قل آمنت بالله ثم استقم للشيخ احمد أبو عيد




قل آمنت بالله ثم استقم

الحمد لله الذي امتن على عباده بالأسماع والأبصار وكرم الإنسان ورفع له المقدار، واصطفى من عباده المتقين الأبرار فوفقهم للطاعات، وصرفهم عن المنكرات، وأعدّ لهم عقبى الدار،


وأشهد أن لا إله إلا هو الملك الحق المبين خلق المنطق واللسان، وأمر بالتعبد وذكر الرحمن، ونهى عن الغيبة ومنكر البيان سبحانه من إله عظيم، يحصي ويرقب، ويرضى ويغضب، وينصب الميزان، يوم تنطق الجوارح، وتبين الفضائح، فإذا هم قد أحصيت أعمالهم، وهتكت أستارهم، وفشت أسرارهم، ونطقت أيديهم وأرجلهم.
وأشهد أن سيدنا محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، الذي لا ينطق عن الهوى، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

العناصر
أولًا: أهمية الاستقامة ومنزلتها                            
    رابعًا:  مجالاتها
ثانيًا: شروط الاستقامة                                        
  خامسًا: عوامل هدم الاستقامة
ثالثًا: من أسباب الاستقامة ووسائل الثبات عليها        
 سادسًا: ماذا بعد رمضان
الموضوع
حقيقة الاستقامة
سئل أبو بكر الصديق رضي الله عنه عن الاستقامة، فقال: (ألا تشرك بالله شيئاً ).
وقال عمر بن الخطاب – رحمه الله -: (الاستقامة: أن تستقيم على الأمر والنهي أن يجدكَ حيثُ أمرك، وأن يفتقدكَ حيثُ نهاك ولا تروغ روغان الثعالب ).
وقال عثمان رضي الله عنه: (إخلاص العمل لله ).
 وقال على رضي الله عنه: (بأنها أداء الفرائض ).
فمعنى الاستقامة: هي سلوك الصراط المستقيم ، وهو الدين القيم ، من غير ميل عنه يمنة ولا يسرة ، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها ، الظاهرة والباطنة ، وترك المنهيات كلها ، الظاهرة والباطنة،  وهي وسط بين الغلول والتقصير ، وكلاهما منهي عنه شرعاً.

