الجود والكرم في الإسلام للشيخ احمد أبو عيد



الحمد لله الكريم المجيب لكل سائل، التائب على من تاب فليس بينه وبين العباد حائل،
جعل ما على الأرض زينة لها، وكل نعيم فيها لا محالة زائل، حذر الناس من الشيطان، وللشيطان منافذ وحبائل، فمَن أسلم وجهه لله فذلك الكيس العاقل، ومن استسلم لهواه فذاك الضال والغافل.
وأشهد أن لا إله إلا الله المنزه عن الشريك والشبيه والمُشاكل، من للعباد غيره ومن يدبر الأمر ويعدل المائل؟من يشفي المريض ومن يرعى الجنين في بطون الحوامل؟
من يَكلأ الناس وهم نيام؟ وهل لحمايته بدائل؟من يرزق العصاة ولولا حِلمه لأكلوا من المزابل، من ينصر المظلوم ولولا عدله لاستوى القتيل والقاتل، من يُظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاةُ للباطل، من يجيب المضطر إذا دعاه ومن لا تستعصى على قدرته المسائل، من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل، من كسانا؟ من أطعمنا وسقانا؟ ومن هيأ لنا المخارج والمداخل، من كفانا؟ من هدانا؟ ومن خلق لنا الأبناء والحلائل، من سخر لنا جوارحنا؟ ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل، من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل، هو الله الإله الحق، وكل ما خلا الله باطل.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبد الله، ولرسالة الحق حامل، العربي القرشي الأمي الذي لم تنجب مثله القبائل، سل البلد الحرام متى أينعت الزهور وغردت البلابل،، سل اليتامى من كفلهم واسأل عن حنانه الأرامل، سل الحجر الأسود من وضعه في مكانه ومن كان للأمور الجلائل، سل الحكماء إذا تكلم هو فهل هناك مقالة لقائل، سل الأصحاب عن دفاعه عن الحق وكيف كان يناضل، سل راية التوحيد من رفعها فهدمت للشرك المعاقل، سل العدل كيف تحقق فسارت بأمانه الظعائن والقوافل، سل الدنيا هل زانها قبله أو بعده مماثل، لولاه لانعدَمَ الهدى وما كان في الناس عالم أو فاضل ،اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه، وقِنا بحبه شر النوازل، وارزقنا شفاعته عند الخطوب وفي كل المنازل.

العناصر
أولاً: مفهوم الجود والكرم
ثانيًا : أهمية الجود والكرم وفوائدهما
ثالثاً: بعض من وصفوا بالجود والكرم
رابعًا: مجالات الجود والكرم
الموضوع
أولاً: مفهوم الجود والكرم
الجود: صفة تحمل صاحبَها على بذل ما يَنبغي من الخير لغير عِوَض ولا غرض.
والكرم: إنفاق المال الكثير بسهولة من النَّفس في الأمور الجليلة القدر، الكثيرةِ النَّفع.
وقيل هو : إنفاق المال الكثير بسهوله من النفس في الأمور الجليلة القدر والكثيرة النفع
وقيل هو التبرع بالمعروف قبل السؤال والإطعام في المحل والترفق بالسائل مع بذل النائل
وقال ابن القيم رحمه الله تعالى عليه (الله تعالى جميل يحب كل جميل طيب يحب كل طيب نظيف يحب النظافة عليم يحب العلماء كريم يحب الكرماء سبحانه وتعالى جل شأنه )
والفرق بين الكرم والجود:
قال الكفويّ: الكرم يكون مسبوقا باستحقاق السّائل والسّؤال منه.
والجود: صفة ذاتيّة للجواد ولا يستحقّ بالاستحقاق والسّؤال، والجواد يطلق على الله تعالى

ثانيًا: أهمية الجود والكرم وفوائدهما
إخوتي الكرام، عليكم بالجود والكرم؛ فإنَّ فوائده عظيمة، ونتائجه جليلة ومنها :
1- أمر به الله ورسوله الله صلى الله عليه وسلم
عن المنذر بن جرير عن أبيه قال: كنَّا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدر النَّهار، قال: فجاءه قوم حفاة عراة مجتابي النِّمار أو العَباء، متقلِّدي السيوف، عامَّتُهم من مُضَر، بل كلُّهم من مُضَر، فتمَعَّر وجهُ رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لِما رأى بهم من الفاقَة، فدخل ثمَّ خرج فأمر بلالاً فأذَّن وأقام، فصلَّى ثمَّ خطب، فقال: ((﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ ﴾ إلى آخر الآية: ﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، والآية التي في الحشر: ﴿ اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ ﴾ [الحشر: 18]، تصدَّق رجلٌ من ديناره، من درهمه، من ثوبه، من صاع بُرِّه؛ من صاع تَمره، حتى قال: ولو بشِقِّ تمرة))، قال فجاء رجل من الأنصار بصُرَّة كادَت كفُّه تَعجِز عنها، بل قد عجزَت، قال: ثمَّ تتابَع النَّاس، حتى رأيتُ كومين من طعامٍ وثياب، حتى رأيتُ وجهَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يتهلَّل كأنَّه مُذْهَبَةٌ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من سَنَّ في الإسلام سنَّةً حسنة، فله أجرها وأجر من عَمِل بها بعده، من غير أن يَنقص من أجورهم شيء، ومن سَنَّ في الإسلام سنَّةً سيئة، كان عليه وِزرُها ووِزر من عَمل بها من بعده، من غير أن يَنقص من أوزارهم
 شيء))([1]) .
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: بينما نحن في سَفر مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ جاء رجلٌ على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصرَه يمينًا وشمالاً، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من كان معه فَضل ظَهر، فليَعُدْ به على مَن لا ظَهر له، ومن كان له فَضلٌ من زاد، فليَعُد به على مَن لا زاد له))، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر، حتى رأينا أنَّه لا حقَّ لأحدٍ منَّا في فضل([2]) .
كرمٌ وبذلٌ واسعٌ وعطيَّةٌ             لا أين أذهب أنتم أعين الكَرَم
مَن كان بين فضيلة وكرامة         لا ريب يفقؤ أعين العدم

2- مضاعفة الأجر والثواب:
قال تعالى: ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 261]
فعلى المسلِم أن يَنظر إلى المحتاجين الذين يقصدونه كما يَنظر إلى أسباب التجارة الرابحة، وليَعلَم أنَّ بذلَ اليوم وإن كان قليلاً فهو عند الله يوم القيامة أضعاف مضاعفة، لا يردُّه لصاحبه مِثلاً أو مِثليْن، بل يردُّه أضعافًا مضاعَفة، قال سبحانه: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [البقرة: 245]، وقال عزَّ وجل: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [سبأ: 39].

3- الأمن من الخوف والحزنِ يوم القيامة:
قال تعالى: ﴿ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 274].
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: "سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول : ( كل امرئ في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس ) أو يقول : ( حتى يحكم بين الناس )  قال يزيد : فكان أبو الخير لا يخطئه يوم لا يتصدق فيه بشيء ولو كعكة ولو بصلة "([3]) .

4- زرع المحبة والمودة بين الناس:
فبالعطاء والسَّخاء تصفو النفوسُ من أمراض الحقد والكراهية، وتمتلئ بالمودَّة والمحبَّة؛ فإنَّ النفوس مجبولة على محبَّة أهل الكرَم والسَّخاء والإحسان، وعلى بُغض أهل البخل والشحِّ والإساءة.
وعن ابن شهاب قال: " قَالَ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- غَزْوَةَ الْفَتْحِ فَتْحِ مَكَّةَ ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَاقْتَتَلُوا بِحُنَيْنٍ فَنَصَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَالْمُسْلِمِينَ وَأَعْطَى رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَئِذٍ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِنَ النَّعَمِ ثُمَّ مِائَةً ثُمَّ مِائَةً. قَالَ ابْنُ شِهَابٍ حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ صَفْوَانَ قَالَ وَاللَّهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مَا أَعْطَانِي وَإِنَّهُ لأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَىَّ فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَىَّ([4]) .
فانظر كيف يتحول حال القلب بالعطاء والسَّخاء من بَغضاء إلى محبَّة، ومن عداوة إلى صداقة.
ويُظهِر عيبَ المرء في الناس بُخلُه    ويَستُره عنهم جميعًا سخاؤه
تغَطَّ بأثواب السخاء فإنَّني               أرى كلَّ عيبٍ والسخاءُ غِطاؤه

5- سبب في بركة المال ونموِّه وزيادته:
وَعْدٌ من الله الذي لا يُخلف وعدَه أنَّ مَن شَكر الله تعالى على نِعمه فوظفها في طاعته، زاده الله تعالى من فضله وجوده وإحسانه، قال سبحانه: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم: 7].
فمن الخطأ وسوء الظنِّ أن يظنَّ المرءُ أن الكرم والسَّخاء يَنقُص الثروةَ ويُقرِّب من الفقر، فهذا من وساوس الشيطان التي يلقيها في نفوس البخلاء، قال تعالى: ﴿ الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ﴾ [البقرة: 268]، والحق أنَّ الكرم سبيل السَّعَة والغنى، وأنَّ السخاء سبب النَّماء، وأن الذي يجعل يديه مَمرًّا لعطاء الله يظلُّ مبسوطَ اليد بالنِّعمة، مكفولَ اليوم والغد بالعطاء الدَّائم من رحمة الله وكرمه وإحسانه.
وعن عائشة رضي الله عنها أنهم ذبحوا شاة فقال النبي صلى الله عليه وسلم :  ما بقي
منها قالت ما بقي منها إلا كتفها  قال بقي كلها غير كتفها" ([5])
وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « يَقُولُ الْعَبْدُ مَالِي مَالِي إِنَّمَا لَهُ مِنْ مَالِهِ ثَلاَثٌ مَا أَكَلَ فَأَفْنَى أَوْ لَبِسَ فَأَبْلَى أَوْ أَعْطَى فَاقْتَنَى - أي ادَّخره لنفسِه في الآخرة - وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ ذَاهِبٌ وَتَارِكُهُ لِلنَّاسِ »([6]) .

6- الوقاية من مصارع السوء
 وعن أبي أمامة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : صنائع المعروف تقي مصارع السوء وصدقة السر تطفىء غضب الرب وصلة الرحم تزيد في العمر"([7])

7- الوقاية من النار
عَنْ رِبْعِىِّ بْنِ حِرَاشٍ قَالَ اجْتَمَعَ حُذَيْفَةُ وَأَبُو مَسْعُودٍ فَقَالَ حُذَيْفَةُ « رَجُلٌ لَقِىَ رَبَّهُ فَقَالَ مَا عَمِلْتَ قَالَ مَا عَمِلْتُ مِنَ الْخَيْرِ إِلاَّ أَنِّى كُنْتُ رَجُلاً ذَا مَالٍ فَكُنْتُ أُطَالِبُ بِهِ النَّاسَ فَكُنْتُ أَقْبَلُ الْمَيْسُورَ وَأَتَجَاوَزُ عَنِ الْمَعْسُورِ. فَقَالَ تَجَاوَزُوا عَنْ عَبْدِى ». قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ هَكَذَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ"([8]) .

8- الكرم خير من البخل
عن أبي أُمامة رضي الله عنه قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ أَنْ تَبْذُلَ الْفَضْلَ خَيْرٌ لَكَ وَأَنْ تُمْسِكَهُ شَرٌّ لَكَ وَلاَ تُلاَمُ عَلَى كَفَافٍ وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ وَالْيَدُ الْعُلْيَا خَيْرٌ مِنَ الْيَدِ السُّفْلَى ». ([9])

9- النهى عن التبذير
فمِن الواجب على المسلِم أن يَقتصد في مطالب نفسه؛ حتى لا تَسْتَنفِدَ مالَه كلَّه، وعليه أن يُشرك غيرَه فيما آتاه الله من فَضله، وأن يجعل في ثرْوته متَّسَعًا يُسعِفُ به المنكوبين ويُريح المتعَبين؛ ولذلك ورد الأمر بالإنفاق على القرابة والمساكين مقرونًا بالنهي عن التبذير، فقال تعالى: ﴿ وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا * إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا ﴾ [الإسراء: 26، 27].

ثالثاً: بعض من وصفوا بالجود والكرم

1- الجود والكرم من صفات الله عز وجل:

أ- الكريم من أسمائه، والجود والكرم من صفاته
قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ * الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 6 - 8].
وعن طلحة بن عبيد الله بن كريز قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله جواد يحبُّ الجوادَ، ويحب معاليَ الأخلاق، ويكره سَفْسافها))([10]) .
معنى اسم الله (الكريم) :
قال أبو حامد الغزاليّ: والكريم من أسماء الله تعالى؛ هو الّذي إذا قدر عفا، وإذا وعد وفى، وإذا أعطى زاد على منتهى الرّجاء، ولا يبالي كم أعطى ولمن أعطى، وإن رفعت حاجة إلى غيره لا يرضى، وإذا جفي عاتب، ولا يضيع من لاذبه والتجأ. ويغنيه عن الوسائط والشّفعاء، فمن اجتمع له جميع ذلك لا بالتّكلّف، فهو الكريم المطلق وذلك لله سبحانه وتعالى فقط. وقيل: الكريم: هو الكثير الخير، الجواد المعطي الّذي لا ينفد عطاؤه، وهو الكريم المطلق. والكريم:
الجامع لأنواع الخير والشّرف والفضائل. والكريم اسم جامع لكلّ ما يحمد، فالله- عزّ وجلّ- كريم حميد الفعال وربّ العرش الكريم العظيم([11])  .

ب- كل نعمة إنما هي من محض فضله وجوده
فما من نعمة يمنُّ الله تعالى بها على عباده إلاَّ وهي من محض فضله وجوده، وكرَمه وإحسانه؛ قال سبحانه: ﴿ وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ﴾ [النحل: 53]، وقال عز وجل: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [النحل: 18].

ج- الله هو الكريم الذي يَغفر للمذنبين
ويعفو عن المسيئين، ويقبل توبةَ التائبين؛ ﴿ وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ * وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَالْكَافِرُونَ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ ﴾ [الشورى: 25، 26].

د- الله هو الكريم الذي كرَّم الإنسان وفضَّله
قال تعالى ﴿ وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً ﴾ [الإسراء: 70].

ر- الله هو الكريم الذي يُعطي السائلين
ويجيب دعوة المضطرين
قال تعالى ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ ﴾ [النمل: 62].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ يمين الله مَلأى لا يَغِيضُها نفَقة، سَحَّاءُ الليل والنَّهار، أرأيتم ما أنفق منذ خلق السَّموات والأرض؛ فإنَّه لم ينقص ما في يمينه، وعرشه على الماء، وبيده الأخرى القبض يَرفع ويخفض))([12]) .

2- الجود والكرم من سمات الأنبياء والرسل:
أ- سيدنا إبراهيم عليه السلام
قال تعالى: ﴿ هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ﴾ [الذاريات: 24 - 27].
وعن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((الكريمُ ابنُ الكريم ابنِ الكريم ابنِ الكريم؛ يوسفُ بنُ يعقوب بنِ إسحاق بنِ إبراهيم عليهم السلام))([13]) .

ب- سيدنا موسى عليه السلام
قال تعالى:{ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إليّ من خير فقير}[القصص:23-24]

ج- سيدنا عيسى عليه السلام
قال الله تعالى على لسان عيسى{وجعلني مباركاً أينما كنت}[مريم:31] روى أبو نعيم وغيره بسنده عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في تفسيره للآية: ((جعلني نفاعاً للناس أين اتجهت)){الدر المنثور5/509}

د- نبينا المصطفى صلى الله عليه وسلم
مَثَلٌ لا يُضاهى، وقدوة لا تُسامى في الجود والكرم، فقد بلغ صلوات الله وسلامه عليه مرتبةَ الكمال الإنساني في حبِّه للعطاء؛ إذ كان يعطي عطاءَ مَن لا يحسب حسابًا للفقر ولا يخشاه؛ ثِقةً بعظيمِ فضل الله، وإيمانًا بأنَّه هو الرزَّاق ذو الفضل العظيم.
فعن أنس رضي الله عنه أنَّ رجلاً سأل النبيَّ صلى الله عليه وسلم غنمًا بين جبلين فأعطاه إيَّاه، فأتى قومَه فقال: أيْ قوم، أسلِموا؛ فوالله إنَّ محمدًا ليُعطي عطاءً ما يخاف الفقر، فقال أنس: "إنْ كان الرجل ليُسْلِم ما يُريد إلا الدنيا، فما يُسْلم حتى يكونَ الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها"([14]) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لو كان لي مثلُ أحُدٍ ذهبًا ما يسرُّني أنْ لا يمرَّ عليَّ ثلاث وعندي منه شيء، إلا شيء أرْصُده لدَيْنٍ))([15]) .
وعن عبدالله بن عبَّاس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلَّم أجودَ النَّاس، وكان أجودَ ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كلِّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلَرسولُ الله صلَّى الله عليه وسلَّم أجوَدُ بالخير من الرِّيح المرسَلة" ([16]) .
وعَنْ سَعِيدٍ الْجُرَيْرِىِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَقِيقٍ قَالَ قُلْتُ لِعَائِشَةَ هَلْ كَانَ النَّبِىُّ -صلى الله عليه وسلم- يُصَلِّى وَهُوَ قَاعِدٌ قَالَتْ نَعَمْ بَعْدَ مَا حَطَمَهُ النَّاسُ"([17]) والمراد أنه صار شيخا لما يحمله من أمورهم وأثقالهم

تَعوّد بَسْط الكفِّ حتَّى لو انـَّهُ * * * ثناها لِقَبْضٍ لم تجِبْه أَناملُهْ
تـراه إذا مـا جـئتَه مُتـهلِّلاً * * * كأنَّك تُعطيه الذي أنت سَائلُهْ
ولو لم يكن في كفِّه غير رُوحهِ * * * لجَادَ بها فليتقِ اللهَ سَائلُهْ
هُو البَحْرُ من أيِّ النًّواحي أتيته * * * فلُجَّتُهُ المعروفُ والجُودُ ساحِلُهْ

3- الجود والكرم من سمات الصحابة الكرام:
فعلى هذا الخُلق الكريم ربَّى رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أصحابَه، فكانوا يتنافسون في الجود والكرَم، ويتسابقون إلى البذل والعطاء
قال تعالى في وصفهم: ﴿ وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9].

أ- أبو بكر
وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: سمعتُ عمر بن الخطاب، رضي الله عنه يقول: "أمرنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم يومًا أن نتصدَّق، فوافق ذلك مالاً عندي، فقلتُ: اليوم أسبِق أبا بكر إنْ سبقتهُ يومًا، فجئتُ بنصف مالي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيتَ لأهلِك؟))، قلت: مثله، قال: وأتى أبو بكر رضي الله عنه بكلِّ ما عنده، فقال له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أبقيتَ لأهلك؟)) قال: أبقيتُ لهم اللهَ ورسولَه، قلتُ: لا أسابقك إلى شيء أبدًا"([18]) .

ب- عمر بن الخطاب
ولما ولي عمر الخلافة خرج يتحسس أخبار المسلمين، فوجد أرملة وأيتاماً عندها يبكون، يتضاغون من الجوع، فلم يلبث أن غدا إلى بيت مال المسلمين، فحمل وقر طعام على ظهره وانطلق فأنضج لهم طعامهم، فما زال بهم حتى أكلوا وضحكوا([19])

ج-عبد الله بن المبارك
كان ينفق من ماله على الفقهاء، وكان من أراد الحج من أهل مرو إنما يحج من نفقة ابن المبارك، كما كان يؤدي عن المديون دينه ويشترط على الدائن أن لا يخبر مدينه باسمه([20])

4- كرم العرب وَجُودُهم في العصر الجاهلي:
لقد كان الكرم والجود والسخاء من أبرز الصِّفات التي يتباهى بها الناسُ في العصر الجاهلي، وكان بعضهم مضربًا للمَثل في الجود والكرم
كحاتم الطائي الذي يخاطب امرأته (نوار) فيقول:

مهْلاً نَوَارُ أقِلِّي اللَّوم والعَذَلاَ        ولا تقُولي لشيءٍ فاتَ ما فَعَلاَ
ولا تقولي لمالٍ كنتُ مُهْلِكَه          مهلاً وإن كنتُ أُعطي الجِنَّ والخَبَلاَ
يرى البخيلُ سبيلَ المال واحدةً      إنَّ الجَوَادَ يرى في ماله سُبُلاَ
لا تَعْذلينيَ في مالٍ وَصَلْتُ به       رحْمًا وخيرُ سبيل المالِ ما وَصَلاَ

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: "جلس إحدى عشرة امرأة، فتعاهدنَ وتعاقدنَ أن لا يكتمْنَ من أخبار أزواجهنَّ شيئًا..." - والذي يهمنا في الموضوع هو قول التاسعة والعاشرة منهنَّ - "قالت التاسعة: زوجي رفيع العماد، طويل النجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من النَّاد، قالت العاشرة: زوجي مالكٌ، وما مالكٌ؟ مالكٌ خير من ذلك، له إبل كثيرات المبارك، قليلات المسارِح، وإذا سمعنَ صوت المزهر، أيقنَّ أنَّهنَّ هوالك"([21]) .
إذا كان هذا هو حال العرب في جاهليَّتهم؛ فكيف بمن مَنَّ الله عليه بالإسلام ودعاه إلى
أخلاقه؟ ألا يتألَّم قلبه، وتَدمع عينه، حين يرى إخوانًا له في الدِّين جياعًا حفاة عراة،يفترشون الأرض، ويلتحفون السماء؟ ألا يَرِقُّ قلبه، وتجود يداه؟ ألا يشكرُ خالقَه ورازقَه على فضله وعطائه، بإنفاقه وإحسانه؟

رابعًا : مجالات الجود والكرم
للكرم والجود صور عديدة، ومجالات متنوعة كثيرة، فيها يتنافس المتنافسون، ويجتهد المجتهدون، كلٌّ على حسب طاقته واستطاعته، ومن صور الجود والكرم:
1– بَذْل المسلم وعطاؤه من مال الله
الذي آتاه الله إيَّاه وأنعم به عليه من كل ما ينتفع به المرء؛ من مأكلٍ أو مشرب أو ملبس، أو مسكن أو دواء أو غير ذلك من أنواع الخير والبرِّ والإحسان
فعن ابن عمر رضي الله عنهما: أنَّ رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، أيُّ النَّاس أحب إلى الله؟ وأيُّ الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أحبُّ النَّاس إلى الله تعالى أنفعُهم للناس، وأحبُّ الأعمال إلى الله تعالى سرورٌ تُدخِله على مسلم، أو تكشِف عنه كُربة، أو تقضي عنه دَينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولأَن أمشي مع أخٍ في حاجة أحبُّ إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد - يعني مسجد المدينة - شهرًا، ومن كفَّ غضبه ستر الله عورتَه، ومن كظم غيظَه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبَه رجاءً يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجةٍ حتى يتهيَّأ له أثبت الله قدمَه يوم تزول الأقدام))([22]) .

2– بذل المرء وعطاؤه من علمه ومعرفته
فالكريم من لا يَكتم علمًا ولا معرفة، بل يُعَلِّم الناسَ ويدلهم على الخير، والبخيل هو الذي يَحتفظ بمعارفه وعلومه لنَفسه، بُخلاً ورغبة في الاستئثار والانفراد
فعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلاَلَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لاَ يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا ».))([23]) .
وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه قال: ذُكِر لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجُلان أحدُهما عابد والآخَر عالم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فَضل العالِم على العابِد كفضلي على أدناكم))، ثمَّ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنَّ الله وملائكته وأهل السموات والأرض، حتى النَّملة في جحرها وحتى الحوت - ليُصَلُّون على مُعلِّم الناسِ الخيرَ))([24]) .

3- بَذل النصيحة لمن هو في حاجة إليها
فالكريم لا يَبخل على إخوانه بأي نصيحة تفيدهم وتنفعهم في دينهم أو دنياهم، وقد عدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من حقوق المسلم على أخيه أن ينصحه إذا طلب منه النَّصيحة؛ ((... وإذا استنصَحَك، فانصَحْ له...))، فعَنْ تَمِيمٍ الدَّارِىِّ أَنَّ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ « الدِّينُ النَّصِيحَةُ » قُلْنَا لِمَنْ قَالَ « لِلَّهِ وَلِكِتَابِهِ وَلِرَسُولِهِ وَلأَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَعَامَّتِهِمْ ».))([25]) .

4– بذل المرء وعطاؤه من أخلاقه وشِيَمه
فالكريم يعطي من مكانته وجاهه، ويعطي من عَطفه وحنانه، ويعطي من طلاقة وَجْهه وابتسامة ثغره وحُلو كلامه، ويعطي من وقته وراحتِه، ويعطي من سَمعه وإصغائه، ويعطي من حبِّه ورحمته، ويعطي من دعائه وشفاعته، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم: ((أكمَل المؤمنين إيمانًا أحسنُهم خلقًا، وخيركم خيركم لنسائهم))([26])

5– بذل العبد وعطاؤه من طاقات جسده وقوَّته
فالجواد يعطي من معونته وخدماته وجُهده، يمشي في مصالِح النَّاس، ويَتعب في مساعدتهم، ويَسهر من أجل معونتهم، ويسعى في خدمتهم...؛ فعن أبي هريرة رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كلُّ سُلامَى من النَّاس عليه صدَقة كلَّ يوم تطلع فيه الشمس؛ تعدِل بين الاثنين صدَقة، وتعين الرجلَ في دابَّته فتحمله عليها أو ترفع له عليها متاعَه صدَقة، والكلمة الطيِّبة صدقة، وكل خطوة تَمشيها إلى الصلاة صدَقة، وتميط الأذى عن الطَّريق صدَقة))([27]) .

6- إكرام الوالدين ببرِّهما والإحسان إليهما بحسن القول والفعل والخُلق
فقد قال تعالى في وصيته لعباده: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23، 24].

7- إكرام الأهل والأقارب
فمِن أحق النَّاس بجودك وكرمك أهلُك وقرابتك، بإكرامهم تكون الصلة ويكون التماسك الأُسري، عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- « دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِى رَقَبَةٍ وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِى أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ »([28]) . لأنَّ النَّفقة على القريب صِلَة وصدَقة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((خيرُكم خيركم لأهله، وأنا خيرُكم لأهلي))([29])

إكرام من أساء بالعفو عند القدرة:
 وهو أن تقابل الإساءة بالإحسان:{ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ} [فضلت: 34] ، فإذا ظلمك أحد أو شاتمك وأنت تقدر على أن تنتقم منه أو تعاقبه ومع ذلك عفوت عنه فأنت – حينئذٍ – كريم؛ وقد ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم والكرم بالعفو عند المقدرة؛ وقيل له: كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث: إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.

8- إكرام الجار والضيف
فالكريم مَن يُكرم جارَه، والكريم من يُكرم ضيفَه ويكرم زائرَه، فذاك دليل على إيمان العبد بالله واليوم الآخر، فعَنْ أَبِى شُرَيْحٍ الْعَدَوِىِّ أَنَّهُ قَالَ سَمِعَتْ أُذُنَاىَ وَأَبْصَرَتْ عَيْنَاىَ حِينَ تَكَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ جَائِزَتَهُ ». قَالُوا وَمَا جَائِزَتُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ « يَوْمُهُ وَلَيْلَتُهُ وَالضِّيَافَةُ ثَلاَثَةُ أَيَّامٍ فَمَا كَانَ وَرَاءَ ذَلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ عَلَيْهِ - وَقَالَ - مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ »([30])
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي مَجْهُودٌ ، فَأَرْسَلَ إِلَى بَعْضِ نِسَائِهِ ، فَقَالَتْ : وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ ، ثُمَّ أَرْسَلَ إِلَى أُخْرَى ، فَقَالَتْ : مِثْلَ ذَلِكَ حَتَّى قُلْنَ كُلُّهُنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا عِنْدِي إِلَّا مَاءٌ ، فَقَالَ : ” مَنْ يُضِيفُ هَذَا اللَّيْلَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ ؟ ” ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ الْأَنْصَارِ ، فَقَالَ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَانْطَلَقَ بِهِ إِلَى رَحْلِهِ ، فَقَالَ لِامْرَأَتِهِ : هَلْ عِنْدَكِ شَيْءٌ ؟ ، قَالَتْ : لَا إِلَّا قُوتُ صِبْيَانِي ، قَالَ : فَعَلِّلِيهِمْ بِشَيْءٍ ، فَإِذَا دَخَلَ ضَيْفُنَا فَأَطْفِئْ السِّرَاجَ وَأَرِيهِ أَنَّا نَأْكُلُ ، فَإِذَا أَهْوَى لِيَأْكُلَ فَقُومِي إِلَى السِّرَاجِ حَتَّى تُطْفِئِيهِ ، قَالَ : فَقَعَدُوا وَأَكَلَ الضَّيْفُ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : ” قَدْ عَجِبَ اللَّهُ مِنْ صَنِيعِكُمَا بِضَيْفِكُمَا اللَّيْلَةَ "([31])  .
إذا المرءُ وافـى مـنزلاً منك قاصـدًا *** قراكَ وأرمَـتْهُ لديــك المسـالكُ
فكن بــاســمًا فـي وجـهــه مُتـهــللاً *** وقل مرحبـًا أهلاً ويومٌ مباركُ
وقــدم لـه مـا تستـطيــع مـن القِـرَى *** عجولاً ولا تبخل بما هو هالِكُ
فـقـد قيــــل ببـيـتِ ســالــفِ مُتقــدّمِ *** تداولــــهُ زيـدٌ وعَمـرو ومالكُ
بشاشةُ وجْه المـرء خيرٌ من القِرَى *** فكيف بمن يأتي و هو ضَاحِكُ

وصلي اللهم وسلم وبارك علي سيدنا محمد
إعداد الشيخ :احمد أبو عيد
لتحميل الخطبة pdf# برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولتحميل الخطبة word# برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولتحميل كتاب الإرشادات الإسلامية في الخطب المنبرية برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولتحميل الخطبة وخطب أخرى متنوعة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولقراءة الخطبة مرتبة ومنسقة برجاء الدخول إلى الرابط التالي
ولمشاهدة الخطبة وخطب أخرى على اليوتيوب برجاء الدخول إلى الرابط التالي






([1]) صحيح مسلم
([2])صحيح مسلم
([3]) صحيح ابن حبان
([4]) صحيح مسلم
([5]) صحيح الترغيب والترهيب
([6]) صحيح مسلم
([7]) صحيح الترغيب والترهيب
 ([8]) صحيح مسلم
([9]) متفق عليه
([10])السلسلة الصحيحة
([11])لسان العرب (7/ 3861) .
 ([12]) متفق عليه
([13])صحيح البخاري
([14])صحيح مسلم
([15])صحيح البخاري
([16]) متفق عليه
([17])صحيح مسلم
 ([18]) صحيح الترمذي
([19])[الرياض النضرة1/385]
([20])[سير أعلام النبلاء8/386]
([21]) متفق عليه
([22])صحيح الترغيب والترهيب
([23])صحيح مسلم
([24]) صحيح الترغيب والترهيب
([25]) صحيح مسلم
([26]) صحيح الترغيب والترهيب
([27]) متفق عليه
([28]) صحيح مسلم
([29]) صحيح الترغيب والترهيب
([30]) متفق عليه
([31]) صحيح مسلم

التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات