فضل المساجد وآدابها وحرماتها للشيخ أحمد أبو عيد
الحمد لله العزيز الغفار، خلق الإنسان من صلصال كالفخار، وخلق الجان من مارج من نار، أرسى الجبال وأجرى الأنهار، وأنزل الغيث وأنبت الأشجار، سخر لنا الفُلك ومهد لها أمواج البحار، وخلق الشمس والقمر وقلب الليل والنهار، صورنا فأحسن صورنا، وجعل لنا السمع والأفئدة والأبصار، ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الْإِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ "إبراهيم: 34"
، نحمده تبارك وتعالى حمد المتقين الأبرار، ونعوذ بنور وجهه الكريم من خلق الأشرار، ونسأله السلامة من دار البوار، ونرجوه أن ينير لنا الطريق فنتبين النافع من الضار.
وأشهد أن لا إله إلا الله الواحد القهار، الملك فوق كل الملوك القوي الجبار، المستوي على عرشه دون حلول أو مماسَّة أو استقرار، العظمة رداؤه والكبرياء له إزار، ليس كمثله شيء، فلا تصل إلى كُنه ذاته العقول والأفكار، اللطيف الخبير، فلا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، السميع البصير فلا تحجب رؤيتَه الظلمات والأستار، ويستوي في كمال سمعِه الجهر بالقول والإسرار، القادر على كل شيء وكل شيء عنده بمقدار، المحيط بكل شيء؛ فلا هروب ولا فرار، التائب على كل نادم قد أثقلته الأوزار، والباسط كف رحمته للمستغفرين بالأسحار، والمبشِّر للطائعين بعُقبى الدار.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله المختار.. إمام المتقين والأبرار، المسلَّم من العيوب والمطهَّر مِن الأوضار، المنصور بالرعب على مسيرة شهر في كل الأمصار، إذا جاهد فالسيف في يده بتار، وإذا سالم استوى في أمانه المسلمون والكفار، إذا سئل شيئا أعطاه بغير انتظار، إذا سكت علاه البهاء والوقار، وإذا تكلم خرج من فمه نور كنور الفجر وقت الإسفار، وإذا تبسَّم أشرق وجهه كشروق الشمس في وضح النهار، إذا عرق فالريح أطيب من أريج الورود والأزهار، وإذا نام فالحرس ملائكة أطهار، وإذا مشى سلَّمَتْ عليه الصخور والأحجار، وإذا ركب سعَتِ الركائب باختيال وافتخار، وإذا جلس انحنت عليه لتُظِلَّه الأشجار، أسري به عبر الفيافي والقفار، وعرج به فوق السحاب والبخار، وزج به على حظيرة القدس في بحر الأنوار، فما زاغ البصر وما طغى بل رأى من آيات ربه الكبار، ومُنح ما منح من الكنوز والأسرار، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى آله وصحبه الأخيار، ما تعاقب الليل والنهار، وما دامت الشمس في فلكها والقمر في المدار.
العناصر
أولاً: فضل بناء المساجد وعمارتها
ثانياً: الحث على الذهاب إلى المساجد
ثالثاً: آداب المساجد
رابعاً: سلوكيات خاطئة في المساجد
الموضوع
أولا: فضل بناء المساجد وعمارتها
هي بيوت الله في الأرض: قال تعالى" وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا) سورة الجن
علامة على الإيمان بالله : قال تعالى" إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) سورة التوبة
يذكر فيها اسم الله: قال تعالى" فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ* لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ" النور
قال القرطبي في أحكام القرآن عن هذه الآية: " أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ أي: تُعظّم"، وقال ابن كثير في تفسيره: " فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللهُ أَن تُرْفَعَ أي: أمر الله بتعاهدها وتطهيرها من الدّنس واللغو والأقوال والأفعال التي لا تليق فيها".
هذه هي المساجد، بيوت كرمها الله سبحانه، بل زاد في تكريمها بأن نسبها إلى نفسه سبحانه فقال: وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا "الجن 18"، فأيّ رفعة أعظم من هذه الرفعة؟! وأي قدر أرفع من هذا القدر؟!
وما دام رب العالمين قد رفع المساجد وأعلى ذكرها وكذلك رسوله الكريم فلا بد لنا من منطلق الإيمان والطاعة لله ورسوله أن نعلي المساجد ونحترمها ونرفع قدرها؛ لنكون عبادا خاضعين خاشعين لربّ العالمين عاملين بسنة خير المرسلين. فما الواجب علينا تجاه المساجد؟
هي أحب البلاد إلى الله:عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t : أَنَّ رَسُولَ اللهِ - r - قَالَ :أَحَبُّ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ مَسَاجِدهَا ، وَأَبْغَضُ الْبِلاَدِ إِلَى اللهِ أَسْوَاقهَا([1])
من بني لله مسجداً بني الله له بيتاً في الجنة: عن عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ عِنْدَ قَوْلِ النَّاسِ فِيهِ حِينَ بَنَى مَسْجِدَ رَسُولِ اللَّهِ -r- إِنَّكُمْ قَدْ أَكْثَرْتُمْ وَإِنِّى سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ " مَنْ بَنَى مَسْجِدًا - قَالَ بُكَيْرٌ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ - يَبْتَغِى بِهِ وَجْهَ اللَّهِ بَنَى اللَّهُ لَهُ مِثْلَهُ فِى الْجَنَّةِ ". وَفِى رِوَايَةِ هَارُونَ " بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ "([2])
وعن عثمان t قال : قال رسول الله r : " من بنى لله مسجدا بنى الله له بيتا في الجنة "([3])
وعن جابر بن عبد الله t أن رسول الله r قال من حفر بئر ماء لم يشرب منه كبد حرى من جن ولا إنس ولا طائر إلا آجره الله يوم القيامة ومن بنى لله مسجدا كمفحص قطاة أو أصغر بنى الله له بيتا في الجنة "
وعن عائشة رضي الله عنها قالت أمرنا رسول الله r ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب" ([4])
أجر يبقى من العمل بعد الموت: فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله r:(إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ عِلْمًا عَلَّمَهُ وَنَشَرَهُ، وَوَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، وَمُصْحَفًا وَرَّثَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، أَوْ بَيْتًا لِابْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهْرًا أَجْرَاهُ، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ يَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ)([5])
ثانيا: الحث على الذهاب إلى المساجد والصلاة فيها
بيت كل تقي: عن أبي الدرداء t قال سمعت رسول الله r يقول المسجد بيت كل تقي ([6])
في ضمان الله: عن أبي هريرة: ((ثلاثة في ضمان الله عز وجل: رجل خرج إلى مسجد من مساجد الله عز وجل، ورجل خرج غازيا في سبيل الله تعالى ورجل خرج حاجا))([7])
نزلا في الجنة: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ:( مَنْ غَدَا إِلَى الْمَسْجِدِ وَرَاحَ ، أَعَدَّ اللَّهُ لَهُ فِي الْجَنَّةِ نُزُلاً كُلَّمَا غَدَا وَرَاحَ) ([8])
النور التام يوم القيامة: عَنْ بُرَيْدَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: بَشِّرِ الْمَشَّائِينَ فِي الظُّلَمِ ، إِلَى الْمَسَاجِدِ ، بِالنُّورِ التَّامِّ يَوْمَ الْقِيَامَة([9])
جيران الله : عن أنس قال : قال رسول الله r : " إن الله ينادى يوم القيامة أين جيراني أين جيراني فتقول الملائكة ربنا من ينبغي له أن يجاورك فيقول أين عُمَّارُ المساجد ([10])
محو الخطايا ورفع الدرجات: عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: أَلاَ أُخْبِرُكُمْ بِمَا يَمْحُو اللَّهُ بِهِ الْخَطَايَا ، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ ؟ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ الْمَكَارِهِ ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ([11])
لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ: عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ ، قَالَ : سَأَلْتُ جَابِرًا : هَلْ سَمِعْتَ النَّبِيَّ r يَقُولُ : الرَّجُلُ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ ؟ قَالَ: انْتَظَرْنَا النَّبِيَّ r لَيْلَةً لِصَلاَةِ الْعَتَمَةِ ، فَاحْتَبَسَ عَلَيْنَا ، حَتَّى كَانَ قَرِيبًا مِنْ شَطْرِ اللَّيْلِ ، أَوْ بَلَغَ ذَلِكَ ، ثُمَّ جَاءَ النَّبِيُّ r ، فَصَلَّيْنَا ، ثُمَّ قَالَ : اجْلِسُوا ، فَخَطَبَنَا ، فَقَالَ النَّبِيُّ r : إِنَّ النَّاسَ قَدْ صَلَّوْا وَرَقَدُوا ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَزَالُوا فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرْتُمُ الصَّلاَةَ([12])
لا رخصة في ترك الجماعة مع القدرة: عَنْ أَبِي رَزِينٍ ، عَنِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ ، قَالَ: جِئْتُ إِلَى رَسُولِ اللهِ r ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللهِ ، كُنْتُ ضَرِيرًا ، شَاسِعَ الدَّارِ ، وَلِي قَائِدٌ لاَ يُلاَئِمُنِي ، فَهَلْ تَجِدُ لِي رُخْصَةً أَنْ أُصَلِّيَ فِي بَيْتِي ؟ قَالَ : أَتَسْمَعُ النِّدَاءَ ؟ قَالَ : قُلْتُ : نَعَمْ ، قَالَ : مَا أَجِدُ لَكَ رُخْصَةً"([13])
أداء الصلاة في المساجد لا يُعطل مسيرة الحياة : ولا يعوق النشاط الدنيوي للمسلم ، ولا يؤخره عن أعماله وارتباطاته ، لأن الصلوات - في حقيقة الأمر - ليست سوى محطاتٍ إيمانيةٍ يتزود فيها المسلم بالطاقة الروحية اللازمة للسعي في الحياة ، تلك الطاقة الإيمانية التي تصله بربه جل وعلا ، وتجدد نشاطه باستمرار ، وتدفعه إلى الأمام ، وتعينه على التحمل والمثابرة والمصابرة في مشوار حياته . كما أن لأداء الصلاة في المساجد معاني عظيمة وآثاراً طيبة في تربية أبناء المجتمع المسلم ونهيهم عن فاحش القول ومنكر العمل تصديقاً لقوله سبحانه : " إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَـى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْـرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَـعُونَ " ( سورة العنكبوت : من الآية 45 ) .
وليس هذا فحسب فإن للصلاة دوراً مهماً في بناء شخصية المسلم وتحديد معالمها ، فهي كفيلةٌ ـ إن شاء الله ـ بصقل نفس المؤمن وإرهاف حسه وترقيق وجدانه ، وربطه بخالقه العظيم جل وعلا ، لما فيها من صلة بالله سبحانه ، ومناجاة له وخشوع وخضوع يجعل المصلي متمثلاً لعظمة الله وقدرته سبحانه . ولذلك روي عن أنس t أن r قال : " وجُعل قرة عيني في الصلاة " ([14]) .
وهذا فيه تأكيدٌ على أن في الصلاة راحة نفسية للمسلم متى أداها بخشوعٍ وخضوع ، وأنها تؤدي إلى السكينة و الطمأنينة وهدوء البال , وهو ما يشعر به المؤمن بعد أدائه الصلاة أداءً صحيحاً يربطه بخالقه العظيم ارتباط إيمانٍ واستسلامٍ وتعبد .
المساجد ليست أماكن لأداء الصلاة فقط : ولكنها مراكز للتعليم والتوجيه , ومؤسسات للتربية والتنشئة , ومعاهد للفقه الشرعي , والبحث العلمي عن طريق ما يعقد فيها من دروس ومحاضرات وندوات , وما يلقى على منابرها من خطب ومواعظ ونصائح في مختلف جوانب الحياة الفردية والجماعية . واعلموا ـ بارك الله فيكم ـ أنه ما لم تكن تلك وظيفة المساجد ورسالتها الخالدة ومهمتها العظمى فإنها ستظل معطلة ، ولن تؤتي ثمارها الطيبة المباركة التي وجدت من أجلها . يقول أحد دعاة الإسلام : " من أراد أن ينظر وأن يتعرف على حقيقة مدينة من المدن ، أو قرية من القرى ، فلينظر إلى مساجدها ، ولير ما مقدار اهتمام الناس بهذه المساجد ؟ وما هي علاقتهم بها ؟ حينها يحكم على هذا الجيل أو هذه الطائفة من الناس ومدى رقيهم الحضاري الإسلامي " . من هنا كانت المساجد في تاريخنا الإسلامي المجيد قلاعاً للإيمان ، وحصوناً للفضيلة ، وبيوتاً للأتقياء ، وينابيع للصلاح ، وموارد للخير ، ومجامع الأمة ، ومواضع الأئمة .
ثالثا: آداب المساجد
الإخلاص: عن أبي هريرة t قال: قال رسول اللَّه r : "من أتى المسجد لشيء فهو حظه". "صحيح سنن أبي داود: 94". وهذا يدل على أن من أتى المسجد لقصد حصول شيء أخروي أو دنيوي فذلك الشيء حظه ونصيبه؛ لأن لكل امرئ ما نوى، وفيه تنبيه على تصحيح النية في إتيان المساجد لئلا يكون مختلطًا بغرض دنيوي، كالتمشية أو اللقاء مع الأصحاب بل ينوي الاعتكاف والعزلة والانفراد والعبادة وزيارة بيت الله واستفادة علم وإفادته ونحوها. "([15])
وعن أبي أمامة عن النبي r قال: "من غدا إلى المسجد لا يريد إلا أن يتعلم خيرًا أو يُعلمه كان له كأجر حاج تامًا حجته"([16])
التسوك والتطهر في البيت وعدم تشبيك الأصابع بعده: عن أبي هريرة عن النبي r ( لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء ) . ويروى نحوه عن جابر وزيد بن خالد عن النبي r ولم يخص الصائم من غيره . وقالت عائشة عن النبي r ( مطهرة للفم مرضاة للرب ) ([17])
ثم تدعوا بدعاء الوضوء فتقول قبل الوضوء : بسم الله الرحمن الرحيم لما ثبت عن رباح بن عبد الرحمن بن أبي سفيان بن حويطب عن جدته عن أبيها قال سمعت رسول الله r يقول : لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه" ([18])
وبعد الوضوء تقول : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ كما روى عن عمر بن الخطاب t أن رسول الله r قال : ( مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ أَوْ فَيُسْبِغُ الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ : أَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، إِلا
فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ ) ([19])
والتطهر في المنزل له فضل عظيم فينبغي الحرص عليه لما روى عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r- " مَنْ تَطَهَّرَ فِى بَيْتِهِ ثُمَّ مَشَى إِلَى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لِيَقْضِىَ فَرِيضَةً مِنْ فَرَائِضِ اللَّهِ كَانَتْ خَطْوَتَاهُ إِحْدَاهُمَا تَحُطُّ خَطِيئَةً وَالأُخْرَى تَرْفَعُ دَرَجَةً "([20])
ولا مانع من الوضوء في المسجد لكن في البيت أعظم أجرا
وعن أبي ثمامة الحناط أن كعب بن عجرة أدركه وهو يريد المسجد أدرك أحدهما صاحبه قال فوجدني وأنا مشبك بيدي فنهاني عن ذلك وقال إن رسول الله r قال إذا توضأ أحدكم فأحسن وضوءه ثم خرج عامدا إلى المسجد فلا يشبكن يديه فإنه في صلاة "([21])
وهذا النهي عن التشبيك علله بأنه في صلاة، فلا يليق وهو في صلاة أن يشبك بين أصابعه، وهذا النهي عن تشبيك الأصابع حال المشي إلى المسجد للصلاة. قال الخطابي رحمه الله: تشبيك اليد: هو إدخال الأصابع بعضها في بعض والاشتباك بهما، وقد يفعله بعض الناس عبثاً، وبعضهم ليفرقع أصابعه عندما يجده من التمدد فيها، وربما قعد الإنسان فشبك يبن أصابعه واحتبا بيده يريد الاستراحة، وربما استجلب به النوم؛ فيكون ذلك سبباً لانتقاض طهره، فقيل لمن تطهر وخرج متوجهاً إلى الصلاة: لا تشبك بين أصابعك، لأن جميع ما ذكرناه من هذه الوجوه -على اختلافها- لا يلائم شيء منها الصلاة ولا يشاكل حال المصلي. إذاً عرفنا أن من الآداب أثناء الحضور إلى المسجد: ألا يشبك بين أصابعه، سواء جعلهما أمامه أو خلفه، أو على جنب، أو فوق رأسه. بعض الناس يمشي وهو يشبك أصابعه فوق رأسه، فهذه ليست حال من كان عنده سكينة ووقار.. (وإذا حضر إلى المسجد للصلاة فلا يشبكن بين أصابعه). أليس قد ورد أن النبي r عندما صلى صلاة نسي فيها، قام كهيئة المغضب إلى خشبة معروضة في المسجد، فاتكأ عليها وشبك بين أصابعه؟ الجواب: نعم، والحديث متفق عليه، فكيف نجمع بين هذا وبين ما تقدم؟ فالجواب: إن التشبيك هنا قد حصل بعد انقضاء الصلاة، فهو في حكم المنصرف من صلاته، فيكون النهي إذاً خاصاً بمن جاء إلى المسجد وبما كان قبل الصلاة، وأما ما حصل بعد الصلاة، أو إذا جلس للدرس بعد الصلاة، وقال: (مثل المؤمنين كمثل الجسد الواحد ...) وشبك بين أصابعه، فلا حرج في ذلك، وكذلك فليس من الأدب أن يفرقع الذي يأتي إلى الصلاة أصابعه ولا يفعل ذلك في المسجد ولا في انتظار الصلاة؛ لأنه ليس من السكينة ولا من الوقار ولا من الخشوع، وغمز المفاصل هي فرقعة الأصابع، وقد جاء عن شعبة مولى ابن عباس قال: "صليت إلى جنب ابن عباس ففرقعت أصابعي، فلما قضيت الصلاة قال: لا أم لك! تفرقع أصابعك وأنت في الصلاة؟!"([22])
إسباغ الوضوء: عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِى هِلاَلٍ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ رَأَى أَبَا هُرَيْرَةَ يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ حَتَّى كَادَ يَبْلُغُ الْمَنْكِبَيْنِ ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَيْهِ حَتَّى رَفَعَ إِلَى السَّاقَيْنِ ثُمَّ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ " إِنَّ أُمَّتِى يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ أَثَرِ الْوُضُوءِ فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ "([23])
المحافظة على المظهر الحسن عند ارتيادها والدخول إليها : عملاً بقوله تعالى : " يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ " ( سورة الأعراف : من الآية 31 ) . ومعنى ذلك أن يلبس المصلي لباساً لائقاً بالمساجد من حيث النظافة والستر والأناقة والهندام ، والحشمة والوقار .
وعن ابنِ عمر t قال: قال رسول الله : ((إذا صلَّى أحدُكم فليبَس ثوبَيه، فإنَّ الله أحقُّ مَن يُتزيَّن له)) ([24])
فمِنْ السُّنَّة يُسْتَحَبّ التَّجَمُّل عِنْد الصَّلَاة وَلَا سِيَّمَا يَوْم الْجُمْعَة وَيَوْم الْعِيد وَالطِّيب لِأَنَّهُ مِنْ الزِّينَة وَالسِّوَاك لِأَنَّهُ مِنْ تَمَام ذَلِكَ وَمِنْ أَفْضَل اللِّبَاس الْبَيَاض ...عَنْ اِبْن عَبَّاس مَرْفُوعًا قَالَ : قَالَ رَسُول اللَّه r " اِلْبَسُوا مِنْ ثِيَابكُمْ الْبَيَاض فَإِنَّهَا مِنْ خَيْر ثِيَابكُمْ وَكَفِّنُوا فِيهَا مَوْتَاكُمْ وَإِنَّ خَيْر أَكْحَالكُمْ الْإِثْمِد فَإِنَّهُ يَجْلُو الْبَصَر وَيُنْبِت الشَّعْر " ([25])
ولا يجوز أن يصلِّيَ في ثوبٍ رقيق يَشفّ عنه أو ضيّقٍ يكشف عن عورته أو قصيرٍ ينحسر عن سَوأته، وتحرُم صلاته في ثوبٍ فيه صورة أو ثوبٍ مسبِل، فعن ابن مسعود قال: سمعت رسول الله يقول: ((من أسبل إزارَه في صلاتِه خُيلاءَ فليس مِنَ الله جلّ ذِكرُه في حلٍّ ولا حَرام)) ([26])
و الحذر الحذر من ارتيادها بملابس غير لائقة كأن يأتي الإنسان إلى المسجد بثياب النوم أو بملابس العمل المتسخة أو التي تفوح منها الروائح المؤذية أو نحوها لأن في ذلك عدم احترام لقدسية هذا المكان
، ثم لأنها قد تؤذي برائحتها من في المسجد من الملائكة والمصلين .
التوكل على الله: عن أنس t أن رسول الله r قال إذا خرج الرجل من بيته فقال بسم الله توكلت على الله ولا حول ولا قوة إلا بالله يقال له حسبك هديت وكفيت ووقيت وتنحى عنه الشيطان" ([27])
الدعاء في الطريق الى المسجد: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ بِتُّ لَيْلَةً عِنْدَ خَالَتِى مَيْمُونَةَ فَقَامَ النَّبِىُّ -r- مِنَ اللَّيْلِ فَأَتَى حَاجَتَهُ ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ ثُمَّ نَامَ ثُمَّ قَامَ فَأَتَى الْقِرْبَةَ فَأَطْلَقَ شِنَاقَهَا ثُمَّ تَوَضَّأَ وُضُوءًا بَيْنَ الْوُضُوءَيْنِ وَلَمْ يُكْثِرْ وَقَدْ أَبْلَغَ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى فَقُمْتُ فَتَمَطَّيْتُ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَرَى أَنِّى كُنْتُ أَنْتَبِهُ لَهُ فَتَوَضَّأْتُ فَقَامَ فَصَلَّى فَقُمْتُ عَنْ يَسَارِهِ فَأَخَذَ بِيَدِى فَأَدَارَنِى عَنْ يَمِينِهِ فَتَتَامَّتْ صَلاَةُ رَسُولِ اللَّهِ -r- مِنَ اللَّيْلِ ثَلاَثَ عَشْرَةَ رَكْعَةً ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ وَكَانَ إِذَا نَامَ نَفَخَ فَأَتَاهُ بِلاَلٌ فَآذَنَهُ بِالصَّلاَةِ فَقَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ وَكَانَ فِى دُعَائِهِ " اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِى قَلْبِى نُورًا وَفِى بَصَرِى نُورًا وَفِى سَمْعِى نُورًا وَعَنْ يَمِينِى نُورًا وَعَنْ يَسَارِى نُورًا وَفَوْقِى نُورًا وَتَحْتِى نُورًا وَأَمَامِى نُورًا وَخَلْفِى نُورًا وَعَظِّمْ لِى نُورًا "([28])
قَالَ كُرَيْبٌ وَسَبْعًا فِى التَّابُوتِ فَلَقِيتُ بَعْضَ وَلَدِ الْعَبَّاسِ فَحَدَّثَنِى بِهِنَّ فَذَكَرَ عَصَبِى وَلَحْمِى وَدَمِى وَشَعَرِى وَبَشَرِى وَذَكَرَ خَصْلَتَيْنِ، ومعنى التابوت : المراد الأضلاع وما تحويه، الشناق : الخيط أو السير الذى تعلق به القربة
أن يؤتى إليه مشيًا مع أن الركوب إليه لا حرج فيه لكن المشي أعظم أجرا : عن أبي موسى الأشعري _ t _ قال : قال رسول الله r " إن أعظم الناس أجراً في الصلاة أبعدهم إليها ممشى فأبعدهم " ([29])
وعن أبيِّ بن كعب _ t _ قال : ( كان رجل لا أعلم رجلاً أبعد إلى المسجد منه وكان لا تخطئه صلاةً ، فقيل له : لو اشتريت حماراً تركبه في الظلماء وفي الرمضاء . قال : ما يسرني أن منزلي إلى جنب المسجد، إني أريد أن يكتب لي ممشاي إلى المسجد ورجوعي إذا رجعت إلى أهلي ) .فأخبر النبي u بذلك فقال : " قد جمع الله لك ذلك كله " ([30])
وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ خَلَتِ الْبِقَاعُ حَوْلَ الْمَسْجِدِ فَأَرَادَ بَنُو سَلِمَةَ أَنْ يَنْتَقِلُوا إِلَى قُرْبِ الْمَسْجِدِ فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ -r- فَقَالَ لَهُمْ " إِنَّهُ بَلَغَنِى أَنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَنْتَقِلُوا قُرْبَ الْمَسْجِدِ ". قَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَدْ أَرَدْنَا ذَلِكَ. فَقَالَ " يَا بَنِى سَلِمَةَ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ دِيَارَكُمْ تُكْتَبْ آثَارُكُمْ "([31])
وعن بريدة الأسلمي t قال : قال رسول الله r :" بشر المشائين في الظلم إلى المساجد بالنور التام يوم القيامة"([32])
إغلاق الجوال قبل دخول المسجد: فمن التشويشِ والإيذاء الذي عمَّ وطمَّ في مساجدِ المسلمين وقطَعَ عليهم خشوعَهم وسكونهم ما يصدُر من أجهزةِ الجوّال اليومَ من المقاطع الغنائيّة والنغمات الموسيقيّة والأصوات المطرِبَة التي آذت المسلمين أيّما إيذاء، فعَلى كل مسلم يخشى ربَّه ويخاف عقوبتَه أن لا يدنِّسَ بيوتَ الله التي بُنيَت للذكرِ والصلاة وقراءةِ القرآن بهذه النَّغَمات المحرمة والأجراس الشيطانيّة، وعليه أن يسارع في محوِها والتخلُّص من شرِّها وإثمها.
الدخول بالرجل اليمنى : فعن أنس t أنه قال: "من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى"([33])
وكان ابن عمر يبدأ برجله اليمنى، حتى إذا خرج بدأ برجله اليسرى"، ثم ذكر حديث عائشة رضي الله عنها بلفظ: (كان النبي r يحب التيمن ما استطاع، في شأنه كله.. في طهوره وترجله وتنعله)([34]).
فيستحب أن يبدأ باليمين عند دخول المسجد. وقال ابن علان : وخصت اليمنى بالدخول لشرفه، واليسرى بالخروج للأشياء، لأن الخروج نفسه من المسجد ليس كالدخول، وهذا مما ينبغي الاعتناء به كسائر الآداب
السلام على النبي الدعاء عند دخول المسجد : عن أبي هريرة - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r- " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي و ليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك و إذا خرج فليسلم على النبي و ليقل : اللهم اعصمني من الشيطان "([35])
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص t أن رسول الله r كان يقول إذا دخل المسجد أعوذ بالله العظيم وبوجهه الكريم وسلطانه القديم من الشيطان الرجيم قال أقط قلت نعم قال فإذا قال ذلك قال الشيطان حفظ مني سائر ذلك اليوم"([36])
التسوك وأداء التحية عند الدخول : فالتسوك لأنه تنظيف للفم مما علق به من الروائح الكريهة، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِىِّ -r- قَالَ " لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ - وَفِى حَدِيثِ زُهَيْرٍ عَلَى أُمَّتِى - لأَمَرْتُهُمْ بِالسِّوَاكِ عِنْدَ كُلِّ صَلاَةٍ "([37])
وثبت أنه يفوق فرشات الأسنان والمعجون من ناحية الصحة، ولو استخدم أموراً أخرى غير السواك من الفرشاة فلا بأس؛ فقد أدى جزءاً من المقصود ولا شك.......
وتحية المسجد سنة مؤكدة جدا تفعل في كل وقت حتى في أوقات النهي ما دام المرء دخل المسجد فعَنْ أَبِى قَتَادَةَ صَاحِبِ رَسُولِ اللَّهِ -r- قَالَ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ وَرَسُولُ اللَّهِ -r- جَالِسٌ بَيْنَ ظَهْرَانَىِ النَّاسِ - قَالَ - فَجَلَسْتُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- " مَا مَنَعَكَ أَنْ تَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ تَجْلِسَ ". قَالَ فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ رَأَيْتُكَ جَالِسًا وَالنَّاسُ جُلُوسٌ. قَالَ " فَإِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فَلاَ يَجْلِسْ حَتَّى يَرْكَعَ رَكْعَتَيْنِ "([38]). والمقصود ألا يجلس حتى يصلي .
وليس هذا فحسب ، بل لقد حرص الرسول r على أدائها ، وأمر بذلك حتى في أثناء أداء خطبة الجمعة حيث روي عن جابر بن عبد الله ( t ) قال : جاء سُليك الغطفاني يوم الجمعة ، ورسول الله r يخْطُب ، فجلس ، فقال له : " يا سُليك ! قم فاركع ركعتين ، وتجوَّز فيهما " ، ثم قال : " إذا جاء أحدكم يوم الجمعة والإمام يخطُب فليركع ركعتين ، وليتجوز فيهما " ([39]) .
فكم هو عظيم وجليل وجميل أن يفتتح المسلم دخوله إلى بيت من بيوت الله في الأرض بركعتين يُعلِنُ بهما السمع والطاعة ، والخشوع والخضوع لله جل وعلا !! إضافةً إلى أن في هاتين الركعتين قطعاَ للحديث بين المصلين ، وانتظاراً للصلاة في خشوعٍ ووقارٍ وسكينة .
السلام على الحاضرين في المسجد: حتى ولو كان الإنسان يصلي فإنه لا بأس أن تسلم عليه، والسلام على المصلي مشروع، وهو مذهب جمهور أهل العلم، وقد ورد عن ابن مسعود t قال: (كنت أسلم على النبي r وهو في الصلاة، فيرد علي، فلما رجعنا سلمت عليه فلم يرد علي، وقال: إن في الصلاة شغلاً)([40]).
فيدل هذا على جواز السلام على المصلي، ولما حرم الكلام في الصلاة ورجع المسلمون من الهجرة الثانية من الحبشة ، سلم ابن مسعود على عادته، ففوجئ أن النبي r لم يرد عليه باللفظ، وإنما رد عليه بالإشارة، وأخبره أن سبب امتناعه عن الرد عليه لفظاً وهو انشغاله بأمر عظيم وهو الصلاة؛ وفيها مناجاة لله تعالى فلا يصلح فيها الكلام مع البشر، ولو كان السلام على المصلي غير مشروع لقال النبي عليه الصلاة والسلام لـابن مسعود مثلاً: لا تسلم علي وأنا في الصلاة، لكنه لم ينكر عليه تسليمه عليه وهو في الصلاة، وإنما أشار إلى أنه لا يتلفظ بالرد فقط، وقد ثبت الرد بالإشارة، فيما رواه ابن عمر t، قال: (خرج رسول الله r إلى قباء يصلي فيه، فجاءه الأنصار فسلموا عليه وهو يصلي -هكذا في الحديث- قال: فقلت لـبلال: كيف رأيت رسول الله r يرد عليهم حين كانوا يسلمون عليه وهو يصلي؟ قال: يقول: هكذا.. وبسط كفه، وبسط جعفر بن عون كفه -راوي الحديث- وجعل بطنه أسفل وظهره فوق) ([41]).
إذاً: لو سلم عليك إنسان وأنت في الصلاة فارفع باطن كفك إلى الأسفل وظاهره إلى الأعلى، وقد فسره الشيخ ناصر الدين الألباني عملياً فكنا معه وكان يصلي فدخلت عليه فسلمت فرفع يده هكذا.. وقد وردت كيفية أخرى أيضاً وهي الرد بالإشارة بالأصبع والأظهر أنها السبابة، لأنها أيسر؛ ولأن العادة جرت برفعها، كما جاء في حديث صهيب، قال: (مررت برسول الله r وهو يصلي، فسلمت عليه فرد عليَّ إشارة، وقال: لا أعلم إلا أنه قال إشارة بأصبعه) ([42]).
أما الشوكاني رحمه الله فقد جمع بين الحديثين، فقال: ولا اختلاف بينهما، فيجوز أن يكون أشار بأصبعه مرة ومرة بجميع يده، ويحتمل أن يكون المراد باليد الأصبع حملاً للمطلق على المقيد، ولكن تفسير الراوي لمَّا جعل بطن الكف إلى الأسفل ليس هذا، لا يحتمل هذا بالوجه الذي ذكره في آخر كلامه رحمه الله. وقد روى البيهقي رواية في الإيماء بالرأس عن ابن مسعود، وحينئذٍ قال: ويجمع بين الروايات أن النبي r فعل هذا مرة، وهذا مرة، فيكون جميع ذلك جائزاً. الخلاصة: أن المراد برد السلام هو بالإشارة، ولو أخره إلى بعد السلام من الصلاة فرد عليه باللفظ فلا بأس، لكن قد يخشى الإنسان أن ينصرف المُسلِّم، يسلم ويمشي فعند ذلك السنة أن يرد عليه بالإشارة، ولا يتعارض هذا مع النهي عن السلام بالإشارة وأنه من صنع أهل الكتاب الذين أمرنا بمخالفتهم؛ لأن ذاك سلام بدون سبب، مع القدرة على الكلام، أما هذا رد مع وجود الحاجة، لأجل الصلاة.......
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى: ومن هديه r أن الداخل إلى المسجد يبتدئ بركعتين تحية المسجد، ثم يجيء فيسلم على القوم، فتكون تحية المسجد قبل تحية أهله، فإن تلك حق الله تعالى، والسلام على الخلق هو حق لهم ، وحق الله في مثل هذا أحق بالتقديم، .قال: وكانت عادة القوم معه هكذا، يدخل أحدهم المسجد ، فيصلي ركعتين ، ثم يجيء، فيسلم على النبي r. وعلى هذا، فيسن لداخل المسجد إذا كان فيه جماعة أن يقول عند دخوله : بسم الله والصلاة على رسول الله، ثم يصلي ركعتين تحية المسجد، ثم يسلم على القوم .انتهى بحذف قليل.
وما ذهب إليه ابن القيم من تقديم تحية المسجد على السلام على من في المسجد بإطلاق محل نظر عند ابن رجب إذ يقول في فتح الباري عند ذكر حديث المسيء في صلاته: استدل بعضهم بهذا الحديث على أن من دخل المسجد وفيه قوم جلوس، فإنه يبدأ فيصلي تحية المسجد، ثم يسلم على من فيه، فيبدأ بتحية المسجد قبل تحية الناس. وفي هذا نظر، وهذه واقعة عين، فيحتمل أنه لما دخل المسجد صلى في مؤخره قريباً من الباب ، وكان النبي - ص - في صدر المسجد، فلم يكن قد مر عليهم قبل صلاته، أو أنه لما دخل المسجد مشى إلى قريبٍ من قبلة المسجد، بالبعد من الجالسين في المسجد، فصلى فيه، ثم انصرف إلى الناس. يدل على ذلك: أنه روي في هذا الحديث: أن رجلاً دخل المسجد ، فصلى، ورسول الله - r - في ناحية المسجد ، فجاء فسلم - وذكر الحديث -. خرَّجه ابن ماجه .فأما من دخل المسجد فمر على قوم فيه ، فإنه يسلم عليهم ثم يصلى. انتهى
ثم إن هذا كله مستحب، وليس فيه شيء واجب، فإذا قدم هذا أو ذاك فلا شيء عليه.
من سبَقَ إلى مكان في المسجدِ استحقَّه: ومن أقامه منه بغيرّ حقٍّ فهو مغتصِب، فعن ابن عمر t عن النبيِّ قال: ((لا يقيمَنَّ أحدكم الرجلَ من مجلسِه ثم يجلس فيه)) ([43])
وليس لأحدٍ أن يتحجَّر من المسجد شيئًا، فيضَعَ سُجّادةً أو بساطًا أو عصا أو غير ذلك قبل حضورِه، أو يوكِّل من يحجز له، وليس لشيء مما وضَعَ حرمةٌ، بل يزال ويُصلَّى مكانَه. ومَن سبَق إلى مكانٍ في المسجدِ ثم فارَقَه لتجديدِ وضوء ونحوِه فلا يبطُلُ اختصاصُه به، وله أن يقيمَ من قعد فيه، ويجِب على القاعد طاعتُه، فعن أبي هريرةَ أن رسول الله قال: ((من قام من مجلسِه ثم رجَع إليه فهو أحقُّ به)) ([44])
التبكير والتهجير إليها والحرص على الصف الأول: قال تعالى:" وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ "آل عمران
وقال في مدح صفوة عباده الصالحين: إنْهم كَانوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ "المؤمنون 61".
وعن أبي هريرةَ أن رسولَ الله قال: ((لو يعلَم الناسُ ما في النداءِ والصفِّ الأول ثم لم يجِدوا إلا أن يستهِموا عليه لاستَهَموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتَمَة والصبح لأتوهما ولو حبوًا)) ([45])
وهذه المسابقة تكون حسية وتكون معنوية لا حسية فقط ، والمسابقة على الأقدام حساً تقتضي الجري والسرعة، ولكن الجري هنا والسرعة ممنوعان لحديث آخر، فلم يبق إلا أن تكون بمعنى الشغل ومراقبة الوقت، والمبادرة والتبكير، وليس معنى: (سارعوا) أي: عليكم بالجري، كلا. وقد كان السلف رحمهم الله يهتمون بذلك جداً، وكانوا يشتاقون إلى الصلاة وقلوبهم متعلقة بالمساجد.
وقال عدي بن حاتم t: "ما دخل وقت صلاة قط إلا وأنا أشتاق إليها"، وقال: "ما أ قيمت الصلاة منذ أسلمت إلا وأنا على وضوء".
وقال سعيد بن المسيب رحمه الله: "ما أذن المؤذن منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد"، وقال: ""ما سمعت تأذيناً في أهلي منذ ثلاثين سنة إلا وأنا في المسجد" أردد معهم في المسجد، وما فاتته صلاة الجماعة أربعين سنة ولا نظر في أقفائهم، أي: ما نظر في قفا مصلي، ومعنى ذلك: أنه كان دائماً في الصف الأول.
وكان الأعمش رحمه الله من المحافظين على ذلك، حتى قال وكيع : اختلفت إليه قرابة سنتين فما رأيته يقضي ركعة، وكان قريباً من سبعين سنة، لم تفته التكبيرة الأولى. وبشر بن الحسن كان يقال له: صفي؛ لأنه كان يلزم الصف الأول في مسجد البصرة خمسين عاماً.
وكان إبراهيم بن ميمون المروزي من الذين يمتهنون صياغة الذهب والفضة، فكان إذا رفع المطرقة فسمع النداء، ألقاها ولم يردها ولم يطرق بها. ولا شك أن المبادرة إلى المساجد والتبكير إليها من الآداب العظيمة التي تسبب للإنسان أن يظله الله في ظله، وأنه في صلاة مادام ينتظر الصلاة، وأن الملائكة تصلي عليه وتستغفر له.
وفضيلة الصف الأول عظيمة، والمقصود بالصف الأول هو ما يلي الإمام، سواء جاء صاحبه متقدماً أو متأخراً، ولكن المتقدم يكون قد جمع أجر التبكير بالإضافة إلى الصف الأول، أي: لو جاء رجل متأخراً ثم حصل له مكاناً فله أجر الصف الأول، لكن ليس له أجر التبكير مثلما حصل للمبكر. وفي الصف الأول مزايا عظيمة، ذكر ابن حجر بعضاً منها، فمن ذلك: المسارعة إلى خلاص الذمة، والسبق لدخول المسجد، والقرب من الإمام، واستماع القراءة، والتعلم منه، والفتح عليه، والسلامة من اختراق المارة بين يديه، وسلامة البال من رؤية من يكون قداماً من المصلين، ربما يشتغلون بأشياء؛ لأن الصف الأول لا ترى أمامك أحداً إلا الإمام، وسلامة موضع السجود من أذيال المصلين. ومن الأخطاء: أن بعض الناس إذا دخل المسجد لا يتجه إلى الصف الأول، إنما يتجه إلى الصف الثاني، أو وسط المسجد، أو مؤخرة المسجد وهذا خلاف ما عليه صحابة الرسول r، فقد كانوا إذا جاءوا قبل الصلاة ابتدروا الصف الأول، مادام في الصف الأول متسع يتسع لأشخاص، ثم يبدؤون بالثاني، خلاف ما عليه الناس اليوم من الجهل وعدم اتباع السنة، والرغبة عن الخير والزهد في الثواب، فلماذا؟ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: فمن جاء أول الناس وصف في غير الأول فقد خالف الشريعة، وإذا ضم إلى ذلك إساءة الصلاة أو فضول الكلام أو مكروهة أو محرمه.. ونحو ذلك مما يصان المسجد عنه؛ فقد ترك تعظيم الشرائع، فاستحق العقوبة. وينبغي لطلبة العلم والحفظة أن يتقدموا إلى الصف الأول قبل غيرهم، وأن يلوا الإمام، ويتعمدوا الوقوف خلفه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (ليلني منكم أولو الأحلام والنهى، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) رواه مسلم. قال النووي في شرح الحديث: في هذه الحديث تقديم الأفضل فالأفضل إلى الإمام؛ لأنه أولى بالإحرام، ولأنه ربما احتاج إلى استخلاف، فيكون هو أولى، ولأنه يتفطن لتنبيه الإمام على السهو لما لا يتفطن له غيره من الجهلة أو العامة أو الأطفال.. ونحو ذلك، وليضبطوا صفة الصلاة ويحفظوها، وليقتدي بأفعالهم من وراءهم. فالسنة أن يتقدم في الصف الأول أهل الفضل والسن، وأن يلي الإمام أكملهم وأفضلهم، قال الإمام أحمد : يلي الإمام الشيوخ وأهل القرآن ويؤخر الصبيان، فإذا التفت الإمام فرأى وراءه صبياً، فقال له: يا ولدي! تأخر أو اذهب إلى آخر الصف، فليس هذا من التعسف وقلة الأدب أو الذوق كما يسميه بعض الناس، وعدم احترام مشاعر الأطفال، لا، بل هذا من الحفاظ على تطبيق السنة ( ليلني منكم أولو الأحلام والنهى )([46]) وليس الأطفال والصغار منهم؛ لأنهم أقربهم من العبث، ولا يعون الصلاة وعياً تاماً بحيث يفتح على الإمام أو ينبه الإمام إذا أخطأ، أو عندهم فقه أو علم وأنتم تعرفون كيف يتصرفون.
الترديد مع الآذان: وهذا يفوت كثيراً من المصلين، وقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا سمعتم المنادي يثوب بالصلاة، فقولوا مثلما يقول)([47])
والإقامة لا شك أنها أذان فعن عبد الله بن مغفل المزني أن رسول الله r قال ( بين كل أذانين صلاة - ثلاثا - لمن شاء . ([48])) فسمَّى الإقامة أذاناً.
وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ " إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ "([49])
قال ابن حجر رحمه الله: "اُستدل به على مشروعية إجابة المؤذن في الإقامة". وقول بعض الناس عند قول المقيم: "قد قامت الصلاة"، يقولون: أقامها الله وأدامها، وهذا مبني على حديث ضعيف فلا ينبغي أن تقال.
وعلى المؤذنين أن يتقوا الله في الآذان وألا يزيدوا في ألفاظه شيئا أكثر مما ورد عن رسولنا r فقد روى عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r- " إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. فَقَالَ أَحَدُكُمُ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. قَالَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ. ثُمَّ قَالَ حَىَّ عَلَى الصَّلاَةِ. قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ حَىَّ عَلَى الْفَلاَحِ. قَالَ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ. ثُمَّ قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. قَالَ اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ. ثُمَّ قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. قَالَ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ. مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ "([50]).
والصحابة رضوان الله عليهم تمسكوا بذلك وكانوا أكثر حباً منا لسيدنا رسول الله r الذي فضله الله على الأولين والآخرين وجعله خاتم النبيين والمرسلين........
فلرسول الله r تشريف ما بعده تشريف وتكريمك ما بعده تكريم لكن إذا أمرنا بشئ فلابد أن نلتزم به وان نبتعد عن هذه الزيادات لان ذلك يؤدي إلى مخالفة سنة رسول الله r وإن ذلك ربما أوقع صاحبه في فتنة قال عنها الإمام مالك كما حكي ابن العربي عن الزبير بن بكار ، قال : " سمعت مالك بن أنس ، وأتاه رجل ، فقال : يا أبا عبد الله ! من أين أحرم ؟ قال : من ذي الحليفة ، من حيث أحرم رسول الله r ، فقال : إني أريد أن أحرم من المسجد . فقال : لا تفعل ، قال : فإني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر ، قال : لا تفعل; فإني أخشى عليك الفتنة ، فقال : وأي فتنة هذه ؟ ! إنما هي أميال أزيدها ، قال : وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله r؟ ! إني سمعت الله يقول : ( فليحذر الذين يخالفون عن أمره أن تصيبهم فتنة أو يصيبهم عذاب أليم ) ([51]).
الصلاة على النبي وسؤال الله له الوسيلة: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -r- يَقُولُ " إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَىَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِىَ الْوَسِيلَةَ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِى الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِى إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ فَمَنْ سَأَلَ لِىَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ "([52]).
وعن جابر بن عبد الله أن رسول الله r قال ( من قال حين يسمع النداء اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمد الوسيلة والفضيلة وابعثه مقاما محمودا الذي وعدته حلت له شفاعتي يوم القيامة )([53]).
و( الدعوة التامة ) المراد ألفاظ الأذان يدعى بها إلى عبادة الله تعالى ووصفت بالتمام وهو الكمال لأنها دعوة التوحيد المحكمة التي لا يدخلها نقص بشرك أو نسخ أو تغيير أو تبديل . ( الوسيلة ) ما يتقرب به إلى غيره . ( الفضيلة ) المرتبة الزائدة على سائر الخلائق والمراد هنا منزلة في الجنة لا تكن إلا لعبد واحد من عباد الله عز و جل . ( وعدته ) أي بقوله تعالى " عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا " / الإسراء 79 / .
( حلت ) استحقت . ( شفاعتي ) أي أن أشفع له بدخول الجنة أو رفع درجاته حسبما يليق به.
آداء السنن قبل الصلاة: السنن تكون مؤكدة وغير مؤكدة
فمن المؤكدة ما روى عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ ". قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ عَمْرٌو مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ"([54]).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله r : من ثابر عن ثنتي عشرة ركعة في اليوم والليلة دخل الجنة أربعا قبل الظهر وركعتين بعدها وركعتين بعد المغرب وركعتين بعد العشاء وركعتين قبل الفجر"([55])
ومن السنن الغير المؤكدة:
ركعتان بعد الظهر، وأربع ركعات قبل العصر فعن ابن عمر t عن النبي r قال رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا"([56]).
وركعتان خفيفتان قبل المغرب، عن عبد الله المزني قال: قال رسول الله r صلوا قبل المغرب ركعتين ثم قال صلوا قبل المغرب ركعتين لمن شاء خشية أن يتخذها الناس سنة"([57])
وَرَكْعَتَانِ قَبْلَ الْعِشَاءِ؛ عَبْدِ اللهِ بْنِ مُغَفَّلٍ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: بَيْنَ كلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ، بَيْنَ كُلِّ أَذَانَيْنِ صَلاَةٌ ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: لِمَنْ شَاءَ ([58])" وَالْمُرَادُ الْأَذَانُ وَالْإِقَامَةُ..
المواظبة على حضور صلاة الجماعة: إن فضل صلاة الجماعة مشهور معروف فيكفي أن الذي يصلي في الجماعة يضاعف له الأجر على من صلى منفردا سبعا وعشرين درجة.
والصحيح من أقوال أهل العلم أن صلاة الجماعة واجبة على الرجال لا تسقط عنهم بأي حال من الأحوال إلا من عذر يمنع من الإتيان إلى المسجد.
ومما يدل على ذلك: قوله تعالى (وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين)
أن الله تعالى أمر بقامتها في حال الحرب والخوف ولم يسقطها عن الصحابة مع أن المقام مقام خوف وحرب قال سبحانه (وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخرى لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم ..) الآية
عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r- " إِنَّ أَثْقَلَ صَلاَةٍ عَلَى الْمُنَافِقِينَ صَلاَةُ الْعِشَاءِ وَصَلاَةُ الْفَجْرِ وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِيهِمَا لأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا وَلَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيُصَلِّىَ بِالنَّاسِ ثُمَّ أَنْطَلِقَ مَعِى بِرِجَالٍ مَعَهُمْ حُزَمٌ مِنْ حَطَبٍ إِلَى قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ بِالنَّارِ "([59])
4_ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ غَدًا مُسْلِمًا فَلْيُحَافِظْ عَلَى هَؤُلاَءِ الصَّلَوَاتِ حَيْثُ يُنَادَى بِهِنَّ فَإِنَّ اللَّهَ شَرَعَ لِنَبِيِّكُمْ -r- سُنَنَ الْهُدَى وَإِنَّهُنَّ مِنْ سُنَنِ الْهُدَى وَلَوْ أَنَّكُمْ صَلَّيْتُمْ فِى بُيُوتِكُمْ كَمَا يُصَلِّى هَذَا الْمُتَخَلِّفُ فِى بَيْتِهِ لَتَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ وَلَوْ تَرَكْتُمْ سُنَّةَ نَبِيِّكُمْ لَضَلَلْتُمْ وَمَا مِنْ رَجُلٍ يَتَطَهَّرُ فَيُحْسِنُ الطُّهُورَ ثُمَّ يَعْمِدُ إِلَى مَسْجِدٍ مِنْ هَذِهِ الْمَسَاجِدِ إِلاَّ كَتَبَ اللَّهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوَةٍ يَخْطُوهَا حَسَنَةً وَيَرْفَعُهُ بِهَا دَرَجَةً وَيَحُطُّ عَنْهُ بِهَا سَيِّئَةً وَلَقَدْ رَأَيْتُنَا وَمَا يَتَخَلَّفُ عَنْهَا إِلاَّ مُنَافِقٌ مَعْلُومُ النِّفَاقِ وَلَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ يُؤْتَى بِهِ يُهَادَى بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ حَتَّى يُقَامَ فِى الصَّفِّ"([60]).
عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ أَتَى النَّبِىَّ -r- رَجُلٌ أَعْمَى فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ لَيْسَ لِى قَائِدٌ يَقُودُنِى إِلَى الْمَسْجِدِ. فَسَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ -r- أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ فَيُصَلِّىَ فِى بَيْتِهِ فَرَخَّصَ لَهُ فَلَمَّا وَلَّى دَعَاهُ فَقَالَ " هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ ". فَقَالَ نَعَمْ. قَالَ " فَأَجِبْ "([61])
كل هذا يقال في حق من ترك صلاة الجماعة فكيف بمن لا يصلي أصلا أو يكتفي بالجمعة فقط ظنا منه أنها تكفر ما بينها وبين الجمعة الأخرى استدلالا بقوله u ( الجمعة إلى الجمعة كفارة لما بينهما ) ونسي أو تناسى آخر الحديث ( مالم تُغشى الكبائر ) وهل ترك الصلاة إلا من كبائر الذنوب ؟!
إنه لا حظ في الإسلام لمن ضيع الصلاة كما قال الفاروق t .
إدراك تكبيرة الإحرام: عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r : من صلى لله أربعين يوما في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان براءة من النار وبراءة من النفاق "([62])
ومعنى يدرك تكبيرة الإحرام؟ أي: أن يحضر تكبير الإمام ويشتغل عقبها بعقد صلاته. إذاً: تدرك تكبيرة الإحرام بما يلي: أن يكون قائماً في الصف عندما يكبر الإمام تكبيرة الإحرام.
أن يحرم بعده مباشرة، فإذا دخل المسجد والإمام قد كبر فلا يعتبر أنه قد أدرك تكبيرة الإحرام، وإذا وصل إلى الصف بعدما شرع الإمام في الفاتحة؛ لا يعتبر مدركاً تكبيرة الإحرام، ولا يدرك تكبيرة الإحرام إذا بقي واقفاً في الصف، بعدما يكبر الإمام وهو منشغل؛ لأن بعض الناس إذا كبر الإمام بقي منشغلاً في تعديل اللباس وعمل أشياء كثيرة، حتى يشرع الإمام في القراءة وهو ما كبر بعد. إذاً: متى تحصل هذه الفضيلة وهذا الأجر؟ إذا كان قائماً في الصف، عندما يكبر الإمام للإحرام، وأحرم بعده مباشرة، عند ذلك نطلق عليه أنه أدرك تكبيرة الإحرام. وبناءً على هذا فإن الذي يتم صلاة نافلة كتحية المسجد وقد كبر الإمام وشرع في القراءة وهو لم يقم بعد الصلاة، فإنه لا يعتبر أنه أدرك تكبيرة الإحرام، لكن إذا كان في آخر صلاته أتمها خفيفة. ومن هنا يظهر وجه قول الذي ذهب إليه بعض أهل العلم أن الإنسان يقطع صلاته -إذا أقيمت الصلاة-فوراً، لكي يدرك تكبيرة الإحرام، لكن لو أخذ بالقول الآخر وأتمها خفيفة فله ذلك، إذا كان في آخر الصلاة، أما إذا كان في أولها أو وسطها، فإنه يقطعها مباشرة بغير سلام، وهذا يدل على أن التبكير يجعل تحية المسجد قبل الإقامة بفترة حتى يدرك تكبيرة الإحرام، لكن لو أنه تأخر ستكون تحية المسجد أو بعضها في وقت الإقامة، فلا يدرك تكبيرة الإحرام.......
عدم الإسراع عند سماع الإقامة: عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- قَالَ " إِذَا ثُوِّبَ لِلصَّلاَةِ فَلاَ تَأْتُوهَا وَأَنْتُمْ تَسْعَوْنَ وَأْتُوهَا وَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةُ فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا كَانَ يَعْمِدُ إِلَى الصَّلاَةِ فَهُوَ فِى صَلاَةٍ "([63])
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ : " بَيْنَمَا نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r ، إِذْ سَمِعَ جَلَبَةَ رِجَالٍ فَلَمَّا صَلَّى ، قَالَ : مَا شَأْنُكُمْ ؟ قَالُوا : اسْتَعْجَلْنَا إِلَى الصَّلَاةِ ، قَالَ : فَلَا تَفْعَلُوا إِذَا أَتَيْتُمُ الصَّلَاةَ فَعَلَيْكُمُ السَّكِينَةَ ، فَمَا أَدْرَكْتُمْ فَصَلُّوا وَمَا فَاتَكُمْ فَأَتِمُّوا " ([64])
تسوية الصفوف عند إقامة الصلاة: استعداداً للوقوف بين يدي الله عز وجل . فإن وقوفكم خلف الإمام بشكلٍ مستوٍ ومنتظم وعلى هيئة صفوفٍ متراصةٍ يربي المسلم على حب النظام والترتيب ، ويربي النفوس على إزالة الملامح الطبقية والسمات الإقليمية ، كما أن في ذلك غرساً لمبدأ المساواة والعدل في النفس البشرية ، وإشارة إلى بنيان الأُمة المسلمة المرصوص
فعن أنس بن مالك t قال : أُقيمت الصلاة فأقبل علينا رسولُ الله r بوجهه فقال : " أقيموا صفوفكم وتراصوا " ([65]) .
وعن أنس ابن مالك قال : قال r : " سوُّوا صفوفكم فإن تسوية الصف من تمام الصلاة ([66])
وعن جابر بن سمرة t قال: قال رسول الله r: (أَلاَ تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟!) فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللّهِ، وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلاَئِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا؟ قَالَ: (يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ، وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ) ([67])
قال أنس t: (وكان أحدنا يُلْزِق منكبه بمنكب صاحبه وقدمه بقدمه) ([68])
ومن يصلي على كرسي له حالتان، الحالة الأولى أن يكون طوال صلاته جالسا على الكرسيِّ فهذا يضع الكرسيَّ بحيث يكونُ محاذيا برأسه وصدره المصلين حال وقوفهم وجلوسهم. أما الحالة الثانية فمن يقف مع المصلين ولكنه لا يستطيع النـزول إلى الأرض فيجلس على الكرسي حال سجود وجلساته في الصلاة؛ فهذا يضع الكرسيَّ بحيث يحاذي المصلين حال وقوفه إن أمكن ذلك كأن يكون هناك مسافة بين الصف الذي يصلي فيه وبين الصف الذي يليه فلا يضايق المصلين خلفه، أما إذا كان رجوعُه بالكرسي يضايق المصلين خلفه فلا يفعل ذلك.
سد فرجات الصفوف: فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله r : من سد فرجة رفعه الله بها درجة وبنى له بيتا في الجنة "([69])
وعن عبد الله بن عمر t قال: قال رسول الله r : خياركم ألينكم مناكب في الصلاة وما من خطوة أعظم أجرا من خطوة مشاها رجل إلى فرجة في الصف فسدها "([70])
الخشوع في الصلاة: فالعبد يكتب له من صلاته بقدر خشوعه فيها قال r: " إِنَّ الْعَبْدَ لَيُصَلِّى الصَّلاَةَ مَا يُكْتَبُ لَهُ مِنْهَا إِلاَّ عُشْرُهَا تُسْعُهَا ثُمُنُهَا سُبُعُهَا سُدُسُهَا خُمُسُهَا رُبُعُهَا ثُلُثُهَا نِصْفُهَا "([71])
وعن أمراء الاجناد : عمرو بن العاص وخالد بن الوليد وشرحبيل بن حسنة ويزيد بن أبي سفيان قالوا : رآى رسول الله r رجلا لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال : لو مات هذا على حاله هذه مات على غير ملة محمد " ينقر صلاته كما ينقر الغراب الدم " مثل الذي لا يتم ركوعه وينقر في سجوده مثل الجائع الذي يأكل التمرة والتمرتين لا يغنيان عنه شيئا" ([72])
متابعة الإمام وعدم الوقوف: أن الإنسان إذا دخل المسجد وجماعة تصلي، فلا يقف بدون صلاة، فبعض الناس إذا دخل المسجد والإمام في السجود وقف في الصف بدون صلاة، فيفوت الأجر، بل يدخل مع الإمام ولو لم تعد ركعة، أليس إذا سجدت تؤجر على السجود ووضع الجبهة على الأرض لله رب العالمين؟ ألست تؤجر على تسبيح السجود؟! ألست تؤجر على دعاء السجود؟! إذاً: لماذا تضيع هذه الفرصة؟! وقوله عليه الصلاة والسلام: (فما أدركتم فصلوا) يدل على أنك تدخل مع الإمام في أي مكان كان فيه الإمام: (فما أدركتم فصلوا) أدركت سجدة، ركعة، ركوعاً، رفعاً من الركوع، جلسة بين السجدتين: (فما أدركتم فصلوا)، ولذلك قال ابن حجر رحمه الله في شرحه: واستدل به على استحباب الدخول مع الإمام في أي حال وجد عليها. وعن معاذ t قال: قال رسول الله r: (إذا أتى أحدكم والإمام على حال فليصنع كما يصنع الإمام) ([73])
وبهذا أخذ من رأى أن المأموم إذا جاء في التشهد الأخير يدخل مع الإمام؛ لأن عموم الحديث يقتضي هذا. يا شيخ! إذا كنا داخلين جماعة، وصلينا جماعة ثانية؛ لأننا نعرف أن الإمام في التشهد الأخير؟ الجواب: ما أدراك أن أجر الدخول مع الإمام في التشهد الأخير أكثر من الجماعة الثانية؟ لأن أجر الجماعة الثانية ليست مثل الأولى إطلاقاً، فيمكن يكون الامتثال لحديثه عليه الصلاة والسلام بالدخول مع الإمام في أي موضع، أكثر من الجماعة الثانية. وعلى أية حال، هذه مسألة اجتهاد كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، فلو أنه انتظر لا ينكر عليه، لا يقال: ارتكبت حراماً، ولكن حتى الذي انتظر، لا يشرع له أن يحدث جماعة قبل أن يسلم الإمام، لئلا يكون هناك جماعة ثانية في المسجد في الوقت نفسه، وهذا لا شك أن فيه شق للمسلمين وتفريق، وهذا أمر مذموم شرعاً. إذا كان الإمام قائماً أو راكعاً أو ساجداً أو في الجلسة يبن السجدتين، أو في التشهد، فليدخل معه على الحال التي هو عليها، فإن اجتهد وكان معه أناس كثيرون وفيهم أناس من أهل الفضل، وجاء في التشهد الأخير فانتظروا إلى أن يسلم الإمام فصلوا فلا بأس عليهم.......
الحرص على الأذكار: التي حثت السنة النبوية على الإتيان بها بعد أداء الفريضة ، ولا يستعجل أحدكم في مغادرة المسجد حتى يذكر الله تعالى بما ثبت وصح عن معلم الناس الخير r من أذكارٍ جامعةٍ مانعة ؛ فقد روي عن أبي هريرة t عن رسول الله r أنه قال : " من سبَّح الله في دبر كل صلاةٍ ثلاثاً وثلاثين ، وحمد الله ثلاثاً وثلاثين ، وكبَّر الله ثلاثاً وثلاثين ، فتلك تسعةٌ وتسعون ، وقال تمام المائة : لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيءٍ قدير ، غُفرت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر " ([74])
وقد روي عن ابن عباسٍ t أنه قال : " إن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد رسول الله r" ، وقال ابن عباسٍ : " كنت أعلم إذا انصرفوا بذلك إذا سمعته "([75])
أداء النوافل: عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ زَوْجِ النَّبِىِّ -r- أَنَّهَا قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -r- يَقُولُ " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّى لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثِنْتَىْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ إِلاَّ بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِى الْجَنَّةِ أَوْ إِلاَّ بُنِىَ لَهُ بَيْتٌ فِى الْجَنَّةِ ". قَالَتْ أُمُّ حَبِيبَةَ فَمَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ عَمْرٌو مَا بَرِحْتُ أُصَلِّيهِنَّ بَعْدُ. وَقَالَ النُّعْمَانُ مِثْلَ ذَلِكَ([76]) وكما بينت سابقا السنن المؤكدة والغير مؤكدة.
إطالة الجلوس في بيوت الله تعالى : والمكوث فيها إن لم يكن للمسلم حاجة تدعو إلى قضائها خارج المسجد ؛لما في ذلك من الخير الكثير والفضل العظيم
ولذلك جاء في الحديث عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : "لا يزال العبد في صلاةٍ ما كان في مُصلاه ينتظر الصلاة ، وتقول الملائكة : اللهم اغفر له ، اللهم ارحمه حتى ينصرف أو يُحْدِثَ "([77])
كما جاء في الحديث عن أبي هريرة t أن رسول الله r قال : " ألا أدُلُّكم على ما يمحو الله به الخطايا ويرفع الدرجات ؟ " قالوا : بلى . يا رسول الله ! قال : " إسباغ الوضوء على المكاره ، وكثرة الخطا إلى المساجد ، وانتظار الصلاة بعد الصلاة ، فذلكم الرباطُ " ([78]) .
فهنيئاً لعُمار المساجد الذين يُطيلون البقاء فيها لذكر الله تعالى ، وأداء الفرائض والنوافل ، وتلاوة القرآن الكريم ، ومُدارسة العلوم الشرعية والتفقه في أمور الدين والدنيا ، وحضور حلقات الدرس ومجالس العلم .
الاجتماع لتلاوة القرآن وتعليم السنة كالصلاة والذكر وقراءة القرآن..... فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " َمَا اجْتَمَعَ قَوْمٌ فِى بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَيَتَدَارَسُونَهُ بَيْنَهُمْ إِلاَّ نَزَلَتْ عَلَيْهِمُ السَّكِينَةُ وَغَشِيَتْهُمُ الرَّحْمَةُ وَحَفَّتْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ وَذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِيمَنْ عِنْدَهُ " ([79])
البقاء في المسجد حتى انصراف الإمام: عن أبي ذر قال: قال رَسُولُ اللَّهِ r " إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ حَتَّى يَنْصَرِفَ حُسِبَ لَهُ قِيَامُ لَيْلَةٍ " ([80])
الخروج بالرجل اليسرى ودعاء الخروج: فعن أنس t أنه قال: "من السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى، وإذا خرجت أن تبدأ برجلك اليسرى"([81])
وعن أبي هريرة - قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r- " إذا دخل أحدكم المسجد فليسلم على النبي و ليقل : اللهم افتح لي أبواب رحمتك و إذا خرج فليسلم على النبي و ليقل : اللهم اعصمني من الشيطان "([82])
رابعا: سلوكيات خاطئة في المساجد
مخالفة سنة من السنن السالف ذكرها: فعن العرباض بن سارية قال: قال رسول الله r "أوصيكم بتقوى الله والسمع والطاعة وإن كان عبدا حبشيا فإنه من يعش بعدي يرى اختلافا كثيرا فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بعدي عضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة"([83]).
أكل ما له رائحة كريهة كالثوم : احرصوا على تطييبها وتنـزيهها من الروائح الكريهة والقمامات والقاذورات حتى فيما حولها من مساحات لئلا يتأذى بها الملائكة الكرام الذين يشهدون المساجد مع المصلين ، ولئلا تكون تلك الروائح مدعاة لإيذاء بقية المصلين الذين يتأذون من رائحة الثوم والبصل والكُرَّاث ، وغيرها من الأطعمة والمأكولات ذات الروائح النافذة و المؤذية ، إضافة إلى رائحة الدخان والشيشة ونحوهما من الروائح الخبيثة المنتنة ، لا سيما وقت أداء الصلاة في بيتٍ من بيوت الله تعالى .
فعن ابن عمر ( t ) أن النبي r قال في غزوة خيبـر : " من أكل من هذه الشجرة – يعني الثوم – فلا يقربنَّ مسجدنا "([84]).
وعن جابرٍ قال : نهى رسول الله عن أكل البصل والكُرَّاث ، فغلبتنا الحاجة فأكلنا منها . فقال : " من أكل من هذه الشجرة المُنتنة فلا يقربن مسجدنا ؛ فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه الأِنس " ([85])
ويشمل ذلك التدخين فإنه يظهر منه رائحة كريهة فينبغي البعد عنه والحذر منه ومن هنا فإن على كل مسلمٍ أن يهتم بنظافة المساجد وتطييبها وإزالة الأذى منها حتى تشتاق إليها الأرواح ، وترتاح إليها الأنفس .
النجاسات والقاذورات : فعن أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ - وَهُوَ عَمُّ إِسْحَاقَ - قَالَ بَيْنَمَا نَحْنُ فِى الْمَسْجِدِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -r- إِذْ جَاءَ أَعْرَابِىٌّ فَقَامَ يَبُولُ فِى الْمَسْجِدِ فَقَالَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -r- مَهْ مَهْ. قال: قال رَسُولُ اللَّهِ -r- " لاَ تُزْرِمُوهُ دَعُوهُ ". فَتَرَكُوهُ حَتَّى بَالَ. ثُمَّ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -r- دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ " إِنَّ هَذِهِ الْمَسَاجِدَ لاَ تَصْلُحُ لِشَىْءٍ مِنْ هَذَا الْبَوْلِ وَلاَ الْقَذَرِ إِنَّمَا هِىَ لِذِكْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالصَّلاَةِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ ". أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r-.قَالَ فَأَمَرَ رَجُلاً مِنَ الْقَوْمِ فَجَاءَ بِدَلْوٍ مِنْ مَاءٍ فَشَنَّهُ عَلَيْهِ "([86]) .
وعن أبي سعيد الخدري قال : بينما رسول الله r يصلي بأصحابه إذ خلع نعليه فوضعهما عن يساره فلما رأى ذلك القوم ألقوا نعالهم فلما قضى رسول الله r صلاته قال : " ما حملكم على إلقائكم نعالكم ؟ " قالوا : رأيناك ألقيت نعليك فألقينا نعالنا . فقال رسول الله r : " إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرا إذا جاء أحدكم إلى المسجد فلينظر فإن رأى في نعليه قذرا أو أذى فليمسحه وليصل فيهما "([87])
فيجب أن تنزه المساجد عن الحذاء والملابس المتسخة والتي تحمل قذرًا أو نجاسة ، أو لوثًا ووسخًا تتسخ بها
فرش المسجد وسجاده ، وأرضه النظيفة ، مع العلم أنه يجوز أن يصلي بالنعال النظيفة .
النخامة في المسجد: رأى النبي - r – في جدار المسجد نخامة فتناول حصاة فحكه وعدها خطيئة وقال: (البزاق في المسجد خطيئة، وكفارتها دفنها) ([88])
وعنْ أَبِي ذَرٍّ ، عَنِ النَّبِيِّ r، قَالَ: عُرِضَتْ عَلَىَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي ، حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا ، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا ، الأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ ، وَوَجَدْتُ فِي مَسَاوِئِ أَعْمَالِهَا ، النُّخَاعَةَ تَكُونُ فِي الْمَسْجِدِ لاَ تُدْفَنُ ([89])
وعن أبي سعيد الخدري أن النبي r كان يحب العراجين ولا يزال في يده منها فدخل المسجد فرأى نخامة في قبلة المسجد فحكها ثم أقبل على الناس مغضبا فقال أيسر أحدكم أن يبصق في وجهه إن أحدكم إذا استقبل القبلة فإنما يستقبل ربه عز وجل والملك عن يمينه فلا يتفل عن يمينه ولا في قبلته وليبصق عن يساره أو تحت قدمه فإن عجل به أمر فليقل هكذا ووصف لنا ابن عجلان ذلك أن يتفل في ثوبه ثم يرد بعضه على بعض ([90])
وروى سعيد بن منصور عن أبي عبيدة بن الجراح أنه تنخم في المسجد ليلة فنسي أن يدفنها حتى رجع إلى منزله، فأخذ شعلة من نار ثم جاء فطلبها حتى دفنها، ثم قال: الحمد لله الذي لم يكتب عليَّ خطيئة الليلة. قال: فدل على أن الخطيئة تختص بمن تركها وعلة النهي ترشد إليه وهي تأذي المؤمن بها ([91]).
الحيضُ حدَث يمنَعُ اللّبثَ في المسجدِ على الصحيح من قولي العلَماء: لحديثِ أمِّ عطيّةَ رضي الله عنها أنها سمعت النبي يقول: ((ويعتَزِل الحُيَّضُ المصلّى)) أخرجه البخاري. ويباح لها العُبورُ للحَاجَة مِن أخذِ شيءٍ أو تركِه، فعن عائشةَ رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله : ((ناولِيني الخمرةَ مِنَ المسجد))، فقلتُ: إني حائض! فقال: ((إنَّ حيضَتَك ليسَت في يدِك)) ([92])
والجنابةُ حدَث يمنع اللبثَ في المسجدِ أيضًا، ويُباح له العبور لحاجةٍ؛ لقولِه تعالى: وَلا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا "النساء: 43".
الإسراف في استعمال المياه: لا يجوز الإسراف في الماء في الوضوء أو الاغتسال ؟ لنهي النبي r عن ذلك ، وقد كان النبي r يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع ، ونهى عن الإسراف في الماء ، كما في حديث أنس قال : أ كان رسول الله r يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد رواه مسلم .
وقال تعالى" وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "الانعام
وقال تعالى "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ "الأعراف
وقال تعالى "وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا "الإسراء
الاصطفاف في طرقات المسجد وأبوابه : لئلاّ يمنع المصلين دخولَ المسجد، بل يتقدَّم إلى الصفوف المتقدِّمة، فعن أنس أن رسولَ الله قال: ((أتمُّوا الصفَّ المتقدِّم ثم الذي يليه، فما كان من نقصٍ فليكن في الصفِّ المؤخَّر)) ([93]) وإذا علِم المصلّي أنه إذا مشى إلى الصفّ المتقدِّم فاتته الركعة وإن صلَّى في الصفّ المؤخَّر لم تفُته فقد قال العلماء: إن كانت الركعةَ الأخيرة صلّى في الصفِّ المؤخَّر، وإذا كانت غيرها مشَى إلى الصف المتقدِّم. وقال في الإنصاف: "وقد يقال: يحافِظ على الركعة الأولى والأخيرة".
المرور بين يدَيِ المصلّي: حتى ولو لم يجِدِ المارّ مَساغًا وسبيلاً غيرَه ، إلاّ لضرورة أو مشقّة عظيمة لا يمكِن دفعُها فعَنْ بُسْرِ بْنِ سَعِيدٍ أَنَّ زَيْدَ بْنَ خَالِدٍ الْجُهَنِىَّ أَرْسَلَهُ إِلَى أَبِى جُهَيْمٍ يَسْأَلُهُ مَاذَا سَمِعَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -r- فِى الْمَارِّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّى قَالَ أَبُو جُهَيْمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- " لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَىِ الْمُصَلِّى مَاذَا عَلَيْهِ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ ". قَالَ أَبُو النَّضْرِ لاَ أَدْرِى قَالَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا أَوْ شَهْرًا أَوْ سَنَةً" ([94])
الصلاة بين السواري (الأعمدة) : إلا إذا ضاقَ المسجِد فلا بأس بالصلاة بينها فعن قتادة بن معاوية بن قرة عن أبيه قال : ( كنا ننهى أن نصف بين السواري على عهد رسول الله r ونطرد عنها طردا )([95])
وهذا الحديث نص صريح في ترك الصف بين السواري وأن الواجب أن يتقدم أو يتأخر ؛ إلا عند الاضطرار . وقال مالك : لا بأس بالصفوف بين الأساطين إذا ضاق المسجد
وهذا لأن السواري تحول بين الناس وبين وصل الصف وتسويته، فيصبح الصف مقطعاً بالأعمدة والسواري، لكن إذا دعت الحاجة إلى هذا، كأن يكون المسجد صغيراً، فيكون في صلاة الفجر والظهر والعصر فيه سعة ، فلا نصلي بين الأعمدة ، لكن في صلاة العشاء والجمعة نحتاج أن الناس يصفون بين السواري، فنقول: إذا دعت الحاجة إلى ذلك فلا بأس به، وهذا يوجد في الحرم، وقت الزحام، بعض الصفوف تتخللها السواري، مسافات متقاربة، لكن إذا كان الصف مثل هذا الصف الذي في الحرم، الصف بين الساريتين فقط، أي: هنا عمود وهنا عمود والصف بينهما، ولا يوجد بعد العمودين شيء، فهذا لا يعتبر صفاً تتخلله السواري، وإنما هو صف كامل ليس بمقطوع -لم تقطعه السواري- لأن عرض الصف ما بين الساريتين، وليحذر المصلي أن يقف في صف متأخر مع وجود أمكنة في الصفوف الأولى، لأن هذا مخالف لقوله r: (أتموا الصف المقدم ثم الذي يليه) قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله معقباً على هذه الظاهرة السيئة التي نجدها خصوصاً في مكة، أناس يصلون خارج الحرم، ويوجد فراغ في الداخل، والبعض يصلون عند الباب والبعض على الرصيف، وبعض أصحاب المحلات يصلي أمام الحانوت، حتى يفتح حانوته بعد السلام مباشرة، يقول شيخ الإسلام : ولا يصف في الطرقات والحوانيت مع خلو المسجد، ومن فعل ذلك استحق التأديب، ولمن جاء بعده تخطيه. إذاً لو رأيت جماعة يصلون خارج الحرم، ويوجد فراغ في داخل الحرم، فلو تخطيت رقابهم فلا حرج عليك؛ لأنهم قد أسقطوا حرمتهم بهذا الإهمال والكسل الذي فعلوه، في أن يصلوا في الخارج، ولمن جاء بعده تخطيه، ويدخل لتكميل الصفوف المتقدمة، فإن هذا لا حرمة له، وقال: بل إذا أمتلأ المسجد بالصفوف، وصفوا خارج المسجد، فإن اتصلت الصفوف حينئذٍ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم، وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء. وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة؛ فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء، لكن لو صلوا خلف جدار المسجد بحيث امتلأ المسجد وصلوا خلف الجدار، ويسمعون الصلاة والتكبير تصح صلاتهم، وقال: فمن صلَّى في مؤخر المسجد مع خلو ما يلي الإمام كانت صلاته مكروهة. إذاً: يجب الاهتمام بتسوية الصفوف، حتى ما جاء في السنة، وكان عمر يُوكِّلُ رجلاً أو رجلين لتسوية الصفوف.......
مضايَقَة ومزاحمَة المصلين : ومحاولةِ اقتحام الصفّ عليهم مع تعذُّر ذلك بسبَبِ الضيق والازدحام الشديد، أو بالتشويشِ عليهم بالجهر بالقراءةِ والدعاء، فعن أبي سعيد الخدريّ قال: اعتكف رسول الله في المسجدِ، فسمعهم يجهرون بالقراءةِ، فكشف السترَ فقال: ((ألا إنَّ كلَّكم مناجٍ ربَّه، فلا يؤذِيَنَّ بعضكم بعضًا، ولا يرفَع بعضكم على بَعضٍ في القراءة)) أو قال: ((في الصلاة)) ([96])
الخروج من المسجد بعد الأذان إلا لعذر: لأن الخروج إعراض عمَّا يقتضيه الأذان، لأن في الأذان: حيّ على الصلاة، وهذا يريد أن يخرج من المسجد الذي صلَّى فيه، إن في الأذان طلباً للإقبال على الصلاة، وحضور المساجد للصلاة، وهذا الخروج ينافي ذلك، ثم لعله يكون ذريعة إلى الاشتغال عن الصلاة والتأخر عنها، ثم إن فيه تشبه بالشيطان، كيف ذلك؟ ألم يقل النبي r: (إذا نودي للصلاة أدبر الشيطان وله ضراط، حتى لا يسمع صوت التأذين) ([97])
قال ابن بطال رحمه الله: ويشبه أن يكون الزجر عن الخروج من المسجد بعد أن يؤذن المؤذن لئلا يكون متشبهاً بالشيطان الذي يفر عند سماع الأذان، وقد قال أبو الشعثاء رحمه الله: (كنا قعوداً في المسجد مع أبي هريرة ، فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي، فأتبعه أبو هريرة بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة: أما هذا فقد عصى أبا القاسم r)، وهذا الحديث رواه مسلم رحمه الله وهو مرفوع حكماً، ولو كان من كلام أبي هريرة ؛ لأن مثل هذا التأثيم أو إثبات المعصية لا يقوله الصحابي بمجرد الرأي
وقد ورد عن أبي هريرة t رفعه إلى النبي r: (لا يسمع النداء في مسجدي هذا ثم يخرج منه إلا لحاجة، ثم لا يرجع إليه إلا منافق) ([98])
فإذاً لا يخرج أحد من المسجد بعد الأذان إلا من عذر، مثل أن يكون على غير وضوء، أو أمر لا بد منه، والنبي عليه الصلاة والسلام لما أقيمت الصلاة عدَّل الصفوف، فانتظروا أن يكبر فأشار إليهم أن مكانكم، ثم دخل بيته وانتظروا قياماً حتى خرج من بيته، ورأسه يقطر ماءً وقد اغتسل، تذكر أن عليه غسل، فدخل واغتسل ورجع.
فإذا أراد الإمام أن يكبر فتذكر أنه على غير وضوء والناس ينتظرون والصلاة قد أقيمت، فالسنة أن يقول الإمام لهم: انتظروا كما أنتم.. مكانكم، ويذهب ويتوضأ ويأتي، فإن كان عليه غسل وبيته بعيد ويخشى أن يتضايق الناس، والناس في هذا الزمان صدورهم ليست كصدور الصحابة مع النبي r في ذلك الزمان، فيستخلف شخصاً ويذهب هو، ولكنه لو قال: مكانكم وذهب وتوضأ ورجع لا يحق لأحد أن يلومه إذا لم يضر بهم فلا يلومه أحد.. هكذا وردت السنة. وكذلك لو أذن المؤذن في مسجد ويوجد أئمة مساجد في هذا المسجد.. نفترض الآن هذا الدرس مثلاً استمر وانتهى، وقام المؤذن للأذان، ويوجد معنا في المسجد أئمة مساجد، لا بد أن يذهبوا، فعند ذلك يكون خروجهم من باب العذر، ولا حرج عليهم في الخروج، وقد قال النبي r: (من أدركه الأذان في المسجد ثم خرج لم يخرج لحاجة، وهو لا يريد الرجعة فهو منافق) رواه ابن ماجة وصححه الألباني. إذاً من أفعال المنافقين الخروج من المسجد، والمقصود بالنفاق: النفاق العملي وبعض المؤذنين إذا أذن خرج إلى بيته، وهذا وإن كان يريد الرجوع للإقامة لكن الأولى في حقه ألا يخرج إلا إذا دعت الحاجة، والمؤذن أولى الامتثال من غيره؛ لأنه هو الذي يدعو الناس إلى الصلاة فكيف يخرج. ثم يفوت الأجر ولاشك وهو أجر انتظار الصلاة، لأن من جلس ينتظر الصلاة فهو في صلاة، ولذلك فإن وظيفة الجالس في المسجد هي ذكر الله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ "النور:36" إذاً: قراءة القرآن، والذكر والتسبيح، والدعاء.. وغيرها من العبادات كلها وظيفة الجالس في المسجد.......
الذكر الجماعي: الذكر الجماعي مما اشتهر عند كثير من أهل البدع ممن ينتسب للتصوف أو التشيع ونحوهم، ومن ذلك: قراءة الأذكار بهيئة جماعية بعد الصلوات، كقراءة سورة الفاتحة، أو آية الكرسي، أو قول لا إله، إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد يحيي ويميت وه على كل شيء قدير، جماعة أو غيرهما من الآيات والأذكار، ومعلوم أن هذه الصورة وهذه الهيئة من الأمور المحدثة في الدين والتي لم تكن على عهد السلف الصالح، وذكر الله ليس مجرد رفع الأصوات، أو ترديد أنغام على وتيرة واحدة.. بل إن الجهر والتجاهر بالأدعية والأذكار من الأمور غير المستحسنة في الشرع قال تعالى: "وَاذْكُر رَّبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلاَ تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ" سورة الأعراف،
وقال: "وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا " الإسراء: 110،
وقد حث سبحانه وتعالى على التفكر والتذكر التدبر فيما يقرؤه الإنسان أو يذكره به، وليس مجرد القراءة فحسب.
رفع الصوت: قال تعالى" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ" الحجرات
وقال تعالى (ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب) الحج.
عن أبي سعيد t قال: "اعتكف رسول الله r في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا ولا يرفع بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة"([99])
وعن عَبْدُ اللَّهِ بْنُ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ تَقَاضَى ابْنَ أَبِي حَدْرَدٍ دَيْنًا لَهُ عَلَيْهِ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r فِي الْمَسْجِدِ فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمَا حَتَّى سَمِعَهَا رَسُولُ اللَّهِ r وَهُوَ فِي بَيْتِهِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمَا رَسُولُ اللَّهِ r حَتَّى كَشَفَ سِجْفَ حُجْرَتِهِ وَنَادَى كَعْبَ بْنَ مَالِكٍ قَالَ يَا كَعْبُ قَالَ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَنْ ضَعْ الشَّطْرَ مِنْ دَيْنِكَ قَالَ كَعْبٌ قَدْ فَعَلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r قُمْ فَاقْضِهِ ) ([100])
وعَنْ السَّائِبِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ: كُنْتُ قَائِمًا فِي الْمَسْجِدِ، فَحَصَبَنِي رَجُلٌ، فَنَظَرْتُ فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّاب t فَقَالَ: اذْهَبْ فَأْتِنِي بِهَذَيْنِ فَجِئْتُهُ بِهِمَا، قَالَ: مَنْ أَنْتُمَا ؟ أَوْ - مِنْ أَيْنَ أَنْتُمَا ؟ قَالَا: مِنْ أَهْلِ الطَّائِفِ ! قَالَ: لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا، تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ r ؟"([101])
"( فحصبني ) رماني بالحصباء وهي الحجارة الصغيرة . ( لأوجعتكما ) أي جلدتكما حتى أوجعتكما "
ويجب أن يُصان المسجد عن الأقوال الرذيلَة والأحاديثِ السيّئة واللَّغط والأصوات المرتفعة، قال سعيد بن المسيّب رحمه الله تعالى: "من جَلَس في المجلس فإنما يجالِس ربَّه، فما حقُّه أن يقولَ إلا خيرًا".
وعليه فإن رفع الصوت في المسجد على النحو التالي:
أ. رفع الصوت بالقراءة والذكر: من الأمور الجائزة، بل من المستحب شرعاً إن كان الرافع له إمام المسجد، إن لم يؤد ذلك إلى التجاهر بين الأئمة من مسجد إلى آخر، أو التجاهر بين مأموم ومأموم.
ب. رفع الصوت نتيجة الخصومات بين المسلمين فهذا من الأمور الممنوعة.
ج. كذلك البيع والتجارة وإنشاد الضالة، وكذا الشعر فيما لا مصلحة شرعية فيه ممنوع شرعًا.
د. الحديث في المسجد مع رفع الأصوات بشدة مما يُذهب هيبة المسجد قداسته، لا يجوز لأنها أماكن أذن الله أن ترفع وتعظم، لا أن تحاكى فيها هيشات الأسواق.
ذ. ما يفعله بعض الجهلة من الأذكار الجماعية المبتدعة وإقامة الرقص أو الغناء في المساجد محرم، لا يشك في حرمته عاقل.
ر. الكلام لأمر هام أو لحاجة ماسة في المسجد أو الكلام في أمور الدنيا بأصوات معتدلة، بحيث لا يتأذى منه مصلّ ولا قارئ، لا حرج فيه لما في حديث جابر بن سمرة: (كان رسول الله -r- لا يقوم من مصلاه الذي صلى فيه الصبح؛ حتى تطلع الشمس، فإذا طلعت قام، قال: وكانوا يتحدثون في أمر الجاهلية، فيضحكون ويبتسم) ([102]).. والله أعلم.
هيشات الأسواق: قال r:"ليلني منكم أولو الأحلام والنهى ثم الذين يلونهم وإياكم وهيشات الأسواق (ثلاثاً)([103])
( هيشات الأسواق : أي اختلاطها والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات ) ([104])
البيع والشراء وإنشاد الضالة : أخرج الترمذي عن أبي هريرة: ((إذا رأيتم من يبيع أو يبتاع في المسجد فقولوا: لا أربح الله تجارتك، وإذا رأيتم من ينشد فيه ضالة فقولوا: لا رد الله عليك ضالتك))([105])
وعن أبي هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -r- " مَنْ سَمِعَ رَجُلاً يَنْشُدُ ضَالَّةً فِى الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لاَ رَدَّهَا اللَّهُ عَلَيْكَ فَإِنَّ
الْمَسَاجِدَ لَمْ تُبْنَ لِهَذَا "([106])
فعلي من أراد التجارة أو إنشاد الضالة أن يفعل ذلك خارج المسجد
اصطحاب الأطفال الصغار : الذين هم دون سن التمييز إلى بيوت الله لما في ذلك من إزعاجٍ للمصلين وقطعٍ لخشوع الخاشعين بالمرور بين أيديهم والإخلال بتنظيم صفوفهم .وليس هذا فحسب بل ربما وصل الأمر ببعض الأطفال إلى تلويث المسجد في بعض الأحيان . أما أولئك الأطفال الذين يُرجى من اصطحابهم تدريبهم على ارتياد المساجد وتعويدهم أداء الصلاة ، وغرس حب المساجد في نفوسهم فلا بأس – إن شاء الله تعالى – من اصطحابهم مع مراعاة عدم الغفلة عنهم ، ومحاولة التحكم في تصرفاتهم ، وحثهم على احترام هذه المساجد والالتزام بآدابها والتحلي بأخلاقها والأصل الشرعي في جلب الأطفال إلى المسجد إنما يكون إذا تعلم الوضوء والصلاة، وذلك إذا أتم السابعة من عمره، كما روى شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله r قال "مروا أبناءكم بالصلاة وهم أبناء سبع سنين واضربوهم عليها لعشر وفرقوا بينهم في المضاجع"([107])
ولهذا يُقال من لم يبلغ السابعة فلا يُؤتي به للمسجد إلا إذا توضأ وأحسن الصلاة ومن اضطر اضطرار في ظرف طارئ ليكون معه صغير لا يحسن الصلاة فليكن بين يديه، أو يكون معه في طرف الصف، لئلا يصاف المصلين، فيقطع الصف. ولا يتركه في مؤخرة المسجد فيلعب ويؤذي المصلين. وإنك لتعجب من تساهل بعض الناس ممن يأتي بصغير لم يتوضأ ولا يحسن الصلاة فيجعله في الصف؛ فيقطع الصف، ويزداد عجبُك ممن يأتي بهم في صلاة الجمعة وربما أشغله وأشغل المصلين وربما أفسد عليه جمعته لاشتغاله به.
الجلوس من أجل الدنيا: عن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r: " سيكون في آخر الزمان قوم يجلسون في المساجد حلقا حلقا إمامهم الدنيا فلا تجالسوهم فإنه ليس لله فيهم حاجة "([108])
فلابد أن نحذر من الكلام الباطل أو الكلام الذي لا فائدة فيه، فلا مكان في المسجد للغيبة والنميمة والكذب، وإذا كانت هذه الأشياء محرمة خارج المسجد؛ فهي في المسجد أشد تحريماً، وكل كلام لا فائدة فيه ينبغي أن ينزه المسجد عنه، وبعض الناس يتكلمون كلاماً كثيراً لا فائدة فيه، وبعضهم قد يفعل ذلك في الاعتكاف الذي هو مظنة الذكر والإقبال على الله، والاجتهاد في العبادة والانقطاع عن الدنيا، ولا شك أن هذا مذموم، قال شيخ الإسلام رحمه الله: وأما الكلام الذي يحبه الله ورسوله في المسجد فحسن، وأما المحرم فهو في المسجد أشد تحريماً، وكذلك المكروه يكون في المسجد أشد كراهية، ويكره فيه فضول المباح، وقد ورد عن ابن عباس t أنه قال في قوله تعالى: فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ "النور:36" قال: "نهى سبحانه عن اللغو فيها" وكذا ورد عن جمع من السلف.......
النوم: من الآداب الانتباه لعدم النوم واستدعاء النوم أو الجلوس في هيئة تستجلب النوم، قيل: هو من أسباب النهي عن الإحتباء -لو صح- أنه مجلبة للنوم، أو مظنة لخروج الريح، أو مظنة لاكتشاف العورة، ولكن قد يسيطر النوم على الإنسان، فعند ذلك ماذا يفعل؟ يطبق حديث النبي عليه الصلاة والسلام: عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ r قَالَ: إِذَا نَعَسَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ يُصَلِّي فَلْيَرْقُدْ حَتَّى يَذْهَبَ عَنْهُ النَّوْمُ، فَإِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا صَلَّى وَهُوَ نَاعِسٌ لاَ يَدْرِي لَعَلَّهُ يَسْتَغْفِرُ فَيَسُب نَفْسَهُ"([109])
فهناك احتمالان: الأول: أن الحركة تذهب النعاس. الثاني: أن هذا مكان حضرته فيه غفلة، والتحول عن المكان الذي حصلت فيه غفلة طيب، وقد تحول النبي r عن الوادي الذي ناموا فيه عن صلاة الفجر وطلعت الشمس، وحضر الشيطان، فتحولوا من ذلك المكان.......
الإفساد في المسجد بكل صوره: قال تعالى: "وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللَّهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ"(البقرة 114) ، وقال تعالى" ألم يعلموا انه من يحادد الله ورسوله فان له نار جهنم خالدين فيها ذلك الخزي العظيم" التوبة
وقال تعالى" مَا كَانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَسَاجِدَ اللَّهِ شَاهِدِينَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ" التوبة
أخي الحبيب إن المسجد يذكرك فيقول:
أنا مسجـد لله مـر بســاحتي | ** | دهـر طـويل وانطـوت أعمـار |
كم زارني التـاريخ زورة عـاشق | ** | ولكم تجمـع عنـدي الأبــرار
|
بالأمس تمتلئ القلـوب مهـابـة | ** | منى وتشرح صـدري الأذكــار |
ويرتـل القـرآن بين جـوانجي | ** | فجـوانحي بهـدى الكتاب تنـار |
وتثير إعجـاب السحـاب مآذني | ** | وتحيـطني بحنـانهـا الأســوار |
كم جـاء من يـأوي إلى فضمه | ** | صدري الحنـون وزالت الأخطـار |
أيّها المسلمون، إنما شُرِعت الجماعة في المسجد لمقاصِدَ عظمى، منها التعارف والتآلف والتعاوُن والتكاتُف، فتصافَحوا يذهبِ الغِلّ، وتَسَامحوا تذَهب الشحناء، وخُذوا بأيدي بعضكم، وطهِّروا قلوبَكم مِن الأحقاد والضغَائِن، واستبدلوا القطيعةَ والجفاء بالصِّلة والمحبة والصَّفاء، وأدّوا حقوق بعضكم على بعض، وليعطِف غنيُّكم على فقيركم وقوِيّكم على ضعيفِكم، وكونوا عباد الله إخوانًا.
وصلّوا وسلِّموا على خيرِ البريّة وأزكى البشريّة، فقد أمركم الله بذلِك فقال قولاً كريمًا: إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا "الأحزاب: 56".
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854
%%%%%%%%