أجيالنا بين الواقع والأمل المنشود للشيخ السيد مراد سلامة




الحَمْدُ لله الدَّاعي إلى بابه، الموفِّق من شاء لصوابِهِ، أنعم بإنزالِ كتابِه، يَشتملُ على مُحكم ومتشابه، فأما الَّذَينَ في قُلُوبهم زَيْغٌ فيتبعونَ ما تَشَابَه منه، وأمَّا الراسخون في العلم فيقولون آمنا به، أحمده على الهدى وتَيسيرِ أسبابِه، وأشهد أنْ لا إِله إلاَّ الله وحدَه لا شَريكَ له شهادةً أرْجو بها النجاةَ مِنْ عقابِه، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه أكمَلُ النَّاس عَملاً في ذهابه وإيابه، صلَّى الله عليه وعلى صاحبه أبي بكرٍ أفْضل أصحَابه، وعَلَى عُمر الَّذِي أعَزَّ الله بِهِ الدِّيْنَ واسْتَقَامَتِ الدُّنْيَا بِهِ، وَعَلَى عثمانَ شهيدِ دارِهِ ومِحْرَابِه، وعَلى عليٍّ المشهورِ بحَلِّ المُشْكِلِ من العلوم وكَشْفِ نِقابه، وَعَلَى آلِهِ وأصحابه ومنْ كان أوْلَى بِهِ، وسلَّمَ تسليماً.

من لي بجيل مستجدٍّ لم يرث*** إلا عن الجد القديم الأبْعَدِ

يرث أبا حفص في أصالةِ رأيه*** أو خالداً في عزمه المتوقِّد

جيل إذا سِيمَ الهوان أَبَى ***     وإن يطلب إليه البذل لم يتردد

يهوى الحياة عقيدة، ويعافها**** فوضى ويُدْعى للفداء فيفتدي

أحباب رسل الله صلى الله عليه وسلم-نعيش اليوم مع أجيالنا بين الواقع والأمل المنشود

الواقع الذي نعيشه :

إن الواقع الأليم الذي تعيشه الأمة في الحقبة الأخيرة ليجعل القلب يتقطر دما من شدة الهوة بين الواقع الذي يريده الله تعالى منا والواقع الذي نعيشه انظر إلينا
في مصر وفي السعودية وفي اليمن وفي سوريا وفي ليبيا تأمل إلينا وقد تركنا تعاليم ربنا ودب إلينا داء الأمم من قبلنا الحسد والبغضاء التي حلقت الدين وتركت كثيرا من أبناء الأمة تائه في صحراء الحياة القاحلة
وكلما أتى جيل ترقب أن تكون النصرة فيمن يليه، فإذا الجيل الناشيء أسوأ ممن كان قبله، قالوا: لعل الأبناء الذين سينشئون في بيت الملتزمين تأتي النصرة على أيديهم، فإذا الأولاد أسوأ من الآباء؛ ذلك لأنَّ الآباء لم يربوا تربية إسلامية صحيحة، ولأنَّ الالتزام الأجوف صار ظاهرة مريرة، وصارت كل معاني الالتزام في المظهر؛ فضاع الجوهر، وحقيقة الأمر على أنَّ الدين كلٌ واحدٌ: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً…[208] } [سورة البقرة] . أي: الإسلام،

واقع مرير واقع مؤلم

روى الإمام أحمد في مسنده عَنْ ثَوْبَانَ مَوْلَى رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” يُوشِكُ أَنْ تَدَاعَى عَلَيْكُمُ الْأُمَمُ مِنْ كُلِّ أُفُقٍ كَمَا تَدَاعَى الْأَكَلَةُ عَلَى قَصْعَتِهَا “.
قَالَ: قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، أَمِنْ قِلَّةٍ بِنَا يَوْمَئِذٍ؟ قَالَ: ” أَنْتُمْ يَوْمَئِذٍ كَثِيرٌ، وَلَكِنْ تَكُونُونَ غُثَاءً كَغُثَاءِ السَّيْلِ، تُنْتَزَعُ الْمَهَابَةُ مِنْ قُلُوبِ عَدُوِّكُمْ، وَيَجْعَلُ فِي قُلُوبِكُمُ الْوَهْنَ “. قَالَ: قُلْنَا: وَمَا الْوَهْنُ؟ قَالَ: ” حُبُّ الْحَيَاةِ وَكَرَاهِيَةُ الْمَوْتِ ” “.([1])
وها نحن اليوم نرى تلك الهجمة الشرسة الجديدة من أعداء الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم -، من الشيوعية المادية الملحدة, والصهيونية العالمية الماكرة، والصليبية الجديدة الخادعة، وغيرهم من العملاء والأذناب. وأمة الإسلام اليوم في ذات الوقت أمة شاردة عن رسالتها، غافلة عن غايتها، حيث نراها تتخبط ذات اليمين وذات الشمال، وعدوها اللدود باسط إليها ذراعيه بالفتن والشهوات، فهي أمة صارت ممزقة فيما بينها، مزقتها الحدود والسدود، ومزقتها مؤامرات الأعداء المخططة للنيل منها، وأصبح بأسها بينها شديد، وحالها لا يخفى على قريب أو بعيد.
فهي أمة تلعب في أشهر الملاعب العالمية، وترقص على أشهر وأرقى المسارح العالمية، وهي كذلك مترنحة بين الشيوعية مرة، وبين الصليبية مرة، وبين الصهيونية أخرى، وبين العلمانية رابعة وخامسة، وكل هذا جعل أحد الشعراء ينشد أبياتًا من الشعر ينسج فيها خيوط الواقع الأليم، الذي تحياه الأمة الإسلامية اليوم فيقول:

ما كان في ماض الزمان محرمًا  *** للناس في هذا الزمان مباح

صاغوا نعوت فضائلٍ لعيوبهم  *** فتعذر التمييز والإصلاح

فالفتك فنٌ والخداع سياسةٌ   *** وغنى اللصوص براعةٌ ونجاح

 إن الحال الذي آل إليه واقع أمتنا، وجعلها تغرق فيه قروناً طويلة، لن يغيره ما يكتب العلماء في مصنفاتهم فقط، ولا الأدباء في هجائهم ورثائهم، ولا ما تنشره الصحف والمجلات من مقالات ساخنة، ولا ما يلقيه الوعاظ في وعظهم وتذكيرهم، أو الخطباء في حماسهم وإنذارهم، وإن كنا نؤمن أن ذلك كله من وسائل التغيير والإصلاح.

ثانيا الأمل المنشود:

وفي وسط هذا الزخم وفي وسط تلك المحن لا يفقد المسلم الأمل والثقة في الله تعالى بأن الله تعالى وعدنا بالنصر والتمكين وحتى يتحقق الأمل المنشود لابد من خطوات ولابد للمجد حتى يعود من وضع الأسس التي ستقوم عليها الأمة

أولا حتى يتحقق الأمل المنشود لابد من تحديد الهدف: فما هو هدفنا وما هي غايتنا التي نريدها ونسعى إلى تحقيقها؟

الناظر إلى شباب اليوم يجدهم يسيرون بغير هدفا ويعيشون بغير غاية لا هم لهم إلا: طعام وشراب وكساء ونساء، يعيش من أجل شهوته ويحارب من أجل نزوته وأصبح الولاء والبراء الحب البغض من أجل ملذات وشهوات فترى شبابا هائما على وجهه لا يعرف معروفا ولا ينكر منكرا إلا ما أُشرب من هواه وإن عصى ربه ومولاه وأطاع شيطانه الذي أغواه
هدفك يا ابن الإسلام: هو عبادة الله تعالى وحده و التمكين لدينه قال الله تعالى {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ } [الذاريات: 56 – 58]
لم نخلق عبثا في هذا الكون بل كان لهدف أسمى وأعلى حتى نكون خلفاء الله في أرضه وحتى يختار منّا أنبياء يهدون الناس وينيرون لهم الطريق نحو الصلاح وحتى يختار الله عز وجل ويصطفي شهداء يقدمون أغلى وأجدو ما منحهم الله إياه وهي الروح وقد نجهل أهدافا أخرى من أجلها خلقنا الله يعلمها هو ولا نعلمها نحن.
ولكل إنسان هدف يعيش له ويسعى لتحقيقه طبعا يختلف الهدف باختلاف الشخص وباختلاف الهدف أيضا ونحن هنا في هذه الكلمة نحكي عن الهدف الخيّر والأسمى.
والذي لا هدف له غالبا تكون حياته مملة فالحياة مزرعة للآخرة فتحديد الهدف أولا وجعله نصب عينيك مدعاة للتحفيز وشحذ القوة وبدل الطاقة له حتى تحقيقه والله لن يضيع أجرك بإذن الله
القرآن يحدد هدِّف حياتك، ويدلك على الوسائل لتحقيق هذا الهدف في عبارات جامعة كافية: يقول تعالى: { يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[77]وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ[78] } [سورة الحج].
هذا هو هدفك نص عليه القرآن: {وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ…[78]} [سورة الحج].
إخوتاه .. أجيالنا بين الواقع والأمل المنشود، قضية تثير الأسى، والكلام عنها ذو شجون، فإنَّ الصحوة الإسلامية منذ بدأت وهي تهفو لإيجاد جيل ‘ التمكين ‘ الذي:يرفع راية الإسلام و يعلي كلمة التوحيد
(جيل يتجاوز العشوائية، ويكفر بالغوغائية، يحتكم إلى حقائق الكتاب والسنة لا إلى الوهم، ولا ينسى وهو يتطلع إلى السماء أنه واقف على الأرض، فلا يجري وراء الخيال والأحلام والأماني، ولا يسبح في غير ماء، ولا يطير بغير جناح، جيل واقعي لا يسبح في البر، ولا يحرث في البحر، ولا يبذر في الصخر، لا ينسج خيوطا من الخيال ، ولا يبني قصورا في الرمال)، ([2])

إسلامنا هو درعنا وسلاحنا      ومنارنا عبر الدجاة الظلمة

هو بالإخوة رافعٌ أعلامه        فامشي بظل رضائه يا أمتي

لا الغرب يقصد عزنا كلا       ولا شرق التحلل إنهم كالحية

الكل يقصد ذلنا وهواننا              أفغير ربي منقذٌ من شدتي

ثانيا كن على ثقة ويقين بموعود رب العالمين

إخوة الإسلام وحتى نحقق ذلك الهدف لابد من أن تكون لديك ثقة و يقين برب العالمين سبحانه و بوعده، وعد الله: { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ ءَامَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا…[55] } [سورة النور].
? الجيل الذي وعدنا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالنُّصْرَةِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ، وَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ» ([3])

فلماذا يثق المؤمن بربه ويتوكل عليه؟

– لأن الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير
– ولأن الأمر كله لله، قل إن الأمر كله لله، “إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ” (يس 82)
– لأنه تعالى يورث الأرض من يشآء من عباده كما قال “……إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ….”(الأعراف 128)
– لأن الأمور عنده سبحانه كما قال عز وجل “…….وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ” (البقرة 210) وليس إلى غيره
– لأنه شديد المحال فهو عزيز لا يُغلب كما قال تعالى “…….وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ” (الرعد 13)
– لأنه سبحانه وتعالى له جنود السنوات والأرض فقال عز وجل “وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ….” (الفتح 7)
– جمع القوة والعزة “……وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا” (الأحزاب 25)
– وقهر العباد فأذلهم، فهم لا يخرجون عن أمره ومشيئته “……هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ” (الزمر 4)
–  “إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ” (ال ذاريات58) فهو ذو القوة وهو المتين سبحانه وتعالى
– وهو عز وجل يقبض ويبسط
– و هو {يُؤتي مُلكه من يشآء “وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير”ٌ }(آل عمران 189)
– وهو سبحانه وتعالى الذي يضُر وينفع “وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ……” (الأنعام 17)
لقد لفت علماء الإسلام و منهم ابن القيم رحمه الله إلى قضية خطيرة يقع فيها كثير من المسلمين و هي سوء الظن بالرب عز و جل، يظنون أن الله لا ينصر شريعته و لا ينصر دينه، و أن الله كتب الهزيمة على المسلمين أبد الدهر و أنه لا قيام لهم، إذاً فلماذا أنزل الله الكتاب؟ لماذا أرسل الرسول صلى الله عليه وسلم؟ لماذا شرع الدين؟ لماذا جعل الإسلام مهيمناً على كل الأديان؟ لماذا نُسخت كل الأديان السابقة بالإسلام إذا كان الإسلام لن ينتصر؟
و لذلك قال عز و جل “مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا… و ليس في الآخرة فقط …..وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ….. فليمدد بسبب يعني بحبل ، إلى السماء يعني إلى سقف بيته ، ثم ليقطع يعني يختنق به ، يقتل نفسه ……فَلْيَنْظُرْ هَلْ يُذْهِبَنَّ كَيْدُهُ مَا يَغِيظُ” (الحج 15) قال العلماء في تفسير هذه الآية : من كان يظن أن لن ينصر الله محمداً صلى الله عليه و سلم في الدنيا و الآخرة فليمدد بحبل يخنق به نفسه ، يتوصل إلى هذا الحبل الذي يشنق به نفسه إن كان ذلك غائظه لأن الله ناصر نبيه لا محالة ، قال تعالى “إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ، يَوْمَ لَا يَنْفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ” (غافر 51-52) “وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ ، إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ ، وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ” (الصافات 171-173) ، و قال تعالى “إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ…..” (المجادلة 5) ، وفي الآية الأخرى “إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ ، كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي…..” (المجادلة 20-21) ، فإذاً إذا تحققت شروط النصر فلابد أن ينصر الله الذين حققوا الشروط ، و إذا هُزموا فإنما يُهزموا لتخلّف تحقق الشروط.

أملنا في الثقة بوعد ربنا وببشارة نبينا – صلى الله عليه وسلم-

روى أحمد والدارمي وابن أبي شيبة والحاكم عن أبي قبيل قال: كنت عند عبد الله ابن عمرو بن العاص وسئل: أيُّ المدينتين تفتح أولاً: القسطنطينية أو رومية؟ فدعا الله بصندوق له حِلق، قال: فأخرج منه كتاباً، قال: فقال عبد الله: بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب إذ سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي المدينتين تفتح أولاً القسطنطينية أو رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مدينة هرقل تفتح أولاً، يعني القسطنطينية وروية هي ـ روما ـ عاصم ايطاليا، وهكذا كانت تلفظ كما في معجم البلدان وقد فتحت الأولى وبقيت الثانية ولن يتخلف ما بشَّر به الصادق المصدوق.
عَنِ حُذَيْفَة بْنُ الْيَمَانِ قال : إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : تَكُونُ النُّبُوَّةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِذَا شَاءَ ، ثُمَّ تَكُونُ الْخِلاَفَةُ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا ، ثُمَّ يَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا فَتَكُونُ مُلْكًا مَا شَاءَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَرْفَعُهُ إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهُ مُلْكًا جَبْرِيَّةً ، ثُمَّ تَكُونُ خِلاَفَةٌ عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، ثُمَّ سَكَتَ قَالَ حَبِيبٌ : فَلَمَّا قَامَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ ، قَالَ ابْنُ النُّعْمَانِ : أَنَا أَرْجُو أَنْ يَكُونَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ هُوَ قَالَ : فَأُدْخِلَ حَبِيبٌ عَلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ فَحَدَّثَهُ ، فَأَعْجَبَهُ يَعْنِي ذَلِكَ.) ([4])
 وقد تحقق جلَّ ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من الخلافة الراشدة، والملك العضوض، والملك الجبري، وبقيت الخلافة المنشودة الموعودة بها، ولابد أن تتحقق إن شاء الله ولكن يجب أن نعمل لتحقيقها وإيجادها، وإنما توجد وفقاً لسنن الله بعمل العاملين وجهود المؤمنين.
عن مُعَاوِيَةَ قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي قَائِمَةً بِأَمْرِ اللَّهِ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ أَوْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمَرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ عَلَى النَّاسِ» قَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ سَمِعْتُ مُعَاذًا يَقُولُ: «وَهُمْ أَهْلُ الشَّامِ» ([5])

ثالثا التضحية والعمل الدؤوب

لا تُنال المعالي بالأماني، ولا تقوم الدعوات إلا على ألوان البذل والتضحية بشتى صنوفها. وإذا عُرف أن ابتلاء الدعاة سنة ماضية تبين أن الدعوة الحقة لا تقوم بلا تضحية.
أخي المسلم: أنت ابن هذا الدين. ولدينك عليك حق. فكيف تطلب أعلى منازل الجنة دون التنازل عن شيء من رغباتك وحاجاتك؟!
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا) ( البقرة: 214)
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ) ( آل عمران: 142)
(أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ) (التوبة: 16)
(أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ) (العنكبوت:2-3)
 وها هو سبحانه يعاتب المتخلفين عن رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلًا إِلَّا كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (التوبة 120)
يقولُ ابنُ كثيرٍ رحمَهُ اللهُ:( يُعَاتِبُ تَعَالَى الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلّى الله عليه و سلّم فِي غَزْوَةِ تَبُوك، مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلِهَا مِنْ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، وَرَغْبَتَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ مُوَاسَاتِهِ فِيمَا حَصَلَ مِنَ الْمَشَقَّةِ، فَإِنَّهُمْ نَقَصُوا أَنْفُسَهُمْ مِنَ الْأَجْرِ؛ لِأَنَّهُمْ (لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ) وَهُوَ: الْعَطَشُ (وَلا نَصَبٌ) وَهُوَ: التَّعَبُ (وَلا مَخْمَصَةٌ) وَهِيَ: الْمَجَاعَةُ (وَلا يَطَئُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ) أَيْ: يَنْزِلُونَ مَنْزِلًا يُرهبُ عَدُوَّهُمْ (وَلا يَنَالُونَ) مِنْهُ ظَفَرًا وَغَلَبَةً عَلَيْهِ إِلَّا كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ بِهَذِهِ الْأَعْمَالِ الَّتِي لَيْسَتْ دَاخِلَةً تَحْتَ قُدْرَتِهِمْ، وَإِنَّمَا هِيَ نَاشِئَةٌ عَنْ أَفْعَالِهِمْ، أَعْمَالًا صَالِحَةً وَثَوَابًا جَزِيلًا (إِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) كَمَا قَالَ تَعَالَى: (إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلا) (الْكَهْفِ:30) ([6]).

وحتى نحقق الأمل المنشود لابد من تضحية بالنفس:

فعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنَّه قال: (من خير معاش النَّاس لهم، رجل ممسك عنان فرسه في سبيل الله، يطير على متنه، كلما سمع هَيْعَةً، أو فزعة طار عليه، يبتغي القتل والموت مظانَّه، أو رجل في غنيمة في رأس شَعَفَةٍ من هذه الشَّعَف، أو بطن واد من هذه الأودية، يقيم الصَّلاة، ويؤتي الزَّكاة، ويعبد ربَّه حتَّى يأتيه اليقين، ليس من النَّاس إلا في خير) ([7])
وروى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النَّبي صلى الله عليه وسلم قال: (انتدب الله لمن خرج في سبيله -لا يخرجه إلا إيمان بي، وتصديق برسلي-أن أرجعه بما نال من أجر أو غنيمة، أو أدخله الجنَّة، ولولا أن أشقَّ على أمَّتي، ما قعدت خلف سريَّة، ولوددت أنِّي أُقتل في سبيل الله ثم أحيا، ثم أُقتل ثم أحيا، ثم أُقتل) ([8])
فبذل النَّفس والشَّهادة في سبيل الله هي ذروة التَّضْحية

 ويلٌ لكم هل سِوَى الأكفانِ حُجَّتُكُم *** وهلْ يكونُ سوى الأكفانِ حَظَّكُمُ

هيَّا اسلبُوها من الأجْداثِ باليةً *** ثم البسوها وقُولُوا الإرثُ إرثُكُمُ

تضحية بالعيش الهنئ والحياة الرغيدة

روى البخاري، عن أبو هريرة -رضي الله عنه قال:( ولقد رأيتني وإني لأخر مغشيًا عليّ، فيجيء الجائي فيضع رجله على عنقي ويرى أني مجنون، وما بي جنون، ما بي إلا الجوع) ([9])
ويقول -رضي الله عنه- كما في البخاري أيضًا: (كان أخير الناس للمسكين جعفر بن أبي طالب، كان ينقلب بنا فيطعمنا ما كان في بيته، حتى إِنْ كان ليُخرج إلينا العُكَّة التي ليس فيها شيء فنشقها فنلعق ما فيها) ([10])
(العكة) وعاء من جلد يجعل فيه السمن وغيره.
وقد قدم جعفر للمدينة في السنة السابعة للهجرة، وهذا يعني أن حالة الفقر القاسية كانت تضرب الدولة الإسلامية بعد سبع سنوات من قيامها.
عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لقد أوذيت في الله وما يؤذى أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت علي ثلاثٌ من بين يوم وليلة، وما لي ولبلال ما يأكله ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال) ([11])
وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها، أنها قالت لعروة:( ابن أختي «إن كنا لننظر إلى الهلال، ثم الهلال، ثلاثة أهلة في شهرين، وما أوقدت في أبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم نار»، فقلت يا خالة: ما كان يعيشكم؟ قالت: ” الأسودان: التمر والماء، إلا أنه قد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جيران من الأنصار، كانت لهم منائح، وكانوا يمنحون رسول الله صلى الله عليه وسلم من ألبانهم، فيسقينا) ([12])
ومما يدمي القلب ولا طاقة للنفس بتحمله أن تعرف أن نبيك -صلى الله عليه وسلم- أرهقه الجوع فاضطر إلى أن يرهن درعه ليهودي لكي يأخذ منه شعيرًا يصنع به طعامًا لأهله،( ومات -صلى الله عليه وسلم- ودرعه مرهونة عند اليهودي)؛ ([13])، ما يعني أن حالة الفقر كانت هي السائدة في حياتهم منذ تأسيس الدولة وحتى وفاته -صلى الله عليه وسلم-.

أمَّة الصحراء يا شعب الخلود *** من سواكم حل أغلال الورى؟

أي داعي قبلكم في ذا الوجود *** صاح لا كسرى هنا لا قيصر؟

من سواكم في قديم أو حديث *** أطلع القرآن صبحًا للرشاد؟

هاتفًا في مسمع الكون العظيم *** ليس غير الله ربًا للعباد

فكِّروا في عصركم وانتبهوا *** طالما كنتم جَمَالا للعُصُر

وابعثوا الصحراء عزمًا وابعثوا *** مرة أخري بها روح عمر

أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، أن يجمعنا وإياكم بالنبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا. اللهم يا ذا العزة التي لا ترام، والملك الذي لا يضام، يا من لا يهزم جنده، ولا يغلب أولياؤه، أنت حسبنا، ومن كنت حسبه فقد كفيته، حسبنا الله ونعم الوكيل. حسبنا الله ونعم الوكيل حسبنا الله ونعم الوكيل اللهم كن للمسلمين ولا تكن عليهم، اللهم كن للمسلمين ولا تكن عليهم اللهم كن للمسلمين ولا تكن عليهم وامكر لهم ولا تمكر بهم، وامكر لهم ولا تمكر بهم وامكر لهم ولا تمكر بهم وانصرهم على من بغى عليهم، وانصرهم على من بغى عليهم وانصرهم على من بغى عليهم وانصرهم على من بغى عليهم وانصرهم على من بغى عليهم اللهم فكَّ أسرهم، اللهم فكَّ أسرهم اللهم فكَّ أسرهم اللهم قوِّ شوكتهم، واجعل الدائرة على عدوهم. يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام. وآخر دعوانا أن الحمد له رب العالمين. وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
[1] – مسند أحمد ط الرسالة (37/ 82) وأخرجه أبو داود (4297) ، والطبراني في “الشاميين” (600) ، والبيهقي في “الدلائل” 6/534،
[2] – محاضرات علي القرني (22/ 11)
[3] – أخرجه أحمد (5/134 ، رقم 21258) انظر صحيح الجامع: 2825، صحيح الترغيب والترهيب: 23
[4] – أخرجه الطيالسى (ص 58 ، رقم 438) ، والبزار (7/223 ، رقم 2796) ، وأحمد (4/273 ، رقم 18430)
[5] – أخرجه أحمد (4/101 ، رقم 16974) ، والبخاري (3/1331 ، رقم 3442) ، ومسلم (3/1524 ، رقم 1037) .
[6] – (تفسير ابن كثير: 4/234)
[7] – أخرجه (مسلم:1889)
[8] -أخرجه ( البخاري/36، ومسلم/1876
[9] – أخرجه (رواه البخاري:7324)
[10] -أخرجه (البخاري:3708)
[11] -أخرجه (أحمد والترمذي وابن ماجه وصححه الألباني في صحيح الجامع الصغير:5125)
[12] -أخرجه (البخاري:2567، ومسلم:2283)
[13] -أخرجه (البخاري:4467)
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات