورَ
وإن ضاقت لها فرَجٌ
كم من أمور
شداد فرج اللـــهُ
إذا ابتليت
فثق بالله وارضَ به
إن الذي
يكشف البلوَى هو اللهُ
يا صاحب
الْهَم إن الْهَم مُنفَرج ٌ
أبشر بخير
فإن الفاتح اللــــهُ
والله
مَالَك َغير الله من أحَد
ولا يُصيبُك
إلا ما قَضَى اللــهُ
الْيأْسُ
يقطعُ أحياناً بصاحبه
لا تيْأَسَن
فإن الصانعَ اللـــــهُ
اللهُ لي
عُدةٌ في كل نائبـــة
أقولُ في
كُل حَال : حسبي َاللهُ
ثُم الصلاةُ
على المُختار ما تُليَتْ
والآل
والصحْب ما طَابت حياتُهُمُ
ثُم
اسْتقَامُواْ فقالوا :رَبنا اللـــهُ.