أولًا: أهمية الاستقامة ومنزلتها
1- أمر الله بها
قال تعالى: "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (6)" فصلت. فهذا أمر من الله تعالى بالاستقامة على الصراط المستقيم ، ولما كان من طبيعة الإنسان أنه قد يقصر في فعل المأمور ، أو اجتناب المحظور ، وهذا خروج عن الاستقامة ، أرشده الشرع إلى ما يعيده لطريق الاستقامة  وهو الاستغفار حتى يغفر الله ما كان من تقصير.
2- لزوم التقوى دائما
عن أبي ذر جندب بن جنادة وأبي عبدالرحمن معاذ بن جبل رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " اتق الله حيثما كنت ، وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن "([1]) وقوله " اتق الله " فعل أمر من التقوى وهو اتخاذ وقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فهذا هو التقوى وهذا هو أحسن حد قيل فيها ، وقوله " اتق الله حيثما كنت " في أي مكان كنت ، فلا تتقي الله في مكان يراك الناس فيه ، ولا تتقيه في مكان لا يراك فيه أحد ، فإن الله تعالى يراك حيثما كنت فأتقه حيثما كنت ، وقوله " وأتبع السيئة الحسنة " يعني اعل الحسنة تتبع السيئة ، فإذا فعلت سيئة فأتبعها بالحسنة ومن ذلك -أي إتباع السيئة بالحسنة- أن تتوب إلى الله من السيئة فأن التوبة حسنة، وقوله " تمحها " يعني الحسنة إذا جاءت بعد السيئة فإنها تمح السيئة ويشهد لهذا قوله تعالى " ...إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ... "هود/114 . ([2])
3- لزوم السداد والمقاربة للوصول للاستقامة
عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- أَنَّهَا كَانَتْ تَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-
« سَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأَبْشِرُوا فَإِنَّهُ لَنْ يُدْخِلَ الْجَنَّةَ أَحَدًا عَمَلُهُ ». قَالُوا وَلاَ أَنْتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « وَلاَ أَنَا إِلاَّ أَنْ يَتَغَمَّدَنِىَ اللَّهُ مِنْهُ بِرَحْمَةٍ وَاعْلَمُوا أَنَّ أَحَبَّ الْعَمَلِ إِلَى اللَّهِ أَدْوَمُهُ وَإِنْ قَلَّ ». ([3])
( سددوا ) افعلوا السداد وهو الاعتدال في القول والعمل واختيار الصواب منهما . ( قاربوا ) تقربوا من الغاية ولا تفرطوا . ( أحب الأعمال ) أكثرها قبولا . ( أدومها ) ما استمر منها وواظب عليه فاعله .
وعن أَبي هريرةَ - رضي الله عنه - ، عن النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ ،
وَلَنْ يُشَادَّ الدِّيْنُ إلاَّ غَلَبَهُ ، فَسَدِّدُوا وَقَارِبُوا وَأبْشِرُوا ، وَاسْتَعِينُوا بِالغَدْوَةِ وَالرَّوْحَةِ وَشَيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ )) وفي رواية : (( سَدِّدُوا وَقَارِبُوا ، وَاغْدُوا وَرُوحُوا ، وَشَيءٌ مِنَ الدُّلْجَةِ ، القَصْدَ القَصْدَ تَبْلُغُوا )) ([4]). والمشادة هي المقاومة ، (( إلا غَلَبَهُ )) : أي غَلَبَهُ الدِّينُ وَعَجَزَ ذلِكَ المُشَادُّ عَنْ مُقَاوَمَةِ الدِّينِ لِكَثْرَةِ طُرُقِهِ . وَ(( الغَدْوَةُ )) : سير أولِ النهارِ . وَ(( الرَّوْحَةُ )) : آخِرُ النهارِ . وَ(( الدُّلْجَةُ )) : آخِرُ اللَّيلِ .
وهذا استعارة وتمثيل ، ومعناه : اسْتَعِينُوا عَلَى طَاعَةِ اللهِ - عز وجل - بِالأَعْمَالِ في وَقْتِ نَشَاطِكُمْ وَفَرَاغِ قُلُوبِكُمْ بِحَيثُ تَسْتَلِذُّونَ العِبَادَةَ ولا تَسْأَمُونَ وتبلُغُونَ مَقْصُودَكُمْ ، كَمَا أنَّ المُسَافِرَ الحَاذِقَ يَسيرُ في هذِهِ الأوْقَاتِ ويستريح هُوَ وَدَابَّتُهُ في غَيرِهَا فَيَصِلُ المَقْصُودَ بِغَيْرِ تَعَب ، واللهُ أعلم . ([5])
فهما مرتبتان يطالب العبد بهما : السداد ، وهي الاستقامة ، فإن لم يقدر عليها فالمقاربة ، وما سواهما تفريط وإضافة ، والمؤمن ينبغي عليه ألا يفارق هاتين المرتبتين ، وليجتهد في الوصول إلى أعلاهما ، كالذي يرمي غرضاً يجتهد في إصابته ، أو القرب منه حتى يصيبه ([6]).
4- خضوع الأعضاء كلها للِّسان
وعن أَبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - قَالَ : (( إِذَا أصْبَحَ ابْنُ آدَمَ ، فَإنَّ الأعْضَاءَ كُلَّهَا تَكْفُرُ اللِّسانَ ، تَقُولُ : اتَّقِ اللهَ فِينَا ، فَإنَّما نَحنُ بِكَ ؛ فَإنِ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا ، وإنِ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا )) ([7])  معنى : (( تَكْفُرُ اللِّسَانَ )) : أيْ تَذِلُّ وَتَخْضَعُ لَهُ .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ، وَلا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ، وَلا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ))([8])
5- من صفات المؤمنين التائبين
قال تعالى: "فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (112)" هود
فأمر الله تعالى رسوله ومن تاب معه بلزوم الاستقامة والبعد عن الطغيان والمعاصي وأخبر انه يرى أعمالهم ولا يخفى عليه شيء.
6- أمر الله بها الأنبياء
قال تعالى: " قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (89)" يونس
قال تعالى: "فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ" الشورى.
فأمر الله رسله r وهو أمر كذلك للمسلمين بالاستقامة وعدم اتباع رغبات وأهواء الكافرين .
7- بها وصى رسول الله r
عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الثَّقَفِىِّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قُلْ لِى فِى الإِسْلاَمِ قَوْلاً لاَ أَسْأَلُ عَنْهُ أَحَدًا بَعْدَكَ - وَفِى حَدِيثِ أَبِى أُسَامَةَ غَيْرَكَ - قَالَ « قُلْ آمَنْتُ بِاللَّهِ فَاسْتَقِمْ ». ([9])
وعن سفيان بن عبد الله - رضي الله عنه - قَالَ : قُلْتُ : يَا رسولَ الله حدِّثني بأَمْرٍ أَعْتَصِمُ بِهِ قَالَ : (( قلْ : رَبِّيَ اللهُ ثُمَّ اسْتَقِمْ )) قُلْتُ : يَا رسولَ اللهِ ، مَا أخْوَفُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ ؟ فَأَخَذَ بِلِسانِ نَفْسِهِ ، ثُمَّ قَالَ : (( هَذَا )) ([10]).
يعني قولاً يكون جامعاً واضحاً بيناً لا أسأل أحداً غيرك فيه فقال له النبي صلى الله عليه وسلم " قل آمنت بالله ثم استقم " آمنت بالله هذا بالقلب ، والاستقامة تكون بالعمل ، فأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم كلمتين تتضمنان الدين كله فآمنت بالله يشمل إيماناً بكل ما أخبر الله به عز وجل ن نفسه وعن اليوم الآخر وعن رسله وعن كل ما أرسل به ، وتتضمن أيضاً الانقياد ولهذا قال " ثم استقم " وهو مبني على الإيمان ومن ثم أني ب " ثم " الدالة على الترتيب والاستقامة ولزوم الصراط المستقيم صراط الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ، ومتى بنى الإنسان حياته على هاتين الكلمتين فهو سعيد في الدنيا وفي الاخرة ([11]).
8- الفرح والسعادة ودخول الجنة
قال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (14)" الأحقاف.
وقال تعالى: "إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32)" فصلت
فمن ءامن بالله وعمل صالحا واستقام على امر الله تعالى وعده الله بالأمن والسعادة فلا خوف مما هو آت ، ولا حزن على ما فات وحفظه وتولاه في الدنيا والآخرة وبشره بالجنة التي له فيها كل ما تشتهي نفسه.
9- الرزق الطيب الوفير
قال تعالى: " وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا (16)" الجن.
فلو استقاموا على ما أمر الله وابتعدوا عما نهى لكان حقا على الله ان يرزقهم الماء الوفير الذي به أصل كل حياة فتنبت الزروع والثمار وتكثر الخير والبركة ويعيشوا في نعيم وفي سعادة كبيرة.
عن ثوبان قال : رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ اسْتَقِيمُوا وَلَنْ تُحْصُوا وَاعْمَلُوا وَخَيْرُ أَعْمَالِكُمْ الصَّلَاةُ وَلَا يُحَافِظُ عَلَى الْوُضُوءِ إِلَّا مُؤْمِنٌ" ([12]).
فإذا استقمتَ على أمر الله، لن تحصي الخيرات التي تتأتى من هذه الاستقامة ، سعادة نفسية ، توفيق في العمل ، سرور ، طمأنينة ، شعور بالراحة ، شعور بالتفوق ، هذا كله من لوازم الاستقامة.
 ومن علامات الاستقامة أن يقول المستقيم : ليس في الأرض من هو أسعدُ مني، المؤمن مُبتلى، المؤمن قد تأتيه بعض المكاره، ولكن ليسَ معنى هذا أنه ليسَ بسعيد، سعادته داخلية، شعوره أنَّ الله يحبه هذا مُسعد، شعوره أن الله راضٍ عنه هذا مُسعد، شعوره أنه على منهج الله هذا مُسعد، شعوره أن الله وعده بالجنة هذا مُسعد، فالإنسان المؤمن سعيدٌ في داخله، ولا يمنع أن يُبتلى في ظاهره فالله تعالى يقول ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [سورة البقرة الآية: 155]

ثانيًا: شروط الاستقامة
قال بعض العلماء للاستقامة خمسة شروط
قالَ: اجتهادٌ في العمل، واقتصادٌ فيه، ووقوفٌ عندَ حدود العِلم، وإخلاص للمعبود، ومتابعةٌ للسُنّة.
 أ- اجتهادٌ في العمل:
أحياناً الإنسان يعمل عملاً شكلياً، صلى؛ هذه الصلاة التي أرادها الله عزّ وجل، صام؛ هذا الصيام الذي أراده الله عزّ وجل، تصدق، دفعَ زكاة ماله، بالعكس عنده بضاعة فاسدة، قدّمها إلى جمعية، وقال: أخي، هذه زكاة مالي، في بضائع الناس ليسوا بحاجة لها، الناس بحاجة إلى طعام وشراب أحياناً، لاحظت ملاحظة بالجمعيات الخيرية، باركَ الله بها جميعاً، لكن كل شيء كسد عند التجار يقدمونه لهذه الجمعيات، من حِسابِ زكاةِ أموالهم، هذا اجتهاد بالعمل، لا والله ليس اجتهاداً، تطاولَ بعض التجار على الله عزّ وجل، وعدَّ الضريبة من الزكاة، شعر براحة عظيمة، طعام كرهته نفسه فقدمه للفقراء، هذا لا يجوز أبداً، الاجتهاد أن تبذلَ غاية الجهدِ.
 لهذا قالَ الله عزّ وجل :﴿فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [سورة التغابن الآية: 16 ]
2- الاقتصاد
 الاقتصاد أن تسلك بين طرفي الإفراطِ والتفريط، ألا تتعنتَ في الدين، أن تغلوَ في الدين، العوام تقول: لا إفراط ولا تفريط .
 مثلاً: أنتَ ورع جداً، غيور جداً على زوجتك، من غيرتك على زوجتك، رفضتَ أن تأخذها إلى الطبيب، أنت أخذتَ جانبَ الغلوِّ في الدين، أنتَ أورعُ من سيد المرسلين؟ أنتَ أشدُ ورعاً من العلماء العاملين؟ فالانحراف عن الاستقامة له مظهرين: إما الإفراط أو التفريط .
 الاستقامة أول شرط من شروطها: أن تبذلَ غاية الجهدِ، وثانياً: أن تقفَ الموقف المعتدل بين الطرفين، أنت زاهد، أعرضتَ عن الدنيا إعراضاً كليّاً .
 زوجة شكت زوجها لسيدنا عمر، أن زوجها كانَ صوّاماً قوّاماّ، يبدو أنه لم ينتبه لقولها، قال لها: باركَ الله في زوجك، أحد الصحابة انتبه أنها تشكوه ولا تثني عليه، قال: إنها تشكو زوجها، قال: فاحكم أنتَ بينهما، فحكم أن يعطيها كل أربعة أيام يوماً، لأنه لو عنده أربع زوجات، للواحدة منهنَّ حق يوم .
3- وقوفاً عند حدود العلم
 ما معنى الأمر والنهي؟ الأمر ألا تفعل كذا، والنهي أن تفعل كذا، أراد أن يصوم صياماً طويلاً، لما صام تعطل عن عمله، فاضطرب نفسياً، النبي الكريم أمر بالصيام اثنين وخميس أو ثلاثة أيام في الشهر، فلما زادَ ذلك انعكس على حالته النفسية .
 هذه الاستقامة: عملٌ مع بذل الجهدِ، اقتصادٌ بين الإفراط والتفريط، متابعةٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم، إخلاصٌ في هذا العمل، وقوفٌ عندَ الأمر والنهي .
 السلف الصالح كانوا يُركزّون على أصلين خطيرين؛ الاقتصاد في الأعمال والاعتصام بالسُنّة، قالَ بعض السلف: ما أمرَ الله بأمرٍ إلا وللشيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريطٍ وإما إلى إفراط، ولا يبالي الشيطان بأيهما ظَفِرَ زيادةً أو نقصاناً .
4-5- الإخلاص مع اتباع السنة
يعني اقتصادٌ في سبيلٍ وسُنّةٍ خيرٌ من اجتهاد في خِلاف سبيلٍ وسُنّةٍ، قال: فاحرصوا على أن تكون أعمالكم على منهج الأنبياء عليهم السلام .
 ما الذي يُخرجُ من الاستقامة
الرياءُ في الأعمال يخرج من الاستقامة، الرياء والفتور والتواني، على المستقيم أن يفرّقَ دائماً بينَ الأمر والنهي، والثواب والعقاب، والموالاة والمعاداة، وبين ما يحبه الله وبين ما يبغضه، وبين ما يرضيه وبين ما يسخطه .
 فمثلا:  1-بعضهم يحتج بِفعل سيدنا يوسف، لمّا وضع في رحلِ أخيه صواع الملك، وقال: أيتها العير إنكم لسارقون، والقصة معروفة عندكم بهذه الحيلة، احتجزَ أخاه عِنده، فبعض الذين يسلكون الحيل الشرعية، يحتجون بهذا الموقف، مع أن هذا الموقف هو حيلة، ولكن كي يأتي بأبيه وأخوته ليسكنوا عنده في مصر ليكرمهم، إذا إنسان لا يأخذ إطلاقاً منكَ شيئاً، وأنتَ احتلتَ على أن تعطيه على شكل قرض مثلاً، هذه حيلة مقبولة، في حيل رائعة جداً .
 2-إنسان متنعنتاً، وعليك مساعدته، قد تسلك معه حيلةً كي تساعده، فالحيلة في أصلها مشروعةٌ، إن كانت لجلبِ خيرٍ أو لدفعِ شرٍ، أما إذا كانت الحيلة للتحلل من بعضِ أوامر الله عزّ وجل، فهذه حيلةٌ شيطانيةٌ مرفوضة.
3- لو معكَ نِصاب المال، قبل أن يحولَ الحول تَهبُ جزءاً منه لابنكَ، تتفق معه، بعد شهرين يعيد المال لك، يهبُ جزءاً من ماله لشخص قبلَ أن يأتي الحول، النِصاب ما تم، بعد أن يمضيَ الحول، يسترجع هذه الهِبة، هذه حيلة .
 4- يشتري حاجة من بائع، ثم يردها له بعد مجيء الحول، هذه حيلة في إسقاط الزكاة .
 5- أحياناً تطلّقُ المرأة طلاقاً فيه بينونة كبرى من زوجها، فيقوم زواج شكلي، هذا التيس المستعار، يعقد زواجاً شكلياً، ثم يطلّق، ثم تعود لزوجها الأول،
6-أحياناً يُرهنُ العِقار والرهن لا يستعمل، ثم يَهبُ لكَ صاحِبُ العَقار منفعته، أنت أقرضته مبلغاً، وضع عندك عِقاراً رهناً، فأنت سكنت بالعِقار، هذا القرض جرَّ نفعاً، هو على شكل رهن، والرهن لا يستعمل صاحب العِقار، وهبك الانتفاعَ به، عملت حيلة، كسبتَ فائدةً من هذا القرض وهكذا، كلُّ هذه الحيل حرامٌ، لأنها احتيالٌ على الشرع، للتفلت من أوامر الله عزّ وجل،
فكلُّ حيلة تنتهي بصاحبها إلى التفلتِ من أوامر الشرع، هي حيلةٌ باطلةٌ حرامٌ، أما الحيلة التي تجلب الخير وتدفع الشر، فهي حيلةٌ مقبولةٌ في الشرع.

ثالثًا: من أسباب الاستقامة ووسائل الثبات عليها
1ـ إرادة الله للعبد الهداية ، وشرح صدره للإسلام  وتوفيقه للطاعة والعمل الصالح ، قال تعالى: قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (16)" المائدة.
2ـ الإخلاص لله تعالى ، ومتابعة رسوله صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى: { وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ (5) } البينة
3- الاستغفار والتوبة. وقد علق الله تعالى الفلاح والنجاح بالتوبة ، فقال تعالى: { وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) }النور.
4ـ محاسبة النفس: قال تعالى:{ ا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ
 إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) }الحشر. قال ابن كثير رحمه الله تعالى: أي حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم وعرضكم على ربكم.
فالمحاسبة تحفظ المسلم من الميل عن طريق الاستقامة.
5ـ المحافظة على الصلوات الخمس مع الجماعة: لأنها صلة بين العبد وربه ، وهي من عوامل ترك الفحشاء والمنكر ، قال تعالى: { اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ (45) }العنكبوت.
6ـ طلب العلم: والمقصود به علم الكتاب والسنة ، لأنه الوسيلة لمعرفة الله تعالى وكتابه ورسوله
صلى الله عليه وسلم.
7 اختيار الصحبة الصالحة : لأن الجليس الصالح يعين صاحبه على الطاعة وعلى طلب العلم ، وينهيه على أخطائه ، أما الجليس السيء فعلى العكس من ذلك تماماً ، قال تعالى: { الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ }الزخرف
8- حفظ الجوارح عن المحرمات: وأهمها: اللسان فيحفظه عن الكذب والغيبة والنميمة وغيرها، ويحفظ بصره عن المحرمات ، وليكن نصب عينيه قوله تعالى: { وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ
السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا (36) }الإسراء.
9ـ معرفة خطوات الشيطان للحذر منها:
قال تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ (21)}النور.

رابعًا: مجالاتها
المحافظة على صلاة الجماعة، والحرص عليها، مع موجةِ تهاونٍ فيمن حولك.
 أن تغدو لصلاة الفجر في المسجد جماعة يوميًّا إلا لعذر.
 أن يبقى الأذان للصلاة يشدك، فتترك ما في يدك، وتجيب نداء ربك، وإن انشغل الآخرون بنداءات أُخَرىَ.
أن تلزم وِرْدَك من القرآن، ولا تأخذك عنه وسائل التواصل، وملهيات الأيام.
أن تداوم على الأذكار والأوراد المشروعة، في أوقاتها، وتجاهد نفسك في عدم تركها أو تناسيها.
 استمرارك في صوم نافلةٍ سِرْتَ عليه من الأسبوع أو الشهر، ولو امتلأت أذنك تثبيطًا.
 أن تثبت على نافلة الليل، وإن قَلَّت أو ثقلت، ولا تنقطع عنها بقواطع الزمان التي كثرت.
 إن كنت من أهل ركعتي الضحى أن تقوم لها وبها، ولا تقبل أن يخطفك عنها خاطف.
 ألا يراوح صدرك همُّ دعوتك وأمتك، وإن قلَّ ما في يدك، وعجَزت عن تحقيق هدفِك.
ان تحافظ على هيئتك الإسلامية غير متجاوز ولا متهاون.
أن تبقى لحيتُك في وجهك دون تعرُّض لجرف أو شذب حاديها
أن يبقى جلبابك رمزَك، وسترك كما هو ساترًا بغير زينة ولا تطوير ومعاصرة تذهب بمقصده.
أن تبقَيْ زوجة قائمة بحقوق زوجها؛ طاعة لربها، غير مبالية بهمزات ولمزات يزفها الشيطان.
ألا ينفك عن المرأة المستقيمة المؤمنة الحياءُ، رامية بدعوات ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب خلف حياتها.
 ألا يهتز تعظيم النصوص الشرعية في قلبك، وإن اهتزت ألباب بموجات تحرُّر مزعوم، واستنارة سراب موهوم.
 بقاؤك متلمسًا - كعادتك - السنَّة النبوية، حريصًا على تطبيقها في مدخلك ومخرجك، ومضجَعك وممشاك، وأخذك ومنعك، وكل شأنك، ما استطعت إلى ذلك سبيلاً.
 سموُّ أخلاقك، ورقي تعاملك مع من عرفت ومن لم تعرف؛ اقتداءً بنبيك وقدوتك r
أن تبقى متمسكًا عاضًّا بالنواجذ على عقيدتك الصافية، ومنهجك السليم، عقيدة أهل السنَّة والجماعة، ولو كنت وحدك.
 ملازمتك تحري رضا الوالدين والبر بهما؛ سعيًا لرضا الله الخالق سبحانه وتعالى.
 ألا يتوقف حرصك على حقوق الآخرين، والقيام بواجبك نحوهم، وعلى رأسهم أهل بيتك.
 أن يعيش معك ويلازم فؤادك حتى وفاتك حبُّك لِما يحب الله تعالى، وبُغضك لما يُبغض الله تعالى، وإن تغيَّر الأشكالُ والأسماء.
 أن تواليَ أولياء الله، وتعاديَ أعداءه، وإن تقلَّبتِ الأيام، وتغيَّرت النظريات، وهجمت الدعوات المعسولة بحرفِ الولاء والبراء عن مسارِه.
 أن تستمر في الدعاء بالثبات والاستقامة ما بقيَتْ فيك حياة، وتطلبها بإلحاحٍ ممن بيده القلوبُ، ومقلبها.

خامسًا: عوامل هدم الاستقامة:
1- اليأس
وهو مرض قلبي نفسي فتاك يلعب دورا خطيراً في عدم استقامة الإنسان وثباته، وإن تطور فزاد عن حده خرج الإنسان من الإيمان ودخل إلى دائرة الكفر قال تعالى: ﴿ إِنَّهُ لَا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ ﴾ [يوسف: 87].
 2- الغلو
 فقد أفسد عدداً من المسلمين قديماً وحديثاً، فنجد أن الغلو قد ساهم بظهور الخوارج قديماً وحديثاً، وقد امرنا النبي r بالسداد والمقاربة والاعتدال.
3- التساهل في أمور الصغائر
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال إياكم ومحقرات الذنوب فإنهن يجتمعن على الرجل حتى يهلكنه وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لهن مثلا كمثل قوم نزلوا أرض فلاة فحضر صنيع القوم فجعل الرجل ينطلق فيجيء بالعود والرجل يجيء بالعود حتى جمعوا سوادا وأججوا نارا وأنضجوا ما قذفوا فيها ".
 4- الشهوات والتطلع إليها
 وهذا بلاء عظيم إذ يمكن أن ينتكس الإنسان وينحرف بسبب شهوة خضع لها، إن الشهوات معاول إبليس اللعين في هدم استقامة المسلم وثباته.
 5- الاستعجال
فالمستقيم لا يكون عجلاً، والعجل لا يكون مستقيماً، لأن المرء العجل يريد تحقيق أهدافه بسرعة، فإن لم يحدث ذلك، فلعله ينتكس وينحرف.
 6- الفتن والمحن
 هذا العامل من أفتك العوامل وأشدها تأثيراً في استقامة الإنسان، خاصة في النفس التي لم يهذبها الإسلام ولم تتشرب الإيمان، الجاهلة بحقيقة الإيمان وحقيقة البلاء، التي لم تعلم بأن البلاء سنة الله القديمة في تمحيص المؤمنين وإعدادهم ليدخلوا الجنة وليكونوا لها أهلاً قال تعالى: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾العنكبوت.
الخسران في الدنيا والآخرة لمن ترك الاستقامة
قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ﴾ [الصف: 5].
وكان حكم الله تعالى في قارون لما زاغ وانحرف عن جادة الاستقامة: ﴿ فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الْأَرْضَ ﴾ [القصص: 81].
 وقال في بلعام اليهودي الذي انحرف وانساق وراء الشيطان فخسر الدارين وربح الذم الأبدي
قال تعالى: ﴿ وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ * سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ * مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ﴾ [الأعراف: 175 - 178].

سادسًا: ماذا بعد رمضان
1-شهر المنحة والبركة
إن شهر رمضان هو منحة من الله تعالى لعباده حتى يستزيد الطائع من الطاعة مقبلا على ربه راجيا الثواب والمغفرة والرحمة، ويقبل العاصي على ربه تائبا نادما على ما فرط في حق ربه وما ارتكب من ذنوب ومعاصي عازما على طاعة ربه سبحانه حتى يقبله الله تعالى ويتوب عليه.
وإن شهر رمضان هو من أيام الله كباقي الأيام والشهور الا ان الله اختصه ببعض الفضائل والمزايا لنزداد فيه من الخير ولنرسم لأنفسنا الطريقة التي نطيع الله تعالى بها طوال العام ، وليس خلال شهر رمضان فقط.
2- إن رب رمضان هو رب باقي الشهور
والله تعالى لما امر بعبادته وطاعته لم يخص يوما من الأيام ولا شهر من الشهور فقد أمر الله بالصلاة في كل يوم خمس مرات وأمر بالزكاة وحدد وقتها وغيرها من الطاعات، وعلامة قبول الطاعة ان تستزيد منها لا ان تقلع عنها
3- الوفاء بالعهد وعدم نقضه
فمن أحب الله تعالى صدق في عهده معه وظل محافظا عليه وما تركه ابدا وصدق فيه قول الله تعالى" مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (23)" فمنهم من حافظ على عهده حتى توفاه الله، ومنهم الذي ما يزال يوفي ما عاهد عليه الله تعالى من الايمان والطاعة ولا يغيروا عهدهم مع ربهم .
وهناك من عاهدوا فوفوا بعدهم لعدة أيام قليلة ثم نكثوا عهدهم ولم يوفوا به وصدق فيهم قول نبينا r فيما روى عن أبي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: آيَةَ الْمُنافِق ثَلاثٌ: إِذا حَدَّثَ كَذَب، وَإِذا وَعَد أَخْلَفَ، وَإِذا اؤْتُمِنَ خَانَ" ([13]) فكذبوا ولم يصدقوا ووعدوا وأخلفوا وائتمنوا وخانوا.
4-الاستقامة على امر الله
أ-الصلاة وقيام الليل
فالمؤمن يستقيم على أمر الله دائما فيحافظ على صلاة الفريضة والنافلة وقيام الليل في رمضان وبعد رمضان فهو يعلم ان رمضان قد انتهى لكن الله حي قيوم باق دائما مطلع على عباده يرى
 ويسمع ويثيب ويحاسب.
قال تعالى : (حَافِظُواْ عَلَى الصَّلَوَاتِ والصَّلاَةِ الْوُسْطَى وَقُومُواْ لِلّهِ قَانِتِينَ) البقرة
 قال الإمام القرطبي رحمه الله: قوله تعالى : {حَافِظُوا} خطاب لجمع الأمة ، والآية أمر بالمحافظة على إقامة الصلوات في أوقاتها بجميع شروطها. والمحافظة هي المداومة على الشيء والمواظبة عليه.
ويستشعر لذة الوقوف بين يدي ربه فيترك النوم ليقوم بين يدي الله كما قال تعالى: (إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ* كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ) الذاريات. 
 قال الإمام الحسن البصري: يعني لا ينامون من الليل إلا قليلاً، فهم يكابدون الليل في القيام والركوع والسجود، ومع ذلك يختمون هذه العبادة بالاستغفار، سبحان الله! وقدوتهم في ذلك سيِّدهم محمَّدٌ صلى الله عليه وسلم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطَّر قدماه.
ب- الصيام
وكذلك ان انتهى صيام رمضان فيبقى غيرها كصيام ستة أيام من شوال فعَنْ أَبِى أَيُّوبَ الأَنْصَارِىِّ - رضى الله عنه - أَنَّهُ حَدَّثَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ ». ([14])
وصيام الإثنين والخميس فعن أَبِى قَتَادَةَ الأَنْصَارِىِّ رضى الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سُئِلَ عَنْ صَوْمِ الاِثْنَيْنِ فَقَالَ « فِيهِ وُلِدْتُ وَفِيهِ أُنْزِلَ عَلَىَّ ». ([15])
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال تعرض الأعمال يوم الاثنين والخميس فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم" ([16])
وغير ذلك كصوم يوم وافطار يوم وصيام عشر ذي الحجة وتاسوعاء وعاشوراء وغيرهم....
ج- الدعاء
وعَنْ جَابِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ «إِنَّ فِى اللَّيْلِ لَسَاعَةً لاَ يُوَافِقُهَا رَجُلٌ مُسْلِمٌ يَسْأَلُ اللَّهَ خَيْرًا مِنْ أَمْرِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ إِلاَّ أَعْطَاهُ إِيَّاهُ وَذَلِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ» ([17]).
د- كثرة الصدقات
فكما أكثر منها في رمضان مقتديا بالمصطفى r كذلك يكثر منها بعد رمضان وهو يعلم ان الله سيضاعف له أجر صدقته كما قال تعالى " مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (261)" البقرة.
وكذلك ذكر الله تعالى واستغفاره وقراءة القرآن والتوبة وعمل الصالحات وترك المنكرات وبهذا يكون قد استقام على أمر الله واجتنب نهيه ويكون جزاءه الجنة بإذن الله تعالى التي نسأل الله ان نكون جميعا من أهلها اللهم آمين

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854

لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي
                                    
أو لـــ word 2003

ولتحميل الخطبة وخطب أخرى متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولقراءة الخطبة مرتبة ومنسقة وجميع الخطب السابقة واللاحقة بإذن الله برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولمشاهدة الخطبة وخطب أخرى على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي





([1]) صحيح سنن الترمذي  
([2]) الأربعون النووية بتعليقات الشيخ ابن عثيمين
([3]) صحيح مسلم
([4]) صحيح البخاري
([5]) رياض الصالحين
([6]) جامع العلوم والحكم
([7]) صحيح سنن الترمذي
([8]) السلسلة الصحيحة
([9]) صحيح مسلم
([10]) صحيح سنن الترمذي
([11]) الأربعون النووية بتعليقات الشيخ ابن عثيمين
([12]) صحيح الترغيب والترهيب
([13]) صحيح البخاري
([14]) صحيح مسلم
([15]) صحيح مسلم
([16]) صحيح الترغيب والترهيب
([17]) صحيح مسلم  
التعليقات
0 التعليقات