قلوب العباد بين الصلاح والفساد للشيخ احمد أبو عيد


قلوب العباد بين الصلاح والفساد

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات ، خلق الأرض والسموات ، علم العثرات ، فسترها على أهلها وانزل الرحمات ، ثم غفرها لهم ومحا السيئات ، فله الحمد ملئ خزائن البركات ، وله الحمد ما تتابعت بالقلب النبضات ، وله الحمد ما تعاقبت الخطوات ، وله الحمد عدد حبات الرمال في الفلوات ، وعدد ذرات الهواء في الأرض والسماوات ، وعدد الحركات والسكنات.


واشهد أن لا  إله إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه سبحانه سبحانه، الطير سبحه والوحش مجده والموج كبره والحوت ناجاه والنمل تحت الصخور الصم قدسه والنحل يهتف حمدا في خلاياه والناس يعصونه جهرا فيسترهم والعبد ينسى وربي ليس ينساه.
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله
 قام في خدمته ، وقضى نحبه في الدعوة لعبادته ، وأقام اعوجاج الخلق بشريعته ، وعاش للتوحيد ففاز بخلته ، وصبر على دعوته فارتوى من نهر محبته.
العناصر:
أولًا: أهمية صلاح القلوب
ثانيًا: أنواع القلوب وأسباب فسادها
ثالثًا: الأمور التي تعين على صلاح القلوب
رابعًا: نماذج من أحوال السلف
الموضوع
أولًا: أهمية صلاح القلوب
1- القلب هو أساس الصلاح والفساد في الجسد
عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ سَمِعْتُهُ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « ..... أَلاَ وَإِنَّ فِى الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلاَ وَهِىَ الْقَلْبُ »([1]).
إن القلب اساس الايمان أو اساس الكفر والعياذ بالله، وبداخله تكون العقيدة فالعقيدة هي عقدة يعقدها المرء على قلبه اما عقيدة حق أو عقيدة باطل، ولن يقبل الله تعالي إلا القلب الذي يعتقد
 العقيدة الصحيحة والتي خلقنا الله لأجلها وهي عبادته وحده لا شريك الله والتبرؤ من اي آلهة باطلة أخري قال تعالي " يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ" الشعراء.
فالقلوب نوعين إما قلب صالح وإما قلب فاسد فبصلاح القلوب يصلح العمل وبفسادها يفسد العمل.
2- القلب هو موضع نظر الله للعبد
عنْ أبي هريرةَ عبدِ الرحمانِ بنِ صخرٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - : (( إنَّ الله لا ينْظُرُ إِلى أجْسَامِكُمْ ، ولا إِلى صُوَرِكمْ ، وَلَكن ينْظُرُ إلى قُلُوبِكمْ وأعمالكم ))([2])
هذا الحديث يدل على ما يدل عليه قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ" فالله سبحانه وتعالى لا ينظر إلى العباد إلى أجسامهم هل هي كبيرة أو صغيرة أو صحيحة أو سقيمة ولا ينظر إلى الصور هل هي جميلة أو ذميمة ، كل هذا ليس بشيء عند الله، وكذلك لا ينظر إلى الأنساب هل هي رفيعة أو دنيئة، ولا ينظر إلى الأموال ولا ينظر إلى شيء من هذا أبداً، ليس بين الله وبين خلقه صلة إلا بالتقوى، فمن كان لله أتقى كان من الله أقرب وكان عند الله أكرم إذن لا تفخر بمالك ولا بجمالك ولا ببدنك ولا بأولادك ولا بقصورك ولا بسيارتك ولا بشيء من هذه الدنيا أبداً، إنما إذا وفقك الله للتقوى فهذا من فضل الله عليك فاحمد الله عليه، واعلم أن الأعمال بالنيات، والقلوب هي التي عليها المدار .
كم من إنسان ظاهر عمله أنه صحيح وجيد وصالح لكن لما بني على خراب صار خراباً ، النية هي الأصل، تجد رجلين يصليان في صف واحد مقتدين بإمام واحد يكون بين صلاتيهما كما بين المشرق والمغرب، لأن القلب مختلف أحدهما قلبه غافل بل وربما يكون مرائياً في صلاته والعياذ بالله يريد بها الدنيا، الآخر قلبه يريد بصلاته وجه الله واتباع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبينهما فرق عظيم، فالعلم على ما في القلب ([3]).
فيا للهِ العجبُ، من أقوامٍ صرفوا جلَّ اهتمامِهم في تحسينِ ظواهرهم، وغفلوا عن قلوبِهم وأفئدتِهم.
3- صلاح القلب من علامات الإيمان
قال تعالى: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَاً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ} [الأنفال:2-4].

4- رقيق القلب من أهل الجنة
وعن عِياضِ بن حِمارٍ - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( أهلُ الجَنَّةِ ثَلاَثَةٌ : ذُو سُلطانٍ مُقْسِطٌ مُوَفَّقٌ ، وَرَجُلٌ رَحيمٌ رَقِيقُ القَلْبِ لكُلِّ ذي قُرْبَى ومُسْلِمٍ ، وعَفِيفٌ مُتَعَفِّفٌ ذو عِيالٍ )) ([4])
ومعنى: ذو سلطان مقسط موفق يعني صاحب سلطان والسلطان يعم السلطة العليا وما دونها مقسط أي عادل بين من ولاه الله عليهم موفق أي مهتد لما فيه التوفيق والصلاح قد هدى إلى ما فيه الخير، ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى ومسلم رجل رحيم يرحم عباد الله يرحم الفقراء يرحم العجزة يرحم الصغار يرحم كل من يستحق الرحمة رقيق القلب ليس قلبه قاسيا لكل ذي قربى ومسلم وأما للكفار فإنه غليظ عليهم هذا أيضا من أهل الجنة أن يكون الإنسان رقيق القلب يعني فيه لين وفيه شفقة على كل ذي قربى ومسلم والثالث رجل عفيف متعفف ذو عيال يعني أنه فقير ولكنه متعفف لا يسأل الناس شيئا يحسبه الجاهل غنيا من التعفف ، ذو عيال أي أنه مع فقره عند عائله فتجده صابرا محتسبا يكد على نفسه فربما يأخذ الحبل ويحتطب ويأكل منه أو يأخذ المخلب يحتش فيأكل منه المهم أنه عفيف متعفف ذو عيال ولكنه صابر على البلاء صابر على عياله فهذا من أهل الجنة نسأل الله أن يجعلنا من أحد هؤلاء الأصناف. ([5])
5- استقامة القلب سبب في استقامة الجوارح
عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا يستقيم إيمان عبد حتى يستقيم قلبه ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه ولا يدخل الجنة حتى يأمن جاره بوائقه" ([6])
والمراد باستقامة إيمانه استقامة أعمال جوارحه فإن أعمال جوارحه لا تستقيم إلا باستقامة القلب ومعني استقامة القلب أن يكون ممتلئا من محبة الله تعالى ومحبة طاعته وكراهة معصيته وقال الحسن لرجل داو قلبك فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم يعني أن مراده منهم ومطلوبه صلاح قلوبهم فلا صلاح للقلوب حتى يستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته وخشيته ومهابته ورجاؤه والتوكل عليه ويمتلئ من ذلك وهذا هو حقيقة التوحيد وهو معنى قول لا إله إلا الله فلا صلاح للقلوب حتى يكون إلهها الذي تألهه وتعرفه وتحبه وتخشاه هو إله واحد لا شريك له. ([7])

6- على ما في القلب يكون الجزاء يوم القيامة
 كما قال سبحانه: { إِنَّهُ عَلَى رَجْعِهِ لَقَادِرٌ (8) يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ (9) }الطارق.
 أي: تختبر السرائر لا الظواهر ففي الدنيا الحكم بين الناس على الظاهر فعن أم سلمة رضي الله عنها : أنَّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( إنَّمَا أنا بَشَرٌ ، وَإنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكُونَ ألْحَنَ بِحُجّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، فأَقْضِيَ لَهُ بِنَحْوِ مَا أسْمعُ ، فَمَنْ قَضَيتُ لَهُ بِحَقِّ أخِيهِ فَإِنَّما أقطَعُ لَهُ قِطعةً مِنَ النَّارِ )) ([8]) ،و(( ألْحَن )) أي : أعلم . لكن في الآخرة العلم على ما في السرائر نسأل الله أن يطهر سرائرنا وإياكم .
فإذا كانت السريرة جيدة صحيحة فأبشر بالخير وإن كانت الأخرى فقدت الخير كله وقال الله عز وجل: { أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ (9) وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ (10) إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ (11) }العاديات.  فالعلم على ما في القلب .
7- القلب السليم هو الذي ينفع صاحبه يوم القيامة
قال تعالى: ﴿يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ﴾ الشعراء. أي: أتى اللهَ بقلبٍ سليمٍ من كلِّ شهوةٍ تخالفُ أمرَ اللهِ ونهيَه، ومن كلِّ شُبهةٍ تعارضُ خبرَه ونبأَه.
8- هل جزاء الاحسان الا الاحسان
قال بعض السلف: من صفى - أي صفى قلبه من الشوائب- صفي له، ومن كدر كُدر عليه، ومن أحسن في نهاره كوفي في ليله، ومن أحسن في ليله كوفي في نهاره، ومن صدق في ترك الشهوة ذهب الله بها من قلبه، ولله أكرم من أن يعذب قلباً بشهوة تركت له.
وصاحب القلب السليم، صاحب البصيرة الصحيحة، يكون طيباً بحيث يشم أهل الخير منه رائحة روحه على بدنه وثيابه، وإن لم يضع طيباً، والفاجر يشم صاحب البصيرة السليمة رائحة فجوره على بدنه وثيابه تنبعث منه، وإن وضع أطيب أطياب الأرض، والمزكوم لا يشم لا هذا ولا هذا، بل إن زكامه يحمله على الإنكار، فقد يقشعر وينفر من بعض أهل الخير، لا يحسن التمييز بين صاحب القلب الطيب، وصاحب القلب الخبيث.
9- كثرة تقلب القلوب
عن المقداد بن الأسود رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول :"لقلب
ابن آدم أشد انقلابا من القدر إذا اجتمع غليانا" ([9])
10- الأعمالُ تتفاضلُ بتفاضلِ ما في القلوب
فقد تكون صورة العملين واحدة كالصلاة مثلًا وبينهما في التفاضل كما بين السماء والأرض والسبب أن الأول مقبلٌ بقلبه على ربه والقلب الثاني سارحٌ في هذه الدنيا بعيدًا غافلًا عن الله تعالى؛ فعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ كَانَتْ عَلَيْنَا رِعَايَةُ الإِبِلِ فَجَاءَتْ نَوْبَتِى فَرَوَّحْتُهَا بِعَشِىٍّ فَأَدْرَكْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَائِمًا يُحَدِّثُ النَّاسَ فَأَدْرَكْتُ مِنْ قَوْلِهِ « مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَتَوَضَّأُ فَيُحْسِنُ وُضُوءَهُ ثُمَّ يَقُومُ فَيُصَلِّى رَكْعَتَيْنِ مُقْبِلٌ عَلَيْهِمَا بِقَلْبِهِ وَوَجْهِهِ إِلاَّ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ » ([10])
 إذًا العبرة بأعمال القلوب لا بأعمال الجوارح؛ يقول الله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2] وهنا قال الله: أحسن عملًا ولم يقل أكثر عملًا، ولهذا كان الصالحون من هذه الأمة لا يهتمون بكثرة العمل.
وعلى هذا الأصل فإن "عبودية القلب أعظم من عبودية الجوارح".
11- القلبُ هدفٌ للشيطان
لمّا علم الشيطان – عدو الله – أن مدار النجاة على القلب أجلب عليه بالوسواس والشهوات والشبهات وزيّن له الباطل ونصب له المصايد والحبائل حتى يُفسد هذا القلب ويجعله بعيدًا عن ربه ومولاه غارقًا في بحر الفتن.
12- أمراض القلب خفيّة وإهمالها يؤدي إلى الهلاك
مثل الرياء والعجب والكبر والشهرة وغيرها، وهذه امراض خفية قد لا يعرفها صاحب هذا القلب وهذا قد يؤدي به إلى الهلاك والعياذ بالله تعالى، وهؤلاء اهتموا بالأعمال الظاهرة، وأهملوا أعمال القلوب ولم يراقبوا الله في خلواتهم؛ فعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ الْجَنَّةِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ عَمَلَ أَهْلِ النَّارِ، فِيمَا يَبْدُو لِلنَّاسِ، وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ) ([11])
وخاتمة السوء تكون بسبب دسيسة باطنة للعبد لا يطّلع عليها الناس.
يقول الحسن البصري - رحمه الله -: (النفاق اختلاف السر والعلانية والقول والعمل) ويقول بلال بن سعد (لا تكن وليًّا لله - عز وجل - في العلانية وعدوًّا له في السر).
13- بعض المواطن التي يمتحن الانسان فيها قلبه
أ- العبادة وكيفية المحافظة عليها، وأداؤها بالشكل المطلوب، وعدم التهاون فيها.
ب- العلم والحرص على التعلم، وخاصة ما لا يسع المسلمَ جهلُه في مختلف العلوم والفنون الإسلامية الضرورية.
ج- الدعوة والعمل والتطبيق لما تعلم، وتبليغه للناس؛ ((بلِّغوا عني ولو آية)).
د- الخلاف والجدل، والالتزام بآداب الخلاف والمناظرة والجدال، والبحث عن الفائدة والحق، بعيدًا عن التعصب، والجدلِ العقيم الذي لا فائدة منه.
ذ- الشهوات؛ وذلك بالابتعاد عنها والفرار منها؛ لأنها تُميت القلوبَ، وتسحبها إلى المعصية والرذيلة، وتقودُ القلب إلى الموت.
ز- الشبهات والفتن؛ وذلك أيضًا بالفرار منها، والتحذير منها، وكشف ملابساتها، والسؤال والبحث عن الجواب لأبسط شبهة أو سؤال يطرأ.
س- الرياسة والمناصب، وكل ذلك مما يمتحن به القلب، وصاحبه عندما يعطى منصبًا أو رئاسة كيف يعمل بها وكيف يتحمل الأمانة.
ش- النسب والحسب والجاه؛ فالكل يفتخر ويتعالى على الآخرين بحسَبِه ونسبه وماله؛ فهو محل امتحان، كيف يصنَع القلبُ ويتعامل.

ثانيًا: أنواع القلوب وأسباب فسادها
أ- أنواع القلوب
     قال الغزالي: "القلوب في الثَّبات على الخير والشر والتردُّد بينهما ثلاثة:
1-قلْب عُمِر بالتقوى، وزكَا بالرِّياضة، وطهُر مِن خبائث الأخلاق.
2- القلْب المخذول، المشحون بالهَوى، المدنَّس بالأخلاق المذمومة والخبائث، المفتوح فيه أبوابُ الشياطين، المسدود عنه أبوابُ الملائكة.
3- قلْب تبْدو فيه خواطرُ الهوى، فتدعوه إلى الشرِّ، فيلحقه خاطر الإيمان فيَدْعوه إلى الخير، فتنبعث النفْس بشهوتها إلى نُصرة خاطِر الشر، فتقَوى الشهوة وتحسن التمتُّع والتنعُّم، فينبعث العقلُ إلى خاطر الخير، ويدفَع في وجه الشهوة ويُقبِّح فِعلها، وينسبها إلى الجهْل، ويشبهها
 بالبهيمة والسَّبُع في تهجُّمها على الشرِّ وقِلَّة اكتراثها بالعواقِب، فتميل النفْس إلى نُصح العقل"([12]).
       وقال ابن القيم: والقلوب ثلاثة:
1- قلب خالٍ من الإيمان وجميع الخير، فذلك قلبٌ مظلم قد استراح الشيطانُ مِن إلْقاء الوساوس إليه؛ لأنه قد اتَّخذ بيتًا ووطنًا وتحكَّم فيه بما يُريد، وتمكَّن منه غايةَ التمكُّن.
 2- قلب قدِ استنار بنور الإيمان وأوقد فيه مصباحه، لكن عليه ظُلمة الشهوات وعواصِف الأهوية، فللشيطان هنالك إقبالٌ وإدبار، ومجالاتٌ ومطامع، فالحرْب دُول وسِجال.
 وتختلف أحوالُ هذا الصِّنف بالقلَّة والكثرة، فمِنهم مَن أوقات غلبته لعدوِّه أكثر، ومِنهم مَن أوقات غلبَة عدوِّه له أكثر. ومنهم مَن هو تارَةً وتارة.
3- قلب محشو بالإيمان قدِ استنار بنور الإيمان، وانقشعتْ عنه حجب الشهوات، وأقلعتْ عنه تلك الظلمات، فلنوره في صدرِه إشراق؛ ولذلك الإشراق إيقاد لو دنَا منه الوسواس احترَق به، فهو كالسَّماء التي حُرِستْ بالنجوم، فلو دنا منها الشيطانُ يتخطَّاها رُجِم فاحترق"([13])
 ب- أسباب فساد القلوب:
1- البعد عن الحق بعد معرفته
قال تعالى : { فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ (5) } ( الصف ) .
2ـ أكل الحرام
ذكر النبي صلى الله عليه وسلم [الرَّجُلَ يُطِيلُ السَّفَرَ أشْعثَ أغْبَرَ يَمُدُّ يَدَيْهِ إلَى السَّمَاءِ : يَا رَبِّ يَا رَبِّ ، وَمَطْعَمُهُ حَرَامٌ، وَمَشْرَبُهُ حَرَامٌ، ومَلبسُهُ حرامٌ ، وَغُذِّيَ بالْحَرَامِ ، فَأَنَّى يُسْتَجَابُ لِذَلِكَ ؟ ([14])
3ـ فعل المعاصي
فإن المعاصي تؤثر في القلوب ، قال تعالى :{ كَلا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ } ( المطففين ) .
4ـ استماع المحرم من الكلام مثل الغناء وغيره
فالغناء صوت الشيطان ، قال تعالى { وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ ...(64) } ( الإسراء ) .
5ـ النظر المحرم ، ومشاهدة الصور والأفلام الخليعة
 والجلوس أمام الشاشات بالساعات الطويلة ، لمشاهدة أفلام الرذيلة والله عزو جل يقول : { قُلْ
لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } ( النور) .
6ـ أصدقاء السوء  
قال تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ (67) } (الزخرف ) .
7- الانجراف في تيار الحياة الغادرة
عن أَبي هريرة - رضي الله عنه - ، قَالَ : سَمِعْتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، يقول : (( أَلاَ إنَّ الدُّنْيَا مَلْعُونَةٌ ، مَلْعُونٌ مَا فِيهَا ، إِلاَّ ذِكْرَ اللهِ تَعَالَى ، وَمَا وَالاهُ ، وَعالِماً وَمُتَعَلِّماً ))([15]).
وعن سهلِ بن سعد الساعدي - رضي الله عنه - ، قَالَ : قَالَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : (( لَوْ كَانَت الدُّنْيَا تَعْدِلُ عِنْدَ الله جَنَاحَ بَعُوضَةٍ ، مَا سَقَى كَافِراً مِنْهَا شَرْبَةَ مَاءٍ )) ([16])
8- حب الدنيا وكراهية الموت
عن ثوبان قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها " . فقال قائل : ومن قلة نحن يومئذ ؟ قال : " بل أنتم يومئذ كثير ولكن غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن " . قال قائل : يا رسول الله وما الوهن ؟ قال : " حب الدنيا وكراهية الموت "([17]) .
فلما أصيبت القلوب بحب الدنيا وكراهية الموت قلت مهابتها في قلوب أعدائها فلم يعد لكثرة عددهم قيمة ولا فائدة.
9- الجهل: فهو يقود إلى الأمراض القلبية والفكرية، ويهوي بصاحبه وهو لا يعلم.
10- الفتن: وهي تدكُّ القلوب، وتُعرَض عليها، فمن نجَا منها فقد فاز.
11- الشبهات.
12- الغفلة عن ذكر الله.
13- الهوى.
13- الغِيبةُ والنميمة.
14- الانشغال بالدنيا وجعلها جلَّ همِّه وقصده.

ثالثًا: الأمور التي تعين على صلاح القلوب
1-الخلوة المشروعة
فلا بد للعبد أن يكون له مجالس يخلو فيها بذكر ربه، وتعداد ذنوبه ومحاسبة نفسه، وإصلاح قلبه، وطلب المغفرة من ربه.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: لا بد للعبد من أوقات ينفرد بها بنفسه في دعائه وذكره وصلاته، وتفكره ومحاسبته.
وقال طاووس رحمه الله: نعم صومعة الرجل بيته، يكف فيها بصره ولسانه.
فإذا أراد الإنسان تحقيق علم أو عمل فيتخلى في بعض الأماكن مع محافظته على الجمعة والجماعة فهذا حق كما ذكر شيخ الإسلام رحمه الله، ومن أجل قضية الخلوة بالله، وأهمية الخلوة بالله شرع الاعتكاف؛ لقطع النفس عن العلائق والانشغالات الدنيوية حتى يصحو القلب ويتهذب، لكنها ليست خلوة صوفية في كهف من الكهوف، أو برية من البراري، ينقطع الإنسان بها عن المجتمع وعن المسجد، وعن الجمعة والجماعة، وعن تعليم الناس، وإنكار المنكر، كلا، بل هي خلوة وقتية، يخلو في بيته، يخلو في بيت الله معتكفاً، ونحو ذلك، يحاسب نفسه. لا بد من خلوة، (وَرَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ خَالِيًا فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) ([18])، فهو من السبعة الذين يظلهم الله تعالى في ظله يوم لا ظل إلا ظله.
وجرب يا عبد الله مسألة الخلوة هذه، في مكتب أغلق عليك، أو في حجرة في بيتك أغلق عليك، اعبد ربك، واذكر ذنبك، وحاسب نفسك، واستغفر الله تعالى ستجد لها أثراً ولا بد.
2- مراقبة الله
قال تعالى: "وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ" التغابن.
سئل بعض السلف بم يستعان على غض البصر؟ -وما أحوجنا إليه في هذا الزمان، ما أكثر النساء المتبرجات، ما أكثرهن، ما أكثر العيون المكحلة، ما أكثر هذا النقاب الفاضح والشفاف من اللباس والقصير والضيق والصور المتحركة الحقيقية في الشوارع والمطبوعة على الأغلفة، ما أكثرها-.
فقال: بعلمك أن نظر الله إليك أسبق من نظرك إلى المنظور، فإذا علمت أن نظر الله إليك أسرع وأسبق من نظرك إلى المرأة ربما استحيت وأطرقت ، وغضضت من بصرك، أن تعلم أن نظر الله إليك أسرع من نظرك إلى المرأة.
وإذا خلوت بريبة في ظلمة *** والنفس داعية إلى الطغيان
فاستح من نظر الإله وقل لها *** إن الذي خلق الظلام يراني
إن الاستحياء من الله عز وجل إذا ذكره العبد دافع لترك المعصية، إنه يصلح القلب، وأن يتذكر العبد المساءلة بين يدي الله عز وجل، هذه الوظائف، وهذه الشهادات، وهذه الجامعات، وهذه القصور، هذه البيوت، هذا النعيم إنما هو زائل ونغادر، والنبي عليه الصلاة والسلام شبهه برجل استظل في ظل شجرة ثم راح وتركها، هو ظل زائل، وفي الجنة ظل ممدود لا يزول ولا ينحسر.
3- السلامة من الشرك صغيره وكبيره
قال ابن القيم رحمه الله: ولا صلاح له – أي للقلب – إلا بتوجيه محبته وعبادته وخوفه ورجائه.
4- السلامة من البدعة ومخالفة السنة
فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار فإذا امتلأ القلب بالبدع أظلم وإذا أظلم مرض ولم يصح.
5- السلامة من الشبهات التي تزيغها وتحملها على اتباع الهوى والتكذيب بالحق.
6- السلامة من الشهوات التي تمرضها وتفسدها.
عن حُذَيْفَةُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « تُعْرَضُ الْفِتَنُ عَلَى الْقُلُوبِ كَالْحَصِيرِ عُودًا عُودًا فَأَىُّ قَلْبٍ أُشْرِبَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ وَأَىُّ قَلْبٍ أَنْكَرَهَا نُكِتَ فِيهِ نُكْتَةٌ بَيْضَاءُ حَتَّى تَصِيرَ عَلَى قَلْبَيْنِ عَلَى أَبْيَضَ مِثْلِ الصَّفَا فَلاَ تَضُرُّهُ فِتْنَةٌ مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَالآخَرُ أَسْوَدُ مُرْبَادًّا كَالْكُوزِ مُجَخِّيًا لاَ يَعْرِفُ مَعْرُوفًا وَلاَ يُنْكِرُ مُنْكَرًا إِلاَّ مَا أُشْرِبَ مِنْ هَوَاهُ »([19]).
فقلب لا يعرف معروفًا ولا يُنكر منكرًا وربما اشتبه عليه المعروف بالمنكر والمنكر بالمعروف وأصبحت السنة بدعة والبدعة سنة والحق باطلًا والباطل حقًّا وهذا هو قلب المنافق وهو أشر قلوب الخلق فقد حكم هواه وانقياده للهوى.
وقلبٌ عرف الحق وقبله وأحبه وآثره على غيره، قلبٌ قد أشرق فيه نور الإيمان ينكر فتن الشهوات والشبهات ولا يقبلها البتة.
فبين هذا الحديث أثر الذنوب على القلب وأنه يطمسها ويختم عليها كما قال ابن المبارك رحمه الله.
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
7- التوبة الي الله من كل الذنوب التي يفعلها العبد
فأكثروا أيها المؤمنون من التوبة والاستغفار فإن التوبة تجلو القلب وتزيل عنه أوضار المعاصي والسيئات فعَنِ الأَغَرِّ الْمُزَنِىِّ - وَكَانَتْ لَهُ صُحْبَةٌ - أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « إِنَّهُ لَيُغَانُ عَلَى قَلْبِى وَإِنِّى لأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ فِى الْيَوْمِ مِائَةَ مَرَّةٍ » ([20]) ومعنى يغان : يغطى.
قال ابن القيم رحمه الله: (فإذا عزمت التوبة وصحت ونشأت من صميم القلب أحرقت ما مرت عليه من السيئات حتى كأنها لم تكن فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له).
8- الدعاء والتضرع الي الله ان يصرف قلوبنا الي طاعته وان يثبت قلوبنا على دينه
قال تعالى: { رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (8)} آل عمران
وعَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ يَقُولُ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ « إِنَّ قُلُوبَ بَنِى آدَمَ كُلَّهَا بَيْنَ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيْثُ يَشَاءُ ». ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ الْقُلُوبِ صَرِّفْ قُلُوبَنَا عَلَى طَاعَتِكَ » ([21]).
وعن أنس قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول : " يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك " فقلت : يا نبي الله آمنا بك وبما جئت به فهل تخاف علينا ؟ قال : " نعم إن القلوب بين أصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء " ([22]). فأكثروا من سؤال الله التثبيت وإصلاح القلوب.
9- ذكر الله تعالى
قال تعالى: (الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (28) ﴾ الرعد.
عن أَبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - ، عن النبيّ - صلى الله عليه وسلم - ، قَالَ : (( مَثَلُ الَّذِي يَذْكُرُ رَبَّهُ وَالَّذِي لا يَذْكُرُهُ مَثَلُ الحَيِّ وَالمَيِّتِ )) ([23]).
10- الأخذُ بالقرآنِ العظيمِ، تلاوةً وحفظاً وتدبراً وتعلُّماً
فإن الله -سبحانه وتعالى -أنزلَه شفاءً لما في الصدورِ وهدى، ورحمةً للمؤمنين، قال الله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ يونس.
فالقرآنُ أبلغُ موعظةٍ لمن كانَ له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيدٌ، وهو أنفعُ الأدوية شفاء لما في الصدورِ من أمراضِ الشبهاتِ والشهواتِ، قال ابن القيم رحمه الله: "جماعُ أمراضِ القلوبِ هي أمراضُ الشبهاتِ والشهواتِ، والقرآنُ شفاءٌ للنوعين.
فأقبلوا على كتابِ الله يا عبادَ اللهِ، فإنه لا صلاحَ لكم، ولا سعادةَ إلا بالتمسُّكِ به، فاعتصموا به ومن يعتصمْ باللهِ فقد هُدي إلى صراطٍ مستقيمٍ
11- الحرص على البعد عن أسباب فسادها وخرابها
قال تعالى:﴿وَإِذَا سأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ﴾ الأحزاب.
ومعنى:{ من وراء حجاب } : أي ستر كباب ورداء ونحوه ، { أطهر لقلوبكم وقلوبهن } : أي من الخواطر الفاسدة ([24]).
قال الشيخ عبدُ الرحمنِ السِّعدي رحمه الله: "وكلما بعد الإنسانُ عن الأسبابِ الداعيةِ إلى الشرِّ فإنه أسلمُ له وأطهرُ لقلبه"([25])
12- تعظيم الله تعالى الذي ينشأ عنه تعظيم أمره ونهيه
قال الله تعالى: ﴿ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ الحج.
وشعائر الله هي أوامره ونواهيه فعظموا الله سبحانه وتعالى يصلح لكم قلوبكم ويغفر لكم ذنوبكم.
13- حب الله تعالي وحب نبيه r وحب اولياء الله وحب الجنة وكراهية الكفر
عَنْ أَنَسٍ عَنِ النَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « ثَلاَثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلاَوَةَ الإِيمَانِ مَنْ كَانَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لاَ يُحِبُّهُ إِلاَّ لِلَّهِ وَأَنْ يَكْرَهَ أَنْ يَعُودَ فِى الْكُفْرِ بَعْدَ أَنْ أَنْقَذَهُ اللَّهُ مِنْهُ كَمَا يَكْرَهُ أَنْ يُقْذَفَ فِى النَّارِ »([26]).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: ( فالمحبة أعظم واجبات الدين وأكثر أصوله وأجل قواعده بل هي أصل كل عمل من أعمال الإيمان والدين ).
فحب العبد الي الله يجعله يتقرب الي الله عز وجل بقلبه وجوارحه حتى يحصل على القلب السليم فيحبه الله عز وجل فيعينه على فعل الطاعات كما في الحديث القدسي: ((وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حَتَّى أحِبَّهُ ، فَإذَا أَحبَبتُهُ كُنْتُ سَمعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ ، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بِهَا ، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشي بِهَا ، وَإنْ سَأَلَني أعْطَيْتُهُ ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لأُعِيذَنَّهُ )) ([27])
( كنت سمعه . . ) أحفظه كما يحفظ العبد جوارحه من التلف والهلاك وأوفقه لما فيه خيره وصلاحه وأعينه في المواقف وأنصره في الشدائد . ( استعاذني ) استجار بي مما يخاف.

رابعًا: نماذج من أحوال السلف
لما وصف عمر رضي الله عنه أبا بكر الصديق قال: اللهم علمي به أن سريرته خير من علانيته، وأنه ليس فينا مثله. سريرته خير من علانيته، هذه إذن المنزلة العالية.
طلحة رضي الله عنه رأى عمر في سواد الليل يخرج، يدخل بيتاً ويخرج منه، فلما أصبح طلحة ذهب إلى ذلك البيت لينظر إلى أين دخل عمر بالليل، وماذا كان يفعل؟ فإذا بعجوز عمياء مقعدة، فقال لها: ما بال هذا الرجل الذي يأتيك بالليل؟ قالت: إنه يتعاهدني منذ كذا وكذا. يأتيني بما يصلحني ويخرج عني الأذى، قال طلحة: ثكلتك أمك يا طلحة، أعثرات عمر تتبع.
ولما وصف أحمد بن حنبل رحمه الله عبد الله بن المبارك قال: ما رفعه الله إلا بخبيئة كانت له، كان يخفي أعماله الصالحة، فرفع الله قدره، وكانوا في جميع الميادين من الحريصين على إخفاء الأعمال.
قال عبدة بن سليمان المروزي: كنا في سرية مع عبد الله بن المبارك في بلاد الروم، فصادفنا العدو، فلما التقى الصفان خرج رجل من العدو ودعا إلى المبارزة، فخرج إليه رجل من المسلمين قد تلثم فلا يعرف، فطارده ساعة فطعنه فقتله، ثم خرج من الكفار رجل آخر ودعا إلى المبارزة، فخرج له نفس الرجل من المسلمين، فطارده ساعة فطعنه فقتله، فازدحم المسلمون على ذلك الرجل يريدون معرفة شخصيته، وكنت فيمن ازدحم عليه، فإذا هو ملثم وجهه بكمه، فأخذت بطرف كمه، فمددته فإذا هو عبد الله بن المبارك، فقال ابن المبارك لهذا الذي كشف وجهه: وأنت يا أبا عمرو ممن يشنع علينا، قالها تواضعاً لله تعالى.
عن أبي حمزة الثمالي: أن علي بن الحسين كان يحمل الخبز بالليل على ظهره يتبع به المساكين في الظلمة، ويقول: إن الصدقة في الليل تطفئ غضب الرب.
فكان ناس في المدينة يعيشون لا يدرون من أين كان معاشهم، يأتون إلى بيوتهم يجدون عندها الطعام، يخرج أحدهم من الباب يجد عنده صدقة، لا يدرون من وضعها، فلما مات علي بن الحسين رحمه الله فقدوا ذلك، ولم يعودوا يجدون الطعام الذي كانوا يجدونه عند أبواب بيوتهم، فعلموا من الذي كان يأتيهم بالليل.
وعن عمرو بن ثابت قال: لما مات علي بن الحسين وجدوا بظهره أثراً مما كان ينقل من الجرب بالليل إلى منازل الأرامل، فمن ثقلها على ظهره أثرت فيه، فصارت أثراً مستمراً، وجدوه في بدنه عند تغسيله رحمه الله تعالى، وأما الصلاة والدعاء فحدث عنهم ولا حرج في أخبارهم رحمهم الله تعالى.
قال سلام بن أبي مطيع: كان أيوب يقوم الليل يخفي ذلك، فإذا كان قبيل الصبح رفع صوته كأنه قام في تلك الساعة، لم يكن يشعرهم أنه كان قد قام قبلها بوقت طويل.
وكان منصور بن المعتمر إذا صلى الغداة - أي الصبح- أظهر النشاط لأصحابه، فيحدثهم ويكثر إليهم، ولعله إنما بات قائماً على أطرافه ليخفي عنهم العمل.
وكان مسروق رحمه الله يرخي الستر بينه وبين أهله ثم يقبل على صلاته، ويخليهم ودنياهم، وكان حسان بن أبي سنان، يفتح باب حانوته، يفتح باب الحانوت فيضع الدوات ويفرش الحساب، ويرخي ستره داخل الدكان ثم يصلي، فإذا أحس بإنسان قد جاء، -زبون قادم-، يقبل على الحساب يريه أنه كان يحسب ميزانية المحل، وما دخل وما خرج، رحمه الله تعالى.
وعن الأعمش قال: كنت عند إبراهيم النخعي وهو يقرأ في المصحف واستأذن عليه رجل فغطى
 المصحف وقال: لا يرى هذا أنني أقرأ فيه كل ساعة.
كان عمل الربيع كله سراً، إن كان ليجيء الرجل وقد نشر المصحف، فتحه ليقرأه، فيغطيه بثوبه.
وكان بعض السلف إذا حضرته الرقة في المجلس وأكثر فيه الوعظ وأوشك على البكاء لف المنديل على أنفه وامتخط، وقال: ما أشد الزكام.
قال محمد بن واسع رحمه الله: لقد أدركت رجالاً، كان الرجل يكون رأسه مع رأس امرأته على وسادة واحدة، قد بل ما تحت خده من الدموع وزوجته لا تشعر به، ولقد أدركت رجالاً يقوم أحدهم في الصف فتسيل دموعه على خده ولا يشعر به الذي بجانبه.
وكان محمد بن سيرين رحمه الله يسمع بكاؤه بالليل وضحكه بالنهار، وكانت البيوت متجاورة متلاصقة.
قال الإمام البصري رحمه الله: كان الرجل يتعبد عشرين سنة لا يشعر به جاره، وأحدهم يصلي ليلة أو بعض ليلة، فيصبح وقد استطال على جاره.
هذا الفرق، بعض الناس يقولون: تصدقنا وأنفقنا، واعتمرنا وحججنا، وفعلنا وفعلنا، لمرة واحدة، والصالحون يفعلونه سنين ولا يحدثون به. بل لا يدري عنه ولكن الله يكشفه. ويرفع قدر صاحبه، ولذلك بلغ السلف والصالحون ما بلغوا، وإن كانت أعمالهم مستورة، لكن الله يحببهم إلى العباد، ويغرس في قلوب العباد محبتهم، هذا من نتيجة طاعة الله تعالى.
أقام عمرو بن قيس رحمه الله عشرين سنة يصوم، ويكثر الصيام، لا يعلم به أهله، يأخذ إفطاره في الصباح وهو ذاهب إلى دكانه، يغدو إلى الحانوت فيتصدق بغدائه على المساكين، ويصوم وأهله لا يدرون ويرجع إليهم قبيل المغرب حيث كان ينتهي وقت العمل في ذلك المجتمع، ثم يأكل بعد ذلك كأنه يتغدى غداءه العادي.
قال سفيان بن عيينة رحمه الله: إذا وافقت السريرة العلانية فذلك العدل، وإذا كانت السريرة أفضل من العلانية، فذلك الفضل، وإذا كانت العلانية أفضل من السريرة فذلك الجور، وهذا الظلم.
هكذا كانوا رحمهم الله تعالى، هكذا كانوا في إخفائهم لأعمالهم، فإذا أردت يا عباد الله أن يصلح قلبك فاعمل وأخفي العمل، فإن في ذلك إصلاحاً عظيماً للقلب.
فاللهم يا مثبت القلوب والأبصار ثبت قلوبنا على دينك وطاعتك في كل وقت وحين اللهم آمين.
وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
إعداد: الشيخ احمد أبو عيد
01098095854





([1]) صحيح البخاري 
([2]) صحيح مسلم
([3]) شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
([4]) صحيح مسلم
([5]) شرح رياض الصالحين لابن عثيمين
([6]) صحيح الترغيب والترهيب
([7]) جامع العلوم والحكم
([8]) متفق عليه
([9]) السلسلة الصحيحة
([10]) صحيح مسلم
([11]) صحيح البخاري
([12])إحياء علوم الدين" (3/ 45، 46)
([13]) الكلم الطيب ص24
([14]) صحيح مسلم
([15]) صحيح سنن الترمذي
([16]) صحيح سنن الترمذي
([17]) صحيح سنن أبي داوود
([18]) متفق عليه
([19]) صحيح مسلم
([20]) صحيح مسلم
([21]) صحيح مسلم
([22]) صحيح سنن ابن ماجة
([23]) صحيح البخاري
([24]) أيسر التفاسير
([25]) تفسير السعدي.
([26]) صحيح مسلم
([27]) صحيح البخاري
************


لتحميل الخطبة #pdf برجاء الدخول إلى الرابط التالي
أو
أو


ولتحميل الخطبة #word برجاء الدخول إلى الرابط التالي
أو
أو
                                    
لـــ word 2003
أو
أو

ولتحميل الخطبة وخطب أخرى متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولقراءة الخطبة مرتبة ومنسقة وجميع الخطب السابقة واللاحقة بإذن الله برجاء الدخول إلى الرابط التالي

ولمشاهدة الخطبة وخطب أخرى على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي
   
التعليقات
0 التعليقات