أمانة الصانع والتاجر للشيخ: احمد أبو عيد
الحمد لله الذي بفضله تهل علينا البركات وبغفرانه تغفر الذنوب والسيئات
وبرحمته يتراحم أهل الأرض والسماوات وبرضاه يرضى الآباء والأمهات احمده حمد الحامدين
واذكره ذكر الذاكرين واشكره شكر الشاكرين فهو رب العالمين
واشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
قف بالخضوع ونادي يا الله
إن الكريم يجيب من ناداه
واطلب بطاعته رضاه فلم يزل
بالجود يرضي طالبين رضاه
واقصده منقطعا إليه فكل من يقصده منقطعا إليه كفاه
شملت لطائفه الخلائق كلها ما للخلائق كافل الاه
فعزيزها وذليلها وغنيها
وفقيرها لا يرتجون سواه
هو أول هو آخر هو ظاهر هو
باطن ليس العيون تراه
حجبته أنوار الجلال فدونه
تقف العيون وتخرس الأفواه
واشهد أن محمدا عبد الله ورسوله
تضئ الأرض لوجهه وتخر السماء لرؤيته أرسله الله رحمة للعالمين ففتح الله
به اعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا، صلي الله عليه وعلى سائر النبيين وارض الله
عنا معهم أجمعين
العناصر
أولاً: فضل الأمانة
ثانيًا: الأمانة من خلق الرسل الكرام
ثالثًا: صورها ونماذج عليها
رابعًا: أمانة الصانع والتاجر
الموضوع
الأمانة لغة:
الأمانة مصدر قولهم: أمِن يأمَن أمانة أي صار
أمينًا، وهو مأخوذ من مادّة (أ م ن) الّتي تدلّ على سكون القلب، ويقال: أمنت
الرّجل أمنا وأمنة وأمانا وآمنني يؤمنني إيمانا، ورجل أمنة: إذا كان يأمنه النّاس
ولا يخافون غائلته، وأمنة بالفتح إذا كان يصدّق ما سمع ولا يكذّب بشي ء، وقال
الجوهريّ: الأمنة: الّذي يصدّق بكلّ شيء وكذلك الأمنة مثال الهمزة، واستأمن إليه
دخل في أمانه.
واصطلاحًا:
قال
الكفويّ: الأمانة: كلّ ما افترض اللّه على العباد فهو أمانة كالصّلاة والزّكاة
والصّيام وأداء الدّين، وأوكدها الودائع، وأوكد الودائع كتم الأسرار، وقال في موضع
آخر: كلّ ما يؤتمن عليه من أموال وحرم وأسرار فهو أمانة.
أولاً: فضل الأمانة
1-أمر الله بأداء الأمانة إلى أهلها
والأمر في كتاب الله يقتضي الوجوب، فقال تعالى:﴿ إِنَّ اللّهَ
يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم
بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم
بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾"النساء: 58".
وقال تعالى:﴿ وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْْ
"آل عمران: 103" قال الطيبي: الحبل: العهد والأمانة والذمة.
وعن يوسف بن ماهك المكي قال: حدثني أبي أنه سمع رسول الله r
يقول: «أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» ([1])
3-الأمانة من أوصاف المؤمنين
الذين أفلحوا في الدنيا والدين، قال الله رب العالمين:﴿ قدْ أَفْلَحَ
الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ
عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ *
وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا
مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء
ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ
وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾"المؤمنون: 1-8".
وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r
: «المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمؤمن من أمنه الناس
على دمائهم وأموالهم» ([2])
وعن أنس بن مالك قال ما خطبنا نبي الله r
إلا قال: «لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له» ([3])
كن للأمانة راعيا
|
**
|
لا للخيانة تستكين
|
حتى ولو سرا فكن
|
**
|
للسر حافظه الأمين
|
الناس تعجب بالذي
|
**
|
قد صانها في كل حين
|
وتبجل الشخص الذي
|
**
|
لم يفش سرا لا يلين
|
أدى الأمانة راجيا
|
**
|
من ربنا كل الثواب
|
من خان أي أمانة
|
**
|
حصد الهلاك مع الخراب
|
فالله يمتحن العباد
|
**
|
والخائنون لهم حساب
|
أما الأمين هو الذي
|
**
|
دوماً يفضله الصحاب
|
4-وصف الله الإنسان بشدة الهلع وقوة الجزع
واستثنى من ذلك المصلين الذين من أبرز أوصافهم، وأسمى مزاياهم،
مراعاة العهد وأداء الأمانة، فقال تعالى جل شأنه: ﴿إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ
هَلُوعاً * إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً
* إِلَّا الْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ *
وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَّعْلُومٌ * لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ *
وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ * وَالَّذِينَ هُم مِّنْ عَذَابِ رَبِّهِم
مُّشْفِقُونَ * إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ * وَالَّذِينَ هُمْ
لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ
أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ
فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ
رَاعُونَ﴾ "المعارج: 19-32".
5-بأداء الأمانة يأمن الناس بعضهم بعضاً
وتتيسر أمورهم في قضاء حوائجهم وإنجاز معاملاتهم، قال تعالى:﴿ وَإِن
كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِباً فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ
أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ
اللّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ
قَلْبُهُ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ ﴾"البقرة: 283".
7-الأمانة صفة عظيمة، وخصلة من خصال الخير الكريمة
وصاحبها محل اهتمام الناس، عن حذيفة قال حدثنا رسول الله r
حديثين قد رأيت أحدهما وأنا أنتظر الآخر حدثنا: «أن الأمانة نزلت
في جذر قلوب الرجال ثم نزل القرآن فعلموا من القرآن وعلموا من السنة، ثم حدثنا عن
رفع الأمانة قال: ينام الرجل النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل الوكت،
ثم ينام النومة فتقبض الأمانة من قلبه فيظل أثرها مثل المحل كجمر دحرجته على رجلك
فنفط فتراه منتبراً وليس فيه شيء -ثم أخذ حصى فدحرجه على رجله- فيصبح الناس
يتبايعون لا يكاد أحد يؤدي الأمانة حتى يقال إن في بني فلان رجلاً أميناً، حتى
يقال للرجل ما أجلده ما أظرفه ما أعقله وما في قلبه مثقال حبة من خردل من إيمان،
ولقد أتي علي زمان وما أبالي أيكم بايعت لئن كان مسلما ليردنه علي دينه، ولئن كان
نصرانيا أو يهوديا ليردنه علي ساعيه، وأما اليوم فما كنت لأبايع منكم إلا فلانا
وفلانا»([4])
عن قزعة قال: قال لي ابن عمر: هلم أودعك كما ودعني رسول الله r
«أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك» ([5])
7-ليس بمقدور كل إنسان حملها
عَنْ أَبِى ذَرٍّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَلاَ تستعملني قَالَ
فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى منكبي ثُمَّ قَالَ «يَا أَبَا ذَرٍّ إِنَّكَ ضَعِيفٌ وَإِنَّهَا
أَمَانَةٌ وَإِنَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ خِزْىٌ وَنَدَامَةٌ إِلاَّ مَنْ أَخَذَهَا
بِحَقِّهَا وَأَدَّى الَّذِى عَلَيْهِ فِيهَا» ([6])
8-نهى الله تعالى ورسوله r
عن ضد الأمانة وهي الخيانة
فقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللّهَ
وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾"الأنفال:
27".
قال البيضاوي-رحمه الله-: وأصل الخون: النقص كما أن أصل الوفاء
التمام واستعماله في ضد الأمانة لتضمنه إياه.
والخيانة آية المنافق ودليل نفاقه وعصيانه، عن أبي هريرة عن النبي r
قال: «آية المنافق ثلاث إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا اؤتمن خـان» ([7])
9-ضياع الأمانة من أمارات قرب الساعة
فعن عطاء بن يسار عن أبي هريرة قال: «بينما النبي r
في مجلس يحدث القوم جاءه أعرابي فقال متى الساعة؟ فمضى رسول الله
r يحدث، فقال بعض القوم: سمع ما قال فكره ما قال،
وقال بعضهم: بل لم يسمع، حتى إذ قضى حديثه قال: أين أراه -السائل عن الساعة؟ قال
ها أنا يا رسول الله قال: فإذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة " قال: كيف
إضاعتها؟ قال: " إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» ([8])
ثالثاً: الأمانة من خلق الرسل
الكرام:
1-صور من أمانة سيد الخلق وسيد الأمناء صلى الله عليه وسلم
أ-لا يأكل تمرة ربما سقطت من الصدقة:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن محمد رسول الله r
أنه قال: "وَاللَّهِ إِنِّي لأَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِي فَأَجِدُ التَّمْرَةَ
سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي -أَوْ فِي بَيْتِي-فَأَرْفَعُهَا لآكُلَهَا، ثُمَّ
أَخْشَى أَنْ تَكُونَ صَدَقَةً -أَوْ مِنَ الصَّدَقَةِ-فَألْقِيهَا"([9])
ب-رد الأمانات إلى أهلها عند الهجرة
عن
عائشة -رضي الله عنها-في هجرة النبي r قالت: وأمر -تعني رسول
الله -عليًّا رضي الله عنه أن يتخلف عنه بمكة؛ حتى يؤدِّيَ عن رسول الله r الودائع التي كانت عنده للناس. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس
بمكة أحدٌ عنده شيء يُخشى عليه إلا وضعه عنده؛ لما يُعلم من صدقه وأمانته... فخرج
رسول الله r ، وأقام علي بن أبي طالب
رضي الله عنه ثلاث ليالٍ وأيامها؛ حتى أدَّى عن رسول الله r الودائع التي كانت عنده للناس، حتى إذا فرغ منها لَحِق رسولَ الله r ...وهذه من أروع الصور في أمانة رسول الله r حيث أن الكفار كانوا يعادونه ويؤذونه ودبروا مؤامرة لقتله وهو ذاهب إلى
مكة ومع ذلك أعاد الأمانات إلى أهلها وكلّف ابن عمه رضي الله عنه وما كانوا ليضعوا
الأمانات عند رسول الله r إلا لعلمهم ويقينهم أن
رسول الله r يتخلّق بأحسن الأخلاق عليه
الصلاة والسلام لا توجد في غيرهـ حتى إنهم لقبوهــ بالصادق الأمين كما ذكر فكانوا
يضعون ما يخافون عليه عنده r ، وقد قال رب العزّة
والجلال:" فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا
غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ
لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ
إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ " "آل
عمران:159"، فعلم عليه الصلاة والسلام بأنه سيكسب الخلق بأخلاقه الكريمة
فعاملهم بالحسنة فهُدِي كثير من الصحابة بذلك الهدي الرباني..
ر-تبليغه جميع ما أمره الله
من
تبليغ الرسالة والنصح للمسلمين ونشر هذا الدين العظيم للأمة كافة حتى صار عليه
الصلاة والسلام لا ينفك اسمه عن هذا المديح الذي هو أهل له: (مبلغ الرسالة ومؤدي الأمانة)
حيث أدى الأمانة التي كانت عليه وأرشدنا إلى الطريق المستقيم فجزاهـ الله خير ما
جزي نبي عن أمته.
ز-عرف النبي بالأمانة والصدق
حتى
لقب بالصادق الأمين و كانوا إذا ذهب أو جاء يقولون جاء الأمين و ذهب الأمين و يدل
على ذلك قصة الحجر الأسود عند بناء الكعبة المشرفة بعدما تنازعهم في استحقاق شرف
رفعه ووضعه في محله حتى كادوا يقتتلون لولا اتفاقهم على تحكيم أول من يدخل المسجد
الحرام فكان الداخل هو محمد r فلما رأوه قالوا : "هذا الأمين رضينا هذا
محمد" فلما أخبروه الخبر قال r : "هلم إلي ثوباً" فأتى به فأخذ الركن فوضعه بيده الطاهرة ثم
قال : " لنأخذ كل قبيلة بناحية من الثوب ثم ارفعوه
جميعاً ففعلوا حتى إذا بلغوا به موضعه وضعه هو بيده الشريفة ثم بني عليه قال ابن
هشام : "وكانت قريش تسمي رسول الله r قبل أن ينزل الوحي : الأمين"
ط-شهد بأمانة الرسول صلى الله عليه وسلم أعدائه قبل أصدقائه وصحابته
فها
هو أبو سفيان زعيم مكة قبل إسلامه يقف أمام هرقل ملك الروم ويعجز عن نفي صفة
الأمانة عن النبي صلى الله عليه وسلم رغم حرصه عندئذ أن يطعن فيه ولكن ما أن سأله
هرقل عما يدعو إليه النبي r فأجاب أبو سفيان: "يأمر بالصلاة والصدق
والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة"
أما
أصدقائه وصحابته فلم يختلف أحد على أمانته صلى الله عليه وسلم
ومن أمثلة ذلك: ما قالته عنه خديجة رضي الله
عنها عند بداية نزول الوحي عليه r: "... فوالله إنك لتؤدي الأمانة وتصل
الرحم وتصدق الحديث."([10])
وما
قاله جعفر بن أبي طالب للنجاشي ملك الحبشة رضي الله تعالى عنه حين سأله عن الدين
الذي اعتنقوه فأجاب: "حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته
وعفته." ولا غرو أن النبي r كان مثالاً للأمانة وكفيلا وقد ائتمنه الله
تعالى على رسالته الخاتمة فكان خير من أدى هذه الأمانة إلى حد الكمال فقد قال تعالى:
" الْيَوْمَ
أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ
الإِسْلاَمَ دِينًا" – سورة المائدة.
2-سيدنا نوح u
قال تعالى:﴿ كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ
لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ * إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ *
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ * وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ
أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ * فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ ﴾"الشعراء.
قال ابن عاشور: "وجملة:﴿ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾تعليل
للإنكار أو للتحضيض أي كيف تستمرون على الشرك وقد نهيتكم عنه وأنا رسول لكم أمين
عنكم، وكان نوح موسوما بالأمانة لا يتهم في قومه كما كان محمد صلى الله عليه وسلم
يلقب الأمين في قريش، قال النابغة: كذلك كان نوح لا يخون"(63).
3-سيدنا هود u
قال تعالى:﴿ وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً قَالَ يَا قَوْمِ
اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * قَالَ
الْمَلأُ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ
وِإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ * قَالَ يَا قَوْمِ لَيْسَ بي سَفَاهَةٌ
وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِّن رَّبِّ الْعَالَمِينَ * أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي
وَأَنَاْ لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ ﴾"الأعراف: 65-68".
4-سيدنا صالح u: قال تعالي " كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ (141) إِذْ قَالَ
لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ (142) إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ
(143) فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (144"
4-سيدنا موسى u
قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ فَتَنَّا قَبْلَهُمْ قَوْمَ فِرْعَوْنَ
وَجَاءهُمْ رَسُولٌ كَرِيمٌ * أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ
رَسُولٌ أَمِينٌ * وَأَنْ لَّا تَعْلُوا عَلَى اللَّهِ إِنِّي آتِيكُم بِسُلْطَانٍ
مُّبِينٍ ﴾"الدخان: 17-19" وقال تعالى:﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا
أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾"القصص:
26".
قال ابن زيد في قوله:﴿ قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ
اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾فقال لها:
وما علمك بقوته وأمانته؟ فقالت: أما قوته فإنه كشف الصخرة التي على بئر آل فلان
وكان لا يكشفها دون سبعة نفر، وأما أمانته فإني لما جئت أدعوه قال: كوني خلف ظهري
وأشيري لي إلى منزلك فعرفت أن ذلك منه أمانة.
4-سيدنا يوسف u
قال تعالى:﴿ وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ
لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ
* قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ * وَكَذَلِكَ
مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ
بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلاَ نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ ﴾"يوسف:
54-56".
صور الأمانة نماذج عليها:
1-المحافظة على المجتمع:
من الأمانات المهمة التي ينبغي أن يتحملها المجتمع أجمع المحافظة على
المجتمع وحمايته من الفساد، فلم يعد أحد من المسلمين اليوم يشك في أن مجتمعات
المسلمين مستهدفة، وأنه يراد لهذه المجتمعات أن تغوص في أوحال الرذيلة والفساد،
وأن تتخلى عن دينها، كيف لا نشك في ذلك ونحن نقرأ قول الله تعالى:" ولن ترضى
عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم ". وقوله:" ولا يزالون يقاتلونكم
حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا"، وقوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا
لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالاً ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من
أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر قد بينا لكم الآيات إن كنتم تعقلون".
فما دام هناك يهود ونصارى فلن يرضوا عن هذه الأمة حتى تتبع ملتهم،
وارتماء الأمة في أوحال الفساد والرذيلة، وتخليها عن دينها واختيارها للشعارات
الأرضية الباطلة، لن يكون كافيا لديهم، فلا بد أن يسوقوا الأمة إلى أن تتنصر أو
تتهود، وها نحن نرى صور الفساد وتيارات الهدم والفتن تتوارث على مجتمعات المسلمين،
ولستم بحاجة إلى أن أثير أشجانكم بذكر الأمثلة والصور والتناقضات، ويكفي أحدنا
دلالة على ذلك أن يخرج إلى شارع من شوارع المسلمين، أو سوق من أسواقهم، ليرى نتائج
هذا الغزو ونتاج هذا التدمير الذي يراد لهذه الأمة، فما دامت هذه المجتمعات
مستهدفة يراد لها أن تتنكب الطريق، فمن المسؤول عن الحفاظ على المجتمع؟ ومن
المسؤول عن الدفاع عنه؟ ومن الذي ينبغي عليه أن يقف في خندق الدفاع عن هذا
المجتمع: عن عقيدته ودينه وخلقه وسلوكه؟ أليس أبناء المجتمع أجمع؟ أليس المسلمون
أجمع كلهم ينبغي أن يقفوا صفاً واحداً في الميدان؟
فالواجب علينا جميعاً أن نقف في خندق الحماية والدفاع عن حرمات هذا
المجتمع ودينه وعقائده، أن نقف في وجه هذه الحملة.
ولو أن المسلمين أدركوا الأمانة والمسؤولية لما استطاع الأعداء أن
يصنعوا شيئاً، ولارتدت سهام أولئك في نحورهم.
2-نشر العلم والدعوة للدين:
لئن كانت مسؤولية نشر العلم والدعوة للدين تعني أهل العلم بصفة أخص،
فهذا لا يعني أننا نُعفى من المسؤولية، فبعضنا لا يملك علماً لكنه يملك المال الذي
يستطيع من خلاله أن يُوظَّف من يعمل على نشر هذا الدين، ويملك الخدمات التي يمكن
أن يقدمها لأولئك الذين ينشرون العلم ويقدمونه للناس جميعاً.
إننا بحاجة إلى أن نعلم الناس عقائدهم وأحكام دينهم، أن نعلم الناس
أن يعتقدوا أن الله واحد لا شريك له، أن يعتقدوا أن الله متصف بالأسماء الحسنى
والصفات العلا، وأن يعتقدوا أن أنبياء الله ورسله هم أفضل الناس وأبر الناس وأصدق الناس،
أن يعتقدوا أن أبر الناس بعد رسله هم أصحاب النبي r، وإلى أن نعلم الناس أحكام العبادة والطهارة، وإلى أن نعلم الناس
ما يحل وما يحرم عليهم في معاملاتهم وفي بيعهم وشرائهم، وفي حديثهم ومنطقهم وفي
سلوكهم.
وهي مهمة يمكن أن يقوم بها الجميع من خلال عقد حلق العلم، من خلال
المساهمة بالمادة وبالرأي، والمساهمة بالتشجيع والتأييد.
فإن اُدِّىَ العلم بأمانة كان الناس فى خير وفى هدى،
أما من خان الناس فأفتى لهم بغير علم او علمهم ضلالات وبدع فإنما هو خائن لان ذلة العالم
تذل بها أمه ولأنه قاد الامة الى طريق خاطئ
فعن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ
يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r-
يَقُولُ «إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا يَنْتَزِعُهُ مِنَ النَّاسِ
وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ حَتَّى إِذَا لَمْ يَتْرُكْ عَالِمًا
اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ فَضَلُّوا
وَأَضَلُّوا». ([11])
لذلك كان العقاب من الله قاسيا لأمثال هؤلاء فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى
الله عليه وسلم: "من تعلم العلم ليباهي به العلماء ويماري به السفهاء ويصرف به
وجوه الناس أدخله الله جهنم"([12])
3-بيان الحق والدين:
إن من حق الأمة أن تسمع كلمة الحق واضحة، وقد أخذ الله ميثاق الذين
أوتوا العلم بأن يبينوه للناس " وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب
لتبيننه للناس ولا تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون " ، لقد عاب
الله عز وجل على أولئك الذين يكتمون ما أنزل الله فقال:" إن الذين يكتمون ما
أنزلنا من البينات والهدى من بعد ما بيناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله
ويلعنهم اللاعنون إلا الذين تابوا وأصلحوا وبينوا"، فلا تقبل توبتهم إلا إذا
بينوا، والذين يسكتون عن بيان الحق مقابل نصيب عاجل من الدنيا لن يكون لهم نصيب
يوم التغابن " إن الذين يكتمون ما أنزل الله من الكتاب ويشترون به ثمناً
قليلاً أولئك لا خلاق له في الآخرة" ، إذاً مع هذا الوعيد الشديد على كتمان
ما أنزل، مع هذا الذم لأولئك الذين أخذ عليهم الميثاق أن يبينوا للناس دين الله،
لا يبقى لأحد من هذه الأمة عذراً أن يعلم أمراً مما أنزله الله فيكتمه.
لماذا أنزل الله عز وجل هذا الدين؟ لماذا أنزل هذه النصوص التي تأمر
الناس بالخضوع لله دون سواه؟ أليس من حق الناس أن يعلموا ما أنزل الله عليهم؟ أن
يعلموا لماذا أنزل الله هذه النصوص التي تأمر بالاحتكام إلى شرع الله سبحانه ونبذ
التحاكم إلى ما سواه؟ أليس من حق الناس أن يعلموا أن المؤمن يجب عليه أن يبرأ من
كل كافر؟ أليس مما أنزل الله على الناس النهي عن أن يأكلوا الربا أضعافاً مضاعفة؟
أليس من واجب من أتاه الله علماً أن يبلغ الناس؟ أليس مما أنزل الله أن تحتشم
المرأة وتتحجب وأن تبتعد عن مجالس الرجال؟ أليس من واجب من أتاه الله علماً أن
يبلغ ما آتاه الله؟
إذاً فكل ما جاء عن الله في كتابه وسنة رسوله فهو بحق يجب أن يعلمه الناس،
ولولا ذلك لما أنزل الله آيات تتلى إلى يوم القيامة، وحين يُكتم عن الناس هذا
الأمر فإننا نستوجب على أنفسنا لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، أيحق بعد ذلك
لأحد من هذه الأمة أن يكتم شيئاً مما أنزل الله؟
4-دعوة سائر الناس إلى الإسلام:
ومن صور الأمانة التي تتحملها الأمة أجمع نقل هذا الدين إلى سائر
المجتمعات، كم يموت كل يوم على الشرك والكفر؟ كم يموت ممن لا يعلم شيئاً عن دين
الله؟ كم يموت من أولئك الذين يعتقدون أن نبيهم هو لميرزا غلام أحمد؟ أو الذين
يمرغون جباههم عند قبر الحسين؟ وكم يموت من أولئك الذين يطوفون حول قبور من يزعمون
أنهم من أولياء الله؟ كم يموت على النصرانية والبوذية وعلى الإلحاد في العالم
بأسره ممن لم يسمع كلمة الحق واضحة؟
وواقع هؤلاء مسؤولية من؟ واجب من؟ فهل دعوة هؤلاء واجب فئة أو طائفة
خاصة؟ أم هو واجب أمة أجمع؟
في هذا العصر الذي يمتاز بأنه عصر الانفجار الهائل في وسائل الاتصال
ونقل المعلومات والذي أصبح العالم فيه قرية واحدة كما يقال، مع ذلك يتخلى المسلمون
لتبقى قنوات الفضاء ووسائل الاتصال والأجهزة الحديثة وقفاً على دعاة الفاحشة والرذيلة؟
أو على دعاة الضلال؟ أما أهل المنهج الحق الذين حملهم الله تبليغ هذا الدين للأمة
أجمع كما أخبر قائلهم وقد وقف بفرسه على المحيط: يا رب والله أعلم خلف هذا البحر
قوماً لخضته لأدعوهم لدين الله.
مسؤولية من وأمانة من دعوة هذا العالم بأسره إلى عبادة الله؟ أليست
مسؤولية المسلمين؟ أليست أمانة المسلمين أجمع صغيرهم وكبيرهم؟
أسأل الله أن يعلي كلمته، وينصر دينه؛ إنه سميع مجيب، وصلى الله وسلم
على نبينا محمد وآلة وصحبه.
5-الجوارح امانه
عينك وسمعك ويدك ورجلك وفرجك وجميع جوارح جسدك كلها
امانة ستسأل يوما ما عن تفريطك فيها او استخدامها فى غير ما خلقت له
قال تعالى: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَك بِهِ عِلْم
إِنَّ السَّمْع وَالْبَصَر وَالْفُؤَاد كُلّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)
الإسراء.
وبينما
كان رجل يسير بجانب بستان وجد تفاحة ملقاة على الأرض فتناول التفاحة وأكلها ثم
حدثته نفسه بأنه أتى على شيء ليس من حقه فأخذ يلوم نفسه وقرر أن يرى صاحب هذا
البستان فإما أن يسامحه أو أن يدفع له ثمنها، وذهب الرجل لصاحب البستان وحدثه بالأمر،
فأندهش صاحب البستان لأمانة الرجل، وقال له: ما اسمك؟؟ قال له: ثابت، قال له: لن
أسامحك في هذه التفاحة إلا بشرط أن تتزوج ابنتي واعلم أنها خرساء عمياء صماء مشلولة،
إما أن تتزوجها وإما لن أسامحك في هذه التفاحة فوجد ثابت نفسه مضطرًا، يوازي بين
عذاب الدنيا وعذاب الآخرة. فوجد نفسه يوافق على هذه الصفقة؛ وحين حانت اللحظة
التقى ثابت بتلك العروس، وإذ بها آية في الجمال والعلم والتقى فأستغرب كثيرًا
لماذا وصفها أبوها بأنها صماء مشلولة خرساء عمياء، فلما سألها قالت: أنا عمياء عن
رؤية الحرام، خرساء صماء عن قول وسماع ما يغضب الله، ومشلولة عن السير في طريق الحرام،
وتزوج هذا ثابت بتلك المرأة، وكان ثمرة هذا الزواج: الإمام أبى حنيفة النعمان ابن
ثابت
6-المال أمانة
كان
في مكة رجل صالح ومحبوب من الناس وكان فقير جدا كان يعيش بمكة هو وزوجته وهى امرأة
صالحة وفى ذات يوم قالت الزوجة يا زوجي العزيز لا يوجد طعام في المنزل ولا ملبس
ولا أي شيء حزن الزوج بشدة وقام بالذهاب إلى السوق لكي يبحث عن عمل يناسبه ويشترى
الطعام والملابس للمنزل وكان يبحث عن عمل في السوق ولكن بعد البحث بفترة لا يجد
عمل نهائي حزن بشدة وبعدها ذهب إلى البيت الحرام لكي يصلى ركعتين ويدعو الله إن
يرزقه بالرزق الحلال ويفرج عنه كربة ، وبعد الانتهاء من الصلاة وهو ذاهب إلى منزلة
وجد كيس في الأرض فتح هذا الكيس فوجد بداخله أموال كثيرة فأخذ الكيس وذهب إلى
منزلة ليحكي لزوجته عن الكيس الذي معه ولكن زوجته قالت له هذا المال ليس مالنا
لابد إن يرد لصاحبة وبالفعل رجع إلى المكان الذي كان يوجد به الكيس ووجد رجل ينادى
من وجد كيس في فلوس فرح الرجل الفقير لأنه وجد صاحب الكيس وقال لصاحب الكيس إنا
وجدته فقال له الرجل صاحب الكيس ،خذ الكيس فهو لك استغرب الرجل الفقير قال له لقد
طرحت هذا الفلوس وأنادى عليها لو الشخص ردها فهو آمين ويستحق هذا المبلغ فرح هذا
الفقير جدا
7-الدَيْن أمانه
فمن اخذ منك مالا أو استلف منك مالا ونيته
السداد اعانه الله على السداد فعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي r
قال (مَنْ أَخذ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا أَدَّى اللَّهُ
عَنْهُ وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلَافَهَا أَتْلَفَهُ اللَّهُ) ([13])
فيا ايها المدين بادر وسارع بأداء ما للناس
عندك حتى لا تواجه لحظة عصيبة كهذه التي ذكرها النبى r
فعن أَبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - r-
، قَالَ: ((نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضى عَنْهُ)) ([14])
وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عن رسول الله صلى
الله عليه وسلم: «أَنَّهُ ذَكَرَ رَجُلًا من بَنِي إِسْرَائِيلَ سَأَلَ بَعْضَ بَنِي
إِسْرَائِيلَ أَنْ يُسْلِفَهُ أَلْفَ دِينَارٍ فقال: ائْتِنِي بِالشُّهَدَاءِ أُشْهِدُهُمْ،
فقال: كَفَى بِالله شَهِيدًا، قال: فَأْتِنِي بِالْكَفِيلِ، قال: كَفَى بِالله كَفِيلًا،
قال: صَدَقْتَ، فَدَفَعَهَا إليه إلى أَجَلٍ مُسَمًّى، فَخَرَجَ في الْبَحْرِ فَقَضَى
حَاجَتَهُ ثُمَّ الْتَمَسَ مَرْكَبًا يَرْكَبُهَا يَقْدَمُ عليه لِلْأَجَلِ الذي أَجَّلَهُ
فلم يَجِدْ مَرْكَبًا فَأَخَذَ خَشَبَةً فَنَقَرَهَا فَأَدْخَلَ فيها أَلْفَ دِينَارٍ
وَصَحِيفَةً منه إلى صَاحِبِهِ ثُمَّ زَجَّجَ مَوْضِعَهَا ثُمَّ أتى بها إلى الْبَحْرِ
فقال: اللهم إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي كنت تَسَلَّفْتُ فُلَانًا أَلْفَ دِينَارٍ فَسَأَلَنِي
كَفِيلَاً فقلت كَفَى بِالله كَفِيلًا فَرَضِيَ بِكَ، وَسَأَلَنِي شَهِيدًا فقلت كَفَى
بِالله شَهِيدًا فَرَضِيَ بِكَ، وَأَنِّي جَهَدْتُ أَنْ أَجِدَ مَرْكَبًا أَبْعَثُ
إليه الذي له فلم أَقْدِرْ، وَإِنِّي أَسْتَوْدِعُكَهَا، فَرَمَى بها في الْبَحْرِ
حتى ولَجَتْ فيه، ثُمَّ انْصَرَفَ وهو في ذلك يَلْتَمِسُ مَرْكَبًا يَخْرُجُ إلى بَلَدِهِ،
فَخَرَجَ الرَّجُلُ الذي أَسْلَفَهُ يَنْظُرُ لَعَلَّ مَرْكَبًا قد جاء بِمَالِهِ فإذا
بِالْخَشَبَةِ التي فيها الْمَالُ فَأَخَذَهَا لِأَهْلِهِ حَطَبًا فلما نَشَرَهَا وَجَدَ
الْمَالَ وَالصَّحِيفَةَ، ثُمَّ قَدِمَ الذي كان أَسْلَفَهُ فَأَتَى بِالْأَلْفِ دِينَارٍ،
فقال: والله ما زِلْتُ جَاهِدًا في طَلَبِ مَرْكَبٍ لِآتِيَكَ بِمَالِكَ فما وَجَدْتُ
مَرْكَبًا قبل الذي أَتَيْتُ فيه، قال: هل كُنْتَ بَعَثْتَ إلي بِشَيْءٍ، قال: أُخْبِرُكَ
أَنِّي لم أَجِدْ مَرْكَبًا قبل الذي جِئْتُ فيه، قال: فإن الله قد أَدَّى عَنْكَ الذي
بَعَثْتَ في الْخَشَبَةِ فَانْصَرِفْ بِالْأَلْفِ دينار رَاشِدًا» ([15])
ومعنى: (التمس) طلب. (للأجل) الزمن الذي حدده له للوفاء. (فنقرها) حفرها.
(صحيفة) مكتوبا. (زجج) سوى موضع النقر وأصلحه من تزجيج الحواجب وهو حلق زوائد الشعر.
(تسلفت فلانا) طلبت منه سلفا. (جهدت) بذلت وسعي. (ولجت) دخلت في البحر.
8-الكلمة أمانه
عن أبي هريرة: عن النبي r
قال (إن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقي لها بالا يرفع
الله بها درجات وإن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقي لها بالا يهوي بها في
جهنم) ([16])
قال ابن القيم:
(ومن العجب أن الإنسان يهون عليه التحفظ والاحتراز من أكل الحرام، والظلم، والزنا والسرقة،
وشرب الخمر، ومن النظر المحرم، وغير ذلك؛ ويصعب عليه التحفظ من حركة لسانه، حتى يري
الرجل يشار إليه بالدين، والزهد، والعبادة، وهو يتكلم بالكلمات من سخط الله لا يلقى
لها بالا ينزل بالكلمة الواحدة منها أبعد ما بين المشرق والمغرب. وكم ترى من رجل متورع
عن الفواحش والظلم ولسانه يفري فى أعراض الأحياء والأموات ولا يبالي ما يقول.
9-الزوجة أمانه
عن جابر رضى الله عنه ان رسول الله صلى
الله عليه وسلم قال "اتقوا الله في النساء، فإنهن عوان عندكم، أخذتموهن بأمانة
الله واستحللتم فروجهن بكلمة الله ..." ([17])
فلا تقسو على زوجتك ولا تتفنن فى سبها وايذائها
ولا تفش سرها فمن الوقاحة ان يحدث الرجل عما دار بينه وبين زوجته فعن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِىَّ
يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r-
«إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللَّهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ
يُفْضِى إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِى إِلَيْهِ ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» ([18]).
رجل من الصالحين ابتلاه الله بزوجة سيئة
الخلق اغضبته وآلمته مرارا وتكرارا فأشار اليه أحدهم بطلاقها وسـأله ما الذي يغضبك
منها؟ فقال العاقل لا يهتك ستر بيته، ثم طلقها، فسأله لقد طلقتها فأخبرنا عما كان يغضبك
منها؟ فقال مالي وامرأة غيرى، هؤلاء
هم أهل الأمانة.
10-الاولاد أمانه
وحينما بدأ الوالدان بالتفريط فى رعاية
هذه الأمانة خرج على الامة جيل كالحنظل غاية فى سوء الادب وعدم الاحترام فكونوا على
حذر لان
الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا
وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)
التحريم.
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: سمعت
رَسُول الله - r-
يقول: (كُلُّكُمْ رَاعٍ، وَكُلُّكُمْ مسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتهِ: الإمَامُ رَاعٍ وَمَسْؤولٌ
عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أهْلِهِ وَمَسْؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، وَالمَرْأةُ
رَاعِيَةٌ في بيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْؤُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا، وَالخَادِمُ رَاعٍ
في مَالِ سَيِّدِهِ وَمَسؤُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَمَسْؤُولٌ عَنْ
رَعِيَّتِهِ) ([19])
11-الوظيفة أمانه
من أعظم الأمانات الوظائفُ والأعمال والمناصبُ
وحقوقها؛ فمن أدَّى ما يجب لله -تعالى-عليه فيها وحقَّق بها مصالحَ المسلمين التي أنيطَت
بها والتي وُجدت لأجلها فقد نصح لنفسِه وعمل خيراً لآخرته، ومن قصّرَ في واجباتِ وحقوق
الوظائف والمناصب ولم يؤدِّ ما أُنيط بها من منافع العباد أو أخذَ بها رشوةً أو اختلس
بها مالاً للمسلمين فقد غشّ نفسَه وقدّم لها
زادا يرديها، وغدر بنفسه وظلمها فعَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى
الله عليه وسلم- « إِذَا جَمَعَ اللَّهُ الأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ
يُرْفَعُ لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ فَقِيلَ هَذِهِ غَدْرَةُ فُلاَنِ بْنِ فُلاَنٍ »([20]).
فأي التواء او تفريط فى أداء ما كلفت به
فإنما هو خيانة، فكيف اذن بمن يتهربون من مهمات تكلفوا بها؟
وروى انه كان في بيت مال المسلمين عقد جميل من اللؤلؤ فعلمت
به ابنة سيدنا على رضي الله عنه، فأرادت أن تتزين به في عيد الأضحى، فأرسلت إلى
على بن رافع خازن بيت المال تطلب منه أن يعيرها ذلك العقد تتزين به في العيد، ثم
ترده بعد ثلاثة أيام، فأرسل إليها خازن بيت المال العقد بعد أن استوثق منها أنها
ترده، فلما لبسته وتزينت به رآه عليها أمير المؤمنين فعرفه، فقال لها من أين جاء
إليك هذا العقد؟ قالت استعرته من أبى رافع لأتزين به في العيد ثم أرده، فأرسل على
رضي الله عنه إلى الخازن فلما جاءه قال ل أتخون المسلمين يا ابن رافع؟ فقال
والدهشة تعلو وجهه: معاذ الله أن أخون المسلمين فقال على رضي الله عنه كيف أعرت
بنت أمير المؤمنين العقد الذي في بيت مال المسلمين بغير إذني ورضاهم؟ فقال يا أمير
المؤمنين إنها ابنتك وسألتني أن أعيرها العقد على أن ترده بعد ثلاثة أيام.
فقال
على لخازن بيت المال رده وإياك أن تعود لمثله فتنالك عقوبتي، ثم قال ويل لابنتي لو
كانت أخذت العقد على غير عارية مضمونة لكانت إذا أول هاشمية قطعت يدها في السرقة،
فلما بلغ ذلك ابنته، قالت له يا أمير المؤمنين إنا ابنتك وبضعة منك، فمن أحق بلبسه
منى؟ فقال لها يا ابنة أبى طالب لا تذهبي بنفسك عن الحق، أكل نساء المهاجرين
والأنصار يتزين في العيد بمثل هذا؟ فأخذه رافع ورده" ([21])
وفي القادسية ماذا فعل سعد ابن أبي وقاص بكنوز كسرى؟
لما
فتح المسلمون القادسية ونصرهم الله، ورفعوا لا إله إلا الله محمد رسول الله -r-
في القادسية سلم لسعد بن أبي وقاص ذهب وفضة، واستولى على خزائن كسرى، ولما رآها
دمعت عيناه وقال:﴿ كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ
كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا
قَوْمًا آخَرِينَ * فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا
مُنْظَرِينَ ﴾"الدخان: 25-29".
فجمع
الجيش وقال: هذه أمانة فما رأيكم؟
قالوا:
نرى أن تدفعها لعمر بن الخطاب الخليفة فما أخذوا منها درهمًا ولا دينارًا.
رابعًا: أمانة الصانع والتاجر
1-أمر الله تعالى بطلب الرزق
قال تعالى: {هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ
ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ}
[الملك
3-أمر الله تعالى بالكسب الطيب
الحلال وعدم التجارة في الحرام
عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال قيل يا رسول الله
"أَيُّ الْكَسْبِ أَطْيَبُ؟ قَالَ: عَمَلُ الرَّجُلِ بِيَدِهِ، وَكُلُّ
بَيْعٍ مَبْرُورٍ "([22])
4-يتاجر في المباح ولا يتاجر
فيما يحرم شرعاً:
كالخمر أو ما فيه ضرر كالمخدرات، والتدخين
ونحوه؛ لا يصح للتاجر المسلم أن يتاجر بشيء من ذلك، حتى ولو باعها لغير مسلم فعَنْ
عَمْرِو بْنِ يَحْيَى الْمَازِنِيِّ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ
" ([23])
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لعن رسول الله
صلى الله عليه وسلم في الخمر عشرة عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه
وبائعها وأكل ثمنها والمشتري لها والمشترى له"([24]).
فكل من
شارك فيها بجهد ما فهو ملعون، وقياسا على ذلك حرمة صناعة او بيع او شراء ما حرمه
الله تعالى وسوله r .
5-التزام الصدق والأمانة عند
التعامل بيعا وشراء ونحوهما:
عن رفاعة بن رافع الأنصاري رضي الله عنه: «أنه
خرج مع رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلى البقيع والناس يتبايعون، فنادى يا معشر
التجار، فاستجابوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ورفعوا أعناقهم وأبصارهم، فقال:
إن التجار يبعثون يوم القيامة فجارا إلا من اتقى الله وبر وصدق» ([25])
وعن عائشة
قالت كان على رسول الله r بردين قطريين وكان إذا جلس
فعرق فيهما ثقلا عليه وقدم لفلان اليهودي بز من الشام فقلت لو أرسلت إليه فاشتريت منه
ثوبين إلى الميسرة فأرسل إليه فقال قد علمت ما يريد محمد إنما يريد أن يذهب بمالي أو
يذهب بهما فقال رسول الله r كذب قد علم أني من أتقاهم لله
وآداهم للأمانة" ([26])
6-إعطاء حق الله فى المال مثل
الزكاة والصدقات حتى تتحقق البركات والنماء والطهارة.
يقوّم بضاعته كل عام ويزكيها بنسبة ربع العشر،
أي: 2,5%، في كل ما هو معد للبيع، ويصرفها كما أمر الله تعالى في الأصناف
الثمانية، فلا يترك للشيطان مجالاً للوسوسة وللأمر بالفحشاء والتخويف من الفقر،
كما قال تعالى: "الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ
بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ
وَاسِعٌ عَلِيمٌ "البقرة
وقوله تعالى: "وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ
شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ " سبأ.
7-اتقان العمل
ويروى
أن مقاولا معماريا يعمل في مؤسسة عقارية كبيرة، كان متميزا بجودة بنائه وإتقانه في
عمله، فلما كبرت به السن رغب في التقاعد، والعيش بقية حياته بالقرب من عائلته، فتقدم
بطلب التقاعد من العمل، وحاول رئيسه أن يثنيه عن هذا القرار، فقدم له زيادة في الراتب،
وكثيرا من المغريات، إلا أن المقاول كان قد قرر قراره بالتقاعد دون تراجع، فوافق رئيسه
على طلبه شرط أن يقوم هذا المقاول ببناء منزل أخير، فيختم به سجل عمله الحافل، فوافق
المقاول على هذا الشرط ولكن على مضض؛ ولأن المقاول كان يعلم بأن هذا البيت هو آخر بيت
يبنيه؛ ولأنه لا يعتبر هذا البيت إلا رقما صغيرا في عدد البيوت التي بناها، فقد تساهل
في العمل ولم يخلص فيه، بل إنه لم يحرص على إتقان صنعته، فجلب له المواد الرديئة، والمعدات
الرخيصة، ولم يحرص على إجادة العمل، وأسرع في إنجاز مهمته على حساب الجودة، وكأنه نسي
أنه بهذا العمل قد أفسد ما بناه طوال عمره؛ من تميز وإتقان عرف به؛ وعندما انتهى المقاول
من البناء أسرع إلى رئيسه بمفتاح البيت الجديد ليخبره بأنه أنجز ما عليه من مهمة، ولكن
رئيسه فاجأه بابتسامة، وقال له: اسمح لي أن أقدم لك هذا البيت هدية مني مقابل إخلاصك
وتفانيك في السنوات الماضية؛ لقد ندم المقاول كثيرا على تفريطه؛ لأنه لو علم أنه يبني
منزلا لنفسه لما تردد أن يضع فيه كامل عصارة خبرته، وأفضل الأدوات والمعدات، ولأعطاه
ما يستحقه من وقت.
8-حرمة أكل أموال الناس بالباطل وحرمة التعامل بالربا
وقال تعالى:﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا
تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ
تَرَاضٍ مِنْكُمْ ﴾(النساء)
قال ابن كثير: نهى الله تبارك وتعالى عباده المؤمنين
عن أن يأكلوا أموال بعضهم بعضا بالباطل، أي: بأنواع المكاسب التي هي غير شرعية، كأنواع
الربا والقمار، وما جرى مجرى ذلك من سائر صنوف الحيل... ولا تتعاطوا الأسباب المحرّمة
في اكتساب الأموال، لكن المتاجر المشروعة التي تكون عن تراض من البائع والمشتري فافعلوها
وتسببوا بها في تحصيل الأموال"([28])
وقال تعالى: " الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا
يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا
إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا
فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى
اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ
(275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ
كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276)" البقرة.
9-عدم التعامل بالرشوة
عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال لعن رسول
الله صلى الله عليه وسلم الراشي والمرتشي" ([29])
10-عدم الغش والتدليس والاحتكار:
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ.
أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ
فِيهَا فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلاً فَقَالَ «مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ».
قَالَ أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ «أَفَلاَ جَعَلْتَهُ فَوْقَ
الطَّعَامِ كَىْ يَرَاهُ النَّاسُ مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّى» ([30]).
وعَنْ مَعْمَرِ
بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- قَالَ «لاَ يَحْتَكِرُ إِلاَّ خَاطِئٌ» ([31]).
وكان محمد بن المنكدر، له سلع تباع بخمسة، وسلع تباع بعشرة،
فباع غلامه في غَيبته شيئا من سلع الخمسة بعشرة، فلما عرف ابن المنكدر ما فعل غلامه
اغتمّ لصنيعه، وطفق يبحث عن المشتري طوال النهار … حتى وجده، وكان من الأعراب، فقال
له ابن المنكدر: إنَّ الغلام قد غلط فباعك ما يساوي خمسة بعشرة، فقال الأعرابي: يا
هذا قد رضيت. فقال ابن المنكدر: وإن رضيت فإنّا لا نرضى لك إلا ما نرضاه لأنفسنا، فاختر
إحدى ثلاث: إما أن تستعيد مالك وتعيد السلعة، وإما أن تُردَّ إليك خمسة، وإما أن تأخذ
من سلعة الخمس سلعة العشر. فقال الأعرابي: أعطني خمسة، فرد عليه الخمسة وانصرف؛ فسأل
الأعرابي أهل السـوق عن هذا التاجـــر الأمين؟ فقيل له: هذا محمد بن المنكدر، فقال:
لا إله إلا الله، هذا الذي ملأ الآفاق ذكره.
11-اظهار عيوب السلعة: عن عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم
قال المسلم أخو المسلم ولا يحل لمسلم إذا باع من أخيه بيعا فيه عيب إلا يبينه"
([32])
وذات
يوم خرج أحد التجار الأمناء في سفر له، وترك أحد العاملين عنده ليبيع في متجره،
فجاء رجل يهودي واشتري ثوبًا كان به عيب، فلما حضر صاحب المتجر لم يجد ذلك الثوب،
فسأل عنه، فقال له العامل: بعته لرجل يهودي بثلاثة آلاف درهم، ولم يطلع على عيبه.
فغضب التاجر وقال له: وأين ذلك الرجل؟ فقال: لقد سافر. فأخذ التاجر المسلم المال،
وخرج ليلحق بالقافلة التي سافر معها اليهودي، فلحقها بعد ثلاثة أيام، فسأل عن
اليهودي، فلما وجده قال له: أيها الرجل! لقد اشتريت من متجري ثوبًا به عيب، فخذ
دراهمك، وأعطني الثوب. فتعجب اليهودي وسأله: لماذا فعلت هذا؟ قال التاجر: إن ديني
يأمرني بالأمانة، وينهاني عن الخيانة، فقد قال رسولنا -r-:
"مَنْ غَشَّنَا فَلَيْسَ مِنَّا" ([33])
فاندهش
اليهودي وأخبر التاجر بأن الدراهم التي دفعها للعامل كانت مزيفة، وأعطاه بدلاً
منها، ثم قال: لقد أسلمت لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن
محمدًا رسول الله."
12-فعلى التجار وأصحاب الحرف بل
والأمة كلها أن يلزموا الأمانة في كل شيء
لأن الأمة التي لا أمانة لها هي التي تنتشر فيها الرشوة،
وينتشر فيها الغش والخداع والتحايل على الحق وتضييع الواجبات التي أنيطت بأفرادها،
فما من إنسان منا إلا وعمله أمانة لله في عنقه، فالشعب أمانة في يد ولاة الأمور، والدين
أمانة في يد العلماء وطلبة العلم، والعدل أمانة في يد القضاة، والحق أمانة في يد القائمين
عليه، والصدق أمانة في يد الشهود، والمرضى أمانة في يد الأطباء، والمصالح أمانة في
يد المستخدمين، والتلميذ أمانة في يد الأستاذ، والولد أمانة في يد أبيه، والوطن أمانة
في يد الجميع، وأعضاء الإنسان أمانة لديه، فاللسان أمانة فاحفظه من الكذب والغيبة والنميمة
والسخرية بعباد الله، والعين أمانة فاصرفها عن النظر إلى الحرام وتوجه بها إلى النظر
إلى المباح الحلال، والأذن أمانة فجنبها استماع المحرمات واصرفها إلى استماع ما يعود
عليك بالنفع والفائدة في الدنيا والآخرة، والرجل أمانة فلا تمش إلا إلى الخيرات، واليد
أمانة فلا تبطش إلا المباحات، وأموالكم أمانة لديكم فلا تصرفوها إلا فيما يرضي ربكم
سبحانه وتعالى، من قبل أن يأتي يوم تسأل عن هذه الأمانة: ماذا عملت بها؟ فلا تستطيع
الإجابة، فعن أَبي برزة نَضْلَة بن عبيد الأسلمي
-رضي الله عنه -، قَالَ: قَالَ رَسُول الله - r-
: ((لا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَومَ القِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَ
أفنَاهُ؟ وَعَنْ عِلمِهِ فِيمَ فَعَلَ فِيهِ؟ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أيْنَ اكْتَسَبَهُ؟
وَفيمَ أنْفَقَهُ؟ وَعَنْ جِسمِهِ فِيمَ أبلاهُ؟ ))([34])
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى
آله وأصحابه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
لتحميل
الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي
لتحميل الخطبة وخطب أخرى
متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولقراءة الخطبة مرتبة
ومنسقة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولمشاهدة الخطبة وخطب أخرى
على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي