إسلامنـــــا ديــــــن الســـــــلام للدكتور عادل هنيدي

للتحميل PDF اضغط هنا
للتحميل WORD اضغط هنا

 الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله r، أمــا بعـــد:
فلقد كانت أولى وصايا نبينا الحبيب المصطفى الكريم صلى الله عليه وسلّم حين هاجر إلى المدينة -كما سيأتي بيانه- هو شيوع السلام بين الناس، بينما لم يكن مقصودًا إلقاء السلام اللفظي باللسان فحسب، بل إشاعة السلام الفعلي على أرض الواقع بين الجميع في المجتمع. ومن ثم فقد جاءت تشريعات الإسلام داعية إلى شيوع السّلام والسّلم بين النّاس جميعًا، إلا لمحارِبٍ أو معتدٍ أو فاجر.

إنّ السلام في الإسلام مبدأ به قام، وبسببه ينتشر، ولقد عمّق الإسلام هذا المبدأ في نفوس أتباعه فصار دينًا وعقيدة وسمتًا وسلوكًا مفروضًا.
ولقد صاح نبيّ الإسلام -منذ هاجر إلى المدينة الطيبة، كما ذكرنا سابقًا- صيحته المدوية في آفاق الدنيا، يدعو إلى السلام، ويضع الخطة الرشيدة التي تبلغ بالإنسانية إليه. فها هو عبد الله بن سلام -وكان رجلاً يهودياً شرح الله صدره للإسلام-: فلما رأيت وجهه (أي النبي صلى الله عليه وسلم) علمت أن وجهه ليس بوجه كذّاب فكان أول شيء سمعته تكلم به أن قال: "يا أيها الناس أفشوا السلام وأطعموا الطعام، وصلوا الأرحام، وصلوا بالليل والناس نيام تدخلوا الجنة بسلام"..
ولذا تعددت شهادات المنصفين من علماء الغرب ومثقفيهم عن السلام الذي يشيعه الإسلام في المجتمعات، فهذا أحد رموز الغرب، جورج بروك عُضْوُ البرلمان الإِنجليزي يومًا من الأيام، وقد نَوَّه في خطابٍ له بما يَبُثُّه الإسلامُ من شعورِ الإخاءِ بين أبنائه؛ وقال: "إنه يستطيعُ أن يردَّ الاهتمامَ بالدينِ الإسلاميَّ إلى أنه دينٌ عالَميٌّ بطبيعته".  ثم قال: "إن الإسلامَ دينُ السلام والمحبةِ بين البشر، وإنه يَلعبُ دَورًا خطيرًا الآن في شؤون العالَم، وإني أعتقدُ أن خَطَرَه وتأثيرَه في مستقبل العالم سيزدادُ جيلاً بعد جيل".
ومن هنا تأتي أهمية الحديث عن السلام في زمنٍ تُقتل فيه الحياة، والإنسانية على حد سواء في كثير من الأقطار بحجج واهية ووهمية، وتناسى المعتدون على حقوق البشر في الحياة والسلام حق الإنسان في الحياة والكرامة والعدالة والمساواة، وعناصر اللقاء على النّحو التالي:
عناصر الخطبة:
أولا: السّــــــــــلام في الإســـــــــــلام.                  
ثانيًا: السّلام الذي أسسه الإسلام في حياة المسلمين.
ثالثًا: من المسئول عن شيوع السلام في المجتمع؟          
 رابعًا: أثر شيوع السلام في المجتمعات.
السّــــلام في الإســــــلام:
وها نحن نرى -وبوضوح- أنّ السلام قد احتلّ درجة كبيرة في ديننا الكريم، وذلك على النّحو التالي:
1.     أنّ لفظ الإسلام -الذي هو عنوان هذا الدين- مأخوذ من مادة السلام؛ لأنّ السلام والإسلام، يلتقيان في توفير الطمأنينة، والأمن، والسكينة.
2.     وربُّ هذا الدين من أسمائة "السلام"، لانه يؤمن الناس بما شرع من مبادئ، وبما رسم من خطط ومناهج. وقد كان نبينا عليه الصلاة والسلام يدعو ربه ويصيح دائمًا بعد كل صلاة: «اللهم أنت السلام، ومنك السلام وإليك السلام، فحَيِّنَا ربنا بالسلام»، واسم الله (السلام) يدفع في النفس تحفيزًا للقرب منه سبحانه، والإقبال عليه، وطلب معونته ومغفرته.
3.     وحامل هذه الرسالة هو حامل راية السلام، لأنه يحمل إلى البشرية الهدى، والنور، والخير، والرشاد. وهو يحدث عن نفسه، فيقول: "إنما أنا رحمة مهداة". ويحدث القرآن عن رسالته، فيقول: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين". كما أنّ السلام دعوة الله لأنبيائه ومرسليه؛ قال تعالى:  (سلام على نوح في العالمين)، (سلام على إبراهيم)، (سلام على إِل ياسين)..
4.     وتحية المسلمين التي تؤلف القلوب وتقوي الصلات وتربط الانسان بأخيه الانسان، هي (السلام عليكم). وأولى الناس بالله وأقربهم إليه من بدأهم بالسلام. وبذل السلام للعالَم، وإفشاؤه جزء من الإيمان، وجزء من شرائع أهل الإسلام. وقد سأل رجل النبي -صلى الله عليه وسلم-: أي الإِسلام خير؟ قال: "تطعم الطعام، وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف".
5.     وتحية الله للمؤمنين تحية سلام: "تحيتهم يوم يلقونه سلام".
6.     وتحية الملائكة للبشر في الآخرة سلام: "والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم".
7.     ومستقر الصالحين دار الأمن والسلام، ومأوى المتقين والمصلحين، هي جنة الله، التي قال عنها ربنا: "والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراطٍ مستقيم".
8.     وقد احتلت ألفاظ السّلام مواضع كثيرة في القرآن الكريم؛ وما ذلك إلا لأهمية شأنها وعظمة التمسّك بها، فقد وردت كلمة [السلام] في القرآن 5 مرات، وكلمة [السِّلم، والسّلَم] 6 مرات، وكلمة [سلام] 23 مرة، فإجمالي كلمة السلام وسلام والسلم قرابة (أربعين) بينما وردت كلمة (حرب) في القرآن الكريم (أربع مرات فقط)، بل ووردت ألفاظ التسامع والعفو والصفح والعطف، وحسن البرّ، والتعارف والتفاهم والتكافل، والتعاون -المتعلقة عادة بشيوع السلام- في أكثر من 265 موضع من القرآن الكريم.


دلالات كثرة تكرار لفظ (السلام) في القرآن والسُّنّة:
إِنّ كثرة تكرار هذا اللفظ -السلام- على هذا النحو، مع إحاطته بالجو الديني النفسي، من شأنه أن يوقظ الحواس جميعها، ويحرّك المشاعر نحو التعايش بهذا المبدأ، ومن شأنه أن يوجه الافكار والأنظار إلى هذا المبدأ السامي العظيم، لكن ينبغي ألا يُفهم منه أن يكون المسلم ضعيفًا أو ذليلاً، وإنّما يكون سلامه قوة وعزّة وإباء... يقول الله تعالى معلنًا أنّ الأصل في علاقة الإسلام بغيره، وعلاقة المسلمين بغيرهم هي السلام والأمان والتعاون والتشارك، وأنّ الحرب ليست إلا ظرفًا استثنائيًّا قد يلجأ إليه أهل الإسلام عند الضرورة الملحة التي ترفع من قيمة الدين ولا تجعله صغيرًا في أعين النّاس،  فقال سبحانه: {وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنفال: 61].  فهو سلامٌ عَنْ قُدْرَةٍ وَعِزَّةٍ، لَا عَنْ ضَعْفٍ وَذِلَّةٍ ... وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله فالله حسبك وكافيك، وهو السميع لكل قول وطلب، عليم بكل قصد ونية، وهذا يفيد أن دين الإسلام دين السلام والمحبة، وأنه عدو للحرب إلا إذا اقتضتها الظروف القاهرة. فالإسلام دين السلام والسماحة؛ فهو يحث على كف الأذى عن الناس جميعًا ونشر المحبة بينهم.
السّــــلام الذي أسســــــه الإســـــلام في حياة المسلمين:
ولأنَّ الإسلام دين الشمولية ويدعو أتباعه إلى امتثال أوامر الله في كل جانب، ويعمل على ضمانة الحياة الطيبة المطمئنة، فها هو يجعل من السلام ركنًا رئيسًا لعلاقة المسلم مع الجميع، بداية من السلام مع الله تعالى... وذلك على النحو التالي:
أولا: السلام مع الله تعالى:
ولقد عالج القرآن الكريم مفهوم السلام وفق معنى الإسلام الذي يقوم على ضرورة الخضوع التام والمطلق لخالق الإنسان، من حيث القبول والتسليم بما يُوجبه الله، وتكييف السلوك وفق مقتضيات ذلك.
وأول ملامح السلام التي يطلبها الإسلام من المسلمين، السلام مع الله تعالى، فصلاح حال المرء في الحياة يبدأ بصلاح حاله مع الله تعالى، ومن أسس تحقيق السّلام مع الله ما يأتي:
1.     الائتمار بما أمر الله به، والانتهاء عمّا نهى عنه.
2.     تلمّس مواطن رضاه، والابتعاد عن مواطن غضبه.
3.     مراقبة الله تعالى على كلّ حال (سرًّا وعلانيةً).
4.     إتقاء الشبهات والبعد عن المحرّمات.
5.     الصدق مع الله تعالى، وعدم الكذب أو الخداع.
6.     التقرب إلى الله بما يحب لا بما يبغض، قربا بالعبادة فرضا ونفلاً، وما تقّب إليّ عبدي بشيءٍ أحبّ إليّ مما افترضته عليه..
7.     أن يراك الله حيث أمرك، وأن يفتقدك حيث نهاك.
8.     التوبة والعودة إلى الله والاعتراف بالذنب بين يديه، والتعرّف عليه سبحانه في وقت الرخاء قبل وقت الشدّة.
يقول الله تعالى:
#     {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر: 53].
#   {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة: 7].
وعندما يدرك المسلم هذه المعاني ويتقرّب إلى ربّه فقد حقق السلام مع الله، وأمِن مكرَ الله تعالى وغضبه، وسعِد بتوبة الله عليه، كما حدث في قصة قاتل المائة، الذي قرّر الصلح مع الله تعالى والتصالح مع طاعته والتوبة إليه، فحقق الله له فوق ما يرجو فغفر الله له ومن أجله غيّر نواميس الكون بتقارب أرض وتباعد أخرى.




ثانيًا: السلام مع النّفس والذّات:
لقد كثر في الآونة الأخيرة شكاوى النّاس من العقد والحيل والضغوط النفسية، وما نرى ذلك إلا للبعد عن الغذاء الروحي مع الله، وفقد طرق إصلاح النفس وتحقيق السلام النفسي، ومن وسائل تحقيق هذا السلام االنفسيّ ما يأتي:
1.     تحديد الغاية والهدف من الحياة.
2.     تذكر أن السعادة الحقيقية تبدأ من الداخل.
3.     اليقين بأنه لا مفرّ من قدّر الله وقضائه، ومن ثمّ الامتثال لأمره.
4.     الصدق مع النّفس، وتعرّف ععلى نفسك أيها الإنسان، واعرف عيوبها ومثابها، واعمل على تصحيحها.
5.     اصرف نفسك عما يغويها من الكبر والغرور والبخل والعُجْب والكذب.


ثالثًا: السّلام مع النّاس
جاء الاسلام ليجمع القلب إلى القلب، ويضم الصف إلى الصف، مستهدفا إقامة كيان موحد، ومتقيا عوامل الفرقة والضعف، وأسباب الفشل والهزيمة، ليكون لهذا الكيان الموحد القدرة على تحقيق الغايات السامية، والمقاصد النبيلة، والأهداف الصالحة التي جاءت بها رسالته العظمى.
ويتمثل هذا في أن يسلم الناس من أذى الإنسان، باختلاف أنواع الإيذاء، سواء أكان أذى مسموعًا أم مشمومًا أم مرئيًّا، ومن السلام مع الناس ما يأتي:
Z   أن يأمن الجار من جاره فلا يقع من الجار أذى على جاره، قال صلى الله عليه وسلّم "لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه".
Z   ومن صور السلام مع الناس أيضًا: أن يسلم المسلمون من لسان المسلم، وأن يسلم الناس على أعراضهم وغيبتهم من ألسنة الآخرين، قال صلى الله عليه وسلم: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده"
Z   وفي صحيح البخاري عن عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَخْبَرَهُ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «المُسْلِمُ أَخُو المُسْلِمِ لاَ يَظْلِمُهُ وَلاَ يُسْلِمُهُ، وَمَنْ كَانَ فِي حَاجَةِ أَخِيهِ كَانَ اللَّهُ فِي حَاجَتِهِ، وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللَّهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرُبَاتِ يَوْمِ القِيَامَةِ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ يَوْمَ القِيَامَةِ» والمقصود أنّ المسلم لا يقع منه أذى على أخيه المسلم، هذا هو السلام الذي يريده الإسلام؛ حتى لا تمتلأ الصدور غلا أو حقدًا أو ضغينة..
Z   ومن السّلام مع الناس الوفاء بالعهد وعدم الغدر أو الخيانة: ففي الحديث عند البخاري، من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: "قَالَ اللَّهُ: ثَلاَثَةٌ أَنَا خَصْمُهُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ: رَجُلٌ أَعْطَى بِي ثُمَّ غَدَرَ، وَرَجُلٌ بَاعَ حُرًّا فَأَكَلَ ثَمَنَهُ، وَرَجُلٌ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَاسْتَوْفَى مِنْهُ وَلَمْ يُعْطِ أَجْرَهُ".
Z   فلسانك لا تؤذ به إنسانًا، فللناس ألسن، والمعاملة الصادقة الحكيمة المخلصة، الرفق وما كان الرفق في شيء إلا زانه، وما كان العنف في شيءٍ إلا شانه، وليس الشديد بالصرعة، ولكنّ الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب، وعامل الناس بما تحب أن يعاملوك به، والصالحون تجار قلوب وأفئدة.







رابعًا: السّلام مع الكائنات من حولنا (نبات وحيوان وجماد)
إنّ للكائنات التي تحيا حولنا حق علينا من سلام وسلم حقيقي، بعدم إيذائها أو التعرض لها بأذى أو أن نشقّ عليها ونحملها ما لا تطيق، أو أن نشوه صورتها، كمثل النباتات والجمادات والحيوانات، فلكلٍّ حقه، وسَنُسْأَل عن ذلكَ أمام الله تعالى...
وانظر أخي المسلم إلى هذه الصورة العملية من حياة الرسول صلى الله عليه وسلّم؛ فعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ، فَانْطَلَقَ لِحَاجَتِهِ فَرَأَيْنَا حُمَرَةً مَعَهَا فَرْخَانِ فَأَخَذْنَا فَرْخَيْهَا، فَجَاءَتِ الْحُمَرَةُ فَجَعَلَتْ تَفْرِشُ، فَجَاءَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: «مَنْ فَجَعَ هَذِهِ بِوَلَدِهَا؟ رُدُّوا وَلَدَهَا إِلَيْهَا». -هذه صورة عملية لإشاعة السلام مع الكائنات من حولنا- وَرَأَى قَرْيَةَ نَمْلٍ قَدْ حَرَّقْنَاهَا فَقَالَ: «مَنْ حَرَّقَ هَذِهِ؟» قُلْنَا: نَحْنُ. قَالَ: «إِنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يُعَذِّبَ بِالنَّارِ إِلَّا رَبُّ النَّارِ». [رواه أبو داود في سننه، وقال الألباني: صحيح].


من المسئول عن شيوع السلام في المجتمع:
أولا: الخطاب الديني
إنّ المسئول الأول عن شيوع السّلام في المجتمع: خطاب الدعاة إلى الله تعالى؛ فإن الرأي العام الكبير في مجتمع المسلمين يجتمع في خطب الجمع والدروس المتنوعّة، ومن ثمّ يلزم تغيير الخطاب الدعوي من العدائية إلى اتصافي، ومن الكراهية إلى المحبة، ونبذ الفرقة، وإشاعة المحبة، وبيان ضرورة التآخي والألفة للاتحاد ضد أعداء الأمّة الذين يفرّقون اليوم بين المحبين وبين أبناء الوطن الواحد، ويعملون على ذبح الوحدة والإنسانية معًا في بلاد المسلمين.
وها هو نبينا صلى الله عليه وسلّم يشجّع الدعاة وغيرهم على هداية الناس إلى الخير فكما ورد في وصيته ونصيحته المشهورة: «فَوَاللَّهِ لَأَنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا وَاحِدًا، خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَكَ حُمْرُ النَّعَمِ» [صحيح البخاري].



ثانيًا: الخطاب الإعلامي
أمّا الإعلام فمعلوم خطره وأثره على مجتمع النّاس، وكم ضلّت عقول، وتاهت أفهام بسبب الإعلام ووسائله المختلفة والمتنوعة والمؤثّرة، ولذا يتحمّل مسئولية نشر السلام في المجتمع وسائل الإعلام (مقروءة ومسموعة ومرئية).
ولأنّ الإعلام صاحب تأثير أكبر على العقول -ولا يستطيع أن ينكره أحد- فتلك نصائح لإشاعة السلام في المجتمعات، ومنها:
أ‌.        إنتاج الأعمال الدراميّة التي تزرع المحبة بديلاً عن الكراهية.
ب‌.   عدم تجريح الأشخاص والحديث فقط عن السلبيات البشرية والأخلاقية دون المساس بالأشخاص والمؤسسات؛ لعدم إثارة مشاعر الآخرين.
ت‌.   الصِّدق في القَول، وعدم إِثارة الفتن بين نسيج المجتمعات الواحدة المتآلفة.
ث‌.   عدم الحكم على الناس لمجرد أفكارهم أو انتماءاتهم، وإنّما يكون الحكم -وإن كان يُمنع أحيانًا- على التصرفات والسلوكيّات؛ نزعًا للغلّ من القلوب.
ج‌.    رسم النموذج الصالح للإنسان الصالح، المحِبّ للناس، والداعم للخير والحق، بديلا عن ترميز الفاشلين العدوانيين.
ح‌.    التركيز على ذكر نماذج السلام الاجتماعي في حياة الناس، وتدعيم ذلك بقصص واقعية في الحياة البشرية الآن.



ثالثًا: التربية الأسرية
وتعدّ الأسرة من أهمّ المسئولين عن إشاعة السلام بديلا عن العنف، وإشاعة المحبة بديلا عن الكراهية، وذلك من خلال تربية الأبناء والبنات على حب الخير للناس، والسعي في بذل الخير للغير، وذلك من خلال تنمية مواهبهم وتوظيف طاقاتهم في مساعدة الآخرين والوقوف بجوارهم.
أ‌.           عدم إرسال رسائل سلبية عن الأشخاص والأفكار.
ب‌.      تنمية روح السلام بداخلهم مع من يحبهم ولا يبغضهم، والعمل على البوْح بالحب لهم.
ت‌.      التركيز على أنّ السلام المفروض على الأمّة سلام القوة والعزّة لا سلام الضعف والذلّة.، وأنّ السلام لا يعني الاستسلام للظالم والفاجر، فالذين يقتلون المسلمين في غزّة وغيرها، لا سلام معهم، ولا حديث معهم إلا بالسلاح، كما قال تعالى: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ} [الأنفال: 60]. فالإعداد للقتال والجهاد مطلوب، طالما أنّهم يقاتلوننا في ديننا.
رابعًا: الخطاب الحكومي والمؤسساتي
ونقصد هنا بالخطاب الحكومي والمؤسساتي، نبرة أحاديث المسئولين في بلادنا، ... بألا تظلّ نبرات التيئيس والتخويف والتخوين؛ لأنها تقتل الوحدة والألفة، وتذبح ما تبقى من محبة في القلوب... ويا ليت قومي يعلمون...!!
أ‌.        لا للتخوين
ب‌.   لا للتخويف
ت‌.   لا للتسفيه
ث‌.   لا للتشويه
ج‌.    لا للعصبية القبلية والحزبية
ح‌.    لا للترهيب
خ‌.    لا لتكريه الناس في كل شيء جميل.
خامسًا: الجهود الفرديّة
وأقصد به كل واحد منّا:
هل تستطيع أن تكون حمامة سلام بين الناس؟؛
تعمل على الإصلاح بين المتخاصمين، وتشيع المحبة، وتعمل على ترقيق القلوب والأفئدة، وصرف الكراهية عنها.
قال الله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء: 114].

أثر شيوع السلام على المجتمعات:
وشيوع السلام في المجتمعات يبعث على الطمأنينة النفسية والعقلية، يتحقق الرخاء الاقتصادي الذي تريده الأمم لبلادها، ويبعث شيوع السلام على انتشار المحبة والمودة والألفة والإخاء والتعاون بين الناس، كما أنه يعمل على تنمية الإبداع وتفكير المفكرين والمبدعين.
فالسّلام يعمل على زراعة الألفة بين القلوب مع المسلم وغير المسلم؛ طالما أنه لا يقاتل المسلمين ولا يفتنهم في دينهم، كما أنّ السّلام يدفع إلى الإنتاج وحبّ الأوطان والعمل على رقيها، والسّلام يأمن معه النّاس على أموالهم وأعراضهم وأفكارهم.
ودرونا جميعًا أن نعمل على شيوع السلام وإفشائه لفظًا وعملاً وتطبيقًا، ورحم الله رجلاً سمحًا في كل حال من أحول حياته، بيعًا وشراءً ومعاملة وسمتًا وسلوكًا، وحكمًا ومسئولية.




وهكذا اتضح لنا أنّ السلامَ هو الأمان النفسي والمادي؛ ولهذا أمر الله عباده المؤمنين أن يمارسوا قول السلام وفعله في الدنيا لتحقيق السلام الاجتماعي، الذي يمثل الغاية التي يسعَى إليها الإسْلام، فالسلام بمختلف معانيه يقود إلى الأمان الذي هو غاية كل إنسان.

نسألُ الله تعالى أن يؤلِّف بين القلوب، ويوحّد بين الصفوف، ويجمع كلمتنا على الحق دومًا يارب العالمين، ونسأله سبحانه أن يحفظ بلادنا وأمتنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن، وأن يرزقنا وبلادنا أمر رشد يعزّ فيه أهل طاعته، ويذل فيه أهل العصيان والفجور، ونسألُه كمالَ التوفيق وجمال السّداد في الدنيا والآخرة.

!!!
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات