الحج بين السلوك والنسك للشيخ احمد ابو عيد



الحج بين السلوك والنسك


الحمد لله ذي الفضل والإنعام على الجميع، يخلق ويرزق ويستر ويحمد الصنيع، يُطعم ويسقي، ويجبُرُ ويشفي الوجيع، يُعز ويغني وينصر ويرفع الوضيع، يكفي ويؤوي ويكسو ويكلأ الرضيع، يعفو ويصفح، ويَمحو الخطأ الشنيع، نحمده تَبارك وتعالى ونشكره على النعم كيلا تَضيع، ونسأله الثبات على الإيمان والدين فإن أقبلت الدنيا لا نبيع، ونرجوه حسن الخاتمة وأن يلحقنا بالسابقين من أصحاب البقيع.
وأشهد أن لا إله إلا الله النور الهادي البديع، شهادة نقر بها مختارين كي ندخل الحصن المنيع، من اعتقدها أمن العذاب ونجى عند الحساب ونال الشرف الرفيع، ومن أنكرها ضاع وظمئ وجاع ولم يطعم إلا الضريع، هل تنكر العيونُ مَن حفظها بالجفون؟ أم تنكر الأمعاء خروج الرجيع، وهل تنكر السماء مَن زينها بالنجوم؟ أو ينكر السحابُ صوت الرعد الفظيع، هل تملِك الشمس حبس ضيائها؟ أو تخرق النجوم مدارها؟ أو يأبى القمر أن يطيع، إذا رأيت السماء أمطرت، ورأيت الأرض أنبتت، وشبع الحمل الوديع، وإذا رأيت الزهور تفتحت، وسمعت الطيور غردت، وأقبل بعد الشتاء ربيع، وإذا رأيت نعيم الدنيا إلى زوال، ودوام الحال من المحال، وموت الأحبة بغير توديع، إذا حاولت أن تغير من الأمور واقعًا، أو تجد للموت عنك دافعًا، ففشلتَ الفشل الذريع، فاعلم أن للوجود بارئًا للأمور مدبرًا، واحذر عقابه السريع.
وأشهد أن سيدنا محمدًا عبده ورسوله الخاتم والشفيع، مبعوث للإنس والجان، منور للأكوان، مبين التشريع، مذكر غير ملوم، علمه مطابق للمعلوم، من أصل سنته التفريع، خُلقه القرآن، تشديده الحنان، يعظ من غير تقريع، يوقظ الضمائر، ويطهر السرائر، ويقدم بسلوكه التشجيع، يؤلف بين قلوبهم، ويستغفر لذنوبهم، ويتعهد برعايته الجميع، أمره بين أصحابه نافذ، يعفو ولا يؤاخذ، ولو وصَلَ الأمر للتشنيع، هو ولي من لا ولي له، حفي بمن أقبل عليه، ليس من خلقه الترويع، هو للمحب حبيب، وللعليل طبيب، يداوي الشهوات بالتجويع، هو أولى بالمؤمن من نفسه، وأحب إليه من نفسه، وإلا ففي العقيدة ترقيع، الصلاة عليه في الملأ حتمية، وهي لأمته هدية، تذهب عن القلب الصقيع، اللهم صلِّ وسلِّم وبارك عليه وعلى أصحابه بقدر ما في الخلق من تنويع، وارزقنا شفاعته، وأوردنا حوضه، واحشرنا تحت لوائه، إنك بنا بصير، ولدعائنا مجيب وسميع.

العناصــر
أولاً: دعوة الإسلام إلي حسن الخلق
ثانياً: أثر العبادات في تهذيب الأخلاق
ثالثاً: الحج مدرسة الأخلاق


المـوضــوع
أولا: دعوة الإسلام إلي حسن الخلق
1-مجمل رسالة النبي r تدعو إلي حسن الخلق
قال رسول الله r " إنَّما بُعِثْتُ لأُتَمَّمَ صالحَ الأخلاقِ"([1])
وقد وقف العلماء عند هذا الحديث قائلين: لماذا حصر النبي بعثته في مكارم الأخلاق مع أنه بعث بالتوحيد والعبادات وهي أرفع منزلة وأهم من الأخلاق؟!!
والجواب: أن التوحيد والعبادات شرعت من أجل ترسيخ مكارم الأخلاق بين أفراد المجتمع، فالغاية والحكمة الجليلة من تشريع العبادات هي غرس الأخلاق الفاضة وتهذيب النفوس؛ كما هو معلوم في الصلاة والزكاة والصوم والحج وغيرها.
2-الأخلاق الحسنة هي شِعار المؤمنين، وحِليَة المحسِنين
عَنْ النَّوَّاسِ بْنِ سِمْعَانَ الْأَنْصَارِيِّ ، قَالَ : " سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ r عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ ؟ فَقَالَ : الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ ، وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ " ([2])
وقال r " خياركم أحاسنكم أخلاقًا " ([3])
ومن ثم فما من شئ أثقل في ميزان العبد من حسن أخلاقه ورقى سلوكه ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ ، قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ r يَقُولُ : " مَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلَاةِ " ([4])
3-سبب لدخول الجنة في الآخرة
فعَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r" أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا، وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا، وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ" ([5])
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r:” أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِمَنْ يَحْرُمُ عَلَى النَّارِ أَوْ بِمَنْ تَحْرُمُ عَلَيْهِ النَّارُ؟! عَلَى كُلِّ قَرِيبٍ هَيِّنٍ سَهْلٍ” ([6])
4-أقرب الناس مجلسا من رسول الله r
قال رسول الله r " إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا"([7])
5-أثقل شئ في ميزان المؤمن يوم القيامة
وعَنْ أَبِي الدرداء -t- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ -r ” مَا مِنْ شَيْءٍ فِي اَلْمِيزَانِ أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ اَلْخُلُقِ” ([8])
6-الدعوة إلي الله بالأخلاق الحسنة
، قال تعالى (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَن ضَلَّ عَن سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ )النحل
قال تعالى (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) آل عمران
7-دليل علي كمال الإيمان
قال r" أَكْمَلُ الْمُؤْمِنِينَ إِيمَانًا أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا-"([9])
قال الفيروز آبادي -رحمه الله تعالى )اعلم أن الدين كله خلق، فمن زاد عليك في الخلق؛ زاد عليك في الدين
قال رسول الله r" لا يَزني الزَّاني حِينَ يَزني وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَشرَبُ الخَمرَ حِينَ يَشرَبُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَسرِقُ حِينَ يَسرِقُ وَهُوَ مُؤمِنٌ، وَلا يَنتَهِبُ نُهبَةً يَرفَعُ النَّاسُ إِلَيهِ فِيهَا أَبصَارَهُم حِينَ يَنتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤمِنٌ " ([10])
وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ، وَاللهِ لا يُؤمِنُ " قِيلَ: مَن يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: " الَّذِي لا يَأمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ " ([11])
وعنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r قَالَ " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" ([12]) .
وسئل r : أيكذب المؤمن ؟ قال: (لا) ثم تلا قوله تعالى : (إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ) النحل 105.
وَقَالَ r " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فِيهِ فَهُوَ مُنَافِقٌ وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى وَحَجَّ وَاعتَمَرَ وَقَالَ إنِّي مُسلِمٌ: إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ، وَإِذَا وَعَدَ أَخلَفَ، وَإِذَا اؤتُمِنَ خَانَ " ([13]).
8-الكلمة الطيبة
قال تعالى (َوقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً)البقرة 83
وقال تعالى (وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوّاً مُّبِيناً )الإسراء 53
وعن عدي بن حاتمٍ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: " اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ؛ ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ، ثُمَّ أَعْرَضَ وَأَشَاحَ، ثَلاَثًا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهَا ثُمَّ قَالَ: اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ، فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ " ([14])
9-غفران الذنوب ودخول الجنة
فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: "بَيْنَمَا كَلْبٌ يُطِيفُ بِرَكِيَّةٍ كَادَ يَقْتُلُهُ الْعَطَشُ؛ إِذْ رَأَتْهُ بَغِيٌّ مِنْ بَغَايَا بَنِي إِسْرَائِيلَ فَنَزَعَتْ مُوقَهَا فَسَقَتْهُ فَغُفِرَ لَهَا بِهِ" ([15])
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ:" بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ فَنَزَلَ بِئْرًا فَشَرِبَ مِنْهَا ثُمَّ خَرَجَ؛ فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ. فَقَالَ: لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي، فَمَلَأَ خُفَّهُ ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ثُمَّ رَقِيَ فَسَقَى الْكَلْبَ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا؟! قَالَ: فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ" ([16])
10-أساس اختيار الزوجة
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r : " إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الْأَرْضِ وَفَسَادٌ عَرِيضٌ " ([17]).
11-في البيع والشراء
قال تبارك وتعالى: (وَيْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ * وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ) (المطففين: 1-3).
ويحث على السماحة واللين في البيع والشراء، كما قال r " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلًا سَمْحًا ، إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى " ا([18]) .
ويحذر من أكل أموال الناس بالباطل ،ومن الغش، والتدليس
قال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً ) النساء 29
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r، مَرَّ عَلَى صُبْرَةِ طَعَامٍ فَأَدْخَلَ يَدَهُ فِيهَا ، فَنَالَتْ أَصَابِعُهُ بَلَلًا ، فَقَالَ : " مَا هَذَا يَا صَاحِبَ الطَّعَامِ ؟ " ، قَالَ : أَصَابَتْهُ السَّمَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : " أَفَلَا جَعَلْتَهُ فَوْقَ  الطَّعَامِ كَيْ يَرَاهُ النَّاسُ ، مَنْ غَشَّ ، فَلَيْسَ مِنِّي " ([19]) .
12-حث الإسلام على طيب النفس وحسن سلوكها وعدم إيذاء الناس بقول أو فعل
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ "الحجرات: 11-12".
وقال رسول الله r " لَيسَ المُؤمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الفَاحِشِ وَلا البَذِيءِ "([20])
13-رد الإساءة بالحسنى
قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾
" خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ "؛ لما نزلت قال رسول الله r: “ما هذا يا جبريل؟” قال: إن الله أمرك أن تعفو عمن ظلمك، وتعطي من حرمك، وتصل من قطعك.”([21])
ولذلك ضرب بالأحنف بن قيس المثل في الحلم  والصفح ، فقيل له: كيف وصلت إلى هذه المنزلة؟ فقال: ما آذاني أحد إلا أخذت في أمره بإحدى ثلاث : إن كان فوقي عرفت له فضله، وإن كان مثلي تفضّلت عليه، وإن كان دوني أكرمت نفسي عنه.
14-الأخلاق هي المؤشِّر على استمرار أمَّة ما أو انهيارها
فالأمة التي تنهار أخلاقُها يوشك أن ينهارَ كيانُها، قال تعالى -: ﴿ وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا ﴾ "الإسراء: 16"
يقول الشاعر: إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت** فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
15-نهى الله تعالى عن الرفث والفسوق والجدال أثناء الحج
قال تعالى " فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ"
ومعنى الرفث: اسم جامع لكل لغو وفجور الكلام، كالحديث بشأن النساء أو الجماع أو معهن بصورة لا تليق بالآداب الشرعية
ومعنى الفسوق هو الخروج من كل طاعة، والوقوع في أي معصية، كالكذب والغيبة والنميمة وقول الزور والشتم والقذف وغيرها.
ومعنى الجدال هو الخصومة والمشادة في الكلام والحديث ولو مع الرفاق فضلاً عن غيرهم
16-ضياع الأخلاق بمثابة ضياع للعمل
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r ، قَالَ : أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ ؟ قَالُوا : الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ ، فَقَالَ : " إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ ، وَصِيَامٍ ، وَزَكَاةٍ ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا ، وَقَذَفَ هَذَا ، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا ، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا ، وَضَرَبَ هَذَا ، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ ، فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّارِ "([22])
وعن أبي هريرة قال : قيل للنبي r : يا رسول الله ! إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها ! فقال رسول الله r : لا خير فيها ؛ هي من أهل النار . قال : وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأثوار ( من الأقط ) ولا تؤذي أحدا . فقال رسول الله r : هي من أهل الجنة ([23])
ومعني ( أتوار : جمع تور بالمثناة : إناء من صفر وأثوار بالمثلثة وهو الصواب جمع ثور : وهي قطعة من الأقط وهو لبن جامد مستحجر)

ثانيا: أثر العبادات في تهذيب الأخلاق
أ-الصلاة
قال تعالى﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ ﴾ العنكبوت 45
فالصلاة بسجودها وركوعها وأذكارها تطهر النفس من التكبر ، وتذكر النفس بالاستقامة على أمر الله سبحانه
وتعالى ، وتذكرها دائما بوقوفها للحساب يوم القيامة ، فتنهى صاحبها عن الفحشاء وسوء الأخلاق.
ب-الصيام
قال تعالى ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ البقرة 183.
“الصِّيَامُ جُنَّةٌ فَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ ، فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ : إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ ” ([24])
ففيه تعويد للنفس على ضبط شهوتَي البطن والفرج، و الرقى إلى درجة التقوى ، كما انه سبب مباشر لضبط سلوك الإنسان والرقى بأخلاقه ،فلا معنى لظاهر الصيام إن لم تتأدب النفوس و تطهر القلوب.
ج-الصدقات
قال تعالى (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) التوبة 103.
فهي تطهير للنفس البشرية من رذيلة البخل والشح والطمع والجشع، ودليل على تعاون المسلم وحرصه على أخيه المسلم، إذ يواسى الفقراء ،ويسد حاجتهم ،و يساعد البؤساء منهم و المحرومين، ويقيم المصالح العامة التي تتوقف عليها حياة الأمة وسعادتها.
د-الحج
قال تعالى: (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة 197
وقال تعالى (ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) الحج 30
فحث على حفظ القلب والجوارح في قوله (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ) كما شدد على حفظ اللسان فقال (وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ)
الحج يبث القيم الأخلاقية الأصيلة في النفوس البشرية ،وكيف أن له التأثير في تربية النفس الإنسانية وتكوين شحضية إسلامية تقوم على أسس إيمانية متمتعة بسلوك طيبة ، إذ أن الحج مدرسة أخلاقية مباركة لتهذيب النفوس وتزكية القلوب وتقوية الإيمان، يتخرج فيها المؤمنون المتقون، وينهل من معينها المبارك عباد الله الموفقون ؛ فالمتدبر في القران الكريم يرى أن الله تعالى ربط بين الحج والأخلاق والسلوكيات.
فقد يظن الإنسان أن السفر إلى البقاع المقدسة رحلة مجردة عن المعاني الخلقية، بل أنت مأمور بضبط الأخلاق أثناء الزحام، كما يجب عليك اجتناب الرفث والفسوق والجدال والخصام في الحج، فضلاً عن غرس قيم الصبر وتحمل المشاق والمساواة بين الغني والفقير والتجرد من الأمراض الخلقية.
إن العبادات لا يمكن أن تؤتى ثمرتها المرجُوّة إلا إذا ظهر أثرها في سلوك المرء وأخلاقه وتعامله مع الآخرين، فمن لم تنهه صلاته عن الفحشاء والمنكر فلا صلاة له، ومن لم ينهه حجه وصومه عن اللغو والرفث والفسوق فما انتفع بحج ولا بصيام .....وهكذا
ثالثا: الحج مدرسة الأخلاق
1-الإخلاص
قال -تعالى -: " قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (163)" ، وقال تعالى "وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعبُدُونِ"
وقال تعالى " وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ
2-التوكل على الله ولأخذ بالأسباب
فمن يخرج من بيته إلى الحج يخرج معتمدا على ربه متوكلا عليه مفوضا أمره إليه، طالبا منه وحده العون والتوفيق والهداية لعلمه بأن الأمور كلها بقضائه وقدره، فما شاء كان وما لم يشأ لم يكن ، فعَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ t ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ r، قَالَ : " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ ، لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ ، تَغْدُو خِمَاصًا ، وَتَرُوحُ بِطَانًا " صحيح سنن ابن ماجه.
والتوكل على الله من صفات المؤمنين قال تعالى ( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانَا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ ) الأنفال 2
ومن التوكل على الله الأخذ بالأسباب فهو ملازم للتوكل ومن تمامه ليس بينهما فارق أو تنافر،وقال أبو مسعود كان أهل اليمن أو ناس من أهل اليمن يحجون ولا يتزودون ويقولون نحن المتوكلون فأنزل الله سبحانه ( وتزودوا فإن خير الزاد التقوى ) ([25])
وها هو عمر بن الخطاب - حين لَقِيَ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ،جاءوا بغير زاد فَقَالَ : " مَنْ أَنْتُمْ ؟ " . قَالُوا : نَحْنُ الْمُتَوَكِّلُونَ ، قَالَ : " بَلْ أَنْتُمُ الْمُتَّكِلُونَ ، إِنَّمَا الْمُتَوَكِّلُ الَّذِي يُلْقِي حَبَّهُ فِي الأَرْضِ ، وَيَتَوَكَّلُ عَلَى اللَّهِ " ([26]).
3-التواضع:
فالحاج حينما يخلع ملابسه ويلبس إزاراً ورداءً؛ فإنه يعلن بذلك عن تواضعه وانكساره لله رب العالمين. والتواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس وتدعو إلى المودة والمحبة ونشر الترابط بين الناس ونبذ الحسد والبغض والكراهية من قلوبهم وفوق هذا كله فإن التواضع دليل على محبة الله؛ دل عليه قوله - تعالى (وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ) لقمان
وعَنْ أبي هريرة t أَن رسول اللَّه r قال" ما نَقَصَتْ صَدقَةٌ من مالٍ، وما زاد اللَّه عَبداً بِعَفوٍ إِلاَّ عِزّاً، ومَا تَوَاضَعَ أَحَدٌ للَّهِ إِلاَّ رَفَعَهُ اللَّهُ "([27])
4-الصبر
الناظر في فريضة الحج يرى أنها تجمع بين جميع مجالات الصبر ،ومن ذلك:
أ- الصبر علي طاعة الله
وذلك بأداء مناسك الحج من إحرام ومبيت في مني والمزدلفة ووقوف بعرفة ورمي جمرات وذبح أضحية وحلق وطواف وسعي وتحلل وغيره من الأمور التي يتطلبها أداء الفريضة علي الوجه الأكمل والمشروع طمعا في تحقيق الجزاء الأوفى في قوله r " ، وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّة([28])
ب- الصبر على المعاصي
وذلك بإجتناب الرفث والفسوق والجدال بالباطل وغيرها من السلوكيات السيئة والأخلاقيات غير الكريمة تطبيقا لقول الله تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ ۚ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ۗ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللَّهُ ۗ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَىٰ ۚ وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ )البقرة 197
ج- الصبر على مفارقة الأهل والأوطان وتحمل التكاليف والنفقات طمعا فيما عند الله من الثواب والخيرات فقد قال تعالى ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) سبأ 39
د- الصبر على المتاعب والمشاق البدنية في الحل والترحال والانتقال من بلد إلي بلد ومن مشعر إلي آخر ومن مكان إلى مكان .
5-التقوى
فالتقوى خير زاد: ﴿ وَتَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ ﴾ البقرة.
وهي خير لباس: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ ﴾ الأعراف.
وهي خير ميراث: ﴿ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً ﴾ مريم.
وهي خير تركة لمن بعدك: ﴿ وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً ﴾ النساء.
6-توثيق الوحدة والروابط الإسلامية
فمن منافع الحجِّ العظيمة تقوية الروابط الإسلامية وتوثيق هذه الصلات من وحدة وأخوة بين المسلمين ؛ فالحج موسم عظيم، تتجسد فيه وحدة المسلمين في أبهى مظاهرها وأجمل حللها، حيث تذوب الفوارق، وتتلاشى الحواجز، اذ يجتمع المسلمون من أقطار الأرض حول البيت العتيق يبتغون رحمة العزيز الغفار؛ ربهم واحد، ودينهم واحد، وقبلتهم واحدة ،وهدفهم واحد، وشعار الجميع (لبَّيكَ اللهمَّ لبَّيك) خضوعاً وانقياداً وامتثالاً.
فالحج يشعرنا أمة الإسلام بوحدتنا التي من الله تعالى بها علينا حين أكرمنا بهذا الدين العظيم، وهذا النبي الذي دعا إلى الله تعالى فأجابه أبو بكر العربي وسلمان الفارسي وصهيب الرومي وبلال الحبشي، فصهرهم الإسلام في بوتقة واحدة حتى صار شعار الواحد منهم:
أبي الإسلام لا أب لي سواه ** إذا افتخروا بقيس أو تميم
إنه الشعور بالانتماء لهذه الأمة؛ الانتماء الذي جعل سلمان الفارسي حين سئل: ابن من أنت؟ يقول: أنا ابن الإسلام
إنها الوحدة الحقيقة، فمهما اختلفت اللغات، ومهما تعددت الجهات، ومهما تنوعت الجنسيات، فديننا واحد، وربنا واحد، وقبلتنا واحدة، لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى؛ فنحن أمة الوحدة والتضامن والأخوة، رغم أنف كل من حاول تشتيت هذه الأمة، قال تعالى(إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء 92
فالوحدة مقصد عظيم من مقاصد الإسلام ،تنوعت أساليب القرآن والسنة في الدلالة على وجوبه ،قال تعالى (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً...)آل عمران 103.
فحرى بنا أن نتعلم هذا الدرس العظيم؛ إذ أن المتأمل في أحوالنا اليوم يجد أن هذا الأمر(الوحدة) من أهم الأمور التي تمس واقعنا المعاصر، وذلك نظرا لأننا نرى أن العنصرية، أو القبلية قد أطلت برأسها تريد أن تفرق جماعتنا، وتشتت صفوفنا تحت مسميات زائفة، رفضها الإسلام وأبطلها؛ قال تعالى ( وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) الأنعام 153.
إن التعاضد والاتحاد يصنع النصر المحقق والقوة المرهوبة ،وينهض بالأمم والحضارات، أما التنازع والاختلاف يضعف الأقوياء ويهلك الضعفاء، فليست ثمة قضية أجمع عليها المسلمون قديما وحديثا مثلما أجمعوا على خطورة التفرق والتنازع، وأن الاجتماع قوة تتضاءل إلى جانبها كل القوى المتفرقة وان التفرق ضعف لا يضاهيه ضعف ، لذلك نهى الإسلام عن الفرقة ،فقال تعالى (وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) الأنفال ومن ثم كان لزاما علينا أن نحقق معاني الوحدة والأخوة بالتكافل والتراحم والتعاون على الخير، ودفع كل شر ،والعمل على رفعة ديننا والحفاظ على وطننا، وعدم الانقياد خلف دعاة الهدم والفرقة.
كونوا جميعاً يا بني إذا اعتــرى

**
خطب ولا تتفرقوا آحــــادا 
تأبى الرماح إذا اجتمعن تكسراً

**
وإذا افترقن تكسرت أفرادا قواكا 


اللهم إنا نسألك أن ترزقنا حج بيتك الحرام وان تجعل حجنا مبرورا وذنبنا مغفورا الله آمين

وصلِّ اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد





([1]) السلسلة الصحيحة
([2]) صحيح مسلم
([3]) متفق عليه
([4]) السلسلة الصحيحة
([5]) السلسلة الصحيحة
([6]) السلسلة الصحيحة
([7]) صحيح الترغيب والترهيب
([8]) صحيح الجامع
([9]) صحيح سنن أبي داود
([10]) متفق عليه
([11]) صحيح البخاري
([12]) متفق عليه
([13]) صحيح مسلم
([14]) صحيح البخاري
([15]) صحيح البخاري
([16]) صحيح البخاري
([17]) صحيح البخاري
([18]) صحيح البخاري
([19]) صحيح مسلم
([20]) صحيح سنن الترمذي
([21]) تفسير ابن كثير
([22]) السلسلة الصحيحة
([23]) السلسلة الصحيحة
([24]) متفق عليه
([25]) صحيح البخاري
([26]) السلسلة الصحيحة
([27]) السلسلة الصحيحة
([28]) صحيح مسلم 
التعليقات
0 التعليقات

ليست هناك تعليقات